ومن المعلوم عدم وقوع الخلاف بين العلماء أو الخطأ في نتائج الأفكار في القسمين الأوّلين ، بخلاف القسم الثالث حيث وقعت الاختلافات والمشاجرات الكثيرة الشديدة بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية والطبيعية وبين علماء الإسلام في اصول الفقه ومسائل الفقه وعلم الكلام وغير ذلك ، والسبب في ذلك بُعد هذه العلوم عن الإحساس فلا بدّ في إثباتها من المنطق ، والقواعد الفقهيّة عاصمة من الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة.
ويمكن أن نضيف إلى ما ذكره : أنّ العلم الإجمالي بوقوع الخطأ في هذا القسم مانع عن حصول القطع في مسائله ، لأنّ الموجبة الكلّية لا تجتمع مع السالبة الجزئيّة كما مرّ ، وهذا يقتضي أن يتبدّل علمنا التفصيلي بكلّ واحد من تلك المسائل إلى الظنّ ويرجع هذا إلى عدم حجّية إدراكات العقل في غير المحسوسات وما تكون مبادئه قريبة من الإحساس.
والمحقّق الخراساني رحمهالله تجاوز هذا الوجه إتّكالاً على أنّ النزاع مع هذا المحدّث نزاع صغروي ، لكننا نعتقد بأهميّته لأنّه على أي حال سواء كان النزاع في الصغرى أم في الكبرى يوجب عزل العقل بالمرّة عن الإدراك والحجّية ، فلا بدّ من حلّه والجواب عنه.
فنقول يرد عليه :
أوّلاً : إنّ ما ذهب إليه من عدم وقوع الخطأ في الحسيّات وما ينتهي إلى مادّة قريبة من الإحساس ممنوع بالوجدان لوقوع الخطأ الكثير في المبصرات والمسموعات وغيرها الحواس ، فيقطع الإنسان مثلاً بوصول الماء إلى البشرة في الوضوء ثمّ ينكشف خلافه تفصيلاً أو إجمالاً ، وهكذا في الرياضيات فينكشف الخلاف مثلاً في جمعه وتفريقه وإن لم يظهر الخطأفي قواعده.
ثانيا : أنّ كلامه يوجب بطلان نفسه ، لأنّ استدلاله ليس من الحسّيات ولا من الرياضيات بل داخل في القسم الثالث الذي لا يحصل القطع فيه عنده.
ثالثاً : ما مرّ سابقاً من أنّ القطع الحقيقي وإن لم يكن في بعض العلوم النظريّة إلاّ أنّه لا إشكال في حصول القطع العادي العرفي الذي استقرّت سيرة العقلاء على حجّيته وقد أمضاها الشارع أيضاً.
هذا كلّه في المقام الثاني.
أمّا المقام الثالث : فهو في روايات استدلّوا بها على عدم حجّية العقل ، وهي المهمّ في المقام