تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٣

المولى علي الروزدري

تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٣

المؤلف:

المولى علي الروزدري


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-54-X
ISBN الدورة:

الصفحات: ٣٨٢

الحقيقي ، إذ معه يكون الظنّ قاطعا لهما ، فمع كونه صوريّا لا يلزم منه ذلك أصلا كما لا يخفى.

ثمّ إنّ فرض مصلحة في السلوك أو في الأمر به ، وبعبارة أخرى : فرض تدارك الشارع لفوت مصلحة الواقع أو الوقوع في مفسدته المستندين إلى أمره بالعمل بالظنّ سواء كان تداركه إيّاها بمصلحة نفس السلوك أو بمصلحة خارجيّة أو تفصيل فيه ، إنما يرفع المانع من التعبّد بالظنّ من جهة محذوري نقض الغرض وتفويت الواقع على المكلّف أو إيقاعه في مفسدته ، لكن لا يرفع شبهة التناقض بين الحكمين في مورد مخالفة الظنّ للواقع مع أنه لا ينفع في رفع (١) أوّل هذين ، وهو نقض الغرض على تقدير كون الغرض في مورد متعلقا بخصوص فعل شيء مع أداء الظنّ إلى خلافه ، وإنّما ينفع فيما إذا كان الغرض أعمّ ، بأن يكون مطلق إيصال النّفع إلى المكلّف ولو بغير مصلحة الفعل الّذي أدّى الظنّ إلى مطلوبيّة غيره ، لكن لما تبيّن (٢) تعلّق غرض الشارع في جميع الواجبات بإيقاع نفسها ، ويحتمل كونه أعم ولو بالنسبة إلى بعضها ، لصح (٣) الجواب به عن مدّعي امتناع التعبّد بالظنّ من جهة استلزامه لنقض الغرض ، فإنّ الظاهر أنه مدّع للسلب الكلّي ، فيكفي في مقابلة الإيجاب الجزئي ، مع أنه يحتمل أن يكون الغرض في الجميع أعمّ.

وكيف كان ، فيكفي قيام احتماله في بعضها نقضا.

والحاصل : أنه يمكن أن يكون مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع أو مفسدته مع كون الغرض أعمّ من خصوص إيقاع الفعل الواجب واقعا ، فلا يرد

__________________

(١) في « أ » دفع ، عوض : رفع.

(٢) في « ب » لم يتعيّن ، بدل : تبيّن.

(٣) في « ب » يصحّ.

٣٦١

شيء من المحذورين المذكورين مطلقا.

وأمّا شبهة التناقض بين الحكمين والتنافي بينهما فأوجه وجوه الذبّ عنها أنه لا يلزم الاجتماع في غير الصورة التي يكون العلم أغلب مطابقة فيها من الظنّ أصلا ، لأنّ الظنّ في غير تلك الصورة حجّة بنفسه بحكم العقل.

وبعبارة أخرى : إنه إذا كان التقدير تقدير مساواة الظنّ للعلم في المصادفة ، فضلا عن أغلبيته مطابقة من العلم ، فالعقل يحكم بحجيّة الظنّ في ذلك التقدير ، ويقبح عنده المنع من العمل به ، فيكون كالعلم حال حصوله طريقا منجعلا غير محتاج إلى جعل أصلا ، فلو فرض أمر الشارع بالعمل به في هذا التقدير لكان إرشاديّا محضا ، إذ لا يترتب عليه وجوده أزيد ممّا كان يترتّب على صورة عدمه وعدم اطّلاع المكلّف بكون التقدير هذا التقدير لا يصير ذلك الأمر شرعيّا ، فإنّ العقل إنّما يستقلّ بحجّيّة الظنّ فيه من غير تقييده بعلم المكلّف به ، فلعلّ المكلّف قد يعتقد كون التقدير غيره ، لكنه لا يغير الواقع حتى يكون الأمر المذكور شرعيّا.

وبالجملة : حكم العقل بحجّية الظنّ في هذا التقدير نظير حكمه بقبح الظلم معلّق على موضوع عامّ سار في جميع مصاديق الموضوع الواقعية ولو مع عدم علم المكلّف في (١) مورد بكونه من مصاديقه ، بل ومع قطعه بعدم مصداقيّته له ـ أيضا ـ فليس في تلك الصورة حكم آخر وراء الحكم المجعول واقعا ، حتى يجتمع حكمان شرعيّان متنافيان في مورد.

وأمّا في الصورة المذكورة ـ أعني صورة أغلبيّة مصادفة العلم للواقع من الظنّ المفروض ـ فاعتبار الظنّ فيها وإن كان منوطا بأمر الشارع ، فيلزم من اعتباره فيها اجتماع حكمين في مورد واحد إذا أدّى الظنّ إلى خلاف الواقع ،

__________________

(١) العبارة في النسختين مضطربة ففي « أ » : عدم المكلف في. وفي « ب » : عدم علم المكلف به في.

٣٦٢

لكن امتناع اجتماع حكمين مطلقا ممنوع ، بل الّذي يقتضيه التحقيق والتعميق جوازه في المقام ، نظرا إلى عدم كون الحكمين المذكورين كليهما في مرتبة واحدة ، كما أشرنا إليه.

وتوضيحه : أنّ التنافي بين الأمر والنهي في فرض اجتماعهما في مورد واحد في المقام الّذي هو أوضح صور توهّم التنافي بين الحكمين إمّا من جهة أنفسهما ، وإما من جهة ما يلزمهما.

لا سبيل إلى الأول مطلقا حتى فيما إذا كانا في مرتبة واحدة ، فإنّ نفس الإنشاءين لا تنافي بينهما بالضرورة.

وعلى الثاني : إما أن يكون التنافي بالنظر إلى ما يلزمهما من المكلّف ـ بالفتح ـ وإما بالنظر إلى ما يلزمهما من المكلّف ـ بالكسر ـ

لا سبيل إلى أوّل هذين ـ أيضا ـ في المقام ، إذ المفروض كون المكلّف ـ بالفتح ـ معذورا في أحد الطلبين ، وهو الطلب الواقعي الّذي أدّى الظنّ إلى خلافه ، ومعه لا يصحّ توجيه الطلب المخالف لذلك الطلب إليه وتنجّزه عليه فعلا ، فإنّ جهة المنع بالنظر إليه منحصرة في لزوم التكليف بما لا يطاق وهو مندفع باختلاف الطلبين بالنسبة إليه من حيث الشأنية والفعلية.

فانحصر جهة التنافي والمنع فيما يلزمهما من المكلّف بالكسر ، وغاية ما يتصوّر أن يقال من المانع من جهته (١) هي : أنّ الأمر ملزوم للإرادة ، وهي الشوق النفسيّ المؤكّد ، والنهي ملزوم للكراهة ، وهي البغض النفسيّ كذلك ، فيمتنع اجتماعهما في مورد واحد ، لاستلزام اجتماعهما فيه اجتماع الحبّ والبغض المتنافيين.

وأوجه ما يدفعه أنّ غاية ما يلزم في مقام الأمر والنهي إنّما هي وجود

__________________

(١) في النسختين ( من جهة ).

٣٦٣

المقتضي للحبّ والبغض من المصلحة والمفسدة ، وأما فعليّة الحب والبغض ـ أيضا ـ فغير لازمة جدّاً.

وبعبارة أخرى : الّذي يوجب الإيجاب والتحريم إنّما هو وجود ذات المصلحة والمفسدة من غير توقّف على تأثيرهما في الحبّ والبغض الفعليّين ـ أيضا ـ فربما تؤثران في الأمر والنهي ، ولا تؤثّران في الحبّ والبغض معا ، بل تؤثّر إحداهما في أحدهما (١) لأجل مانع من تأثير الأخرى في الآخر كاتّحاد موردهما ، أي مورد الحبّ والبغض كما في المقام.

وبعبارة ثالثة أوضح : أنّ الأمر والنهي ليسا معلولين للحبّ والبغض بأن يكون المؤثّر فيهما هما ، ويكون المؤثّر في ذينك المصلحة والمفسدة فيتوقّف صدورهما على تأثير المصلحة والمفسدة في ذينك لذلك ، إذ عليه يلزم من صدورهما بدون تحقّق الحبّ والبغض وجودهما بدون العلّة الموجدة لهما ، ولا مشاركين معهما (٢) في العلّة ـ أيضا ـ حتى يكون انتفاؤهما أو انتفاء أحدهما ملازما لانتفاء أحدهما أو كليهما ، بل هما بالنسبة إليهما من قبيل أمرين مشتركين في المقتضي لهما ، المتوقّف تأثيره في أيّ واحد منهما على عدم مانع من تأثيره فيه ، فكلّ واحد من المصلحة والمفسدة يتوقّف ـ في تأثيره الحبّ أو الأمر أو البغض أو النهي ـ على عدم مانع في المورد من تأثيرهما ، فربما يوجد مانع من تأثيرهما في الحبّ والبغض دون المانع من تأثيرهما في الأمر والنهي ، ولمّا لم يكن تناف بين نفس الأمر والنهي مطلقا فالمفروض (٣) انتفاء التنافي بينهما ـ في المقام ـ من جهة اللوازم ـ أيضا ـ نظرا إلى أنّ الحبّ والبغض وإن كانا متنافيين لكنهما ليسا ملازمين لهما ، وأنّ التنافي بينهما بالنظر إلى المكلّف قد مرّ عدمه فيما نحن فيه بالاختلاف بينهما

__________________

(١) في « أ » يؤثران أحدهما في أحدهما ، وفي « ب » يؤثر أحدهما في أحدهما تأثير الآخر.

(٢) في « أ » معها.

(٣) في « أ » المفروض ، وفي « ب » والمفروض.

٣٦٤

من حيث الشأنيّة والفعليّة.

مضافا إلى ما مرّ من ثبوت الاختلاف في عالم جعلها من أنّ الحكم الظاهريّ الّذي جاء من جهة الأمر بسلوك الظنّ على أنه الواقع ، وأنه حاك عنه ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يكون إلاّ بعد الفراغ عن جعل الحكم الواقعي ، فلا مانع في المقام من تأثير المصلحة والمفسدة كلتيهما في كليهما معا فعلا ، فيؤثّران فيهما كذلك.

وأمّا الحبّ والبغض لمّا كانا متنافيين ، والمفروض اتّحاد موردهما ، فيمتنع تأثيرهما في كليهما فعلا ، بل لا بدّ من اختصاص أحد ما بأحد ما مع المرجّح ، ومع فقده يمتنع تأثير شيء منهما في شيء منهما ، ولا يلزم ـ من عدم فعلية تأثير المفسدة الواقعية أو مصلحتها في الحبّ والبغض ـ تصويب أصلا ، لفرض فعليّة تأثيرهما في الأمر والنهي ، والتخطئة. والتصويب يدوران مدار ثبوتهما واقعا لغير العالم أو عدم ثبوتهما كذلك ، لا على ثبوت الحبّ والبغض على حسب ما يقتضيه المصلحة والمفسدة الواقعيّتان.

ثمّ إنّ الترجيح ثابت لجهة الحكم الظاهري على تقديره ؛ لأنّ المفروض أنّ الشارع إنّما تعبّد بمؤدّى الظنّ لمصلحة اقتضت هي أمر المكلّف مع تمكنه من دفع مفسدة الواقع بالعمل على مقتضى الظنّ ، المفروض تأديته إلى الوقوع فيها ، واقتضت جعل المكلّف معذورا في مخالفة التكليف الواقعي المستندة إلى عمله بالظنّ بعد ما لم يكن معذورا فيها بحكم العقل قبل أمر الشارع بالعمل به ، واقتضاء تلك المصلحة لذلك إنما يكون على تقدير غلبتها على مفسدة الواقع ورجحانها عليها ، فتكون مؤثّرة فعلا في محبوبيّة الفعل المحرّم واقعا ، فهو في حال قيام الظنّ على وجوبه ـ مثلا ـ مع عدم تبيّن خطئه ليس إلاّ محبوبا.

وكيف كان فقد ظهر ممّا حقّقنا دفع الوجهين المحكيّين عن مدّعي امتناع التعبّد بالظنّ من استلزامه لجواز التعبّد به في الإخبار عن الله تعالى ومن

٣٦٥

استلزامه لتحليل الحرام وتحريم الحلال.

وتوضيح الجواب عنهما : أنّ الكلام في إمكان التعبّد به ، ونحن نسلّم أنّ إمكانه مستلزم لإمكان التعبّد به في الأخبار عن الله تعالى لكن لا دليل على بطلان اللازم وامتناعه ، وإنما الدليل على عدم وقوعه ، وكذا نسلّم استلزامه لتحليل الحرام ولعكسه ، لكن لا محذور فيه بعد فرض قيام مصلحة اقتضت ، كما في موارد (١) الشبهات البدوية من غير قيام ظنّ فيها على حلّيّتها أصلا لما قد عرفت من أنّ الوجوه المتصوّرة التي ربما يتوهّم كونها مانعة منه لا ينهض للمنع.

هذا خلاصة الكلام في المقام.

وينبغي التنبيه على أمور :

أحدها : أنّ التعبد بالظن على تقدير وقوعه بمعنى الأمر بالسلوك على طبقه بمنزلة خطابات جزئية متعددة بحسب تعدد موارد قيام الظن المتعبد به فإذا قام هو على وجوب امر أو أمور وعلى حرمة أمور وعلى إباحة ثالثة وعلى كراهة رابعة وعلى استحباب خامسة فيجب في مرحلة الظاهر الإتيان بالأولى وترك الثانية ويجوز كلا طرفي الفعل والترك في الثالثة ويرجح الترك في الرابعة والفعل في الخامسة بمقتضى ذلك الأمر الواحد المتعلق بالسلوك على طبق الظن لأن السلوك على طبقه عنوان كلّي يختلف مصاديقه باختلاف مؤدى الظن في الموارد الخاصة فإن السلوك على طبقه في الأولى إنما يتحقق بالالتزام بالفعل [ و ] في الثانية إنما يتحقق بالالتزام بالترك وفي الثالثة بعدم الالتزام بشيء منهما (٢) وعدم ترجيح أحدهما على الآخر وفي الرابعة بترجيح الترك ترجيحا غير لازم وفي الخامسة بعكس ذلك واما صدور خطابات خاصة أيضا في مرحلة الظاهر مماثلة

__________________

(١) في « أ » : كما هو موارد.

(٢) في « أ » : منها.

٣٦٦

لمؤدى الظن في الموارد فغير لازم جدا لأن ذلك الخطاب العام يغني عنها لإفادة ما يفيده هي فهي على تقديرها مؤكدة له.

وثانيها ان الأمر بالسلوك على طبق الظن شرعي لا إرشادي كما لعله ربما يتوهم على بعض الإفهام القاصرة في بادئ النّظر نظرا إلى دوران استحقاق العقاب مدار مخالفة التكليف الواقعي لا على مخالفته فيتوهم منه ان ذلك الأمر لم يأت بشيء جديد بل يكون وجوده كعدمه فيكون إرشاديا.

ويدفعه ان مجرد عدم العقاب على مخالفته من حيث هي مخالفة لا يلازم كونه إرشاديا والا لا تنقض بالأمر بمقدمة الواجب على القول بوجوبها شرعا إذ على تقدير وجوبها كذلك لا عقاب عليها نفسها اتفاقا والآثار لا تنحصر في العقاب حتى يلزم من انتفائه عنه انتفاء الأمر عنه رأسا فيكون وجوده كعدمه فان معذورية المكلف في مخالفة المواقع المنجز عليه في مورد الاشتغال لو لا قيام الظن على خلافها ، وعدم معذوريته في الواقع الغير المنجز عليه في مورد البراءة لو لا قيامه على خلافها من آثار ذلك الأمر فإن المعذورية وعدمها في المقامين أثران جديدان ناشئان منه فكيف يقال لأن وجوده وعدمه سواء.

وان شئت قلت إن انتفاء استحقاق العقاب (١) على مخالفة التكليف الواقعي في المقام الأول وإثباته عليها في الثاني من آثاره وان لم يكن العقاب على تقديره في الثاني على مخالفة نفسه.

ثم ان مخالفة الظن المعتبر قد يلاحظ بالنسبة إلى العمل بالجوارح وقد يلاحظ بالنظر إلى الالتزام به في مقام الظاهر والتدين به كذلك فهي على الأول مخالفة عملية له ، وعلى الثاني مخالفة التزامية وهي على الأول ملازمة لعنوان التجري مطلقا ولمخالفة الواقع إذا كان الظن المفروض مصادفا للواقع. لا شبهة

__________________

(١) العقاب : ساقط من « أ ».

٣٦٧

في استحقاق العقاب عليها أي على مخالفة الظن المذكور من حيث العمل من جهة مخالفة الواقع بمعنى أنه إذا كان متضمنا لتكليف في مورد مع مصادفته للواقع فترك الواقع المكلف العمل به فهو مستحق للعقاب على مخالفة التكليف الواقعي اللازمة في ذلك المورد فإنه منجز للواقع عليه لا محالة.

واما استحقاق العقاب عليها من جهة التجري فهو مبني على حرمة التجري كما قويناها في محلها.

واما استحقاقه عليها من حيث هي مع قطع النّظر عن تلك (١) الجهتين فالظاهر عدمه كما أشرنا إليه لأن لزوم العمل على طبق الظن وان كان طلبا شرعيا لكنه مقدّمي بالنظر إلى الواقع فان العمل على طبقه من مقولة المقدمات العلمية لتحصيل العمل بالواقع لأنّ الكلام في الظن المعتبر بعنوان الطريقية المحضة ، ومن المعلوم انه لم يؤمر بالعمل لأجل كون العمل به أحد الواجبات الواقعية وفي عرضها فانه آئل إلى موضوعيته بل إنما أمر به بعنوان كونه طريقا إلى الواقع فوجوب العمل بمتعلقه انما هو بعنوان انه الواقع بمقتضى حكم الشارع وتعبده بطريقية الظن فإذا لم يكن وجوب في الواقع فلا يقتضي ذلك الوجوب الظاهري الحاكي عن الواقع العقاب جدا فهو من هذه الجهة كالطرق العقلية لا يترتب عليه إلا أثر مخالفة الواقع وأمّا (٢) مخالفته من حيث التدين والالتزام فظاهر بعض الأدلة الدالة على اعتبار بعض الأقسام كخبر العادل مما يتضمن الأمر بتصديقه والنهي عن الشك فيه كقوله عليه السلام : لا يحل لأحد

__________________

(١) في « ب » تينك.

(٢) وتظهر الثمرة فيما إذا عمل بذلك الظن لا عن تديّن به ، بمعنى أنّه أوقع العمل على طبقه من غير استناد إليه وأنّ مؤداه دين له في الظاهر ، فبنفي وجوب التديّن لعبا مستحق العقاب من جهة تركه إيّاه في الفرض المذكور وعلى عدم وجوبه كذلك فلا شيء عليه حينئذ من جهته ، لمحرّره عفا الله عنه. الحاشية من نسخة « أ ».

٣٦٨

أن يشك فيما يروي عنا ثقاتنا ، حرمتها واستحقاق العقاب عليها في ذلك القسم الّذي دلت تلك الطائفة من الأدلة على اعتبار فان الأمر بالتصديق والنهي عن التشكيك في خبر العادل الثقة ظاهران في وجوب التدين بما يروي نفسا فمقتضاهما ترتب العقاب على ترك التدين به واما حرمة مخالفة الظن المعتبر مطلقا من حيث التدين فلم يقم دليل عليها.

اللهم الا ان يتمسك بظهور الاتفاق على عدم الفرق بين أقسام الظنون المعتبرة من هذه الجهة بعد إثبات الحرمة في القسم المذكور بما مر.

نعم الظنون المعتبرة في تشخيص الموضوعات الخارجية والحقوق لا يجب التدين بمؤداها قطعا بل لا يعقل التدين بها كما لا يخفى لأن مؤداها ليس حكما شرعيا حتى يتعبد بكونه دينا وانما هي من الأمور الخارجية.

وكيف كان فليس الكلام في المقام فيها وانما هو في الظنون القائمة على الأحكام الكلية والظاهر ثبوت الاتفاق المذكور فيها على نفي الفرق من الجهة المذكورة.

لكن الإنصاف أنّ الأخذ بظاهر ما مر وهو وجوب التدين نفسا مشكل جدا إذ لم يعهد من أحد ـ ممن يعلم ـ القول به وعدّ التدين بالظنون المعتبرة ولو في الجملة من الواجبات مع ان ما دل عليه من الأخبار قد قرع سمع كل أحد.

وربما ينكر بأنه على تقديره مستلزم لاعتبار الظن من باب الموضوعية ومن المعلوم ان الظنون المعتبرة في باب الأحكام الكلية معتبرة من باب الطريقية وهو ينافي وجوب التدين بها نفسا.

لكنه مدفوع بان الثابت بأدلة اعتبار تلك الظنون انما هو اعتبارها من باب الطريقية بالنسبة إلى مؤدياتها وكذا المراد من اعتبارها من باب الطريقية.

وبعبارة أخرى المراد انما هو جعل الشارع مؤدياتها مرآة حاكية عن الواقع لا أحكاما مستقلة منفردة عنها وفي عرضها حتى يلزم اعتبارها من باب

٣٦٩

الموضوعية بالنسبة إلى تلك الأحكام التي أدت هي إليها فيلزم التصويب.

واما وجوب التدين بها فهو ليس من مؤدياتها بل انما هو مؤدى لبعض الأدلة الدالة على اعتبارها كما عرفت فكونها معتبرة موضوعا لذلك الحكم لا ينافي اعتبارها من باب الطريقية المحضة بالنسبة إلى مؤدياتها بل مثبت له لأن وجوب التدين بمؤدى طريق ظني مستلزم لجعل مؤداه طريقا إلى الواقع ومثبتا له من غير فرق بين ان يكون وجوب التدين نفسيا أو غيريا فالتحقيق في وجه الإنكار هو الّذي ذكرنا.

ثم إنه بعد فرض تعذر حمل ما دل على وجوب التدين نفسا عليه يتعين حمله على أحد وجوه ثلاثة على سبيل منع الجمع والخلو.

أحدها : أن يكون ذلك الدليل مستقلا (١) في وجوب التدين لكن على سبيل الكناية بأن يكون الغرض منه الانتقال إلى وجوب العمل بالجوارح على طبق الظن.

وثانيها : أن يكون مستقلا (٢) فيه لكن يكون الغرض منه الإرشاد بان يكون طلب التدين إرشاديا قد قصد به التنبيه على عدم معذورية المكلف إذا عمل على طبق الظن فصادف الحرام الواقعي من غير تديّنه بمؤدى ذلك الظن ادى (٣) إلى خلاف الحرمة إذ لا يبعد استحقاق العقاب على ذلك الحرام إذا كان موافقا للأصل مع قطع النّظر عن الظن بخلافه مع عدم التدين بذلك الظن المخالف له وكذا إذا كان موافقا لدليل محكوم لذلك الظن بان يكون هو بحيث لو لا اعتبار هذا الظن لكان حجة في إثبات الحرام في الظاهر.

وبعبارة أوضح الظاهر ثبوت استحقاق العقاب عقلا على حرام واقعي

__________________

(١) في « ب » مستعملا.

(٢) في « ب » مستعملا.

(٣) كذا وفي « ب » الظنّ الّذي.

٣٧٠

قد قامت حجة عليه من أصل أو دليل لو لا ذلك الظن الّذي ادى إلى خلافها إذا لم يكن ارتكابه استنادا إلى ذلك الظن إذ معه يكون استنادا إلى رخصة الشارع فيقبح العقاب عليه بخلاف ما إذا لم يستند إليه فانه قد فعل الحرام من غير استناد إلى اذن الشارع.

وإن شئت قلت انه إذا لم يستند فيه إلى ذلك الظن فيكون متجريا ، وقد مر في مسألة التجري انه إذا صادف الحرام الواقعي يستحق عليه العقاب وانما الكلام هناك في استحقاق العقاب عليه في صورة مخالفته (١) للواقع فيكون حاصل الوجه المذكور انه قد قصد بإيجاب التدين الإرشاد إلى طريق التخلص من هذا المحذور والأمن منه.

وثالثها : أن يكون المراد به وجوب تنزيل الظن المفروض منزلة العلم في جميع آثاره حتى الآثار العقلية من الإطاعة والعصيان في مرحلة الظاهر ولازمه الحكم بفسق من ترك العمل على طبق ذلك الظن إذا تضمن تكليفا وترتيب آثار الفسق عليه في الظاهر إلى أن يكشف عدم التكليف واقعا كما هو الحال في جميع الظنون المعتبرة فانه لو أدى ظن مجتهد إلى وجوب شيء فتركه أو إلى حرمته فارتكبه يجب على الغير الحكم بفسقه وترتيب آثاره عليه إلى أن يكشف خطأ ظنه ، وكذا الحال فيمن قلدوه.

وثالثها (٢) : لا إشكال في وجوب الإعادة وعدم الاجزاء ـ إذا انكشف خطاء الظن المعتبر مع بقاء زمان من الوقت المضروب للواجب يسع للإتيان به ـ لبقاء الأمر الأول الواقعي المقتضي للإتيان بمتعلقه على ما هو عليه ، وعدم جريان ما يأتي من توهم تدارك الواجب في هذا الموضع لأنّ التدارك إنما يجب

__________________

(١) أي الظنّ.

(٢) أي الأمر الثالث من التنبيهات.

٣٧١

إذا استند ترك الواجب إلى العمل بالظن والأمر به وذلك لا يتحقق هنا لأن تركه على تقديره مستند إلى سوء اختيار المكلف لا إلى أمر الشارع بالعمل بالظن لفرض بقاء زمان من الوقت يسمع له إذ معه يكون فوته مستند إليه لا إلى الشارع.

وبعبارة أخرى انّ المفروض انه عمل بالظن المؤدي إلى خلاف الواقع في أوّل الوقت فالمستند إليه إنما هو ترك الواجب الواقعي في جزء من الوقت ومن المعلوم أن تركه في جزء منه لا يستلزم فوته حتى يجب تداركه على الشارع فلا يجب عليه تداركه بتركه في ذلك الجزء المستند إليه فيكون الواجب باقيا على حاله وكذلك الأمر به فيجب الإتيان به.

نعم لو كان هناك بعض المصالح المتقوّمة بذلك الجزء من الوقت يجب تداركه لاستناد فوتها إلى الشارع كفضيلة إيقاع الواجب في أول الوقت لكنه غير فوت الواجب.

هذا كله على تقدير إتيان المكلف بالفعل بمقتضى الظن المفروض في أول الوقت.

وأما مع عدم إتيانه به كذلك أصلا فوجوب الإتيان بالواجب الحقيقي بعد انكشاف خطاء الظن في غاية الوضوح لأن تركه إياه في أول الوقت مستند إلى نفسه لا إلى العمل بالظن المفروض.

وأما وجوب القضاء إذا ظهر خطؤه بعد خروج الوقت مع عدم عمل المكلف على طبق الظن المفروض في الوقت لا ينبغي الإشكال فيه لأنه حينئذ قد ترك الواجب الواقعي بمشتهى نفسه فلا يجب على الشارع تداركه فيكون هو متروكا من غير تدارك له أصلا فيكون مصداقا للفوت على كلا الوجهين فيجب القضاء بمقتضى الأدلة القاضية به المعلقة على الفوت.

واما مع عمله على طبقه في الوقت فعلى القول بأن القضاء بالأمر الأول

٣٧٢

أيضا لا إشكال في وجوبه لعين ما مر في الإعادة مع بقاء جزء من الوقت يسع لفعل الواجب.

وأما على القول المختار من أنه بأمر جديد فوجهان مبنيان على أنّ الفوت ـ المعلق عليه أدلة القضاء ـ هل هو مجرد ترك الفريضة في وقته حتى يجب في محل الكلام لصدقه عليه ، أو أنه الترك الخاصّ وهو تركه فيه من غير شيء يتدارك (١) به ويقوم بغرضه ومصلحته فلا يجب لأن تركه في الوقت قد وقع مستندا إلى العمل بالظن المأمور به بسلوكه وقد مر أنّه على هذا التقدير يجب على الشارع تداركه ومع تداركه لا يصدق عليه الفوت على هذا الوجه.

ويمكن أن يقال : إنه على الثاني ـ أعني كون الفوت عبارة عن الترك الغير المتدارك ـ أيضا [ أن ] القضاء فيما نحن فيه لا (٢) لأن القضاء بالأمر بل لأنه يمكن أن يكون مصلحة الفريضة المتروكة مبعّضة بأن يكون فيه مصلحة متقومة بالوقت لا تحصل إلاّ به وأخرى غير متقومة به بل تحصل في خارجه أيضا.

وبعبارة أخرى انّ المأمور به بالأمر الأول وإن كان هو الفعل المقيد بإيقاعه في الوقت المضروب له لكن يمكن أن يكون لنفس المقيد أيضا مصلحة أخرى تحصل بغير خصوصية الوقت ومن المعلوم أنه إذا كان الحال في الفريضة كذلك فالواجب على الشارع إنما هو تدارك المصلحة المفوتة بالوقت لا جميع مصالحه لأنها هي التي استند تركها إلى أمر الشارع ، وأما نفس المقيد فحيث إنّ المفروض إمكان تحصيل مصلحة في خارجه فيكون فوتها على تقديره مستندا إلى اختيار المكلف ، إذ لا أمر بالعمل بالظن المفروض ظهور خطائه في خارج الوقت حتى يستند فوتها إليه فنفس المقيد غير متدارك فيكون مصداقا للفوت على

__________________

(١) في نسخة « أ » متدارك.

(٢) « لا » : أثبتناه من « ب ».

٣٧٣

الوجه الثاني فيه أيضا فيشمله أدلّة وجوب القضاء.

هذا لكن الإنصاف اندفاعه :

أما أولا (١) فبأنّ هذا الاحتمال بمجرده غير مجد ، إذ لا بد في إثبات وجوب القضاء بالأدلة المعلقة على الفوت من إحراز صدق الفوت على المورد والعلم به وهذا لا يمكن الا بعد العلم بكونه مما لذات المقيد مصلحة تحصل في خارج الوقت ولا ينفع فيه احتمال كونه كذلك بوجه.

وأما ثانيا فبأنّ التقدير المذكور مع العلم به أيضا لا يدخل في تلك الأدلة المتضمنة للفظ القضاء فانه ظاهر في تدارك الشيء الفائت ومن المعلوم أن الإتيان بنفس المقيد في خارج الوقت ليس تداركا لفائت بل إنما هو إتيان بنفس الواجب في محله كالإعادة.

والتحقيق أنه على تقدير كون الفوت عبارة عن الترك الخاصّ أيضا يشمل أدلة وجوب القضاء للمقام لا لما مر ، بل لأنّ مصلحة سلوك الطريق الظني ليس من شأنها أزيد من تدارك الفريضة ما دام الجهل فمع ارتفاعه يبقى الفريضة متروكة بغير تدارك ، وتدارك سلوك الطريق إياه نظير ما ورد من تدارك النافلة لنقص الفريضة مع أنّه يجب القضاء بعد ظهور النقص فيها اتفاقا.

والسر فيه أنّ وصول تلك المصلحة حال الجهل بالواقع إلى المكلف ليس تداركا للواقع الفائت عليه حقيقة بل إنّما هو من باب عدم خلو هذه عن منفعة

__________________

(١) يمكن دفع الجواب الأوّل بدعوى القطع بقيام مصلحة في نفس المقيّد تحصل في الخارج من وجوب القضاء فيما إذا أخل بالواجب في الوقت رأسا بأنّه لم يأت بمؤدّى الطريق الظنّي فيه أيضا إذ لو لا ذلك لما صحّ إيجاب الشارع للقضاء حينئذ وليس إيجابه من باب كونه واجبا آخر في عرض الواجب الفائت بالضرورة بل إنّما هو من باب تدارك فوته في الوقت وأنّه ذلك الواجب.

ودفع الثاني بمنع ظهور لفظ القضاء فيما ادّعى بل انّما هو ظاهر عرفا ولغة في فعل الشيء الّذي لم يفعله بعد ولم يثبت حقيقة شرعية فيه فيما مرّ. لمحرّره عفي عنه.

٣٧٤

في تلك الحال فإنّ التدارك حقيقة لا بدّ أن يكون بما يسانخ الفائت ويقوم بمصلحته الخاصة به بحيث لا يكون بينهما فرق إلاّ من جهة الوقت ، ومن المعلوم أن سلوك الطريق المخالف للواقع مباين له وهو غير قائم بالمصلحة الخاصة جدا وإنما هو مشتمل على مصلحة أخرى غير تلك نظير النوافل.

ويوضح ذلك (١) أنه لو كان مجرد وصول مصلحة حال الجهل بالواقع المعذور فيه تداركا له لما كان يجب القضاء فيما إذا صلى نافلة فظهر أنّ فيما جعله من الفريضة خلل مع أنّ وجوبه هناك إجماعي وليس هو لدليل خاص عند المجمعين قطعا بل إنّهم قالوا به بمقتضى أدلة القضاء.

وكيف كان لا فرق بين سلوك الطريق الظني المعتبر وبين النافلة من هذه الجهة بوجه قطعا فتأمل (٢).

أقول : الظاهر أن فوت شيء عبارة عن ترك نفس ذلك الشيء وكذا لفظ القضاء عبارة عن إدراك ما تركه من قبل ، فقوله عليه السلام من فاتته فريضة فليقض ما فات منزل على هذا المعنى لعدم اكتنافه بما يصرفه عنه فقوله عليه السلام من فاتته فريضة ظاهر في أنّ موضوع القضاء انما هو ترك نفس الفريضة مطلقا فيصدق مع تدارك مصلحته أيضا فقوله عليه السلام فليقض لا يقضي بخلافه لما عرفت فالقوي هو الوجه الأول من الوجهين المتقدمين وعليه لا حاجة إلى تلك التكلفات المتقدمة.

__________________

(١) في النسختين : ويوضح عن ذلك.

(٢) وجه التأمل : أنّ مجرد ثبوت الاتّحاد بين المقامين من تلك الجهة لا يلازم ثبوت القضاء في هذا المقام لاحتمال أن يكون ثبوته هناك لعدم ثبوت تدارك الفريضة بالنافلة لعدم نهوض ما دل عليه على إثباته أو لأجل قيام إجماع على خلافه فالاستدلال بالاتحاد انّما يصحّ بعد ثبوت التدارك هناك مع وجوب القضاء وأمّا مع عدم ثبوت التدارك فلا اتحاد بينهما لأنّ عدم ثبوته هناك حينئذ وثبوته في المقام لعلّه لفارق بينهما فتأمّل. لمحرّره عفا الله عنه. حرّرت نسخة « أ » عشرين جمادى الأولى ١٣٠٣.

٣٧٥

وإن شئت قلت : إنّ المفروض إنما هو التعبد بالظن على وجه الطريقية المحضة وأنّ المصلحة المفروضة إنما هي على وجه اقتضت التعبد به كذلك فيكون الظن المعتبر شرعا ـ كالطرق العقلية ـ غير قابل للتصرف في مفسدة الواقع أو مصلحته فيكون العمل على طبقه مع فرض مخالفته للواقع وأدائه إلى ترك واجب كترك الواجب مع عدم العمل به رأسا من حيث عدم تصرفه في ذلك الواجب بوجه فيكون ذلك الواجب متروكا بمصلحته القائمة به ، ومصلحة ذلك الطريق الشرعي أمر مباين لتلك المصلحة فلا تصلح لأن تقوم مقامها وانما هي قد وصلت إلى المكلف لئلا يخلو يده عن فائدة في تلك الحال فهي متروكة من غير شيء يقوم مقامها فيكون الواجب المتروك مصداقا للفوت على كلا الوجهين فيه.

٣٧٦

[ في وقوع التعبد بالظن ]

قوله : ( فيقع الكلام في المقام الثاني في وقوع التعبد به في الأحكام الشرعية مطلقا أو في الجملة وقبل الخوض في ذلك لا بد من تأسيس الأصل الّذي يكون عليه المعوّل عند عدم الدليل على وقوع التعبد بغير العلم مطلقا أو في الجملة ) (١).

توضيح الحال في المقام يتوقف على تمهيد مقال :

فاعلم أنّ الركون إلى الظن الّذي لم يعلم التعبد به من الشارع : إمّا أن يكون من حيث عمل الجوارح ، بأن يأتي بالفعل إذا تضمن هو وجوبه أو استحبابه من غير اعتناء باحتمال حرمة الفعل على تقدير قيام ذلك الاحتمال في مورده ، أو يتركه إذا تضمن هو حرمته أو كراهته مثلا من غير اعتناء باحتمال وجوبه على تقدير قيام احتماله لكن من غير تدين وتعبد بكون مؤداه حكم الله الواقعي أو الظاهري.

وبعبارة أخرى إنّ العمل بالظن في الموارد الشرعية كعمله به في الأمور العادية التي يكتفي فيها بالظن ولا يعتني باحتمال مخالفته للواقع من غير ادعاء أن المظنون هو الواقع أو منزل شرعا مقامه ، بل يكون بحيث إذا سئل عنه يقول أنه يحتمل أن لا يكون مجعولا من الله أصلا وأنّه مظنون كونه كذلك.

وإمّا أن يكون من حيث تشخيص حكم الله تعالى به والتدين بمؤداه عمل على طبقه أو لم يعمل أصلا.

وهذا أيضا يتصور على وجهين :

أحدهما أن يتديّن بمؤداه ويعتقد أنّه حكم الله الواقعي من غير تدين

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٩.

٣٧٧

منه أنّ نفس الظن طريق مجعول من الله سبحانه وتعالى في تشخيص أحكامه ، بل إنما تدين بمؤداه من باب عدم اعتنائه باحتمال مخالفته للواقع كعدم اعتنائه به في المقام الأوّل كما في الوجه الأوّل.

وثانيهما أن يتدين بمؤداه على أنه حكم الله الظاهري بأن يعتقد كون نفس ذلك الظن طريقا مجعولا منه تعالى في تشخيص أحكامه من حلاله وحرامه فلأجل ذلك يتديّن بكون مؤداه حكما ظاهريا منه لكون ذلك متفرعا على الجعل والاعتبار.

إذا عرفت ذلك فنقول لا ينبغي الإشكال في جواز الركون إليه على الوجه الأول إذا لم يخالف طريقا أو أصلا يجب العمل بهما ، لعدم المانع منه حينئذ بوجه لأنّ جهة الافتراء على الله والقول به بغير علم لفرض [ عدم ] ادّعائه كونه طريقا مجعولا من الله تعالى ولا كون مؤداه حكما له تعالى ولا من جهة التشريع لفرض عدم تدينه بشيء ولا من جهة مخالفة الواقع لفرض معذوريته حينئذ فيها على تقديرها لأنّ التكليف الّذي لم يقم عليه طريق معتبر أو أصل كذلك يكون المكلف معذورا في مخالفته بحكم العقل والشرع أيضا.

هذا إذا لم يكن في المورد طريق معتبر أو أصل كذلك أصلا.

أمّا مع وجود أحدهما مع موافقته لذلك الظن المفروض ، فعدم المنع من الركون إليه حينئذ أوضح ، إذ مع أحدهما يتأكّد الأمن من العقاب على مخالفة الواقع ، هذا إذا كان الظن المفروض مخالفا للاحتياط بأن يكون نافيا للتكليف مع احتماله.

وأما مع موافقته فانتفاء المانع من الركون إليه بديهي عند كل أحد.

وأمّا إذا خالف طريقا معتبرا أو أصلا كذلك مع وجوب العمل بهما كان يكونا متضمنين للتكليف ومثبتين له بحيث لو عمل بالظن يلزم مخالفتهما فلا ، بأن يكون هو نافيا للتكليف عن موردهما فلا يحرم العمل به حينئذ أيضا شرعا بل

٣٧٨

إنما هو منهي عنه بالنهي العقلي الإرشادي لأن مخالفة الطريق والأصل المعتبرين لا تكون محرمة نفسا بل هما منجزان للواقع على تقديره على المكلف ويجب العمل بهما من باب المقدمة العملية لامتثال التكليف المجمل الّذي تنجز في موردهما عليه ، فيدور استحقاق العقاب على مخالفتها على مخالفة الواقع حقيقة ، فالعقاب على العمل بالظن المذكور دائر مدار مخالفة الواقع بسببه فغاية ما يترتّب على النهي الإرشادي لأجل التحرز عن ضرر العقاب المحتمل وتحصيل الأمن منه المتوقف على العمل بالطّريق أو الأصل المعتبرين.

نعم على القول بحرمة التجري يستحق العقاب مطلقا لتحقق التجري مع الإقدام بمحتمل (١) التحريم مع قيام حجة شرعية على تحريمه في الظاهر (٢).

__________________

(١) كذا في النسختين والصحيح : على محتمل.

(٢) هذا نهاية ما في نسخة « أ » و « ب » المستنسختين عن نسخة الروزدري قدس سره.

٣٧٩
٣٨٠