أنوار الأصول - ج ٢

أنوار الأصول - ج ٢

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-14-8
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٥٠٤

لهم دويّاً كدويّ النحل ، واهتمامهم بالتبرّك به حتّى صاروا يجعلون تعليمه مهراً لأزواجهم.

فمع ملاحظة هذه الجهات والقرائن يحكم العقل بعدم إمكان أن تنال أيدي التحريف إليه.

الوجه الثاني : آيات من نفس الكتاب العزيز كالصريحة في الدلالة على عدم التحريف ، ولا يخفى أنّ الاستدلال بها ليس دوريّاً لأنّ المدّعى يدّعي التحريف بالنقيصة لا الزيادة والقرآن الموجود في يومنا هذا بما فيه من الآيات مقبول عند الجميع :

منها قوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ولتقريب دلالة هذه الآية على المقصود لابدّ من تفسير كلمتين : « الذكر » والحفظ » فما المراد من الذكر؟ وما المراد من الحفظ؟

فنقول : أمّا معنى كلمة الذكر فواضح لأنّ قوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) شاهد قطعي على أنّ المراد من الذكر في قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) هو القرآن بل هذه الآية تدلّ على شهرة هذا الاسم للقرآن بحيث يستعمله الكفّار المنكرون للوحي أيضاً.

أضف إلى ذلك وجود آيات كثيرة تطلق هذا الاسم على القرآن : منها قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) ، ومنها قوله تعالى : ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) (٣) ، والأوضح منها قوله تعالى : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) (٤) ، وقوله تعالى : ( أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي ) (٥) ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) (٦) وقوله تعالى : ( وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) (٧).

__________________

(١) سورة الحجر : الآية ٦ ـ ٩.

(٢) سورة النحل : الآية ٤٤.

(٣) سورة الأنبياء : الآية ٥٠.

(٤) سورة يس : الآية ٦٩.

(٥) سورة ص : الآية ٨.

(٦) سورة القلم : الآية ٥١.

(٧) سورة القلم : الآية ٥٢.

٣٢١

وما قد يقال : من أنّ المراد منه هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله تعالى : ( نَزَّلْنَا ) بمعنى « أرسلنا » وذلك بقرينة قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ ) (١) حيث إن كلمة « رسولاً » وقعت في هذه الآية بدلاً عن كلمة « ذكراً » فيكون الذكر بمعنى الرسول.

فجوابه أوّلاً : لو سلّم استعمال الذكر في خصوص هذه الآية في الرسول مجازاً فهو لا يوجب استعماله فيه مجازاً أيضاً في سائر الآيات من دون نصب قرينة عليه مع صراحته في تلك الآيات في القرآن.

ثانياً : إنّ استعماله في الرسول في هذه الآية أيضاً محلّ كلام ، لأنّه لا مناصّ في الآية من إرتكاب أحد خلافي الظاهر : أحدهما إطلاق الذكر على الرسول مع عدم كونه في اللغة بمعنى الرسول كما هو واضح ، وثانيهما كون الرسول مفعولاً به لفعل محذوف أعني « أرسل » ، وكثير من المفسّرين رجّحوا الثاني على الأوّل وهو المختار في كتابنا في التفسير.

ثالثاً : لو سلّمنا أنّ الذكر في الآية المبحوث عنها في محلّ النزاع بمعنى الرسول لكن لا بأس أيضاً بالاستدلال بها على المطلوب ببيان إنّه إذا دلّت الآية على محافظته تعالى عن الرسول فتدلّ على حفظه للقرآن الكريم بطريق أولى.

وأمّا كلمة الحفظ : فيحتمل فيها وجوه عديدة :

أحدها : أن يكون المراد منها الحفظ المنطقي والاستدلالي ، ويكون المقصود حينئذٍ أنّه لا يصير مغلوباً لأي منطق واستدلال.

الثاني : أن يكون بمعنى العلم ، أي « وإنّا له لعالمون ».

الثالث : أن يكون المراد منه الحفظ من جميع الجهات من الزيادة والنقصان ومن المقابلة بالمثل والغلبة بالمنطق وغيرها ، وهذا هو الظاهر ، ولا دليل على التحديد والتقييد.

إن قلت : إن كان المراد من الحفظ الحفظ العامّ ومن جميع الجهات فهو متيقّن العدم لما وقع في التاريخ بالنسبة إلى مصاحفه من الإندراس والصبّ في البحر وإحراقها من جانب عثمان وغيره أحياناً بأي غرض كان ، وإن كان المراد منه حفظ مّا ، فهو حاصل ولو بالقرآن المحفوظ عند

__________________

(١) سورة الطلاق : الآية ١٠.

٣٢٢

الحجّة عليه‌السلام وحينئذٍ لا تدلّ الآية على المدّعى.

قلنا : إنّ للحفظ معناً عرفياً لا يصدق على شيء من المعنيين ( الحفظ الكلّي والحفظ الجزئي ) وهو كون الكتاب في أيدي الناس ووجوده بينهم ، فالمراد من قوله تعالى « لحافظون » لحافظونه عند الناس وبينهم لا بمعنى حفظ جميع المصاديق أو مصداق من مصاديقه ، كما أنّه إذا قيل « إنّ ديوان الشاعر الفلان موجود ومحفوظ إلى اليوم » لا يكون المقصود منه أنّ جميع مصاديقه بقيت محفوظة أو مصداق من مصاديقه محفوظ في متحف من المتاحف بل المراد منه بقاؤه بين الناس وبين أيديهم كما لا يخفى.

إن قلت : إنّ هذه الآية مكّية تشمل الآيات النازلة إلى زمان نزولها لا غيرها.

قلنا : لا خصوصيّة للآيات المكّية قطعاً لأنّ القرآن كتاب هداية يحتاج إليه الناس في هدايتهم ، ولا فرق في هذه الجهة بين آية وآية ، وحفظ بعضها دون بعض من جانب الحكيم لغو وترجيح بلا مرجّح.

وبالجملة هذا الإشكال من أضعف الإشكالات وأرديها.

ومنها : قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (١) ).

وقبل تقريب الاستدلال بها لابدّ من تعيين خبر « إنّ » في قوله تعالى : « إنّ الذين كفروا ... » فنقول : فيه ثلاث وجوه :

الأوّل : ( وهو أحسنها الذي ذهب إليه الطبرسي رحمه‌الله في مجمع البيان ) أن يكون الخبر في التقدير ، أعني « سوف يجازيهم الله » أو « سيجازيهم الله ».

الثاني : أن يكون الخبر قوله تعالى في بعض الآيات اللاحقة « اولئك ينادون من مكان بعيد » ، لكن هذا المقدار من الفصل بين المبتدأ والخبر بعيد في الكلام الفصيح.

الثالث : أن يكون الخبر قوله تعالى : « وإنّه لكتاب عزيز » بأن يكون المقصود منه أنّه لا يقدر أحد على أن يغلب كتاب الله لكونه عزيزاً ، فوقع علّة الخبر موقعه.

وكيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الآية على عدم التحريف يتوقّف على بيان معنى

__________________

(١) سورة فصّلت : الآية ٤١ ـ ٤٢.

٣٢٣

الباطل في قوله تعالى : ( لَايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) فقد ذكر فيه وجوه عديدة :

أحدها : كونه بمعنى المقابلة بالمثل فيكون المعنى حينئذٍ « لا يأتيه مثل له حتّى يبطله ».

ثانيها : أن يكون بمعنى الشيطان ، فيكون المراد أنّ الشيطان لا يمكنه أن يحرّفه أو يمحوه من القلوب.

ثالثها : كونه بمعنى النسخ ، أي لا تضادّه الكتب السماويّة من قبل ولا ينسخه كتاب سماوي من بعد.

رابعها : أن يكون بمعنى الكذب في الأخبار كما نقل الطبرسي رحمه‌الله عن الإمام الباقر عليه‌السلام : « ليس في أخباره عمّا مضى باطل ولا عمّا يكون في المستقبل باطل » (١).

خامسها : كونه بمعنى مطلق البطلان ، فيكون المقصود : لا يأتيه أي باطل من أي جهة من الجهات كما ورد في مجمع البيان : « لا تناقض في ألفاظه ولا كذب في أخباره ولا يعارض ولا يزداد ولا يغيّر » (٢).

وهذا هو المختار لأنّه لا وجه للتقييد ما دام لم توجد قرينة عليه ، وقوله تعالى في الذيل : ( تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) بمنزلة التعليل للصدر ، أي كما أنّ المنزل منه يكون عالماً حكيماً ومنعماً حميداً إلى الأبد لابدّ أن يكون المنزل الذي هو حكمة من جانب ونعمة من جانب آخر باقياً بين الناس أيضاً.

وأمّا تفسير الباطل بالكذب في الرّواية فهو من باب ذكر أحد المصاديق الواضحة وما كان محلاً لحاجة الناس.

إن قلت : إن كان المراد من عدم إتيان الباطل عدمه على نهج القضيّة الكلّية فهو قطعي البطلان ( كما مرّ نظيره في الآية السابقة ) وإن كان المراد عدم الإتيان على نهج القضيّة الجزئيّة فهو يصدق بالنسبة إلى المصحف الموجود عند الإمام الحجّة عليه‌السلام فلا يثبت عدم إتيانه الباطل بالإضافة إلى غيره من المصاحف.

قلنا : الجواب هو الجواب ، وهو أنّ الحفظ أو عدم إتيان الباطل مفهوم عرفي والقرآن كتاب

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٣ ، طبع دار المعرفة في بيروت.

(٢) المصدر السابق :

٣٢٤

للهداية فلا يصدق هذا العنوان إذا لم يكن القرآن محفوظاً بين الناس لهدايتهم وإن كان محفوظاً عند الإمام الحجّة عليه‌السلام.

وأمّا الإشكال الآخر الذي أورد على الآية السابقة المبنى على كون الآية مكّية فلا يرد هنا لأنّ ذيل الآية : « من بين يديه ومن خلفه » يعمّ عدم الإيتان في المستقبل أيضاً.

الوجه الثالث : روايات لا إشكال في دلالتها على عدم التحريف قطعاً :

منها : حديث الثقلين المتواتر من طرق العامّة والخاصّة (١) حيث إنّه ورد في ذيلها : « ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » وفي بعض الطرق « لن تضلّوا أبداً ».

فاستدلّ بها بملاحظة هذا الذيل بأحد وجهين :

الأوّل : أنّ مقتضى الذيل بقاء ما يمكن أن يتمسّك به بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأبد مع أن التحريف بحذف بعض الآيات يوجب سلب الاعتماد عن سائر الآيات بمقتضى ما روي أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً ، فتسقط بقيّة الآيات عن الحجّية.

الثاني : ( وهو العمدة ) أنّ مقتضاه عدم ضلالة الامّة إذا تمسّكوا بهذا الكتاب العزيز ، والقول بالتحريف بالنقيصة من شأنه سلب المصداقيّة الاهتداء بالقرآن فلا يأمن من الضلالة ، لأنّ الآيات المحذوفة لابدّ وأن تكون ممّا يرتبط بباب الولايات والسياسيات كما مرّ ، والقرآن المجرّد عنها لا يمكن أن يمنع عن الضلالة.

إن قلت : لا فرق في هذه الجهة بين الثقل الأكبر والأصغر ، فكما أنّ الحرمان عن هداية الثقل الأصغر بغيبة الإمام عليه‌السلام لا ينافي هذه الرّواية كذلك الحرمان عن هداية الثقل الأكبر.

قلنا : الفرق بينهما واضح ، وذلك لأنّ غيبة الإمام عليه‌السلام لا تنافي بقاء اهتداء الناس به لأنّهم عليهم‌السلام أراؤوا طرق الهداية في أكثر من مأتي سنة ضمن رواياتهم ، وقد أودعوا هداياتهم في طيّات أخبارهم فهم متمثّلون ضمن هذه الأخبار ، وكأنّهم إحياء بحياتها وبقائها ، بينما تحريف القرآن يقتضي الحرمان عن هدايته بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون فصل ، لأنّ القائل بالتحريف يقول بوقوعه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمن جمع عثمان له من دون أن يقوم مقامه شيء ، نعم هذا القياس يتمّ لو وقعت الغيبة أيضاً بمجرّد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) مرّت الإشارة إلى أسنادها إجمالاً عند الاستدلال بها لحجّية ظواهر الكتاب فراجع.

٣٢٥

ومنها : روايات ظاهرها أنّ القرآن معيار لتشخيص الحقّ والباطل في الرّوايات مطلقاً ، وتأمرنا بعرض الرّوايات جميعها عليه ، وهي تنافي تحريف القرآن لأنّ تحريفه يلازم حذف ما كان معياراً للعديد من الرّوايات ، ولازمه كون القرآن معياراً نسبياً لا مطلقاً بحيث يعمّ جميع الرّوايات.

ومنها : روايات تأمرنا وتشوّقنا باتّباع القرآن ، وهي ظاهرة في أنّه وسيلة جامعة كاملة للهداية ، منها ما ورد في نهج البلاغة في ذمّ الأخذ بالأقيسة والاستحسانات والآراء الظنّية : « أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه أم كانوا شركاء له ، فلهم أن يقولوا ، وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تامّاً فقصّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول : ما فرّطنا في الكتاب من شيء وفيه تبيان لكلّ شيء » (١).

وكذلك قوله عليه‌السلام فيه أيضاً : « وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكلّ شيء وعمّر فيكم نبيّه أزماناً حتّى أكمل له ولكم فيما انزل من كتابه دينه الذي رضى لنفسه » (٢).

وقوله فيه أيضاً : « وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيت لا تهدم أركانه وعزّ لا تهزم أعوانه » (٣).

وكذلك قوله فيه أيضاً : « كأنّهم أئمّة الكتاب وليس الكتاب إمامهم » (٤).

وهكذا قوله عليه‌السلام : « وعليكم بكتاب الله فإنّه الحبل المتين والنور المبين والشفاء النافع والري الناقع والعصمة للتمسّك والنجاة للمتعلّق لا يعوّج فيقام ولا يزيغ فيستعتب ولا تخلقه كثرة الردّ ولوج السمع ، من قال به صدق ومن عمل به سبق » (٥).

وقوله عليه‌السلام : « ثمّ أُنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه وسراجاً لا يخبو توقّده وبحراً لا يدرك قعره ، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه وشعاعاً لا يظلم ضوءه وفرقاناً لا يخمد برهانه وتبياناً لا تهدم أركانه ... » (٦).

__________________

(١) نهج البلاغة : صبحي الصالح ، خ ١٨.

(٢) المصدر السابق : خ ٨٦.

(٣) المصدر السابق : خ ١٣٣.

(٤) المصدر السابق : خ ١٤٧.

(٥) المصدر السابق : خ ١٥٦.

(٦) المصدر السابق : خ ١٦٨.

٣٢٦

فإنّ المستفاد من جميع ذلك أنّ كتاب الله بجميع ما أُنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله موجود بين الناس يستضاء بنور هدايته ويهتدي بهداه ، ولو كان الكتاب محرّفاً أو ناقصاً في شيء من آياته لما كان له هذه المنزلة وتلك الآثار.

أضف إلى ذلك : أنّ قوله : « كتاب الله بين أظهركم » بلفظه شاهد لوجود جميع الكتاب بين أظهر الناس.

فتلخّص من جميع ذلك أنّ الأدلّة العقليّة والنقليّة متظافرة على بطلان مزعمة التحريف وأنّ كتاب الله محفوظ بين الامّة كما نزل على رسول الله مضافاً إلى الشهرة القطعيّة بين علماء الفريقين ومحقّقيهم.

أدلّة القائلين بالتحريف ونقدها

وأمّا أدلّة القائلين بالتحريف فالمهمّ منها روايات كثيرة جمعها المحدّث النوري في كتابه الموسوم بفصل الخطاب ، وهي على طوائف :

الطائفة الاولى : روايات لا شكّ في كونها مجعولة غير معقولة

منها : ما روي عن الاحتجاج (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب زنديق الذي سأله عن عدم التناسب بين الشرط والجزاء في قوله تعالى في صورة النساء : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) (٢) : « وأمّا ظهورك على تناكر قوله : فإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى وليس يشبه القسط في اليتامى بنكاح النساء ولا كلّ النساء أيتاماً فهو ممّا قدّمت ذكره من اسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن » (٣).

__________________

(١) وقد نقل هذه الرّواية الميرزا القمّي رحمه‌الله في القوانين والميرزا الآشتياني رحمه‌الله في تعليقته على الرسائل وكلّ من كتب في ردّ تحريف الكتاب شيئاً.

(٢) سورة النساء : الآية ٣.

(٣) الاحتجاج : ج ١ ، ص ٣٧٧ ؛ وبحار الأنوار : ج ٩٢ ، ص ٤٧.

٣٢٧

فإنّ هيهنا نكات لا بدّ من ملاحظتها :

أوّلاً : كيف يمكن أن يحذف من القرآن الذي كان يقرأ ليلاً ونهاراً وكان له أربعة عشر أو أكثر من أربعين كاتباً ومئات من القرّاء والحفّاظ ، الآلاف من آياته فإنّ هذا أمر مستحيل عادةً لا يتفوّه به عاقل.

ثانياً : ما هو الوجه والداعي لحذف هذه الآيات في خصوص ذلك المورد وهو ما بين شرط وجزاء ، فلا يتصوّر له وجه ولا يوجد له داع.

ثالثاً : يوجد هنا ربط واضح بين الشرط والجزاء يتّضح لنا بملاحظة شأن نزول هذه الآية فقد ذكر له وجوه ستّة (١) عمدتها أربعة :

الوجه الأوّل : أنّهم كانوا في الجاهلية يأخذون إليهم الأيتام الصغيرة من النساء ، وذلك لقلّة صداقهنّ أو عدم صداق لهنّ أوّلاً ، ولأنّ لهم أموالاً كثيرة ثانياً فيتزوّجون بهنّ ويأكلون أموالهنّ إلى أموالهم ثمّ لا يقسطون فيهنّ وربّما أخرجوهنّ بعد أكل مالهنّ فيصرن عاطلات ذوات مسكنة لا مال لهم يرتزقن منه ولا راغب فيهنّ فيتزوجنّ ، وقد شدّد القرآن الكريم النكير على هذا الدأب الخبيث والظلم الفاحش وأكّد النهي عن ظلم اليتامى وأكل أموالهم ضمن آيات عديدة فأعقب ذلك أنّ المسلمين أشفقوا على أنفسهم وخافوا خوفاً شديداً حتّى أخرجوا اليتامى من ديارهم خوفاً من الابتلاء بأموالهم والتفريط في حقّهم ، فنزلت هذه الآية وهي واقعة موقع التأكيد بالنسبة إلى النهي الواقع في تلك الآيات ، والمعنى : « اتّقوا أمر اليتامى ولا تتبدّلوا خبيث أموالكم بطيّب أموالهم ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم حتّى أنّكم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمات منهم ولم تطب نفوسكم أن تنكحوهنّ وتتزوّجوا بهنّ فدعوهنّ وانكحوا نساءً غيرهنّ ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع ، فقول ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) في معنى قولنا « إن لم تطب لكم اليتامى للخوف من عدم القسط فلا تنكحوهنّ وانكحوا نساءً غيرهنّ ».

الوجه الثاني : أنّهم كانوا يشدّدون في أمر اليتامى ولا يشدّدون في أمر النساء فيتزوجون منهنّ عدداً كثيراً ولا يعدلون بينهنّ فقال تعالى : إن كنتم تخافون أمر اليتامى فخافوا في النساء

__________________

(١) راجع تفسير مجمع البيان : ذيل هذه الآية.

٣٢٨

أيضاً فانكحوا منهنّ واحدة إلى أربع.

الوجه الثالث : أنّه كان الرجل منهم يتزوّج بالأربع والخمس وأكثر ، ويقول : ما يمنعني أن أتزوّج كما تزوّج فلان فإذا فنى مال نفسه مال إلى مال اليتيم الذي في حجره فنهاهم الله عن أن يتجاوز والأربع لئلاّ يحتاجوا إلى أخذ مال اليتيم ظلماً.

الوجه الرابع : أنّ المعنى « إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمة المربّاة في حجوركم فانكحوا ما طاب لكم من النساء ممّا أُحلّ لكم من يتامى قرباتكم مثنى وثلاث ورباع ».

فعلى هذا يكون ربط الشرط والجزاء هنا ظاهر لمن تدبّر الآيات السابقة واللاحقة عليها وما ورد في شأن نزولها ، فلا يبقى موضع لتقدير واحدة من الآيات فضلاً عن القول باسقاط ثلث القرآن بينها والعياذ بالله.

ومنها : ثلاث روايات تدلّ على حذف إثنى عشر ألف آية ، وقد نقل بعضها حتّى في مثل كتاب الكافي للكليني رحمه‌الله وذكرها المحدّث النوري في فصل الخطاب ضمن الدليل الحادي عشر على التحريف :

أحدها : ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعة عشر ألف آية » (١).

ثانيها : ما رواه المولى محمّد صالح المازندراني في شرح الكافي عن كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزم بيته وأقبل على القرآن يجمعه ويؤلّفه فلم يخرج به من بيته حتّى جمعه كلّه وكتب على تنزيله الناسخ والمنسوخ منه والمحكم والمتشابه والوعد والوعيد وكان ثمانية عشر ألف آية (٢).

ثالثها : ما رواه أحمد بن محمّد السياري في كتاب القراءات عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم قال قال أبو عبدالله عليه‌السلام : « القرآن الذي جاء به جبرئيل عليه‌السلام إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة ألف آية ».

قال المحدّث النوري رحمه‌الله بعد نقل هذه الرّواية في فصل الخطاب : « كذا في نسختي وهي سقيمة والظاهر سقوط كلمة سبعة لاتّحاده متناً وسنداً لما في الكافي بل لا يبعد كون ما فيه

__________________

(١) فصل الخطاب للمحدّث النوري رحمه‌الله : أوائل الدليل الحادي عشر.

(٢) المصدر السابق :

٣٢٩

مأخوذاً منه فإنّ محمّد بن يحيى يروي عن السياري ، أو ثمانية لمطابقته للموجود في كتاب سليم » (١).

منها : ما رواه زرّ قال : قال ابي بن كعب يازرّ : كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت : ثلاث وسبعين آية وقال : « إن كانت ، لتضاهى سورة البقرة أو هي أطول من سورة البقرة ... » (٢). فسقطت منها ٢١٣ آية وهي تعادل ٣٤ مجموع هذه السورة.

ومنها : سورة نقلها المحدّث النوري رحمه‌الله في فصل الخطاب عن كتاب يسمّى بدبستان المذاهب وحكاها الميرزا الآشتياني رحمه‌الله في حاشيته على الرسائل ( بحر الفوائد ) أيضاً.

ففي فصل الخطاب : « صاحب كتاب دبستان المذاهب بعد ذكر اصول عقائد الشيعة ما معناه : وبعضهم يقولون أنّ عثمان أحرق المصاحف وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم‌السلام منها هذه السورة ( ثمّ ذكر ما سمّاه بعضهم بسورة الولاية التي تلوح منه آثار الجعل والتزوير كما يأتي الكلام فيه ) ، ثمّ ذكر بعد ذلك ما نصّه : قلت ظاهر كلامه أنّه أخذها من كتب الشيعة ولم أجد لها أثراً فيها غير أنّ الشيخ محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب على ما حكي عنه أنّهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلّها هذه السورة والله العالم » (٣).

أقول : لم تنقل هذه السورة ( كما صرّح به المحدّث نفسه ) في كتاب آخر غير كتاب دبستان المذاهب ، وصاحب هذا الكتاب مجهول مجهول ، وقيل : لعلّه مجوسيّ لأنّ أكثر مطالب كتابه ناظرة إلى مقالات المجوس ، وكأنّه أراد بذلك الازراء على المسلمين وإيراد النقص على الكتاب العزيز الذي هو أساس الإسلام والدعوة المحمّديّة.

ويؤيّد ذلك ما حكى مؤلّف كتاب « برهان روشن » (٤) عن بعض الأعاظم من العلماء أنّ مؤلّف هذا الكتاب ( دبستان المذاهب ) من الملاحدة ، وكان مقصوده من تأليفه هذا ـ إيجاد الاختلاف بين المسلمين.

__________________

(١) فصل الخطاب للمحدّث النوري رحمه‌الله : أوائل الدليل الحادي عشر.

(٢) البيان : ص ٢٢٢ ، نقلاً عن منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : ج ٢ ، ص ٤٣.

(٣) فصل الخطاب : أواخر الدليل الثامن.

(٤) للحاج الميرزا البروجردي.

٣٣٠

كما أنّ من تأمّل في محتوى هذه السورة وكان له أنس مع سياق آيات القرآن الكريم يرى تعبية ما يقرب من ثلاثين آية من آيات الكتاب الكريم ضمنها بدون تناسب ولا تلائم بينها وبين بقية آيات السورة ممّا يشير إلى أنّه أضافها إليها.

ومنها : ما رواه سعد بن عبدالله القمّي رحمه‌الله قال : « وقرأ أحد سورة الحمد على أبي عبدالله فردّ عليه وقال : اقرأ : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين » (١).

منها : ما رواه سعد بن عبدالله القمّي قال : وقوله تعالى في سورة عمّ يتساءلون : ( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ) إنّما هو : « ياليتني كنت ترابيّاً » وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كنّى أمير المؤمنين عليه‌السلام بأبي تراب (٢).

هذه هي الطائفة الاولى من الرّوايات التي استدلّ بها على التحريف ، وهي روايات لا تعقل صحّتها ولا شكّ في كونها مجعولة مدسوسة.

أمّا رواية الاحتجاج وما نقلناه من كتاب دبستان المذاهب فقد مرّ الجواب عنهما ، وأمّا رواية ما قبل الأخيرة فلأنّ سورة الحمد لا تزال تقرأ بين المسلمين من أي فرقة كانوا ليلاً ونهاراً وفي كلّ زمان ومكان ، ولا أقلّ من قراءتها في كلّ يوم عشر مرّات في صلواتهم ، فكيف يتصوّر تحريفها بما ذكر في هذه الرّواية؟ وكذلك رواية ابي بن كعب بالنسبة إلى سورة الأحزاب ، لأنّه لا يعقل حذف هذا المقدار الكثير من سورة واحدة مع شدّة اهتمام المسلمين بها وحفظهم لها.

وأمّا رواية سعد بن عبدالله القمّي بالنسبة إلى قوله : « ياليتني كنت تراباً » فلأنّ بيان هذا المعنى بتلك العبارة ركيك جدّاً لا يلائم فصاحة القرآن وبلاغته.

تبقى الرّوايات الدالّة على حذف آلاف من الآيات فالجواب عنها :

أوّلاً : ما مرّ من أنّه لا يعقل إسقاط عشرة آلاف بل أكثر من الآيات مع اهتمام كثير بحفظها وجمعها وتلاوتها ليلاً ونهاراً ، ولا يتفوّه بذلك عاقل.

وثانياً : ما يتمّ بيانه في ترجمة راوي بعض هذه الرّوايات وموقف كتاب فصل الخطاب :

أمّا الراوي فهو أحمد بن محمّد السياري الذي نقل كثيراً من الرّوايات الواردة في كتاب

__________________

(١) فصل الخطاب : الدليل الثاني عشر سورة الفاتحة.

(٢) المصدر السابق : الدليل الثاني عشر سورة النبأ.

٣٣١

فصل الخطاب ( وهي ١٨٨ ) رواية بناءً على إحصاء مؤلّف كتاب « برهان روشن » ) بحيث ينبغي أن يلقّب ببطل التحريف ، وقد عبّر المحدّث النوري رحمه‌الله عن هذه الرّوايات بالروايات المعتبرة مع أنّ أحمد بن محمّد السياري كما صرّح به علماء الرجال : ضعيف فاسد المذهب مجهول الرّواية كثير المراسيل (١) ، فمع كونه بهذه الدرجة من فساد العقيدة وكذب الأقوال كيف يكون أميناً على التنزيل ويقبل قوله بعنوان كلمات المعصومين.

قيمة كتاب فصل الخطاب!!

وأمّا كتاب « فصل الخطاب » فقال المحدّث النوري رحمه‌الله في مقدّمته : « وبعد فيقول العبد المذنب المسيء حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي جعله الله تعالى من الواقفين ببابه المتمسّكين بكتابه : هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان وسمّيته فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب » ثمّ ذكر مباحثه ضمن ثلاث مقدّمات وبابين ، وذكر في الباب الأوّل إثنى عشر دليلاً بزعمه على وقوع التحريف في كتاب الله العزيز ، وفي الباب الثاني أجاب عن أدلّة القائلين بعدم تطرّق التغيير فيه بأجوبة واهيّة لا تسمن ولا تغني.

وقام تلميذه المحدّث الطهراني رحمه‌الله في مقام الدفاع عن الاستاذ في موضعين : مقدّمة المستدرك والذريعة (٢) ، وإليك عبارته في مقدّمة المستدرك ملخّصاً : « إنّ شيخنا النوري كان يقول ( حسبما شافهناه به وسمعناه من لسانه في أواخر أيّامه ) أخطأت في تسمية الكتاب وكان الأجدر أن يسمّى بفصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب وذلك لأنّي أثبتّ فيه أنّ كتاب الإسلام الموجود بين الدفتين المنتشر في أقطار العالم وحي إلهي بجميع سوره وآياته وجمله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل ولا زيادة ولا نقصان من لدن جمعه حتّى اليوم وقد وصل إلينا المجموع الأولي بالتواتر القطعي ، ولا شكّ لأحد من الإماميّة فيه ، فبعد ذا من الإنصاف أن يقاس الموصوف بهذه الأوصاف بالعهدين أو الأناجيل المعلومة أحوالها لدى كلّ خبير. هذا

__________________

(١) راجع الفهرست للشيخ ؛ ورجال النجاشي ؛ والخلاصة للعلاّمة.

(٢) فصل الخطاب : ج ١٦ ، مادّة الفاء.

٣٣٢

ما سمعناه من قول شيخنا نفسه وأمّا عمله فقد رأيناه وهو لا يقيم لما ورد في مضامين الأخبار وزناً بل يراها أخبار آحاد لا تثبت بها القرآنيّة بل يضرب بخصوصيّاتها عرض الجدار سيرة السلف الصالح من أكابر الإماميّة كالسيّد المرتضى والشيخ الطوسي وأمين الإسلام الطبرسي قدس‌سرهم وغيرهم ، ولم يكن العياذ بالله ـ يلصق شيئاً منها بكرامة القرآن وإن ألصق ذلك بكرامة شيخنا من لم يطّلع على مرامه وقد كان باعتراف جميع معاصريه رجاليّ عصره والوحيد في فنّه ولم يكن جاهلاً بأحوال تلك الأحاديث ـ كما ادّعاه بعض المعاصرين ـ حتّى يعترض عليه بأنّ كثيراً من رواة هذه الأحاديث ممّن لا يعمل بروايته ، فإنّ شيخنا لم يورد هذه الأخبار للعمل بمضامينها بل للقصد الذي أشرنا إليه ».

فاعتذر هو في هذه العبارة بأمرين :

أوّلاً : بأنّ استاذه أثبت عدم وقوع التحريف بالزيادة أو النقصان أو التغيير والتبديل من لدن جمع عثمان حتّى اليوم.

وثانياً : بأنّ استاذه لم يرد هذه الأخبار للأخذ بها والعمل بمضامينها.

ثالثاً : يستفاد اعتذاره من بعض كلماته في الذريعة بأنّ استاذه أثبت أنّ ما وقع من التحريف في الكتاب العزيز قبل جمع عثمان إنّما هو خصوص التحريف بالنقيصة لا الزيادة أو التغيير والتبديل ، والنقيصة لا تسمّى تحريفاً ولا يوجب سقوط الكتاب عن الاعتبار بل الموجب له إنّما هو الزيادة أو التغيير والتبديل.

أقول : ـ بالرغم من فائق الاحترام لكلّ من الاستاذ والتلميذ ـ : لا قيمة لشيء من هذه الاعتبارات الثلاث أصلاً :

أمّا الاعتذار الثالث فلأنّ سقوط عدد كثير من الآيات عن الكتاب العزيز على فرض المحال مع ملاحظة ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً ـ من أتمّ مصاديق التحريف حقيقة ولو فرض عدم تسميته به في العرف أو اللغة ، ولا فرق بينه وبين التحريف بالزيادة أو التغيير ، وليس النزاع في صدق لفظ التحريف وعدمه ، فإنّ الحكم هنا لا يدور مدار الألفاظ.

وأمّا الاعتذار الثاني فلأنّ من لاحظ كتاب فصل الخطاب يعلم أنّه لا يوافق ما يدّعي من أنّ استاذه كان بصدد نفي التحريف أصلاً.

٣٣٣

وأمّا الأوّل فالحقّ إنّه أسوأ حالاً من الثاني والثالث لأنّه لا خصوصيّة لمصحف عثمان بل محلّ البحث عن وقوع التحريف وعدمه إنّما هو القرآن النازل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمفروض في كلامه أنّ استاذه ادّعى التحريف فيه.

وبالجملة : إنّ هذا من الموارد التي يكون الاعتذار فيها الخطأ ، ولقد أجاد بعض الأعاظم في أمثال هذا المقال حيث قال : الاعتراف بالخطأ في كثير من الموارد أهون من الاعتذار ، فإنّ الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان.

الطائفة الثانية : وقع الخلط بين الرّوايات والحديث القدسي ...

قد تكون الرّوايات تامّة من ناحية السند إلاّ أنّه وقع الخلط فيها بين الحديث القدسي أو الدعاء المأثور من جانب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمّة وبين آيات القرآن العظيم.

والفرق بين الحديث القدسي والقرآن يظهر بما ذكره المحقّق القمّي رحمه‌الله في القوانين وإليك نصّه : « المنزل من الله على قسمين : قسم أنزل على سبيل الاعجاز وهو القرآن ، وقسم أنزل لا على سبيل الاعجاز ، وهو الحديث القدسي ( وهذه الأحاديث نُزّل بعضها على موسى عليه‌السلام وبعضها على عيسى عليه‌السلام وبعضها على رسول الله في ليلة المعراج وغيرها ».

ومن هذه الرّوايات ما رواه أبو حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال : بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل ، قد قرأوا القرآن ، فقال أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها غير أنّي قد حفظت منها : « لو كان لابن آدم واديان من مال لأبتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب » وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : « يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقهم فتسألون عنها يوم القيامة » (١).

فإنّ هذه العبارات تنادي بأعلى صوتها بأنّها من الأحاديث القدسيّة لو ثبتت صحّة إسنادها.

__________________

(١) البيان : نقلاً عن صحيح مسلم ج ٣ ، ص ١٠٠ ؛ وفي فصل الخطاب أوائل الدليل الثامن نقلاً عن السيوطي في درّ المنثور.

٣٣٤

ومنها : ما رواه عبدالله بن رزين الغافقي قال : قال لي عبدالملك بن مروان : لقد علمت ما حملك على حبّ أبي تراب إلاّ أنّك أعرابي جافّ؟ فقلت : والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجتمع أبواك ولقد علّمني منه علي بن أبي طالب عليه‌السلام سورتين علّمهما إيّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عُلِّمتهما أنت ولا أبوك : « اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفّرك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجدّ إنّ عذابك بالكفّار ملحق » (١).

وهذا أيضاً تنادي بأعلى صوتها بأنّها من الأدعية المأثورة كما لا يخفى.

ومنها : ما أخرجه البيهقي من طريق سفيان الثوري عن ابن جريح عن عطا عن عبيد بن عمير : أنّ عمر بن الخطّاب قنت بعد الركوع فقال : بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفّرك ونخلع ونترك من يفجرك ، بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إنّ عذابك بالكافرين ملحق ، قال ابن جريح : حكمة البسملة إنّهما سورتان في مصحف بعض الصحابة » (٢).

وقد سمّيت هاتين السورتين بسورة الحفر وسورة الخلع لورود هاتين الكلمتين فيهما.

فهذه العبارة واضحة الدلالة على ما ذكرنا ، كما يشهد عليه قول ابن جريح في ذيلهما حيث إنّه يرشدنا إلى علّة الخلط والاشتباه في هذا المورد ، وهي وجود البسملة في صدر الدعائين.

مضافاً إلى أنّ قرآنيّتهما لا بدّ فيها من ذكر قائل لها لأنّهما صدرتا بلسان عبد من عباد الله ، ودأب القرآن في مثل هذه الموارد أن يذكر القائل إلاّسورة الحمد خاصّة ، التي تواترت الأخبار بها.

الطائفة الثالثة : وقع الخلط بين روايات الفريقين

وردت روايات كثيرة من طرق الفريقين ووقع الخلط فيها بين القرآن نفسه وتفسيره وشأن نزوله :

__________________

(١) فصل الخطاب : أوائل الدليل الثامن بالنقل من السيوطي في الإتقان.

(٢) المصدر السابق :

٣٣٥

منها : ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذنّي ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) قال : فلمّا بلغتها آذنتها فأملت عليّ « حافظوا على الصلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر قوموا لله قانتين » قالت : عائشة سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

أقول : لا أقلّ من احتمال صدق هذا الخبر وصدور العبارة المذكورة من جانب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّه على فرض صحّة الصدور تكون هذه البعارة بمثابة تفسير للصلاة الوسطى بصلاة العصر من جانبه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا من باب أنّها جزء للآية.

ومنها : ما رواه البخاري في كتاب البيوع من صحيحه عن عمرو عن أبن عبّاس قال : كانت عكاظ ومخبة وذو المجاز أسواق الجاهلية فتأثّموا أن يتّجروا في المواسم فنزلت : « ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحجّ » (٢).

فقوله « في مواسم الحجّ » ورد لتفسير الآية ظاهراً لا أنّه جزء للآية.

ومنها : ما رواه الثعلبي عن تفسيره كما نقله الطبرسي وغيره بإسناده عن أبي نصرة قال :

سألت ابن عبّاس عن المتعة فقال : أما تقرأ سورة النساء؟ فقلت : بلى ، قال : فما تقرأ « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى » قلت : لا أقرأها هكذا. قال : ابن عبّاس : « الله هكذا أنزلها الله ثلاث مرّات » (٣).

والظاهر أنّ هذا أيضاً من وهم ابن عبّاس ولذا لم يذكره غيره.

ومنها : ما رواه السيوطي في الإتقان عن ابن عبّاس « مثل نوره كمشكاة » ( في سورة النور ) قال هي خطأ من الكاتب ، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة إنّما هي : « مثل نور المؤمن كمشكاة » (٤).

وليس هذا إلاّ اجتهاد منه في معنى الآية كما هو واضح.

ومنها : ما رواه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه عن ابن عبّاس في حديث طويل

__________________

(١) فصل الخطاب : أوائل الدليل الثامن.

(٢) المصدر السابق :

(٣) المصدر السابق :

(٤) المصدر السابق :

٣٣٦

أنّه كان يقرأ : « وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصباً » وكان يقرأ : « وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين » (١).

والكلام فيه كما في سابقه.

ومنها : ما رواه علي بن عيسى الإربلي في كشف الغمّة عن طريق العامّة عن زرّ بن عبدالله قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أيّها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس » (٢).

ومنها : ما رواه البيهقي في سننه عن ابن عمر أنّه طلّق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتغيّظ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : « ليراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلّقها فيطلّقها طاهرة قبل أن يمسّها فتلك العدّة التي أمر الله تعالى أن يطلّق بها النساء وقرأ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيّها النبي إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ في قبل عدتهنّ » (٣).

فعوّضت كلمة اللام في قوله تعالى « لعدتهنّ » بكلمة « في قبل » تفسيراً لها.

ومنها : ما رواه الراغب الإصفهاني في المحاضرات من أنّه قرأ بعضهم : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجهم امّهاتهم وهو أب لهم » (٤).

فقوله : « وهو أب لهم » تفسير لقوله تعالى : « وأزواجه امهاتهم » لأنّ لازم كون الأزواج امّهات كون الزوج أباً.

ومنها : ما رواه الشيخ أبو الحسن الشريف في تفسيره عن عبدالرحمن السلمي قال : قال عمر بن الخطّاب : لا تغالوا في مهور النساء ، فقالت : امرأة ليس ذلك لك ياعمر ، إنّ الله يقول : وآتيتم إحداهنّ قنطاراً من ذهب ، فقال عمر : « إنّ امرأة خاصمت عمراً فخصمته » (٥).

إلى غير ذلك ممّا يعلم أو يحتمل فيه وقوع الخلط بين متون الآيات والتفاسير الواردة فيها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمّة الهادين أو غيرهم ، فلا يصحّ الاستدلال بشيء منها على وقوع

__________________

(١) فصل الخطاب : أوائل الدليل الثامن.

(٢) المصدر السابق :

(٣) المصدر السابق :

(٤) المصدر السابق :

(٥) المصدر السابق :

٣٣٧

التحريف حتّى إذا فرضنا صحّة إسنادها والله العالم بحقائق الامور.

الطائفة الرابعة : في روايات تدل على مطلق التحريف ...

هذه الطائفة من الرّوايات تدلّ على مطلق التحريف ، ولكن حملها المحدّث النوري رحمه‌الله على التحريف اللفظي مع أنّ المعنوي منه أيضاً معنى شائع له ـ كما مرّ ـ مضافاً إلى وجود شواهد في نفس هذه الرّوايات تشهد على أنّ المراد من التحريف فيها هو التحريف المعنوي.

فمنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف والمسجد والعترة ، يقول المصحف : « ياربّ حرّفوني ومزّقوني » ويقول المسجد : « عطّلوني وضيّعوني » وتقول العترة : « ياربّ قتلونا وشرّدونا » (١).

فقوله : « مزّقوني » قرينة على أنّ المراد من التحريف هو التحريف المعنوي لأنّ تمزيق أوراق الكتاب لم يكن أمراً شائعاً في مرّ التاريخ بل لم يرد وقوعه من أحد إلاّ القليل مثل الوليد ، فيكون التمزيق حينئذٍ كناية عن التحريف في المعنى.

ومنها : ما رواه علي بن إبراهيم القمّي بإسناده عن أبا ذرّ قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ترد عليّ امّتي يوم القيامه على خمس رايات ، فراية مع عجل هذه الامّة فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفنا ونبذناه وراء ظهورنا ، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه ... » (٢).

فقوله « ونبذناه وراء ظهورنا » أيضاً قرينة على أنّ المراد هو التحريف المعنوي لأنّ نبذ القرآن وراء الظهور كناية عن عدم العمل به.

ومنها : ما رواه ابن شهر آشوب في المناقب ـ كما في البحار ـ عن أبي عبدالله الحسين عليه‌السلام في خطبته يوم عاشوراء وفيها : « فإنّما أنتم من طواغيت الامّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفوا الكتاب ... الخطبة » (٣).

__________________

(١) فصل الخطاب : أوائل الدليل الثامن.

(٢) المصدر السابق : أواسط الدليل الحادي عشر.

(٣) المصدر السابق :

٣٣٨

فإنّ المخاطب في هذا الكلام هم أهل الكوفة الذين جاؤوا لقتل الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء ، ولا إشكال في أنّه لو فرض وقوع التحريف اللفظي فقد كان من آبائهم ، وأمّا تحريف هؤلاء الحاضرين في كربلاء فكان معنويّاً قطعاً.

ومن العجب ما قاله المحدّث النوري رحمه‌الله هنا من أنّه لابدّ لنا من حمل التحريف في هذه الأخبار على التحريف اللفظي لا المعنوي ، واستدلّ له بقرائن كثيرة. منها : « إنّا لم نعثر على التحريف المعنوي الذي فعله الخلفاء الذين نسب إليهم التحريف في تلك الأخبار في آية أو أكثر وتفسيرهم لها بغير ما أراد الله تعالى منها ، ولو وجد ذلك لكان في غاية القلّة » إلى غير ذلك ممّا ذكره في هذا المجال ، مع إنّا نعلم أنّهم كانوا يحرّفون الكتاب ليلاً ونهاراً تحريفاً معنويّاً كتطبيقهم كلمة وليّ الأمر أو المؤمنين الواردة في آيات من الكتاب على أنفسهم ، وقوله تعالى : ( وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) على من خالفهم.

الطائفة الخامسة : في روايات تدلّ على حذف آيات الفضائل :

منها : ما رواه في الكافي عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : « نزل القرآن ثلاثاً : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض الأحكام » (١).

ومنها : ما رواه في الكافي أيضاً عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : « إنّ القرآن نزل على أربعة أرباع :

ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما لم يكن إلاّبعدكم وفصل ما بينكم » (٢).

ومنها : ما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع في فرائض وأحكام ، وربع سنن وأمثال ولنا كرائم القرآن » (٣).

ووجه الاستدلال هو عدم وجود مثل هذه الأثلاث أو الأرباع في الكتاب الموجود بين أيدينا.

__________________

(١) فصل الخطاب : أواسط الدليل الحادي عشر.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٣٣٩

والجواب عن هذه الطائفة واضح ، لأنّ المراد من قوله عليه‌السلام « فينا » الانطباق عليهم على نحو انطباق الكلّي على مصداقه الأتمّ الأكمل ، كما ورد في بعض الرّوايات بالإضافة إلى كلّ آية ورد فيها « الذين آمنوا » : أنّ عليّاً عليه‌السلام على رأسها وأميرها ، أي إنّه أتمّ المصاديق كما أنّ أعدائهم أتمّ مصاديق الآيات التي وردت فيها « الذين كفروا » ، وحيث إن ثلث القرآن ورد في بيان حالات المؤمنين والكافرين فباعتبار انطباقها على الأئمّة عليهم‌السلام وعلى عدوّهم انطباق العنوان الجامع على أتمّ مصاديقه يصحّ أن يقال مثلاً : « نزل القرآن أثلاثاً ثلث فينا وفي عدوّنا » لا أنّ أساميهم كانت مذكورة في الكتاب العزيز.

الطائفة السادسة : في اختلاف القراءات

وردت في اختلاف القراءات ومن هذا القبيل كثير من الرّوايات التي أوردها المحدّث النوري رحمه‌الله في الدليل الثاني عشر :

منها : ما رواه السياري عن البرقي عن النصر عن يحيى بن هارون قال : صلّيت خلف أبي عبدالله عليه‌السلام بالقادسيّة فقرأ : من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ( بضم الياء ) ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يُره ( بضمّ الياء أيضاً ).

وسيأتي إن شاء الله تعالى في البحث عن اختلاف القراءات عدم كونه من التحريف مطلقاً فانتظر.

الطائفة السابعة : في روايات ليست داخلة في الطوائف الستة ...

وهنا وردت روايات ليست داخلة في إحدى الطوائف الستّة السابقة ولا يرد عليه أحد من الإشكالات الواردة عليها ولكنّها مردودة من جهتين :

الاولى : أنّها مخالفة لكتاب الله العزيز ، وقد ورد في أحاديث أهل البيت « إنّ ما خالف كتاب الله فذروه ».

الثانية : اعراض الأصحاب عنها حتّى بالنسبة للمحدّث النوري رحمه‌الله نفسه كما يدلّ عليه ما

٣٤٠