أنوار الأصول - ج ٣

أنوار الأصول - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-15-6
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٢٤

الكبريات وتعيين حدودها وخصوصياتها.

فمثلاً تخصيص الإمام عليه‌السلام وجوب تقصير الصّلاة في السفر بسفر المعصية يرجع في الواقع إلى بيان أنّ آية التقصير قد وردت في مقام الإمتنان فلا تنطبق على سفر المعصية ، وكذلك تخصيصه بالنسبة إلى من قصد إقامة عشرة أيّام بيان في أنّ تلك الكبرى مختصّة بمن يصدق عليه المسافر عرفاً ، ومثل هذا الإنسان ليس مسافراً ، وهكذا تقييد حكم صلاة المسافر بحدّ الترخّص إنّما هو لعدم كونه مسافراً عرفاً قبل بلوغ هذا الحدّ ، ومثله تخصيص آية الخمس في أرباح المكاسب بمؤونة السنة فإنّه في الواقع بيان لكون موضوع الخمس في الآية إنّما هو عنوان الغنيمة ، وهى عبارة عن الفائدة المحضة فلا تشمل مؤونة السنة ، لأنّ من يستفيد طول السنة عشرة آلاف درهماً مثلاً ولكن تكون مؤونته بهذا المقدار فهو في الواقع لم ينتفع بشيء ولم يغتنم غنيمة ، وكذلك إستثناء البيع الغرري عن كبرى أُوفوا بالعقود ، فهو يرجع في الواقع إلى بيان أنّ هذه الآية إرشاد إلى حكم عقلائي وأنّ بناء العقلاء لا يقوم على وجوب الوفاء بالبيع الغرري ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، ولعمري أنّ هذا جواب متين بالنسبة إلى كثير من هذه التقييدات والتخصيصات.

٤ ـ إذا دار الأمر بين التصرّف في منطوق أحد الخبرين ومفهوم الآخر كقوله عليه‌السلام : « إذا خفى الأذان فقصّر » وقوله عليه‌السلام : « إذا خفيت الجدران فقصّر » ( لو فرض صدور خبرين بهذين المضمونين ) فبعد قبول كبرى مفهوم الشرط يقع التعارض بينهما ، لأنّ مفهوم كلّ منهما ينافي منطوق الآخر ، وقد وقع الكلام في مبحث المفاهيم ( مفهوم الشرط ) بينهم وذكروا لحلّ هذا التعارض طرقاً عديدة ، والمرتبط منها بما نحن فيه طريقان :

١ ـ تقييد اطلاق مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر ، ولازمه كفاية أحد الأمرين في حصول حدّ الترخّص.

٢ ـ تقييد اطلاق منطوق كلّ منهما بمنطوق الآخر ، ولازمه اعتبار خفاء الأذان والجدران معاً في وجوب التقصير.

وكيف كان : إن قلنا بأنّ المنطوق أقوى ظهوراً من المفهوم فالمتعيّن هو الطريق الأوّل ، وإلّإ

٤٦١

لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فقد يقال : إنّ المنطوق أقوى ظهوراً من المفهوم ، لأنّ الكلام إنّما سيق لبيان المنطوق ، والمفهوم أمر تبعي ولازم للمنطوق ، ولكنّ الإنصاف أنّ هذا دعوى بلا دليل بل كثيراً ما يساق الكلام لبيان المفهوم. كقولك : « سافر إن كان الطريق آمناً » فيما إذا كان مرادك النهي عن السفر في صورة عدم الأمن.

فالصحيح أن يقال : إنّ المقامات مختلفة ، والمتّبع هو الضوابط الخاصّة والقرائن المكتنفة بالكلام ، فيسقط الطريق الأوّل عن كونه ضابطة كلّية للجمع الدلالي.

٥ ـ إذا دار الأمر بين التخصيص والمجاز ، وبعبارة اخرى : دار الأمر بين التصرّف في أصالة العموم أو رفع اليد عن أصالة الحقيقة ، كقوله : « لا تكرم الفسّاق » مع قوله : « لا بأس بإكرام زيد الفاسق » فكما يمكن رفع اليد عن العموم بالتخصيص ، كذلك يمكن رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة وحملها على الكراهة حتّى تجتمع مع عدم البأس.

ولا يخفى أنّ نظيره في الفقه كثير ، فإنّه يتصوّر أيضاً فيما إذا كان العام بصيغة الأمر ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور العام في العموم ورفع اليد عن ظهور هيئة الأمر في الوجوب وحملها على الاستحباب.

والصحيح في هذه الموارد تقديم التخصيص على المجاز لأنّه أمر شائع معروف ، والأوامر التي تحمل على الاستحباب أو النواهي التي تحمل على الكراهة وإن كانت كثيرة إلاّ أنّ تخصيص العام أكثر وأظهر.

نعم ، قد يقدّم المجاز في هذه الموارد على التخصيص لبعض القرائن الخاصّة والضوابط الجزئيّة كما لا يخفى على من له إلمام بالمسائل الفقهيّة المناسبة للمقام.

الأمر السادس : الفرق بين التعارض والتزاحم

لا إشكال في أنّ المراد من التزاحم هنا ليس هو التزاحم في الملاكات بالنسبة إلى فعل واحد ، كما إذا كان في فعل واحد جهة مصلحة تقتضي إيجابه ، وجهة مفسدة تقتضي تحريمه ، فليس للمكلّف دخل في هذا التزاحم ، بل أمره وملاحظة الجهات وما هو الأقوى من الملاكات

٤٦٢

فيه بيد المولى ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، وإنّما المراد من التزاحم في ما نحن فيه هو تزاحم الأحكام في مقام الامتثال بأن توجّه إلى المكلّف تكليفان لا يقدر على الجمع بينهما ، كما إذا توقّف إنقاذ الغريق على التصرّف في الأرض المغصوبة ، أو كان هناك غريقان لا يقدر المكلّف إلاّ على إنقاذ أحدهما.

والفرق بين هذا النوع من التزاحم وبين التعارض يتلخّص في أمرين :

١ ـ علم المكلّف بكذب أحد الدليلين في باب التعارض مع علمه بصدقهما في باب التزاحم.

٢ ـ التعارض إنّما هو بين الدليلين وفي مقام الإثبات ، أي مقام الدلالة والكشف عن الواقع ، وبتعبير آخر : التعارض إنّما هو بين محتواهما في مقام الإثبات ، فيكون أحدهما صادقاً في كشفه والآخر كاذباً.

وأمّا التزاحم فيقع بين الحكمين المدلولين الواقعيين من ناحية الامتثال بعد الفراغ عن تمامية دليلهما وصدق كليهما ، ولذلك يكون المرجّحات في التعارض بما يرجع إلى الدلالة والسند وشبههما ، وفي التزاحم باقوائية الملاك وأهميّة أحد الحكمين بالنسبة إلى الحكم الآخر.

نعم ، قد يكون التزاحم سبباً للتعارض ، وهو فيما إذا كان كلّ واحد من المتزاحمين ظاهراً في الفعليّة ، فيقع التعارض حينئذٍ بين مدلوليهما للعلم بكذب أحدهما كما لا يخفى.

وقد ظهر بما ذكرنا أوّلاً : أنّ الترجيح أو التخيير في باب التزاحم عقلي ، لأنّ العقل يحكم بترجيح أقوى الملاكين على الآخر ، ويحكم بالتخيير في المتساويين من ناحية الملاك ، بخلاف باب التعارض حيث إنّ العقل يقضي بالتساقط فيه ، ويكون الحكم بالتخيير أو بترجيح ما وافق كتاب الله وطرح ما خالفه مثلاً ، شرعياً وتعبّدياً ، نعم لو صارت المرجّحات موجبة لتمييز الحجّة عن اللاّحجّة فيحكم العقل حينئذٍ بترجيح الحجّة فيكون الترجيح عقلياً ، ولكنّه خارج عن باب التعارض لأنّه عبارة عن التنافي بين الحجّتين.

وثانياً : أنّ الحكم الأوّلي ومقتضى الأصل والقاعدة الأوّليّة في باب التعارض هو التساقط إلاّ أن يدلّ دليل شرعي تعبّدي على الترجيح أو التخيير.

٤٦٣

بقي هنا شيء :

وهو كلام للمحقّق النائيني رحمه‌الله قابل للمناقشة ولا يخلو ذكره عن فائدة أو فوائد ...

قال : إنّ الترجيح في باب التزاحم يكون بامور خمسة مترتّبة أجنبية كلّها عن مرجّحات باب التعارض :

١ ـ أن يكون أحد الواجبين موسعاً والآخر مضيّقاً ، فإنّ المضيّق يتقدّم على الموسع لا محالة.

٢ ـ أن تكون القدرة المعتبرة في أحد الحكمين عقليّة وغير معتبرة في الملاك ، وإنّما كان اعتبارها في الخطاب من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وفي الآخر شرعيّة ودخيلة في الملاك فإنّ ما اعتبر القدرة فيه عقلاً يتقدّم على ما اعتبر فيه شرعاً ، والوجه فيه ظاهر.

٣ ـ أن يكون أحد الواجبين ممّا له البدل دون الآخر ، فيتقدّم ما ليس له البدل على ما له البدل ، والسرّ فيه واضح أيضاً.

٤ ـ أن يكون أحد المتزاحمين من دون أن يكون هناك شيء من المرجّحات السابقة أهمّ من الآخر فيقدّم الأهمّ على المهمّ.

٥ ـ أن يكون أحد الحكمين سابقاً في الزمان على الآخر ، فإنّ السابق منهما يكون معجّزاً مولوياً عن الآخر ، فإذا دار الأمر بين القيام في الركعة الاولى أو الثانية بحيث لا يتمكّن المكلّف من الجمع بينهما فلا محالة يكون القيام في الركعة الاولى هو المتعيّن ، وبذلك يكون المكلّف عاجزاً عن القيام في الثانية فيسقط ( وكما إذا دار الأمر بين الصيام في النصف الأوّل من شهر رمضان والنصف الآخر منه بحيث لا يتمكّن المكلّف من الصيام في جميع الشهر ) (١).

ولكن يرد عليه :

أوّلاً : أنّ تعبيره في صدر كلامه بالمترتّبة مشعر بوجود ترتّب منطقي بين هذه الامور الخمسة مع أنّه لا دليل على ذلك أصلاً.

وثانياً : أنّ جميع هذه الامور خارجة عن باب التزاحم إلاّ الأمر الرابع ( وهو أن يكون أحدهما أهمّ من الآخر ) وقد أشرنا إليه سابقاً.

__________________

(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٥٠٣ و ٥٠٤ ، طبعة مطبوعات ديني.

٤٦٤

أمّا الأمر الأوّل : فلأنّ المتزاحمين عبارة عن ما يمكن الجمع بينهما ، ولا إشكال في إمكان الجمع بين الموسّع والمضيّق عرفاً.

وهكذا الأمر الثاني : لأنّ الواجب المطلق لا يكون متزاحماً مع الواجب المشروط ، فإنّ الحجّ المشروط بالاستطاعة مثلاً إنّما يصير واجباً فيما إذا لم يكن هناك واجب آخر ، وبعبارة اخرى : لا تتحقّق الاستطاعة ( التي هى شرط فعليّة وجوب الحجّ ) إذا أدّى إتيان الحجّ ترك واجب أو فعل حرام.

وأمّا الأمر الثالث : فلأنّه إمّا أن يكون البدل فيما له البدل في عرض المبدل فيكون التيمّم مثلاً في عرض الوضوء ، أو أنّه في طول المبدل ، فإن كانا في عرض واحد كان المبدل ( وهو الوضوء في المثال ) واجباً تخييرياً ، ولا إشكال في أنّه لا تعارض بينه وبين الواجب التعييني وهو تطهير الثوب في المثال ، وإن كانا طوليين فلا محالة كان الوضوء أقوى ملاكاً من التيمّم فإتيانه مع القدرة على إتيان الوضوء موجب لتفويت درجة من المصلحة ، فيدور الأمر في الواقع بين رفع اليد عن هذه الدرجة من المصلحة وبين مصلحة تطهير الثوب فتدخل المسألة في باب الأهمّ والمهمّ فلا يصحّ الحكم بتقديم ما ليس له البدل على ما له البدل دائماً ، بل لعلّ تلك الدرجة من المصلحة كانت أقوى وأهمّ من مصلحة التطهير.

وأمّا الأمر الخامس : فكذلك أنّه خارج من باب التزاحم ، لأنّه متفرّع على فعليّة وجوب كلا الحكمين في عرض واحد. مع أنّ وجوب الركعة الثانية أو وجوب الصيام في النصف الثاني من شهر رمضان لا يكون فعليّاً قطعاً.

الأمر السابع : موارد التعارض

إنّ التعارض إنّما يتصوّر في ما إذا كان كلّ واحد من الدليلين ظنيّاً ، إمّا من ناحية السند ، أو الدلالة ، أو جهة الصدور ، وأمّا إذا كان أحدهما قطعيّاً من جميع الجهات والآخر ظنّياً من بعض الجهات فلا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني ، ولا معنى لتعارضهما ، فالتعارض بين الآيات القرآنية إنّما يتصوّر فيما إذا كانت كلّ واحدة من الآيتين المتعارضتين ظاهرة في الحكم ، أي كانت ظنّية الدلالة ، وهكذا في الخبرين المتواترين والإجماعين المحصّلين ، فيتصوّر التعارض فيهما فيما إذا كان الخبر المتواتر ظاهراً في الحكم وكان للإجماع المحصّل معقد لفظي ظاهر في الحكم.

٤٦٥

ومن ذلك يعلم أنّه لا يتصوّر التعارض فيما إذا كان كلّ من الدليلين قطعيّاً من جميع الجهات لأنّه ينافي العلم بكذب أحدهما ، بل لا يمكن فرض وجود دليلين قطعيين متخالفين حتّى يتكلّم فيهما من هذه الجهة.

هذا كلّه في ما أردنا إيراده بعنوان المقدّمة.

إذا عرفت هذا فلنتكلّم في أصل البحث فنقول ( ومنه سبحانه نستمدّ التوفيق ) : هيهنا فصول :

الفصل الأوّل : في مقتضى الأصل الأوّلي في المتعارضين

فهل الأصل في التعارض التساقط ، أو التخيير ، أو الجمع مهما أمكن؟

قد يقال : بلزوم الجمع بينهما استناداً إلى القاعدة المعروفة « الجمع مهما أمكن أولى من الطرح » ولعلّ أوّل من طرحها ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي وإن تصدّى للعمل بها شيخ الطائفة رحمه‌الله في الاستبصار ( ولا يخفى أنّ الأولوية في هذه القاعدة هى الأولويّة التعيينية ، أي وجوب الجمع مهما أمكن لا استحبابه نظير ما ورد في قوله تعالى : ( وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) (١) ).

ولكنا نقول : الجمع يتصوّر على أقسام :

أوّلها : الجمع التامّ بين الدليلين بالعمل بتمامهما من دون أي تصرّف فيهما فإن أمكن ذلك ولو بتدبير وبذل جهد فلا إشكال في وجوبه بل هو خارج عن محلّ الكلام ومن التعارض.

ثانيهما : أن يكون المراد منه العمل ببعض كلّ منهما أو بعض أحدهما وتمام الآخر عملاً يوافقه العرف ويستحسنه ، فلا إشكال أيضاً في تعيّنه وكونه أولى من الطرح كما في العام والخاصّ ، ولكنّه أيضاً خارج عن محلّ الكلام لأنّه لو كان بينهما تعارض فإنّما هو في النظر البدوي.

ثالثها : أن يكون المراد منه الجمع بين الحقوق المتزاحمة في باب التزاحم ، كالجمع بين

__________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٧٥.

٤٦٦

حقوق الغرماء في المفلّس فلا ريب أيضاً في لزوم هذا الجمع بمقدار الإمكان ولكنّه أيضاً خارج عن محلّ الكلام كما لا يخفى.

رابعها : أن يكون المراد منه مطلق الجمع ورفع اليد عن ظاهر كليهما أو أحدهما بتأويلهما أو تأويل أحدهما من دون أي شاهد عرفي ، وهو ما يسمّى بالجمع التبرّعي كما قد يظهر الإصرار عليه من بعض كلمات شيخ الطائفة رحمه‌الله في كتاب الإستبصار ، وهذا هو الذي يمكن أن يتكلّم فيه في محلّ الكلام.

ولكن مثل هذا الجمع يرد عليه :

أوّلاً : أنّه لا دليل على أولويته عند الطرح من العرف والعقلاء.

وثانياً : أنّه يوجب الهرج والمرج في الفقه لأنّه لا ضابطة للجمع التبرّعي فيمكن لكلّ فقيه أن يختار نوع جمع خاصّ لروايتين غير ما يختاره الآخر.

وثالثاً : أنّه يعارض جميع أخبار الترجيح عند وجود المرجّحات أو حملها على مورد النادر ، أي المورد الذي لا يمكن الجمع فيه ولو بالتأويل وإرتكاب خلاف الظاهر ، وهكذا يعارض أخبار التخيير.

فظهر أنّه لا يمكن في المقام الجمع بين المتعارضين ، فيدور الأمر بين التخيير والتساقط ، فهل القاعدة الأوّليّة تقتضي التساقط مطلقاً ، أو التخيير مطلقاً ، أو التفصيل بين المباني المختلفة في حجّية الأمارات من الطريقيّة وأنواع السببيّة؟ الصحيح هو الأخير.

توضيح ذلك : أنّ المراد من الطريقيّة أنّ الأمارة لا توجد مصلحة في مؤدّاها بل إنّها مجرّد طريق إلى الواقع فإن أصابت إلى الواقع فمؤدّيها هو الواقع ، وإلاّ فلا يكون شيئاً ، والمراد من السببيّة أنّ الأمارة توجب حصول مصلحة في المؤدّى وهى على أقسام أربعة :

١ ـ السببيّة الكاملة التي قال بها جمع كثير من العامّة في ما لا نصّ فيه ، وحاصلها : أنّ الفقيه يجتهد في ملاحظة المصالح والمفاسد ثمّ يختار حكماً بلحاظها ، وفي الواقع له وضع القانون الإلهي فيما لم يرد به نصّ ، وهذا المعنى ثابت لجميع المجتهدين وإن اختلفوا في وضع هذه الأحكام اختلافاً كثيراً ، فكلّ واحد منها حكم إلهي يمضيه الله ، وهذا هو التصويب الأشعري المعروف عندهم الباطل عندنا ، وهذا النوع من التصويب غير مذكور في كلمات أصحابنا غالباً.

وهو من أشنع ما التزموا به ممّا يلزم منه نقض التشريعات الإسلاميّة وحاجتها إلى

٤٦٧

الإكمال من ناحية البشر ، بل أضعف ممّا يتداول في العصر الحاضر من وضع القوانين من ناحية الوكلاء المنتخبين من الناس فإنّ نتيجته قانون واحد لبلد واحد لا قوانين كثيرة بعدد آحاد الفقهاء ، ولنعم ما قال مولانا أمير المؤمنين فيما روي عنه عليه‌السلام في نهج البلاغة في ذمّ الفتيا حيث قال : « ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه » (١).

وهو مخالف أيضاً لحديث الثقلين المتواتر بين الفريقين المانع عن ضلالة الامّة بصريحه ، وخطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع : « أيّها الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار إلاّوقد أمرتكم به وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة إلاّوقد نهيتكم عنه » (٢) ، بل هو مخالف لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) فإنّ الدين الكامل لا يحتاج في تشريعاته إلى أبناء البشر واتّباع امّته ، والإنصاف أنّهم لم يقعوا في هذه المشكلة إلاّبترك الثقل الأصغر أعني أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام فهذه جريمة مترشحة عن ذاك الجرم ونتيجة لذلك الإثم.

وعلى كلّ حال لا يخفى في أنّه بناءً على هذا المعنى للسببيّة تدخل الأمارات المتعارضة في باب التزاحم ويكون مقتضى القاعدة حينئذٍ التخيير ( بناءً على كون المصلحة السلوكيّة فيما يكون أمارة اقتضائيّة ، وأمّا إذا قلنا بأنّها ثابتة في الأمارة الفعليّة فتدخل في باب التعارض كما هو ظاهر ).

٢ ـ ما قال به المعتزلي وهو أنّ لنا واقعاً محفوظاً قد تصيبه الأمارة وقد تخطىء ، ولكنّها في صورة الخطأ توجد مصلحة أقوى من مصلحة الواقع في مؤدّيها ، فتوجب سقوط الواقع عن الفعلية وانقلاب الحكم الواقعي إلى مؤدّى الأمارة.

وهذا المعنى أيضاً أجمع الأصحاب على بطلانه ، ويكون مقتضى القاعدة بناءً عليه هو التخيير ( على تفصيل مرّ ذكره بين الحجّية الاقتضائيّة والفعليّة ) لأنّ الأخبار المتعارضة تدخل

__________________

(١) صبحي الصالح : خ ١٨.

(٢) اصول الكافي : ج ٢ ، ص ٧٤.

٤٦٨

حينئذٍ في باب التزاحم أيضاً.

نعم قد فصّل المحقّق الخراساني رحمه‌الله هنا وقال : هذا إذا قلنا بالسببيّة مطلقاً ولو فيما علم كذبه ، وأمّا إذا قلنا بسببية الأمارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين المتعارضين بأن لا يكون ما علم كذبه مسبّباً لحدوث مصلحة أو مفسدة في المتعلّق ، فحالهما حينئذٍ من حيث مقتضى القاعدة الأوّليّة كحالهما بناءً على الطريقيّة عيناً ( من التساقط كما سيأتي ) وهذا هو المتيقّن من أدلّة اعتبار الأمارة من سيرة العقلاء والآيات والأخبار ، وما ذكره قريب من الصواب.

٣ ـ السببيّة الظاهريّة ، والمراد منها أنّ أدلّة حجّية الأمارة تجعل حكماً ظاهرياً مماثلاً لمؤدّيها ، وهذا ما ذهب إليه جماعة من الأعاظم ، وهو المقصود ممّا حكاه صاحب المعالم عن العلاّمة رحمه‌الله من أنّ ظنّية الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم ، فمراده من الحكم القطعي إنّما هو الحكم القطعي الظاهري بلا ريب.

والنتيجة بناءً على هذا المعنى هو التساقط بناءً على كون الحكم الظاهري المماثل مجرّد طريق إلى الواقع فحسب ، من دون حصول أي مصلحة فيه ( كما هو الظاهر ) ، وأمّا إذا قلنا إنّها توجب في مؤدّيها حصول مصلحة أقوى من مصلحة الواقع أو المساوي لها فهو يشبه حينئذٍ مبنى السببيّة المعتزلية ، ونتيجته التزاحم بين الأمارة التي أصابت إلى الواقع والأمارة التي أخطأت ولكنّها أوجبت مصلحة في مؤدّيها ، فيكون مقتضى الأصل حينئذٍ التخيير أيضاً.

٤ ـ السببيّة السلوكيّة أو المصلحة السلوكيّة ، والمراد منها أنّ أدلّة حجّية الأمارة لا توجد مصلحة في مؤدّيها في صورة الخطأ بل إنّها توجب حصول مصلحة في نفس السلوك على طبقها ما يعادل مصلحة الواقع ، ففي مثال الأمارة التي قامت على وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة لا توجب أدلّة حجّيتها حصول مصلحة في نفس صلاة الجمعة بل توجد مصلحة في العمل بقول الثقة مثلاً وسلوك هذا الطريق.

فعلى هذا المبنى أيضاً يكون مقتضى القاعدة التخيير والدخول في باب التزاحم ( على تفصيل مرّ ذكره ) ولكن لا دليل على حصول هذه المصلحة في مقام الإثبات ، سلّمنا ـ لكن يرد عليه ما مرّ من إشكال المحقّق الخراساني رحمه‌الله من أنّ المتيقّن من أدلّة اعتبار الأمارة هو سببيّة الأمارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين.

٤٦٩

هذا كلّه بناءً على القول بالسببية.

وأمّا على مبنى الطريقيّة فذهب أكثرهم إلى التساقط ، واستدلّوا لذلك بوجود العلم الإجمالي بكذب أحد الطريقين ، حيث إنّه يوجب عدم إعتماد العرف بكليهما فيسقط كلّ واحد منهما عن الطريقيّة والحجّية.

وإن شئت قلت : إنّ أغلب الطرق الشرعيّة مأخوذة من الطرق العقلائيّة وامضاء لها ، ولا إشكال في أنّ العرف والعقلاء في باب الشهادات والدعاوي ومقام القضاء وغيرها يحكمون ببطلان كلا الطريقين إذا شهد كلّ منهما على خلاف الآخر مثلاً.

وللمحقّق الأصفهاني رحمه‌الله كلام في هذا المجال لا تخلو الإشارة إليه من فائدة ، وحاصله : أنّ الاحتمالات المتصوّرة في ما نحن فيه أربعة :

١ ـ أن يكون أحدهما لا بعينه حجّة ، فإنّه إذا علمنا بكذب أحدهما لا بعينه صارت الحجّة أيضاً أحدهما لا بعينه ، ولا إشكال في بطلان هذا الاحتمال لأنّ عنوان أحدهما لا بعينه انتزاع ذهني لا وجود له في الخارج ، فلا تتعلّق به وصف الحجّية ، فإنّ الصفات سواء كانت حقيقية أو اعتبارية لا تعرض إلاّللوجود الخارجي.

٢ ـ أن تكون الحجّة ما يكون مطابقاً للواقع ، وهذا أيضاً لا يمكن الالتزام به لعدم العلم بمطابقة واحد منهما للواقع وإن إحتمل ذلك ، فإنّ المفروض ظنّية كلّ واحد من الخبرين.

٣ ـ أن يكون كلّ منهما حجّة ( وكأنّ مراده حجّية كليهما في مدلولهما الإلتزامي وهو نفي الثالث ) ولكنّه أيضاً لا يمكن الالتزام به لأنّه وإن كان المقتضي للحجّية في كليهما موجوداً والمانع مفقوداً ولكن سنخ المقتضي لا يقبل التعدّد ، لأنّ تنجّز الواقع الواحد على تقدير الإصابة لا يعقل فعليته في كليهما ، فالواقع غير قابل للفعلية إلاّفي أحدهما.

٤ ـ عدم حجّية كليهما ، وهذا هو المتعيّن (١).

أقول : وهنا احتمال خامس وهو التخيير ، ولكنّه أيضاً منتفٍ لعدم الدليل عليه من العقل ولا النقل ( إلاّ في مورد خاصّ ).

فتلخّص من جميع ذلك أنّ الأصل في المتعارضين التساقط.

__________________

(١) راجع نهاية الدراية : ج ٥ ـ ٦ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧ ، طبعة مؤسسة آل البيت.

٤٧٠

ثمّ إنّ ما ذكرنا من أنّ قضية التعارض بين المتعارضين هو التساقط إنّما هو بملاحظة الأصل الأوّلي والقاعدة الأوّليّة فيعمل به ما لم ينتقض بدليل خاصّ تعبّدي كما انتقض في الخبرين المتعارضين ، فإنّ الإجماع والأخبار العلاجية قائمان على عدم سقوطهما بل لابدّ من العمل بأحدهما إمّا تعييناً أو تخييراً ، نعم إنّها باقية على حالها في غير الخبرين سواء في الشبهة الحكميّة كما في الإجماعين المحصّلين المتعارضين أو في الشبهة الموضوعيّة كما في البيّنتين المتعارضتين.

بقي هنا شيء :

وهو أنّ الصحيح بين المبنيين ( مبنى السببيّة ومبنى الطريقيّة ) إنّما هو مبنى الطريقيّة ، وذلك لأنّ أدلّة حجّية الأمارات في الواقع امضاءً لبناء العقلاء ، ولا إشكال في أنّهم يعتمدون على مثل قول الطبيب وأهل الخبرة بلحاظ كونه طريقاً إلى الواقع لا لحصول مصلحة في قول الطبيب ورأيه ولو كان مخالفاً مع الواقع.

إن قلت : إنّ إجازه الشارع العمل بمؤدّى الأمارة مطلقاً حتّى فيما إذا كان موجباً لتفويت الواقع تكشف عن توليد مصلحة في السلوك على طبقها ، أي المصلحة السلوكيّة ( لا المصلحة في نفس المؤدّى حتّى يرد عليه لزوم التصويب المجمع على بطلانه ).

قلنا : إنّ إذنه بالعمل بالأمارة مطلقاً يكون من باب إنقطاع يد المكلّف عن الوصول إلى العلم بالواقع غالباً ، وهذا ما يشهد عليه الوجدان في باب ملكيّة الأشخاص بالنسبة إلى أموالهم وفي باب الدعاوي في القضاء ، فإنّه لا يحصل للإنسان العلم بملكيّة زيد مثلاً بالنسبة إلى أمواله أو بحقّانية أحد طرفي الدعوى ، كما أنّه قد يوجب اعتبار حصول العلم للعسر والحرج كما في باب الطهارة والنجاسة والأملاك وغيرهما فإنّ حصول العلم فيها وإن كان ممكناً للإنسان أحياناً ولكنّه يستلزم منه العسر والحرج غالباً كما لا يخفى.

لا أقول أنّ حجّية الأمارات تكون من باب إنسداد العلم ( الإنسداد الكبير ) بل أقول : أنّ الحكمة في حجّية غالب الأمارات وجود انسداد صغير في مواردها.

٤٧١

ثمّ إنّه بناءً على تساقط الخبرين المتعارضين هل تبقى دلالتهما الالتزاميّة على نفي الثالث على حالها ، أو أنّها أيضاً تسقط؟ فإذا قامت بيّنة ( في الشبهة الموضوعيّة ) على أنّ هذه الدار لزيد مثلاً وبيّنة اخرى على أنّها لعمرو فهل يثبت بهما عدم كونها لبكر ، أو لا؟ وهكذا في الشبهات الحكميّة ، فإذا قام الخبر على كون نصاب المعدن عشرين ديناراً ودلّ خبر آخر على أنّه دينار واحد فهل يبقى مدلولهما الالتزامي ( وهو أصل وجود نصاب لوجوب الخمس في المعدن الدائر أمره بين العشرين والدينار الواحد ) على حاله فتكون النتيجة عدم وجوب التخميس في الأقلّ من دينار ، أو أنّه أيضاً يسقط وتكون النتيجة وجوب الخمس مطلقاً حتّى في الأقلّ من دينار؟ فيه قولان :

أحدهما : ما ذهب إليه المشهور منهم صاحب الكفاية والمحقّق النائيني والمحقّق الأصفهاني والمحقّق الحائري رحمه‌الله في الدرر وجماعة اخرى من المتأخّرين ، وهو عدم سقوط الدلالة بالنسبة إلى نفي الثالث.

ثانيهما : ما ذهب إليه بعض الأعلام كما في مصباح الاصول من سقوطها حتّى من هذه الجهة.

ولابدّ قبل الورود في باب أدلّة الطرفين أن نشير إلى أنّ هذا البحث إنّما يجري فيما إذا احتملنا كذب كلا الخبرين ، أي كان كلّ من الدليلين ظنّياً ، وأمّا إذا علمنا صدق أحدهما من دليل خارج كالإجماع ( كما أنّه كذلك في الخبرين الدالّين على وجوب صلاة الجمعة ووجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة حيث إنّ الإجماع قام على صدق أحدهما وعدم تكليف ثالث في البين كوجوب كليهما أو عدم وجوب كليهما ) فلا موضع لهذا النزاع ، لأننا نقطع حينئذٍ بنفي الثالث.

وعلى أي حال فقد استدلّ للقول الأوّل بوجهين :

الوجه الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه‌الله فإنّه قال : « نعم يكون نفي الثالث بأحدهما لبقائه على الحجّية وصلاحيته على ما هو عليه ( من عدم التعيّن ) لذلك لا بهما » وحاصله ما مرّ منه من أنّ ما يسقط عن الحجّية إنّما هو أحد الخبرين لا بعينه ، فيكون أحدهما الآخر لا بعينه باقٍ على حجّيته ، فينفي به الثالث ، فلا يجوز الخروج عن مؤدّى المجموع.

ولكن يرد عليه : إشكال بحسب مقام الثبوت ، وإشكال بحسب مقام الإثبات ، أمّا الأوّل :

٤٧٢

فهو ما مرّ في كلام المحقّق الأصفهاني رحمه‌الله من أنّ الصفات الحقيقيّة والاعتباريّة لا تعرض إلاّ للوجود الخارجي ، ولا وجود لعنوان أحدهما لا بعينه في الخارج فلا يتعلّق به وصف الحجّية بل هو أمر إنتزاعي ذهني.

وإن شئت قلت : الغرض من جعل شيء حجّة إنّما هو بعث المكلّف إليه وانبعاثه عنه في مقام العمل ، ولا إشكال في عدم إمكان البعث إلى عنوان أحدهما لا بعينه ، لعدم إمكان انبعاث المكلّف عنه عملاً ، نعم يمكن الانبعاث إلى كليهما تخييراً ولكن لا ربط له بما نحن فيه.

وأمّا الثاني : فهو أنّه لا دليل على حجّية أحدهما لا بعينه في مقام الانبعاث ، إذ إنّ أدلّة حجّية الأمارات كمفهوم آية النبأ لا تعمّ أحد العدلين ( مثلاً ) لا بعينه. وبعبارة اخرى : ليس عنوان أحدهما لا بعينه مصداقاً من مصاديق خبر العادل في مفهوم الآية ( إن جاءكم عادل فلا تبيّنوا ).

الوجه الثاني : ما استدلّ به بعض الأعلام ، وهو أنّ الخبرين المتعارضين يشتركان في نفي الثالث بالدلالة الالتزاميّة فيكونان معاً حجّة في عدم الثالث ، وتوهّم أنّ الدلالة الالتزاميّة فرع الدلالة المطابقيّة وبعد سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي لا مجال لبقاء الدلالة الالتزاميّة لهما في نفي الثالث ـ فاسد فإنّ الدلالة الالتزاميّة إنّما تكون فرع الدلالة المطابقية في الوجود لا في الحجّية » (١).

ولكن يرد عليه :

أوّلاً : أنّ هذا صحيح في مقام الثبوت لا في مقام الإثبات لأنّ أدلّة الحجّية في مقام الإثبات إنّما تعمّ الدلالة الالتزاميّة بتبع الدلالة المطابقيّة ومن طريقها وفي طولها لا في عرضها ، وبعد فرض عدم شمولها للمدلول المطابقي لا يبقى مجال لحجّية المدلول الالتزامي ، وبعبارة اخرى : أدلّة حجّية الأمارات لا تشمل شيئاً من المتعارضين من أوّل الأمر للزوم التناقض ، فلا يبقى مورد للدلالة الالتزاميّة كما لا يبقى مورد للدلالة المطابقيّة.

وثانياً : أنّه مخالف للسيرة العقلائيّة والإرتكازات العرفيّة ، فإنّها قائمة على سقوط الدلالة الالتزاميّة بتبع الدلالة المطابقيّة ، فإذا أخبر ثقة بقدوم زيد يوم الجمعة وأخبر ثقة آخر بقدومه

__________________

(١) فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٧٥٥ و ٧٥٦ ، طبعة جماعة المدرّسين.

٤٧٣

يوم السبت ، فلا إشكال في سقوط كليهما عن الحجّية عند العرف حتّى في مدلولهما الالتزامي ، وهو عدم قدوم زيد يوم الأحد ، ولذا يبقى عندهم احتمال قدومه يوم الأحد ، وهكذا إذا قامت بيّنة على أنّ هذه الدار لزيد وقامت بيّنة اخرى على كونها لعمرو ، فبعد تساقطهما لا يبقى مجال لنفي احتمال كونها لشخص ثالث.

وثالثاً : أنّه مخالف لما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة التي تدلّ على لزوم الأخذ بأحوط الاحتمالات فيما إذا تعارض الخبران لا بأحوطهما فإنّ لازمها عدم نفي الثالث ، أي سقوط دلالتهما الالتزاميّة على نفي الثالث ، ولكن سيأتي الحديث عنها والنقاش في دلالتها فانتظر.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الصحيح في المسألة هو القول الثاني ، وهو عدم نفي الثالث ، كما قد ظهرت الثمرة المترتّبة على هذا البحث ، حيث إنّه بناءً على نفي الثالث لا يمكن الرجوع إلى الإطلاقات والاصول العمليّة بعد سقوط الخبرين ، ففي مثال دوران الأمر بين العشرين والواحد في نصاب المعدن لابدّ من الجمع بين الخبرين والأخذ بأقلّ النصابين لانتفاء احتمال ثالث في البين ( وهو عدم اعتبار النصاب رأساً ووجوب الخمس حتّى في الأقل من دينار ) مع أنّه بناءً على القول الثاني وهو عدم نفي الثالث يمكن الرجوع إليها ، وهى في المثال أصالة إطلاقات وجوب الخمس في المعدن ، وهى تقتضي وجوب الخمس حتّى في الأقل من دينار ، أي تقتضي عدم اعتبار النصاب رأساً.

هذا كلّه في الفصل الأوّل ، وهو مقتضى الأصل الأوّلي في المتعارضين.

الفصل الثاني : في مقتضى الأصل الثانوي في المتعارضين

لا شكّ في انتقاض الأصل الأوّلي ( أصالة التساقط في الدليلين المتعارضين ) في الأخبار المتعارضة ، فقد قام الدليل فيها على عدم سقوط كليهما عن الحجّية ، والكلام فيه يقع في مقامين :

١ ـ في أخبار التعادل وحكم الخبرين المتعارضين بعد التعادل والتكافؤ.

٢ ـ في أخبار التراجيح ولزوم أعمال المرجّحات قبل أن تصل النوبة إلى التعادل والتكافؤ.

٤٧٤

المقام الأوّل : في أخبار التعادل

فالأخبار الواردة في هذا المجال على طوائف خمسة :

١ ـ ما تدلّ على أنّ الحكم هو التخيير.

٢ ـ ما تدلّ على لزوم العمل بأحوط الخبرين.

٣ ـ ما تدلّ على لزوم العمل بالاحتياط مطلقاً ، أي بأحوط الاحتمالات الجارية في المسألة لا بأحوط الخبرين.

٤ ـ ما تدلّ على لزوم الأخذ بالأحدث من الخبرين.

٥ ـ ما تدلّ على لزوم التوقّف والإرجاء إلى لقاء الحجّة عليه‌السلام.

أخبار التخيير

أمّا الطائفة الاولى : فهى روايات كثيرة :

١ ـ ما رواه الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت له : « تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة فقال : ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله عزّوجلّ ... قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ ، قال : فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (١).

٢ ـ ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه‌السلام فتردّ إليه » (٢).

ودلالة هاتين الروايتين تامّة على المقصود وإن أُورد على سندهما بالارسال.

٣ ـ ما رواه علي بن مهزيار قال : « قرأت في كتاب لعبدالله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه‌السلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبدالله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم صلّها في المحمل ، وروى بعضهم لا تصلّها إلاّعلى الأرض فوقّع عليه‌السلام : موسّع عليك بأيّةٍ عملت » (٣).

ولكن يرد عليه : بأنّ مورده هو التخيير في نافلة الفجر المستحبّة فيحمل على التخيير

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٤٠.

(٢) المصدر السابق : ح ٤١.

(٣) المصدر السابق : ح ٤٤.

٤٧٥

بين مراتب الفضيلة فلا يمكن التعدّي عنه إلى الواجبات ، لأنّ حكم المتعارضين في المستحبّات غير حكمهما في الواجبات كما مرّ.

٤ ـ ما رواه الطبرسي في الإحتجاج في جواب مكاتبة محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليه‌السلام وهو (١) ما مرّ ذكره سابقاً من رواية التكبير حين الانتقال من حالة إلى حالة اخرى ، ولكن قد مرّ أنّ مورده أيضاً هو التخيير في المستحبّات.

٥ ـ مرسلة الكليني حيث قال : وفي رواية اخرى : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك » (٢). ولكن لعلّها مأخوذة من الروايات السابقة.

٦ ـ معتبرة سماعة عن أبي عبدالله قال : « سألته عن رجل اختلف فيه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه : أحدهما يأمر بالأخر والآخر ينهاه ، كيف يصنع؟ قال عليه‌السلام : يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه » (٣).

وهى أيضاً قابلة للمناقشة حيث إنّ دلالتها على المطلوب مبنيّة على أن يكون المراد من « سعة » فيها هو التخيير مع أنّه يحتمل أن يكون المراد منها الرجوع إلى الأصل ، أي البراءة.

لا يقال : إنّها مغيّاة بملاقاة الإمام فتكون الرواية مختصّة بعصر الحضور ، لأنّا نقول : إنّ عصر الغيبة أولى بالسعة لعدم إمكان الوصول إلى قول المعصوم عليه‌السلام.

٧ ـ ما رواه أحمد بن الحسن الميثمي : « أنّه سأل الرضا عليه‌السلام يوماً ... إلى أن قال : وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والإتّباع ... » (٤).

ولكن موردها أيضاً المستحبّات حيث ورد قبل الفقرة المذكورة : « وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكره ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بها جميعاً وبأيّهما شئت ... ».

٨ ـ ما رواه في عوالي اللئالي عن العلاّمة بقوله : « وروى العلاّمة مرفوعاً إلى زرارة بن أعين قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٩.

(٢) المصدر السابق : ح ٦.

(٣) المصدر السابق : ح ٥.

(٤) المصدر السابق : ح ٢١.

٤٧٦

فبأيّهما آخذ؟ فقال : يازرارة ... فقلت أنّهما معاً موافقان للإحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال عليه‌السلام : إذن فتخيّر أحدهما وتأخذ به وتدع الآخر » (١).

وهذه الرواية صريحة الدلالة على المقصود.

فقد ظهر إلى هنا أنّ التامّ دلالة من هذه الثمانية إنّما هو الأوّل والثاني ، والثامن فيبلغ ما دلّ على التخيير إلى حدّ التظافر وإن لم يبلغ إلى حدّ التواتر كما ادّعاه الشيخ الأعظم ، مضافاً إلى تأييدها بمرسلة الكليني وغيرها خصوصاً بعد ملاحظة ما صرّح به في ديباجة الكافي حيث قال : « ... ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه‌السلام بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم » (٢).

ومضافاً إلى ما إدّعاه شيخنا الأعظم رحمه‌الله في رسائله من « أنّ عليه المشهور وجمهور المجتهدين حيث قال : فهل يحكم بالتخيير أو العمل بما طابق منهما الاحتياط أو بالاحتياط وجوه ، المشهور وهو الذي عليه جمهور المجتهدين الأوّل للأخبار المستفيضة بل المتواتر » ( انتهى ) وكفى بذلك جبراً لسندها حتّى ولو كانت رواية واحدة.

بل هذا هو ما نشاهده عملاً في الفقه وعليه سيرة الفقهاء ، فمن العجب جدّاً ما قال به بعض الأعلام في مصباح الاصول : « إنّ التخيير بين الخبرين المتعارضين عند فقد المرجّح لأحدهما ممّا لا دليل عليه ، بل عمل الأصحاب في الفقه على خلافه فإنّا لم نجد مورداً أفتى فيه بالتخيير واحد منهم » (٣).

هذه كلّه في الطائفة الاولى من الأخبار.

أمّا الطائفة الثانية : ( وهى ما تدلّ على لزوم الأخذ بأحوط الخبرين ) فهى نفس مرفوعة زرارة المذكورة آنفاً حيث ورد فيها : « قلت : ربّما كانا معاً موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ فقال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط ».

ولكن غاية ما يستفاد من هذه الرواية كون موافقة أحد الخبرين للاحتياط من المرجّحات لا أنّ مآل الأمر إلى الأخذ بالأحوط بل مآله هو التخيير كما وقع التصريح به في

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٤ ، ص ١٣٣ ؛ وفي المستدرك : ج ١٧ ، ص ٣٠٣.

(٢) اصول الكافي : ج ١ ، ص ٩.

(٣) مصباح الاصول : ج ٣ ص ٤٢٦ ، طبعة مطبعة النجف.

٤٧٧

ذيل الرواية ، وحيث إنّ هذا المرجّح لا دليل عليه إلاّهذه الرواية وقد عرفت الإشكال في سندها ، فلا يمكن المساعدة على جعل الأحوطية مرجّحة أيضاً.

وأمّا الطائفة الثالثة : ( وهى ما تدلّ على لزوم العمل بأحوط الاحتمالات ) فهى أيضاً رواية واحدة ، وهى مقبولة عمر بن حنظلة حيث ورد فيها : « قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جمعياً؟ قال : إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات » (١).

ولكنّها أيضاً غير تامّة من جهتين :

الاولى : أنّ مفادها هو التساقط لا الأخذ بأحوط الاحتمالات ، فإنّ المراد من الأرجاء هو التوقّف وهو خلاف الإجماع لأنّه قام على عدم التساقط كما مرّ.

الثانية : أنّ هذه الفقرة ناظرة إلى عصر الحضور ولا تعمّ زمان الغيبة إذ إنّ الحكم بالإرجاء فيها مغيّى بلقاء الإمام عليه‌السلام ، وبعبارة اخرى : إنّها إنّما تدلّ على لزوم الاحتياط في الشبهات قبل الفحص أو حال الفحص.

وأمّا الطائفة الرابعة ( وهى ما تدلّ على لزوم الأخذ بالأحدث منهما ) فهى عديدة :

منها : ما رواه الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « أرأيتك لو حدّثتك بحديث « العام » ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه بأيّهما كنت تأخذ؟ قال : كنت آخذ بالأخير. فقال لي : رحمك الله » (٢).

ومنها : ما رواه معلّى بن خنيس ، قال قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : « إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟ فقال : خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله ، قال ثمّ قال أبو عبدالله عليه‌السلام : إنّا والله لا ندخلكم إلاّفيما يسعكم » (٣).

ومنها : مرسلة الكليني فإنّه قال : « وفي حديث آخر : خذوا بالأحدث » ولكنّه من المستبعد جدّاً كونها غير الروايات السابقة.

ومنها : ما رواه أبو عمرو الكناني قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : « يا أبا عمرو أرأيت لو

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ح ٧.

(٣) المصدر السابق : ح ٨.

٤٧٨

حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت : بأحدثهما وأدع الآخر. فقال : قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله إلاّ أن يعبد سرّاً أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم أبى الله عزّوجلّ لنا في دينه إلاّ التقيّة » (١).

ولكن لا يخفى أنّ مورد هذه الرواية هو التقيّة ، ولا إشكال في أنّ المعتبر في هذا المقام إنّما هو آخر ما يصدر من صاحب التقيّة فإنّها على قسمين : تقيّة القائل ، وهى ما إذا كان الإمام عليه‌السلام في شرائط خاصّة تقتضي بيان الحكم على خلاف الواقع ، وتقيّة السائل وهى ما إذا كان للمسائل ظروف وشرائط خاصّة كذلك فإنّ الإمام عليه‌السلام كالطبيب ينظر إلى حاجة المأمورين في الظروف المختلفة من لزوم التقيّة أو رفضها ، ومن الواضح أنّ الميزان في تعيين الحكم والوظيفة العمليّة إنّما هو ما مرّ عليه في الحال من الشرائط الجديدة ، ولازمه لزوم الأخذ بأحدث الخبرين.

بل يمكن أن يقال : إنّ هذه الرواية وكذلك ما ورد في ذيل الرواية السابقة ( وهو قوله عليه‌السلام : « والله لا ندخلكم إلاّفيما يسعكم » ) الظاهر في مقام التقيّة أيضاً يرفع النقاب عن وجه هذه الطائفة من الروايات بأجمعها ، ويبيّن لنا جهة صدورها وأنّها غير قابلة الإعتماد من هذه الجهة وتكون خارجة عن محلّ النزاع.

وممّا يؤيّد هذا المعنى ( أي خروجها عن محلّ النزاع ) يقين السائل فيها بأصل الصدور وأصل مجيء الحديث عن جانب الإمام عليه‌السلام وإنّما الكلام في جهة الصدور بينما محلّ البحث هو ما إذا كان الصدور ظنّياً ، هذا كلّه أوّلاً.

وثانياً : سلّمنا كون الأحدثية ميزاناً في الأخذ بأحد الخبرين ، ولكن غايتها أنّها إحدى المرجّحات ، فلا دلالة لهذه الروايات على صورة فقدان هذا المرجّح ، فتكون أخصّ من المدّعى.

وثالثاً : أنّها محمولة على عصر الحضور بقرينة ما ورد في رواية معلّى بن خنيس « خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي ».

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١٧.

٤٧٩

ولكن قد يقال : لابدّ من ردّ علم هذه الروايات إلى أهلها لأنّه كما جاز أن يكون الأوّل للتقية والثاني لبيان حكم الله الواقعي جاز بالعكس أيضاً ، فلا يمكن العمل بالرواية على كلّ حال ، ولذا لم يعمل بها أحد من الأصحاب.

ولكن الإنصاف أنّ معنى هذه الطائفة معلومة معقولة ، فإنّ المراد منها هو الأخذ بالأحدث لمن كان معاصراً له فإنّ هذا هو حكمه الشرعي في ذلك الزمان سواء كان تقيّة أو ابطال تقية سابقة.

أمّا الطائفة الخامسة : فهى ذيل مقبولة ابن حنظلة حيث قال : إذا كان ذلك ( أي كان الخبران متساويين في المرجّحات السابقة ) فارجئه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات » (١). وذيل رواية الميثمي عن الرضا عليه‌السلام حيث قال : « وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه » (٢).

ومن الواضح أنّ هذه الطائفة مختصّة بزمن الحضور وإمكان الوصول إلى الحجّة عليه‌السلام.

فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ الطريق الصحيح في المقام إنّما هو ما ذهب إليه المشهور وهو التخيير.

بقي هنا امور :

الأمر الأوّل : في أنّه هل الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين تعبّد محض فيكون حكماً مخالفاً للقاعدة ، أو أنّه كاشف بالدلالة الالتزاميّة عن أنّ الصحيح من بين المباني الخمسة السابقة هو مبنى السببيّة السلوكيّة ( التي ليست من قبيل التصويب الباطل ) فيكون حكماً مطابقاً للقاعدة ، أو أنّ المبنى الصحيح هو الطريقيّة ، ولكنّه أيضاً مطابق للقاعدة لخصوصيّة في المقام؟ وجوه.

وجه الاحتمال الأوّل : ما مرّ سابقاً من أنّ القاعدة تقتضي التعارض فيكون الحكم بالتخيير تعبّداً محضاً وحكماً مخالفاً للقاعدة.

وجه الاحتمال الثاني : ما ورد في بعض الروايات من التعبير بـ « أيّهما أخذت من باب

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ح ٢١.

٤٨٠