أنوار الأصول - ج ٣

أنوار الأصول - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-15-6
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٢٤

الطائفة الاولى : ما تنهي عن العمل بالظنّ على نحو العموم ، فإنّ من الظنون ما يحصل من قول المجتهد للمقلّد.

والطائفة الثانية : آيات وردت في خصوص باب التقليد وهى كثيرة ( تبلغ إلى عشر آيات ) :

منها : قوله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَايَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ) (١) وقوله تعالى : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) (٢). وقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (٣). إلى غير ذلك ممّا يدلّ على هذا المعنى.

والجواب عنهما : أمّا عن الطائفة الاولى فقد اجيب عنها بأنّها عام تخصّص بأدلّة حجّية الظنون المعتبرة.

ولكن قد مرّ سابقاً أنّ لسان هذه الآيات آبية عن التخصيص.

واجيب عنها أيضاً : بأنّها واردة في اصول الدين لأنّها ناظرة إلى تقليدهم في الشرك وعبادة الأوثان ، ومحلّ النزاع في المقام هو الفروع ، والمنع عن العمل بالظنّ خاصّ بالاصول.

ولكن قد مرّ أيضاً أنّ هذا الجواب لا يساعد مع لحن بعضها كقوله تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) فإنّه وإن فرض كون الفؤاد خاصّاً بالاصول ولكنّه لا ريب في أنّ السمع والبصر لا أقلّ من كونهما عامين يشملان الفروع والاصول لو لم يكونا خاصّين بالفروع.

هذا مضافاً إلى أنّ المورد لا يكون مخصّصاً في أي مقام.

والجواب الثالث ( وهو الصحيح ) : أنّ الظنّ الوارد في هذه الطائفة لا يراد منه الاحتمال الراجح في الذهن ، بل هو عبارة عن الحدس والتخمين بلا أساس ودليل ، فلا يعمّ الظنّ المعتبر المعتمد على الحجّة لأنّ ذلك يعدّ من مصاديق العلم عند العقلاء ، والشاهد على ذلك نفس

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٧٠.

(٢) سورة الزخرف : الآية ٢٢.

(٣) سورة الزخرف : الآية ٢٣.

٦٠١

التعبيرات الواردة في هذه الآيات ففي قوله تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (١) حيث جعل الظنّ قريناً لهوى الأنفس ، كما أنّ في قوله تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢) حيث جعل قريناً للخرص والتخمين بلا دليل.

ويشهد على ذلك أيضاً أنّ من ظنونهم ما جاء في قوله تعالى ( قبل الآية الاولى من الآيتين المزبورتين ) ( أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) فقد نفت هذه المزعمة : أنّ لهم الذكر وللباري تعالى الانثى ، لأنّه وهم غير معقول ولا يعتمد على الحجّة والدليل ، بل الدليل العقلي القطعي على خلافه.

ويؤيّد ذلك كلّه ما ذكرنا آنفاً من أنّ الظنون المعتبرة العقلائيّة تعدّ علماً عند العرف كما يساعد عليه وجداننا العرفي وإرتكازنا العقلائي.

وأمّا عن الطائفة الثانية : فهو واضح جدّاً ، لأنّ التقليد على خمسة أقسام : تقليد الجاهل عن الجاهل ، وتقليد العالم عن الجاهل ، وتقليد العالم عن العالم ، وتقليد الجاهل عن العالم الفاسق ، وتقليد الجاهل عن العالم العادل ، ولا إشكال في أنّ الأربعة الاول ممنوعة مذمومة عقلاً وشرعاً ، والجائز الممدوح منها هو القسم الأخير ، كما لا إشكال في أنّ التقليد في مورد آيات هذه الطائفة إنّما هو تقليد الجاهل عن الجاهل ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ( أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَايَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ) الوارد في الآية الاولى منها.

وبهذا يظهر الجواب عن الروايات الناهية عن التقليد ، فإنّها أيضاً أمّا وردت بالنسبة إلى تقليد الجاهل عن الجاهل ، أو تقليد الجاهل عن العالم الفاسق ، وكلاهما ممنوعان عند العقل والشرع.

هذا كلّه في المقام الأوّل من البحث في أحكام التقليد.

__________________

(١) سورة النجم : الآية ٢٣.

(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٦.

٦٠٢

٢ ـ تقليد الأعلم

إذا اختلفت العلماء في العلم والفضيلة فهل يجب على العامي إختيار الأعلم ، أو لا؟

المعروف بين الأصحاب وجوب تقليد الأعلم ، بل حكي عن المحقّق الثاني رحمه‌الله دعوى الإجماع عليه ، بل عن السيّد المرتضى رحمه‌الله أنّه من المسلّمات عند الشيعة ، ومع ذلك كلّه حكي عن جماعة من المتأخّرين عدم وجوبه.

وهنا قول ثالث وهو مختارنا ومختار جماعة اخرى ، وهو التفصيل بين ما علم إجمالاً أو تفصيلاً بوجود الخلاف فيه مع كونه محلاً للابتلاء فيكون تقليد الأعلم واجباً ، وبين غيره من سائر الموارد فلا يكون واجباً ، ولعلّ مقصود من يدّعي الإجماع في وجوب تقليد الأعلم إنّما هو الصورة الاولى فقط.

وكيف كان : لا إشكال في أنّ الأصل في المسألة هو عدم حجّية قول غير الأعلم لما مرّ في أوّل مبحث الظنّ من أنّ الأصل في موارد الشكّ في حجّية الظنون هو عدم الحجّية.

وإن شئت قلت : إنّا نعلم إجمالاً باشتغال الذمّة بعدّة من التكاليف الشرعيّة والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة ، وهى لا تحصل إلاّبالعمل بآراء الأعلم.

ومن هنا يظهر بطلان كلام من توهم أنّ الأصل في المسألة هو الجواز من باب أنّ الأمر فيها يدور بين التعيين والتخيير ، والأصل فيه التخيير ، فإنّ في التعيين كلفة زائدة تنفي بأصالة البراءة.

وذلك لأنّ أصالة التخيير عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير إنّما هى في باب التكاليف أي فيما إذا كان الشكّ في أصل التكليف لا في ما إذا كان الشكّ في الحجّية ، فإنّ أصالة التخيير في الواقع عبارة عن أصالة البراءة عن تلك الكلفة الزائدة الموجودة في التعيين ، ولا إشكال في أنّ مجرى أصالة البراءة إنّما هى التكاليف.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه استدلّ على جواز تقليد غير الأعلم بامور :

الأمر الأوّل : أنّ المسألة من باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وقد مرّ بيانه والجواب عنه آنفاً.

الأمر الثاني : قاعدة العسر والحرج ببيان أنّ معرفة مفهوم الأعلم ( وهل هو عبارة عن الأعلم بالاصول ، أو الأعلم بالفروع والتفريعات ، أو من هو أعلم في تشخيص المذاق العرفي

٦٠٣

والظواهر عند العرف ، أو من هو أعلم في علم الرجال ، أو من هو أدقّ نظراً من غيره ، أو جميع هذه؟ ) أولاً ، ومعرفة مصاديقه ثانياً ، مشكل جدّاً لتلامذه الأعلام المجتهدين فضلاً عن العوام المقلّدين ، ولذلك يجاب غالباً عند السؤال عن الأعلم » بـ « أنّي لا أعرف مصداق الأعلم ولكن فلان يجوز تقليده » أو « كلّ واحد من فلان وفلان يجوز تقليده ».

والجواب عنه : أوّلاً المنع عن الكبرى فإنّه لا عسر ولا حرج في تعيين مفهوم الأعلم لأنّ المراد منه « من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة ، وأكثر إطّلاعاً لنظائرها وأشباهها ، وأجود فهماً للأخبار الواردة فيها ، والحاصل أن يكون أجود إستنباطاً » وقد ذكر هذا التعريف المحقّق اليزدي في العروة الوثقى في المسألة ١٧ ، ولم يعلّق عليه أحد من المحشّين فيما رأينا.

توضيح ذلك : أنّ الأعلم في علم الطبّ مثلاً من هو أحسن معالجة للأمراض وأدقّها في دواء الداء ، والأعلم في البناء من هو يقدر على بناء أحسن الأبنية من دون فرق بين أن يكون تلميذاً أو استاذاً ، فربّ تلميذ يكون أعلم من استاذه ، كما لا فرق بين أن يكون شاباً أو كهلاً ، فربّ مجتهد شابّ يكون أعلم من الشيخ الهرم وإن كان الشيخ أكثر حنكاً وتجربة وأكثر تسلّطاً على إعمال المصطلحات واستخدام القواعد ، فإنّ المعيار هو شدّة القوّة والقدرة على إستخراج الأحكام الشرعيّة من أدلّتها.

نعم ، إنّ تشخيص مصداق هذا المعنى مشكل جدّاً ، ولكنّه فيما إذا كان البُعد والمسافة بين الأفراد قصيرة ، أمّا إذا كانت التفاوت العلمي بينهم كثير فلا عسر ولا حرج في تشخيص الأعلم وتعيينه ، كما أنّه كذلك في باب الطبابة وغيرها.

وثانياً : سلّمنا وجود العسر والحرج فيه ، ولكن قد ذكرنا في محلّه أنّ الحرج في بابه شخصي لا نوعي ،

فوظيفة تعيين الأعلم تسقط عن كلّ من يقع في العسر والحرج لا عن الجميع.

كما أنّه كذلك في باب الوضوء والصيام ونحوهما ، فإذا لم يكن التوضّي بالماء لشخص زيد حرجاً ، لم يسقط عنه وإن كان لغيره حرجاً ومشقّة.

وثالثاً : إنّ أكثر ما يلزم من العسر والحرج إنّما هو التخيير بين عدّة من المجتهدين الذين هم في مظنّة الأعلميّة ، لا أن يسقط اعتبارها برأسها ، فيجوز تقليد غيرهم من آحاد المجتهدين وإن كانوا بمكان بعيد من الأعلميّة.

٦٠٤

الأمر الثالث : ( وهو العمدة ) الرجوع إلى إطلاقات آية النفر أو آية السؤال أو اطلاق الروايات التي استدلّ بها للمقام ( كقوله عليه‌السلام « فللعوام أن يقلّدوا » ) فإنّ آية النفر لا تقول : « ولينذر أعلمهم » وليس في آية السؤال « فاسألوا أعلمهم » وفي الرواية : « فللعوام أن يقلّدوا أعلمهم » وفي رواية اخرى : « فارجعوا إلى أعلم رواة أحاديثنا » وهكذا الروايات التي ترجع المكلّفين إلى أصحابهم عليهم‌السلام.

ويرد عليه : أوّلاً : أنّ هذه الإطلاقات منزّلة على بناء العقلاء وإمضاء له فإنّه قد مرّ أنّ الأساس في باب التقليد إنّما هو بناء العقلاء ، وهو قائم على تقليد الأعلم في موارد العلم بالمخالفة على الأقل ، والظاهر أنّ الإطلاقات المذكورة ناظرة إلى دائرة هذا البناء لا أن تكون رادعة عنها وموسعة لها.

ثانياً : قد مرّ أيضاً أنّ إطلاقات أدلّة الحجّية لا تعمّ الحجّتين المتعارضتين كما في ما نحن فيه ، وحينئذٍ لابدّ أن يقال إمّا بتعارضهما ثمّ تساقطهما ، أو يقال بأنّ القدر المتيقّن منهما هو الأعلم ، ولا ريب في أنّ المتعيّن هو الثاني.

هذا كلّه في أدلّة المنكرين لإعتبار الأعلميّة.

وأمّا أدلّة وجوب تقليد الأعلم فأوّلها : الإجماع ، بل نقل عن السيّد المرتضى رحمه‌الله أنّه من مسلّمات الشيعة.

ولكن لا إشكال في أنّه مدركي.

والثاني : سيرة العقلاء ، وهى العمدة ، فإنّه كما أشرنا آنفاً لا أقلّ من بنائهم على تقليد الأعلم في موارد العلم بالمخالفة كما إذا وقع الإختلال بين الأطباء أو بين خبراء أي فنّ من الفنون الاخرى.

نعم لازم هذا الدليل ما سيأتي من التفصيل فانتظر.

الثالث : الروايات :

منها : مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة.

واجيب عنها أوّلاً : أنّها مخصوصة بباب القضاء ، ولا ريب في أنّ فصل الخصومة فيه لا

٦٠٥

يمكن إلاّبالرجوع إلى الأعلم عند اختلاف القضاة.

ثانياً : أنّ المراد من الأعلميّة في مورد الرواية هى الأعلميّة بالنسبة إلى مورد المخاصمة لا مطلق الموارد كما هو محلّ النزاع في المقام ، فتأمّل.

وقد إستشكل فيها أيضاً من ناحية السند ، ولكنّه قد مرّ أنّ الأصحاب تلقّوه بالقبول حتّى سمّيت مقبولة.

ومنها : ما جاء في عهده عليه‌السلام إلى مالك الأشتر النخعي : « فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك » (١).

ولكنّه أيضاً خاصّ بباب القضاء وفصل الخصومة الذي لا إشكال في اعتبار اختيار أعلم القضاة فيه عند اختلافهم ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ عهده عليه‌السلام إلى مالك الأشتر مشتمل على مستحبّات كثيرة وأوصاف غير لازمة للحاكم أو القاضي التي هى كمال لهما ( لا سيّما في هذا المورد ، فقد ذكر فيه إثنا عشر صفة ـ كثير منها صفات كمال ) ، فلا يمكن استفادة اللزوم من فقرة من فقراته بمجرّد التعبير بصيغة الأمر.

ومنها : ما رواه في البحار عن كتاب الاختصاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وإنّ الرئاسة لا تصلح إلاّلأهلها ومن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة » (٢).

وفيه : أنّ التعبير بالرئاسة قرينة على أنّ الحديث ورد في مقام بيان شرائط الولاية والحكومة لا المرجعيّة للتقليد ، ولا ملازمة بين الأمرين كما لا يخفى ، مضافاً إلى ضعف سنده.

ومنها : ما رواه في البحار أيضاً عن الإمام الجواد عليه‌السلام ـ أنّه قال مخاطباً عمّه ـ « ياعمّ أنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الامّة من هو أعلم منك » (٣).

وفيه : أنّه ضعيف من ناحية السند ، مضافاً إلى ضعف الدلالة لأنّه في مقام النهي عن إفتاء

__________________

(١) كتابه عليه‌السلام إلى مالك الأشتر ، الكتاب ٥٣ ، من نهج البلاغة.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢ ، ص ١١٠.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٠ ، ص ١٠٠.

٦٠٦

الجاهل وغير العالم في مقابل العالم لا العالم في مقابل الأعلم ، وذلك لمكان التعبير بـ « ما لم تعلم » الظاهر في الجاهل لا في العالم بالنسبة إلى الأعلم منه.

فتلخّص أنّ جميع الروايات التي استدلّ بها في المقام غير تامّة دلالة أو سنداً ، وهكذا الإجماع ، بل التامّ إنّما هو بناء العقلاء وهو أيضاً لا يقتضي وجوب تقليد الأعلم مطلقاً بل مقتضاه هو التفصيل الآتي ذكره.

المختار في المسألة

المختار في المسألة هو التفصيل بين صور أربعة :

الصورة الاولى : ما إذا علم تفصيلاً بالخلاف كما إذا ذهب أحدهما إلى وجوب صلاة الجمعة والآخر إلى حرمتها أو عدم وجوبها.

ففي هذه الصورة لا ريب في وجوب تقليد الأعلم ، ومن البعيد جدّاً شمول كلمات القائلين بجواز تقليد غير الأعلم لهذه الصورة.

الصورة الثانية : صورة العلم بموافقتهما تفصيلاً.

والظاهر عدم وجود محذور عن تقليد غير الأعلم في هذه الصورة لأنّ المفروض أنّ عمل المقلّد حينئذٍ مطابق للحجّة على أيّ حال ، إنّما الكلام في لزوم إستناده إلى خصوص قول الأعلم ، ولا إشكال في عدم لزومه بعد العلم بموافقتهما معاً ، مضافاً إلى أنّ بناء العقلاء أيضاً على عدم ترجيح رأي الأعلم في هذه الصورة لعدم فائدة فيه ، كما هو واضح.

الصورة الثالثة : ما إذا علمنا إجمالاً بوجود الخلاف بينهما في ما يتبلي به من المسائل.

وفيها أيضاً لا إشكال في وجوب تقليد الأعلم لأنّ العلم الإجمالي المزبور يوجب عدم شمول إطلاقات الحجّية لمثل هذه الموارد وإنصرافها عنها ، ولا أقلّ من إجمالها ، والقدر المتيقّن حينئذٍ هو الرجوع إلى الأعلم ، كما أنّ سيرة العقلاء أيضاً ترجيح الأعلم في هذه الموارد على الظاهر.

الصورة الرابعة : ما إذا شككنا في وجود الخلاف وعدمه.

والإنصاف جواز تقليد غير الأعلم في هذه الصورة ، والدليل عليه جريان سيرة العقلاء عليه كما نشاهده بالوجدان ، وإلاّ لانسدّت أبواب الأطبّاء غير الأعلم وغيرهم من خبراء

٦٠٧

سائر الفنون والحرف لأنّه لا ريب في أنّ الشكّ في الخلاف موجود على الأقل في غالب الموارد.

هذا مضافاً إلى أنّه لا مانع لشمول إطلاقات الحجّية لغير الأعلم في هذه الموارد لأنّه لا موجب لإنصرافها.

إن قلت : التمسّك بالإطلاقات والعمومات في ما نحن فيه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة للمخصّص لأنّا نعلم بتخصيص هذه العمومات بموارد العلم بالمخالفة.

قلنا : إنّ دائرة الدليل المخصّص في المقام تكون في موارد العلم بالاختلاف لا موارد الاختلاف في الواقع ، فإنّ الدليل على التخصيص هو سيرة العقلاء ، وهى مختصّة بموارد العلم بالخلاف لا موارد الخلاف واقعاً سواء علمنا بها أو لم نعلم ، ولا إشكال في أنّ عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة للمخصّص خاصّ بما إذا كان المستثنى من عموم العام بدليل المخصّص هو العنوان الواقعي لا العنوان المقيّد بالعلم.

إن قلت : الشبهة في المقام حكميّة ولا يجوز التمسّك بالعمومات في الشبهات الحكميّة إلاّ بعد الفحص.

قلنا : إنّ الشبهة في ما نحن فيه موضوعيّة لا حكميّة ، لأنّه لا شكّ لنا في حكم الله الكلّي فإنّا نعلم على نحو كلّي بأنّه يجوز التقليد إلاّفي موارد العلم بالخلاف ، وإنّما الشكّ في تحقّق موضوع الخلاف وعدمه خارجاً.

بقي هنا شيء :

مدار الأعلميّة على ماذا؟

قد مرّ أنّ المعيار فيه هو شدّة القوّة والقدرة على إستخراج الأحكام الشرعيّة من أدلّتها إجمالاً ، ولا إشكال في أنّ معرفة هذا ليس مشكلاً لأهل الخبرة ولو كانوا في المراتب التالية بالنسبة إلى المجتهد محتمل الأعلميّة ، وهذا ما ندركه بوجداننا العرفي ، فمن كان له معرفة بقواعد الشعر وموازينه مثلاً يقدر على أن يعيّن بعض الشعراء المعروفين ممن هو أقوى من هذه الناحية ، أو شاعر متوسّط له حظّ من هذه الملكة وكذلك نرى أبنية كثيرة في غاية الاستحكام والجودة ، ونرى فرقاً كثيراً بينها وبين أبنية اخرى لا يرى فيها هذه المزيّة ، ونعلم قطعاً أنّ المعمارين في القسم الأوّل كانوا أقوى وأعلم وأكثر خبرة وأحسن ذوقاً من المعمارين في القسم

٦٠٨

الثاني ، وربّما لا نقدر مع ذلك أن نبني بناءً بأنفسنا ، وهكذا في فنّ الخطابة وغيرها من سائر الفنون.

وكيف كان يمكن تلخيص موازين الأعلميّة في عدّة امور :

١ ـ أن يكون أعلم في معرفة مباني الفقه ( اصول الفقه ) وكيفية الورود في المسألة والخروج عنها ، ( أي يكون أعلم بالمباني ).

٢ ـ أن يكون أعلم بمنابع الأحكام من الآيات والروايات ورجال الحديث وسائر الأدلّة الأربعة ( أي يكون أعلم بالمبادىء ).

٣ ـ أن يكون أدقّ وأعمق نظراً.

٤ ـ أن يكون أقوى حفظاً وأشدّ تسلّطاً على الفروع فإنّ مسائل الفقه مع إفتراق بعضها عن بعض وانبثاثها وانتشارها في أبواب مختلفة تكون ذا إرتباط ونسج خاصّ في كثير منها ، كما لا يخفى على الخبير.

٥ ـ أن يكون أعرف في تشخيص الموضوعات العرفيّة ومذاق أهل العرف ، فإنّ لمعرفة الموضوعات دخل تامّ في معرفة الأحكام هذا أولاً.

وثانياً : أنّ كثيراً من مسائل الشرع امضاء لما عند العقلاء فلابدّ للعلم بها من معرفة مذاق العقلاء والعرف والإرتكازات العقلائيّة والمناسبات العرفيّة.

٦ ـ أن يكون أكثر ممارسة في المسائل الشرعيّة لكثرة الرجوع إليه في أبواب مختلفة من الفقه ، ولهذا فاحتمال أعلميّة من تربّى في الحوزات العلميّة الكبرى يكون أكثر من احتمال أعلميّة غيره ممّن ترعرع في غيرها ، كما أنّه كذلك في سائر الفنون كالطبابة مثلاً فإنّ من داوى الجرحى وعالج كثيراً من المجروحين في أيّام الحرب يصير أقوى ملكة في الطبابة وعملية الجراحة من غيره.

٧ ـ أن يكون له حسن سليقة واعتدالها وذهن مستقيم في اختيار الرأي ، لا طبع سقيم واعوجاج في السليقة.

ولا يخفى أنّ كثيراً من أعاظم الفقه مثل الفقيه الماهر صاحب الجواهر أو الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه‌الله كانوا واجدين لجميع هذه الخصوصيات كما هو ظاهر لمن تتبّع آثارهم.

٦٠٩

٣ ـ تقليد الميّت

والأقوال فيه ثلاثة :

١ ـ عدم الجواز ، وهو المشهور بيننا ، ولعلّه مجمع عليه ، ونسب الجواز إلى الكليني في مقدّمة الكافي والصدوق في مقدّمة من لا يحضر الفقيه والعلاّمة والمحقّق القمّي رحمه‌الله في جامع الشتات ( وسيأتي عدم صحّة هذه النسبة بأجمعها إلاّما نسب إلى المحقّق القمّي رحمه‌الله ) ونقل أيضاً عن جماعة من الأخباريين ، ولكن سيأتي أيضاً أنّ مخالفتهم للُاصوليين في هذه المسألة من قبيل الخلاف في الموضوع لا الحكم.

٢ ـ الجواز ، وهو المشهور بين العامّة.

٣ ـ التفصيل بين التقليد الابتدائي فلا يجوز ، والتقليد الاستمراري ( أي البقاء على التقليد بعد الموت ) فيجوز ، وهو المختار.

واستدلّ القائلون بعدم الجواز بوجوه عمدتها ثلاثة :

الوجه لأوّل : ( وهو العمدة أيضاً بين الثلاثة ) الإجماع ، فقد نقل شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه‌الله في رسالته ( رسالة الاجتهاد والتقليد ) عن صاحب المسالك أنّه قال : صرّح الأصحاب باشتراط الحياة ، وعن الوحيد البهبهاني رحمه‌الله أنّه قال : أجمع الفقهاء على اشتراط الحياة.

وعن صاحب المعالم رحمه‌الله أنّه قال : العمل بفتاوي الموتى مخالف لما يظهر من اتّفاق أصحابنا على المنع من الرجوع إلى فتوى الميّت.

ثمّ قال الشيخ رحمه‌الله : يكون هذا الاتّفاق بدرجة من القبول حتّى شاع عند العوام أنّ قول الميّت كالميّت.

ولا يخفى أنّ هذا الإجماع ليس مدركيّاً بل إنّه ضدّ المدرك ، لما سيأتي من أنّ القائلين بجواز تقليد الميّت يستدلّون عليه ببناء العقلاء لأنّهم يعتبرون لجميع الكتب العلمية بعد الموت ما يعتبرونه في زمن الحياة ( كما أنّه الحقّ ) فإنّ الفقهاء خالفوا هذا البناء بإجماعهم على عدم الجواز ، وهذا من الموارد التي يكون الإجماع فيها مخالفاً للقواعد ، فضلاً عن أن يكون مستنداً إليها ، ولم ينقل خلاف لهذا الإجماع إلاّما نقل عن العلاّمة والمحدّثين المعروفين ( الكليني والصدوق ) والمحقّق القمّي قدّس الله أسرارهم.

٦١٠

لكن العلاّمة لم يثبت مخالفته من كتبه ، وأمّا المحدّثان فعند الرجوع إلى كتاب الكافي ومن لا يحضره الفقيه نجد أنّ ترخيصهما في تقليد الميّت مبنى على مسلكهم من إنكار مشروعية التقليد برأسه ، وأنّ رجوع العامي إلى المجتهد من باب الرجوع إلى رواة الحديث ، فالمفتي ينقل الرواية لا أنّه يفتي حقيقة حسب رأيه ونظره ، ولا إشكال في أنّ حجّية الرواية وجواز العمل بها لا يتوقّفان على حياة الراوي بوجه ، ( وإن كان أصل هذا المبنى لشبهة حصلت لهما فإنّه فرق بين الفتوى ونقل الرواية لأنّ الأوّل يكون من باب الحدس والثاني من باب الحسّ ).

وكذلك لا ضير في كلام المحقّق القمّي فإنّه أيضاً مبنى على ما ذهب إليه من إنسداد باب العلم وحجّية مطلق الظنون ، فيقول : أنّ المتعيّن على المكلّف هو العمل بالظنّ سواء حصل من فتوى الميّت أو فتوى الحي.

الوجه الثاني : أنّ أدلّة وجوب التقليد على العامي قاصرة عن شمولها لتقليد الميّت ، حيث إنّ المجتهد الميّت لا يتّصف بالفعل بعنوان المنذر مثلاً في آية النفر أو عنوان أهل الذكر في آيه السؤال ، وإنّما كان منذراً أو كان من أهل الذكر.

ولكن إشكاله واضح لأنّ السؤال إنّما هو طريق للحصول على رأي أهل الذكر وهو يحصل بالرجوع إلى الكتاب أيضاً ، كما أنّ المقصود من الإنذار هو تحذير المكلّف ، وهو يتحقّق بالرجوع إلى الكتاب أيضاً ، وهكذا قوله عليه‌السلام : « فارجعوا إلى رواة الأحاديث » فإنّه يصدق بالرجوع إلى كتبهم المؤلّفة في حال حياتهم فإنّ الرجوع إلى الكتاب رجوع إلى مؤلّفه بلا ريب ، كما أنّ الرجوع إلى آراء الفلاسفة والأطباء وأهل الخبره يحصل بالرجوع إلى كتبهم المؤلّفة ولو منذ آلاف سنة.

الوجه الثالث : أصالة عدم الحجّية في موارد الشكّ.

ولكنّه لا تصل النوبة إليها مع وجود الدليل الاجتهادي على الجواز كبناء العقلاء.

هذا كلّه هو أدلّة المنكرين للجواز وقد ظهر أنّ المعتمد منها إنّما هو الوجه الأوّل.

واستدلّ القائلون بالجواز أيضاً بوجوه ثلاثة :

١ ـ السيرة المستمرّة للعقلاء على أنّ آراء الأموات المكتوبة في كتبهم كآراء الأحياء في جميع الفنون كاللغة والطبابة والرجال ونحوها ، وأمّا مهجورية بعض الآراء فلا ربط لها بالممات

٦١١

أو الحياة فإنّه كثيراً ما يترك بعض آراء الحي أيضاً في زمان حياته لظهور رأي أقوى منه.

٢ ـ الاستصحاب ، وهو استصحاب بقاء الرأي أو بقاء الحكم.

أمّا استصحاب بقاء الرأي فإستشكل في بأنّ الميّت لا رأي له.

إن قلت : إنّ هذا ينافي القول ببقاء النفس الناطقة ، بل قد يقال : إنّ الإنسان يكون بعد مماته أعلم وأفقه ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ).

قلنا : إنّ مسألة بقاء النفس الناطقة ونحوها من التدقيقات العقليّة لا يفهمها العرف فإنّه يحكم ببطلان الرأي بعد الموت وبأنّ الميّت لا رأي له ، ولا ريب في أنّ المعتبر في باب الاستصحاب إنّما هو بقاء الحالة السابقة عند العرف فتأمّل.

وأمّا استصحاب الحكم ( بأن يقال : كانت صلاة الجمعة واجبة على المقلّد فالآن أيضاً واجبة عليه ) فإستشكل فيه المحقّق الخراساني بأنّ الأمارات الشرعيّة لا يتولّد منها الحكم ، بل مفادها إنّما هو المنجّزية والمعذورية فحسب.

ولكن قد مرّ الإشكال في أصل المبنى كراراً.

والصحيح في المقام أن يقال : أمّا استصحاب بقاء الرأي فالحقّ أنّه لا حاجة إليه لأنّ آراء الفقيه ليست عبارة عن الصورة الذهنيّة له حتّى تضمحلّ بموته ، بل إنّ آراءه هى نفس ما كتبه في كتبه الفقهيّة ، وهو ممّا لا شكّ فيه حتّى يستصحب بقاؤه ، والمحتاج إلى الاستصحاب إنّما هو بقاء حجّية هذه الآراء المكتوبة وهو نفس استصحاب بقاء الحكم ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ إجراء الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مشكل جدّاً.

إن قلت : لو جاز تقليد الميّت بحكم الاستصحاب لجاز تقليد الحي إذا عرضه النسيان أيضاً لبقاء آرائه في كتبه مع أنّه غير جائز.

قلنا : لا نسلّم عدم الجواز بالنسبة إلى آرائه السابقة ، نعم لا يجوز الإعتماد على آرائه في الحال.

الثالث : إطلاقات أدلّة التقليد ، لصدق عنوان أهل الذكر مثلاً على الميّت أيضاً بلحاظ زمان صدور الرأي فإنّ المشتقّ حقيقة فيمن تلبّس بالمبدأ حال النسبة لا حال النطق.

وإن شئت قلت : لابدّ أن يكون من يرجع إليه العامي من أهل الذكر والعلم عند صدور الرأي منه ، ولا شكّ أنّه كان كذلك حال صدور هذه الآراء.

٦١٢

ولكن يرد عليه : أنّ الإطلاقات منزّلة على بناء العقلاء ولا تعدّ دليلاً مستقلاً برأسها.

فظهر أنّ الدليل السالم عن المناقشة للطائفة الثانية ( القائلين بالجواز ) إنّما هو بناء العقلاء ، كما أنّ الدليل السالم عن المناقشة للطائفة الاولى إنّما هو الإجماع.

وقد إستشكل في الإجماع أوّلاً : بأنّه مدركي ، ومدركه أمّا أصالة عدم الحجّية أو إنصراف الإطلاقات إلى الأحياء. ولكن قد مرّ الجواب عنه آنفاً.

وثانياً : بأنّه لا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام لعدم اتّصال المجمعين بزمانه ، من باب أنّ التقليد المبحوث عنه أو الاجتهاد المصطلح اليوم أمر حادث في زماننا ولم يكن رائجاً في ذلك الزمان.

ولكن يرد عليه أيضاً : أنّ التقليد بهذا المعنى الحديث ولو في مستواه البسيط كان موجوداً في ذلك الزمان أيضاً ، وأنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يرجعون الناس إلى أصحابهم الموجودين في البلاد الإسلاميّة ، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ مسلمي سائر البلاد لم يكن بإمكانهم الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام في مسائلهم الشرعيّة وحاجاتهم الدينيّة ، بل كانوا يرجعون فيها إلى علماء البلاد قطعاً ، والعلماء أيضاً يستنبطونها من الأدلّة الموجودة بأيديهم بعد علاج تعارضها وحمل المطلق على المقيّد والعام على الخاصّ والأخذ بأنواع المرجّحات ، إلى غير ذلك ممّا كان من وظيفة المجتهد حتّى في تلك الأعصار.

أضف إلى ذلك أنّ تقليد الحي إنّما هو رمز بقاء المذهب وتحرّكه في جميع شؤونه وتجدّده عصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل ، بل هو رمز لإزدهار علم الفقه وتقدّمه على مرّ الدهور والليالي والأيّام ، بل الإنصاف أنّ الثورات الإصلاحيّة بيد العلماء والفقهاء في تاريخ التشيّع أثر من آثار هذا الأمر ، كما شاهدناها في ثورة عصرنا ، وذلك أنّ الناس لو كانوا مقلّدين لشيخ الطائفة مثلاً فسوف لا يهتمّون بالأحكام الصادرة من جانب الفقهاء الموجودين لا سيّما قائد الثورة.

وبالجملة : أنّ القول بكفاية تقليد الميّت كلمة توجب المسرّة لأعدائنا لأنّها مانعة عن حركة الأحياء وقيادتهم ، وهو الفارق الأساسي بين علماء الشيعة وعلماء السنّة ، وسرّ نشاط الطائفة الاولى وركود الطائفة الثانية.

٦١٣

بقي هنا شيء :

وهو أنّ هذا الإجماع دليل لبّي لابدّ من الاكتفاء فيه بالقدر المتيقّن ، والقدر المتيقّن منه إنّما هو التقليد الابتدائي فحسب ، فهو رادع عن بناء العقلاء بالنسبة إلى خصوص الابتدائي ، وأمّا الاستمراري فحجّية بناء العقلاء فيه بلا مزاحم ، وحينئذٍ يكون المختار في المسألة التفصيل بين الابتدائي والاستمراري.

٦١٤

إلى هنا إنتهت محاضرات

شيخنا الاستاذ آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظلّه

في المسائل الاصوليّة من أوّل مباحث الألفاظ إلى آخر مباحث الاجتهاد والتقليد

في دورة كاملة جامعة لجميع مسائلها ، ولا يشذّ منها شاذّ ، وقد أشرف دام ظلّه على جميع هذه الأوراق بدقّة وإمعان ، وبذلت الجهد على أن لا يفوت منّي شيء منها كما بذلت جهدي في تقريرها وتنقيحها وأداء حقّها كي يبقى أثراً خالداً لطلاّب العلم

وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين.

اللهمّ تقبّله منّا واجعله عملاً خالصاً يرجى به الرشد والرضوان

ونافعاً ليوم المعاد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّمن أتى الله بقلب سليم.

وقد وقع الفراغ

من تصحيحه وتنقيحه

يوم السبت ٢٢ بهمن من ١٣٧٣ ه‍ ش

١١ رمضان المبارك من ١٤١٥ ه‍ ق

من الهجرة النبوية على هاجرها وآله آلاف التحيّة والسلام

٦١٥
٦١٦

الفهرس

المقصد السابع في مباحث الشك والاصول العلمية

٧ ـ في مباحث الشكّ والاصول العمليّة............................................ ٩

أصالة البراءة

أدلّة الاصوليين على أصالة البراءة :................................................ ١٩

الأوّل : الآيات................................................................. ١٩

المناقشة :...................................................................... ٢٠

الثاني : الروايات................................................................ ٢٧

١ ـ حديث الرفع.............................................................. ٢٧

المقام الأوّل : في إسناد الحديث................................................... ٢٧

المقام الثاني : في كيفية دلالة الحديث على المطلوب.................................. ٢٨

٢ ـ حديث الحجب :.......................................................... ٣٦

٣ ـ حديث الحلّ :............................................................ ٣٨

٤ ـ حديث السعة :........................................................... ٤٠

٥ ـ حديث الاطلاق :......................................................... ٤٢

الثالث : دليل العقل ) قاعدة قبح العقاب بلا بيان ).................................. ٤٤

الرابع : الإجماع................................................................ ٥١

أدلّة الأخباريين على وجوب الاحتياط :............................................ ٥٤

الأوّل : الآيات................................................................. ٥٤

الثاني : الروايات................................................................ ٥٦

٦١٧

الثالث : العقل.................................................................. ٦١

التنبيه الأوّل : اشتراط عدم وجود أصل موضوعي ( وهو من أهمّها )................... ٦٦

الكلام في أصالة عدم التذكية..................................................... ٦٨

التنبيه الثاني : في حسن الاحتياط ، وترتّب الثواب عليه ، وإمكان الاحتياط في العبادات.. ٧٢

الكلام في أخبار من بلغ ( التسامح في أدلّة السنن ).................................. ٧٦

المقام الأوّل : في أنّ المسألة اصوليّة أو لا؟........................................... ٧٦

المقام الثاني : في أدلّة المسألة....................................................... ٧٧

التنبيه الثالث : في جريان البراءة في الشبهات الموضوعيّة.............................. ٩٢

التنبيه الرابع : في حسن الاحتياط مطلقاً حتّى مع قيام الحجّة على العدم................. ٩٤

أصالة التخيير

الامر الاول : تطبيقات اصالة التخيير في الفقه..................................... ١٠١

الأمر الثاني : التخيير في الواقعة المتكرّرة........................................... ١٠٢

الأمر الثالث : التخيير في التعبديّات.............................................. ١٠٢

الأمر الرابع : دوران الأمر بين التعيين والتخيير..................................... ١٠٣

أصالة الإشتغال

المقام الأوّل : في دوران الأمر بين المتباينين........................................ ١٠٩

التنبيه الأوّل : الاضطرار إلى بعض الأطراف....................................... ١٢١

التنبيه الثاني : خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء............................... ١٢٤

التنبيه الثالث : عدم الفرق بين الدفعيّات والتدريجيّات في تنجّز العلم الإجمالي........... ١٣٢

التنبيه الرابع : هل الاصول المرخّصة تجري أوّلاً في أطراف العلم الإجمالي أو لا؟......... ١٣٤

التنبيه الخامس : الفرق بين « الشبهات المحصورة » و « غير المحصورة »............... ١٣٥

التنبيه السادس : اعتبار إندراج طرفي العلم الإجمالي تحت عنوان واحد وعدمه.......... ١٤٣

٦١٨

التنبيه السابع : حكم ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة.......................... ١٤٤

التنبيه الثامن : في حكم الخنثى المشكل........................................... ١٤٩

المقام الثاني : في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.......................... ١٥١

الجهة الاولى : في الأجزاء....................................................... ١٥٢

الجهة الثانية : في الشرائط....................................................... ١٥٩

الجهة الثالثة : في القيود......................................................... ١٦٠

الأمر الأوّل : الشك في جزئيّة شيء أو شرطيّته عند النسيان......................... ١٦٤

الأمر الثاني : في زيادة الأجزاء والشرائط.......................................... ١٦٦

الأمر الثالث : هل يسقط الوجوب عند تعذر وجود الجزء أو الشرط ...؟............. ١٦٨

قاعدة الميسور................................................................. ١٧٢

المقام الثالث : في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين........................ ١٨٥

خاتمة في شرائط جريان الاصول

مقدّمة :..................................................................... ١٨٩

المقام الأوّل : في شرائط جريان أصالة الاحتياط.................................... ١٩٠

المقام الثاني : في شرائط جريان سائر الاصول...................................... ١٩٣

مقدار الواجب من الفحص..................................................... ١٩٦

الفحص في الشبهات الموضوعيّة :................................................ ١٩٧

الأمر الأوّل : في الجاهل المقصر.................................................. ٢٠٠

الأمر الثاني : في كلام الفاضل التوني في المقام...................................... ٢١٢

الكلام في قاعدة لا ضرر........................................................ ٢١٣

المقام الأوّل : في مدرك القاعدة.................................................. ٢١٥

١ ـ الكتاب :............................................................... ٢١٥

٢ ـ الإجماع :............................................................... ٢١٧

٣ ـ العقل :................................................................. ٢١٨

٦١٩

٤ ـ السنّة :................................................................. ٢١٨

المقام الثاني : في مفاد الحديث................................................... ٢٣٠

الأمر الرابع : في معنى الضرر والضرار............................................ ٢٣٥

الأقوال الواردة في معنى الحديث................................................. ٢٣٩

المختار في معنى الحديث........................................................ ٢٤٥

نقد سائر الأقوال :............................................................ ٢٤٦

المقام الثالث : في تنبيهات قاعدة لا ضرر......................................... ٢٥٦

التنبه الأوّل : في نسبة القاعدة إلى سائر الأدلّة..................................... ٢٥٦

التنبيه الثاني : هل القاعدة موهونة بكثرة التخصيصات أو لا؟........................ ٢٥٧

التنبيه الثالث : في ما هو المعروف من الإشكال في خصوص قضية سمرة............... ٢٥٨

التنبيه الرابع : هل يجوز التمسّك بالقاعدة لإثبات الأحكام.......................... ٢٦١

التنبيه الخامس : هل الحكم بنفي الضرر من باب الرخصة أو العزيمة؟.................. ٢٦٣

التنبيه السادس : هل المراد بالضرر هو الضرر الشخصي أو النوعي؟................... ٢٦٤

التنبيه السابع : هل المدار على الضرر الواقعي أو العلمي؟............................ ٢٦٥

التنبيه الثامن : في تعارض الضررين.............................................. ٢٦٧

اصالة الاستصحاب

الأمر الأوّل : تعريف الاستصحاب.............................................. ٢٧٣

الأمر الثاني : هل الاستصحاب من المسائل الاصوليّة أو غيرها؟....................... ٢٧٤

الأمر الثالث : أركان الاستصحاب.............................................. ٢٧٥

الأمر الرابع : ثمرة فعليّة اليقين والشكّ............................................ ٢٧٦

الأمر الخامس : هل الاستصحاب من الاصول أو الأمارات؟......................... ٢٧٦

الأمر السادس : جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من دليل العقل وعدمه ٢٧٩

الأمر السابع : الفرق بين قاعدة الاستصحاب وقاعدتى اليقين والمقتضي والمانع.......... ٢٨١

٦٢٠