دروس في الأخلاق

الشيخ علي المشكيني

دروس في الأخلاق

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : الأخلاق
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٥
ISBN: 964-400-023-4
الصفحات: ٢٧٩
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الدّرس الخامس والعشرون

في التّفكّر والاعتبار بالعبر والاتّعاظ بالعظات

حقيقة التّفكّر : سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد ، ولا يرتقي من النقص إلى الكمال إلّا بهذا السير ، ومبادئه الآفاق والأنفس بأن يتفكّر في أجزاء العالم وذرّاته وفي الأجرام العلويّة والكواكب ، وفي الأجرام السفليّة ، برّها وبحرها ومعادنها وحيواناتها ، وفي أجزاء الإنسان وأعضائه وما فيها من المصالح والحكم وغيرها ، ممّا يستدلّ بها على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته ، فالتّفكّر من حيث خلقها وإتقان صنعها وغرائب الصنع وعجائب الحكم الموجودة فيها ، أثره الايقان بوجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ، ومن حيث تغيّرها وفنائها بعد وجودها ، أثره الانقطاع منها والتّوجّه بالكلّيّة إلى خالقها وبارئها ، ونظيره التّفكّر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ورجوعهم إلى دار الآخرة ، فإنّه يوجب قطع المحبّة عن غير الله ، والانقطاع إليه بالطاعة والتقوى.

١٤١
 &

فالتّفكّر في الحقيقة من الأسباب والمقدّمات الموصلة إلى عرفان نظريّ هو أشرف المعارف ، وهو عرفان الرّب تعالى بصفاته وأفعاله ، وإلى حالة نفسانيّة هي أفضل الحالات ، وهي الانقطاع إليه تعالى عن غيره ، والمداومة على هذا العمل والممارسة عليه تورث ملكة التّفكّر والاتّعاظ ودوام التّوجّه إلى الله تعالى ، وانقطاع النفس عن كلّ ما يقطعها عن الربّ. وقد ورد الحثّ الأكيد على ذلك في الكتاب الكريم ، والأمر والترغيب في النصوص بمقدار وافٍ كثير.

فقال في الكتاب العزيز : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) (١) وقال في أولي الألباب : ( يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا ) (٢) وقال : ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ) (٣).

وقال : ( انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (٤). وقال في عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ) (٥).

وقال : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) (٦). وقال : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ). (٧) وقال : ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ). (٨)

____________________________

١) البقرة : ٢١٩.

٢) آل عمران : ١٩١.

٣) الأعراف : ١٨٥.

٤) يونس : ١٠١.

٥) الفرقان : ٧٣.

٦) الرّوم : ٨.

٧) فصّلت : ٥٣.

٨) الجاثية : ٣ ـ ٤.

١٤٢
 &

وقال : ( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ). (١) وقال : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ). (٢) و ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (٣) ، و ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ). (٤) و ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ) (٥) ، و ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ). (٦) وقال : ( لَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ). (٧) وقال : ( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ). (٨) وقال : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ). (٩) و ( تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ). (١٠) و ( إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ) (١١) و ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ). (١٢)

وقد ورد في النصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام قول علي : ( نبّه بالفكر قلبك ) (١٣). قال المحقّق الطّوسي يمكن تعميم التفكّر هنا للتفكّر في أجزاء العالم العلويّ والأجرام السفليّة ، وأعضاء الإنسان ، وأحوال الماضين ، والتفكّر في معاني الآيات القرآنيّة والأخبار النبويّة ، والآثار المرويّة عن الأئمّة الأطهار ، والمسائل الدينيّة والأحكام الشرعيّة.

____________________________

١) الذّاريات : ٢٠ ـ ٢١.

٢) العنكبوت : ٢٠.

٣) الرّوم : ٩.

٤) النّحل : ٣٦.

٥) يونس : ٧٣.

٦) الأعراف : ٧٤.

٧) القمر : ٤.

٨) الأعراف : ١٧٦.

٩) يوسف : ١١١.

١٠) العنكبوت : ٤٣.

١١) المزّمّل : ١٩ ، الإنسان : ٢٩.

١٢) الحشر : ٢.

١٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٤ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣١٨ ـ وسائل الشيعة ج ١١ ، ص ١٥٣.

١٤٣
 &

وورد : أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة (١). فإذا مرّ بالخربة أو بالدار يقول : أين ساكنوك وأين بانوك ما لك لا تتكلّمين ؟ (٢)

وأنّ أفضل العبادة إدمان التفكّر في الله وفي قدرته (٣). وقوله : ( في الله ) أي : في صفاته تعالى وأفعاله ، وليس المراد : التفكّر في ذات الله وكنه صفاته ، فإنّه ممنوع يورث الحيرة واضطراب العقل.

وأنّه ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم ، إنّما العبادة : التفكّر في أمر الله (٤).

وأنّ التفكّر يدعوا إلى البرّ والعمل به (٥).

وأنّه كان أكثر عبادة أبي ذرّ التفكّر والاعتبار (٦).

وأنّ على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يتفكّر فيما صنع الله إليه (٧). وأنّ الفكر مرآة صافية (٨).

وأنّه لا عبادة كالتفكّر في صنعة الله (٩).

وأنّ أغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال (١٠).

وأنّ السعيد من وعظ بغيره (١١).

____________________________

١) الحقائق : ص ٣٠٩ ـ الوافي : ج ٤ ، ص ٣٨٥.

٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٤ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٠.

٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ١٥٣ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢١.

٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٢.

٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ١٥٣ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٢.

٦) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٣.

٧) المحجة البيضاء : ج ٣ ، ص ٦٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٣.

٨) نهج البلاغة : الحكمة ٥ و ٣٦٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧٨ ، ص ٩٢.

٩) معالم الزلفى : ج ١ ، ص ١٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٤.

١٠) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٤ وج ٧٣ ، ص ٨٨.

١١) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ، ص ٣٧٧ ـ تنبيه الخواطر : ج ٢ ، ص ٩٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٤ و ج ٧٧ ، ص ١٣٦.

١٤٤
 &

وأنّ أوجز الوعظ أنّه ما من شيء تراه عينك إلّا وفيه موعظة (١).

وأنّ كلّ نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو ، وكلّ سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة (٢).

وأنّ الله يحبّ المتوحّد بالفكرة (٣).

وأنّ مرآتك يريك سيّئاتك وحسناتك (٤).

وأنّه من اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم (٥).

وأنّه ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار (٦).

وأنّ القلب مصحف البصر (٧).

وأنّه يجب الاستدلال على ما لم يكن بما قد كان فإنّ الأمور أشباه (٨).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٤.

٢) نفس المصدر السابق.

٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٥.

٤) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٥.

٥) نهج البلاغة : الحكمة ٢٠٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٧.

٦) نهج البلاغة : الحكمة ٢٩٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٨ وج ٧٨ ، ص ٦٩.

٧) نهج البلاغة : الحكمة ٤٠٩ ـ غرر الحكم ودرر الحكم : ج ١ ، ص ٢٧٣ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٨.

٨) نهج البلاغة : الكتاب ٣١ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٨.

١٤٥
 &

دروس في الأخلاق ـ المشكيني

١٤٦
 &

الدّرس السّادس والعشرون

في الحياء من الله ومن الخلق

الحياء ملكة انقباض النفس عن القبيح وانزجارها عن كلّ فعل أو ترك تعدّه سيّئاً ، وإذا نسب إلى الله تعالى فالمراد به : التنزيه عملاً عن القبيح ، وترتيب أثر الانقباض فهو في الخلق من صفات الذات ، وفي الخالق من صفات الفعل كالرؤوف والرّحيم وهذه الصفة إذا كان متعلّقها القبائح الشرعيّة والعقليّة من أفضل الصفات والملكات الانسانيّة ، وقد ورد في فضلها وكونها من آثار الإيمان ، وكون تركها خروجاً عن الإيمان ، نصوص كثيرة مستفيضة أو متواترة.

فورد عن النّبيّ الأقدس وأهل بيته عليهم‌السلام : أنّ الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنّة ، (١) ( وكلمة « من » للسببيّة ، والمعنى : أنّ الحياء من آثار الإيمان وشؤونه ، فإنّه مسبّب عن الاعتقاد بالتوحيد وما أنزله تعالى على رسله ، فالإذعان بذلك يوجب إنزجار النفس عن جميع ما حرّمه الدين ومنعه ).

____________________________

١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٦ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ، ص ٥١٦ وج ١١ ، ص ٣٣٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٩ وج ٧٧ ، ص ١٦٠.

١٤٧
 &

وأنّ الحياء والإيمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه (١).

وأنّه لا إيمان لمن لا حياء له (٢).

وأنّ الحياء حياءان : حياء عقل وحياء حمق ، فحياء العقل هو العلم ، وحياء الحمق هو الجهل (٣). ( حياء العقل هو الحياء الذي منشأه تعقّل قبح الشيء عقلاً أو شرعاً ، وهذا ممدوح معلول للعلم ، وحياء الحمق ما كان منشأه اتّباع العادات والرسوم غير الممضاة من الشرع : كالحياء عن تعلّم بعض المسائل العلمية والشّرعيّة ، وهذا جهل مذموم ، ولذا قيل : إن الحياء منه ضعف ومنه قوة وإيمان ).

وأنّ من رقّ وجهه رقّ علمه (٤) ( أي : من استحيىٰ من السؤال قلّ علمه ).

وأنّ الحياء من الأوصاف التي من كنّ فيه بدّل الله سيّئاته حسنات (٥) ( والمعنى : أنّ الحياء يجرّه بالأخرة إلى التوبة فيمحوا الله سوابق معاصيه ويبدّل مكانها لواحق الطاعات أو أنّ ملكة المعصية في النفس تتبدّل بملكة الحسنة وللآية الشريفة أي ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) (٦) معانٍ أخر ).

وأنّ رسول الله قال : لم يبق من أمثال الأنبياء إلّا قول الناس : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت (٧).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استحيوا من الله حقّ الحياء (٨).

____________________________

١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣١.

٢) الوافي : ج ٤ ، ص ٤٣٦ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ، ص ٥١٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣١.

٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧٧ ، ص ١٤٩.

٤) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٦ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ، ص ٥١٨ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٠.

٥) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٢.

٦) الفرقان : ٧٠.

٧) الأمالي : ج ١ ، ص ٤١٢ ـ عيون أخبار الرضا (ع) : ج ٢ ، ص ٥٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٣.

٨) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٣.

١٤٨
 &

وأنّ الله يحب الحييّ المتعفّف (١).

وأنّه ما كان الحياء في شيء إلّا زانه (٢).

وأنّ الحياء خير كلّه (٣).

وأنّ أوّل ما ينزع الله من العبد الحياء ، ثمّ الأمانة ، ثم الدين فيصير شيطاناً لعيناً (٤).

وأنّه استحي من الله لقربه منك (٥).

وأنّه قرن الحياء بالحرمان (٦).

وأنّ من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه (٧).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٤.

٢) روضة الواعظين : ص ٤٦٠ ـ مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٤٦٥.

٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ، ص ٣٧٩ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ، ص ٥١٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٢٩ و ٣٣٥.

٤) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٥.

٥) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٦.

٦) نهج البلاغة : الحكمة ٢١ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٧ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج ٤ ، ص ٤٩٣.

٧) نهج البلاغة : الحكمة ٢٢٣ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ، ص ٥١٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٧.

١٤٩
 &

دروس في الأخلاق ـ المشكيني

١٥٠
 &

الدّرس السّابع والعشرون

في التّدبّر والتّثبّت وترك الاستعجال

للعاقل البصير المجرّب للأمور إذا أراد الاقدام على أيّ عمل من أعماله أن يتأمّل جميع جوانب المراد من مقدّماته وشرائطه وموانعه وملازماته وعواقبه وآثاره تأمّلاً تامّاً حتّى يكون على بصيرة من غرضه ومرماه ، لئلاً يعرض له ضرر أو ندامة من ناحية قصور نفسه ، فإنّ عروض الحوادث غير الاختياريّة لا لوم عليه. ثمّ إنّ من نتائج التدبّر عدم تعجيله في الاقدام لو لم يحلّ وقته ، ولزوم الاسراع بعده إذا احتمل فوت الفرصة.

والممارسة على هذا الأمر تورثت ملكة فاضلة للانسان ينطبق عليه بذلك عنوان العاقل الحكيم ذي الحزم والتّدبير ، وهو من أكمل المراتب الانسانيّة.

وقد ورد الحثّ بذلك في نصوص وفيها :

أنّ التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم (١).

____________________________

١) غرر الحكم ودرر الكلم : ج ١ ، ص ٣٧٢ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٨ و ٣٤٢ ـ نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٣.

١٥١
 &

وأنّه : لا عقل كالتّدبير (١).

ومع التّثبّت تكون السلامة ، ومع العجلة تكون الندامة. ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه (٢).

وأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى وأكّد في الوصيّة : بأنّه إذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته ، فإن يك رشداً فامضه وأسرع إليه ، وإن يك غيّاً فانته عنه (٣).

وأنّ عليّاً عليه‌السلام قال عند موته : أنهاكم عن التّسرع بالقول والفعل (٤).

وأنّ العاقل لا بدّ أن ينظر في شأنه (٥).

وأنّ الحزم كياسة (٦).

وأنّ الحزم : أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك (٧).

وأنّه : إنّما أهلك الناس العجلة ، ولو أنّهم تثبّتوا لم يهلك أحد (٨).

وأنّ الأناة من الله والعجلة من الشيطان (٩).

وأنّ من طلب الأمر من وجهه لم يزلّ ، فإن زلّ لم تخذله الحيلة (١٠).

وأنّه : إتّئد تُصب أو تكدّ (١١) ( والاتّئاد : التمهّل والتأنّي ، والمراد : إن فكّرت في أمر من غير استعجال فإمّا أن تصب هناك أو تعزب عنه ).

____________________________

١) غرر الحكم ودرر الكلم : ج ٦ ، ص ٣٤٧ ـ بحار الأنوار : ج ١ ، ص ٩٥ وج ٧١ ، ص ٣٣٨.

٢) الخصال : ص ١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٨.

٣) المحجة البيضاء : ج ٨ ، ص ١٦٥ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٩.

٤) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٣٩.

٥) نفس المصدر السابق.

٦) نفس المصدر السابق.

٧) نفس المصدر السابق.

٨) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٠.

٩) نفس المصدر السابق.

١٠) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٠ و ٣٥٦.

١١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٠ وج ٧٨ ، ص ٣٥٦.

١٥٢
 &

وأنّ من لم يعرف الموارد أعيته المصادر (١).

وأنّ من انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة (٢).

وأنّ الظفر بالحزم ، والحزم بإجالة الرأي والرأي بتحصين الأسرار (٣).

وأنّه : بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة (٤).

وأنّه ما أنقض النوم لعزائم اليوم (٥).

وأنّه : روِّ تحزم فإذا استوضحت فاجزم (٦) ( أي : تفكّر حتّى يحصل لك التثبّت والصلاح ، فإذا وضح لك ذلك فاجزم بالعمل ).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٠.

٢) نفس المصدر السابق.

٣) نهج البلاغة : الحكمة ٤٨ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج ١ ، ص ٢١ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤١ وج ٧٥ ، ص ٧١.

٤) نهج البلاغة : الكتاب ٣١ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج ٣ ، ص ٢٤١ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤١.

٥) نهج البلاغة : الخطبة ٢٤١ والحكمة ٤٤٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤١.

٦) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤١.

١٥٣
 &

دروس في الأخلاق ـ المشكيني

١٥٤
 &

الدّرس الثّامن والعشرون

في الاقتصاد والقناعة

الاقتصاد من القصد وهو الاستقامة ، والمراد به هنا :  إعتدال الإنسان واستقامته في صرف ماله وانفاقاته لنفسه وعياله ، فهو حالة متوسّطة بين الإفراط الذي هو الإسراف ، والتّفريط الّذي هو التّقتير ، فيرادف القناعة في المعنى ، وهذا غير الجود المتوسّط بين الإسراف والبخل ، فإنّ ذلك ملحوظ في ما يبذله الإنسان لغيره.

وقد ورد في الكتاب والسنّة في فضل الاقتصاد وحسنه وآثاره.

قال تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ) (١).

وورد في النصوص : أنّ القصد أمر يحبّه الله (٢).

وأنّ التقدير نصف العيش (٣).

وأنّه : ما عال امرؤ اقتصد (٤).

____________________________

١) الفرقان : ٦٧.

٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٢ ـ ثواب الأعمال : ص ٢٢١ ـ الخصال : ص ١٠ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ص ٢٥٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٦.

٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٧.

٤) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٧ وج ١٠٣ ، ص ٢١.

١٥٥
 &

وأنّ القصد مثراة والسّرف مثواة (١).

وأنّ حسن التقدير من المعيشة في المروَّة (٢).

وأنّ القناعة مال لا ينفد (٣).

وأنّه : كفى بالقناعة ملكاً (٤).

وأنّ قوله تعالى : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (٥) هي القناعة (٦).

وأنّ القصد في الغنى والفقر من المنجيات (٧).

وأنّ من قنع بما اوتي قرّت عينه (٨).

وأنّ من قنع شبع ، ومن لم يقنع لم يشبع (٩).

وأنّه : لا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي (١٠).

وأنّ الانفاق على العيال ينبغي أن يكون بين المكروهين (١١) لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ) (١٢).

وأنّ من رضي من الله باليسير من الرّزق رضي الله منه بالقليل من العمل (١٣).

____________________________

١) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٢ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ص ٢٥٨.

٢) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٧ ـ الوافي : ج ١٧ ، ص ٨٥.

٣) نهج البلاغة : الحكمة ٥٧ و ٤٧٥ ـ وسائل الشيعة : ج ١١ ، ص ٢٢٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٤.

٤) نهج البلاغة : الحكمة ٢٢٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٥ و ٣٩٦.

٥) النّحل : ٩٧.

٦) نهج البلاغة : الحكمة ٢٢٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٥.

٧) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٧.

٨) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٥.

٩) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٨.

١٠) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٦.

١١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٧.

١٢) الفرقان : ٦٧.

١٣) معاني الأخبار : ص ٢٦٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٤٨ وج ٧٢ ، ص ٦٥ وج ١٠٣ ، ص ٢١.

١٥٦
 &

الدّرس التّاسع والعشرون

في السّخاء والجود

السّخاء ، لغةً واضح ، وشرعاً : بذل المال أو النفس فيما يجب أو ينبغي ، عن ملكة حاصلة بالممارسة عليه ، أو هو نفس تلك الملكة ، ونظيره الجود فيشمل اللفظان جميع موارد الإنفاقات الواجبة : كالزّكوات والأخماس ، والإنفاقات المندوبة ، وهي كثيرة في الشرع ، وهذه الصفة من أفضل الصفات والملكات الانسانيّة قد حكم بحسنها العقل ومدحها الشرع ، وحثّ على الأعمال الموجبة لحصولها في النفس ، ويقابلها البخل والشّح كما سيأتي بيانهما. فقد ورد في النصوص :

أنّ السّخاء من خصال الأنبياء عليهما‌السلام (١).

وأنّ السخاء : البذل في السعر واليسر (٢).

وأنّ سخاء النفس من أبواب البرّ (٣).

____________________________

١) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٥٠ ـ بحار الأنوار : ج ٦٥ ، ص ٤.

٢) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٣.

٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٤.

١٥٧
 &

وأنّه أحسنوا صحبة الإسلام بالسّخاء (١).

وأنّ السّخاء شجرة في الجنّة ، من تعلّق بغصن من أغصانها دخل الجنّة (٢).

وأنّ حدّ السّخاء أن تخرج من مالك الحقّ الذي أوجبه الله عليك فتضعه في موضعه (٣).

وأنّ السّخاء ما كان ابتداءاً ، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمّم (٤).

وأنّ السّخاء : أن تسخو نفس العبد عن الحرام أن تطلبه ، فإذا ظفر بالحلال طابت نفسه أن ينفقه في طاعة الله (٥).

وأنّ السماحة إجابة السائل وبذل النائل (٦).

وأنّ سادة الناس في الدنيا الأسخياء (٧).

وأنّ خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم (٨).

وأنّه : قد مدح الله صاحب القليل ، (٩) فقال : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١٠).

وأنّ الجواد الذي يؤدّي ما افترض الله عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه (١١).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٠.

٢) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٢ ـ معالم الزلفى : ج ١ ، ص ٣٢٢.

٣) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٣.

٤) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٧.

٥) معاني الأخبار : ص ٢٥٦ ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ، ص ٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٣.

٦) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٣.

٧) الأمالي : ج ١ ، ص ٣٦ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٠ وج ٧٨ ، ص ٥٠.

٨) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٠ ـ كنز الدقائق : ج ٣ ، ص ٢٨٣.

٩) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥١.

١٠) الحشر : ٩.

١١) الفصول المهمة في أصول الائمة : ص ٣١٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥١.

١٥٨
 &

وأنّ السّخيّ قريب من الله ، قريب من الجنة ، قريب من النّاس (١).

وأنّ السّخيّ يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه (٢). وأنّه : ليس السّخيّ المبذّر الذي ينفق ماله في غير حقّه ، ولكنّه الذي يؤدّي إلى الله ما فرض عليه في ماله من الزكاة وغيرها (٣). وأنّ السّخيّ الكريم الذي ينفق ماله في حقّ (٤).

وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عفى عن أسير محكوم بالقتل ، وأخبره بأنّ الله أوحى إليه أنّه سخيّ فأسلم الأسير لذلك ، فقاده سخاؤه إلى الجنّة (٥).

وأنّ الشّاب السّخيّ المعترف للذنوب أحبّ إلى الله تعالى من الشيخ العابد البخيل (٦).

وأنّ السّخيّ هو الذي يبذل ممّا ملك ويريد به وجه الله ، وأمّا السّخيّ في معصية الله فحمّال سخط الله وغضبه ، وهو أبخل الناس على نفسه (٧).

وأنّ الجنّة دار الأسخياء (٨).

وأنّ مالك إن لم يكن لك كنت له ، فلا تُبق عليه ، فإنّه لا يُبقي عليك ، وكله قبل أن يأكلك (٩).

____________________________

١) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٢.

٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٤١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ، ص ٢٥٣ وج ١٦ ، ص ٤٢٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٢.

٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ٨٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٢ وج ٩٦ ، ص ١٤.

٤) معاني الأخبار : ص ٢٥٦ ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ، ص ٩ ـ بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٣ ـ ج ٧٨ ، ص ٢٥٨.

٥) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٤ و ٣٥٥.

٦) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٥.

٧) نفس المصدر السابق.

٨) بحار الأنوار : ج ٢٩ ، ص ٢٤٣ وج ٧١ ، ص ٣٥٦ ـ مستدرك الوسائل : ج ٧ ، ص ١٤.

٩) بحار الأنوار : ج ٧١ ، ص ٣٥٧ وج ٧٨ ، ص ١٢٧.

١٥٩
 &

دروس في الأخلاق ـ المشكيني

١٦٠