أصول الفقه - ج ١

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٥٣٩

والاعم بلا شبهة كما لو قلنا بالحقيقة الشرعية ، نعم إنما يتأتّى الاشكال على القول الثاني. أما القول الثالث فالاشكال فيه أقوى ، وقد عرفت اندفاع الاشكال على القول الثاني وعدم اندفاعه على القول الثالث ، فتأمل.

قوله في الكفاية : في أنّ قضية القرينة المضبوطة ... إلخ (١).

لا يخفى أنّ مثال القرينة العامة المضبوطة هي كون الأمر عقيب الحظر أو في مقام توهمه ، يكون قرينة عامة على عدم إرادة الالزام بالفعل ، وبعد ثبوت هذه القرينة العامة يقال هل مقتضاها الحكم بارادة تساوي الطرفين على وجه لا يحمل على رجحان الترك وهو الكراهة إلاّ بقرينة اخرى ، أو أنّ مقتضاها هو مجرد عدم إرادة الالزام بالفعل الشامل لتساوي الطرفين ، أو رجحان الترك أو رجحان الفعل إلاّ بقرينة اخرى ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فانّ لنا قرينة عامة دالة على عدم إرادة الدعاء الخالص وأنّه قد قيّده الشارع بقيود ، فهل مقتضى تلك القرينة العامة الدالة على التقييد هو التقييد بجميع الأجزاء والشرائط ، ولا يحمل على مجرد التقييد في الجملة إلاّ بقرينة اخرى وهو القول بالصحيح ، أو أنّ مقتضى تلك القرينة العامة هو مجرد التقييد في الجملة ، ولا يحمل على خصوص الجامع إلاّ بقرينة اخرى وهو القول بالأعم.

لكنك قد عرفت أن القرينة العامة إنّما تتصور في المجازات ، أما بعد أن فرضنا أنّ لفظ الصلاة لم يستعمل إلاّ في الدعاء ، وأن الشارع زاد عليه أجزاء وقيودا فلا حاجة فيه إلى هذا التطويل ، بل الذي ينبغي هو الأخذ باطلاق الدعاء في كل قيد مشكوك ، ولو فرضنا بعيدا أنه أمر بالدعاء وقال

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤.

١٤١

إنّه مقيد بقيود في الجملة ، كان اللفظ مجملا ، سواء كان الدال على التقييد الاجمالي متصلا أو منفصلا ، ولا دخل في ذلك للقول بالصحيح ولا للقول بالأعم.

وإن شئت فقل : إن مقام الصحيح والأعم إنّما هو مقام التسمية أو مقام الاستعمال ، فانّه يقع الكلام في ان الموضوع له أو المستعمل فيه هل هو الصحيح أو هو الأعم. وهذان المقامان سابقان على رتبة الأمر والمأمور به. وهذه القيود التي زادها الشارع في الدعاء بناء على رأي الباقلاني (١) إنما هي في مقام الأمر والمأمور به ، بمعنى أن الشارع عند تعلق أمره بالدعاء زاد فيه قيودا وأجزاء ، وأين ذلك من مقام التسمية أو مقام المستعمل فيه.

قوله : فمعنى الصحة واحد وهي التمامية التي يعبّر عنها بالفارسية بـ « درستى » (٢).

لا يخفى أنّه قدس‌سره يقول بأنّ الجزئية والشرطية من الامور الانتزاعية لعدم تأصلها بالجعل ، وانّما المجعول للشارع ابتداء هو الأمر المتعلق بالمركب المشتمل على الشرائط الخاصة ، وعن ذلك الأمر ينتزع الجزئية والشرطية لكل واحد من أجزاء ذلك المركب وشرائطه ، وبناء على ذلك لا يكون جزئية الجزء وشرطية الشرط إلاّ متأخرة عن تعلق الأمر بالمركب ، وهو أعني تعلق الأمر بالمركب متأخر عن مقام التسمية. فهذه التمامية التي هي عبارة عن تمامية أجزاء المأمور به وشرائطه لا تكون إلاّ متأخرة عن مقام تعلق الأمر ، فكيف يعقل القول بأنّ الصلاة اسم للتام الذي هو الجامع لتمام أجزاء المأمور به وشرائطه ، وحينئذ لا يكون القول بالوضع للصحيح بمعنى

__________________

(١) التقريب والإرشاد ١ : ٣٩٥.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٥١.

١٤٢

التام معقولا فضلا عن عدم وجود الجامع. ولو كان معقولا من هذه الناحية أعني ناحية أخذ تمام أجزاء المأمور به في المسمى لم يتوجه عليه إشكال الجامع ، لأن كل واحد من المراتب المختلفة يكون مأمورا به ولو في ذلك الحال من الاضطرار أو النسيان ، والجامع هو التام الجامع للأجزاء والشرائط المأخوذة في ذلك الأمر.

ثم لا يخفى أنّ هذا الاشكال أعني إشكال عدم معقولية أخذ ما ينتزع عن الأمر في المسمى الذي هو متعلق الأمر لا يختصّ بالقول بالصحيح ، بل هو متأتّ على القول بالأعم أيضا ، لأنه عبارة عن دعوى عدم كون الموضوع له هو خصوص التام من تلك الأجزاء ، بل إنّ الموضوع له هو الأعم من التام والناقص. وعلى كل حال ، يكون الموضوع له هو الأجزاء التي لا تتحقق جزئيّتها إلاّ بعد تعلق الأمر ، سواء قلنا إن الموضوع له هو التام كما هو معنى القول بالصحيح ، أو الأعم منه ومن الناقص كما هو معنى القول بالأعم.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ المتأخر عن الأمر إنما هو جزئية أجزاء المأمور به لا أجزاء المسمى ، بمعنى أنّ جزئية جزء المسمى هي غير جزئية جزء المأمور به ، والمتأخر في الرتبة عن الأمر إنما هو الثاني ، والسابق في الرتبة على الأمر إنما هو الأول ، ومقام التسمية إنما هو الأول دون الثاني ، فتأمل.

والحاصل : أنّ جزء المسمى بلفظ الصلاة أو شرطه مثلا إنما هو باعتبار كونه دخيلا في الملاك الباعث على الأمر بها ، وان كان حصول ذلك الملاك متوقفا على الأمر بها والاتيان بها بداعيه ، ومن الواضح أن كون الجزء أو الشرط دخيلا في الملاك الباعث على الأمر لا يكون إلاّ سابقا في الرتبة

١٤٣

على الأمر ، وهذا أعني كون الجزء أو الشرط دخيلا في الملاك المذكور هو مقام التسمية ، ثم بعد الفراغ عن ذلك المقام وبعد تعلق الأمر بذلك المركب ينتزع عن ذلك الأمر جزئية الجزء للمأمور به ، فجزئية الجزء بمعنى دخله في ملاك الأمر لا تكون إلاّ واقعية منتزعة من مدخليته في الملاك ، وجزئيته للمأمور به لا تكون إلاّ شرعية منتزعة من تعلق الأمر بالمركب منه ومن غيره ، وحيث إنّ الامور الانتزاعية لا واقعية لها إلاّ بمنشإ انتزاعها ، فلا واقعية لهذه الجزئية ، ولا تحقق لها إلاّ باعتبار تحقق منشأ انتزاعها وهو تعلق الأمر بذلك الجزء في ضمن تعلقه بالكل ، أما الجزئية السابقة في الرتبة على تعلق الأمر التي قلنا إنها عبارة عن مدخلية ذلك الجزء في الملاك الباعث على الأمر ، فهي وان كانت واقعية بمعنى كون ذلك الجزء جزءا من مجموع ما يترتب عليه الملاك ، إلاّ أنها ليست بشرعية بل هي واقعية تكوينية ناشئة عن المدخلية في الملاك ، بل لو لم نقل بالملاك وبالمدخلية كانت تلك الجزئية سابقة في الرتبة على الأمر ، لأن مرتبة ما هو متعلق الأمر سابقة في الرتبة على نفس الأمر ، فلا بد أن يكون اعتبار الجزئية والتركيب سابقا على تعلق الأمر. نعم إنّ اتصاف ذلك الجزء من ذلك المركب الاعتباري بكونه جزءا من المأمور به يكون متأخرا عن تعلق الأمر بذلك المركب الاعتباري ، فيصح لك أن تقول إن جزئية الركوع مثلا لذلك المركب الاعتباري سابقة في الرتبة على تعلق الأمر ، وإن كانت جزئيته لما هو المأمور به متأخرة عن الأمر ، والاولى غير منتزعة من الأمر بخلاف الثانية.

وبالجملة : أن جزء الملاحظ حال تعلق الأمر لا يكون منتزعا من الأمر ليكون متأخرا في الرتبة عنه ، بل هو سابق في الرتبة على تعلق الأمر أو مقارن له في الرتبة ، ولكن الجزئية المنتزعة من تعلق الأمر تكون متأخرة في

١٤٤

الرتبة عن تعلق الأمر ، وهذه الرتبة أعني رتبة تعلق الأمر هي التي تجري فيها البراءة عند الشك في الجزئية ، لا الجزئية السابقة على الأمر أو المقارنة له ولا المتأخرة عنه ، وإن كان لازم نفي الأمر بذلك الجزء هو نفي الجزئية في كلا الرتبتين أعني السابقة على الأمر واللاحقة له ، فتأمل.

قوله : الثاني أن يكون الجامع هو الذي يترتب عليه النهي عن الفحشاء الذي هو علة التشريع وغرض من المأمور به ، فان وحدة الغرض تكشف عن وحدة المؤثر ... إلخ (١).

الظاهر أنّ هذا الوجه وكذا ما بعده راجع إلى ما في الكفاية من قوله : ولا إشكال في وجوده ( يعني الجامع ) بين الأفراد الصحيحة ، وإمكان الاشارة إليه بخواصه وآثاره ، فان الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذلك الجامع ، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما ... إلخ (٢).

والظاهر من الكفاية هو أن الجامع المسمى بلفظ الصلاة هو المؤثر الذي تترتب عليه تلك الآثار لا الآثار نفسها ، ولا العنوان المشتق منها كي يتوجه عليه الاشكالات التي أفادها شيخنا قدس‌سره بل إنّ عبارته الأخيرة القائلة : بأنّ الجامع إنما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات ، متحد معها نحو اتحاد ، وفي مثله تجري البراءة ، وإنما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب ... إلخ (٣) صريحة في أنّ الجامع المسمى بلفظ الصلاة ليس هو تلك

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٥٦.

(٢) كفاية الاصول : ٢٤.

(٣) كفاية الاصول : ٢٥.

١٤٥

الآثار أعني النهي عن الفحشاء ، بل الجامع إنما هو المؤثر لا بقيد كونه مؤثرا وانما اخذ المؤثر معرّفا له ، فالجامع المأمور به المسمى بلفظ الصلاة هو ذات المؤثر ، وهو وإن كان بسيطا إلاّ أنه لمّا كان عنوانا لتلك المركبات ، وكان متحدا معها اتحاد الكلي ومصاديقه والطبيعي وأفراده ، كان الأمر المتعلق به أمرا بتلك المركبات وفي مثله تجري البراءة ، نعم لو كان المسمى والمأمور به هو تلك الآثار ، أو كان هو المؤثر بقيد كونه مؤثرا لم يصح إجراء البراءة عند الشك في تحققه ، وذلك واضح كما شرحناه فيما علقناه على الكفاية فراجع.

والحاصل : أنّه لا ريب في أنّ في البين ماهيات مخترعة ، وإن وقع الكلام في أنّ هذه الألفاظ قد وضعها لها صاحب شريعتنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فتكون من الحقائق الشرعية ، أو أنها موضوعة لها قبله فتكون من الحقائق اللغوية ، أو أنها لم توضع لها لا في لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا فيما قبله وإنما استعملها هو صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الماهيات مجازا. فانّ هذا الخلاف إنما هو في دلالة اللفظ على تلك الماهية ، فهو لا يضر بما ذكرناه من كونها ماهية من الماهيات غايته أنها من الماهيات الاعتبارية. كما أنه لا ريب أيضا في انقسام تلك الماهيات إلى ما هو الصحيح والفاسد ، وانما وقع الكلام في أن الموضوع له اللفظ بناء على الحقيقة الشرعية أو اللغوية ، أو المستعمل فيه اللفظ بناء على عدم ذلك ، هل هو الشامل لكل من الصحيح والفاسد أو أنه مختص بخصوص الصحيح.

وعلى كل حال ، هناك معنى وضع اللفظ له أو استعمل فيه ، وذلك المعنى لو كان له لفظ آخر يؤديه ويحكي عنه غير لفظ الصلاة لعرفناه به ، كما نقول : الغضنفر أسد ، لكن هذا المعنى سواء كان هو خصوص الصحيح

١٤٦

من تلك الماهية أو كان هو الأعم من الصحيح والفاسد ليس له لفظ آخر فاذا سألنا السائل عنه بأنه ما هو ، لزمنا في الجواب عنه تعريفه بآثاره. فبناء على القول بالصحيح نقول إنه هو المؤثر في النهي عن الفحشاء مثلا كما هو الشأن في كل ماهية ليس لها من الألفاظ ما هو موضوع لها إلاّ لفظ واحد ، فانا إذا أردنا أن نبيّن ما وضع له ذلك اللفظ لا مندوحة لنا إلاّ بأن نبيّنه بآثاره ولوازمه.

وإن شئت فقل : إنّ الجامع ليس هو إلاّ معنى الصلاة ، وأنّ الموضوع له ذلك اللفظ ليس هو إلاّ ذلك المعنى ، لكن لو سألنا سائل عن حقيقة ذلك المعنى لم يكن لنا مندوحة إلاّ أن نعرّفه بآثاره.

ومن ذلك كله تعرف الجواب عما أفاده شيخنا قدس‌سره (١) من الاشكال على ما في الكفاية ، بأنّ الجامع لا بد أن يكون قريبا عرفيا يعرفه العرف ، فلا يصح أن يكون ملاكيا.

وبيان الجواب : هو ما عرفت من وجود الجامع العرفي القريب وهو معنى الصلاة ، غايته أنّ ذلك المعنى ليس له لفظ آخر غير لفظ الصلاة ، فاذا سألنا عن حقيقته نعرّفه للسائل بآثاره ولوازمه كما هو الشأن في كل لفظ وضع لماهية خاصة ولم يكن لتلك الماهية لفظ آخر يدل عليها ، فانّ تلك الماهية التي وضع لها ذلك اللفظ تكون هي الجامعة بين أفراده ، ولو سألنا سائل عن تلك الماهية بأنها ما هي ، لم يكن لنا بد من الجواب عن هذا السؤال بتعريفها بآثارها ولوازمها.

نعم ، يبقى السؤال عن منشأ هذه الملازمة بين هذه الأفعال وبين

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٥٥.

١٤٧

النهي عن الفحشاء ، فان كان هي العلية التامة كانت من الأسباب التوليدية وإلاّ كانت من المعدّات ، فلا ملازمة حينئذ ، اللهم إلاّ أن يدّعى أنّ ترتب ذلك عليها نظير ترتب الثواب بوعد من صادق الوعد. وعلى كل حال أنّ ذلك اشكال آخر ، وحاصله أنه لا تلازم بين الصلاة والنهي إلاّ اقتضائيا ، فيخرج عن كونه من آثارها.

وفي تقريرات درس بعض أعاظم العصر ( سلمه الله تعالى ) (١) بعد نقله عبارة الكفاية في تصوير الجامع على القول بالصحيح ما هذا لفظه : أقول : أما تصوير الجامع الذاتي بين أفراد الصلاة مثلا فغير معقول ، فإنّ الصلاة ليست من الحقائق الخارجية ، بل هي عنوان اعتباري ينتزع عن امور متباينة كل واحد منها من نوع خاص وداخل تحت مقولة خاصة ، وليس صدق عنوان الصلاة على هذه الامور المتباينة صدقا ذاتيا بحيث تكون ماهية هذه المتكثرات عبارة عن الحيثية الصلاتية.

ثم إنّه تختلف أجزاؤها وشرائطها باختلاف حالات المكلفين من السفر والحضر والصحة والسقم والاختيار والاضطرار ونحو ذلك ، وعلى هذا فلا يعقل تصوير جامع ذاتي بين أجزائها في مرتبة واحدة فكيف بين مراتبها المتفاوتة. وأما الجامع العرضي فتصويره معقول ، حيث إنّ جميع مراتب الصلاة مثلا بما لها من الاختلاف في الأجزاء والشرائط تشترك في كونها نحو توجه خاص وتخشّع مخصوص من العبد لساحة مولاه ، يوجد هذا التوجه الخاص بايجاد أول جزء منها ويبقى إلى أن تتم ، فيكون هذا التوجه بمنزلة الصورة لتلك الأجزاء المتباينة بحسب الذات ، وتختلف كمالا

__________________

(١) وهو السيد البروجردي سلّمه الله تعالى [ منه قدس‌سره ].

١٤٨

ونقصا باختلاف المراتب ... إلخ (١).

ولا يخفى أنّ ما تضمّنته الحاشية (٢) راجع إلى هذا الاشكال أعني استحالة الجامع الذاتي. وعلى ذلك الاشكال جرى الآملي (٣) في تقريره درس الاستاذ العراقي. وقد ذكره الاستاذ العراقي قدس‌سره في مقالته ، فراجعه من صفحة ٣٩ إلى قوله : وحينئذ فلا قصور أيضا في تشبيه الصلاة بالكلمة والكلام من حيث الجامع الوجودي لا الذاتي الماهوي ... إلخ (٤).

ولكن لا يخفى أنّ أجزاء الصلاة وان كانت مختلفة ، فبعضها من مقولة الوضع وبعضها من مقولة الفعل ، إلاّ أنّ الاسم المجعول لذلك المركب من الحقائق المختلفة لا يكون قدرا جامعا بين تلك الأجزاء ، ألا ترى أنّ السكنجبين ليس قدرا جامعا بين الخل والسكر.

وبالجملة : أنّ الجامع الذي نتطلبه ليس هو الجامع بين أجزائها كي يقال إن المقولات المختلفة لا جامع بينها لكون المقولات من الأجناس العالية ، بل الجامع الذي نتطلبه إنما هو بين هذه الصلاة وبين الصلاة الاخرى المخالفة لها في الجملة في الأجزاء والشرائط ، ومن الواضح أن المجموع المركب ليس من الماهيات الحقيقية ، بل هو من الماهيات الاعتبارية الناشئ عن لحاظ الوحدة الاعتبارية بين تلك الأجزاء ، وحينئذ نقول إنّ الاسم المجعول لتلك الماهية الاعتبارية أعني لفظ الصلاة مثلا هو الجامع الذاتي بين أفرادها ، أعني هذه الصلاة وتلك الصلاة بالنسبة إلى تمام

__________________

(١) نهاية الاصول ١ : ٤٧.

(٢) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٥٦.

(٣) بدائع الأفكار : ١١٦.

(٤) مقالات الاصول ١ : ١٤٢ ـ ١٤٣.

١٤٩

الأفراد المتوافقة في الأجزاء والشرائط أو المختلفة فيها في الجملة ، حتى ما كان منها مشتملا على الركعتين وما كان منها مشتملا على أربع ركعات ، ولا يكون إلاّ من قبيل الماهية لا بشرط الجامع بين الماهية بشرط لا والماهية بشرط شيء.

ثم لا يخفى أن المانع من الجامع الذاتي هو اختلاف أجزاء الصلاة بالمقولة فكيف يعقل أن يكون لها جامع عرضي ، فانّ المقولات هي الأجناس العالية للأعراض ، فكيف يعقل أن تكون معروضة لعارض آخر. بل إنّ فرض الجامع بين هذه الأجزاء ـ سواء كان ذاتيا أو كان عرضيا ، وسواء كانت تلك الأجزاء متحدة الهوية أو كانت مختلفة الهوية ـ يفسد المسألة من ناحية اخرى ، لأن مقتضى استناد الأثر إلى الجامع خروج الأجزاء عن كونها أجزاء في العلة على وجه يكون ترتب الأثر متوقفا على اجتماعها ، بل يوجب كون المسألة من باب اجتماع العلل التامة المتعددة على وجه يكون كل واحد منها كافيا في ترتب ذلك الأثر لو انفرد عن غيره ، وأين هذا مما نحن فيه ممّا تكون العلة مركبة من أجزاء متعددة على وجه يكون ترتب الأثر متوقفا على اجتماعها بحيث إنه لو انتفى جزء واحد منها ينتفي الأثر بالمرة.

والحاصل : أنّ لنا ثلاث مسائل ، الاولى : العلل التامة المتباينة المتبادلة بحسب الوجود.

الثانية : هي تلك المسألة لكن اتفق اجتماع تلك العلل التامة المتباينة. وفي هاتين المسألتين لا بد من وجود الجامع بين تلك العلل المتباينة بحسب الصورة ، ويكون المؤثر هو ذلك القدر الجامع وهو واحد لا تعدد فيه ، سواء كانت أفراده متبادلة الوجود أو اتفق اجتماعها. ولا بد أن

١٥٠

يكون ذلك القدر الجامع ذاتيا ، إذ لو كان عارضا خرجت ذوات تلك الأفراد عن العلية ، وكانت العلة هي ذلك العارض ، وهو خلاف الفرض من كون العلل هي ذوات تلك الأفراد ، غايته أن نسبة القدر الجامع إلى تلك العلل كنسبة الجنس إلى الأنواع التي هي تحته.

الثالثة : هي العلة المركبة من أجزاء متباينة ، سواء كانت متحدة الهوية أو كانت مختلفة الهوية ، وهي لا تتوقف على الجامع الذاتي أو العرضي ، بل إن فرض الجامع بينها يخرجها عن أجزاء العلة ويجعلها من قبيل أفراد العلة. وفي الحقيقة لا تكون العلة إلا تمام ذلك المركب من تلك الأجزاء ، أعني أن العلة هو اجتماع تلك الأجزاء كما هو الشأن في جميع الآثار المترتبة على المركبات ، سواء كانت الآثار شرعية أو كانت تكوينية ، وسواء كان التركب حقيقيا أو كان اعتباريا.

ثم بعد تحرير هذه الكلمات راجعت حاشية العلاّمة الاصفهاني قدس‌سره على الكفاية مراجعة سطحية إذ لم تكن حاضرة عندي ، والذي أظن أنّ المأخذ لهذه الاشكالات في هذه التحريرات واحد.

وحاصل الاشكال : أنّ الأفراد المركبة من مقولات متباينة لا يعقل أن يكون لها جامع ذاتي. وإن شئت فقل إن الأفراد المؤلفة من العوارض المختلفة لا يعقل الجامع الذاتي البسيط بينها ، لأن الأعراض بأسرها بسائط فلا جنس لها كي يكون هو الجامع الذاتي بين تلك الأفراد المؤلفة من تلك الأعراض المختلفة.

قلت : ولا يعقل أن يكون الجامع من الأعراض ، إذ لا أعراض للأعراض ، وحينئذ ينحصر الأمر في الجامع بكونه انتزاعيا لا حقيقيا سواء كان ذاتيا أو عرضيا.

١٥١

قلت : ولا ريب حينئذ في أنّ العلة في ذلك الأثر الواحد ليس هو ذلك الجامع الانتزاعي ، إذ الانتزاعي لا واقعية له ، ولا بد حينئذ من الالتزام بكون العلة في ذلك الأثر الواحد هو نفس ذلك المركب ، ففي الأفراد من الصلاة المتحدة أجزاء وشرائط لا إشكال ، لأن العلة هو ذلك المركب الجامع لجميع الأجزاء والشرائط ، فكلما وجد ذلك المركب بتمامه ترتب عليه معلوله.

ويبقى الاشكال في الأفراد الصحيحة المتفاوتة في الأجزاء والشرائط ، ولا بد حينئذ من الالتزام بأنّ ذلك التفاوت مع فرض صحة الجميع يكون موجبا لاختلاف تلك الأفراد المتفاوتة بحسب المرتبة ، وحينئذ لا بد من الالتزام باختلاف المرتبة في الأثر على حذو تفاوت درجة الحرارة المعلولة للنار مثلا المفروض اختلافها في المرتبة من حيث القلة والكثرة.

والخلاصة : هي أنّ المركبات الخارجية ، سواء كانت من جواهر كما في المعاجين وكما في السكنجبين ، أو كانت مركبة من أعراض متحدة بحسب الهوية والمقولة ، أو كانت مختلفة بحسب المقولة ، يكون الكلام فيها في مقامين :

المقام الأوّل : مقام نفس الأجزاء ، وهذه لا يعقل أخذ الجامع فيها وإلاّ لخرجت عن كونها أجزاء وعادت أفرادا لذلك الجامع على وجه لو كان في البين أثر لم يكن متوقفا على اجتماعها.

المقام الثاني : مقام أفراد ذلك المركب مثل هذا المعجون وذلك المعجون الآخر ، وهذا السكنجبين وذلك السكنجبين الآخر ، وهذه الصلاة وتلك الصلاة الاخرى ، ولو كانتا متوافقتين من حيث الأجزاء والشرائط ، فنقول : إنّه لا يعقل وجود الجامع الذاتي البسيط بين تلك الأفراد ، لأنّه

١٥٢

منحصر بالجنس أو النوع لهاتيك الأفراد ، ولا بد أن يكون أوسع من تلك الأفراد ، إلاّ إذا كانت أجزاء ذلك المركب عبارة عن جميع ما هو مندرج تحت ذلك الجنس أو ذلك النوع ، وإلاّ لم يكن هو الجامع المطلوب في المقام ، لأنّه لا بد من كونه مانعا مضافا إلى كونه جامعا. هذا في الجامع البسيط الذاتي.

وأما الجامع العرضي ، فهو مضافا إلى عدم معقوليته في المركب من الأعراض وإنما يمكن في المركب من الجوهر ، لا يكون نفسه هو المؤثر ذلك الأثر المترتب على ذلك المركب ، بل إنّ المؤثر هو المركب نفسه لا الجامع العرضي المنطبق عليه. وهكذا الحال فيما لو فرضناه انتزاعيا.

وإذ قد انسد علينا باب الجامع البسيط كان المتعين هو الجامع المركب ، لكنه إنما يجدي في المركبات من الأجزاء المحدودة المعدودة مثل السكنجبين والمعاجين ، فان الجامع فيها ما يكون من أجزائه المحدودة المعدودة ، فيصح أن ينظر المخترع إلى ما ألّفه من تلك الأجزاء الخاصة ويجعل له اسما خاصا.

أما إذا لم تكن الأجزاء مضبوطة ومحدودة ، بل كانت متبادلة ومختلفة من حيث العدد والكيفية ، فلا يمكن الجامع المركب بين أفراده كما في الصلاة الصحيحة ليضع له لفظا مخصوصا حتى بطريق الاشارة إليه بما لو أمر به لكان مسقطا للأمر ، أو بعنوان المطلوب أو المؤثر الأثر الكذائي ، فانّ المشار إليه بهذه العناوين لمّا كان يختلف حاله من حيث الكيفية والقلة والكثرة ، لم يصح وضع اللفظ لكل واحد من تلك المركبات المختلفة إلاّ بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، وهو أيضا متوقف على وجود الجامع البسيط ليكون حاكيا عن تلك المركبات المختلفة ، هذا كله على

١٥٣

القول بالصحيح.

وأما على القول بالأعم فلا مانع منه ، بأن يكون الموضوع له هو ما يتألف من هذه الأجزاء ، قليلا كان أو كثيرا ، صحيحا كان أو فاسدا ، ويكون حال لفظ الصلاة بالنسبة إلى تلك الأجزاء التي تتألف منها حال لفظ القوم والرهط والركب والعشيرة والقبيلة ، بل حال الكلام أو الكلم بالنسبة إلى الأجزاء التي يتركب ويتألف من مجموعها لا من جميعها. وأما الآثار مثل النهي عن الفحشاء ومثل قربان كل تقي وعمود الدين ونحو ذلك ، فالظاهر أنها لا تترتب على المسمى ، وإنّما تترتب على ما يكون متعلقا للأمر ويكون مسقطا ومبرئا للذمة ومقرّبا منه تعالى بالاتيان بها بداعي [ الأمر ] وبنيّة القربة منه تعالى.

لا يقال : إنكم بعد إسقاطكم هذه الآثار عن المسمى وإلحاقها بما هو المأمور به ، أعني ما يؤتى به من تلك الأفعال بداعي الأمر والقربة منه تعالى فلا مانع لكم من الالتزام بوجود جامع بسيط انتزاعي بين هذه المركبات. نعم الجامع الذاتي لا يعقل في جميع المركبات الخارجية ، والعرضي لا يعقل في خصوص ما نحن فيه ممّا هو مركب من الأعراض ، أمّا الجامع الانتزاعي فلا مانع [ منه ].

لأنّا نقول : نعم إنّه لا مانع منه عقلا ولكن أين هو وما هو ، ولو تصورناه لم يكن هو الموضوع له لفظ الصلاة ، إذ لا ريب في أن الموضوع له لفظ الصلاة في عرفنا وفي عرف الشارع أيضا ليس إلاّ نفس تلك الأفعال دون ما يتخيل انتزاعه عنها.

ومن ذلك كله يظهر لك أنّ المتعين هو القول بالأعم ، وأنّه هو الصحيح من القولين دون القول بالصحيح ، فلا حاجة في الاستدلال عليه

١٥٤

بالتبادر ونحوه ، لما عرفت من عدم معقولية القول بالصحيح ، فيتعين القول [ بالأعم ](١) هذا لو كان في البين وضع أو استعمال في معنى جديد ، أما على قول الباقلاني (٢) وما هو أعلى منه من كون الموضوع له والمستعمل فيه هو الخشوع والحضور ونحو ذلك فلا ريب أنه يسقط القولان معا.

بقي الكلام فيما أفاده في التقرير المشار إليه من كون الجامع العرضي هو التوجه الخاص ، فكأنه مبني على ما أفاده في مبحث الحقيقة الشرعية وأنّ الصلاة ليست إلاّ ذلك التوجه الخاص الذي كان عليه أهل الأديان السابقة بقوله : وكان كل واحد من الأديان الصحيحة والباطلة يوجد فيه عمل مخصوص وضع مثلا لأن يتوجه به العبد إلى مولاه ويتخضّع لديه بنحو يليق بساحة من يعتقده مولى له ، ولا محالة كان لهذا السنخ من العمل في كل لغة لفظ يخصه ، وكان في لغة العرب وعرفهم يسمى بالصلاة ـ إلى قوله : ـ فانظر إلى قوله تعالى : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاء وتصديقة )(٣) حيث سمى ما كان يصدر عنهم بقصد التوجه المخصوص إلى المولى صلاة ، غاية الأمر أنّه تعالى خطّأهم في إتيان ما يشبه اللهو بعنوان الصلاة ... إلخ (٤).

ولا يخفى أنّ هذه الطريقة هي أوسع من طريقة الباقلاني ، لأنّه يخصّها بالدعاء ، وهذه الطريقة أوسع من ذلك ، لأن المدار فيها على الحضور والخشوع والخضوع ، وقد عرفت أنه بناء عليها لا يكون لنا حقيقة

__________________

(١) [ لا يوجد في الأصل ، وإنّما أضفناه للمناسبة ].

(٢) التقريب والإرشاد ١ : ٣٩٥.

(٣) الأنفال ٨ : ٣٥.

(٤) نهاية الاصول ١ : ٤٤.

١٥٥

شرعية بل ولا مجاز في ماهيات جديدة ، وحينئذ ينعدم النزاع في الصحيح والأعم ، بل يكون المستعمل فيه هو ذلك الدعاء أو ذلك الميل والانعطاف نحو الرب ، غايته بزيادة أجزاء وشرائط كما عرفت توضيح ذلك فيما مرّ عليك من المقدمات.

والحاصل : أنّ لازم ذلك هو أن تكون الصلاة عبارة عن نفس ذلك الخضوع والخشوع ، سواء كان ذلك بالتصفيق والصفير ، أو كان بالقيام والقراءة والذكر والسجود والركوع ، وعليه فلا تكون الصلاة مركبة من أجزاء وشرائط مختلفة في المقولة أو متحدة بحسبها ، وهذا خروج من الفرض فلاحظ وتدبر.

ثم إنّه أشكل على ما في الكفاية (١) بقوله : وأما ما في الكفاية من تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما ، فيرد عليه : أن المتبادر من لفظ الصلاة ليس هذا السنخ من المعاني والآثار ، كيف ولو كان لفظ الصلاة موضوعا لعنوان الناهي عن الفحشاء مثلا لصار قوله تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )(٢) بمنزلة أن يقول : الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ينهى عن الفحشاء والمنكر ، وهذا واضح الفساد (٣).

وقد عرفت أنه ليس مراد صاحب الكفاية قدس‌سره هو أخذ هذه العناوين والآثار في الموضوع له ، بل هي معرّفات لما هو الموضوع أو المستعمل على ما عرفت توضيحه ، وحينئذ لا يلزمه كون الصلاة مرادفة للنهي عن

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤.

(٢) العنكبوت ٢٩ : ٤٥.

(٣) نهاية الاصول ١ : ٤٨.

١٥٦

الفحشاء أو الناهي عنها. ولو سلّمنا أن صاحب الكفاية يدّعي الترادف فلا يرد عليه الاشكال المزبور ، لأنّ مفاد الآية الشريفة حينئذ بمنزلة قولنا إنّ الأسد غضنفر ، فتأمل.

قوله في الحاشية : فالمستفاد من الروايات الكثيرة ... إلخ (١).

يمكن القول بأنّ ما دل على كون افتتاحها التكبير وختامها التسليم (٢) مسوق لبيان الصلاة المأمور بها لا لبيان ما هو المسمى ، وكذلك قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٣). وهكذا حال الركوع والسجود.

قوله : ومن هنا لو كبّر ـ إلى قوله : ـ لصح صلاته ... إلخ (٤).

كأنّه ناظر إلى الجامع على الصحيح ، والمفروض هو تصوير الجامع على الأعم.

قوله : ثم إنه لا استحالة ـ إلى قوله : ـ إذا كان ما أخذ مقوّما للمركب مأخوذا فيه لا بشرط ... إلخ (٥).

مقتضى أخذه لا بشرط في مقام التسمية ، أنّ وجود غيره وعدم وجوده أجنبي عن التسمية ، لا أنّه على تقدير وجوده يكون دخيلا في المسمى ، لأن معنى كون الأركان لا بشرط هي المسمى هو أنّه لو انضم إليها الأجزاء الأخر لا يكون مخلا بالتسمية بالنسبة إلى الأركان. ومحصّل كون الأركان هي المسمى لا بشرط ، أنّ الأركان التي وضعت لها لفظ الصلاة غير مقيدة بوجود باقي الأجزاء ولا بعدمها ، فلا يشترط في كون الأركان مسماة

__________________

(١) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٦٠.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١ وغيره.

(٤) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٦٠.

(٥) أجود التقريرات ١ ( الهامش ) : ٦٠ ـ ٦١.

١٥٧

بالصلاة وجود هذه الأجزاء و، فاللابشرط بشرط في قبال أخذها بالنسبة إلى باقي الأجزاء بشرط شيء أو أخذها بالنسبة إليها بشرط لا ، فكيف يعقل حينئذ أن تكون الأجزاء عند وجودها دخيلا في المسمى ، بل أقصى ما في البين هو أنّ وجودها وكذلك عدمها لا يخل في تحقق المسمى.

ومن ذلك يتّضح لك الحال في لفظ الدار لو قلنا بأنها موضوعة لما تركّب من الساحة والغرفة والحيطان ، فانّه بناء على ذلك لا يكون وجود السرداب فيها لو اتفق وجوده فيها دخيلا بالمسمى ، بل لا يكون إلاّ أجنبيا ، غايته أنّ وجوده لا يخل بتحقق مسمى الدار ، كما أنّ عدمه لا يخل بذلك.

وعلى كل حال ، أنّ هذا التوجيه للجامع على القول بالأعم ممّا لا يرضى به القائل بالأعم ، لأنّه لو اختل أحد هذه الامور لا يكون اختلالها مضرا بالتسمية عند الأعمي ، نعم لو تم هذا الوجه لكان ذلك الجامع أوسع من القول بالصحيح وأضيق منه على القول بالأعم ، وهكذا الحال في بقية الجوامع ، فلاحظ وتدبر.

قوله : والقول بأنّ الموضوع له هو الأركان بحسب الجعل الأوّلي والبقية أبدال لها فاسد ، إذ الالتزام بالبدلية إنما يمكن في مقام الإجزاء كما على الصحيح لا في المسمى ... إلخ (١).

يمكن الجواب من قبل المحقق (٢) بأنّ مقام التسمية لا بد فيه من جهة لاحظها المسمي الذي هو الواضع من الدخل في المصلحة ونحو ذلك من الأغراض المترتبة على ذلك الترتيب وهاتيك التسمية ، ومن الممكن أن

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٦١.

(٢) [ أي صاحب القوانين قدس‌سره حيث ذهب إلى كون الموضوع له هو الأركان ، راجع قوانين الاصول ١ : ٤٣ ـ ٤٤ ، ٦٠ ].

١٥٨

تكون مراتب الركوع دخيلة في حصول ذلك الغرض ، بأن يكون الأصل في الركوع هو الأصل في حصول ذلك الغرض ، لكنه لو تعذر يقوم مقامه غيره في حصول ذلك الغرض ويكون حال التسمية حال الأمر.

قوله : وأما الدعوى الثانية ، فان التزم قدس‌سره بأنّ بقية الأجزاء خارجة دائما فهو ينافي الوضع للأعم ، فان المفروض صدقها على الصحيحة أيضا ... إلخ (١).

يمكن الجواب من قبل المحقّق باختيار هذا الشق الأول ، ولا يرد عليه صدقها على الصحيح بتمام أجزائه ، بل للمحقق أن يلتزم بأنّ المدار في الصدق على الأركان ، وأنّ انضمام التشهد مثلا إليها لا يدخله في المسمى بل يكون من المقارنات الاتفاقية التي لا يكون وجودها دخيلا ولا عدمها معتبرا ، لما عرفت من أنّ الأركان مأخوذة بالقياس إلى باقي الأجزاء لا بشرط ، في قبال أخذها بالقياس إليها بشرط شيء أو بشرط لا كما شرحنا فيما علقناه على الحاشية للمقرر.

نعم ، الظاهر أنه يرد على المحقق قدس‌سره ما أفاده في الكفاية (٢) من الايراد على كون الجامع هو الأركان ، بأنّ التسمية عند القائلين بالأعم لا تدور مدار الأركان ، فانّ الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء الفاقدة لبعض الأركان يصدق عليها الصلاة عند الأعمي ، كما أنها لو كانت فاقدة لجميع الأجزاء ما عدا الأركان لا يصدق عليها الصلاة عند الأعمّي ، ومقتضى كون الجامع هو الأركان هو عدم صدق الصلاة على الأول وصدقها على الثاني.

ثم لا يخفى أنّ صاحب الكفاية قدس‌سره أورد على المحقق قدس‌سره ثانيا بغير ما

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٦١.

(٢) كفاية الاصول : ٢٥.

١٥٩

أورده عليه الاستاذ قدس‌سره لكنه من سنخه ، وذلك هو لزوم التجوز في الاستعمال بالصحيح لكونه من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للجزء الذي هو الأركان في الكل الذي هو الأركان مع باقي الأجزاء.

ويمكن الجواب عنه : بنظير ما أجبنا به الإيراد الثاني لشيخنا قدس‌سره ، لامكان القول بأنّ الصلاة بعد فرض كون معناها هو الأركان لا يستعمل إلاّ في الأركان نفسها ، وإن قارنها باقي الأجزاء ، فانّها أعني باقي الأجزاء لا تكون داخلة في المستعمل فيه كما لا تكون داخلة في الموضوع له.

ثم إنه أعني صاحب الكفاية (١) ذكر الجامع الثاني على القول بالأعم وهو معظم الاجزاء التي يدور عليها التسمية ، فقد جعل الأمرين أعني المعظم والذي يدور عليه التسمية أمرا واحدا ، ولكن شيخنا قدس‌سره جعلهما أمرين ، وإن قال في الأخير بامكان رجوعه إلى الأول ، وملخص ما أورده صاحب الكفاية على هذا الجامع أمور ثلاثة :

الأول : لزوم المجازية لو استعمل اللفظ في الصحيح الجامع لجميع الأجزاء ، المعظم منها وغيره.

الثاني : لزوم التبادل بمعنى كون مثل التشهد داخلا في المسمى لو وجد مع الباقي وخارجا عنه لو كان مفقودا.

الثالث : لزوم التردد في المعظم عند الاستعمال في الصحيح الجامع لجميع الأجزاء.

وهذه الايرادات مبنية على أنّ المراد بالمعظم هو المعظم من الأجزاء من هذه الصلاة ، فان كل صلاة لها معظم وغير معظم. أما الايراد الأول

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٦.

١٦٠