بحار الأنوار - ج ٣١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أبي إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : دخلت على (١) ابن عباس ، فجرى ذكر الفرائض والمواريث ، فقال ابن عباس : سبحان الله العظيم! أترون (٢) الذي أحصى رمل عالج (٣) عددا جعل في مال نصفين (٤) وثلثا وربعا أو قال : نصفا ونصفا وثلثا وهذان النصفان قد ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث؟! فقال له زفر بن أوس البصري : يا أبا العباس! فمن أول من أعال الفرائض؟. فقال : عمر بن الخطاب (٥) ، لما التفت عنده الفرائض ودفع (٦) بعضها بعضا ، فقال : والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر ، وما أجد شيئا هو أوسع إلا أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص ، وأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة ، وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة (٧) فقال له زفر بن أوس : فأيها قدم وأيها أخر؟. فقال : كل فريضة (٨). لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة ، فهذا ما قدم الله. وأما ما أخر

__________________

(١) في المسالك : إلى ، بدل : على.

(٢) في المصدر : أيرون.

(٣) رمل عاجل : هو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض ، ونقل أن رمل عالج جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء ، والدهناء بقرب يمامة ، وأسفلها بنجد ، وفي كلام البعض : رمل عالج محيط بأكثر أرض العرب. قاله الطريحي في مجمعه ٢ ـ ٣١٨. وهناك ثمة أقوال أخر تجدها في معجم البلدان ٤ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ، ومراصد الاطلاع ٢ ـ ٩١١.

(٤) في المسالك : نصف [ نصفا ].

(٥) قد نص على ذلك السيوطي في أوائله وتاريخه : ٩٣ ، والجصاص في أحكام القرآن ٢ ـ ١٠٩ ، والحاكم في المستدرك ٤ ـ ٣٤٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٦ ـ ٢٥٣ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦ ـ ٧ ، والسكتواري في محاضرات الأوائل : ١٥٢ .. وغيرهم ويعد أول من أعال الفرائض لما التوت عليه ودافع بعضها بعضا.

(٦) في ( ك‍ ) : رفع.

(٧) في المصدر : الفريضة ـ بالألف واللام ـ.

(٨) في ( ك‍ ) هنا زيادة : فرضها الله.

٤١

فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي ، فتلك التي أخر ، وأما (١) الذي قدم ، فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شيء ، والزوجة لها الربع فإذا زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء ، والأم لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس لا يزيلها عنه شيء ، فهذه الفرائض التي قدم الله عز وجل ، وأما التي أخر ، ففريضة البنات والأخوات لهن النصف والثلثان ، فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي ، فتلك التي أخر ، فإذا اجتمع ما قدم الله تعالى وما أخر (٢) ، بدئ بما قدم الله فأعطي حقه كاملا ، فإن بقي شيء كان لمن أخر (٣) ، وإن لم يبق شيء فلا شيء له ، فقال له زفر بن أوس : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟. فقال : هبته (٤) ، والله وكان امرأ مهيبا ، قال الزهري : والله لو لا أن تقدم ابن عباس إمام عدل كان أمره على الورع أمضى أمرا وحكم به وأمضاه لما اختلف على ابن عباس اثنان (٥).

__________________

(١) في ( س ) : فأما. وفي الروضة : فأما التي.

(٢) في المصدر : وما الله أخر ، بدلا من : الله تعالى وما أخر.

(٣) زيادة : الله ، بعد : أخر ، جاءت في المصدر.

(٤) إلى هنا جاء في المصادر السالفة باختلاف في اللفظ.

(٥) نذيل هذا المقام بذكر قضيتين :

الأولى : ما رواها الحاكم في المستدرك ٤ ـ ٣٣٩ ، بسنده عن معمر عن الزهري عن ابن سلمة ، قال : جاء إلى ابن عباس رجل ، فقال : رجل توفي وترك بنته وأخته لأبيه وأمه؟. فقال : لابنته النصف وليس لأخته شيء. قال الرجل : فإن عمر قضى بغير ذلك ، جعل للابنة وللأخت النصف. قال ابن عباس : أنتم أعلم أم الله؟!. فلم أدر ما وجه هذا حتى لقيت ابن طاوس ، فذكرت له حديث الزهري ، فقال : أخبرني أبي أنه سمع ابن عباس يقول : قال الله عز وجل : ( إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك .. ) قال ابن عباس : فقلتم أنتم لها النصف وإن كان له ولد. قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وقد جاء أيضا فيه ٢ ـ ٣١٠ باختلاف يسير في اللفظ ، وقد رواه البيهقي في سننه ٦ ـ ٢٣٣ أيضا. وقال السيد الفيروزآبادي في السبعة من السلف : ٩٢ : إن هذا الإفتاء من عمر كان على وجه الجهل بالآية الكريمة ، وإلا فبعيد منه أنه مع العلم بها يفتي بخلاف ما أنزل الله ، والله أعلم. ولعل مراده رحمه‌الله أن يجهر بالمخالفة ، وهذا غريب منه مع صراحة آية المتعة والتيمم وغيرهما.

٤٢

و منها : التثويب ، وهو قول : الصلاة خير من النوم ، في الأذان.

فقد (١) روى في جامع الأصول (٢) مما رواه عن الموطإ (٣) ، قال (٤) عن مالك أنه بلغه المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلهما في الصبح.

ويظهر منها أن مارووه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالتثويب من مفترياتهم ، ويؤيده أن رواياتهم (٥) في الأذان خالية عن التثويب (٦).

__________________

الثانية : أخرج البيهقي في سننه ٦ ـ ٢٥٥ بعدة طرق ، والدارمي في سننه ١ ـ ١٥٤ ، وأبو عمر في العلم : ١٣٩ ، وآخرين ، عن مسعود الثقفي ، قال : شهدت عمر بن الخطاب أشرك الإخوة من الأب والأم مع إخوة من الأم في الثلث ، فقال له رجل : قضيت في هذا عام أول بغير هذا. قال : كيف قضيت؟. قال : جعلته للإخوة من الأم ولم تجعل للإخوة من الأب والأم شيئا. قال : تلك على ما قضينا ، وهذا على ما قضينا!.

وفي لفظ : تلك على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم!.

أقول : كيف يسوغ لمثل الخليفة أن يجهل أحكام الدين وهو القائل : ليس أبغض إلى الله ولا أعم ضرا من جهل إمام وخرقه ، كما نقله عنه ابن الجوزي في سيرة عمر : ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٦١. وكيف يشتغل بمنصب الإمارة قبل أن يتفقه في دين الله ، وهو القائل : تفقهوا قبل أن تسودوا ، ذكره البخاري في صحيحه في باب الاغتباط في العلم ١ ـ ٣٨.

(١) لا توجد : فقد ، في ( س ).

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٢٨٦ حديث ٣٣٦٠.

(٣) موطأ مالك ١ ـ ٧٢ كتاب الصلاة باب ما جاء في النداء للصلاة.

(٤) خط على كلمة : قال ، في ( ك‍ ) ، وجاءت زيادة : أن ، بعد لفظة : بلغه ، في الجامع.

(٥) انظر مثالا إلى : سنن أبي داود كتاب الصلاة باب كيفية الأذان حديث ٤٩٩ وباب بدء الأذان حديث ٥٠٠ ـ ٥٠٧ ، وسنن الترمذي كتاب الصلاة باب ما جاء في بدء الأذان حديث ١٨٩ ، وباب ما جاء أن الإقامة مثنى مثنى حديث ١٩٤ ، وباب ما جاء في الترجيع بالصلاة في الأذان حديث ١٩١ ، ومسند أحمد بن حنبل ٥ ـ ٢٤٦ ، وصحيح مسلم كتاب الصلاة باب صفة الأذان حديث ٣٧٩ ، وسنن النسائي ٢ ـ ٤ في الأذان.

(٦) أخرج الطبري في المستبين ، والقوشجي في شرح التجريد : ٨٧٩ في بحث الإمامة ، والبياض في الصراط المستقيم وغيرهم ، عن عمر ، أنه قال : ثلاث كن على عهد رسول الله ٦ : أنا محرمهن ومعاقب عليهن : متعة الحج ، ومتعة النساء ، وحي على خير العمل في الأذان.

٤٣

الطن الخامس عشر :

أنه كان يعطي من بيت المال ما لا يجوز ، فأعطى عائشة وحفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة (١) ، وحرم أهل البيت عليهم‌السلام خمسهم الذي جعله الله لهم (٢) ، وكان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال يوم مات على سبيل القرض (٣) ، ولم يجز شيء من ذلك ، أما الأول فلأن الفيء والغنائم ونحو ذلك

__________________

وهذا تصرفه الآخر في الأذان. قال الأميني ـ رحمه‌الله ـ في الغدير ٦ ـ ١١٠ : كان أحكام القضايا تدور مدار ما صدر عن رأي الخليفة سواء أصاب الشريعة أم أخطأ ، وكان الخليفة له أن يحكم بما شاء وأراد وليس هناك حكم يتبع وقانون مطرد في الإسلام ، ولعل هذا أفظع من التصويب المدحوض بالبرهنة القاطعة.

ومن محدثات الخليفة : أن جعل معرفة البلوغ بالقياس بالأشبار ، فإن وجد ستة أشبار فهو بالغ وإلا فلا!! ، كما أورده البيهقي في السنن الكبرى ٥ ـ ٥٤ و ٥٩ ، وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ومسدد وابن المنذر في الأوسط ، كما في كنز العمال ٣ ـ ١١٦.

وأما تلاعبه بالحدود تقليلا وزيادة فلو راجعت المسانيد والسنن لوجدت منها العجب العجاب.

وكفاك منها شاهدا ما أورده في كنز العمال ٣ ـ ١٩٦ وما بعدها عن جملة مصادر.

(١) قد اتفق المؤرخون أن عمر مفرق لا يقسم بالسوية ـ وإن اختلفوا في كمية وكيفية تفرقته في العطاء ـ راجع تفصيل ذلك في : أخبار عمر للطنطاوي : ١٢٢ ، فتوح البلدان للبلاذري : ٤٣٥ ، والفخري للطقطقي : ٦٠ ، وطبقات ابن سعد ٣ ـ ٢٢٣ ، والخراج لأبي يوسف : ٥١ ، والكامل لابن الأثير ٢ ـ ٢٤٧ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ١٢ ـ ٢١٤ [ ٣ ـ ١٥٣ طبعة مصر أربع مجلدات ]. وانظر أيضا : تاريخ الطبري ٣ ـ ٦١٤ ، والأحكام السلطانية : ١٧٧ ، والأموال لأبي عبيدة : ٢٢٦ وغيرها.

(٢) كما جاء في تفسير الكشاف عند تفسير آية الخمس ، وتفسير النسفي ٢ ـ ٦١٦ ، وتفسير المنار ١ ـ ١٥ ، وأخبار عمر للطنطاوي : ١٠٥ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢١٤ [ ٣ ـ ١٥٣ ]. وانظر : كتاب الأموال لأبي عبيد حديث ٤٠ و ٨٤٢ ، وسيذكر المصنف ـ ; ـ مصادر أخرى في المتن ، فانتظر.

(٣) قد نقل ابن أبي الحديد في شرحه ٤ ـ ٥٢٨ قول عمر لابنه : يا عبد الله بن عمر! انظر ما علي من الدين؟. فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألف درهم ( أو نحوه ).

وبنفس هذا المضمون رواه المتقي في كنز العمال ٦ ـ ٣٦٢ في وفاة عمر. وأورد أصل الاقتراض

٤٤

ليست من الأموال المباحة التي يجوز لكل أحد التصرف (١) فيها كيف شاء ، بل هي من حقوق المسلمين يجب صرفه إليهم على الوجه الذي دلت عليه الشريعة المقدسة ، فالتصرف فيها محظور إلا على الوجه الذي قام عليه دليل شرعي ، وتفضيل طائفة في القسمة وإعطاؤها أكثر مما جرت السنة عليه لا يمكن إلا بمنع من استحق بالشرع حقه ، وهو غصب لمال الغير وصرف له في غير أهله ، وقد جرت السنة النبوية بالاتفاق على القسم بالتسوية.

وأول من فضل قوما في العطاء هو عمر بن الخطاب كما اعترف به ابن أبي الحديد (٢) وغيره (٣) من علمائهم.

قال ابن أبي الحديد (٤) : روى أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال : استشار عمر الصحابة بمن يبدأ في القسم والفريضة؟ ، فقالوا : ابدأ بنفسك. فقال : بل أبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وذوي قرابته ، فبدأ بالعباس. قال ابن الجوزي : وقد وقع الاتفاق على أنه

__________________

الطبري في تاريخه ٥ ـ ٢٢ ، وابن الأثير في الكامل ٣ ـ ٢٩ ، وغيرهما كثير.

(١) في ( ك‍ ) : التصريف.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢١٣.

(٣) كابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ ـ ٢٨٢ وغيره ، وذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل :١١٤ : أن عمر جعل لعائشة اثني عشر ألفا في كل سنة ، وكتب أزواج النبي في عشرة آلاف لكل واحدة ، وكتب بعد أزواج النبي عليا عليه‌السلام في خمسة آلاف و [ من ] شهد بدرا من بني هاشم ، وكتب عثمان في خمسة آلاف ، ومن شهد بدرا من موالي بني أمية على سواء ، ثم قال بمن نبدأ؟. قالوا : بنفسك!. قال : بل نبدأ بآل أبي بكر ، فكتب طلحة في خمسة آلاف ، وبلالا في مثلها ، ثم كتب لنفسه ومن شهد بدرا من بطون قريش خمسة آلاف .. خمسة آلاف ، ثم كتب الأنصار في أربعة آلاف. فقالوا : قصرت بنا على إخواننا؟!. قال : أجعل الذين قال الله لهم : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) ـ مثل من أتته الهجرة في داره؟!. قالوا : رضينا. ثم كتب لمن شهد فتح مكة في ألفين .. إلى آخره.

(٤) في شرحه على النهج ١٢ ـ ٢١٤ ـ ٢١٥ بتصرف.

٤٥

لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له ، روي أنه فرض له خمسة عشر ألفا (١) ، وروي أنه فرض له اثني عشر ألفا ، وهو الأصح ، ثم فرض لزوجات رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] لكل واحدة عشرة آلاف ، وفضل عائشة عليهن بألفين فأبت (٢) ، فقال : ذلك لفضل (٣) منزلتك عند رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، فإذا أخذت فشأنك ، واستثنى عن الزوجات جويرية وصفية وميمونة ففرض (٤) لكل واحدة منهن ستة آلاف، فقالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] يعدل بيننا، فعدل عمر بينهن وألحق هؤلاء الثلاث بسائرهن ، ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف ، ولمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف.

وقد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو غيرهم من القبائل خمسة آلاف ، ثم فرض لمن شهد أحدا وما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف ، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف ، ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد (٥) رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ألفين وخمسمائة ، وألفين ، وألفا وخمسمائة ، وألفا واحدا .. إلى مائتين .. وهم أهل هجر (٦) ، ومات عمر على ذلك.

قال ابن الجوزي : وأدخل عمر في أهل بدر ممن لم يحضر بدرا أربعة ، وهم الحسن والحسين عليهما‌السلام وأبو ذر وسلمان ، ففرض لكل واحد منهم خمسة

__________________

(١) لا توجد من قوله : روي .. إلى هنا ، في المصدر ، والظاهر كونه سقط منه.

(٢) وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال : ٢٢٦ فرضه لعائشة اثني عشر ألف درهم.

(٣) في شرح النهج : بفضل.

(٤) في ( س ) : فرض.

(٥) في المصدر زيادة : وفاة.

(٦) هجر : اسم بلد معروف بالبحرين .. وقرية من قرى المدينة ، قاله ابن الأثير في نهايته ٥ ـ ٢٤٧.

وهناك ثمة أقوال أوردها في مراصد الاطلاع ٣ ـ ١٤٥٢ ، ومعجم البلدان ٥ ـ ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ، فراجع.

٤٦

آلاف (١).

قال ابن الجوزي : فأما ما اعتمده في النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة .. خمسمائة (٢) ، ونساء من بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة .. أربعمائة (٣) ، ونساء من بعد ذلك على ثلاثمائة .. ثلاثمائة (٤) ، وجعل نساء أهل القادسية على مائتين (٥) ، ثم سوى بين النساء بعد ذلك. انتهى.

وروى البخاري (٦) ومسلم (٧) وغيرهما (٨) بأسانيد عديدة أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأنصار في مقام التسلية قريبا من وفاته : ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.

وهل يريب عاقل في أن هذا القول بعد أن كان يسوي بين المهاجرين والأنصار مدة حياته إخبار بما يكون بعده (٩) من التفضيل ، ويتضمن عدم إباحته وعدم رضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به.

ويؤيد حظر التفضيل ومخالفة السنة في القسمة أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أبطل سيرة عمر في ذلك ، ورد الناس إلى السنة والقسم بالسوية (١٠)، وهو عليه‌السلام

__________________

(١) هنا سقط يراجع المصدر.

(٢) لم تتكرر كلمات : خمسمائة ، أربعمائة ، ثلاثمائة ، في المصدر.

(٣) لم تتكرر كلمات : خمسمائة ، أربعمائة ، ثلاثمائة ، في المصدر.

(٤) لم تتكرر كلمات : خمسمائة ، أربعمائة ، ثلاثمائة ، في المصدر.

(٥) تكررت كلمة : مائتين ، في المصدر.

(٦) صحيح البخاري ٧ ـ ٨٩ و ٩٠ في فضائل أصحاب النبي (ص) ، وباب قول النبي (ص) للأنصار : اصبروا ، وكتاب الفتن باب قول النبي (ص) : سترون بعدي أمورا تنكرونها.

(٧) صحيح مسلم كتاب الإمارة باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة حديث ١٨٤٥.

(٨) والترمذي في سننه كتاب الفتن ، باب ما جاء في الإمرة حديث ٢١٩٠ ، والنسائي في سننه ٨ ـ ٢٢٤ و ٢٢٥ كتاب القضاء باب ترك استعمال من يحرض على القضاء ، وابن الأثير في جامع الأصول ٩ ـ ١٦٨ حديث ٦٧٢٦.

(٩) في ( س ) : بعد ـ بلا ضمير ـ.

(١٠) كما جاء في خطبة له ٧ : لو كان المال لي فسويت بينهم فكيف والمال مال الله .. انظر :نهج البلاغة لمحمد عبده ١ ـ ٢٦٠ [ ١ ـ ١٤٠ ] ، ولصبحي صالح : ١٨٣ خطبة ١٢٦.

٤٧

يدور مع الحق ويدور الحق معه حيثما دار بنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)، كما تضافرت (٢) به الروايات من طرق المخالف والمؤالف ، ومع ذلك احتج عليه‌السلام على المهاجرين والأنصار لما كرهوا عدله في القسمة وأنكروه عليه ، بمخالفة التفضيل للشريعة ، وألزمهم العدل في القسمة ، فلم يرده عليه أحد منهم ، بل أذعنوا له وصدقوا قوله ، ثم فارقه طلحة والزبير ومن يقفو إثرهما رغبة في الدنيا وكراهة للحق ، كما سيأتي (٣) في باب بيعته عليه‌السلام وغيره.

وقد قال ابن أبي الحديد (٤) في بعض كلامه ـ :

فإن قلت : إن أبا بكر قد قسم بالسوية (٥) ، كما قسمه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولم ينكروا عليه كما أنكروا على أمير المؤمنين عليه‌السلام؟.

قلت : إن أبا بكر قسم محتذيا بقسم رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، فلما ولي عمر الخلافة وفضل قوما على قوم ألفوا ذلك ونسوا تلك القسمة الأولى ، وطالت أيام عمر ، وأشربت قلوبهم حب المال وكثرة العطاء ، وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة ، ولم يخطر لأحد من الفريقين أن هذه الحال تنتقض (٦) أو تتغير بوجه ما ، فلما ولي عثمان أجرى (٧) الأمر على ما كان عمر يجريه ، فازداد وثوق العوام بذلك ، ومن ألف أمرا أشق (٨) عليه فراقه وتغيير العادة فيه ، فلما ولي

__________________

(١) مرت مصادر الحديث في أول تحقيقاتنا.

(٢) توجد حاشية في ( ك‍ ) وهي : المضافرة ـ بالضاد والفاء ـ : التألب ، وقد تضافر القوم ، وتضافروا : إذا تألبوا. وقد تألبوا : .. أي اجتمعوا. النهاية.

انظر : النهاية لابن الأثير ٣ ـ ٩٣ وفيه : وتظافروا ـ بالظاء أخت الطاء ـ ، و ١ ـ ٥٩.

(٣) بحار الأنوار ٣٢ ـ ١٤٥ ـ ١٤٨.

(٤) شرح النهج لابن أبي الحديد ٧ ـ ٤٢ ـ ٤٣ ، بتفاوت كثير أشرنا إلى بعضه.

(٥) في المصدر : بالسواء.

(٦) في ( س ) : تنقض.

(٧) في ( ك‍ ) : أجر.

(٨) جاءت في ( ك‍ ) : شق.

٤٨

أمير المؤمنين عليه‌السلام أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأبي بكر ، وقد نسي ذلك ورفض ، وتخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة ، فشق ذلك عليهم وأكبروه (١) حتى حدث ما حدث من نقض البيعة ومفارقة الطاعة ، ولله أمر هو بالغه!.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام (٢) في بعض احتجاجه على طلحة والزبير : وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة (٣) فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني ، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد فرغ منه فلم أحتج إليكما فيما (٤) فرغ الله من قسمه ، والله (٥) أمضى فيه حكمه فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى ، أخذ الله بقلوبكم وقلوبنا (٦) إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر.

وقال ابن أبي الحديد في شرح هذا الكلام (٧) : قد (٨) تكلم عليه‌السلام في معنى النفل و (٩) العطاء ، فقال : إني عملت بسنة رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] في ذلك ، وصدق عليه‌السلام ، فإن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] سوى بين الناس في العطاء (١٠) وهو مذهب أبي بكر.

__________________

(١) في شرح النهج : وأنكروه وأكبروه.

(٢) نهج البلاغة ـ محمد عبده ـ ٢ ـ ١٨٥ ، صبحي الصالح : ٣٢٢ برقم ٢٠٥.

(٣) مصداق الأسوة هنا هو التسوية بين المسلمين في قسمة الأموال ، وكان ذلك سببا لغضبهما على ما روي.

(٤) زيادة جاءت في : صبحي الصالح : قد.

(٥) لا توجد : والله ، في نسختي النهج.

(٦) في النهج : قلوبنا وقلوبكم.

(٧) شرح النهج للمعتزلي ١١ ـ ١٠.

(٨) في المصدر : ثم.

(٩) في المصدر : التنفيل في ، بدلا من : النفل و.

(١٠) في الشرح : في العطاء بين الناس ـ بتقديم وتأخير ـ.

٤٩

ثم قال (١) : إن طلحة والزبير قد نقما عليه (٢) الاستبداد وترك المشاورة ، وانتقلا من ذلك إلى الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال ، وأثنيا على عمر وحمدا سيرته وصوبا رأيه ، وقالا : إنه كان يفضل أهل السوابق .. وضللا عليا فيما رأى ، وقالا : إنه أخطأ .. وإنه خالف سيرة عمر وهي السيرة المحمودة .. (٣) ، واستنجدا عليه بالرؤساء من المسلمين الذين (٤) كان عمر يفضلهم وينفلهم في القسم على غيرهم ، والناس أبناء الدنيا ، ويحبون ( الْمالَ حُبًّا جَمًّا ) ، فتنكرت على أمير المؤمنين عليه‌السلام بتنكرهما قلوب كثيرة ، ونغلت (٥) عليه نيات كانت من قلب (٦) سليمة. انتهى.

وبالجملة ، من راجع السير والأخبار لم يبق له ريب في أن سيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام في القسمة هو العدل تأسيا برسول الله صلى الله عليه [ وآله ] واتباعا لكتابه ، وقد احتج عليه‌السلام على المصوبين لسيرة عمر في تركه العدل بأن التفضيل مخالف للسنة ، فلم يقدر أحد على رده ، وصرح عليه‌السلام أن التفضيل جور وبذل المال في غير حقه تبذير وإسراف كما سيأتي.

وروى ابن أبي الحديد (٧) ، عن هارون بن سعد (٨) ، قال : قال عبد الله بن جعفر (٩) لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين! لو أمرت لي بمعونة أو نفقة! ، فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي. فقال : لا والله ، ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر عمك

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١١ ـ ١١.

(٢) جاءت العبارة في المصدر هكذا : وتنقما عليه. أقول : مرجع الضمير : طلحة والزبير.

(٣) هنا سقط جاء في الشرح.

(٤) لا توجد : الذين ، في المصدر.

(٥) في ( س ) : نقلت. وجاء في حاشية ( ك‍ ) : نفلت نياتهم أي فسدت صحاح. انظر : الصحاح ٥ ـ ١٨٣٢.

(٦) خ. ل : كان من قبل. وفي المصدر : كانت من قبل ، وهو الأنسب.

(٧) في شرح النهج ٢ ـ ٢٠٠.

(٨) في ( س ) : مبعد ، وفي المصدر : سعيد.

(٩) زيادة : ابن أبي طالب ، جاءت في الشرح.

٥٠

أن (١) يسرق فيعطيك.

وذكر ابن أبي الحديد (٢) أيضا أن عمر أشار (٣) على أبي بكر في أيام خلافته بترك التسوية فلم يقبل ، وقال : إن الله لم يفضل أحدا على أحد ، وقال : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (٤) ولم يخص قوما دون قوم.

ثم لم يستند عمر فيما زعمه صوابا إلى شبهة فضلا عن حجة ، ولو أقام حجة على ما زعمه لحكاه الناصرون له.

وقد روى ابن الأثير في الكامل (٥) ذلك ، إلا أنه لم يصرح بالمشير سترا عليه (٦).

وهل يرتاب عاقل في أنه لو كان إلى جواز التفضيل ومصانعة الرؤساء

__________________

(١) لا توجد في ( س ) : أن.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ٨ ـ ١١١ بتصرف.

(٣) في المصدر : وقد كان أشار.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) الكامل ٢ ـ ٢٩٠.

(٦) وها هو يأخذ الزكاة من الخيل مع عدم أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أبو بكر ، وقد وردت روايات في ذلك عن طريق العامة ، كما في موطإ مالك ١ ـ ٢٠٦ ، ومسند أحمد ١ ـ ١٤ ، وسنن البيهقي ٤ ـ ١١٨ ، ومستدرك الحاكم ١ ـ ٤٠١ ، ومجمع الزوائد ٣ ـ ٦٩ ، بل عد العسكري في أوائله ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ٩٣ وغيرهما : أن عمر أول من أخذ زكاة الخيل. ومن هنا وقع الشجار بينهم وبين من اتبع السنة النبوية في عدم تعلق الزكاة بالخيل أن الخليفة يسن للأمة ما لا أصل له في الدين كزكاة الخيل وصلاة التراويح وغيرهما ، وقد ينقض السنة الثابتة للصادع الكريم خشية ظن الأمة الوجوب!.

قال الشافعي في كتاب الأم ٢ ـ ١٨٩ : قد بلغنا أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رءاهما أنها واجبة. وجاء في مختصر المزني ـ هامش كتاب الأم ـ ٥ ـ ٢١٠.

وفي رواية أخرى : مخافة أن يستن بهما ، كما في السنن الكبرى للبيهقي ٩ ـ ٢٦٥ ، والكبير للطبراني ، والمجمع للهيثمي ٤ ـ ١٨ من طريق الطبراني ، وقال رجاله صحيح. وذكره السيوطي في جمع الجوامع ، كما في ترتيبه ٣ ـ ٤٥ نقلا عن ابن أبي الدنيا في الأضاحي ، والحاكم في الكنى ، وأبي بكر عبد الله بن محمد النيسابوري في الزيادات ، ثم قال : قال ابن كثير : إسناده صحيح.

وقال الهندي في كنز العمال ٣ ـ ٤٥ نقلا عن الشعبي : أن أبا بكر وعمر شهدا الموسم فلم يضحيا. وها هو ينقض السنة الثابتة من الصادع الكريم خشية ظن الأمة الوجوب ويسن لها ما لا

٥١

والأشراف للمصالح سبيل لما عدل أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى العدل والتسوية ، مع ما رآه عيانا من تفرق أصحابه عنه لذلك وميلهم إلى معاوية بقبضه عنهم ما عودهم به عمر بن الخطاب كما سيأتي (١) ، ولم يكن يختار أمرا يوجب حدوث الفتن وإراقة الدماء ، ولما كان يمنع عقيلا صاعا من بر فيذهب إلى معاوية.

فإن قيل : فلم كان الحسنان عليهما‌السلام يقبلان التفضيل ، وأبوهما عليه‌السلام لم رضي بذلك؟.

قلنا : إما للتقية كما مر مرارا ، أو لأن عمر لما حرمهم حقهم من الخمس والفيء والأنفال فلعلهما أخذا ما أخذا عوضا من حقوقهم.

ويمكن أن يقال : لما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ولي الأمر فلعل ما أخذاه صرفه عليه‌السلام في مصارفه ، وكان الأخذ من قبيل الاستنقاذ من الغاصب والاستخلاص من السارق.

ثم من غريب ما ارتكبه عمر من المناقضة في هذه القصة أنه نبذ سنة (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراء ظهره وأعرض عنه رأسا ، وفضل من شاء على غيره ، ثم لما قالت عائشة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعدل بيننا ، عدل بين الثلاث وبين غيرهن سوى عائشة ، وقد كان فضل عائشة بألفين (٣) ، فكيف كانت سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التسوية بين ثمان من الزوجات حجة ، ولم تكن حجة في العدل بين التسع ، ولا بين المهاجرين والأنصار وغيرهم؟.

واعلم أن أكثر الفتن الحادثة في الإسلام من فروع هذه البدعة ، فإنه لو استمر الناس على ما عودهم الرسول من العدل وجرى عليه الأمر في أيام أبي بكر

__________________

أصل له في الدين كزكاة الخيل وصلاة التراويح وغيرهما من أحداث كثيرة!!.

(١) بحار الأنوار : في عدة موارد منها ما مر صفحة ٤٤ وما سيأتي قريبا و ٤٠ ـ ١٠٧ و ٤١ ـ ١١٦ ، وعن العامة في إحقاق الحق ٨ ـ ٥٣٢ ـ ٥٧٣ ، فراجع.

(٢) لا توجد : سنة ، في ( س ).

(٣) قد مرت المصادر في أول الطعن ، وجاءت في طبقات ابن سعد ٣ ـ ٣٠٤ أيضا.

٥٢

لما نكث طلحة والزبير بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولم تقم فتنة الجمل ، ولم يستقر الأمر لمعاوية ، ولا تطرق الفتور إلى اتباع أمير المؤمنين عليه‌السلام وأنصاره ، ولو كان المنازع له في أول خلافته معاوية لدفعه بسهولة ولم ينتقل الأمر إلى بني أمية ، ولم يحدث ما أثمرته تلك الشجرة الملعونة من إراقة الدماء المعصومة ، وقتل الحسين عليه‌السلام ، وشيوع سب أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنابر ، ثم انتقال الخلافة إلى بني العباس وما جرى من الظلم والجور على أهل البيت عليهم‌السلام وعلى سائر أهل الإسلام.

وقد كان من الدواعي على الفتن والشرور بدعته الأخرى وهي الشورى ، إذ جعل طلحة والزبير مرشحين للخلافة نظيرين لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فشق عليهما طاعته والصبر على الأسوة والعدل ، وهذا في غاية الوضوح (١).

وقد روى ابن عبد ربه في كتاب العقد (٢) على ما حكاه العلامة رحمه‌الله عنه في كشف الحق (٣) ـ ، قال : إن معاوية قال (٤) لابن الحصين (٥) : أخبرني : ما الذي شتت أمر المسلمين وجماعتهم (٦) ومزق ملأهم ، وخالف بينهم؟!. فقال : قتل عثمان (٧). قال : ما صنعت شيئا؟. قال : فسير (٨) علي إليك (٩). قال : ما صنعت شيئا (١٠)؟. قال : ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين. قال : فأنا أخبرك ،

__________________

(١) ستأتي مفصلا في الطعن الثامن عشر.

(٢) العقد الفريد ٤ ـ ٢٨١ [ ٣ ـ ٧٥ طبعة أخرى ].

(٣) كشف الحق ( نهج الحق وكشف الصدق ) : ٣٥٥.

(٤) لا توجد : قال ، في ( س ).

(٥) هو : عمران بن حصين. وفي العقد : حضين.

(٦) لا توجد : وجماعتهم ، في العقد.

(٧) كذا في الكشف ، وفي العقد : قال : نعم ، قتل الناس عثمان.

(٨) في المصدرين : فمسير.

(٩) في العقد زيادة : وقتاله إياك.

(١٠) في الكشف والعقد زيادة : قال : فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علي إياهم. قال : ما صنعت شيئا.

٥٣

إنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعلها عمر في (١) ستة .. ثم فسر معاوية ذلك ، فقال : لم يكن من الستة رجل إلا (٢) رجاها لنفسه ، ورجاها (٣) لقومه ، وتطلعت إلى ذلك نفوسهم (٤) ، ولو أن عمر استخلف (٥) كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف.

وقد حكى ابن أبي الحديد (٦) أيضا ذلك عن معاوية وقد تمم إثارة الفتنة بإغواء معاوية وعمرو بن العاص وإطماعهما (٧) في الخلافة ، وكان معاوية عامله على الشام وعمرو بن العاص أميره وعامله على مصر ، فخاف أن يصير الأمر إلى علي عليه‌السلام. فقال لما طعن وعلم بأنه سيموت (٨) ـ : يا أصحاب محمد! تناصحوا فإن (٩) لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ، روى ذلك ابن أبي الحديد (١٠) ثم حكى (١١) عن شيخنا المفيد رحمه‌الله ، أنه قال : كان غرض عمر بإلقاء هذه الكلمة إلى الناس أن تصل إلى عمرو بن العاص ومعاوية فيتغلبا على مصر والشام لو أفضي الأمر إلى علي عليه‌السلام.

وبالجملة ، جميع ما كان وما يكون في الإسلام من الشرور إلى يوم النشور

__________________

(١) في العقد : إلى ستة.

(٢) في العقد : لم يكن رجل منهم إلا ..

(٣) في المصدرين زيادة : له ، هنا.

(٤) في الكشف : أنفسهم ، وفي العقد : نفسه.

(٥) في العقد زيادة : عليهم.

(٦) في شرحه على نهج البلاغة ٣ ـ ٩٩.

(٧) في ( س ) : إطماعها. وهو سهو.

(٨) جاءت العبارة في المصدر هكذا : إن عمر بن الخطاب قال لما طعن ..

(٩) في الشرح : فإنكم إن ..

(١٠) قاله ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة ٣ ـ ٩٩.

(١١) ابن أبي الحديد في شرحه ٣ ـ ٩٩ بتصرف واختصار.

٥٤

إنما أثمرته شجر فتنته ، فغرس أصل الفتن يوم السقيفة ، ورباها (١) ببدعه من التفضيل في العطاء ووضع الشورى و .. غير ذلك ، فهو السهيم في جميع المعاصي والأجرام ، والحامل لجملة الأوزار والآثام ، كما مر في الأخبار الكثيرة.

وأما الخمس ، فالآية صريحة في أن لذي القربى فيه حقا ، وإن اختلفوا في قدره ولم ينكر أحد أن عمر بن الخطاب لم يعطهم شيئا من أرض السواد ولا من خراجها ، وكذلك منع سهمهم من أرض خيبر ومن سائر الغنائم وجعل الغنائم من بيت المال ووقف خراجها على مصالح ، كما مر.

وروى في جامع الأصول (٢) من صحيحي أبو داود (٣) والنسائي (٤) ، عن يزيد بن هرمز ، قال : إن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه؟. فقال له : لقربى (٥) رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] قسمه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] لهم ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا ، ورددناه (٦) عليه ، وأبينا أن نقبله. هذه رواية أبي داود (٧).

وفي رواية النسائي ، قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن هو؟. قال يزيد بن هرمز : فأنا كتبت كتاب ابن عباس إلى نجدة ، كتب إليه : كتبت تسألني عن سهم ذي القربى لمن هو؟ وهو لنا أهل البيت ، وقد كان

__________________

(١) خ. ل : ورياها.

(٢) جامع الأصول ٢ ـ ٦٩٥ ـ ٦٩٦ حديث ١١٩٧ باختلاف يسير.

(٣) كذا ، والصحيح : أبي داود ـ بالياء ـ سنن أبي داود كتاب الخراج والإمارة باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى حديث ٢٩٨٢.

(٤) سنن النسائي ٧ ـ ١٢٨ ـ ١٢٩ في قسم الفيء.

(٥) في ( س ) : كقربى.

(٦) في جامع الأصول : فرددناه.

(٧) وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه كتاب الجهاد باب النساء الغازيات رضخ لهن ولا يسهم حديث ١٨١٢.

٥٥

عمر دعانا إلى أن ينكح (١) أيمنا (٢) ويجدي (٣) منه عائلنا ، ويقضى منه عن غارمنا ، فأبينا إلا أن يسلمه إلينا ، وأبى ذلك فتركنا عليه.

وفي رواية أخرى له مثل أبي داود ، وفيه : وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ، ويقضي عن غارمهم ، ويعطي فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك. انتهى.

وهي مع صحتها عندهم تدل على أن عمر منع ذوي القربى بعض حقهم الذي أعطاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويفهم منها أن (٤) هذا المنع إنما كان خوفا من قوة بني هاشم لو وصل إليهم ما فرض الله لهم من الخمس فيميل الناس إليهم رغبة في الدنيا فيمكنهم طلب الخلافة ، وقد كان خمس الخراج من سواد العراق وحده اثنين وثلاثين ألف ألف درهم في كل سنة على بعض الروايات سوى خمس خيبر وغيرها ، ولا ريب أن قيمة خمس تلك الأراضي أضعاف أضعاف هذا المبلغ ، وكذا خمس الغنائم المنقولة المأخوذة من الفرس وغيرهم مال خطير ، فلو أنهم لم يغصبوا هذا الحق بل أدوا إلى بني هاشم وسائر ذوي القربى حقهم لم يفتقر أحد منهم أبدا ، فوزر ما أصابهم من الفقر والمسكنة في أعناق أبي بكر وعمر وأتباعهما إلى يوم القيامة.

وأما الفرض ، فقد قال ابن أبي الحديد (٥) : روى ابن سعد في كتاب الطبقات (٦) : أن عمر خطب فقال : إن قوما يقولون : إن هذا المال حلال لعمر ،

__________________

(١) في المصدر زيادة : منه.

(٢) الأيم : العزب ، رجلا كان أو امرأة ، كما في المصباح المنير ١ ـ ٤٣. والأيم ـ في الأصل ـ التي لا زوج لها ، بكرا كانت أو ثيبا ، مطلقة كانت أو متوفى عنها ، كما في النهاية ١ ـ ٨٥ وغيرها.

(٣) جاءت الكلمة : يحذي ، في المصدر ، ويجزي في ( س ).

(٤) في ( س ) : على أن ـ بزيادة على ـ.

(٥) شرح نهج البلاغة ١٢ ـ ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٦) طبقات ابن سعد ٣ ـ ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، ضمن حديث بتصرف.

٥٦

وليس كما قالوا ، لا ها الله (١) إذن! أنا أخبركم بما استحل منه ، يحل لي منه (٢) حلتان ، حلة في الشتاء وحلة في القيظ (٣) ، وما أحج عليه وأعتمر من الظهر ، وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم ولا أفقرهم ، ثم أنا بعد رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم (٤).

وروى ابن سعد (٥) أيضا ـ ، أن عمر كان إذا احتاج أتى إلى صاحب بيت المال فاستقرضه ، فربما عسر عليه القضاء (٦) فيأتيه صاحب بيت المال فيتقاضاه ، فيحتال له ، وربما خرج عطاؤه فقضاه.

ولقد (٧) اشتكى مرة فوصف له الطبيب العسل ، فخرج حتى صعد المنبر وفي بيت المال عكة (٨) ـ ، فقال : إن أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فهي علي حرام ، فأذنوا له فيها.

ثم قال (٩) : إنما (١٠) مثلي ومثلكم كقوم سافروا (١١) فدفعوا نفقاتهم إلى رجل

__________________

(١) قال في النهاية ٥ ـ ٢٣٧ : وقد يقسم بالهاء فيقال : لا ها الله ما فعلت .. أي لا والله ما فعلت ، أبدلت الهاء من الواو ، ومنه حديث أبي قتادة يوم حنين : قال أبو بكر : لا ها الله إذا .. هكذا جاء الحديث ، والصواب لا ها الله ذا ـ بحذف الهمزة ـ ومعناه : لا والله لا يكون ذا ، أو : لا والله الأمر ذا ، فحذف تخفيفا.

(٢) لا توجد : منه ، في الطبقات.

(٣) القيظ : حمارة الصيف ، كما في الصحاح ٣ ـ ١١٧٨ ، وقال في مجمع البحرين ٤ ـ ٢٩٠ : هو :صميم الصيف ، ومثله في القاموس ٢ ـ ٣٩٨ ، والنهاية ٤ ـ ١٣٢.

(٤) ونقله ابن الجوزي في سيرة عمر : ٧٥ ـ ٧٦.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ ـ ٢٧٦ ، بتصرف.

(٦) لا توجد : القضاء ، في الطبقات.

(٧) الطبقات ٣ ـ ٢٧٧ بإسناد آخر وبتصرف.

(٨) العكة ـ بالضم ـ : آنية السمن أصغر من القربة ، كما في القاموس ٣ ـ ٣١٣ ، وانظر الصحاح ٤ ـ ١٦٠٠.

(٩) جاء في طبقات ابن سعد ضمن حديث آخر في ٣ ـ ٢٨١.

(١٠) في المصدر : إن.

(١١) في ( س ) : سافر.

٥٧

منهم لينفق عليهم ، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟.

وروى أخبارا أخر أيضا من هذا الباب ظنا منه أنها تعينه على دفع الطعن ، مع أنها مما يؤيده ، إذ بعضها يدل على أنه كان يرى الأخذ من بيت المال مجانا حراما ولو كان للضرورة ، إلا أن يأذن ذوو الحقوق في ذلك ، فيرد حينئذ أن الاستئذان ممن حضره حين صعد المنبر في الأكل من العسل لا يغني من جوع ، فإن الحق لم يكن منحصرا في هؤلاء ، ولم يكونوا وكلاء لمن غاب عنه حتى يكفيه إذنهم في التناول منه ، مع أن بيت المال مصرفه مصالح المسلمين وليس مشتركا بينهم كالميراث ونحوه ، فإذا لم يكن للحاضرين حاجة مصححة للأخذ منه لم يكن لهم فيه حق حتى ينفع إذنهم في الأخذ ، وكون أخذ الإمام من المصالح ـ لا سيما للدواء ـ لا ينفع ، فإنه لو تم لدل على عدم الحاجة إلى الاستئذان مطلقا ، فهذه [ كذا ] الاستئذان دائر بين أن يكون ناقصا (١) غير مفيد وبين أن يكون لغوا لا حاجة إليه ، فيدل إما على الجهل وقلة المعرفة أو على الشيد والمكر لأخذ قلوب العوام ، كما يقال : يتورع من سواقط الأوبار ويجر الأحمال مع القطار.

الطن السادس عشر :

إنه كان يتلون في الأحكام ، حتى روي أنه قضى في الجد بسبعين (٢) قضية ،

__________________

(١) في ( س ) : ناقضا.

(٢) في ( س ) : سبعين.

أقول : وقد ذكر البيهقي في السنن الكبرى ٦ ـ ٢٤٧ : أن أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب ، مات ابن فلان بن عمر فأراد أن يأخذ المال دون إخوته ، فقال له علي وزيد رضي الله عنهما : ليس لك ذلك. فقال عمر : لو لا أن رأيكما اجتمع لم أر أن يكون ابني ولا أكون أباه.

وقريب منه ما ذكره الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٥٤. وانظر : مستدرك الحاكم ٤ ـ ٣٤٠ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٤ ـ ٢٢٧ ، وترتيب جمع الجوامع للسيوطي ٦ ـ ١٥ ، وسنن الكبرى ٦ ـ ٢٤٧.

وقال البيهقي في سننه ٦ ـ ٢٤٥ عن عبيدة قال : إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا.

٥٨

وهذا يدل على قلة علمه ، وأنه كان يحكم بمجرد الظن والتخمين والحدس من غير ثبت ودليل (١) ، ومثل هذا لا يليق بإمامة المسلمين ورئاسة الدنيا والدين.

الطن السابع عشر :

أنه هم بإحراق بيت فاطمة عليها‌السلام (٢) ، وقد كان فيه أمير المؤمنين وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام ، وهددهم وآذاهم مع أن رفعة شأنهم عند الله تعالى وعند رسوله (ص) مما لا ينكره أحد من البشر (٣) إلا من أنكر ضوء الشمس

__________________

وذكر ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ١ ـ ١٨١ [ ١ ـ ٦١ طبعة مصر ] : كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضده وخلافه ، قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة ، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يتقحم ( يقتحم ) جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه.

(١) وله عدة موارد في أقضية كان حكمه فيها مجرد رأي وتحكم وتضارب وتشتت ، قد مرت منها موارد وسيأتي منها موارد أخرى.

منها : ترك الخليفة القود ممن يستحقه محاباة ، كما أورده البيهقي في السنن الكبرى ٨ ـ ٣٢ ، والسيوطي في جمع الجوامع ، كما في ترتيبه ٧ ـ ٣٠٣ ، وغيرهما ، وجاء فيهما عدة وقائع. ونظيره ما رواه في كنز العمال ٧ ـ ٣٠٤.

ومنها : قضاؤه في قتل قاتل عفا عنه بعض أولياء الدم ، كما أورده الشافعي في كتابه الأم ٧ ـ ٢٩٥ ، والبيهقي في سننه ٨ ـ ٦٠ وغيرهما.

وانظر مسألة الكلالة في الطعن الثالث عشر.

(٢) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة تحت عنوان : كيف كان بيعة علي بن أبي طالب (ع) ١ ـ ١٩ : إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي عليه‌السلام فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم ـ وهم في دار علي عليه‌السلام ـ فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب ، وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له فيها : يا أبا حفص! إن فيها فاطمة. فقال : وإن.

وجاء بلفظ آخر في كنز العمال ٣ ـ ١٣٩ ، وقال : أخرجه ابن أبي شيبة. وفيه : وايم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندكم إن أمرتهم أن يحرق عليهم الباب!.

(٣) وهذه فعاله وبين أيديهم هتاف النبي الأقدس : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.

وفي لفظ : يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها.

وفي ثالث : يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها.

٥٩

ونور القمر ، وقد تقدم (١) القول فيه مستوفى فيما غبر.

الطن الثامن عشر :

ما وقع منه في قصة الشورى، فقد أبدع فيها أمورا كثيرة :

منها : أنه خرج عن النص والاختيار جميعا، فإنه قال قاضي القضاة في

__________________

وفي رابع : فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها.

وفي خامس : فاطمة مضغة مني يقبضني ما قبضها ويبسطني ما بسطها.

وفي سادس : يسرني ما يسرها.

وفي سابع : فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني.

وقد نقلها عن تسعة وخمسين راويا العلامة الأميني ـ ; ـ في الغدير ٧ ـ ٣٣١ ـ ٣٣٦ ، وتعرض أيضا في ٣ ـ ٢٠ ـ ٢١.

وقال في شرح الجامع الصغير ٤ ـ ٤٢١ : استدل به السهيلي على أن من سبها كفر ، لأنه يغضبه.

وذكر ابن حجر : وفيه تحريم أذى كل من يتأذى المصطفى بتأذيه ، فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء ، فتأذت به فالنبي يتأذى به بشهادة هذا الخبر.

نذكر مثالا مصادر للحديث على اختلاف ألفاظه : صحيح البخاري ٥ ـ ٢٧٤ ، صحيح مسلم ٢ ـ ٢٦١ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٢١٦ ، سنن أبي داود ١ ـ ٣٢٤ ، جامع الترمذي ٢ ـ ٣١٩ ، نوادر الأصول للترمذي : ٣٠٨ ، خصائص النسائي : ٣٥ ، مسند أحمد بن حنبل ٤ ـ ٣٢٣ ، ٣٢٨ ، الأغاني ٨ ـ ١٥٦ ، مستدرك الحاكم : ١٥٤ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، وحلية الأولياء ٢ ـ ٤٠ ، السنن الكبرى ٧ ـ ٣٠٧ ، مشكاة المصابيح : ٥٦٠ ، مصابيح السنة ٢ ـ ٢٧٨ ، الجامع الصغير والكبير للسيوطي ، تهذيب التهذيب ١٢ ـ ٤٤١ ، الصواعق لابن حجر : ١١٢ ، ١١٤ ، الفصول المهمة : ١٥٠ ، نزهة المجالس : ٢٢٨ ، نور الأبصار : ٤٥ وغيرها كثير جدا.

(١) بحار الأنوار ٢٨ ـ ٢٣١ ـ ٣٣٩ ، باب ٤ ، جملة أحاديث منها : ١٧ ، ٥٠ ، ٦٩ ، وغيرها.

أقول : والأدهى من كل ذا وأمر قولته لسيد الوصيين ويعسوب الدين أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك! بعد رفضه البيعة ، وأجابه بعد قوله : تقتلون إذا عبد الله وأخا رسوله ـ قال : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فلا ، كما أوردها ابن قتيبة في الإمامة والسياسة وغيره ، وناقشها سيدنا الفيروزآبادي في السبعة من السلف ٢ ـ ١٧ مفصلا ، فراجع.

٦٠