أنوار الأصول - ج ٣

أنوار الأصول - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-15-6
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٢٤

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل ، لأنّه يفسد ، وليس له بقاء ، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن ، قيل له : يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ فقال : هم في سعة حتّى يعلموا » (١).

ولكن من الواضح أنّه لا دلالة لها على المطلوب لأنّها قضية خارجية ، والحكم فيها أيضاً خاصّ بمورده وأمثاله ، مضافاً إلى ما فيها من الإشكال السندي من جهة النوفلي والسكوني.

وإن شئت قلت : الوارد في هذا الحديث قضيّة شخصيّة خارجيّة وردت في سفرة مطروحة في الطريق ، والمشكوك فيها للسائل إنّما هو طهارة السفرة أو حلّية لحمها فلا يمكن التعدّي عنها إلى سائر الشبهات الموضوعيّة فضلاً عن الشبهات الحكميّة ، والتعبير الوارد فيها هو : « هم في سعة حتّى يعلموا » لا « الناس في سعة حتّى يعلموا » لكي يكون على نهج كبرى كلّية فيقال : إنّ المورد ليس مخصّصاً.

ثانيهما : ( وهو العمدة ) ما ورد في أعيان الشيعة (٢) نقلاً عن تحف العقول وعن الشهاب للمحدّث البحراني ، وفي المستدرك (٣) وعوالي اللئالي (٤) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الناس في سعة ما لم يعلموا ».

وهو من ناحية السند مرسل ، وأمّا الدلالة فيحتمل في كلمة « ما » وجهان :

الأوّل : أن تكون موصولة قد اضيفت إليها كلمة « سعة » أي « الناس في سعة شيء لم يعلموا » فتكون بظاهرها عامّة تعمّ الشبهات الموضوعيّة والحكميّة معاً.

الثاني : أن تكون مصدرية ظرفية متعلّقة بالسعة ، أي « الناس في سعة ما داموا لم يعلموا ».

وعلى كلا الوجهين يتمّ المطلوب لظهورها في كون الجهل ( بعد الفحص ) عذراً.

وإستشكل السيّد الحكيم رحمه‌الله في الوجه الثاني بأنّ ما المصدرية تختصّ بالفعل الماضي ، ولكنّه يرد بناءً على ما هو المعروف من التعبير بـ « لا يعلمون » ولا يرد على ما ظفرنا به من

__________________

(١) المحاسن للبرقي : ص ٤٥٢ ، والوسائل : ج ٢ ، من أبواب النجاسات ، الباب ٥٠ ، ح ١١.

(٢) أعيان الشيعة : ج ١ ، باب طرائف كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ص ٣٠٥.

(٣) المستدرك : ج ١٨ ، ص ٢٠ ، من الطبع الجديد ، الباب ١٢ ، من أبواب مقدّمات الحدود ، وص ٢١٨ ، من الطبع القديم.

(٤) عوالي اللئالي : ج ١ ، ص ٤٢٤.

٤١

التعبير بـ « لم يعلموا » لأنّه في معنى الماضي.

وبالجملة الرواية تامّة من ناحية الدلالة ، ولكنّها لا تصلح للاستدلال من ناحية السند.

بقي هنا شيء :

وهو أنّ الإنصاف أنّ النسبة بين هذه الرواية وأدلّة الأخباريين نسبة التعارض والتضادّ لا الورود لأنّها تدلّ على كون الجهل عذراً وتلك الأدلّة تدلّ ( بزعم الأخباري ) على عدمه.

وبعبارة اخرى : أنّ هذا الحديث يثبت السعة ما لم يعلم الواقع المجهول من الوجوب أو الحرمة ، ودليل الاحتياط يثبت الضيق مع كون الواقع مجهولاً فيتعارضان.

نعم لو كان وجوب الاحتياط نفسيّاً لم يكن بينهما تعارض ، بل ينتفي حينئذٍ بوجوب الاحتياط موضوع هذا الحديث لأنّ موضوعه شيء قد علم به المكلّف بوجوب الاحتياط ، فليس في سعة منه ، لكن الصحيح أنّ وجوب الاحتياط طريقي لأجل حفظ الأحكام الواقعية.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التعبير بـ « لم يعلموا » ظاهر من عدم تمامية الحجّة ، أي الناس في سعة ما لم تتمّ الحجّة ، ودليل الاحتياط حجّة فيكون وارداً عليه.

لكنّه خلاف الظاهر ، لأنّ « ما لم يعلموا » ظاهر في عدم العلم بالحكم الواقعي ، والحكم الظاهري إنّما يوجب رفع التحيّر في مقام العمل فحسب لا العلم بالواقع.

٥ ـ حديث الاطلاق :

وهو ما رواه محمّد بن علي بن الحسين قال : قال الصادق عليه‌السلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (١).

والحديث مرسل ، لكنّه من المرسلات التي يسندها الصدوق رحمه‌الله إلى المعصوم عليه‌السلام بتعبيره « قال » لا « روى » ، وظاهره كون الصدور أمراً مقطوعاً عنده.

ولكن هذا ليس كافياً في إثبات الحجّية عندنا ، لأنّه استنباط لشخص الصدوق رحمه‌الله فلعلّه لو ذكر رجال السند لناقشنا في وثاقة بعضهم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٨ ، الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٦٠.

٤٢

اللهمّ إلاّ أن يقال : بحصول الوثوق من توثيقه ، ولكنّه مشكل ، وحينئذٍ لا يخلو السند عن شيء.

وأمّا الدلالة فقال الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه‌الله أنّه أظهر من الكلّ في الدلالة على البراءة.

وإستشكل فيها المحقّق الخراساني رحمه‌الله بأنّ دلالته تتوقّف على عدم صدق الورود إلاّبعد العلم والوصول مع أنّه يصدق على الصدور المقابل للسكوت أيضاً ، فمعنى الحديث حينئذٍ : أنّ ما لم يصدر فيه نهي واقعاً ( بمعنى سكوت الله تعالى عنه ) فهو حلال ، ولا كلفة على العباد من جهته ، في مقابل ما إذا صدر النهي عنه واقعاً فليس حلالاً وإن لم يعلم به المكلّف ، فوزان هذا الحديث حينئذٍ وزان حديث السكوت.

إن قلت : نعم يصدق الورود على صدور النهي عن الشارع وإن اختفى علينا لبعض الأسباب والدواعي ، ولكن الأصل عدم صدوره ، فإنّه مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه فيتمّ الاستدلال بضميمة هذا الأصل.

قلنا : إنّ الاستدلال حينئذٍ وإن كان يتمّ بضميمة الأصل المزبور ، ويحكم بإباحة ما شكّ في حرمته ، لكن لا بعنوان أنّه مشكوك الحرمة ومحتمل النهي بل بعنوان إنّه ما لم يرد فيه نهي.

إن قلت : إنّ عنوان « ما لم يرد فيه نهي » الثابت بالاستصحاب وإن كان مغايراً لعنوان مجهول الحرمة لكن لا تفاوت بينها في الغرض وهو إثبات إباحة مجهول الحرمة كشرب التتن ، فهذا الفعل مباح ظاهراً سواء كان بعنوان عدم ورود النهي عنه واقعاً ولو تعبّداً ( كما هو مقتضى استصحاب عدم ورود النهي عنه ) أو بعنوان كونه مجهول الحكم.

قلنا : إنّ الثمرة بين الصورتين تظهر في توارد الحالتين لأنّه لو كان الحكم بإباحة مجهول الحرمة بعنوان إنّه ممّا لم يرد فيه نهي لأختصّ ذلك بما إذا لم يعلم ورود النهي فيه في زمان ، وبورود الإباحة فيه في زمان آخر ، واشتبه السابق باللاحق فلا يكاد يتمّ الاستدلال حينئذٍ ، إذ لا مجال للإستصحاب حينئذٍ ، وهذا بخلاف ما إذا كان الحكم بإباحته بعنوان إنّه مجهول الحرمة ، فيجري الأصل حينئذٍ حتّى في مثل الفرض لأنّه مجهول الحرمة ولو مع العلم الإجمالي المذكور ، فيحكم بحلّيته ظاهراً إلى أن يعلم الخلاف ، ( انتهى ما ذكره المحقّق الخراساني رحمه‌الله بتوضيح منّا ).

أقول : يرد على هذا الجواب أوّلاً : أنّه ممّا يهمّ الفقيه في الفقه إذ لا يوجد له مورد في الفقه

٤٣

ورد فيه أمر ونهي ، وإشتبه تاريخهما.

ثانياً : ولو سلم فإنّه من قبيل النسخ الذي يتوفّر الدواعي على نقله فلا يصير من قبيل مجهولي التاريخ.

فالحاصل أنّ الحديث صالح للإستدلال به ولو بضميمة الاستصحاب ، فإنّ المقصود إثبات جواز إرتكاب مشكوك الحرمة بأي دليل كان فإنّه الذي يفيد الفقيه في أبواب الفقه.

والعجب من صاحب الوسائل حيث إستشكل بعد نقل الحديث في دلالته على المراد بثمانية امور لا يرد أحد منها :

منها : الحمل على التقيّة ، فإنّ العامّة يقولون بحجّية الأصل فيضعف عن مقاومة أدلّة الأخباريين.

وجوابه واضح ، فإنّه لا تصل النوبة إلى أعمال هذا المرجّح لأن الترجيح بموافقة الكتاب أولى وأقدم.

ومنها : حمله على الشبهات الوجوبيّة التي يكون الأصل فيها الإباحة حتّى عند الأخباري.

وفيه : أنّ صريح الرواية الشبهة التحريميّة فكيف تحمل على الوجوبيّة؟

ومنها : حمله على الشبهات الموضوعيّة التي يكون الأصل فيها الإباحة أيضاً حتّى عند الأخباري.

وجوابه أيضاً ظاهر ، لأنّ صريح الرواية هو الشبهة الحكميّة.

إلى غير ذلك ممّا ذكره في المقام فراجع (١).

هذا كلّه في الاستدلال بالنسبة للبراءة في الشبهات التحريميّة الحكميّة.

الثالث : دليل العقل

قاعدة قبح العقاب بلا بيان :

المعروف بين الاصوليين أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١٨ ، ص ١٢٨.

٤٤

المستقلاّت العقليّة بعد الفحص واليأس عن الدليل ( وسيأتي مقدار الفحص الواجب ) ، بل قال شيخنا العلاّمة الحائري رحمه‌الله في درره : إنّ هذه قاعدة مسلّمة عند العدليّة لا شبهة لأحد فيها ( إلاّ أن يكون هناك رافع يعني البيان ) (١).

لكن يمكن التشكيك في هذه القاعدة بوصف أنّها قاعدة عقليّة محضة بعد ذكر مقدّمة في ملاك وجوب إطاعة الله وقبح معصيته ، فنقول : الملاك في وجوب الإطاعة إمّا أن يكون وجوب شكر المنعم فتجب طاعته تبارك وتعالى بالإطلاق من باب أنّها من مصاديق شكر المنعم الحقيقي المطلق كما تجب طاعة الوالدين في الجملة على الولد من باب أنّهما منعمان له في الجملة ، أو يكون الملاك الحكمة فإنّ حكمة الباري تعالى تقتضي وجود مصلحة في أوامره ومفسدة في نواهيه ، فيحكم العقل بوجوب الإطاعة عن أوامره ونواهيه للحصول على مصالحها ومفاسدها ، أو يكون الملاك المالكية والمولويّة فالعقل يحكم بأنّ ترك الطاعة بالنسبة إلى الموالي العرفيّة فضلاً عن المولى الحقيقي ظلم قبيح.

ثمّ نقول : أمّا الملاك الأوّل : فيمكن النقاش فيه بأنّ مردّه إلى قولنا : هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ، أي وجوب الإحسان في مقابل الإحسان ، وهو لا يتصوّر بالنسبة إلى الباري تعالى لأنّه يتوقّف على وجوب الفقر والحاجة ، تعالى الله عنها علوّاً كبيراً.

ولذلك أرجع علماء علم الكلام هذه القاعدة إلى قاعدة وجوب دفع الضرر ببيان أنّ عدم شكر المنعم قد يكون لسلب النعمة وحصول الضرر على المنعَم ( بالفتح ) وحينئذٍ لا تكون هذه القاعدة من المستقلاّت العقليّة ومن مصاديق قاعدة حسن العدل وقبح الظلم.

وأمّا الملاك الثاني : ( وهو الحكمة ) ، فيناقش فيه أيضاً بأنّ لازمه إرشادية جميع الأوامر والنواهي الشرعيّة كأوامر الطبيب ونواهيه ، فيتوجّه إلى المكلّف العاصي نفس المفسدة الموجودة في متعلّق النهي فحسب أو سلب المصلحة اللازمة في الأوامر منه مع إنّا نقول بالمولويّة واستحقاق ثواب وعقاب اخرويّين يترتّبان على الفعل والترك.

وأمّا الملاك الثالث : فهو الأصل والصحيح في وجوب الإطاعة وقبح المعصية لأنّ رجوعه إلى قبح الظلم بمعناه الواسع وهو وضع الشيء في غير موضعه.

__________________

(١) درر الفوائد : ص ٤٢٧ ، طبع جماعة المدرّسين.

٤٥

فظهر أنّ ملاك وجوب طاعة الله وقبح معصيته إنّما هو مولويته ومالكيته فلله تعالى حقّ الطاعة على العبد لأنّه مولى حقيقي ومالك لجميع شؤونه.

إذا عرفت هذا يقع البحث في حدود هذا الحقّ ودائرته.

فنقول : العقل حاكم على أنّ قيمة أغراض المولى ليست أقلّ من قيمة أغراض العبد فكما أنّه يهتمّ بأغراضه حتّى في المحتملات والمشكوكات فيسلك فيها سبيل الاحتياط كذلك يجب عليه الاحتياط في طريق النيل إلى أغراض المولى المحتملة والمشكوكة ، ففي صورة الشك وعدم البيان الذي هو محلّ النزاع في المقام يحكم العقل بوجوب الاحتياط وقبح المعصية وحسن العقاب عكس ما ذهب إليه المشهور من قبح العقاب بلا بيان.

نعم إلى هنا ظهر عدم كون القاعدة قاعدة عقليّة ، ولكن الحقّ إنّها قاعدة عقلائيّة جرت عليها سيرتهم وأمضاها الشارع بعدم ردعه منها كما نرى بين العبيد والموالي والملوك وأتباعهم والرؤساء ومن يكون تحت رياستهم ، فإنّ بناءهم على عدم عقاب العبد ما لم يبيّن المولى مقاصده وأغراضه ، وعلى عدم عقاب المرؤسين والرعايا ما لم يبلغ إليهم أغراضهم ، وعليه تكون القاعدة قاعدة عقلائيّة لا عقليّة.

وإن شئت قلت : لولا بناء العقلاء على عدم العقاب بلا بيان وإمضاء الشارع لهذا البناء لم يقبح في حكم العقل العقاب بدونه ، فوقع الخلط هنا بين الأحكام العقليّة المبنية على مسألة الحسن والقبح والأحكام العقلائيّة الناشئة عن تشريعاتهم وقوانينهم ، والفرق بينهما ظاهر كما أنّ آثارهما مختلفة وستأتي الإشارة إليها عن قريب إن شاء الله.

لكن للمحقّق النائيني رحمه‌الله هنا بيان حاصله : إنّ الأحكام بوجودها الاحتمالي ليست لها محرّكية وباعثيّة ، فيكون المكلّف حينئذٍ كالعاجز والمضطرّ ، وتكليفه تكليفاً بما لا يطاق ، وإليك نصّ كلامه : « لا يكفي في صحّة المؤاخذة واستحقاق العقوبة مجرّد البيان الواقعي مع عدم وصوله إلى المكلّف فإنّ وجود البيان الواقعي كعدمه غير قابل لأن يكون باعثاً ومحرّكاً لإرادة العبد ما لم يصل إليه ويكون له وجود علمي ... » (١).

أقول : الإنصاف أنّ هذه مصادرة على المطلوب ، لأنّا نعلم أنّ للأحكام بوجودها

__________________

(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٥ ٣٦ ، طبع جماعة المدرّسين.

٤٦

الاحتماليّة باعثيّة ومحرّكية كما في سائر الأغراض والمصالح والمفاسد والمضارّ والمنافع وإلاّ يلزم تعطيل الزراعات والتجارات والصناعات وغيرها حيث إنّ الحصول على المنفعة فيها أمر احتمالي في الغالب فكما يتحرّك العبد في منافعه الشخصيّة بالاحتمال والظنّ كذلك يمكن أن يتحرّك وينبعث في المنافع الاحتماليّة لمولاه.

وللمحقّق الأصفهاني رحمه‌الله هنا بيانان : أحدهما : مبنيّ على ما تبنّاه في حقيقة الحكم فقال : « إنّ الحكم الحقيقي متقوّم بنحو من أنحاء الوصول لعدم معقوليّة الإنشاء الواقعي في إنقداح الداعي ، وحينئذٍ فلا تكليف حقيقي مع عدم الوصول فلا مخالف للتكليف الحقيقي فلا عقاب » (١).

الثاني : ما حاصله إنّ الواجب على العبد إنّما هو عدم الخروج عن رسم العبودية ، ومخالفة ما قامت عليه الحجّة خروج عن رسم العبوديّة (٢).

أقول : أمّا البيان الأوّل فمبناه غير مقبول ، لأنّ للحكم مراحل ، وكلامه بالنسبة إلى بعض مراحله ليس تامّاً فإنّه إذا تيقّن العبد بغرض المولى فهو مسؤول في قباله بحكم العقل وإن لم يبيّن المولى غرضه ولم يصدق عليه عنوان الحكم ، وبتعبير آخر : سلّمنا أنّ الحكم متقوّم بالبيان ولكن الأغراض ليست متقوّمة به ( على الأقل الأغراض اليقينية ) وما ذهب إليه صحيح إذا دار وجوب الإطاعة مدار الأحكام فقط لا الأحكام والأغراض كليهما مع أنّ الصحيح هو الثاني لا الأوّل.

وأمّا البيان الثاني فإنّه أيضاً مصادرة على المطلوب لأنّا نعتقد بأنّ لاخروج عن رسم العبوديّة كما يصدق بمخالفة ما قامت عليه الحجّة كذلك يصدق في المحتملات والمشكوكات.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ العقل لا يحكم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان بل يحكم بخلافه ، نعم إنّها قاعدة عقلائيّة استقرّ عليها بناء العقلاء ، والفرق بين الصورتين إنّه إذا كانت القاعدة قاعدة عقليّة فلا معنى لتحديدها والاستثناء منها بالنسبة إلى مورد دون مورد لأنّ القاعدة العقليّة لا استثناء فيها ولا تخصيص ما دام الموضوع باقياً بخلاف القاعدة العقلائيّة فإنّه لابدّ من تعيين حدودها وقيودها ، وهى في المقام أربعة على الأقل :

__________________

(١) نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٩٠ ، من الطبع القديم.

(٢) نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٩١ ، من الطبع القديم.

٤٧

أحدها : أن يكون المولى قادراً على البيان وإلاّ لو كان المولى محبوساً مثلاً غير قادر على بيان غرضه والعبد يعلم به أو يحتمله فلا يكون عند العقلاء مرخّصاً بالإعتذار بعدم البيان.

ثانيها : أن لا يكون المورد من المسائل الهامّة الأساسية كما إذا دخل في دار المولى من يحتمل أن يكون هلاك المولى بيده ، فعلى العبد منعه بكلّ ما يقدر عليه وإن لم يصدر من المولى بيان فيه.

ثالثها : أن يكون المورد من الموارد التي ممنوعها أقلّ من مجازها ، وواجبها أقلّ من مباحها ، وإلاّ لو كان مشكوك الحرمة من الحيوانات البحرية مثلاً التي أكثرها حرام ، فلعلّ بناء العقلاء لم يستقرّ على البراءة في أمثالها ، فإنّ الظاهر أنّ بناء العقلاء نشأ من كون الواجبات والمحرّمات في مقابل المباحات قليلاً جدّاً فالمحتاج إلى البيان إنّما هو الواجبات والمحرّمات ، ولو إنعكس الأمر في مورد وكانت محرّماته أكثر من مباحاته لم يكن لهم بناءً على البيان فيه ، ولا أقلّ من الشكّ وعدم ثبوت بناءٍ في أمثال المقام ، ومعه لا يصحّ الاستدلال به.

رابعها : أن يكون من المسائل المبتلى بها ، فلو كان الإبتلاء نادراً في مورد لكان الحكم باستقرار بنائهم عليه مشكل فيه جدّاً.

ثمّ إنّ هيهنا إشكالاً معروفاً ، وهو أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان مورودة لقاعدة وجوب دفع الضرر ، فيكفي في البيان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فإنّ الشكّ في التكليف يلازم الشكّ في الضرر ، والعقل يستقلّ بلزوم دفع الضرر المحتمل فهو بيان عقلي فيرتفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

واجيب عنه بوجوه :

منها : أنّ المراد بالضرر ( الذي هو موضوع القاعدة ) أمّا الضرر الدنيوي وأمّا الضرر الاخروي ، والمقصود بالضرر الاخروي أمّا العقاب الموعود من جانب الشارع جزاءً للأعمال ، وأمّا الآثار الوضعيّة القهريّة للعمل التي يعبّر عنه بتجسّم الأعمال ، فإن كان المراد العقاب الاخروي بالمعنى الأوّل فلا موضوع لهذه القاعدة في المقام لأنّ احتمال التكليف لا يلازم احتمال العقاب بل الملازمة إنّما هى ثابتة بين التكليف الواصل واستحقاق العقوبة على مخالفته لالانّه مع عدم وصول التكليف والبيان يستقلّ العقل بقبح العقاب ، وبه لا يثبت موضوع قاعدة دفع

٤٨

الضرر المحتمل ، فتكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على قاعدة دفع الضرر عكس ما توهّمه المستشكل.

هذا ـ وهنا جواب آخر في كلمات المحقّق النائيني رحمه‌الله وهو « أنّ حكم العقل بلزوم دفع المقطوع والمظنون والمحتمل من الضرر يكون للإرشاد لا يستتبع حكماً مولوياً شرعياً على طبقه لأنّ حكم العقل في باب العقاب الاخروي واقع في سلسلة معلولات الأحكام ، وكلّ حكم عقلي وقع في هذه السلسلة لا يستتبع الحكم المولوي الشرعي وليس مورد القاعدة الملازمة وإلاّ يلزم التسلسل ، فحكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون بل المحتمل يكون إرشادياً وطريقياً لا يترتّب على مخالفته سوى ما يترتّب على المرشد إليه » (١).

وإن كان المراد من الضرر العقاب الاخروي بالمعنى الثاني فاجيب عنه بأنّ هذه الآثار ليست مترتّبة على نفس الأعمال بل إنّها تترتّب على الإطاعة والعصيان لا غير ، والأفعال الطبيعيّة التي لم توجب إطاعة أو معصية وبعداً أو قرباً لا أثر لها من هذه الجهة.

وإن اريد بالضرر الضرر الدنيوي فاجيب عنه أيضاً بأنّ الكبرى والصغرى كلتيهما ممنوعتان :

أمّا الكبرى : فلأنّه ليس كلّ ضرر ممّا يحكم العقل بلزوم دفعه بل هناك أضرار طفيفة يتحمّلها العقلاء لأجل أغراض دنيوية غير ضرورية وإن كان الضرر من المقطوع فضلاً عن المحتمل.

وأمّا الصغرى : فلأنّه ليس مناطات الأحكام دائماً هى الضرر بل المصالح والمفاسد ( التي تكون مناطات الأحكام غالباً ) لا تكون من سنخ الضرر ، والذي يلازم احتمال الحرمة إنّما هو احتمال المفسدة لا احتمال الضرر ، ولا ملازمة بين الضرر والمفسدة ، بل ربّ مفسدة توجب المنفعة فضلاً عن الضرر كما في أكل الربا ، وربّ مصلحة توجب الضرر فضلاً عن المنفعة كما في الإنفاق في سبيل الله تعالى.

لكن الإنصاف أنّ الكبرى والصغرى كلتيهما تامّتان في الجملة لا بالجملة :

أمّا الكبرى : فلأنّ الأضرار الدنيويّة على قسمين : مهمّة وغير مهمّة ، والعقل يحكم فيما إذا

__________________

(١) فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ٢١٧ ، طبع جماعة المدرّسين.

٤٩

كان الضرر المحتمل مهمّاً بلزوم الدفع كضرر النفس أو العرض أو المال الكثير فلا محالة يستكشف منه حكم شرعي مولوي بلزوم الإجتناب عنه بقاعدة الملازمة ، ويصير هذا بنفسه بياناً يرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان وتكون قاعدة دفع الضرر المحتمل في مثل هذا المورد واردة على هذه القاعدة ، ولكن لا تجري هذه القاعدة بالنسبة إلى الأضرار غير المهمّة ، فلا يثبت بها مراد المستشكل ، هذا بناءً على مبنى القول من كونها قاعدة عقليّة ، وأمّا بناءً على ما اخترناه من كونها قاعدة عقلائيّة فالأمر أوضح لأنّ بناء العقلاء جارٍ على عدم الاعتناء باحتمال الضرر إلاّ أن يكون ضرراً هامّاً كما مرّ نظيره في حكم العقل بناءً على مبنى القوم.

وأمّا الصغرى : فلوجود الملازمة بين المفسدة والضرر وبين المصلحة والمنفعة في جميع الموارد ، والعجب من مثل شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه‌الله حيث قال بعدمها في البحث عن قاعدة لا ضرر ، لأنّ مثل الإنفاق في سبيل الله يوجب رفع العداوة والبغضاء ودفع الفوضى في المجتمع الإنساني ، وعدم الإنفاق وبالنتيجة وجود الفقر يوجب إختلال النظام وهلاك جميع الأفراد حتّى الممتنع من الإنفاق وضياع جميع الأموال حتّى أموال الممتنع.

ولذلك قد ورد في الحديث : « حصّنوا أموالكم بالزكاة » وفي حديث آخر « إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه » ( ومن المعلوم أنّه إذا باع آخرته بدنياه لا يمتنع عن أي جرم من السرقة وقتل النفوس وإضاعة الأموال وغيرها ).

بقي هنا شيء :

وهو أنّ بعض الأعاظم أجاب عن الإشكال بالنقض « باتّفاق العلماء من الاصوليين والأخباريين بل العقلاء أجمع على عدم لزوم الإجتناب عمّا يحتمل وجود المفسدة فيه في الشبهة الموضوعيّة وأنّه لو كان العقل مستقلاً بوجوب دفع المفسدة المحتملة كان الاحتياط واجباً فيها أيضاً إذ لا فرق بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة من هذه الجهة » (١).

وقال في تهذيب الاصول : « أضف إلى ذلك : أنّ الشبهة الموضوعيّة والوجوبيّة مشتركتان مع الشبهة التحريميّة في هذه التوالي المدّعاة ، فلو كانت للأفعال لوازم قهرية مؤذية لصاحبها

__________________

(١) راجع مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٢٨٨.

٥٠

لكان على الشارع الرؤوف الرحيم إيجاب الاحتياط حتّى يصون صاحبها عن هذه اللوازم القهرية ، فالترخيص فيها إجماعاً بل ضرورة دليل على بطلان تلك المزعمة وإنّه ليس هيهنا ضرر اخروي أو دنيوي واجب الدفع كما لا يخفى » (١).

ولكن يمكن الجواب عنه بأنّ ترخيص الشارع في الشبهة الموضوعيّة والوجوبيّة إنّما يكون من باب تعارض المفسدة المحتملة فيها مع مصلحة أهمّ مثل رفع العسر والحرج وإيجاد التسهيل للعباد لا من باب التخصيص في قاعدة عقليّة حتّى يقال بأنّ القواعد العقليّة لا يمكن تخصيصها حيث إنّ العقل ـ أساساً ـ يحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل ما لم يعارض ضرراً أقوى.

هذا كلّه في دليل العقل.

الرابع : الإجماع

ويمكن تقريره بوجوه ثلاثة :

الأوّل : الإجماع القولي من العلماء كلّهم على البراءة في ما لم يرد فيه دليل عام أو خاصّ على تحريمه.

وهذا المعنى تامّ ولكن لا ينفع في مقابل دعوى الأخباريين في الحكم بالاحتياط بدليل عام لو تمّ دليلهم.

الثاني : الإجماع القولي على البراءة ما لم يرد دليل خاصّ على التحريم.

وهذا الوجه غير تامّ لأنّ المحدّثين يدّعون وجود دليل عامّ على التحريم.

الثالث : الإجماع العملي على البراءة حيث إنّ العلماء في مقام العمل يطالبون بدليل من مدّعي الحرمة ، وهذا دليل على أنّ المركوز في أذهانهم أنّ الأصل هو البراءة ما لم يرد ما يدلّ على الحرمة.

وفيه أيضاً : أنّ هذا صحيح إذا كان المراد عدم ورود الدليل الخاصّ والعام معاً وإلاّ لو

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٩٢ ، طبع جماعة المدرّسين.

٥١

كان المقصود عدم ورود الدليل الخاصّ فقط فيرد عليه ما اورد على الوجه الثاني.

لكن المهمّ في الإشكال أنّ الإجمال في مثل المقام ليس بحجّة لقوّة استناد المجمعين إلى بعض الوجوه العقليّة أو النقليّة المستدلّ بها على البراءة فلا كاشفية له عن قول المعصوم عليه‌السلام.

وهيهنا دليل خامس ذكره الشيخ الأعظم رحمه‌الله في الرسائل وهو التمسّك باستصحاب حال الصغر ( أو استصحاب ما قبل الشرع ) وقد أورد عليه الشيخ رحمه‌الله وغيره بإيرادات عديدة :

منها : أنّ المستصحب أحد امور ثلاثة : إمّا براءة الذمّة ، أو عدم المنع من الفعل ، أو عدم استحقاق العقاب عليه ، والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتّب العقاب على الفعل أو القطع بالجواز المستلزم للقطع بعدم العقاب ، ومن المعلوم أنّ هذا المطلوب لا يترتّب على المستصحبات المذكورة ، أمّا عدم ترتّب العقاب على الفعل فلأنّه ليس من اللوازم المجعولة الشرعيّة لتلك المستصحبات حتّى يحكم به الشرع في الظاهر ( بأخبار لا تنقض ) بل هو من اللوازم العقليّة يحكم به العقل ، وأمّا الجواز المستلزم لعدم العقاب فهو وإن كان أمراً قابلاً للجعل ( لأنّه أحد الأحكام الخمسة ) ويستلزم انتفاء العقاب واقعاً إلاّ أنّه ليس لازماً شرعياً للمستصحبات المذكرة بل هو من المقارنات لها إذ إنّ عدم المنع مثلاً لا ينفكّ عن كون الفعل جائزاً بعد العلم بعدم خلوّ فعل المكلّف عن أحد الأحكام الخمسة نظير إثبات وجود أحد الضدّين بنفي الآخر ، فيكون الأصل حينئذٍ مثبتاً.

ولكن يجاب عن هذا بأنّ عدم المنع كافٍ للفقيه في الفقه ولا حاجة إلى عنوان الإباحة كما هو ظاهر.

ومنها : عدم بقاء الموضوع للاستصحاب ، لأنّ موضوع البراءة في السابق إنّما هو الصغير غير القابل للتكليف ، وقد تبدّل بالكبير ( وكذلك الكلام بالنسبة إلى ما قبل الشرع وبعده ).

أقول : هذا إشكال متين ، فإنّ العرف يرى الصغر ( وكذلك ما قبل الشرع ) من قيود الموضوع ، فليس من الحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الحكم.

ومنها : ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله من « إنّ العدم حال الصغر يكون من جهة عدم قابلية الصغير للتكليف فكونه مرخى العنان ـ من فعل أو ترك ـ ليس من قبل ترخيص الشارع ورفع الإلزام منه بل اللاحرجيّة ( العقليّة ) للصغير من جهة أنّه كالبهائم والمجانين ، ما وضع عليه قلم التكليف قبل البلوغ لعدم قابلية المحل لا أنّه رفع عنهم الإلزام امتناناً عليهم ، وهذا العدم

٥٢

الذي من جهة عدم قابلية المحل واللاحرجيّة القهريّة يرتفع قهراً بواسطة البلوغ ، إذ معنى هذا العدم عدم وضع قلم التكليف عليه وبعد التكليف والبلوغ تبدّل هذا العدم قطعاً ووضع عليه قلم التكليف فلا مورد للاستصحاب » (١).

أقول : إنّ ما ذكره بالنسبة إلى عدم التكليف في غير المميّز صحيح لا غبار عليه إلاّ أنّ المستصحب ليس هو هذا العدم بل إنّه العدم المتّصل بزمان البلوغ المتقدّم عليه بزمان يسير.

وإن شئت قلت : إنّه عبارة عن العدم حال كون الصغير مميّزاً ومراهقاً ، حيث إنّه لا شكّ في أنّ حال الصبي في هذا الزمان لا يختلف عن حاله أوّل البلوغ من حيث القابلية وعدمها ، ولذلك نقول بشرعية عبادات الصبي كما اختاره المحقّقون وإنّه مشمول للخطابات الاستحبابيّة ، فإنّه المراد من رفع القلم عند رفع الإلزام عنه ، أي رفع الواجبات والمحرّمات ، كما أنّه مقتضى التعبير بالرفع المقابل للوضع حيث يناسب وجود أمر ثقيل يثقل على عاتق المكلّف كما مرّ بيانه في حديث الرفع.

ومنها : أنّ استصحاب عدم الحرمة معارض مع استصحاب عدم الإباحة ، لأنّ المرفوع قبل البلوغ جميع الأحكام الخمسة حتّى الإباحة.

وقد ظهر جوابه ممّا مرّ آنفاً من أنّ المرفوع في حديث رفع القلم إنّما هو خصوص الإلزامات ، مضافاً إلى أنّ التعارض يتصوّر فيما إذا كانت الإباحة من الامور الوجودية القابلة للجعل لا ما إذا كانت من الامور العدمية وعبارة عن مجرّد عدم الحرمة والوجوب كما قيل.

ومنها : ما سيأتي من المختار في مبحث الاستصحاب من عدم حجّية الاستصحاب في الشبهات الحكميّة خلافاً لما ذهب إليه مشهور الاصوليين بعد الشيخ رحمه‌الله.

هذا كلّه هو أدلّة الاصوليين للبراءة في الشبهات الحكميّة التحريميّة ، وحاصل أكثرها عدم العقاب بلا بيان ، ولذا لا موضوع لها في صورة تمامية أدلّة الأخباريين ، والتعبير بالأكثر يكون في مقابل بعض تلك الأدلّة من قبيل رواية « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » بناءً على أنّ المراد من مرجع الضمير في كلمة « فيه » النهي الخاصّ. إذ إنّه لا حكومة لأدلّة أخباريين على هذا الدليل وأمثاله كما هو واضح.

__________________

(١) راجع منتهى الاصول : ج ٢ ، ص ٣٢١ ، للمحقّق البجنوردي رحمه‌الله تقريراً لكلام استاذه.

٥٣

فالمهمّ حينئذٍ التعرّض لأدلّة الأخباريين والبحث حولها.

أدلّة الأخباريين على وجوب الاحتياط :

وقد استدلّ لهم بالأدلّة الثلاثة : الآيات والروايات والعقل.

الأوّل : الآيات

أمّا الآيات : فهى على طوائف :

الطائفة الاولى : ما أمر فيها بالتقوى وهى كثيرة ( تسعة وستّون آية منها وردت بصيغة « اتّقوا » ، وخمس آيات بصيغة « اتّقون » وأربع آيات بصيغة « اتّقوه » ).

والأصرح منها قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة أنّ الاحتياط في الشبهات مصداق من مصاديق التقوى والتقوى ، واجب بظاهر هذه الآيات لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب.

وقبل الجواب عن هذه الطائفة ينبغي بيان معنى التقوى في اللغة فنقول : إنّها اسم مصدر من مادّة الوقاية على وزن فَعْلى ، أصلها وَقْى فأُبدلت الواو بالتاء والتاء بالواو (١) ، وهى كما في قاموس اللغة بمعنى الاجتناب والحذر عن كلّ ما يحذر منه ، وهذا لا بأس به إذا كان مفعولها غير الباري تعالى ، كقوله تعالى : ( فاتّقوا يوماً ) أو ( فاتّقوا النار التي ... ) أو ( اتّقوا فتنة لا تصيبنّ ... ) وأمّا إذا كان المفعول وجود الباري كقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، فلابدّ من تقدير فيها كما ذكره المفسّرون لعدم كونه تعالى ممّن يحذر منه كما لا يخفى ، وهذا بنفسه قرينة على تقدير شيء نحو عصيان الله ( فاتّقوا عصيان الله ) أو عذاب الله أو حساب الله ، كما ورد في قوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ... ).

هذا كلّه في معنى الكلمة.

ثمّ نقول : يرد على الاستدلال بالطائفة المزبورة على الاحتياط أنّه يمكن النقاش في

__________________

(١) راجع شرح الشافية : ج ٣ ، ص ٨٠.

٥٤

صغرى كون الاحتياط في الشبهات من مصاديق التقوى الواجبة ، فإنّها عبارة عن الإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرّمات ، وأمّا ترك الشبهات فهو مرتبة عالية من التقوى ولا دليل على وجوبها بجميع مراتبها كما أنّ الاجتناب عن المكروهات أيضاً من مراتبه وهو غير واجب.

الطائفة الثانية : ما دلّ على النهي عن القول بغير علم :

منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ ) (١).

ومنها قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ... وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٢).

وتقريب الاستدلال بها أنّ الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة إفتراء وقول عليه بغير علم حيث إنّه لم يأذن فيه.

والجواب عنها : أنّ الترخيص في محتمل الحرمة حكم ظاهري ثابت بأدلّة قطعيّة ، فليس هو قو بغير علم بل إنّه صادق في الحكم بوجوب الاحتياط لعدم دليل عليه.

الطائفة الثالثة : ما دلّ على النهي عن الإلقاء في التهلكة ، وهى قوله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) بتقريب أنّ الإقدام في الشبهات مصداق من مصاديق الإلقاء في التهلكة.

ويرد عليه : أنّ الاستدلال بها غير تامّ صغرى وكبرى ، أمّا الصغرى ، فلأنّ كون إرتكاب المشتبهات من مصاديق الإلقاء في التهلكة أوّل الدعوى ومصادرة بالمطلوب لعدم دليل عليه ، وأمّا الكبرى ، فلأنّ النهي الوارد في هذه الآية يكون من قبيل النواهي الواردة في باب الإطاعة لأنّ التهلكة عبارة عن العقاب الاخروي الناشيء من العصيان ، وقد مرّ في مبحث الأوامر والنواهي أنّ الواردة منها في باب الإطاعة إرشاديّة وإلاّ يلزم التسلسل المحال ، فلا دلالة لهذه الآية على الحرمة ، هذا إذا كان المراد من التهلكة ما ذكرنا من العقاب الاخروي ، وأمّا إذا كان بمعنى الهلاكة الدنيويّة فلا ربط لها بالمقام كما لا يخفى.

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٦٩.

(٢) سورة الأعراف : الآيه ٣٣.

(٣) سورة البقرة : الآية ١٩٥.

٥٥

ثمّ لا يخفى عليك الربط بين صدر الآية ( وأنفقوا في سبيل الله ) وذيلها ( ولا تلقوا ... ) فالمقصود منها ما أشرنا إليه في بعض الأبحاث السابقة من أنّ عدم الإنفاق وبالنتيجة إيجاد الفقر في المجتمع يوجب الفوضى واختلال النظام وهلاك جميع الأفراد حتّى الممتنع من الإنفاق ، فعدم الإنفاق في سبيل الله يوجب إلقاء أنفسكم في الهلكة ضمن إلقاء المجتمع فيها.

هذا كلّه في استدلال الأخباريين على الاحتياط بالآيات.

الثاني : الروايات

أمّا الروايات فهى كثيرة جمع عمدتها صاحب الوسائل في كتاب القضاء في الباب الثاني عشر من أبواب صفات القاضي ، وهى في الواقع على ثمانية طوائف.

الطائفة الاولى : ما ورد في الشبهات قبل الفحص مثل صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاء بينها ، أو على كلّ واحد منهما؟ قال : « لا بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما الصيد ». قلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال : « إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتّى تسألوا عنه فتعلموا » (١) وفي هذا المعنى روايات اخرى في نفس الباب كالرواية ٣ و ٢٣ و ٢٩ و ٣١ و ٤٣.

الطائفة الثانية : ما تتضمّن أنّ إجتناب الشبهات يوجب القدرة على ترك المحرّمات ، وقد علّل فيها ذلك بأنّ المعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها.

منها : ما رواه الصدوق قال : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام خطب الناس فقال في كلام ذكره :

« حلال بيّن وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له اترك ، والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها ».

وفي هذا المعنى أيضاً روايات في نفس الباب كالرواية ٢٢ و ٣٩ و ٤٧ و ٦١.

والجواب عنها : أنّه لا إشكال في أنّها أوامر استحبابيّة إرشاديّة كما لا يخفى.

الطائفة الثالثة : ما أمر فيها بالورع :

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

٥٦

منها : ما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا ورع كالوقوف عند الشبهة » (١).

وفي هذا المعنى أيضاً روايات عديدة كالرواية ٢٤ و ٢٥ و ٣٣ و ٤١ و ٥٧.

والجواب عنها : أنّ التعبير بالورع بنفسه قرينة على الاستحباب لأنّ الورع ليس واجباً كما مرّ آنفاً.

الطائفة الرابعة : ما ورد في الشبهات الموضوعيّة التي لا إشكال في البراءة فيها حتّى عند الأخباري :

منها : ما رواه السيّد الرضي رحمه‌الله في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة : « أمّا بعد يابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها ، تستطاب لك الألوان وتنقل عليك ( إليك ) الجفان وما ظننت إنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فَنَل منه » (٢).

وفي هذا المعنى رواية اخرى وهى الرواية ١٨ من نفس الباب.

ويرد عليها : مضافاً إلى أنّها ناظرة إلى الشبهات الموضوعيّة (٣) إنّها أخصّ من المدّعى لورودها في حقّ الحكّام والقضاة ، ولا يخفى الفرق بينهم وبين غيرهم.

الطائفة الخامسة : ما يكون النظر فيها إلى اصول الدين.

منها : ما رواه زرارة عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا » (٤).

وهناك روايات اخرى في نفس الباب تدلّ على هذا المعنى كالرواية ٥٣.

والجواب عنها : أنّها أيضاً خارجة عن محلّ الكلام لأنّ الكلام في الأحكام الفرعيّة لا الاصوليّة التي يجب فيها العلم واليقين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٠.

(٢) المصدر السابق : ح ١٧.

(٣) والذي يدلّ على أنّ الرواية الثانية ناظرة إلى الشبهات الموضوعيّة قوله عليه‌السلام فيها : « وآخذهم بالحجج » لأنّ المراد من الحجج هو أدلّة الخصمين لإثبات دعواهما.

(٤) وسائل الشيعة : الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ١١.

٥٧

الطائفة السادسة : ما يكون ناظراً إلى حرمة الأخذ بالاستحسان والقياس والاجتهادات الظنّية في مقام الفتوى :

منها : ما رواه السيّد الرضي رحمه‌الله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة أنّه قال في خطبة له : « فياعجباً وما لي لا أعجب عن خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبي ولا تقتدون بعمل وصي ، يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات ، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا ، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ، كأنّ كلّ امرىء منهم إمام نفسه ، قد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات » (١).

وفي معناها رواية اخرى وهى الرواية ٥٤ من الباب.

وهذه الطائفة أيضاً خارجة عن محل البحث ، فإنّ حرمة العمل بالقياس والأخذ بالآراء الظنّية والاستحسانات ثابتة بأدلّة قطعيّة لا كلام فيها.

الطائفة السابعة : ما يدلّ على لزوم السكوت والكفّ عمّا لا يعلم.

منها : ما رواه هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام ما حقّ الله على خلقه؟ قال : « أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه » (٢).

وفي هذا المعنى الرواية ٣٢ من نفس الباب.

والجواب عنها : أنّها ناظرة إلى الأحكام الواقعيّة ولا معنى لعدم العلم بالنسبة إلى الحكم الظاهري.

الطائفة الثامنة : ما يكون خارجاً عن جميع الطوائف السابقة ويدلّ على مدّعى الأخباريين في بدء النظر.

منها : ما رواه أبو شيبة عن أحدهما عليهما‌السلام قال في حديث : « الوقوف عند الشبهة خير من الإقتحام في الهلكة » (٣).

وبهذا المعنى أيضاً الرواية ١٥ و ٣٧ و ٤١ و ٥٦.

واجيب عنها : بأجوبة بعضها تامّ وبعضها غير تامّ :

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ١٩.

(٢) المصدر السابق : ح ٤.

(٣) المصدر السابق : ح ١٣.

٥٨

الأوّل : أنّ وجوب الاحتياط إمّا أن يكون مقدّمياً ، أي وجب الاحتياط لأجل التحرّز عن العقاب على الحكم الواقعي المجهول ، أو يكون نفسياً لوجود ملاك في نفس الإحتراز عن الشبهة مع الغضّ عن الحكم الواقعي المجهول ، والأوّل مستلزم لترتّب العقاب على التكليف المجهول ، وهو مخالف لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، والثاني يستلزم ترتّب العقاب على مخالفة نفس وجوب الاحتياط لا مخالفة الواقع مع أنّ صريح الأخبار إرادة الهلكة الموجودة على تقدير الحرمة الواقعيّة كما يعترف به الأخباري أيضاً.

وأجاب المحقّق الخراساني رحمه‌الله عن هذا الوجه بأنّ إيجاب الاحتياط لا نفسي ولا مقدّمي بل يكون طريقيّاً من قبيل الأمر بالطرق والأمارات وبعض الاصول كالاستصحاب ، ومعه لا يحكم العقل بقبح العقاب ، أي وجوب الاحتياط يكون حينئذٍ وارداً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

أقول : بناءً على ما اخترناه من كون القاعدة عقلائيّة ( لا عقليّة ) يكون الجواب أوضح ، لأنّها حينئذٍ إنّما تكون حجّة فيما إذا لم يردع الشارع عنها ، وأدلّة الاحتياط على فرض دلالتها ردع عنها.

الثاني : أنّ المراد من الهلكة إمّا أن يكون العقوبة الاخرويّة فهى مندفعة بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، أو يكون المراد منها الهلكة الدنيوية فلا يستفاد منها الوجوب.

ويمكن الجواب عن هذا الوجه أيضاً بنفس ما اجيب به عن الوجه السابق ، وهو أنّ المراد منها الهلكة الاخروية ، ولا تجري حينئذٍ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأنّ أدلّة الاحتياط بنفسها بيان على فرض دلالتها.

الثالث : ما ذكره المحقّق الأصفهاني رحمه‌الله وحاصله : أنّ روايات التوقّف عند الشبهة وردت في موردين خارجين عن موضع استدلال الأخباري :

أحدهما ما ورد في باب المرجّحات عند تعارض الخبرين ، وهو مقبولة عمر بن حنظلة فورد فيها : فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال : « ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر » ، قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟ قال : « إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات » (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

٥٩

فقد وردت هذه الرواية في باب القضاء عند تعارض الأخبار ولا بأس بالالتزام به ولكن البحث في المقام مربوط بباب الفتوى لا القضاء.

أقول : ياليت أنّه صرف نظره في مقام الجواب عن هذه الرواية إلى قوله عليه‌السلام « فارجئه حتّى تلقى إمامك » فقط حيث إنّه ناظر إلى الشبهات قبل الفحص وما إذا أمكن لقاء الإمام عليه‌السلام وهو ليس داخلاً في محلّ النزاع.

ثانيهما : ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليه‌السلام أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة ، يقول : إذا بلغك إنّك قد رضعت من لبنها وإنّها لك محرم وما أشبه ذلك فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الإقتحام في الهلكة » (١).

ولا يخفى أنّ موردها هو المفاسد الدنيوية فهى أيضاً خارجة عن محلّ النزاع (٢).

أقول : وهيهنا رواية ثالثة وهى ما مرّ ذكره من رواية داود بن فرقد ، وهى رواية مطلقة لا يمكن الجواب عنها بما ذكره المحقّق الأصفهاني رحمه‌الله.

الرابع : أنّ أخبار الاحتياط تخصّص بأخبار البراءة لأنّها عامّة في ثلاث جهات من ناحية كون الشبهة موضوعيّة أو حكميّة ، ومن ناحية كونها قبل الفحص أو بعده ، ومن ناحية كونها من أطراف العلم الإجمالي وعدمه ، كما أنّ أدلّة البراءة خاصّة في نفس تلك الجهات.

الخامس : أنّه لو كان الأمر بالاحتياط في هذه الأخبار مولوية فلابدّ من إرتكاب التخصيص فيها بأن يقال : لا خير في الإقتحام في الهلكة بإرتكاب الشبهات إلاّ إذا كانت الشبهة موضوعيّة مطلقاً أو حكميّة وجوبيّة ، مع أنّ سياقها آبٍ عن التخصيص كما لا يخفى ، فلابدّ حينئذٍ من حملها على الإرشاد ، والإرشاد في كلّ مورد يكون بحسبه ، فيكون في بعض الموارد إرشاداً إلى الاستحباب وفي بعض آخر إرشاداً إلى الوجوب.

نعم يبقى في البين روايتان : إحديهما : ما رواه عبدالله بن وضّاح حيث ورد فيها : « أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (٣) ولكن يمكن الجواب عنها بوجوب حملها على الاستحباب بناءً على القول بكفاية استتار القرص في وقت المغرب كما هو الأقوى

__________________

(١) المصدر السابق : الباب ١٥٧ ، من أبواب مقدّمات النكاح ، ح ٢.

(٢) راجع نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ١٩٧ ، من الطبع القديم.

(٣) وسائل الشيعة : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٧.

٦٠