تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٢

المولى علي الروزدري

تقريرات آية الله المجدّد الشيرازي - ج ٢

المؤلف:

المولى علي الروزدري


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٦

بالمشي مثلا أو بمسح شيء فمشى أو مسح بأكثر مما يتحقّق به مسمى المشي والمسح ، وليس ذلك كلّه إلاّ لكون الأكثر امتثالا للمأمور به.

فتحقّق من ذلك كلّه : أنّ كل ما أوجده المأمور وأتى به حال وجود الأمر من مصاديق المأمور به ، فالامتثال قائم بما أتى به ، فإن كان هو الأقلّ وحده فهو قائم به ، وإن كان الأكثر فهو قائم بالمجموع ، لا الأقلّ الموجود في ضمنه أو المردّد بينهما.

والسرّ في ذلك : أنّ امتثال الأمر إنّما هو بإيجاد المأمور به حال الأمر وفي زمانه ،. فإن اقتصر على الأقلّ فإيجاده إنّما هو به ، فيقوم الوجوب به ، وإن تعدّاه وضمّ إليه الزائد فلا يعدّ الأقلّ حينئذ عرفا إيجادا للمأمور به ، بل المعدود إنّما هو المجموع من حيث المجموع لا غير ، فلذا يقوم به الامتثال والوجوب دون الأقلّ الموجود في ضمنه ، وإن كان بحسب الدقّة مصداقا للمأمور به حينئذ ، فافهم جيّدا.

وكيف كان ، فقد ظهر أنّه على القول بالقدر المشترك في الصورة المفروضة فالامتثال قائم بالجميع معيّنا من غير حاجة إلى معيّن من قرعة وغيرها ، فهو المحسوب واقعا.

وأمّا على القول الآخر فلا يمكن قيامه به ، بل بأحد الآحاد المجتمعة ، ويحتاج التعيين إلى معيّن ، وهذا هو الّذي ينبغي التصديق به في مقام الثمرة.

وأمّا الوجه الأوّل ، فقد ظهر ضعفه من ذلك.

ومما حقّقنا ظهر ـ أيضا ـ مجمل القول في التخيير الشرعي بين الأقلّ والأكثر وأنّه جائز مطلقا.

بخلاف العقلي ـ كما في المقام ـ ، فإنّ الحقّ ـ كما عرفت ـ التفصيل بين صورة الإتيان بالأكثر دفعة ـ بمعنى دفعية أجزائها ـ فيجوز إذا أحرزنا من الخارج جواز فعل أصل الزيادة ، وصورة الإتيان به متدرّج الأجزاء ، فيمتنع

٨١

مطلقا.

ثمّ إنّه قد يقرّر الثمرة بين القولين في الصورة المذكورة ، وهي الإتيان بأفراده مجتمعة دفعة : أنّه على القول بالمرّة ـ حيث إنّ المراد بها الفرد الواحد اللابشرط ـ يقوم الوجوب والامتثال بأحدها من غير تعيين ، ولو احتيج إليه استخرج بالقرعة إن قلنا باعتباره في مثل المقام ، وأمّا على القول بالقدر المشترك فيتعيّن الامتثال في الجميع ، ويكون المتّصف بالوجوب المجموع دون أحدها ، وذلك لأنّ القدر المشترك حيث يكون متعلّقا للأمر ، فهو إنّما يعتبر على وجه لا يصدق على الأقلّ الموجود في ضمن الكلّ المتحقّق دفعة ، بل الّذي يصدق عليه إنّما هو الأقلّ منفردا ومجموع الأكثر المشتمل عليه وعلى غيره المتحقّق دفعة.

وبعبارة أخرى : إنّه اعتبر على وجه يكون أفراده متمايزة في الخارج بالافتراق عن الغير ، بمعنى أنّ كلّ ما حصل منه في الخارج دفعة مع عدم انضمام فرد آخر معه فهو فرد له ، وإن انضمّ إلى غيره فيخرج عن كونه فردا ، ويكون الفرد حينئذ هو المجموع منه ومن غيره المتحقّق دفعة ، فينحصر صدقه على الفرد الواحد فيما إذا وجد بدون انضمام فرد آخر أو أفراد إليه متحققة معه مجتمعة لا مطلقا ، وكذا يكون فردا المجموع (١) من اثنين متحقّقين دفعة بشرط أن لا يكون معهما ثالث ، وثلاثة إذا تحققت مجتمعة بشرط أن لا يكون معها رابع ، وأربعة إذا لم يكن معها خامس ، وهكذا.

فعلى هذا إذا أتى المكلف بأفراد مجتمعة دفعة فمصداقه المأمور به حينئذ هو المجموع لا غير ، بحيث لا يصدق على شيء من الآحاد الموجودة في ضمنه ، فإذا انحصر فرد حينئذ في المجموع فهو حينئذ متحقق بالمجموع ، فيكون هو المتّصف بالوجوب والمحقّق للامتثال دون شيء من الآحاد الموجودة في ضمنه.

__________________

(١) في الأصل : فرد المجموع.

٨٢

هذا ، وفيه : أنّ الاعتبار على الوجه المذكور وإن [ كان ] ممكنا إلاّ أنّه لا دليل عليه ، بل الظاهر من الأمر المتعلّق بطبيعة أنّ المطلوب هي الطبيعة لا بشرط ، ولا ريب في صدقها على كلّ من الآحاد مطلقا لوجودها في ضمنها ، والمجموع من الآحاد في صورة الإتيان بها مجتمعة ليس فردا آخر له مقابل الآحاد ، بل هو نفس تلك الآحاد. نعم هو نوع من أنواع إيجاد الطبيعة ، كما أشرنا إليه آنفا.

فإن شئت قلت : إنّه فرد من إيجاد الطبيعة ـ كما ذكرنا سابقا ـ لا من الطبيعة ، فإنّ إيجاد الطبيعة ـ أيضا ـ مفهوم كلّي له أفراد منها إيجادها بأفراد مجتمعة.

وكيف كان ، فالتحقيق ـ ما مرّ منا ـ ، وحاصله :

أنّ امتثال الأمر عبارة عن إيجاد المأمور به بداعي الأمر في حال الأمر ، ولإيجاده أنحاء :

الأوّل : إيجاده بإيجاد فرد واحد منه.

الثاني : إيجاده بإيجاد فردين منه.

الثالث : إيجاده بإيجاد ثلاثة أفراد منه.

والرابع : إيجاده بإيجاد أربعة ، وهكذا ، فإنّ كلّ واحد من تلك المراتب مصداق لإيجاد المأمور به ومنطبق عليه ، مع أنّه يصدق حقيقة على كلّ واحد من الفردين أو الأفراد ـ في غير القسم الأوّل ـ أيضا أنّه فرد للمأمور به.

هذا ، لكن لمّا كان لا يكفي في الامتثال مجرّد إيجاد المأمور به كيف كان ، بل إنّما يتحقّق إذا كان حال بقاء الأمر ، فكلّ نحو من الإيجاد إذا حصل حال بقائه يكون (١) هو امتثالا للأمر ، ويقوم به الوجوب ، وما حكمنا به من عدم قيام

__________________

(١) في الأصل : فيكون ...

٨٣

الامتثال بغير الفرد الأوّل في صور إيجاد أفراد متعدّد متدرّجا (١) ليس لأجل عدم كون الإتيان بأفراد منه متدرجا من أنحاء إيجاده ومنطبقا عليه ، بل لأجل عدم وقوعه حال الأمر ، لارتفاعه بالفرد الأوّل فلا يتّصف المجموع أو الأفراد المتأخّرة بالامتثال والوجوب لذلك ، فلو فرض محالا وقوعها ـ أيضا ـ في حال الأمر لقام الامتثال بالمجموع بلا ريب.

وكيف كان ، فوجه عدم قيام الامتثال بفرد واحد في صورة الإتيان بأفراد مجتمعة دفعة ـ مع أنّ كلّ واحد صالح للامتثال ، بمعنى أنّه لو كان حاصلا وحده لكفى في ارتفاع الأمر ـ أنّ استناد ارتفاع الأمر وحصول الامتثال إلى بعض معيّن ترجيح بلا مرجّح ، إذ المفروض وجود كلّ منها مقارنا لوجود الآخر ، فلا معيّن لاستناد الأثر إلى إحدى العلّتين ـ الواردتين في مورد دفعة معا ـ بخصوصها ، وإلى بعض مردّد لا معنى له ، فإنّه منتزع عن أحدها ، فيكون عبارة عن أحدها ، فيتعين استناده إلى الجميع.

والسرّ في ذلك : أنّ هذا من قبيل توارد علل متعدّدة دفعة على مورد واحد ، فإنّ وجود كلّ فرد علّة تامّة للامتثال إذا حصل حال الأمر منفردا ، لكن حينئذ لا يمكن استناد الأثر ـ وهو الامتثال ـ إلى بعض معيّن ولا مردّد ، بل يصير الجميع حينئذ بمنزلة علّة واحدة فيكون الأثر مستندا إلى المجموع.

ولذا قال أهل المعقول : إنّ العلل المتعدّدة إذا تواردت على مورد واحد دفعة فهي علّة واحدة ، وكيف كان فصلاحيّة المجموع للامتثال إنّما هي من جهة صلاحية أبعاضه ، فإنّه عين تلك الأبعاض وإنّما استند الأثر في المفروض إلى المجموع من حيث المجموع لما ذكر.

فتحقّق من ذلك : أنّ كلّ ما برز من أفراد المأمور به من المكلّف حال

__________________

(١) وصف ( إيجاد ) ، و ( متدرجا ) حال منه.

٨٤

بقاء الأمر فالعلّة إنّما هو تمام ما برز منه حينئذ : إن فردا ففردا ، أو فردين ففردين (١) ، أو ثلاثة فهي ، دون بعضه وإن كان مصداقا له ، ويصدق عليه أنّه إيجاد المأمور به. وليعلم أنّ أفضلية أحد الأفراد المجتمعة في المفروض لا يمكن كونها مرجّحة بحيث توجب تعيين استناد سقوط الأمر إلى ذلك الفرد ، فإنّ الأفضل وغيره من تلك الجهة سواء.

نعم يمكن أن تكون مرجّحة من حيث إعطاء الثواب بأن يختار الآمر ذلك الفرد ويعطي الثواب [ عليه ](٢) أكثر ممّا يعطي على غيره من الأفراد.

هذا كلّه بناء على القول بالمرّة لا بشرط.

وأمّا على القول بها بشرط لا ـ كما احتمله بعضهم في كلام القائل بالمرّة ـ فالثمرة واضحة بينه وبين القول بالقدر المشترك ، إذ عليه لا يحصل الامتثال في الصورة المفروضة أصلا ، وليس مبنيّا على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي ـ كما زعمه بعضهم ـ بل على جوازه ـ أيضا ـ كذلك ، إذ المفروض على هذا القول أنّ المطلوب مقيّد بأن لا يكون معه غيره ، وهو لم يحصل (٣).

ثمّ إنّ المحقّق القمّي (٤) ـ رحمه الله ـ نفى الفرق بين القول

__________________

(١) الأصحّ : إن فردا ففرد ، أو فردين ففردان ...

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) مع أنّه لا معنى لدعوى دلالة الأمر على القول بالمرّة بهذا المعنى على حرمة غير الفرد الواحد ، لأنّ الأمر حينئذ في قوّة قولك : أريد منك فردا واحدا لا يكون معه غيره.

فنقول : أوّلا ـ إنّه لا مفهوم لذلك لرجوعه إمّا إلى اللقب أو الوصف ، ولا يعتبر شيء من مفهوميهما.

وأمّا ثانيا ـ إنّه على تسليم المفهوم فلا ريب أنّه رفع المنطوق ، فإذا فرض هو الوجوب يكون (آ) مفهومه عدمه لا الحرمة ، فافهم. لمحرّره عفا الله عنه.

(٤) في حاشية القوانين. لمحرّره [ عفا الله عنه ]. انظر القوانين : ١ ـ ٩٢ عند قوله : ( فتأمّل حتى يظهر لك حقيقة الأمر ) حيث قال : ( توضيح ذلك أنّا نقول ... إلخ ).

__________________

(آ) في الأصل : فيكون.

٨٥

بالمرّة بشرط وبين القول بالطبيعة من جهة الدلالة على أنّه لا يجب الإتيان إلاّ بفرد واحد ، قال : ( فإنّ المراد من طلب الماهيّة هو إيجادها في الخارج ، وهو لا يمكن إلاّ في ضمن الفرد ، ولا ريب أنّه يحصل بالإتيان بفرد واحد ، فيفهم بدلالة الإشارة أنّه لا يجب في صورة طلب الماهيّة إلاّ إتيان فرد واحد منها ، فما زاد لا يتّصف بالوجوب ـ إلى أن قال : ـ والظاهر عدم الفرق بين انفراد الأفراد (١) في الوجود وبين اجتماعها في عدم مدخلية انضمام كلّ منها [ إلى ] الآخر (٢) في حصول فرد آخر إلاّ أن يحصل به تركّب حقيقي يوجب التغاير ). انتهى موضع الحاجة من كلامه ، ولا يخفى ما فيه :

أمّا في دعواه لدلالة الإشارة المذكورة ، فلأنّا لا نفهم تلك الدلالة بعد فرض أنّ النّظر في الأمر إلى نفس الماهيّة.

وأمّا في نفي الفرق بين الإتيان بالأفراد مجتمعة وبين الإتيان بها متدرّجة فلما عرفت من أنّ عدم إسناد الامتثال والوجوب إلى غير الفرد الأوّل في الثاني لسقوط الأمر حين الإتيان بذلك الغير بخلاف الأوّل ، وقد عرفت أنّه إذا أتى بها محقّقة فعلى القول بالطبيعة فالامتثال بالجميع ، وليس ذلك مبنيّا على كون الجميع فردا آخر للماهيّة كما تخيّله ـ قدّس سرّه ـ بل نقول حينئذ : إنّ الموجود أفراد متعدّدة منها ، ويصدق حينئذ على كلّ واحد أنّه تلك الماهيّة ، لكن اتّصاف المجموع من حيث المجموع دون بعض من جهة ما عرفت من كون ذلك من باب توارد علل متعدّدة على مورد واحد دفعة ، فافهم.

تنبيه : قد عرفت أنّه لا ثمرة بين المرّة بكلا الاحتمالين فيها ـ من كون المراد بها هي لا بشرط أو بشرط لا ـ وبين القول بالقدر المشترك في صورة الإتيان بالأفراد المتعدّدة متدرّجة من جهة حصول الامتثال بالفرد الأوّل

__________________

(١) في حاشية القوانين : ( تدرّج الأفراد .. ).

(٢) في الأصل كما في المصدر : ( ... بالآخر. ) ..

٨٦

ـ بمعنى سقوط الأمر به ـ بمعنى أنّه على القولين يرتفع العقاب عن المكلّف بالفرد الأوّل ، وأنّه لا بعث ولا تحريك حينئذ من قبل الآمر بالنسبة إلى المكلّف.

ثمّ إنّه إذا فرض أنّ الفرد المتأخّر أفضل من المأتيّ به أوّلا في نظر الآمر ، بحيث لو كان آتيا به أوّلا لأعطى الثواب أكثر ممّا أعطى على المأتيّ به الّذي هو أدون منه ، فهل يتصوّر جواز الإتيان به (١) حينئذ بعنوان كونه هو المأمور به الواجب مع قيام دليل من الخارج على جواز ذلك ومشروعيته ، مع أنّ المفروض عدم الأمر الأوّل حينئذ ، بمعنى البعث والتحريك الأوّلي ، أو لا؟ فلا بدّ حينئذ من التأويل في ذلك الدليل ـ إن أمكن ـ بحمله على كون الإتيان به مطلوبا مستقلا أو [ على ] غيره (٢) من المحامل وإلاّ فيطرح لمخالفته للعقل ، مثلا إذا صلّى المكلف منفردا فلا ريب أنّه يرتفع بها استحقاق العقاب على ترك الصلاة ، ثمّ قامت جماعة ، وفرضنا أنّ الدليل الخارجي دلّ على جواز فعل تلك الصلاة ـ أيضا بالجماعة على أنّها تلك الصلاة ، فهل يتصوّر جواز الإتيان بها حينئذ على أنّها الواجبة عليه أو لا ، بل لا بد من فعلها حينئذ بعنوان كونها فعلا مغايرا لها قد امر به نفسا ، بمعنى عدم ملاحظة كونه هو الفعل السابق الواجب عليه قبل؟

الظاهر إمكانه ، فإنّ استحقاق العقاب وإن كان يرتفع بالفرد الأدون المأتيّ به أوّلا يقينا إلاّ أنّه يمكن توقّف حصول الغرض به متوقّفا على عدم إتيان المكلّف بالفرد الأفضل بعده ، بأن يكون بحيث لو اقتصر المكلّف عليه لاكتفى الآمر به وإن لم يقتصر عليه ـ وأتى بالأفضل بعده ـ يقم (٣) الغرض به ، ويكن

__________________

(١) اعلم أنّ هذا على فرض تماميّته ليس من الثمرات بين القول بالمرّة بكلا معنييها وبين القول بالطبيعة ، بل يجري على كلّ منهما ، كما سيأتي الإشارة إليه في آخر التنبيه ، فانتظر. لمحرّره عفا الله عنه.

(٢) في الأصل : بغيره ...

(٣) في الأصل : فيقوم ... ويكون ... ويثاب.

٨٧

هو المحسوب عن المأمور به ويثب عليه دونه ، فيكون المكلّف حينئذ ـ أيضا ـ آتيا بذلك الواجب ـ أيضا ـ فإنّ فعله الأفضل حينئذ على أنّه ذلك الواجب ، فيتحقّق به ذلك الواجب ـ أيضا ـ فيكون هذا امتثالا للأمر السابق ، بمعنى موافقة الغرض المقصود منه وتحصيله.

وإن شئت قلت : إنّ امتثال كلّ أمر عبارة عن الإتيان بالمطلوب منه حال كونه مطلوبا.

وبعبارة أخرى فارسيّة : اينكه امتثال هر امرى عبارت است از آوردن آنچيزي كه خواهش مولى باشد در اين امر در حالت بقاء خواهش او ، ومفروض اينست كه در صورتيكه توقف داشته باشد اكتفاء مولى بفرد ادون بر اقتصار بر او تا آخر وقت فعل بحيثيّتى كه هر گاه بداند يا آنكه احتمال دهد اينكه مكلّف اتيان بفرد افضل ميكند نيز در وقت پس خواهش مولى مرتفع نشده است تا آخر وقت اگر چه بعث وتحريك او مرتفع است ونميتواند عقاب كند عبد را بعد از اتيان بفرد ادون پس هر گاه فرض شد بقاء خواهش او تا آخر وقت ومكلّف اتيان بفرد افضل نيز كرد پس اتيان كرده است بخواهش مولى در حالت بقاء خواهش ومنطبق مى شود اين فرد افضل بآنچيزيكه مأمور به بود كه خود مكلف در اين هنگام همان چيزيرا آورد كه مولى امر باو كرده بود واز روى آن امر آورده بجهت اينكه آوردن او فرد.

افضل را در اين هنگام از روى خواهش است كه در امر اوّل بوده وهست وحقيقة امتثال نيست الا آوردن فعل از روى آن امر واز جهت او در حال بقاء آن امر في الجملة اگر چه بجميع آثارش باقي نباشد ، وشكى نيست اينكه آن امر در صورت مفروضة ببعض آثارش كه خواهش [ است باقي ] باشد ومرتفع بعضى از آثار اوست كه استحقاق عقاب باشد.

آيا نمى بينى هر گاه مولايى از عبدش آب طلب كند در وقت موسّعى كه

٨٨

سعه آوردن دو فرد يا ازيد از افراد آب متدرجا داشته باشد وعبد اوّلا قدحى از آب دريا آورد ومولى احتمال بدهد يا يقين داشته باشد كه عبد بعد از اين تا آخر زمان مقرّر قدحى ديگر از آب فرات مى آورد وخواهش او به آب فرات بيشتر است از آب دريا پس از اين جهت تأخير انداخت آشاميدن آب را يا آنكه اين احتمال هم نميداد يا آنكه غفلت كرد لكن بسبب مانع خارجي آبرا نخورد تا عبد قدح آب فرات آورد از باب اينكه فهميد اينكه ميل مولى باو بيشتر است وهنوز ميلش وخواهشش باقي است ، پس شكى نيست كه گفته ميشود كه عبد در اين هنگام باز اطاعت وامتثال مولى كرده است وخواسته او را آورده است وصحيح نيست اينكه گفته شود در اين هنگام كه مولاى تو آب خواسته بود آوردى پس چرا ديگر بار اين آب را آوردى ، بلكه استحقاق مدح وثواب را دارد (١) بجهت آنكه ثواب موقوف نيست بر بقاء بعث وتحريك حتمي ، بلكه كفايت ميكند در او بقاء بعض آثار او كه خواهش باشد ، بلكه بنظر عرفان بايد ثواب در اين هنگام بيشتر باشد از صورتيكه هر گاه ابتداء فرد افضل را آورده بود بجهت آوردنش فرد افضل را در اين هنگام بسبب مجرد وصرف تحصيل محبوب مولى است با قدرت او بر ترك بجهت اينكه مفروض اينست كه استحقاق عقاب بفرد اوّل مرتفع است پس باكى ندارد عبد از ترك فرد افضل ، پس آوردنش او را نيست ) الاّ بجهت صرف تحصيل محبوب مولى ، واين كمال بندگى واطاعت است ( ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ، بل وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك ) (٢).

__________________

(١) اين بخلاف صورتي است كه آب بهتر را بعد از آشاميدن مولى آب اول را آورد پس در اين صورت آوردن او لغو است بجهت تحصيل غرض بفرد اول. لمحرّره عفا الله عنه.

(٢) بحار الأنوار : ٤١ ـ ١٤ ـ الباب : ١٠١ ـ ذيل الحديث : ٤.

٨٩

وبالجملة : در وقتيكه فرض شده كه هنوز مولى فرد اول را كار نبرده است وفرد افضل در اين هنگام حاصل شد پس با فرد اول در جهت تحصيل غرض در عرض واحد ميشود ، بلكه باين بنحو اكمل است ، پس اليق ميشود باحتساب از واجب واعطاء ثواب ، واز اينجا ظاهر ميشود كه هر گاه فرد ثاني مساوي با اول لكن هنوز غرض بفرد اول حاصل نشده بجهت مانع خارجي پس او با اول در عرض واحد ميشود در اين هنگام در تحصيل غرض وترجيحي نيست از براى اول بر او در اين جهت واز براى آمر است كه هر كدام را كه خواهد احتساب كند از مأمور به لكن اين احتمال در شرعيات منفى است.

وكيف كان ، فإذا تحقّق أنّه يمكن توقّف الاكتفاء في الغرض بالفرد الأوّل الأدون على الاقتصار عليه ـ أي اقتصار المكلّف المأمور عليه ـ وأنّه مع احتمال إيجاده الأفضل يبقى حبّ المولى له (١) إلى آخر الوقت ، وأنّه يكون الإتيان الأفضل حينئذ إتيانا لذلك الواجب ، ومن جهة الأمر المتعلّق به يكون (٢) امتثالا بالمعنى الّذي عرفت.

وحلّ (٣) ذلك : أنّه بعد ثبوت إمكان بقاء طلب المولى ـ بالمعنى الّذي عرفت المعبّر عنه بالفارسية بال ( خواهش ) في الفعل المأمور به بالنسبة إلى فرده الأفضل ـ وانتظاره إلى آخر الوقت ، فيكون الإتيان به إتيانا بذلك المأمور به وامتثالا لأمره بالمعنى الّذي عرفت ، فيجوز الامتثال بهذا المعنى عقيب الامتثال الأوّل ، والممتنع إنّما هو تحقّق الامتثال عقيب ما يكون من سنخه بأن يكون كلاهما بمعنى سقوط الأمر أو حصول الغرض ، وأمّا إذا اختلفا ـ كما في المفروض ، حيث إنّ الأوّل منهما بالمعنى الأوّل والثاني منهما بالمعنى الثاني ـ فلا.

__________________

(١) في الأصل : إليه ...

(٢) في الأصل : فيكون ...

(٣) يحتمل في نسخة الأصل أنّه : ( وأصل ذلك ) ، لكن سقطت ألف ( أصل ) سهوا.

٩٠

وكيف كان ، فإذا جاز ذلك وأمكن فيجوز للمكلف الإتيان بالأفضل ثانيا بعنوان كونه هو الواجب إذا قام دليل شرعي عليه ، وإنّما قيّدنا الجواز بقيام الدليل الشرعي عليه ، إذ لولاه لم يعلم ببقاء الطلب بالمعنى المتقدّم ، ويحتمل حصول الغرض بالأوّل ، إذ لا ملازمة بين الأفضليّة وبين إيقاف الغرض عليه إلى الوقت ، بل يمكن الاكتفاء بالأوّل ، بل ربما يعلم حينئذ باكتفاء الشارع بالأوّل لعدم البيان ، فلا يبقى عند الإتيان بالأفضل طلب بالمعنى المتقدّم.

وكيف [ كان ] فلا بدّ للمكلّف من إحراز ذلك الطلب ، وأنّ الغرض بعد لم يحصل بالفرد الأوّل الأدون ، حتّى يجوز له الإتيان على الوجه المذكور ، وإلاّ كان تشريعا ، وإحرازه لا يكون إلاّ بدليل شرعيّ قائم عليه.

وتظهر الثمرة فيما إذا ورد دليل شرعيّ يدلّ عليه ، فإن قلنا بالإمكان وجب الأخذ به والحكم بمقتضاه وإلاّ فيئول إلى غير هذا المعنى إن أمكن ، وإلاّ فيطرح لمخالفته للعقل.

ومن هذا الباب الأخبار الواردة في استحباب إعادة صلاة ـ صلاّها منفردا ـ جماعة إذا أقيمت الجماعة بعد ما صلّى منفردا :

منها : رواية عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام : « عن الرّجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلّون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال ـ عليه السلام ـ : نعم بل هو أفضل » (١) ، فإنّها ظاهرة بل صريحة في جواز الإتيان بالفرد الأفضل ـ وهو الصلاة جماعة ـ بعد إتيان الأدون على أنّه هو الواجب المأمور به أوّلا ، فإنّ الإعادة حقيقة في ذلك وظاهرة فيه أو صريحة.

ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قلت لأبي

__________________

(١) الوسائل : ٥ ـ ٤٥٦ ، كتاب الصلاة ـ أبواب صلاة الجماعة ـ باب : ٥٤ ـ ح : ٩ ، وقد ورد الحديث في المصدر هكذا : « نعم وهو أفضل ».

٩١

عبد الله عليه السلام : أصلّي ثم أدخل المسجد ، فتقام الصلاة وقد صلّيت ، فقال عليه السلام : صلّ معهم ، يختار الله تعالى أحبّهما إليه » (١) ، وعن سهل ابن زياد مثلها (٢).

ومنها : رواية ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام ـ : « في الرّجل يصلّي الصلاة وحده ، ثم يجد جماعة. قال ـ عليه السلام يصلّي معهم ، ويجعلها الفريضة » (٣).

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام مثلها (٤). فإنّ قوله عليه السلام : « في الرّجل يصلّي الصلاة وحده ، ثم يجد جماعة. قال عليه السلام :

به ثانيا عن المأمور به ، بل في تعيّن احتسابه ، فالإتيان به إتيان بذلك المأمور به من جهة ذلك الأمر الأوّل المتعلّق به ، وكذا قوله : « ويجعلها الفريضة » ، فإنّ المقصود أنّه يجعلها تلك الفريضة التي فرضت عليه ، ويأتي بها على أنّها هي ، واللام في ( الفريضة ) للعهد ، لا أنّه يجعل ذلك فريضة مستقلّة ، ضرورة عدم وجوبه ، بل [ هو ] مستحبّ.

فإن قلت : إنّه إذا كان مستحبّا فكيف يجوز جعله تلك الفريضة؟ فإنّه على تقديره مستلزم لاتّصاف ذلك بالوجوب والندب.

قلنا : موضوع الاستحباب هنا إنّما هو امتثال ذلك الأمر الأول والإتيان بالفعل من جهته والوجوب مأخوذ في متعلّق الامتثال على وجه القيديّة والوصفيّة.

وبعبارة أخرى : موضوع الأمر الثاني الندبي إنّما هو امتثال الأمر الأوّلي الوجوبيّ بإيجاد الفرد الأفضل بوصف أنّه هو الواجب ، فاندفع التنافي من

__________________

(١ و ٢) المصدر السابق ـ ح : ١٠.

(٣) نفس المصدر السابق : ٤٥٧ ـ ح : ١١.

(٤) نفس المصدر السابق : ٤٥٥ ـ ح : ١.

٩٢

وجهين :

أحدهما : اختلاف الوجوب والاستحباب بحسب الموضوع والمتعلّق.

وثانيهما : أنّ الوجوب المأخوذ هنا هو الوصفي لا الغائي ، والأوّل لا يستلزم بقاء الأمر فعلا ، بخلاف الثاني.

وكلّ من الوجهين كاف في رفع التنافي المذكور. واعتبار الوجوب الوصفي هنا ـ بمعنى إتيان الفعل ثانيا على أنّه هو الواجب مع سقوط الوجوب عنه بالفعل ـ نظير اعتباره في الصلاة المعادة استحبابا.

قال دام ظلّه : حكموا بأنّ من صلّى يستحب [ له ](١) إعادة [ ما ](٢) فعل أيضا.

قلت : لعلّه من باب الاحتياط لاحتمال خلل فيما فعله أوّلا قال : لا ، بل قالوا به مطلقا حتّى في صورة القطع بصحّة ما فعله أوّلا ، وقالوا باستحباب الإعادة بفعله ثانيا بعين فعله أوّلا ، ولم يخصّصوا بما إذا كان قد فعل الأوّل محرزا لبعض الأمور المعتبرة فيه بالأصل ، بل في صورة القطع.

أقول : إنّ في هذا الباب ـ أيضا ـ طائفة من الأخبار (٣) دالّة عليه ، والظاهر أنّها دالّة على استحباب الإعادة لكون الإتيان بأزيد من دفعة أفضل من الإتيان بالمأمور به مرّة واحدة ، فيكون من قبيل الأقلّ والأكثر الّذي هو الأفضل من الأقلّ ، فإنّ الأمر وإن كان يسقط بالأقلّ ، لكنّ الامتثال بالمعنى المتقدّم يقوم بالمجموع لكونه أفضل من الأقلّ وحده.

ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان ما قدّمنا قد ذكرنا أنّه لا بدّ أوّلا من التأويل

__________________

(١ و ٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) الظاهر أنه يريد نظير الحديث : ٩ من الباب : ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ـ من كتاب الصلاة ـ من الوسائل : ٤ ـ ٤٥٦ والحديث : ٣ و ٤ من الباب : ٤٣ من أبواب صلاة الجماعة ـ من كتاب الصلاة ـ من مستدرك الوسائل : ٦ ـ ٤٩٥ ـ ٤٩٦.

٩٣

في مثل هذه الأخبار إن أمكن ، وإلاّ فالطرح ، ومن جملة المحامل فيها ـ بل أظهرها بعد تعذّر حملها على ظاهرها ـ أن يقال : المراد بها استحباب الفعل نفسا من دون النّظر في إتيانه إلى أنّه هو الواجب أوّلا.

وبعبارة أخرى : إنّ الفعل قبل إيجاد الفرد الأوّل كان واجبا ، وبعده خرج عن كونه [ واجبا ] ، وصار حكمه ـ واقعا ـ الاستحباب مستقلا ، فهو في وقت له حكم في عرض حكمه في وقت آخر ، لا في طوله ، بأن يكون موضوع أحدهما ملحوظا فيه الآخر ، وإنّما أطلق لفظ الإعادة تعريفا وتشخيصا للمأمور به في الآن الثاني بالأمر الندبي ، فإنّه عين المأمور به أوّلا ، ويحمل قوله عليه السلام : « ويجعلها الفريضة » على معنى أنّها تقع مثلها.

هذا ، ثمّ إنّ هذا الّذي ذكر ليس من الثمرات بين القول بالطبيعة وبين القول بالمرّة بأيّ من معنييها لجريانه على كلّ تقدير وقول :

أمّا على القول بالطّبيعة فواضح.

وأمّا على القول بالمرّة لا بشرط فكذلك.

وأمّا عليها بشرط لا فيفرض الكلام فيما إذا أتى بالفرد الثاني منفردا عن غيره ، فافهم وتأمل جيّدا.

٩٤

السادس : اختلفوا في دلالة النهي على التكرار على أقوال معروفها قولان :

أحدهما : دلالته عليه مطلقا.

وثانيهما : عدمها مطلقا.

ومرادهم بالتكرار هو الدوام ـ كما هو المصرّح به في كلام بعضهم ـ لا مجرّد مسمّى التكرار كما هو أبعد الاحتمالين في كلام القائلين به في الأمر.

ثمّ إنّه يمكن النزاع هنا على حذو ما مرّ في الأمر ، فيكون الكلام في وضع صيغة النهي ، فالقائل بدلالته على الدوام يدّعي وضعها لخصوص ذلك ، والنافي لها ينفي وضعها كذلك ويجعلها للأعمّ ، أو مشتركا بين الدوام والمرّة ، أو لخصوص المرّة.

ويمكن أن يكون في الدلالة الالتزاميّة ، بمعنى أنّهم بعد الاتّفاق على وضع صيغة النهي لطلب ترك الطبيعة اختلفوا في أنّ ذلك هل يستلزم الدوام أو لا؟ فيكون النزاع حينئذ راجعا إلى أنّ الطبيعة المأخوذة في النهي هل هي أخذت على وجه لا يصدق تركها إلاّ بترك جميع أفرادها المتشخّصة بغير الزمان والمتشخّصة به ـ فيكون طلب تركها دالاّ بالدلالة الالتزامية العقلية على إرادة الدوام ، حيث إنّ فعلها في كلّ آن وزمان فرد من أفرادها ـ وأنّها أخذت على وجه يصدق تركها بترك بعض أفرادها ، فعلى هذا لا يقتضي النهي العموم بالنسبة إلى جميع الأفراد في زمان ـ أي المتشخّصة بغير الزمان ـ فضلا عن اقتضائه العموم بالنسبة إلى الأفراد المتشخّصة به؟

وعلى الثاني : يمكن أن يكون النزاع في وضع المادة المعروضة للنهي بأن يكون الخلاف في أنّها هل وضعت للطبيعة مع اعتبارها على الوجه الأوّل أو على

٩٥

الوجه الثاني.

وكيف كان ، فعلى هذا لا يختصّ النزاع بصيغة النهي ، بل يجري في كلّ طلب متعلق بترك الطبيعة ، سواء كان بصيغة النهي أو بصيغة الأمر كـ ( اترك الزنا ) ، أو بمادّة النهي كقوله : ( نهيتك ، أو أنهاك عن الزنا ، أو أنت منهيّ عنه ) ، أو بغير مادّته كمادّتي الإرادة والطلب المتعلّقتين بترك الطبيعة كـ ( أريد ، أو أطلب منك ترك الزنا ) أو بمادّة الأمر كـ ( آمرك بترك الزنا ، وأنت مأمور بتركه ) ، وهكذا.

ويمكن أن يكون النزاع في النهي بصيغة النهي ، لكن يكون النزاع في اقتضاء هذا النهي للدوام وعدمه في الأعمّ من اقتضاء الصيغة ، فيصحّ للقائل بالدوام الاستناد إلى كلّ واحدة من جهتي المادّة والهيئة ، وعلى المانع إبطال الدلالة من كلتا الجهتين.

الظاهر من بعض المتأخّرين ، كالمحقّق القمّي (١) ـ قدّس سرّه ـ ذلك ، حيث إنّه أجاب عن القائل بالدوام بإبطال الدلالة من كلتا الجهتين ، ولم يقتصر على إحداهما.

وكيف كان ، فتحرير محلّ النزاع بينهم ليس بمهمّ لنا ، وإنّما المهمّ تحقيق الحال واختيار ما ينبغي أن يقال علي كلّ من الجهتين ، فنقول :

الحقّ عدم دلالة صيغة النهي إلاّ على مجرّد طلب ترك الطبيعة ـ كما في صيغة الأمر ـ من دون التعرّض لها لبيان الدوام أو المرّة ، وهذا لا ينبغي أن يشكّ فيه من له أدنى تأمّل ، فإذن انحصر المقال في تحقيق الحال في المادّة المعروضة لها ، فنقول :

ينبغي أن نفرض الكلام فيها أوّلا بالنسبة إلى أفراد الطبيعة الغير

__________________

(١) القوانين : ١ ـ ١٣٨ عند قوله : ( احتجّوا بأنّ النهي .. ). إلى قوله : ( فلا يمكن إثبات الدوام والتكرار للنهي لا من جهة المادّة ولا من جهة طلب الترك ).

٩٦

المتشخّصة بالزمان ، فإنّ الحال فيها أظهر ، فبعد ظهورها فيها تظهر في الأفراد المتشخّصة بالزمان لعدم الفرق.

فاعلم أنّه يمكن دعوى كون الطبيعة المأخوذة في متعلّق النهي على وجه لا يصدق تركها إلاّ بترك جميع أفرادها ، نظرا إلى ما نقطع به من أنّ وجه اعتبار الطبيعة في النهي متّحد [ مع ] وجه (١) اعتباره في الأمر ، فبأيّ وجه أخذت هناك فهي مأخوذة على ذلك الوجه هنا ، ولا ريب أنّها هناك إنّما أخذت على وجه لا يصدق تركها إلاّ بترك جميع الأفراد ، وذلك للاتّفاق هناك على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ العام أي ترك المأمور به ويستلزمه ، ولو لا اعتبار الطبيعة في متعلّق الأمر على هذا الوجه لما تمّ الاستلزام ، لتوقّفه على فرض التناقض بين الفعل والترك بالنسبة إلى الطبيعة ليستلزم عقلا من الأمر بفعلها النهي عن تركها ، وإلاّ فلو فرض كون الطبيعة هناك بحيث يصدق تركها بترك بعض الأفراد فلا تناقض بين وجودها وعدمها ـ حينئذ ـ ولا بين فعلها وتركها ، فلا يستلزم طلب فعلها النهي عن تركها ، فإذا ثبت بذلك كونها مأخوذة على ذلك الوجه ثبت (٢) كونها كذلك في المقام ، فيتمّ المطلوب.

وحاصل ذلك الوجه : أنّ الطبيعة إنّما اعتبرت وحدانية غير ملحوظ فيها التكثّر ، ولا ريب أنّ الأمر الوحدانيّ لا ينتفي إلاّ بانتفاء جميع مصاديقه من الآحاد ، إذ بوجود واحد منها ـ ولو كان هو وحده مع انتفاء غيره من الأفراد ـ يصدق وجود ذلك الأمر الوحدانيّ لوجوده في ضمنه ، وعدم صدق انتفائه بانتفاء سائر الأفراد ، لأنّه (٣) بانتفائها لم ينتف الأمر الوحدانيّ ، فإنّ المنفيّ حينئذ تكثّر

__________________

(١) في الأصل : متّحد لوجه.

(٢) في الأصل : فثبت ...

(٣) في الأصل : لأنّ.

٩٧

أفراده ، وهو غير ملحوظ فيه.

وحقيقة ذلك الوجه : أن تعتبر الماهيّة المدلول عليها بالمادّة المعروضة للنهي متّحدة ومتفرّدة في حدّ نفسها ومجرّدة عن ملاحظة الأفراد ، فلذا لا يجوز فيها اجتماع النقيضين بأن يقال : هي موجودة ومعدومة ، لاتّحاد موضوع القضيتين ، وهي نفس الطبيعة المتّحدة ، فلا يصدق انتفاؤها إلاّ بانتفاء جميع الأفراد ، إذ مع وجود واحد منها فتلك الحقيقة المتّحدة متحقّقة وموجودة يقينا ، فلا يمكن أن يقال : إنّ تلك الطبيعة معدومة.

وأمّا الوجه الآخر : فحقيقته (١) هي أن تعتبر الطبيعة على وجه غير ملحوظ فيه الاتّحاد والتكثّر ، بحيث تكون الطبيعة على هذا الوجه صالحة لطرو (٢) كلّ من القيدين عليه ، وكذا لتقيّدها بالوجود والعدم معا ، وذلك لعدم اقتضائها حينئذ لشيء منهما ، بل هي صالحة لكلّ منهما ، فيصدق وجودها بوجود فرد واحد ، وعدمها بعدم بعض آخر ، فيصدق عليها في آن واحد أنّها موجودة ومعدومة إذا كان بعض أفرادها موجودا وبعضها معدوما.

وملخّصه : أن تؤخذ الطبيعة المرادة بالمادّة المتعلّقة للنهي عبارة عن نفس حقيقة الشيء الغير المقتضية لشيء من الطوارئ واللواحق والقيود مطلقا ـ من حيث الحالات والأزمان والأفراد والقلّة والكثرة ، بل الوجود والعدم ـ بمعنى أنّها غير ملحوظ وغير مأخوذ فيها شيء من الطوارئ مطلقا ، الصالحة لاعتبار كلّ واحدة من تلك الطوارئ فيها ، بمعنى أنّها لا تنافي شيئا منها ، بل بحيث بأيّ منها

__________________

(١) وبعبارة أخرى : يكون المراد حينئذ هي الطبيعة اللابشرط المقسميّة ، وهي المقسم بين اللابشرط القسمي وبشرط شيء وبشرط لا ، ومرجع الوجه الأوّل إلى اعتبارها باللابشرط القسمي ، فإنّ حاصل المقصود منها اعتبارها مطلقة بحيث يكون الإطلاق قيدا لها ، فلذا لا يصدق تركها حينئذ إلاّ بترك جميع الأفراد. لمحرّره عفا الله عنه.

(٢) في الأصل : ( طريان ) ، ولم نعثر على هذا المصدر في كتب اللغة.

٩٨

لوحظت واعتبرت فهي لا تخرج عمّا عليه ، ومع أيّ منها يصدق حقيقة أنّها هي ، إذ حينئذ تكون تلك الطوارئ من حالاتها اللاحقة لها ، واختلاف حالات الشيء لا يخرجه عن كونه هو ذلك الشيء ، فهي صادقة على القليل والكثير ، لكون كلّ منهما حقيقة منها ، وعلى الموجود من أفرادها وعلى المعدوم منها لذلك ، إذ بعد فرض كون شيء فردا منها فذلك الشيء هي بعينها ، فبوجوده يصدق أنّها موجودة حقيقة وبانعدامه يصدق أنّها معدومة كذلك ، إذ حينئذ يترتّب قياس من الشكل الثالث ، فيقال : إنّ هذا الشيء تلك الماهية وهذا الشيء موجود ، فينتج أنّ تلك الماهيّة موجودة ، أو يقال في الكبرى : وهذا الشيء معدوم ، فينتج أنّ تلك الماهية معدومة ، مثلا بعد فرض كون زيد إنسانا حقيقة فإذا كان موجودا يقال : إنّ زيدا إنسان ، وزيد موجود ، فينتج : أنّ الإنسان موجود ، وإذا كان معدوما يقال : إنّه إنسان ، وهو معدوم ، فينتج : أنّ الإنسان معدوم ، وإذا فرض أنّ فردا من تلك الماهيّة موجود وفردا منها معدوم ، فيحصل حينئذ قياسان من الشكل الثالث ، فينتجان حينئذ : أنّها الآن موجودة ومعدومة.

وكيف كان ، فلا شبهة في أنّ كلّ حكم ثابت للمقيّد ثابت للمطلق ، لأنّه عينه حقيقة.

وبالجملة : إذا اعتبرت الطبيعة المتعلّقة للنهي بهذا المعنى فهو ـ لكونه غير مقتض [ لشيء ](١) من الخصوصيات والطوارئ حتى الوجود والعدم ، فكيف بخصوصيّة الأوصاف والأفراد والحالات والأزمان ـ يمكن فيه اجتماع النقيضين إذا كان بعض أفراده موجودا وبعضها معدوما ـ كما عرفت ـ فإنّ اجتماعهما إنّما يمتنع إذا كان المورد مقتضيا لأحدهما ، وكذا يجوز ارتفاعهما عنه إذا لم يوجد منه

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

٩٩

نهي أصلا ، (١) إذ المفروض عدم اعتبار شيء منهما فيه ، بل هو أمر مشترك بينهما ، فيقال : إنّه ليس بموجود ولا بمعدوم لخروج الوجود والعدم عنه ، هذا حال النقيضين.

وأمّا الضدّان فحالهما بالنسبة إليه أظهر ، فيجوز اجتماعهما (١) فيه ، لما مرّ في وجه اجتماع النقيضين فيه ، وكذا يجوز ارتفاعهما عنه بالأولى ، ولك أن توجّه ارتفاع النقيضين عنه بما مرّ في اجتماعهما فيه ، وتقريره :

أنّه بعد فرض أنّ كلّ فرد منه حقيقة هو ذلك الشيء ، فإذا فرض وجود فرد منه وانعدام آخر ، فيصدق عليه باعتبار الفرد الموجود أنّه ليس بمعدوم وباعتبار المعدوم أنّه ليس بموجود ، لجريان القياس المتقدّم بعينه هنا ـ أيضا ـ فلا حاجة إلى فرض عدم وجود شيء منه أصلا ، وهذا هو الوجه الّذي ينبغي الاستناد إليه ، ولم أر أحدا التفت إليه. هذا ، وافهمه واغتنم.

فلنرجع إلى ما كنّا فيه ، فنقول :

إنّ اتّحاد وجه اعتبار الطبيعة في الأمر والنهي مسلّم لكن اعتبارها في الأمر على الوجه الأوّل ممنوع ، بل الظاهر اعتبارها فيه على الثاني ، والتمسّك بالاتّفاق على استلزام الأمر بالشيء للنهي عن تركه مغالطة ، لعدم إفادته لما ذكر ، فإنّ متعلّق النهي الضمني هناك إنّما هو ترك الفعل المتعلّق للأمر لا نفس الفعل ، والترك المضاف إنّما يتبع ما أضيف إليه في جانب الأمر ، فإن اعتبر الفعل في الأمر

__________________

(١) أمّا ارتفاع الوجود عرضيا فظاهر (أ) ، وأمّا العدم فلأنّه حينئذ أزليّ ، والعدم الأزليّ ليس عدمه ، وإنّما يصدق عدمه إذا اعتبر بالنسبة والإضافة إلى ما يكون من ذلك الشيء ، فتأمّل. لمحرّره عفا الله عنه.

(٢) في الأصل : اجتماعه ...

__________________

(أ) في الأصل : أمّا ارتفاع الوجود عرضي ظاهر.

١٠٠