أنوار الأصول - ج ٣

أنوار الأصول - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-15-6
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٢٤

يميّزها إلاّ العقل ، فلا تميز لها في الخارج أصلاً ، فيعدّ واجد الجزء التحليلي وفاقده من المتباينين ، لا من الأقل والأكثر ، فدعوى الانحلال فيها بتخيّل إنّ ذات المطلق كالرقبة والعام كالحيوان مطلوبان قطعاً بالطلب النفسي أو الغيري ، ومطلوبية المقيّد والخاصّ مشكوكة ، مدفوعة بأنّ ذاتي المطلق والعام ليستا مقدّمتين للمقيّد والخاص حتّى يكونا واجبتين على كلّ تقدير.

واستدلّ المحقّق النائيني رحمه‌الله بما حاصله : أنّ القيد والخصوصيّة الزائدة المشكوكة إذا كانت من مقوّمات المعنى المتخصّص بها عقلاً كالفصل بالنسبة إلى الجنس ، بمعنى أنّ الأكثر كان مركّباً من الجنس والفصل كما إذا كان الواجب مردّداً بين ذبح الحيوان مطلقاً ـ بقرة كان أو شاة ـ وبين ذبح الشاة بالخصوص ففي هذه الصورة يجب الاحتياط بإتيان الأكثر ( وهو الشاة التي ينحلّ بالتحليل العقلي إلى جنس وفصل ) لأنّ الأكثر وإن كان مركّباً عند العقل إلاّ أنّه بنظر العرف يكون مفهوماً بسيطاً مبايناً لمفهوم الأقل فالشاة والحيوان عند العرف من المتباينين.

وإن شئت قلت : إنّه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، ومقتضى القاعدة فيه هو التعيين لا البراءة عن الخصوصيّة ، وهكذا إذا كانت الخصوصيّة الزائدة المشكوكة من مقوّمات المعنى المتخصّص بها بنظر العرف وإن لم يكن من مقوّماته عقلاً ، كما إذا كان الواجب مردّداً بين شراء جارية رومية وبين جارية مطلقاً ، حيث إنّ الروميّة ليست من مقوّمات الجارية عقلاً ولكن العرف يرونها نوعاً آخر مقابل الجارية الحبشية مثلاً ، وأمّا إذا لم تكن الخصوصيّة الزائدة المشكوكة من مقوّمات المعنى لا عقلاً ولا عرفاً كما إذا كان الواجب مردّداً بين الرقبة المطلقة وبين الرقبة المؤمنة أو بين العبد المطلق وبين العبد الكاتب فيجوز إجراء البراءة بالنسبة إليها لأنّ اعتبار قيد الإيمان أو الكتابة مثلاً يحتاج إلى مؤونة زائدة من البيان في عالم الثبوت والإثبات ، ثمّ قال في ذيل كلامه : إنّ الضابط في المقوّمية كون التخلّف في المعاملة من قبيل التخلّف في العنوان فتكون المعاملة باطلة كما إذا قال بعتك شاة ولم تكن شاة بل كان فرساً مثلاً ، والضابط في عدمها كون التخلّف من قبيل الأوصاف التي يوجب تخلّفها خيار تخلّف الوصف فقط كما إذا قال بعتك هذا العبد الكاتب ولم يكن كاتباً (١) ( انتهى ).

واستدلّ في تهذيب الاصول للقول الثالث : بما حاصله : أنّ متعلّق البعث والزجر إنّما هو

__________________

(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، طبع مؤسسة مطبوعات ديني.

١٦١

الماهيات والعناوين دون المصاديق الخارجيّة ، وعليه فالمدار في دوران الأمر بين الأقل والأكثر إنّما هو ملاحظة لسان الدليل الدالّ على الحكم حسب الدلالة اللفظيّة العرفيّة ، لا المصاديق الخارجيّة ، ومن المعلوم أنّ البعث إلى الطبيعه ( كطبيعة الرقبة ) غير البعث إلى الطبيعة المقيّدة ( كطبيعة الرقبة المؤمنة ) ، والنسبة بين المتعلّقين هو القلّة والكثرة وإن كانت المصاديق على غير هذا النحو ، وحينئذٍ نقول : إنّ البعث إلى طبيعة الرقبة معلوم ، وتعلّقه إلى المؤمنة مشكوك فيه ، فتجري البراءة عن المشكوك ، وهكذا المركّبات التحليليّة كالجنس والفصل لأنّ الموضوع ينحلّ عند العقل إلى معلوم ومشكوك فيه ، فالصلاة المشروطة بالطهارة عين ذات الصّلاة في الخارج ، كما أنّ الرقبة المؤمنة عين مطلقها فيه ، والإنسان عين الحيوان وهكذا ، وإنّما الافتراق في التحليل العقلي ، وهو في الجميع سواء ، فكما تنحلّ الصّلاة المشروطة بالصلاة والاشتراط ، كذا ينحلّ الإنسان إلى الحيوان والناطق ، ففي جريان البراءة وقيام الحجّة على المتيقّن دون المشكوك سواء في الجميع » (١).

أقول : الأقوى هو القول الثاني وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه‌الله ، نعم بالنسبة إلى القيود غير المقوّمة ، المختار هو البراءة العقلائيّة لا العقليّة بناءً على ما حقّقناه في مبحث البراءة.

وعلى أي حال لا فرق بين الأجزاء والشرائط والقيود إلاّفي القيود المقوّمة لأنّها في نظر العرف من قبيل المتباينين وإن لم يكن كذلك بالدقّة العقليّة ، وإن شئت فاختبر نفسك فيما إذا أمر المولى بصناعة مصنوع خشبي يتردّد بين كونه سريراً أو نافذة ، ففي هذه الحالة وإن كانت وصف السريرية وغيرها من الأعراض للخشب لكنّها تعدّ عند العرف من المقوّمات ، والسرير والنافذة عندهم متباينان كالسيّارة والطائرة ، وإن كانتا مصنوعتين من الخشب والحديد ، ولذلك يوجب التخلّف فيهما بطلان المعاملة لا مجرّد خيار تخلّف الوصف.

وبالجملة إنّ المعيار في التباين والوحدة ليس الجنس والفصل المنطقيين بل المعيار الصدق العرفي وإن كان الاختلاف في الاعراض.

هذا ـ بخلاف ما إذا كانت القيود غير مقوّمة عند العرف كقيد الإيمان في الرقبة المؤمنة وقيد الكتابة في العبد الكاتب ، فيكون الفاقد والواجد من قبيل الأقل والأكثر فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر.

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٦٢

ومن هنا يظهر الإشكال في كلمات الأعلام الثلاثة :

أمّا المحقّق الخراساني رحمه‌الله فيرد عليه أنّ المقيّد والفاقد للقيد إنّما يكونان من المتباينين فيما إذا كانا من قبيل الماهيّة بشرط شيء والماهيّة بشرط لا ، مع أنّ مطلق الرقبة والرقبة المؤمنة مثلاً يكونان من قبيل الماهيّة بشرط شيء والماهيّة لا بشرط ، وإلاّ يلزم أن يكون الفاقد للجزء والواجد له أيضاً من المتباينين وأن تكون الصّلاة بشرط الجزء العاشر مباينة للصّلاة بشرط تسعة الاجزاء ، وهذا مخالف لما ذهب إليه نفسه من كونهما من قبيل الأقل والأكثر.

هذا مضافاً إلى أنّ الميزان كما قلنا صدق التباين وعدمه عند العرف ، وكون القيد من القيود المقوّمة وعدم كونه منها في نظر العرف ، فربّ وصف لا يعدّ مقوّماً لموصوفه عرفاً كالقراءة والكتابة في العبد القاري والكاتب فيكون التخلّف فيه من قبيل التخلّف في الوصف موجباً للخيار فقط ، وربّ وصف يعدّ من مقوّمات موصوفه عند العرف كوصف السريريّة والنافذية فيما إذا اشترى شيئاً بعنوان إنّه سرير فتبيّن كونه نافذة. فيكون التخلّف فيه من قبيل التخلّف في العنوان ، الموجب لبطلان المعاملة.

إن قلت : ما هو الضابط في التباين وعدمه وفي المقوّميّة وعدمها عند العرف؟

قلنا : إنّما يرى العرف التباين فيما إذا كانت الآثار المترتّبة متفاوتة مختلفة كالآثار المترتّبة على السرير والنافذة ، وإذا كانت الآثار قريبة كالآثار المترتّبة على العبد الكاتب وغير الكاتب ( حيث إنّهما مشتركان في خدمات كثيرة ) فلا يحكم العرف بالتباين بل يرى التخلّف فيه مجرّد التخلّف في وصف من الأوصاف.

وأمّا ما ذهب إليه في تهذيب الاصول من أنّ متعلّق البعث والزجر إنّما هو الماهيّات والعناوين.

فيرد عليه : إنّه إمّا أن يكون المراد منه الفاظ الماهيّات كلفظ الغنم والشاة ، أو يكون المراد الصور المتصوّرة في الذهن ، والأوّل لا معنى له كما لا يخفى ، والثاني يحتمل فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون المقصود الصور الذهنيّة بما هى صور ذهنيّة ، والثانية : الصور الذهنيّة بما هى مشيرة إلى الخارج ، والأوّل أيضاً لا يمكن أن يكون متعلّقاً للأمر والنهي قطعاً ، فيتعيّن أن يكون المتعلّق العناوين بما هى مشيرة إلى الخارج ، وهذا يرجع في الحقيقة إلى كون المتعلّق هو الخارج لا الماهية والعنوان ، وأمّا تعلّقهما ابتداءً بالعنوان فلأجل العبور إلى الخارج.

١٦٣

وإن شئت قلت : الطلب التشريعي كالطلب التكويني ، فكما أنّ المولى في طلبه التكويني للماء مثلاً يطلب الماء الموجود في الخارج لأنّه منبع كلّ أثر ، كذلك في طلبه التشريعي كما إذا أمر عبده بإتيان الماء عوضاً عن تصدّي نفسه لإتيانه ، فلا إشكال في أنّ متعلّق أمره وطلبه هذا أيضاً إتيان الماء الموجود في الخارج ، وقسّ عليه سائر الأوامر والنواهي الصادرة من سائر الموالي والشارعين.

وهاهنا امور ينبغي التنبيه عليها :

الأمر الأوّل : الشك في جزئيّة شيء أو شرطيّته عند النسيان

فيما إذا شكّ في جزئيّة شيء أو شرطيته في حال نسيانه ، وإنّه هل يوجب النسيان ارتفاع الجزئيّة أو الشرطيّة أو لا؟ وبعبارة اخرى : هل الأصل في الأجزاء والشرائط ركنية كلّ واحد منها ( حتّى يوجب النسيان بطلان العمل ) أو لا؟

والبحث فيه يقع في ثلاث مقامات :

المقام الأوّل : في مقتضى الدليل الاجتهادي.

المقام الثاني : في مقتضى الأصل العملي.

المقام الثالث : في كيفية الخطاب بالنسبة إلى الناسي بناءً على عدم اطلاق دليل الجزء أو الشرط لحال النسيان.

أمّا المقام الأوّل : فيتصوّر له صور ثلاث :

الاولى : ما إذا دلّ الدليل على الجزئيّة أو الشرطيّة بلسان الحكم الوضعي كقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّبفاتحة الكتاب » فلا إشكال في إطلاقه حينئذٍ لحال النسيان.

الثانية : ما إذا كان الدليل بلسان الأمر ، وكان إرشاداً إلى الجزئيّة أو الشرطيّة فلا إشكال أيضاً في اطلاقه لحال النسيان.

الثالثة : ما إذا استفدنا الجزئيّة أو الشرطيّة من أمر مولوي تكليفي ، ودلّ على الجزئيّة بمدلولها الالتزامي ففي هذه الصورة تختصّ الجزئيّة أو الشرطيّة بحال الذكر والإلتفات ، لإمتناع توجّه الخطاب إلى الناسي ، فيكون مقتضى القاعدة الأوّلية حينئذٍ اختصاص الجزء أو الشرط

١٦٤

بالعالم الملتفت بخلاف الصورتين الأوّليين لعموم الدليل فيهما ، اللهمّ إلاّ أن يكون هناك قاعدة حاكمة عليه كقاعدة لا تعاد وحديث رفع النسيان وشبه ذلك.

أمّا المقام الثاني : أي الذي تصل النوبة إليه بعد فقدان الدليل الاجتهادي فيأتي فيه كلّ واحد من الأقوال الثلاثة المطروحة في الأقل والأكثر الارتباطيين ( القول بالاشتغال مطلقاً والقول بالبراءة مطلقاً والقول بالتفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة النقليّة ) لأنّ المقام من صغريات ذلك البحث لأنّا نعلم إجمالاً بتعلّق التكليف بالجزء أو الشرط ونشكّ في اطلاقه لحالتي الذكر والنسيان ( وهو الأكثر ) أو اختصاصه بحال الالتفات فقط ( وهو الأقل ) فالمختار حينئذٍ في ما نحن فيه هو البراءة عقلاً ونقلاً كما مرّ هناك ، والمراد من البراءة النقليّة هنا إنّما هو مفاد فقرة « رفع ما لا يعلمون » من حديث الرفع ، لا فقرة « رفع النسيان » لأنّها من الأدلّة الاجتهاديّة ، وحاكمة على اطلاق أدلّة الجزئيّة والشرطيّة لو كان هناك اطلاق.

أمّا المقام الثالث : فقد وقع الأعلام ( القائلون باختصاص أوامر الجزئيّة والشرطيّة بحال الذكر ) في حلّ مشكلة تعدّد الخطابين في حيص وبيص ، فذهب المحقّق النائيني رحمه‌الله إلى عدم إمكان توجّه الخطاب إلى الناسي ، وتصحيح صلاته من طريق وجود الملاك ( ملاك المحبوبيّة ) وذهب جماعة إلى إمكان توجّه الخطاب إليه وذكروا لتصحيحه طرقاً ثلاثة :

الأوّل : ما ذكره الشيخ الأعظم رحمه‌الله وهو أنّه يكفي في تصحيح عبادة الناسي اعتقاده توجّه أمر الملتفت إليه فيأتي بالفاقد للجزء بداعي إطاعة الأمر بالصلاة ، وإنّما الخطأ في التطبيق.

وأورد على هذا الوجه : بأنّ الخطأ في التطبيق متوقّف على تصوير خطاب للناسي في الرتبة السابقة ، وهو محلّ الكلام والإشكال.

الثاني : أن يكلّف الملتفت بتمام المأمور به ، والناسي بما عدا المنسي ، لكن لا بعنوان الناسي حتّى يلزم الانقلاب إلى الذاكر بمجرّد توجّه الخطاب إليه بل بعنوان آخر عام ، ملازم لجميع مصاديقه ، كعنوان الصائم إذا فرض كونه ملازماً لمصاديق النسيان فيقال : « أيّها الصائم أقم الصّلاة بتسعة الأجزاء ».

ويرد عليه : إنّ اختيار عنوان ملازم عام في جميع الموارد أمر مشكل جدّاً أو محال.

الثالث : أن يوجّه الخطاب بالنسبة إلى تسعة أجزاء مثلاً بعنوان أيّها المكلّفون ، وبالنسبة إلى الجزء العاشر بعنوان أيّها الذاكر. وهذا وجه جيّد.

١٦٥

الأمر الثاني : في زيادة الأجزاء والشرائط

وتنقيح البحث فيه يحتاج إلى رسم امور :

الأوّل : في أنّ اعتبار أجزاء المركّب يتصوّر على ثلاث صور : تارةً يعتبر بشرط لا ، كما إذا دلّ الدليل على لزوم إتيان الركوع بشرط الوحدة ، واخرى لا بشرط ، كما في ذكر التسبيح الكبرى في الركوع ، وهى بنفسها على قسمين : فتارةً تعتبر الزيادة جزء للصّلاة كما في مثال التسبيح في الركوع ، واخرى لا تعتبر جزء للصلاة كما أنّها ليست مضرّة بصحّة العمل ( كما في زيادة المسح في الوضوء ) إلاّمن ناحية التشريع المحرّم ، وثالثة نشكّ في كيفيّة اعتبارها.

ومن ناحية اخرى : تارةً تكون الزيادة من سنخ المأمور به كما في الركوع الزائد ، واخرى تكون من غير نسخه كما إذا أتى في الصّلاة بأذكار أو أفعال من غير نسخ أفعالها وأذكارها.

ثمّ إنّ كلّ ذلك إمّا يأتي به بقصد الجزئيّة فيكون نوعاً من التشريع ، أو يأتي بها من غير قصد الجزئيّة ، فلابدّ من البحث في أنّه ما هو مقتضى الأصل العملي حينئذٍ؟ فانتظر.

الثاني : قد يستشكل في أصل تصوير الزيادة في الأجزاء حقيقة فيقال : أساساً لا تتصوّر الزيادة في الاجزاء لأنّها إمّا أخذت في عنوان المأمور به بشرط لا فترجع الزيادة حينئذٍ إلى النقصان ، لأنّ للمركّب حينئذٍ قيد عدمي ( وهو عدم إتيان الزيادة ) وهو ينعدم بإتيان الزيادة ، أو أخذت لا بشرط فلا تصدق الزيادة حينئذٍ ، أي لا يكون الزائد زائداً في المأمور به ، لأنّ المأمور به حينئذٍ إنّما هو طبيعي الجزء من غير اعتبار وجود فرد آخر من الطبيعي معه ، ولا اعتبار عدمه لأنّه على الفرض غير مقيّد بكونه وجوداً واحداً ولا بكونه متعدّداً ، فلو وجد فردان من الطبيعي أو أكثر يصدق على الجميع أنّها من مصاديق المأمور به فلا تتصوّر الزيادة.

وقد اجيب عنه بوجوه أحسنها : أنّ الزيادة وإن ترجع إلى النقيصة بالدقّة العقليّة لكنّه لا إشكال في صدقها عند العرف ، والمقصود في المقام إنّما هو البحث في إيجاب الزيادة العرفيّة بطلان المأمور به وعدمه.

وإن شئت قلت : إنّ الحكم في ما نحن فيه لا يدور مدار التسمية وصدق عنوان الزيادة أو النقيصة ، بل البحث في أنّ ما أتى به زائداً على الاجزاء هل يوجب الفساد أو لا ، سواء صدق عليه اسم الزيادة أو لا.

ومن تلك الوجوه : أنّه يتصوّر في اعتبار المأمور به شقّ ثالث ، وهو أن يعتبر المولى

١٦٦

صرف الوجود من الطبيعة ، أي ما هو عادم العدم ونقيضه ، فقهراً ينطبق المأمور به على أوّل وجود من تلك الطبيعة التي أخذت جزءً ، ولا ينطبق على الوجود الثاني ، بل يصدق عليه عنوان الزيادة حقيقة.

ولكن يرد عليه : أنّه لا يخلو الأمر في مقام الثبوت والواقع من إحدى الحالات الثلاثة فإمّا أخذت الماهيّة لا بشرط أو بشرط شيء أو بشرط لا ، والحصر عقلي لا يتصوّر فيه شقّ رابع بعنوان صرف الوجود ، بل لا يكون صرف الوجود أيضاً خارجاً من هذه الثلاثة.

الثالث : في مقتضى الأصل العملي فيما إذا أتى بالزائد من دون قصد الجزئيّة والتشريع.

ربّما يقال : إنّ جميع المباني المذكورة في النقيصة تأتي هنا أيضاً ، فيكون الأصل ( بناءً على ما هو المختار هناك ) هو البراءة لأنّه لو كانت الزيادة مضرّة وموجبة للبطلان لكان على الشارع البيان.

وإن شئت قلت : إنّ كون الزيادة موجبة للبطلان سواء كانت عمدية أو سهوية متوقّف على اعتبار الجزء بشرط لا ، أي اعتباره مقيّداً بعدم الزيادة ، والشكّ فيه يرجع إلى الأقل والأكثر في المركّبات التحليلية ، وقد تقدّم أنّ المختار فيها جريان البراءة ، فمقتضى الأصل عدم البطلان إلاّ أن يدلّ دليل خاصّ على أنّ الزيادة مطلقاً موجبة للبطلان ، كما ورد الدليل على البطلان في باب الصّلاة والطواف عند الزيادة العمدية.

لكن يمكن أن يقال : بأنّ بناء العقلاء في المركّبات المخترعة مثل الأدوية والأغذية على عدم جواز إتيان الزيادة ، فلو أمر المولى بمعجون من كذا وكذا لم يجز التعدّي من الأجزاء والحدود التي بيّنها ، وهذا يمنع عن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، وعن جريان أصل البراءة الشرعيّة ( قاعدة رفع ما لا يعلمون ) لأنّ السيرة العقلائيّة ـ بعد امضاء الشارع ولو بعدم الردع ـ بمنزلة الأمارة وتوجب رفع موضوع البراءة ( وهو الشكّ ) وتكون واردة عليها ، والنتيجة حينئذٍ قاعدة الاشتغال وبطلان العمل بالزيادة.

الرابع : بناءً على كون الأصل الأوّلي هو البراءة ـ هل يلزم البطلان من ناحية اعتبار قصد القربة في التعبّديات أو لا؟

وهذا يتصوّر له صورتان : تارةً يأتي بالزيادة بقصد الزيادة بحيث لولاها لا يأتي بالعمل برأسه فلا إشكال حينئذٍ في البطلان لعدم تحقّق قصد القربة وعدم تمشّيه ، ولكن مثل هذا نادر

١٦٧

جدّاً ، واخرى يأتي بها من باب تطبيق المأمور به عليها من دون أن يكون محرّكه الإتيان بالزيادة بل المحرّك هو إطاعة المولى كيفما كان ، فالحكم بالصحّة هو الأقوى على فرض جريان البراءة في المقام.

الأمر الثالث : هل يسقط الوجوب عند تعذر وجود الجزء أو الشرط ...؟

إذا تعذّر وجود جزء أو شرط أو عدم مانع بواسطة الاضطرار أو أحد الأعذار الاخر ، بمعنى أنّه اضطرّ إلى ترك جزء من أجزاء الواجب أو ترك شرط من شرائطه أو اضطرّ إلى وجود مانع أو اكره مثلاً إلى ترك ما لوجوده دخل في الواجب أو إلى فعل ما لعدمه دخل ، فيه فهل مقتضى القواعد والأدلّة سقوط الوجوب عن الباقي ، أو لا؟

وبعبارة اخرى : هل الجزئيّة والشرطيّة والمانعية مطلقة شاملة لحالتي الاختيار والعذر أو تختصّ بحال الاختيار ولازمه وجوب الإتيان بالباقي؟

لابدّ من إيراد البحث في أربع مقامات :

الأوّل : في مقتضى الأدلّة الخاصّة في كلّ مورد.

الثاني : في مقتضى إطلاقات أدلّة الجزئيّة والشرطيّة.

الثالث : في مقتضى الاصول العمليّة.

الرابع : في مقتضى « قاعدة الميسور » ودائرة شمولها.

أمّا المقام الأوّل : فمحلّ البحث عنه هو الفقه لا الاصول كما لا يخفى.

وأمّا المقام الثاني : فالتحقيق فيه أن يقال : يتصوّر لأدلّة الجزئيّة والشرطيّة ثلاث حالات :

تارةً : تكون الأدلّة بلسان الحكم الوضعي كقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّبطهور » ، فلا إشكال في إطلاقها وشمولها لحالتي الإختيار والعذر.

واخرى : يكون لسانها لسان الحكم التكليفي مع كونها من قبيل الأوامر الإرشاديّة ، أي تكون إرشادة إلى الجزئيّة أو الشرطيّة كقوله تعالى : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ

١٦٨

... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) (١) فلا إشكال أيضاً في الاطلاق.

وثالثة : تكون الأدلّة بلسان الحكم التكليفي مع كونها أوامر مولويّة ، فالصحيح حينئذٍ اختصاصها بحال الاختيار لاستحالة تعلّق الأمر بفاقد القدرة ، وامتناع التكليف بما لا يطاق.

وأمّا المقام الثالث : فلا إشكال في أنّ الأصل الجاري في المقام هو البراءة عن وجوب الباقي ، أي وجوب الصّلاة بدون الطهارة على فاقد الطهورين مثلاً.

ولكن قد يقال ، بجريان استصحاب الوجوب ، ويقدّم على البراءة إمّا لكونه حاكماً عليها أو من باب أخصيّة أدلّته من أدلّة البراءة ( كما هو المختار في محلّه ).

يمكن الإيراد عليه :

أوّلاً : بعدم اتّحاد قضية المشكوكة والمتيقّنة من حيث الموضوع ، لأنّ الموضوع في المتيقّنة هو مجموع القيد والمقيّد ( الطهارة مع الصّلاة ) وفي المشكوكة ذات المقيّد من دون القيد.

واجيب عنه بوجهين :

أحدهما : أنّ المستصحب هنا إنّما هو كلّي الصّلاة ، أي القدر الجامع بين الصّلاة من دون الطهارة والصّلاة مع الطهارة ، وهو واحد في القضيتين.

ثانيهما : وجود الوحدة عرفاً ، لأنّ الجزء أو القيد المتعذّر كثيراً مّا لا يكون من مقوّمات الموضوع في نظر العرف بل يكون من حالاته.

والإنصاف عدم تماميّة كلا الوجهين :

أمّا الوجه الأوّل : فلأنّ استصحاب الكلّي في المقام من مصاديق القسم الثالث منه ( وهو ما إذا إنعدمت الطبيعة الموجودة ضمن فرد بإنعدام ذلك الفرد ، وشككنا في وجودها ثانياً بقيام فرد جديد مقام الفرد الأوّل ) والمعروف عند المحقّقين عدم حجّيته.

وأمّا الوجه الثاني : فلعدم وجود الاتّحاد عند العرف بين واجد الجزء وفاقده ، كالحجّ مع الوقوف في عرفات والحجّ مع عدم الوقوف فيها ، وأمّا التسامح العرفي فهو يأتي فيما إذا كان التفاوت جزئيّاً ، كما إذا نقص من الماء الكثير رطلاً مثلاً وشككنا في بقائه على الكرّية.

وثانياً : بأنّ استصحاب الوجوب يتصوّر بالنسبة إلى ما إذا فُقد الطهورين مثلاً بعد

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٦.

١٦٩

دخول الوقت ، وأمّا إذا فقد قبله فلا تجب عليه الصّلاة حتّى يستصحب وجوبها ، اللهمّ إلاّ أن يقال بوجوبها قبل الوقت أيضاً على نحو الواجب المعلّق ، لكن المختار عدم صحّته فلا وجه لجريان استصحاب الوجوب ، بل الجاري إنّما هو استصحاب عدم الوجوب.

وقد يقال : إنّ هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثاني للكلّي لا الثالث لأنّه من قبيل الشكّ في بقاء الحيوان من جهة تردّده بين طويل العمر وقصير العمر لأنّ الوجوب المتعلّق بالمركّب هنا مردّد بين تعلّقه به على أن يكون الجزء المتعذّر جزءاً له مطلقاً فيسقط الوجوب بتعذّره ، أو يكون جزءاً له في حال الاختيار فقط فيبقى التكليف بالباقي على حاله.

واجيب عنه : بأنّه غير معقول لأنّه لازمه تعلّق طلب واحد بعشرة أجزاء تارةً ، وبتسعة أجزاء اخرى ، هذا محال ، لأنّ الطلب الواحد لا يتعلّق بشيئين مختلفين ، فلا يمكن اندراجه في القسم الثاني من استصحاب الكلّي.

ثمّ إنّه ذكر في المقام وجه آخر للاستصحاب ، وهو أن يستصحب شخص الوجوب السابق المتعلّق بالمركّب لأنّه منبسط على أجزاء المركّب ، وبعد تعذّر بعض أجزائه يكون الوجوب في المركّب الناقص عين الوجوب الأوّل الذي كان منبسطاً على المركّب التامّ ، غايته أنّ حدّه قد تبدّل بحدّ آخر ، نظير البياض المنبسط على جسم طويل فيما إذا انفصل منه جزء وصار قصيراً ، حيث إنّ البياض الباقي في الجسم القصير هو عين ذلك البياض الأوّل ، غايته أنّه تبدّل حدّه بحدّ آخر.

والجواب عنه : إنّ المركّب الناقص الباقي كان واجباً ضمن المركّب التامّ لا مستقلاً مع أنّ المراد في هذا الوجه استصحاب وجوب الباقي بالاستقلال ، فيتبدّل الموضوع من الوجوب الضمني إلى الوجوب الاستقلالي ، ويلزم منه عدم وجود شرط الاتّحاد المعتبر في موضوع الاستصحاب ، اللهمّ إلاّ أن يكون الجزء المتعذّر أمراً غير هامّ بحيث يعدّ من الحالات المتواردة على الموضوع ، لا المقوّمة له.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الأصل الجاري في المقام هو البراءة لولا دليل خاصّ اجتهادي يدلّ على بقاء الوجوب ، نظير ما ورد في باب الصّلاة من « أنّ الصّلاة لا تدرك بحال ».

ثمّ إنّ المحقّق العراقي رحمه‌الله استدلّ في المقام لوجوب الباقي بعمومات الإضطرار كقوله عليه‌السلام في خبري زرارة ومحمّد بن مسلم : « التقية في كلّ شيء ، وكلّ شيء اضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه

١٧٠

الله له » (١) ، بناءً على كون المراد من الحلّية فيها معناها اللغوي الشامل للحلّية الوضعيّة أيضاً ، وتقريب الاستدلال : إنّ حلّية الجزء والشرط والمانع المتعذّر عبارة عن سقوطه عن الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة في حال تعذّره ، ومقتضى ذلك بعد حكومة هذه العمومات على الأدلّة المثبتة للأجزاء والشرائط ، والموانع هو تخصيص الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة المستفادة منها بغير حال التعذّر ، ولازمه وجوب الإتيان بالباقي لكونه تمام المركّب المأمور به في هذا المستلزم لفراغ الذمّة وعدم وجوب الإعادة عليه بعد ارتفاع الاضطرار ، وربّما يشهد لما ذكرناه ما في كثير من النصوص من استشهاد الإمام عليه‌السلام بمثل هذه العمومات لرفع جزئية المتعذّر أو شرطيّته وإيجاب الأمر بالبقيّة ( انتهى ملخّصاً ) (٢).

أقول : من هذه الروايات ما رواه منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه ، قال فقال لي : « إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة » (٣).

ومنها : ما رواه سماعة قال : سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة : أربعين يوماً أو أقلّ أو أكثر ، فيمتنع من الصّلاة الأيّام إلاّ إيماءً وهو على حاله ، فقال : « لا بأس بذلك وليس شيء ممّا حرّم الله إلاّوقد أحلّه لمن اضطرّ إليه » (٤).

ومنها : ما رواه أبو بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه؟ فقال : « لا إلاّ أن يكون مضطرّاً ليس عنده غيرها ، وليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه » (٥).

ويمكن أن يقرّب الاستدلال بهذه الروايات لمطلق موارد الاضطرار بطريقين :

أحدهما : طريق القياس المنصوص العلّة فإنّها ظاهرة في أنّ علّة سقوط الجزء أو الشرط

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٦٢ ، ص ٨٢ ، ح ٢.

(٢) نهاية الأفكار : القسم الثاني ، من الجزء الثالث ، ص ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٣) وسائل الشيعة : الباب ١٩ ، من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٢.

(٤) المصدر السابق : الباب ١ ، من أبواب القيام ، ح ٦.

(٥) المصدر السابق : الباب ١ ، من أبواب القيام ، ح ٧.

١٧١

المضطرّ إليه عن الجزئيّة أو الشرطيّة ووجوب باقي الأجزاء إنّما هو الإضطرار به ، وهو موجود في جميع موارد الاضطرار.

ولكن يمكن الجواب عنه : بأنّ غاية ما يستفاد من هذه الرّوايات مجرّد رفع الجزئيّة والشرطيّة عن المتعذّر وأنّها لا تقتضي إيجاب فعل الباقي ، وأمّا وجوب الباقي المفروض في مورد هذه الروايات وهو الصّلاة فلعلّه كان مستفاداً من الخارج ( لا من نفس الأمر الموجود في هذه النصوص ) مثل قوله عليه‌السلام : « لا تترك الصّلاة بحال ». فالمقدار المستفاد من هذه الروايات على نهج القياس المنصوص العلّة إنّما هو سقوط الجزء أو الشرط عن الجزئيّة والشرطيّة في تمام موارد الاضطرار ، وأمّا وجوب الباقي فلا يستفاد منها ، بل لابدّ فيه من دليل خاصّ من الخارج كما في باب الصّلاة.

ثانيهما : طريق الاستقراء عن موارد الاضطرار في الأبواب المختلفة من الفقه فإنّه يقتضي حصول القطع بوجوب الباقي ، نظير ما ورد في باب القيام من وجوب إتيان الصّلاة جالساً ثمّ مستلقياً ثمّ على جانب الأيمن والأيسر ، واستدلال الإمام عليه‌السلام بقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) وهكذا ما ورد في باب القبلة.

ويمكن الجواب عن هذا أيضاً : بأنّ موارد الاستقراء مختصّة بأبواب الصّلاة لا غير ، فاحتمال إلغاء الخصوصيّة مشكل كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في المقام الثالث.

قاعدة الميسور

وأمّا المقام الرابع : ( أي الاستدلال بقاعدة الميسور لوجوب غير المتعذّر من الأجزاء والشرائط في جميع أبواب الفقه ) فلابدّ أوّلاً من ملاحظة أدلّة هذه القاعدة ، ثمّ مقدار دلالتها ، فنقول : يمكن إثباتها من طرق الروايات وبناء العقلاء :

أمّا الروايات فالعمدة فيها ثلاث روايات يشار إليها غالباً في كلمات المتأخّرين :

الرواية الاولى : نبويّة ، وهى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، نقلت من طريق الخاصّة مرسلة في المستدرك ، ج ٢ ، كتاب الحجّ عن عوالي اللئالي وفي البحار كتاب

١٧٢

الصّلاة باب صلاة العراة (١) والموجود في هذا الطريق « فأتوا به ما استطعتم » بدل « فأتوا منه ما استطعتم ».

ونقلت من طريق العامّة في سنن البيهقي (٢) عن أحمد بن حنبل في سننه عن يزيد بن هارون عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أيّها الناس قد فرض الله عليكم الحجّ فحجّوا » ، فقال رجل ( وفي رواية : قال عكاشة ) أكلّ عام يارسول الله؟ فسكت صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى قالها ثلاثاً فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم ، ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذروني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ».

ونقلت في سنن النسائي (٣) أيضاً ، ولكن الموجود فيه « فأتوا به » بدل « فأتوا منه ».

ولا شبهة في أنّ الرواية من طريق الخاصّة من المراسيل ، ومن طرق العامّة وإن كانت مسندة ولكن في طريقها من لا يخفى حالهم ، مضافاً إلى أنّها غير موجودة في كتب قدماء الأصحاب ، وإنّما رواها المتأخّرون نقلاً عن عوالي اللئالي ، وقد تصدّى للقدح عليه من ليس من عادته القدح في كتب الأخبار كصاحب الحدائق رحمه‌الله.

الرواية الثانية : هى المرسلة المحكيّة عن كتاب الغوالي أيضاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّه قال : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٤).

الرواية الثالثة : هى المرسلة المنقولة عن كتاب الغوالي أيضاً عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٥).

وهاتان العلويتان أيضاً لا يخفى الإشكال فيهما من ناحية السند من جهة الارسال.

نعم لا يبعد أن يقال بإنجبار ضعفها ( أي ضعف كلّ واحدة من الثلاثة ) بعمل المشهور ،

__________________

(١) بحار الانوار : ج ٨٠ ص ٢١٤ ، وقد أشار إليها العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في طيّات كلماته في مقام الإستدلال على مقالته بقوله : فيدخل في قوله : « فأتوا به ما استطعتم ».

(٢) سنن البيهقي : ج ٤ ، ص ٣٢٦.

(٣) سنن النسائي : ج ٥ ، ص ١١٠ ، باب وجوب الحجّ.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٤ ، ص ٥٨ ، طبع سيّد الشهداء.

(٥) المصدر السابق.

١٧٣

ولكن إستشكل فيه في مصباح الاصول صغرى وكبرى :

أمّا الصغرى فبعدم ثبوت استناد الأصحاب عليها في مقام العمل ، وأنّ مجرّد موافقة فتوى الأصحاب لخبر ضعيف لا يوجب الإنجبار ما لم يثبت استنادهم عليه.

وأمّا الكبرى فبأنّه لو سلّمنا صغرى الاستناد إلاّ أنّه لا يوجب الجبر بعد كون الخبر في نفسه ضعيفاً غير داخل في موضوع الحجّية ( لأنّه من قبيل ضمّ اللاّحجّة إلى اللاّحجّة ، أي ضمّ العدم إلى العدم كما مرّ في محلّه ) (١).

ويرد عليه ما مرّ أيضاً في محلّه من أنّ الميزان في اعتبار السند الوثوق بالرواية لا الوثوق بالراوي ، واستناد المشهور إلى رواية يوجب الوثوق بها ، وتمام الكلام في محلّه ، هذا بالنسبة إلى الكبرى.

وأمّا الصغرى فيردّها أنّه إذا أفتى المشهور بشيء ولم تكن فيما بين أيديهم إلاّرواية أو روايات معيّنة فإنّ ظاهر الحال استنادهم إليها في إثبات الحكم بعد ما علمنا بأنّ عادة قدماء الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم كانت على ذكر الفتاوي وحذف الأدلّة.

هذا كلّه بالنسبة إلى السند.

أمّا الدلالة فالمحتملات في الرواية الاولى أربعة بناءً على كون النسخة « فأتوا منه » :

الأوّل : أن تكون كلمة « من » تبعيضية بحسب الأجزاء ، ويكون المعنى « إذا أمرتكم بشيء فأتوا من أجزائه ما استطعتم » وهذا هو المطلوب في المقام.

الثاني : أن تكون كلمة « من » تبعيضية ولكن بحسب الأفراد ، والمعنى حينئذٍ « فأتوا من افراده ما استطعتم » وهذا خارج عن البحث في ما نحن فيه ولا ينفعنا في المقصود ، لأنّ الكلام في الميسور من الأجزاء لا الأفراد.

ويشهد لهذا الاحتمال رواية عكاشة (٢) حيث إنّ سؤاله فيها بقوله : « أكلّ عام يارسول الله » إنّما يكون عن وجوب الحجّ في كلّ سنة فسؤاله عن الأفراد لا الاجزاء.

الثالث : أن تكون كلمة « من » للتعدية بمعنى الباء فيكون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « فأتوا به » نظير قولك

__________________

(١) راجع مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٤٧٨ ، طبع مكتبة الداوري.

(٢) لا يخفى دلالة هذا الحديث على ثبوت الولاية التشريعيّة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجملة ونحن قد بحثنا في هذا المجال مفصّلاً حين البحث عن ولاية الفقيه في المكاسب ، واخترنا ثبوتها للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجملة.

١٧٤

« أتى به » أو « يأتون به » والمعنى حينئذٍ « فأتوا بالعمل ما استطعتم » والمقصود منه تكرار العمل بقدر الاستطاعة وتكون الرواية ناظرة حينئذٍ إلى الأفراد أيضاً.

الرابع : ما ذكره في مصباح الاصول من أن تكون كلمة « من » بيانية وكلمة « ما » موصولة فيكون حاصل المعنى : إنّه إذا أمرتكم بطبيعة فأتوا ما استطعتم من أفرادها (١).

هذه هى الاحتمالات المتصوّرة في الرواية ، ولا يخفى أنّ الاحتمال الأخير ممّا لا وجه له ولا معنى محصّل له ، لأنّه لا معنى لأن يكون الضمير ( في كلمة « منه » ) بياناً لكلمة « ما الموصولة » فإنّ الضمير لا يكون بياناً بل يحتاج إلى البيان.

وأمّا الاحتمالات الثلاثة الاخر فالمفيد بالمقصود ( كما مرّ ) إنّما هو الاحتمال الثاني ، ولكنّه لا يناسب مورد الرواية كما قلنا.

نعم يمكن أن يقال : إنّ كلمة « شيء » في الرواية مطلق يشمل كلّ ما يكون ذات أجزاء سواء كانت مستقلّة كما في صيام رمضان أو غير مستقلّة كما في أجزاء الصّلاة.

وإن شئت قلت : يتصوّر الجزء في الطبيعة ذات الأفراد كما يتصوّر في المركّب ذات الأجزاء ، حيث إنّ الفرد بعض من الطبيعة وفي الحقيقة جزء منها ، وحينئذٍ مقتضى هذا الاطلاق وجوب الإتيان بالباقي في كلا الموردين ، ولا تضرّنا خصوصيّة المورد لأنّ المورد لا يخصّص.

هذا بالنظر إلى كلمة « من » ، وأمّا بالنسبة إلى كلمة « ما » فحيث إنّه يتحمّل أن تكون موصولة ومفعولاً لقوله : « فأتوا » ، أي فأتوا منه شيئاً استطعتم ، ويحتمل أن تكون مصدريّة زمانيّة ، والمعنى حينئذٍ : فأتوا به ما دمتم قادرين أو ما دمتم على الاستطاعة ، فلا يمكن الاستدلال بالرواية على المطلوب لإجمالها حينئذٍ.

والوجه في ذلك أنّه يتعيّن الاحتمال الثاني بناءً على نسخة النسائي والبحار ، أي نسخة « فأتوا به » ( فيكون حاصل المعنى حينئذٍ خذوا به ما دمتم على الاستطاعة ) لأنّ مفعول « فأتوا به » إنّما هو كلمة « به » ولا يمكن أن تكون كلمة « ما » مفعولاً آخر له حتّى تكون موصولة ، كما يتعيّن الاحتمال الأوّل بناءً على النسخة الاخرى أي نسخة « فأتوا منه » لأنّ « ما » حينئذٍ يكون

__________________

(١) راجع مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٤٧٩ ، طبع مكتبة الداوري.

١٧٥

مفعولاً لقوله « فأتوا » ولا يمكن أن تكون مصدريّة زمانيّة كما لا يخفى ، وحيث إنّ نسخ الحديث مختلفة فيصير مجملاً لا يمكن الاستدلال به.

هذا مضافاً إلى أنّ التمسّك بهذا الحديث لإثبات مطلوبيّة الباقي يستبطن الدور المحال ، لأنّ كون الأجزاء الباقية مقدورة ومستطاعة للمكلّف شرعاً متوقّف على كونها واجدة للملاك ، وهذا في المركّبات الشرعيّة لا يحرز إلاّبتعلّق الأمر بالباقي وإحراز تعدّد المطلوب من قبل ، ولا أمر في البين إلاّنفس الأمر الوارد في هذا الحديث ، فكون الباقي مقدوراً متوقّف على تعلّق أمر به ، وتعلّق الأمر به أيضاً متوقّف على كونه مقدوراً من قبل ، وهذا دور محال ، ولا مناصّ عنه إلاّبإحراز تعدّد المطلوب من قبل ، وحينئذٍ يكون الحديث مؤكّداً لحكم العقل ، وليس فيه تعبّد شرعي.

ثمّ إنّه لا إشكال في شمول هذا الحديث للتكاليف المستحبّة والواجبة معاً ، فيكون الأمر الوارد فيه وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فأتوا » مستعملاً في الجامع بين الوجوب والاستحباب ، ففي مورد الوجوب يكون المأمور به الإتيان بقدر الاستطاعة وجوباً ، وفي مورد الاستحباب يكون المأمور به الإتيان بقدر الاستطاعة إستحباباً ، ولا ضير في كون مورد الحديث من المستحبّات لأنّ ذيله من قبيل الكبرى الكلّية التي لا تخصّصها خصوصية المورد ، واستعمال الأمر في الجامع لا ينافي المطلوب لأنّ ظاهر الحديث إنّ حكم الميسور في كلّ من الواجب والمستحبّ حكم أصله.

هذا كلّه بالنسبة إلى دلالة الرواية الاولى.

وأمّا الرواية الثانية وهى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » فتقريب الاستدلال بها واضح ، لكن يرد عليه :

أوّلاً : بمثل ما اورد على الحديث الأوّل من أنّ كلمة « الميسور » مردّد بين الميسور من الأفراد والميسور من الأجزاء ، فلا يمكن الاستدلال به ، لكونه خارجاً عن محلّ الكلام على أحد الاحتمالين.

لكن يمكن الجواب عن هذا بما مرّ نظيره في الحديث الأوّل ، وهو اطلاق كلمة « الميسور »

١٧٦

المحلّى بلام الجنس ، مضافاً إلى أنّ إشكال خصوصيّة المورد ( أفراد الحجّ ) لا موضوع له في هذا الحديث.

وثانياً : بأنّ المجموع من الاجزاء واجبة بوجوب استقلالي ، والباقي من الأجزاء واجب بوجوب ضمني ، وليس الواجب بالوجوب الضمني ميسوراً للواجب بالوجوب الاستقلالي ، فيتعيّن أن يكون هذا الحديث مختصّاً بالميسور من الأفراد ولا يشمل الميسور من الأجزاء.

والجواب عنه : إنّ هذا نوع مغالطة ، لأنّ الميسور والمعسور ليسا من أوصاف الوجوب حتّى يتصوّر فيهما الضمنيّة والاستقلاليّة بل إنّهما من أوصاف الواجب ، ولا إشكال في أنّ تسعة الأجزاء ميسورة للعشرة عرفاً.

وثالثاً : بأنّه لا إشكال في اطلاق الحديث وشموله للمستحبّات ، فلم يستعمل النفي أو النهي الوارد فيه ( وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يسقط » ) إلاّفي الجامع بين الوجوب والاستحباب ، وحيث إنّه لا مرجّح لأحدهما على الآخر فلا يستفاد من الحديث إلاّرجحان الإتيان بما هو الميسور لا وجوبه.

والجواب عنه : أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يسقط » وإن استعمل في القدر الجامع إلاّ أنّه لا يقتضي مجرّد رجحان الإتيان بالميسور في جميع الموارد بل ظاهره أن تكون مطلوبيّة الإتيان في كلّ مورد بحسبه ففي مورد الوجوب بنحو الوجوب ، وفي مورد الاستحباب بنحو الاستحباب ، أي لا يسقط الميسور من الواجب وجوباً ولا يسقط الميسور من المستحبّ استحباباً كما مرّ آنفاً.

ورابعاً : بأنّ التمسّك بهذا الحديث لوجوب الميسور من الأجزاء يستبطن الدور المحال كما مرّ نظيره في الحديث الأوّل.

أقول : هذا الإشكال وارد على الاستدلال بهذا الحديث كما كان وارداً على سابقه ، ولا مناصّ عنه إلاّبإحراز تعدّد المطلوب في المركّبات الشرعيّة من قبل ، وحينئذٍ يكون مؤكّداً لحكم العقل ، فليس في الحديث تعبّد شرعي حينئذ كما مرّ.

وخامساً : بما ذكره في مصباح الاصول من « أنّ السقوط فرع الثبوت وعليه فالرواية مختصّة بتعذّر بعض أفراد الطبيعة باعتبار أنّ غير المتعذّر منها كان وجوبه ثابتاً قبل طروّ التعذّر ، فيصدق إنّه لا يسقط بتعذّر غيره ، بخلاف بعض أجزاء المركّب ، فإنّه كان واجباً بوجوب ضمني قد سقط بتعذّر المركّب من حيث المجموع فلو ثبت وجوبه بعد ذلك فهو

١٧٧

وجوب استقلالي وهو حادث ، فلا معنى للإخبار عن عدم سقوطه بتعذّر غيره ، وكذلك الحال في المرتبة النازلة فإنّ وجوبها لو ثبت بعد تعذّر المرتبة العالية لكان وجوباً حادثاً جديداً لا يصحّ التعبير عنه بعدم السقوط ، فإرادة معنى عام من الرواية شامل لموارد تعذّر بعض الأفراد ، وموارد تعذّر بعض الأجزاء وموارد تعذّر المرتبة العالية تحتاج إلى عناية لا يصار إليها إلاّ بالقرينة » (١).

أقول : ليس هذا إلاّدقّة عقليّة في مسألة عرفيّة لا يعتني بها أهل العرف ، حيث إنّ المرتبة النازلة تعدّ عند العرف ميسورة من المرتبة العالية ، وتكون تسعة أجزاء مثلاً تابعة وبقية لعشرة أجزاء في نظره ، لا أمراً حادثاً بعدها حتّى يكون وجوبها أيضاً وجوباً حادثاً جديداً فلا يصحّ التعبير عنه بعدم السقوط.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه أنّ الوارد من هذه الوجوه هو الوجه الرابع ، وعليه لا يتمّ الاستدلال بهذا الحديث في المقام.

أمّا الرواية الثالثة : وهى قوله عليه‌السلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » فيرد على الاستدلال بها في ما نحن فيه إثنان من الإشكالات الخمسة الواردة على الرواية السابقة :

أحدهما : إجمال كلمة « كلّ » ودورانه بين المجموع بحسب الأفراد والمجموع بحسب الأجزاء.

والجواب عنه هو الجواب ، وهو اطلاق ما الموصولة الواردة في الحديث ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة « كلّه » في الأجزاء أشدّ من ظهوره في الأفراد كما لا يخفى.

الثاني : إجمال قوله عليه‌السلام : « لا يترك » ودورانه بين إرادة الوجوب بالخصوص وإردة الأعمّ من الوجوب والندب ، فلا يمكن الاستدلال بها لأنّه بناءً على الاحتمال الثاني لا يستفاد منها وجوب الإتيان بالباقي.

والجواب عنه أيضاً هو الجواب ، وهو أنّ ظاهر الحديث كون حكم ما لا يترك في كلّ من

__________________

(١) مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ٤٨٥ ، طبع مكتبة الداوري.

١٧٨

الواجب والمستحبّ حكم أصله.

نعم ، يرد عليها ما أُورد على الروايتين السابقتين ، وهو لزوم إحراز تعدّد المطلوب من قبل ، ومعه تكون الرواية مؤكّدة لحكم العقل ، وليس فيها تعبّد شرعي.

وإن شئت قلت : أنّ قاعدة الميسور قاعدة عقلائيّة يعمل به العقلاء في ما إذا علم تعدّد المطلوب ( أي مطلوبيّة الباقي مضافاً إلى مطلوبية المجموع ) من قبل فتكون جميع الروايات ناظرة إليها ، وليس فيها تعبّد شرعي.

هذا كلّه في مدلول أحاديث الباب.

وأمّا بناء العقلاء فقد مرّ بيانه في تفسير الأحاديث ، وحاصله أنّه إذا كان هناك مطلوب له درجات مختلفة يستقلّ بعضها عن بعض ، أو كان هناك مطلوبات مختلفة تترتّب مجموعها على مجموع أجزاء المركّب وبعضها على بعض ، فلا يشكّ أحد في وجوب الأجزاء التي يترتّب عليها بعض مراتب المطلوب أو بعض المطلوبات المختلفة ، ولا يزال العقلاء من أهل العرف يعبّرون في هذه الموارد بتعبيرات قريبة ممّا ورد في روايات القاعدة ، حتّى صار عملهم في بعضها من قبيل ضرب المثل بينهم ، ممّا لا يخفى على المتتبّع.

بقي هنا امور :

الأمر الأوّل : قال في مصباح الاصول : « لم يعلم من الأصحاب العمل بقاعدة الميسور إلاّ في الصّلاة ، وفيها دليل خاصّ دلّ على عدم جواز تركها بحال فلم يعلم استنادهم إلى الرواية المذكورة » (١).

ولكنّه ليس بتامّ لتعرّضهم لها في سائر الأبواب أيضاً ، فقد تعرّض لها صاحب الجواهر في باب الوضوء في أحكام الجبيرة ( كما وردت أيضاً في الحديث الوارد في باب الجبيرة ، وهو ما

__________________

(١) مصباح الاصول : ح ٢ ، ص ٤٧٨ ، طبع مكتبة الداوري.

١٧٩

رواه عبدالأعلى مولى آل سام قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : « يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّوجلّ ، قال الله تعالى : ما جعل عليكم في الدين من حرج ، امسح عليه » (١) ، فإنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج وجوب المسح على البشرة وأمّا وجوب المسح على المرارة فليس إلاّبقاعدة الميسور كما لا يخفى ) ولم يستشكل فيها بعدم عمل الأصحاب لها في غير باب الصّلاة ، بل إستشكل فيها بأمر آخر يأتي ذكره في الأمر الثاني ، والمتتبّع في كلامه وكلام غيره يجد موارد كثيرة في غير أبواب الصّلاة استندوا فيها إلى هذه القاعدة ، وإليك شطر منها :

١ ـ في الجواهر في أحكام الجبائر في ذيل كلام المحقّق ( من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر فإن أمكنه نزعها أو تكرار الماء عليها حتّى يصل البشرة وجب ) : « ... نعم يمكن أن يقال : يجتزي به ( أي بتكرار الماء إذا حصل منه إصابة من غير تحقّق للجريان الذي بدونه لا يتحقّق الغسل ) ويقدّم على المسح على الجبيرة عند تعذّر النزع والغسل ، لكونه أقرب إلى المأمور به ، أو لأنّ مباشرة الماء للجسد واجبة للأمر بالصبّ ونحوه ، والغسل واجب آخر ، وتعذّر الثاني لا يسقط الأوّل ، إذ لا يترك الميسور بالمعسور ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٢).

٢ ـ وفيه في أحكام الجبائر أيضاً عند نقل كلمات الاستاذ الأكبر في شرح المفاتيح : « ثمّ أيّده بقوله عليه‌السلام : لا يسقط الميسور بالمعسور » (٣).

٣ ـ وفيه أيضاً في باب غسل الميّت في ذيل كلام المحقّق رحمه‌الله ( إذا وجد بعض الميّت فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غسل وكفن وصلّى عليه ودفن ) : « فيدلّ على تلك الأحكام الاستصحاب ... وقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٤).

٤ ـ وفيه في باب غسل الميّت أيضاً : « وهل يلحق بالصدر بعضه كما هو قضيّة بعض الأدلّة السابقة من الاستصحاب وعدم سقوط الميسور بالمعسور ... » (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٣٩ ، من أبواب الوضوء ، ح ٥.

(٢) الجواهر : ج ٢ ، ص ٢٩٣.

(٣) المصدر السابق : ج ٢ ص ٢٩٧.

(٤) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ١٠١.

(٥) المصدر السابق : ج ٤ ، ص ١٠٤.

١٨٠