أنوار الأصول - ج ٣

أنوار الأصول - ج ٣

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-15-6
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٢٤

تنبيهات

التنبيه الأوّل : الاضطرار إلى بعض الأطراف

هل الاضطرار إلى أحد الأطراف يوجب انحلال العلم الإجمالي ، أو لا؟

وللمسألة أربع صور :

الصورة الاولى : حصول الاضطرار إلى واحد معيّن ، كما إذا علم بوقوع النجاسة في واحد من إنائين أحدهما عذب فرات ، والثاني ملح اجاج واضطرّ إلى شرب الأوّل.

الصورة الثانية : حصول الاضطرار إلى واحد غير معيّن كما إذا كانا معاً من العذب الفرات.

وفي كلّ منهما إمّا يحصل الاضطرار بعد حصول العلم الإجمالي أو يحصل قبله ( أو معه ) ، فتكون الصور أربعة.

والأقوال في المسألة أربعة أيضاً.

الأوّل : إنّ الاضطرار موجب لانحلال العلم الإجمالي مطلقاً ، وهو مختار المحقّق الخراساني رحمه‌الله.

الثاني : التفصيل بين ما إذا حصل الاضطرار إلى واحد معيّن بعد طروء العلم الإجمالي ، وبين ثلاث صور اخرى بوجوب الاحتياط في الأوّل دون الثاني ، وقد استفيد هذا من بعض كلمات المحقّق الخراساني رحمه‌الله في محضر درسه.

الثالث : التفصيل بين ما إذا حصل الاضطرار إلى واحد معيّن قبل العلم الإجمالي وبين ثلاث صور اخرى بوجوب الاحتياط في الثاني دون الأوّل ، وهو مختار شيخنا الأعظم رحمه‌الله.

الرابع : التفصيل بين صورتي حصول الإضطرار بعد العلم الإجمالي وبين صورتي حصوله قبله ( أو معه ) بوجوب الاحتياط في الثاني دون الأوّل.

واستدلّ على القول الأوّل بما حاصله : إنّ الاضطرار إلى بعض الأطراف مانع عن فعلية الحكم المعلوم بالإجمال مطلقاً ، لأنّ الاضطرار من قيود التكليف شرعاً فطروّه يوجب سقوط العلم الإجمالي عن الحجّية والأثر لأنّ حجّيته فرع تعلّقه بتكليف فعلي.

إن قلت : هذا صحيح في ما إذا كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي لا ما إذا كان بعده لأنّ التكليف بوجوب الإجتناب قد تنجّز بالعلم الإجمالي قبل طروء الاضطرار ، وبعده انتهى أمد

١٢١

تنجّز احتمال التكليف بالنسبة إلى المضطرّ إليه فقط بعروض الاضطرار وأمّا بالنسبة إلى الباقي فأصالة الاشتغال محكمة ، وإلاّ يلزم إمكان اسقاط العلم الإجمالي من جميع الموارد بإعدام أحد الأطراف وإتلافه ، وهو ممّا لا يلتزم به أحد.

قلنا : إنّ الشكّ إن كان في مرحلة الفراغ وسقوط ما في الذمّة كان المرجع فيه قاعدة الاشتغال وإن كان في مرحلة ثبوت التكليف واشتغال الذمّة به كان المرجع فيه أصالة البراءة ، وبما أنّ الحكم الواقعي مقيّد بعدم طروّء الاضطرار فمع طروّه لا علم بالتكليف حتّى يكون الشكّ في مرحلة الإمتثال والفراغ ، وهذا بخلاف باب التلف فإنّ التكليف فيه مطلق غاية الأمر يرتفع بارتفاع موضوعه ، فإذا كان التالف هو موضوع التكليف المعلوم بالإجمال فقهراً يرتفع الحكم وينعدم لا أنّه محدود من هذه الناحية.

وأورد عليه بوجهتين :

الأوّل : إنّ هذا الفرق بين باب الاضطرار وباب التلف ليس بفارق لأنّه لا فرق في نظر العقل في تنجيز العلم لمتعلّقه المعلوم بالإجمال بين أن يكون تكليفاً مطلقاً على كلّ تقدير أو كان مطلقاً على تقدير إنطباقه على هذا الطرف مثلاً وبين أن يكون وتكليفاً محدوداً على تقدير إنطباقه على الطرف الآخر كما لو علم إجمالاً بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة مثلاً ، فوجوب صلاة الظهر مطلق يجب أن يأتي بها طول العمر أمّا أداءً أو قضاءً ، ووجوب صلاة الجمعة محدود إلى ساعة بعد الزوال فلا يصحّ بعد مضي ساعة من الظهر إجراء البراءة عن صلاة الظهر كما هو واضح.

وبعبارة اخرى : إنّ غاية ما يلزم في صورة طروء الاضطرار بعد العلم الإجمالي أن يصير المورد من قبيل التكليف المردّد بين فرد طويل العمر وفرد قصير العمر كما في المثال.

الثاني : أنّه كما أنّ عدم طروء الاضطرار قيد للحكم والحكم مشروط به ، كذلك وجود الموضوع يكون قيداً للحكم ، أي الحكم مشروط بوجود الموضوع ، فلا فرق بين تقيد الحكم بالاضطرار أو تقييده بوجود موضوعه.

أقول : الصحيح هو الوجه الرابع ، وهو التفصيل بين صورتي طروء الاضطرار بعد العلم الإجمالي وبين صورتي حصوله قبله ، والدليل عليه أنّ العلم الإجمالي إذا تعلّق بحكم ، فعلي على كلّ حال يكون مؤثّراً بلا شبهة ، ففي ما إذا حصل الاضطرار قبل العلم الإجمالي فحيث إنّا

١٢٢

نحتمل تعلّقه بالجنس الواقعي في مثال الإنائين المعلومة نجاسة أحدهما فلا إشكال في أنّ شكّنا في نجاسة غير المضطرّ إليه بدوي يكون المرجع فيه أصالة البراءة سواء كان الاضطرار إلى أحدهما المعيّن أو إلى أحدهما غير المعيّن.

إن قلت : « إنّ الإضطرار إلى أحدهما غير المعيّن يجتمع مع التكليف الواقعي ولا مزاحمة بينهما لإمكان رفع الاضطرار بغير متعلّق التكلّف مع قطع النظر عن العلم والجهل الطارىء ، بل لولا الجهل بشخص متعلّق التكليف لكان يتعيّن رفع الإضطرار بغيره فالإضطرار إلى غير المعيّن قبل العلم بالتكليف كلاًّ اضطراراً ، لا يوجب التصرّف في الواقع ولا يصادم متعلّق التكليف ولا تقع المزاحمة بينهما » (١).

قلنا : إنّ رفع الاضطرار بالإناء الطاهر واقعاً يتوقّف على العلم بالنجس الواقعي بعينه وإمكان الجمع بين « إجتنب عن النجس » و « رفع ما اضطرّوا إليه » ، وهذا خارج عن محلّ البحث لأنّ محلّ البحث هو ما إذا كان الواقع مجهولاً واحتمل إنطباق ما يختاره على النجس الواقعي ، وحينئذٍ لا علم لنا بما يكون فعليّاً على كلّ تقدير ، بل المعلوم هو ما يكون فعلياً على تقدير ( وهو عدم تعلّق الاختيار بالنجس الواقعي ) وغير فعلي على تقدير آخر ( وهو تعلّق الاختيار بما هو طاهر واقعاً ) وتكون النتيجة حينئذٍ عدم العلم بحكم فعلي على كلّ تقدير ، فيصير المورد مجرى أصالة البراءة والحلّية.

هذا كلّه إذا طرأ الاضطرار قبل العلم الإجمالي ، وأمّا إذا حصل بعده فيجب الاحتياط مطلقاً أيضاً بالنسبة إلى غير المضطرّ إليه لتساقط الاصول المرخّصة الجارية في الأطراف قبل حصول الاضطرار بالتعارض أو عدم جريانها للتناقض في مدلولها ، فلا مجال لجريانها بعد حصوله لما ثبت في محلّه من عدم عموم أزماني لها فليس المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » مثلاً هو الرفع في كلّ ساعة وكلّ يوم ، وإلاّ يلزم جواز إعدام أحد أطراف العلم الإجمالي في الغنم الموطوءة مثلاً وإجراء الاصول المؤمنة في سائر الأطراف بلا معارض ، وكذلك كان الجائز أن يقول الإمام عليه‌السلام في حديث الإهراق « يهرق أحدهما ويتوضأ من الآخر » بدل « يهريقهما » ونهايةً يلزم جواز اسقاط كلّ علم إجمالي عن الأثر وهو كما ترى ، فإذا

__________________

(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٩٨ ـ ٩٩ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٢٣

ثبت عدم جريان أصل مرخّص في غير المضطرّ إليه أي عدم مؤمن من العذاب كان الاحتياط واجباً عقلاً وإن كان العلم الإجمالي مرفوعاً بعد مجيء الاضطرار.

وبما ذكرنا يظهر الضعف في القول الثاني والثالث فلا نحتاج إلى مزيد بحث.

التنبيه الثاني : خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء

المعروف بين المتأخّرين والمعاصرين أنّ العلم الإجمالي إنّما يؤثّر فيما إذا كانت جميع الأطراف محلاً للابتلاء وإلاّ ، فلا أثر له كما إذا علم المكلّف بإصابة قطرة دم أمّا بثوبه أو بثوب بعض المارّة الذي لا صلة بينه وبين المكلّف أبداً ولا يبتلى بثوبه عادة.

وهنا بحث صغروي وبحث كبروي :

أمّا الكبروي : فهو إنّ خروج طرف عن محلّ الابتلاء هل يوجب عدم وجوب الاجتناب عن سائر الأطراف أو لا؟

وأمّا البحث الصغروي : فهو في معيار الخروج عن محلّ الابتلاء وبيان الوظيفة عند الشكّ في الخروج وعدمه.

وحاصل كلمات الأعلام في الكبرى مع اختلافها وتلوّنها أنّ التكليف إنّما يجب امتثاله فيما إذا تحقّق شرائط أربعة :

١ ـ العلم بحدوث تكليف جديد فيعتبر في تأثير العلم الإجمالي في التنجّز أن لا يكون أحد أطرافه على فرض إنطباق المعلوم بالإجمال عليه ممّا لا يترتّب عليه أثر شرعي ولا يحدث بسببه تكليف إلهي ، كما إذا علم إجمالاً بوقوع قطرة من البول في أحد إنائين أحدهما بول أو متنجّس بالبول أو كثير لا ينفعل بالنجاسة أو أحد ثوبين أحدهما نجس بتمامه ، لعدم العلم حينئذٍ بحدوث تكليف جديد بالاجتناب عن ملاقي هذه القطرة ، إذ لو كان ملاقيها هو الإناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب أصلاً ، فالشكّ في التكليف بالاجتناب عن الآخر شكّ بدوي.

٢ ـ كون التكليف فعليّاً من جميع الجهات.

٣ ـ كون المكلّف به ممّا يكون العبد قادراً بإتيانه أو غير عاجز عن الإتيان به ، فلا يكون

١٢٤

من قبيل الطيران في الهواء.

٤ ـ احتمال إنقداح الإراة في العبد ، فلو كان متعلّق التكليف ممّا لا يريده العبد أبداً ويكون متروكاً له بحيث لا ينقدح في نفسه داعٍ إليه كان النهي عنه مستهجناً عرفاً وتحصيلاً للحاصل.

وفي ما نحن فيه وإن كانت الشرائط الثلاثة الاولى حاصلة إلاّ أنّ الشرط الأخير غير موجود لأنّه بعد فرض خروج أحد الأطراف عن ابتلاء المكلّف لا ينقدح في نفسه داعٍ إليه فلا حاجة إلى نهيه وزجره ولا يكون التكليف بالنسبة إليه فعليّاً فيكون الشكّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بدويّاً.

وإن شئت قلت : يجري الأصل المؤمن في الطرف المبتلى به من دون معارض نظير الشبهات البدوية بعينها ، ولا يخفى الفرق بين ما إذا خرج المورد عن الابتلاء قبل حصول العلم الإجمالي وما إذا خرج بعده ، حيث إنّه في القسم الثاني قد جرى الأصل في كلّ من الطرفين قبل حصول العلم الإجمالي وتساقط الأصلان أو لم تجر الاصول فيها للتناقض في مدلولها ( على اختلاف القولين في المسألة ) ولا معنى لجريانه ثانياً بعد الخروج عن الابتلاء فيجب حينئذٍ الإجتناب عن الطرف المبتلى به.

ثمّ إنّه قد يتمسّك لعدم وجوب الاحتياط في المقام برواية علي بن جعفر الواردة في دم الرعاف وسيأتي عدم تماميتها.

وينبغي هنا ذكر ما ورد في تهذيب الاصول من مخالفته لجميع المتأخّرين في هذه المسألة والقول بعدم تأثير الخروج عن محلّ الابتلاء في عدم تنجّز العلم الإجمالي ، وإن سبق ذكره في بعض الأبحاث السابقة بمناسبة اخرى.

وحاصل بيانه : إنّ الخطابات على قسمين : خطاب قانوني عام ، وخطاب شخصي خاص ، وقد وقع الخلط بين الخطابات الكلّية المتوجّهة إلى عامّة المكلّفين والخطابات الشخصيّة إلى آحادهم فإنّ الخطاب الشخصي إلى خصوص العاجز وغير المتمكّن وغير المبتلى مثلاً مستهجن ولكن الخطاب الكلّي إلى المكلّفين المختلفين حسب الحالات والعوارض ممّا لا استهجان فيه لكفاية ، انبعاث عدد معتدّ به من المكلّفين فيه.

إن قلت : أليست الخطابات منحلّة ومتعدّدة بتعدّد الشخاص؟

قلنا : ليس هنا الإرادة واحدة تشريعيّة متعلّقة بخطاب واحد وليس الموضوع إلاّ أحد

١٢٥

العناوين العامّة من دون أن يقيّد بقيد أصلاً ، فلو اريد من الانحلال رجوع كلّ خطاب عام إلى خطابات بعدد المكلّفين حتّى يكون كلّ مكلّف مخصوصاً بخطاب خاصّ به وتكليف مستقلّ متوجّه إليه فهو ضروري البطلان فإنّ قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) خطاب واحد لعموم المؤمنين ، أي الخطاب واحد والمخاطب كثير ، كما أنّ الإخبار « بأنّ كلّ نار حارة » إخبار واحد والمخبر عنه كثير ، فلو قال أحد : « كلّ نار بارد » فلم يكذب إلاّكذبة واحدة لا أكاذيب متعدّدة حسب أفراد النار ، فلو قال : « ولا تقربوا الزنا » فهو خطاب واحد متوجّه إلى كلّ مكلّف ، ويكون الزنا تمام الموضوع للحرمة ، والمكلّف تمام الموضوع لتوجّه الخطاب إليه ، وهذا الخطاب الوحداني يكون حجّة على كلّ مكلّف من غير إنشاء تكاليف مستقلّة أو توجّه خطابات عديدة ، لست أقول : إنّ المنشأ تكليف واحد لمجموع المكلّفين فإنّه ضروري الفساد ، بل أقول : إنّ الخطاب واحد والإنشاء واحد والمنشأ هو حرمة الزنا على كلّ مكلّف من غير توجّه خطاب خاصّ أو تكليف خاصّ مستقلّ إلى كلّ واحد ، ولا إشكال في عدم استهجان الخطاب العمومي.

ثمّ رتّب على القول بالانحلال توالي فاسدة :

منها : عدم صحّة خطاب العصاة من المژسلمين لأنّ خطاب من لا ينبعث به قبيح أو غير ممكن.

ومنها : عدم صحّة تكليف الكفّار بالاصول والفروع بنفس الملاك.

ومنها : قبح تكليف صاحب المروّة بستر العورة مثلاً فإنّ الدواعي مصروفة عن كشف العورة فلا يصحّ الخطاب.

ومنها : أنّه يلزم على الانحلال وكون الخطاب شخصياً عدم وجوب الاحتياط عند الشكّ في القدرة لكونه شكّاً في تحقّق ما هو جزء للموضوع ، وهو خلاف السيرة الموجودة بين الفقهاء من لزوم الاحتياط عند الشّك في القدرة.

ومنها : لزوم الالتزام بأنّ الخطابات والأحكام الوضعيّة مختصّة بما هو محلّ الابتلاء لأنّ جعل الحكم الوضعي إن كان تبعاً للتكليف فواضح ، ومع عدم التبعية والاستقلال بالجعل فالجعل إنّما هو بلحاظ الآثار ، ومع الخروج عن محلّ الابتلاء لا يترتّب عليها آثار فلابدّ من الالتزام بأنّ النجاسة والحلّية وغيرهما من الوضعيّات من الامور النسبيّة بلحاظ المكلّفين ،

١٢٦

فيكون الخمر والبول نجسان بالنسبة إلى من كان مبتلى بهما دون غيرهما ، ولا أظن التزامهم بذلك للزوم الإختلال في الفقه والدليل العقلي غير قابل للتخصيص فيكشف ذلك عن بطلان المبنى (١) ( انتهى ).

أقول : يرد عليه :

أوّلاً : إنّه إن اريد من قوله إنّ المخاطب هو عنوان « يا أيّها الذين آمنوا » أو عنوان « يا أيّها الناس » العنوان الذهني بما هو موجود في الذهن فهو واضح البطلان ، وإن اريد منه العنوان الذهنبي بما هو مشير إلى أفراده الخارجيّة فليس المخاطب هو العنوان بما هو عنوان بل المخاطب حقيقه هو الأفراد الخارجيّة من زيد وعمرو وبكر وغيرهم.

وهذا عين القول بالانحلال لتعدّد التكاليف بتعدّد المكلّفين ، أي الإنشاء واحد والتكليف المنشأ متعدّد ، ولا مانع من إنشاء امور عديدة بلفظ واحد كما إذا قال : « أنكحت هذه المرأة لهذا الرجل وتلك المرأة لذلك الرجل » أو قال : « بعت هذا بهذا وذاك بذاك » فإنّ النكاح أو البيع متعدّد وإن كان الإنشاء واحداً ، ولذلك يقال في باب البيع ، إنّ البيع صحيح في ما يملك وباطل في ما لا يملك ، وليس هذا إلاّلأجل الإنحلال ، وإنّ الإنشاء الواحد فيه يكون في قوّة إنشاءات متعدّدة.

وثانياً : لازم كلامه عدم وجود فرق بين العام المجموعي والعام الإفرادي مع أنّه لا إشكال في أنّ التكليف في الأوّل واحد وفي الثاني متعدّد بتعدّد أفراد العام ، ولذلك يكون العصيان في المجموعي واحداً يتحقّق بعدم إتيان فرد واحد ، وأمّا في الإفرادي فتتعدّد الإطاعة أو العصيان بتعداد الأفراد ، وليس هذا إلاّلأجل الانحلال في الإفرادي دون المجموعي ، وكأنّه وقع الخلط في المقام بين الإنشاء والمنشأ ، بينما الواحد هو الإنشاء ولا تلازم وحدة الإنشاء وحدة المنشأ.

وثالثاً : في ما ذكره من التوالي الفاسدة :

فبالنسبة إلى عدم تعدّد الكذب في قوله « كلّ نار بارد » نقول : إنّ الصدق والكذب من مقولة اللفظ لا المعنى ، أي إنّهما يعرضان للإخبار لا المخبر به ، وحيث إنّ الإخبار واحد فليكن الكذب أيضاً واحداً.

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨ ٣٣ ـ ٣٤١.

١٢٧

وبالنسبة إلى العصاة والكفّار نقول : إنّ التكليف تارةً يكون بداعي البعث ، واخرى بداعي إتمام الحجّة كما يدلّ عليه مثل قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) (١) ، وتكليف العصاة والكفّار من قبيل الثاني لا الأوّل.

وأمّا النقض بوجوب الاحتياط في الشكّ في القدرة ، فيردّ بأنّ وجوب الاحتياط في هذه الموارد ليس من باب فعلية التكليف الكلّي غير المنحلّ وعدم انحلاله بعدد المكلّفين ، بل من باب وجود خصوصيّة في المقام ، حيث إنّ القدرة على الامتثال وإن كان حالها حال سائر القيود المأخوذة في فعلية التكاليف ولكن مع ذلك لا تجري البراءة في موارد الشكّ فيها لوجود قاعدة عقلائيّة هنا لأنّ بناء العقلاء في دائرة الموالي والعبيد العرفيّة على لزوم الفحص عن وجود القدرة ولزوم التصدّي للامتثال وعدم صحّة الإعتذار بمجرّد احتمال عدم القدرة ، وهذا الأمر الإرتكازي العقلائي بعد عدم الردع عنه من قبل الشارع بمنزلة قرينة متّصلة تمنع عن انعقاد الاطلاق في أدلّة البراءة لموارد الشكّ في التكليف الناشيء من الشكّ في القدرة ، بل يمكن أن يقال : إنّه وارد عليها لانتفاء موضوع البراءة بعد ورود هذا البيان.

وعلى سبيل الفرض إذا قال المولى لعبده وخاطبه بخطاب شخصي بقوله : « اشتر الخبز من السوق » فشكّ العبد في وجود الخبز في السوق لكون اليوم يوم العطلة فلم يتفحّص عنه واعتذر عند المولى بهذا الشكّ ، أترى العقلاء يقبلون هذا العذر من هذا العبد ، أو يوجبون عليه الفحص بالمقدار المتعارف؟

وأمّا نقضه بالأحكام الوضعيّة فيمكن الجواب عنه بأنّ الأحكام الوضعيّة تنحلّ بعدد موضوعاتها لا بعدد المكلّفين ، فينحلّ حكم الشارع بطهارة الماء مثلاً في قوله عليه‌السلام : « الماء كلّه طاهر » بعدد المياه الموجودة في سطح الأرض ، ولا يخفى أنّه يكفي في عدم لزوم اللغويّة ابتلاء بعض المكلّفين بكلّ واحد منها ، نعم لو فرض وجود بعض المياه في بعض الكرات من المنظومة الشمسيّة بحيث لا يبتلى بها أيّ مكلّف فعدم شمول الحكم الوضعي لها غير بعيد فلا تشملها أدلّة الطهارة ولا النجاسة.

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ١٦.

١٢٨

نعم هذا بناءً على كون الأحكام الوضعيّة مجعولة بالأصالة كما هو المختار في محلّه ، وأمّا لو قلنا بأنّها امور انتزاعيّة من الأحكام التكليفيّة وتكون مجعولة بتبع جعلها فيكون النقض وارداً لأنّه من المستغرب جدّاً أن يكون الخمر مثلاً نجساً بالنسبة إلى مكلّف وغير نجس بالنسبة إلى مكلّف آخر ، بل لا معنى له مع فعليّة الحكم التكليفي بالنسبة إلى جميع المكلّفين وانحلاله بعددهم.

بقي هنا أمران :

الأمر الأوّل : إنّ شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه‌الله استدلّ في المقام برواية دم الرعاف المعروفة وهى ما رواه علي بن جعفر عليه‌السلام عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه ، هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال : إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه ».

وحيث إنّ مقتضى ظاهر هذه الرواية عدم تنجّس الماء بالدم القليل والمشهور بين الفقهاء عدم الفرق بين القليل والكثير وقعوا في مقام توجيه هذه الرواية في حيص وبيص ( بعد أن التزم شيخ الطائفة رحمه‌الله بظاهرها فقال بعدم تنجيس ما لا يدركه الطرف لاستهلاكه في الماء ) وذكروا لها وجوهاً :

منها : المناقشة في سندها لوجود بعض المجاهيل فيه.

واجيب عنه بالمنع في طريق الكافي ، ويمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ صاحب الوسائل رواها عن كتاب علي بن جعفر ، والظاهر أنّ كتابه كان عنده.

ومنها : أنّ التفرقة بين الاستبانة وعدم الإستبانة فيها إشارة إلى صورة العلم وصورة الشكّ فلم تأت هذه الرواية بشيء جديد.

وفيه : إنّه خلاف ظاهرها وخلاف التعبير بـ « أصاب إناءه » حيث إنّ صريحه أنّ أصل الإصابة معلوم في كلتا الصورتين.

ومنها : إنّ المراد في صورة عدم الاستبانة هو الأجزاء الصغيرة من الدم التي لا ترى بغير المنظار كالأجزاء البولية الصغار الموجودة في البخار الحاصل منه.

١٢٩

ولكنّه أيضاً خلاف الظاهر من الرواية وخلاف التعبير بـ « أصاب إناءه ».

ومنها : ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري رحمه‌الله نفسه وهو أنّ إصابة الإناء في هذه الرواية لا يستلزم إصابة الماء فالمراد أنّه مع عدم تبيّن شيء في الماء يحكم بطهارته ، ومعلوم إن ظهر الإناء وباطنه الحاوي للماء من الشبهة المحصورة ».

وأورد عليه في التهذيب بقوله : « وهو بمكان من الغرابة إذ كيف يكون ظهر الإناء الذي بين يدي المكلّف خارجاً عن الابتلاء ».

أقول : لا غرابة لتوجيه الشيخ رحمه‌الله لأنّه لابدّ في كون شيء ممّا يبتلى به المكلّف دخوله أمّا في مأكوله أو في ملبوسه أو في أحد تقلّباته الاخرى الواجبة عليه كالتوضّي والاغتسال والتطهير ونحوها ، ومن الواضح أنّ خارج الإناء ليس داخلاً في واحد من هذه الامور ، نعم قد يبتلى الإنسان بملاقيه ، ولكن سيأتي أنّ ملاقي الشبهة المحصورة في أطراف العلم الإجمالي ليس من الأطراف ، ومقصود الشيخ رحمه‌الله من خروج خارج الإناء عن محلّ الابتلاء إنّما هو خروج الإناء بنفسه لا بملاقيه.

لكن يرد عليه : إنّ هذا الوجه أيضاً خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام : « أصاب إناءه » حيث إنّ إصابة الإناء في لسان الروايات كناية عن إصابة ماء الإناء كما أنّ إهراق الإناء في قوله « يهريقهما » في حديث آخر كناية عن إهراق الماء بلا ريب ، والشاهد على ذلك التعبير بقوله : « إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء » ـ فكأنّ أصل الإصابة بالماء أمر مفروغ عنه والكلام في الإستبانة وعدمها.

فالإنصاف دوران الأمر بين شيئين : إمّا الالتزام بظاهر الرواية والقول بعدم تنجيس النجاسة القليلة كما فعله شيخ الطائفة رحمه‌الله أو الإكتفاء في رفع اليد عنها بإعراض الأصحاب حيث إنّ عدم وجود فرق بين الأجزاء الصغار وغير الصغار مشهور بشهرة عظيمة تشبه الإجماع ، ولولاها لأمكن الفتوى بمثل فتوى شيخ الطائفة رحمه‌الله.

الأمر الثاني : في الشكّ في الخروج عن محلّ الابتلاء وعدمه.

ولابدّ قبل البحث عنه من تعيين ما هو المعيار في كون الشيء محلاً للابتلاء فإنّه يختلف باختلاف الأدلّة وقد عرفت أنّ المختار هو أن يكون الخطاب الفعلي مستهجناً وتحصيلاً للحاصل ، ثمّ نقول : قد وقع الخلاف بين الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني رحمه‌الله في الأصل العملي

١٣٠

الجاري عند الشكّ في الخروج عن محلّ الإبتلاء فاختار الشيخ أصالة الاحتياط وذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى البراءة.

واستدلّ الشيخ رحمه‌الله بأنّ الخطاب بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة غير معلّقة ، والمعلوم تقييدها بالابتلاء في موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها ، وما إذا شكّ في قبح التنجيز فيرجع فيه إلى الإطلاقات لأنّ مرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقيّد بقيد مشكوك التحقّق في بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه هل يجوز التمسّك به أو لا؟ والأقوى الجواز.

وذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى أنّ المرجع في صورة الشكّ في الابتلاء إنّما هو البراءة ( لا اطلاق الخطاب ) لعدم إحراز أصل الاشتغال في هذه الموارد ، توضيح ما أفاده في توجيه ذلك : إنّ التمسّك بالاطلاق منوط بإحراز صحّة اطلاق الخطاب ثبوتاً في مشكوك القيدية وكون الشكّ متمحّضاً في مطابقة الاطلاق للواقع ، وأمّا إذا كان القيد ممّا لا يصحّ الخطاب بدونه كالقدرة العقليّة أو العاديّة التي منها الابتلاء ، فلا معنى للتمسّك بالاطلاق في مرحلة الإثبات لعدم إمكان الاطلاق في مقام الثبوت بعد دخل القدرة في التكليف حتّى يستكشف بالاطلاق في مقام الإثبات.

وقد اختار المحقّق النائيني رحمه‌الله مذهب الشيخ رحمه‌الله ببيان آخر وذهب في تهذيب الاصول إلى المختار المحقّق الخراساني رحمه‌الله ولكن الحقّ مع الشيخ الأعظم رحمه‌الله لأنّ كثيراً من موارد الشكّ في الابتلاء ترجع إلى الشكّ في القدرة ( كما اشير إليه في بيان المحقّق الخراساني رحمه‌الله ) وقد مرّ سابقاً أنّ بناء العقلاء في موارد الشكّ في القدرة على الاحتياط.

هذا مضافاً إلى أنّه يمكن لنا كشف فعليّة الخطاب وشموله لمورد الشكّ في الابتلاء من نفس الاطلاق الظاهري للخطاب بضميمة حكمة المولى الحكيم فإنّ توجيه الخطاب إلى شخص ( إمّا بخصوصه أو بعموم أو اطلاق لفظي ) دليل على عدم كونه تحصيلاً للحاصل لما علم من كون المتكلّم حكيماً ، وليس هذا من التمسّك بعموم العام في الشبهات المصداقيّة للمخصّص الممنوع في محلّه.

واستدلّ المحقّق النائيني رحمه‌الله بأنّ القدر المسلّم من التقييد ما هو إذا كان الخمر خارجاً عن محلّ الابتلاء بحيث يلزم استهجان الخطاب في نظر العرف ، فإذا شكّ في استهجانه وعدمه للشكّ في إمكان الابتلاء بموضوعه أو عدمه فالمرجع هو اطلاق الدليل ، لأنّ المخصّص المجمل

١٣١

بين الأقل والأكثر مفهوماً لا يمنع عن التمسّك بالعام فيما عدا القدر المتيقّن من التخصيص ، وهو الأقلّ خصوصاً في المقيّدات اللبّية ، فإنّه يجوز التمسّك بالعام فيها في الشبهات المصداقيّة فضلاً عن الشبهات المفهوميّة (١).

وأورد عليه في التهذيب : بأنّ المخصّص اللبّي يسري إجماله إلى العام لأنّه بحكم المتّصل اللفظي يمنع عن انعقاد الظهور (٢).

أقول : إنّ إجمال المخصّص يسري إلى العام إذا كانت الشبهة مفهوميّة ولكنّها في المقام مصداقيّة ، ولذلك ذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى عدم جواز التمسّك بالعام أو المطلق في المقام لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة للمخصّص. ولكنّا أثبتنا الجواز من طريق آخر وهو كشف الاطلاق من ظاهر كلام المولى بضميمة حكمته كما مرّ.

التنبيه الثالث : عدم الفرق بين الدفعيّات والتدريجيّات في تنجّز العلم الإجمالي

ذكر بعض الأعاظم كالمحقّق العراقي رحمه‌الله لما إذا كانت أطراف العلم الإجمالي تدريجي الوجود صوراً ثلاثة :

الاولى : ما يكون الزمان فيه مأخوذاً على نحو الظرفية المحضة بلا دخل له لا في التكليف ولا في موضوعه كما إذا علم التاجر بابتلائه في يومه أو شهره بالمعاملة الربويّة.

الثانية : ما يكون الزمان فيه مأخوذاً على نحو القيدية للمكلّف به ، أي كان الزمان قيداً للواجب ، كما إذا نذر أن يترك أكل غذاء مكروه خاصّ في ليلة خاصّة واشتبهت بين ليلتين أو أزيد.

الثالثة : ما يكون الزمان فيه مأخوذاً على نحو القيديّة في نفس التكليف أي كان الزمان قيداً للوجوب ، كما إذا علمت المرأة المضطربة بأنّها تحيض في الشهر ثلاثة أيّام فإنّ لأيّام الحيض دخلاً في ملاك الحكم وفي أصل التكليف بترك الوطىء والعبادة ودخول المساجد وقراءة العزائم.

__________________

(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٥٧ ـ ٥٨ ، طبع جماعة المدرّسين.

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٢٨٦ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٣٢

أمّا الصورة الاولى : فقد قيل بوجوب الاحتياط بالاجتناب عن كلّ معاملة يحتمل كونها ربوية في تمام اليوم أو الشهر.

إن قلت : إنّ الحكم فرع وجود موضوعه ومع عدم تحقّق الموضوع لوجوب الاحتياط وهو العلم الإجمالي بوجود حرام فعلي في الحال ، لا علم للمكلّف بتوجّه النهي إليه في الحال أيضاً فلا تنجّز له ، لما مرّ من أنّ المنجّز إنّما هو العلم إجمالاً بوجود تكليف فعلي.

وقد اجيب عن هذا ، بأنّ التكليف فعلي من باب أنّه من قبيل الواجب المعلّق الذي يكون الوجوب فيه فعليّاً والواجب استقبالي (١).

أقول : قد مرّ في البحث عن الواجب المطلق والمشروط عدم معقولية الواجب المعلّق وإنّه نحو تناقض وتلاعب بالألفاظ ، نعم يمكن أن يقال : بأنّ العقل يحكم في هذه الموارد بوجوب الاجتناب وجوباً تهيّؤيّاً من باب المقدّمة ، كما يصحّ أن يقال أيضاً : بأنّ العقل مستقلّ بقبح الإقدام على ما يؤدّي إلى تفويت غرض المولى كحكمه بقبح الإقدام في الأغراض الشخصيّة في إذا علم مثلاً بأنّ الغذاء في هذا المطعم مسموم ليوم من أيّام الاسبوع فكما يجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع الأطراف في الأغراض الشخصيّة كذلك يجب الاحتياط بالنسبة إلى أغراض المولى.

أمّا الصورة الثانية : فالحال فيها ظهر بما ذكرنا في الصورة الاولى ، فإن قلنا بإمكان الواجب المعلّق فهو ، وإلاّ يثبت وجوب الاحتياط من طريق حفظ غرض المولى ، وكذلك الحال في الصورة الثالثة ، وعلى أي حال يجب الاحتياط في التدريجيات بالإجتناب عن جميع الأطراف من باب حكم العقل بلزوم حفظ غرض المولى.

وإن أبيت عن ذلك وأردت أن تثبت الوجوب من طريق فعليّة التكليف فنقول : لا إشكال في عدم وجوب الاحتياط في الصورة الثالثة لأنّ المفروض فيها كون الزمان قيداً للوجوب ، فليس التكليف فعليّاً حتّى يوجب تنجّز العلم الإجمالي ، كما لا إشكال في أنّ الوجوب في الصورة الاولى والثانية متوقّف على قبول إمكان الواجب المعلّق.

__________________

(١) راجع نهاية الأفكار : القسم الثاني من الجزء الثالث ، ص ٣٢٤.

١٣٣

التنبيه الرابع : هل الاصول المرخّصة تجري أوّلاً في أطراف العلم الإجمالي أو لا؟

وبعبارة اخرى هل الإشكال في عدم المقتضي أي عدم جريان أدلّة الاصول المرخّصة في أطراف العلم الإجمالي ، أو الإشكال في وجود المانع ( وسيأتي بيان الفرق بين التقديرين ) ففيه وجهان بل قولان :

واستدلّ القائلون بعدم جريانها رأساً بأنّ جريانها يستلزم منه التناقض بين صدر أدلّتها وذيلها ، حيث إنّ مقتضى صدر دليل حجّية الاستصحاب مثلاً وهو ( لا تنقض اليقين بالشكّ ) شمولها لكلّ واحد من الطرفين ويلزم منه تناقض هذا مع ذيله وهو ( بل إنقضه بيقين آخر ) لأنّ العلم الإجمالي قسم من اليقين فيكون نقض اليقين السابق بيقين آخر لا بالشكّ ، وهكذا دليل ( كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام ) لأنّ صدره وهو كلّ شيء لك حلال شامل لكلّ واحد من الطرفين فيلزم التناقض بينه وبين ذيله وهو ( حتّى تعلم إنّه حرام ) حيث إنّه العلم فيه أعمّ من العلم التفصيلي والعلم الإجمالي.

واستدلّ القائلون بتعارضها وتساقطها بعد جريانها :

أوّلاً : بعدّة من الروايات التي لا يكون لها هذا الذيل وتكون مطلقة كقوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » من دون التذييل بقوله : « بل إنقضه بيقين آخر » وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » في أدلّة البراءة وعدم شمول ما هو مذيل بهذا الذيل لا يمنع عن شمول ما ليس فيه هذا الذيل.

وثانياً : بدعوى كون العلم المأخوذ في الذيل ظاهراً في العلم التفصيلي ، وهو واضح فيما يكون مقيّداً بقيد « بعينه » ، وفيما لا يوجد فيه هذا القيد يكون الضمير في مثل قوله : « إنّه حرام » ظاهراً في العلم التفصيلي ، وحينئذٍ يكون المقتضي موجوداً وإنّما الكلام في وجود المانع وهو العلم بكذب أحدهما ( نظير الخبرين المتعارضين ) ولزوم المخالفة القطعيّة فتتساقط بعد جريانها.

أقول : الإنصاف أنّ الصحيح هو القول الثاني لأنّ الغاية لكلمة « حتّى » في هذه الروايات إنّما هو العلم التفصيلي إمّا لظاهر كلمة « بعينه » بل صريحها ، أو لظاهر الضمير في قوله عليه‌السلام « إنّه حرام » كما مرّ آنفاً.

١٣٤

نعم لقائل أن يقول : إنّ أدلّة الاصول المرخّصة منصرفة عن موارد العلم الإجمالي وناظرة إلى الشبهات البدوية أو الشبهات غير المحصورة كما عرفت في روايات الجبن.

وإستشكل المحقّق النائيني رحمه‌الله على الشيخ الأنصاري رحمه‌الله ، بأنّ اللازم في المقام البحث عن إمكان جعل الحكم الظاهري في تمام الأطراف بحسب مقام الثبوت ، لأنّه مع وجود المحذور في مقام الثبوت لا تصل النوبة إلى البحث في مقام الإثبات والاستظهار ، ثمّ ذكر لشمول أدلّة الاصول لأطراف العلم الإجمالي ثبوتاً محذورين على سبيل منع الخلو :

أحدهما : مناقضة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع مع العلم الوجداني ، وهى في موارد الاصول التنزيليّة كالإستصحاب حيث إنّ تنزيل الطهارة المشكوكة منزلة الطهارة الواقعيّة مثلاً بدليل الاستصحاب يناقض مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما الواقعيّة.

ثانيهما : إنّ جعل الحكم الظاهري في تمام الأطراف مستلزم للترخيص في المعصية ومخالفة التكليف الواصل ، وهذا في موارد الاصول غير التنزيلية (١).

أقول : التكلّم في مقام الثبوت إنّما هو من باب المقدّمة للبحث عن مقام الإثبات ، ولا شكّ في أنّ شمول اطلاقات أدلّة الاصول لكلّ واحد من الأطراف مع قطع النظر عن سائر الأطراف لا محذور فيه ثبوتاً ، إنّما المحذور ينشأ من شموله لها جميعاً ، وهذا هو معنى التعارض كما في سائر المقامات ، ألا ترى أنّ شمول أدلّة حجّية خبر الواحد لكلّ واحد من المتعارضين مستقلاً لا محذور فيه ، ولكن شمولها لهما غير ممكن للمحذور الثبوتي ، للعلم بكذب واحد منهما ، وهذا هو العلّة في تعارضهما.

التنبيه الخامس : الفرق بين « الشبهات المحصورة » و « غير المحصورة »

وقد أشار المحقّق الخراساني إلى هذه المسألة بغير اهتمام يليق بها ، وقال بعدم الفرق بين الشبهتين مع فعليّة التكليف المعلوم بالإجمال ، فالمدار في تنجّز العلم الإجمالي إنّما هو فعلية التكليف لا قلّة أطرافها ، نعم ربّما تكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر أو ضرر أو

__________________

(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٢٤١ ، طبع مؤسسة مطبوعات ديني ؛ وفوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٢٠ ـ ٢١ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٣٥

غيرهما ممّا لا يكون معه التكليف فعليّاً فلا يجب حينئذٍ الاحتياط ، لكن يمكن طروء هذه الموانع في الشبهة المحصورة أيضاً فلا خصوصية لعدم انحصار أطراف الشبهة في عدم وجوب الاحتياط ( انتهى ).

لكن الشيخ الأعظم الأنصاري رحمه‌الله قد بحثها مفصّلاً وذهب إلى عدم وجوب الاحتياط فيها من ناحية كثرة الأطراف ، وتبعه غيره من الأعلام ، فالمسألة حينئذٍ ذات قولين على الأقلّ.

ولابدّ أن يقال : ابتداءً أنّ التحليل الصحيح للمسألة يتوقّف على أن نبحث عن إيجاب الشبهة غير المحصورة للاحتياط بما هى هى مع قطع النظر عن العناوين والموانع الطارئة الموجبة لسقوط العلم الإجمالي عن التنجّز ، فنقول يقع الكلام في مقامين :

الأوّل : في أدلّة وجوب الاجتناب.

والثاني : في معيار عدم الانحصار وحدوده قيوده.

أمّا المقام الأوّل : فاستدلّ الشيخ الأعظم رحمه‌الله بوجوه ستّة وأضاف إليها الآخرون وجوهاً اخر ربّما تبلغ عشرة أوجه.

الوجه الأوّل : الإجماعات المنقولة على حدّ الاستفاضة ، فقد نقل الإجماع عن الروض وعن جامع المقاصد والمحقّق البهبهاني رحمه‌الله في فوائده بل نقل عن البهبهاني نفي الريب فيه وأنّ مدار المسلمين في الأعصار والأمصار عليه ، وادّعى الضرورة عليه في الجملة.

أقول : لا إشكال في إمكان حجّية الإجماع في اصول الفقه في مثل هذه المسألة لأنّ ملاك الحجّية وهو الكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام جارٍ فيها أيضاً لكن الإشكال في المقام كون الإجماع محتمل المدرك لو لم يكن متيقّنه.

الوجه الثاني : لزوم العسر والحرج في أغلب موارد هذه الشبهة لأغلب أفراد المكلّفين وهو علّة لارتفاع الحكم عن جميعهم حتّى من لا حرج بالنسبة إليه.

ويرد عليه : أنّه قد قرّر في محلّه في البحث عن قاعدة لا حرج أنّ المدار فيها على العسر والحرج الشخصيين فلا يرتفع الحكم بالنسبة إلى من لا عسر عليه وإن كان واحداً من المائة ، مضافاً إلى أنّ العسر من العناوين الثانوية الطارئة ، وقد مرّ آنفاً خروجه عن محلّ النزاع.

الوجه الثالث : أنّ الغالب عدم ابتلاء المكلّف إلاّببعض معيّن من أطراف الشبهة غير

١٣٦

المحصورة فيكون الباقي خارجاً عن محلّ ابتلائه ، وقد تقدّم عدم وجوب الاجتناب في مثله.

وفيه أيضاً : أنّ محلّ النزاع هو عدم انحصار الشبهة بما هو هو مع قطع النظر عن العناوين الطارئة.

الوجه الرابع : الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم يعلم حرمته فإنّها بظاهرها وإن عمّت الشبهة المحصورة إلاّ أنّ مقتضى الجميع بينها وبين ما دلّ على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصور وحمل أخبار المنع على المحصور.

وفيه : إنّ هذا جمع تبرعي لا شاهد له ، ولا يمكن أن نرفع به اليد عن اطلاق « اجتنب عن الخمر » الشامل قطعاً للخمر المعلوم بالإجمال مطلقاً سواء كان ضمن الأطراف المحصورة أو غير المحصورة.

الوجه الخامس : بعض الأخبار الدالّة على أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراماً مثل ما مرّ من رواية أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقلت : أخبرني من رأى إنّه يجعل فيه الميتة. فقال : « أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت فيه ميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله إنّي لأعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البربر وهذه السودان » (١).

فاستدلّ تارةً بصدرها ( وهو قوله عليه‌السلام : أمن أجل مكان واحد ... ) واخرى بذيلها ، وهو قوله عليه‌السلام : « والله إنّي لأعترض السوق ... » ، ولكن نوقش فيها من ناحية السند والدلالة معاً.

أمّا السند فلمكان أبي الجارود المؤسّس لمذهب الجارودية وهو ممّن لا يعتمد على روايته بل في بعض الروايات إنّه كذّاب كافر مضافاً إلى وجود محمّد بن سنان فإنّه محلّ الخلاف بين علماء الرجال خصوصاً في ما رواه عن أبي الجارود.

وأمّا الدلالة فقد ناقش فيها الشيخ رحمه‌الله بأنّ مورد هذه الرواية هو الشبهات البدويّة فهى تقول أنّ العلم تفصيلاً بجعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الأمكان فكأنّها تقول : إنّ العلم التفصيلي بنجاسة الطعام في مطعم لا يوجب نجاسة طعام

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٦١ ، من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح ٥.

١٣٧

الاجتناب عن غيره من المطاعم وإيجاد الوسوسة فيها ولا كلام في ذلك ولا ربط له بما نحن فيه ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ هذه الرواية تشير إلى حجّية أمارة السوق وهى من العناوين الثانوية التي تكون خارجة عن محلّ الكلام.

أقول : يمكن الجواب عن كلا الوجهين ، أمّا الوجه الأوّل فلأنّ مورد الرواية بحسب الظاهر هو الجبن التي صنع بعضها بأنفحة الميتة ثمّ إنتشرت بين سائر الجبن الطاهرة في البلد من دون وجود علامة للنجس منها فهى لو لم تكن ظاهرة في خصوص الشبهة غير المحصورة فلا أقلّ من اطلاقها لها وللشبهات البدوية معاً.

وأمّا الوجه الثاني فيرد عليه : أنّ وجود أمارة مثل أمارة السوق في مورد العلم الإجمالي لا يمنع عن تنجّزه لتساقط الأمارات الجارية في الأطراف بالتعارض.

فالمهمّ في المقام هو الإشكال السندي وهو تامّ يوجب سقوطها عن الحجّية.

إن قلت : يمكن احياؤها سنداً بانجبار الضعف بعمل المشهور والإجماعات المنقولة.

قلنا : قد قرّر في محلّه أنّ الشهرة توجب الجبر فيما إذا كان استنادها إلى الرواية قطعيّة أو كانت الرواية في مرأى ومنظر من قدماء الأصحاب بحيث كان عملهم مستنداً إليها ولو بظهور من الحال ، وهذا ممنوع في المقام لأنّ المسألة ذات مدارك عديدة.

ثمّ إنّه ربّما يستشكل في الرواية بأنّ المستفاد منها نجاسة أنفحة الميتة ، بينما لا إشكال في أنّها من جملة مستثنياتها.

ولكن يمكن الجواب عنه :

أوّلاً : بأنّ طهارتها الذاتية لا تنافي عروض النجاسة عليها من ناحية ملاقاتها بسائر الأعضاء النجسة غالباً فلابدّ من تطهيرها ( كما لابدّ منه بالنسبة إلى سائر مستثنياتها كالبيض ) فتحمل الرواية على مورد عدم التطهير.

وثانياً : بالحمل على التقيّة فكأنّ الإمام عليه‌السلام يقول : سلّمنا كونها نجسة ولكن لا يجب الاجتناب لأنّ الشبهة غير محصورة.

وإن شئت قلت : إنّ صدور الصدر لأجل التقيّة لا ينافي حجّية الذيل الذي صدر على نهج الكبرى الكلّية.

١٣٨

الوجه السادس : بناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع المقدّس فلا إشكال في أنّه لو علم أنّه سيحدث ما يوجب قتل واحد من الأفراد في بلد كبير جدّاً ، لا يمنع هذا العلم الإنسان عن الورود في هذه البلدة لاحتمال انطباقه عليه ، وأمّا لو كانت الحادثة ممّا يوجب أقلّ من القتل كان الأمر أوضح ، ولذا نعلم دائماً بوقوع الحوادث في بعض الطرق من السيارات أو القطارات أو الطائرات في كلّ يوم ومع ذلك هذا العلم لا يمنع أحداً عن السفر لكثرة الاحتمالات وضعف احتمال انطباقه عليه.

الوجه السابع : ما استدلّ به في تهذيب الاصول من الروايات الواردة في باب الأموال المختلطة بالحرام أو الربا.

لكن الإنصاف أنّها ظاهرة في الشبهات غير المحصورة.

الوجه الثامن : ما استدلّ به في تهذيب الاصول أيضاً من روايات إباحة جوائز السلطان التي نعلم باختلاطها بالأموال المغصوبة.

لكن هذا أيضاً غير تامّ لأنّ جوائز السلطان من قبيل الكثير في الكثير حيث إنّ أكثر أموالهم كانت من الخراج وشبهها ممّا لم يجز لهم التصدّي لها ، وحكم أموالهم حينئذٍ كأكثر أموال السارقين.

والظاهر كون الحكم بالإباحة في هذه الروايات من أجل إنّها جزء من بيت مال المسلمين ، وأمرها بيد وليّ الأمر الحقيقي ( وهو الإمام المعصوم عليه‌السلام ) يضعها حيث يشاء.

مضافاً إلى أنّ كثيراً من أموالهم خارجة عن محلّ الإبتلاء فتخرج عن محلّ الكلام.

الوجه التاسع : ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله وحاصله أنّ الضابط في كون الشبهة غير محصورة عدم إمكان الجمع بين أطرافها عادةً بحيث يكون عدم التمكّن من ذلك مستنداً إلى كثرة الأطراف لا إلى أمر آخر ، وبهذا يظهر الحكم فيها وهو عدم حرمة المخالفة القطعيّة وعدم وجوب الموافقة القطعيّة ، أمّا الأوّل فلعدم إمكانه على الفرض فيكون الحكم بحرمتها تحصيلاً للحاصل ، وأمّا الثاني فلأنّ وجوب الموافقة القطعيّة فرع حرمة المخالفة القطعيّة لأنّها يتوقّف على تعارض الاصول في الأطراف ، وتعارضها فيها يتوقّف على حرمة المخالفة القطعيّة ليلزم من جريانها في جميع الأطراف مخالفة عملية للتكليف المعلوم في البين ، فإذا لم تحرم المخالفة القطعيّة ـ كما هو المفروض ـ لم يقع التعارض بين الاصول ، ومع عدم التعارض لا مانع من

١٣٩

إجراء الاصول النافية في جميع الأطراف فلا يجب الموافقة القطعيّة أيضاً.

ثمّ قال : « ما المراد من عدم إمكان إرتكاب الجميع؟ هل المراد منه عدم الإمكان في تمام العمر أو في مدّة معيّنة؟ وعلى الثاني ما هو مقدار هذه المدّة؟ » فأجاب عنه « بأنّ الميزان عدم إمكان الإرتكاب بحسب العادة لا في تمام العمر ولا في مدّة معيّنة » (١).

أقول ويرد عليه :

أوّلاً : بأنّ ما ذكر من الضابطة لا يخلو من إبهام مع ملاحظة ما اختاره نفسه من عدم الفرق بين الإرتكاب التدريجي والدفعي في حرمة المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي ، لأنّه حينئذٍ إن اريد من عدم التمكّن من الجمع بين الأطراف عدم التمكّن منها ولو تدريجاً فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة إلاّويتمكّن المكلّف من الجمع بين الأطراف ولو تدريجاً طول حياته ولو باختلاط بعض الأطراف ببعض ، وإن اريد بذلك عدم التمكّن في زمان معيّن فهو يحتاج إلى تحديده بزمان معيّن ، ولا دليل على التعيّن.

ثانياً : يلزم منه أن يكون الكثير في الكثير من الشبهات غير المحصورة لجريان الضابطة المذكورة فيه لعدم إمكان إرتكاب الجميع عادةً مع أنّ الوجدان حاكم على عدم وجود الفرق بين الكثير في الكثير ( كما إذا علمنا إجمالاً بحرمة الف شاة من عشرة آلاف شاة ) والقليل في القليل ( كما إذا علمنا بحرمة شاة واحدة في عشر شياة ) لأنّ النسبة في المثالين واحدة وهى العشر.

الوجه العاشر : ما أفاده المحقّق العراقي رحمه‌الله وهو أنّ المناط في كون الشبهة غير محصورة هو أن تكون كثرة الأطراف بحدّ يوجب ضعف الاحتمال في كلّ واحد من الأطراف بحيث يكون موهوماً بدرجة لا يعتني العقلاء بذلك الاحتمال ، بل ربّما يحصل له الاطمئنان بالعدم ، وتوهّم منافاة الاطمئنان بالعدم في كلّ واحد منها مع العلم الإجمالي بوجود الحرام في بعضها لضرورة مضادّة العلم بالموجبة الجزئيّة مع الظنّ بالعدم في كلّ طرف بنحو السلب الكلّي ، مدفوع بأنّه كذلك في فرض اقتضاء ضعف الاحتمال في كلّ طرف الاطمئنان بعدم التكليف فيه تعييناً حتّى مع ملاحظة الأفراد الاخر مع أنّ المدّعى إنّما هو اقتضاء ضعف الاحتمال في كلّ طرف

__________________

(١) راجع فرائد الاصول : ج ٤ ، ص ١١٧ ـ ١١٩ ، طبع جماعة المدرّسين ؛ وأجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٢٧٦ ، مطبعة أهل البيت.

١٤٠