بحار الأنوار - ج ٣١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة.

والأخبار في ذلك من طرق أهل البيت عليهم‌السلام مستفيضة.

وقال العلامة رحمه‌الله في المنتهى (١) : لا نعرف في ذلك خلافا إلا من بني أمية.

وروى الكليني (٢) ، عن علي بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : الخطبة في العيدين (٣) بعد الصلاة ، وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان (٤).

وروى الشيخ في التهذيب (٥) بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام في صلاة العيدين ، قال : الصلاة قبل الخطبتين ... (٦) ، وكان أول من أحدثها بعد الخطبة

__________________

قبل الخطبة ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول ٦ ـ ١٣١ ، حديث ٤٢٣٩ ، وموطأ مالك ١ ـ ١٤٦ ، ومسند أحمد بن حنبل ٢ ـ ٣٨ ، وكتاب الأم للشافعي ١ ـ ٢٠٨ وفيه : أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٨٧ ، وسنن البيهقي ٣ ـ ٢٩٦ ، والمحلى لابن حزم ٥ ـ ٨٥ ، وبدائع الصنائع ١ ـ ٢٧٦. واللفظ مختلف والمعنى واحد. وجاء عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن سائب وأنس بن مالك والبراء بن عازب وأبي عبيدة مولى ابن أزهر وغيرهم ، انظر مثلا : صحيح البخاري ٢ ـ ١١٠ ، ١١١ ، صحيح مسلم ١ ـ ٣٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٨٦ ، ٣٨٩ ، سنن البيهقي ٣ ـ ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٣٠١ ، سنن أبي داود ١ ـ ١٧٨ ، ١٨٠ ، سنن النسائي ٣ ـ ١٨٥ ـ ١٨٦ ، المدونة الكبرى لمالك ١ ـ ١٥٥ ، المحلى ٥ ـ ٨٦ ، موطأ مالك ١ ـ ١٤٧ ، كتاب الأم للشافعي ١ ـ ١٧١.

(١) منتهى المطلب ١ ـ ٢٤٥ ـ الحجرية ـ في صلاة العيدين ، والعبارة منقولة بالمعنى وباختصار.

(٢) الكافي ٣ ـ ٤٦٠ ، حديث ٣.

(٣) لا توجد في المصدر : في العيدين.

(٤) أورده الحر العاملي في الوسائل ٥ ـ ١١٠ ، حديث ٩٨٠٥ ، ورواه الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٣ ، والشيخ في التهذيب ١ ـ ٢٨٩.

(٥) التهذيب ٣ ـ ٢٨٧ ، حديث ٨٦٠. وجاء صدر الحديث في التهذيب ٥ ـ ١٠ ، وذكره الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة ٥ ـ ١١٠ ، حديث ٢ من الباب ١١.

(٦) في المصدر زيادة هنا حذفها المصنف طاب ثراه لعدم ارتباطها بما نحن فيه ، فراجع.

٢٤١

عثمان لما أحدث إحداثه ، كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا ، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة (١).

الطعن السابع عشر :

إحداثه الأذان يوم الجمعة زائدا على ما سنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو بدعة محرمة ، ويعبر عنه تارة بـ : الأذان الثالث ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرع للصلاة أذانا وإقامة فالزيادة ثالث ، أو مع صلاة الصبح ، وتارة بـ : الأذان الثاني ، والوجه واضح ، وهو ما يقع ثانيا بالزمان ، أو ما لم يكن بين يدي الخطيب ، لأنه الثاني باعتبار الإحداث سواء وقع أولا بالزمان أو ثانيا.

وقال ابن إدريس (٢) : ما يفعل بعد نزول الإمام.

وقد روى إحداث عثمان الأذان الثالث يوم الجمعة ابن الأثير في الكامل (٣) في حوادث سنة ثلاثين من الهجرة ، ورواه صاحب روضة الأحباب (٤) ، ورواه من

__________________

(١) وذكر قريب من هذا ابن حجر في فتح الباري ٢ ـ ٣٦١ ، ويعجبني نقل عبارته برمتها قال : أول من خطب قبل الصلاة عثمان ، صلى بالناس ثم خطبهم! ، فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك ، أي صار يخطب قبل الناس ، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان ، لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة ، لكن قيل : إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب ما لا يستحق السب ، والإفراط في مدح بعض الناس! ، وانظر : ما ذكره في ٢ ـ ٣٥٩ ، وأورده الشوكاني في نيل الأوطار ٣ ـ ٣٦٢ و ٣٧٤.

وذكره السيوطي في الأوائل ، وتاريخ الخلفاء : ١١١ ، والسكتواري في محاضرات الأوائل : ١٤٥.

(٢) السرائر : ٦٤ ـ الحجرية ـ في صلاة الجمعة [ ١ ـ ٣٠٤ ـ طبعة جامعة المدرسين ] ، والعبارة ليست نصا.

(٣) الكامل ٣ ـ ٤٨ ، وأورده الطبري في تاريخه ٥ ـ ٦٨.

(٤) روضة الأحباب .. لاحظ : التعليقة رقم (٤) في صفحة : (٥٣٣) من المجلد السالف (٣٠).

٢٤٢

أصحاب صحاحهم البخاري (١) وأبي داود (٢) والترمذي (٣) والنسائي (٤) على ما رواه في جامع الأصول (٥) عنهم ، عن زيد بن السائب في روايات عديدة :

منها : أنه كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وأبي بكر وعمر إذا خرج الإمام أقيمت الصلاة ، فلما كان عثمان نادى النداء الثالث على الزوراء (٦).

وروي (٧) ، عن الشافعي أنه قال : ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر أحب إلي.

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ ـ ٣٢٦ ـ ٣٢٧ [ ٢ ـ ٩٥ ـ ٩٦ ] ، كتاب الجمعة ، باب الأذان يوم الجمعة ، وباب المؤذن الواحد يوم الجمعة ، وباب الجلوس على المنبر عند التأذين ، وباب التأذين عند الخطبة ، بمعاني متقاربة.

(٢) كذا ، والصحيح : وأبو داود ، انظر : سنن أبي داود ١ ـ ١٧١ ـ كتاب الصلاة ، باب النداء يوم الجمعة ، حديث ١٠٨٧ ـ ١٠٩٠.

(٣) سنن الترمذي ١ ـ ٦٧ ـ كتاب الصلاة ـ باب ما جاء في أذان يوم الجمعة ، حديث ٥١٦ ، بلفظه.

(٤) سنن النسائي ٣ ـ ١٠٠ ـ ١٠١ ، كتاب الجمعة ، باب الأذان للجمعة.

(٥) جامع الأصول ٥ ـ ٦٧٤ ـ ٦٧٥ ، حديث ٣٩٦٦. وجاء أيضا في سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٤٨ ، وكتاب الأم للشافعي ١ ـ ١٧٣ ، وسنن البيهقي ١ ـ ٤٢٩ و ٣ ـ ١٩٢ ، ٢٠٥ ، وفيض الإله للبقاعي ١ ـ ١٩٣. ولا يخفى كون الألفاظ مختلفة جدا والمعنى واحدا ، فلاحظ.

قال البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٣٩ : .. ثم إن عثمان نادى النداء الثالث في السنة السابعة [ من خلافته ] فعاب الناس ذلك وقالوا : بدعة. ولاحظ ما قاله ابن حجر في فتح الباري ٢ ـ ٣١٥ ، والشوكاني في نيل الأوطار ٣ ـ ٣٣٢ ، وشرح السنن الكبرى للبيهقي ١ ـ ٤٢٩.

(٦) الكلمة مشوشة في المطبوع. قال في القاموس ٢ ـ ٤٢ : الزوراء : موضع بالمدينة قرب المسجد ، ونحوه في تاج العروس ٣ ـ ٢٤٦ وعددا بهذا الاسم عدة مواضع ، وذكر في فتح الباري ٢ ـ ٣١٥ ، وعمدة القاري ٣ ـ ٢٩١ : أنه حجر كبير عند باب المسجد. ولاحظ : مراصد الاطلاع ٢ ـ ٦٧٤ ، ومعجم البلدان ٤ ـ ٤١٢.

وانظر ما ذكره شيخنا الأميني طاب ثراه في غديره ٨ ـ ١٢٥ ـ ١٢٨ ، واعتبر.

(٧) الأم للشافعي ١ ـ ١٩٥ ، ولعله يشكل استفادة ما ذكره هنا منه ، ولعله جاء من أشياع الشافعي وتلامذته.

٢٤٣

الطعن الثامن عشر :

ما ذكره في روضة الأحباب (١) أنه لما حج في سنة ست وعشرين من الهجرة أمر بتوسيع المسجد الحرام ، فابتاع دار من رضي بالبيع من الساكنين في جوار المسجد ، ومن لم يرض به أخذ داره قهرا ، ثم لما اجتمعوا إليه وشكوا (٢) وتظلموا أمر بحبسهم حتى كلمهم فيهم عبد الله بن خالد بن الوليد فشفعه فيهم وأطلقهم (٣).

ولا ريب في أن غصب الدور وجعلها مسجدا حرام في الشريعة باتفاق المسلمين.

الطعن التاسع عشر :

إنه لم يتمكن من الإتيان بالخطبة ، فقد روي في روضة الأحباب (٤) أنه لما كان أول جمعة من خلافته صعد المنبر فعرضه العي فعجز عن أداء الخطبة وتركها ، فقال : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) : أيها الناس! ( سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) وبعد عي نطقا ، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، أقول قولي واستغفروا

__________________

(١) روضة الأحباب .. انظر : التعليقة رقم (٤) من صفحة : ٥٣٣ ، من المجلد السالف (٣٠).

(٢) لا توجد : وشكوا ، في ( س ).

(٣) هذا ما ذكره أصحاب التواريخ ، فقد نص عليه الطبري في تاريخه ٥ ـ ٤٧ حوادث سنة ٢٦ ه‍ ، واليعقوبي في تاريخه ٢ ـ ١٤٢ ، وابن الأثير في الكامل ٣ ـ ٣٦ ، قال الأول : وفيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه وابتاع من قوم وأبى آخرون ، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال ، فصاحوا بعثمان ، فأمر بهم الحبس!.

وقد سبقه بذلك سابقه عمر وزيادته في المسجد ومحاكمة العباس بن عبد المطلب معه وإباؤه عن إعطاء داره ، ورواية أبي بن كعب وأبي ذر الغفاري وغيرهما سلف منا مجملا.

أقول : أخرج البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٣٨ من طريق مالك ، عن الزهري ، قال : وسع عثمان مسجد النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأنفق عليه من ماله عشرة آلاف درهم ، فقال الناس : يوسع مسجد رسول الله ويغير سنته!.

(٤) روضة الأحباب : لاحظ التعليقة رقم (١).

٢٤٤

الله لي ولكم .. فنزل.

قال : وفي رواية قال : الحمد لله .. وعجز عن الكلام.

وفي رواية أنه قال : أول كل مركب صعب ، وإن أبا بكر (١) وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل ، وإن أعش فآتكم الخطبة على وجهها ، ويعلم الله إن شاء الله تعالى (٢).

وقال ابن أبي الحديد (٣) في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام : وإنا لأمراء الكلام ، وفينا تنشبت عروقه ، وعلينا تهدلت غصونه .. (٤)إنه روى أبو عثمان في كتاب البيان والتبيين (٥) ، إن عثمان صعد المنبر فأرتج عليه (٦). فقال : إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا ، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب ، وسآتيكم (٧) الخطبة على وجهها (٨) .. ثم نزل.

قال : وخطب مروان بن الحكم فحصر ، فقال : اللهم إنا نحمدك

__________________

(١) في ( س ) : وأنا أبا بكر ، وهو غلط.

(٢) وبهذا المعنى جاء في الأنساب للبلاذري ٥ ـ ٢٤ ، والطبقات لابن سعد ٣ ـ ٤٣ ـ ليدن ـ ، وتاريخ أبي الفداء ١ ـ ١٦٦ ، وبدائع الصنائع لملك العلماء ١ ـ ٢٦٢.

قال اليعقوبي في تاريخه ٢ ـ ١٤٠ : صعد عثمان المنبر وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ولم يجلس أبو بكر ولا عمر فيه ... فتكلم الناس في ذلك ، فقال بعضهم : اليوم ولد الشر.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ ـ ١٣.

(٤) نهج البلاغة ـ محمد عبده ـ ٢ ـ ٢٢٦ ، والدكتور صبحي الصالح : ٣٥٤ برقم ٢٣٣.

قال ابن ميثم في شرحه على النهج ٤ ـ ١١٣ ، وقوله : إنا لأمراء الكلام .. استعار لفظ الأمراء لنفسه ولأهل بيته ملاحظة كونهم مالكين لأزمة الكلام يتصرفون فيه تصرف الأمراء في ممالكهم.

(٥) البيان والتبيان للجاحظ ١ ـ ٢٧٢ و ٢ ـ ١٩٥.

(٦) قال في القاموس ١ ـ ١٩٠ : الرجرجة : الاضطراب ، كالارتجاج .. والإعياء.

(٧) في البيان والمصدر : وستأتيكم.

(٨) في البيان والتبيان : الخطب على وجهها وتعلمون إن شاء الله.

٢٤٥

ونستعينك ونشرك بك! (١).

قال : وخطب مصعب بن حيان خطبة نكاح فحصر ، فقال : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ، فقالت أم الجارية : عجل الله موتك ، ألهذا دعوتك (٢)؟. انتهى (٣).

والظاهر من هذه الروايات أن الخطبة كانت خطبة الجمعة الواجبة (٤) ، وأن عثمان (٥) لما حصر وعرضه العي ترك الخطبة ولم يأمر أحدا بالقيام بها وإقامة الصلاة ، وإلا لرووه ولم يهملوا ذكره ، فالأمر في ذلك ليس مقصورا على العجز والقصور بل فيه ارتكاب المحظور ، فيكون أوضح في الطعن (٦).

الطعن العشرون :

جهله بالأحكام، فقد روى العلامة قدس الله روحه في كشف الحق (٧) ، عن صحيح مسلم ، وأورده صاحب روضة الأحباب أن امرأة دخلت على زوجها فولدت لستة أشهر فرفع ذلك (٨) إلى عثمان فأمر برجمها ، فدخل عليه علي عليه السلام ، فقال : إن الله عز وجل يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٩) ، وقال تعالى : ( وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) (١٠) فلم يصل رسوله إليهم إلا بعد الفراغ من رجمها ،

__________________

(١) في شرح النهج : ولا نشرك بك ، وهو غلط ، حيث أنه في مقام بيان من ارتج عليه.

(٢) في المصدر : دعوناك.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ ـ ١٣ ـ ١٤.

(٤) كما هو صريح روضة الأحباب ، وفي أكثرها يظهر أنه في أول يوم بويع له ، وبعضها مطلق.

(٥) وضع في مطبوع البحار على كلمة : عثمان ، رمز نسخة بدل.

(٦) ومن الظريف في المقام أنهم صرحوا أنه كان يماطل الخطبة باستخبار الناس وسؤالهم عن أخبارهم وأسعارهم وهو على المنبر ، كما أخرجه أحمد في مسنده ١ ـ ٧٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٢ ـ ١٨٧ وقال : رجاله رجال الصحيح.

(٧) نهج الحق وكشف الصدق : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، مع اختلاف يسير.

(٨) في كشف الحق : فذكر ذلك ، وفي ( س ) : فوقع.

(٩) الأحقاف : ١٥.

(١٠) لقمان : ١٤. وإلى هنا كلام العلامة ، وجاء بعده : قال : فو الله ، ما كان عند عثمان إلى أن

٢٤٦

فقتل المرأة (١) لجهله بحكم الله عز وجل وقد قال الله عز وجل :

__________________

بعث إليها فرجمت.

(١) وقد أخرجها مالك في الموطإ ٢ ـ ١٧٦ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ ـ ٤٤٢ ، وابن عبد البر في كتاب العلم : ١٥٠ ، وابن كثير في تفسيره ٤ ـ ١٥٧ ، وابن الربيع في تيسر الوصول ٢ ـ ٩ ، والعيني في عمدة القاري ٩ ـ ٦٤٢ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ ـ ٤٠ ، وغيرهم وذلك بأسانيد متعددة ومضامين متقاربة ، وفي بعضها : فأمر بها عثمان أن ترد فوجدت قد رجمت!.

أقول : ولنستدرك المقام بموارد من جهل الخليفة ، وهي غيض من فيض ، سواء بكتاب الله أو سنة نبيه صلوات الله عليه وآله أو أمور لغوية وأخرى عرفية ، أو ما ابتدعه أو اجتهده خلافا للنص ، وقد سلف بعض منه وسيأتي آخر البحث الشيء الكثير.

منها : ما ذكره ملك العلماء في بدائع الصنائع ١ ـ ١١١ من : أن عمر ترك القراءة في المغرب في إحدى الأوليتين قضاها في الركعة الأخيرة وجهر ، وعثمان ترك القراءة في الأوليتين في صلاة العشاء فقضاها في الأخيرتين وجهر ، ونظيره في صفحة : ١٧٢. وقد ـ تقدم في مطاعن عمر ـ وبذا خرج الخليفتان بهذه الفضيحة عن السنة الثابتة الصريحة من ناحيتين : الأولى : الاجتراء بركعة لا قراءة فيها. والثانية : تكرير الحمد في الأخيرة أو الأخيرتين بقضاء الفائتة مع صاحبة الركعة. وقد ذكر شيخنا الأميني في غديره ٨ ـ ١٧٣ ـ ١٨٤ جملة من الروايات وكثير من المصادر لإثبات هذه السنة عن طريقهم ، وأن من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له ، وأن الأمة مطبقة على أن تدارك الفائتة من قراءة ركعة في ركعة أخرى لم يرد في السنة النبوية ، وإن رأي الرجلين غير مدعوم بحجة ولا يعمل به ولا يعول عليه ، ولا يستن به أحد من رجال الفتوى قط ، والحق أحق أن يتبع.

ومنها : إنه أوجب كون دية الذمي مثل دية المسلم ، وكون عقل الكافر كعقال المؤمن ، بل إنه قد هم بقتل مسلم قودا بذمي ، كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٨ ـ ٣٣ ، والشافعي في كتاب الأم ٧ ـ ٢٩٣ ، وانظر ما جاء في كتاب الديات لأبي عاصم الضحاك : ٧٦ ، مع إجماع السلف والخلف بل قامت عليه ضرورة الدين أنه لا يقتل مؤمن بكافر. وأخرج البيهقي ـ أيضا ـ أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا ورفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم ، مع أن دية المعاهد نصف دية المسلم.

ومنها : ما جاء في صحيح مسلم ١ ـ ١٤٢ ، وقريب منه في صحيح البخاري ١ ـ ١٠٩ من أن عثمان ذهب إلى أن الرجل لو جامع امرأته ولم يمن فلا غسل عليه ، وادعى أنه سمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد فصل القول فيه إمام الحنابلة في مسنده ١ ـ ٦٣ ، ٦٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى ١ ـ ١٦٤ ـ ١٦٥ وغيرهم. مع أن الإجماع قائم من المسلمين كافة على أنه إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أم لم ينزل ، وأن المراد بالجنابة لغة هي الجماع وإن لم يكن فيه ماء دافق ،

٢٤٧

__________________

وبه أوجبوا إجراء حد الزنا وتمام المهر وغيرهما من الأحكام. وها هو كتاب الله ناطق بالحكم ، وهناك روايات مستفيضة عن رسول الله ٦ صريحة في ذلك ، كما في صحيح البخاري ١ ـ ١٠٨ ، وصحيح مسلم ١ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ ، وسنن الدارمي ١ ـ ١٩٤ ، وسنن البيهقي ١ ـ ١٦٣ ـ ١٦٥ ، ومسند أحمد بن حنبل ٢ ـ ٢٣٤ ، ٣٤٧ ، ٣٩٣ و ٦ ـ ١١٦ ، والمحلى لابن حزم ٢ ـ ٢ و ٣ ، ومصابيح السنة ١ ـ ٣٠ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ٢٠٠ ، والموطإ ١ ـ ٥١ ، وكتاب الأم للشافعي ١ ـ ٣١ ، ٣٣ ، وصحيح الترمذي ١ ـ ١٦ وغيرهم ، وعليه فهو إما جاهل أو وضاع مفتر أو هما معا ، كما هو ظاهر.

ومنها : ما أخرجه البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٢٦ ، عن الزهري من : أن عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة ، وأورده ابن حزم في المحلى ٥ ـ ٢٢٧ ، وأنكر عليه بقول رسول الله ٦ :عفوت لكم عن صدقه الخيل والرقيق ، بل هناك نصوص صريحة من طريقهم على عدم الزكاة على الخيل والرقيق تجد بعضها في صحيح البخاري ٣ ـ ٣٠ ، ٣١ ، صحيح مسلم ١ ـ ٣٦١ ، سنن الترمذي ١ ـ ٨٠ سنن أبي داود ١ ـ ٢٥٣ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٥٥ ـ ٥٥٦ ، سنن النسائي ٥ ـ ٣٥ ٣٧ ، السنن الكبرى ٤ ـ ٨٥ ـ ٩٠ و ١١٧ ، مسند أحمد ١ ـ ٦٢ ، ٢١٢ ، ١٣٢ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٨ و ٢ ـ ٢٤٣ وغيرها ، والأم للشافعي ٢ ـ ٢٢ ، وموطأ مالك ١ ـ ٢٠٦ ، وأحكام القرآن للجصاص ٣ ـ ١٨٩ ، والمحلى لابن حزم ٥ ـ ٢٢٩ ، وعمدة القاري للعيني ٤ ـ ٣٨٣ ، مستدرك الحاكم ١ ـ ٣٩٠ ـ ٣٩٨.

ومنها : ما أخرجه إمام الحنابلة في مسنده ١ ـ ١٠٤ ، وابن كثير في تفسيره ١ ـ ٤٧٨ ، والهندي في كنز العمال ٣ ـ ٢٢٧ وغيرهم بإسنادهم من أن يحيس وصفية كانا من سبي الخمس ، فزنت صفية برجل من الخمس وولدت غلاما فادعى الزاني ويحيس فاختصما إلى عثمان ، فرفعهما عثمان إلى علي بن أبي طالب ، فقال علي : أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وجلدهما خمسين خمسين.

وهذا جهل بالحكم ومخالفة لصريح الكتاب ومستفيض سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٧ ـ ٤١٧ ، عن أبي عبيدة ، قال : أرسل عثمان إلى أبي يسأله عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة .. وهي صريحة بجهله بالحكم وأخذه بفتيا غيره ، والذي علمه أولى منه.

وجاء في كتاب اختلاف الحديث للشافعي ـ هامش الأم ـ ٧ ـ ٢٢ أنه قد : أخبرت الفريعة بنت مالك عثمان بن عفان أن النبي (ص) أمرها أن تمكث بيتها وهي متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله ، فاتبعه وقضى به. وهي من الأحكام التي جهلها واتبع فيها قول امرأة ، والقصة مشهورة قال عنها ابن القيم : حديث صحيح مشهور ، انظر : الرسالة للشافعي : ١١٦ ، كتاب الأم له ٥ ـ ٢٠٨ ،

٢٤٨

__________________

موطأ مالك ٢ ـ ٣٦ ، سنن أبي داود ١ ـ ٣٦٢ ، سنن البيهقي ٧ ـ ٤٣٤ ، أحكام القرآن للجصاص ١ ـ ٤٩٦ ، زاد المعاد ٢ ـ ٤٠٤ ، الإصابة ٤ ـ ٣٨٦ ، نيل الأوطار ٧ ـ ١٠٠ وغيرها.

ومنها : ما أخرجه مالك في الموطإ ٢ ـ ١٠ بإسناده : أن رجلا سأل عثمان بن عفان ، عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟. فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. قال : فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فسأله عن ذلك ، فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا. قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب. وعلق ابن عبد البر في كتاب الاستذكار على هذه الرواية بقوله : إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبد الملك بن مروان ، وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب!!.

والرواية وردت بمضامين أخرى متقاربة ، كما في السنن الكبرى ٧ ـ ١٦٤ ، وأحكام القرآن للجصاص ٢ ـ ١٥٨ ، والمحلى لابن حزم ٩ ـ ٥٢٢ ، وتفسير الزمخشري ١ ـ ٣٥٩ ، وتفسير القرطبي ٥ ـ ١١٦ ـ ١١٧ ، وتفسير الخازن ١ ـ ٣٥٦ ، والدر المنثور ٢ ـ ١٣٦ ، وتفسير الشوكاني ١ ـ ٤١٨ ، وتفسير الرازي ٣ ـ ١٩٣ ، وغيرها. وذكرها شيخنا الأميني طاب ثراه في غديره مفصلا ٨ ـ ٢١٤ ٢٢٣ ، فلاحظ.

ومنها : ما ذكره ابن ماجة في سننه ١ ـ ٦٣٤ ، وابن كثير في تفسيره ١ ـ ٢٧٦ ، والبيهقي في سننه ٧ ـ ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، وابن القيم في زاد المعاد ٢ ـ ٤٠٣ ، والهندي في كنز العمال ٣ ـ ٢٢٣ ، ونيل الأوطار ٧ ـ ٣٥ وغيرهم ـ بألفاظ متعددة والمعنى واحد ـ ، عن نافع أنه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان ، فجاء معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم ، أتنتقل؟. فقال له عثمان : تنتقل ، ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ، إلا أنها لا تنكح حتى حيضة خشية أن يكون بها حبل!.

وهذه مخالفة لصريح قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن ... ) ، وما تطابقت عليه فتاوى الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم ، بل أئمة المذاهب الأربعة على حد تعبير ابن كثير في تفسيره.

ومنها : ما أورده أحمد بن حنبل في مسنده ١ ـ ١٠٠ ، ١٠٤ ، والشافعي في كتاب الأم ٧ ـ ١٥٧ ، وأبو داود في سننه ١ ـ ٢٩١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ ـ ١٩٤ ، والطبري في تفسيره ٧ ـ ٤٥ ، ٤٦ ، وابن حزم في المحلى ٨ ـ ٢٥٤ ، والهندي في كنز العمال ٢ ـ ٥٣ وغيرهم ، وجاء بألفاظ متنوعة وأسانيد متعددة نذكر واحدا منها : قال : أقبل عثمان إلى مكة فاستقبلت بقديد فاصطاد أهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح ، فقدمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا ، فقال عثمان : صيد لم نصده ولم

٢٤٩

__________________

نأمر بصيده اصطاده قوم حل ، فأطعموناه فما بأس به ، فبعث إلى علي ، فجاء ، فذكر له ، فغضب علي وقال : أنشد رجلا شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أتي بقائمة حمار وحشي ، فقال رسول الله ٦ : إنا قوم حرم ، فأطعموه أهل الحل ، فشهد اثنا عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال علي : أنشد الله رجلا شهد رسول الله ٦ حين أتي ببيض نعام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنا قوم حرم أطعموه أهل الحل ، فشهد دونهم من العدة من الاثني عشر.

وعن بسر بن سعيد : أن عثمان بن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته.

وهذا جهل بصريح كتاب الله والمسلم من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صرحت به صحاحهم وأفتى به جمهورهم ، انظر : صحيح مسلم ١ ـ ٤٤٩ ، مسند أحمد ١ ـ ٢٩٠ ، ٣٣٨ ، ٣٤١ ، ٤ ـ ٣٧ ، سنن الدارمي ٢ ـ ٣٩ ، سنن ابن ماجة ٢ ـ ٢٦٢ ، سنن النسائي ٥ ـ ١٨٤ ، ١٨٥ ، سنن البيهقي ٥ ـ ١٩٢ ، ١٩٣ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ ـ ٥٨٦ ، تفسير الطبري ٧ ـ ٤٨ ، تيسير الوصول ١ ـ ٢٧٢ ، المحلى لابن حزم ٧ ـ ٢٤٩ ، وتفسير القرطبي ٦ ـ ٣٢٢ ، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ـ كتاب الحج ـ : ٣٨٦ مختصرا ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣ ـ ٥٣ وقال : أخرجه ابن جرير وصححه ، وأخرجه الطحاوي وأبو يعلى ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٣ ـ ٢٢٩.

ومنها : ما أخرجه البخاري في صحيحه ٢ ـ ١٧٥ [ دار الشعب ] ، عن مروان بن الحكم ، قال : شهدت : عثمان وعليا ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي أحل بهما لبيك بعمرة وحجة. قال : ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بقول أحد.

وزاد في بعض الروايات : قال : فقال عثمان : أتراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت؟!. قال :لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد من الناس.

وها هو مروان يحدثنا ـ كما في شرح معاني الآثار ، كتاب مناسك الحج : ٣٨٠ ـ قال : كنا مع عثمان بن عفان ، فسمعنا رجلا يهتف بالحج والعمرة ، فقال عثمان : من هذا؟. قالوا : علي ، فسكت.

وجاء بلفظ آخر في مسند أحمد بن حنبل ، وأخرج البخاري في صحيحه ، كتاب الحج ، باب التمتع ٢ ـ ١٧٦ [ دار الشعب ] ، ومسلم في صحيحه باب جواز التمتع ، بإسنادهما عن سعيد بن المسيب ، قال : اجتمع علي وعثمان بعسفان ، وكان عثمان ينهى عن المتعة ، فقال له علي : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنهى عنه؟. قال : دعنا منك!!. قال : إني لا أستطيع أن أدعك ، فلما رأى علي أهل بهما جميعا. وقريب منه ما رواه ابن حنبل في مسنده ١ ـ ١٣٦ ، والبيهقي في سننه ٥ ـ ٢٢.

٢٥٠

__________________

وهناك جملة روايات بمضامين أخرى ، انظر : صحيح البخاري ٣ ـ ٦٩ ، ٧١ ، صحيح مسلم ١ ـ ٣٤٩ ، مسند أحمد ١ ـ ٦١ ، ٩٥ ، ١٣٥ ، سنن النسائي ٢ ـ ١٤ ، ١٥ [ ٥ ـ ١٤٨ ، ١٥٢ ] ، سنن البيهقي ٤ ـ ٣٥٢ ، ٥ ـ ٢٢ ، مستدرك الحاكم ١ ـ ٤٧٢ ، تيسير الوصول ١ ـ ٢٨٢ ، مسند الطيالسي ١ ـ ١٦ ، سنن الدارمي ٢ ـ ٦٩ ، شرح معاني الآثار للطحاوي ـ كتاب مناسك الحج ـ : ٣٧٦ و ٣٧١ بطريقين ، المتقي في كنز العمال ٣ ـ ٣١ ، وقال : أخرجه العدني والطحاوي والعقيلي ، وقاله الدارقطني في سننه ، كتاب الحج ، باب المواقيت بطريقين ، وغيرهم في غيرها.

ومنها : جهله باللغة ، إذ أخرج الطبري في تفسيره ٤ ـ ١٨٨ ، عن ابن عباس ، أنه دخل على عثمان ، فقال : لم صار الأخوان يردان الأم إلى السدس ، وإنما قال الله : ( فإن كان له إخوة .. ) والأخوان في لسان قومك ، وكلام قومك ليسا بإخوة؟. فقال عثمان : هل يستطيع نقض أمر كان قبلي وتوارثه الناس ومضى في الأمصار. وفي لفظ الحاكم والبيهقي : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس ، كما جاء في المستدرك ٤ ـ ٣٣٥ ، والسنن الكبرى ٦ ـ ٢٢٧ ، والمحلى لابن حزم ٩ ـ ٢٥٨ ، وتفسير الرازي ٣ ـ ١٦٣ ، وتفسير ابن كثير ١ ـ ٤٥٩ ، والدر المنثور ٢ ـ ١٢٦ ، وروح المعاني للآلوسي ٤ ـ ٢٢٥. وهذا عدم تضلع بالعربية ، وكفانا الجصاص في أحكام القرآن ٢ ـ ٩٨ حيث فصل وأفاد ، وأخزى خليفته وأجاد ، وأجره عليه يوم التناد ، وكذا شيخنا الأميني طاب ثراه في غديره ٨ ـ ٢٢٣ ـ ٢٢٧.

وحيث لا نحب الإطالة ـ والحر تكفيه الإشارة ـ لذا نحيل جملة من مطاعنه في جهله وجوره إلى موسوعة شيخنا ومولانا العلامة الأميني رحمه‌الله وغيره من أعلامنا في موسوعاتهم ، كالشهيد الثالث في إحقاق الحق والسيد صاحب العبقات في كتابه وغيرهم أعلى الله مقامهم ، ونشير منها درجا إلى :

١ ـ رأي الخليفة في الإحرام قبل الميقات. الغدير ٨ ـ ٢٠٨ ـ ٢١٣.

٢ ـ رأي الخليفة في رد الأخوين للأم عن الثلث. الغدير ٨ ـ ٢٢٣ ـ ٢٢٧.

٣ ـ رأي الخليفة في المعترفة بالزنا. ٨ ـ ٢٢٧ ـ ٢٣٠.

٤ ـ رأي الخليفة في امرأة فقدت زوجها ٨ ـ ٢٠٠ ـ ٢٠٦ ... وغيرها كثير جدا.

ولنختم حديثنا عن بعض أولياته وما تفرد به ، إذ ليس ما مر أول قارورة له ـ على حد تعبير المثل فله أوليات وبدع وشطحات غيرها.

منها : أنه أول من ترك التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة ، مع أنها سنة ثابتة عن رسول الله ٦ عرفتها الصحابة ، وتسالمت عليها الأمة كافة ، واستقر عليها إجماع أئمة المسلمين. يقول عمران بن حصين ـ وهو ممن تعرف ـ : صليت خلف علي صلاة ذكرني صلاة

٢٥١

( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (١).

ومن الشواهد على جهله أن مروياته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني أمية والمتأخرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مائة وستة وأربعين (٢). وقد رووا عن أبي هريرة الدوسي خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا (٣) ،

__________________

صليتها مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم والخليفتين ، قال : فانطلقت فصليت معه ، فإذا هو يكبر كلما سجد وكلما رفع رأسه من الركوع ، فقلت : يا أبا نجيد! من أول من تركه؟. قال : عثمان ، حين كبر وضعف صوته تركه ، كما أورده البخاري في صحيحه ٢ ـ ٥٧ ، ٧٠ ، ومسلم في كتابه ٢ ـ ٨ ، وأبو داود في سننه ١ ـ ١٣٣ ، وأحمد في مسنده ٤ ـ ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٣٢ ، ٤٤٠ ، ٤٤٤ ، والنسائي في سننه ٢ ـ ٢٠٤ ، والبحر الزاخر ١ ـ ٢٥٤ وغيرهم.

وقد تبع معاوية عثمان وأصبحت سنة بني أمية ، ثم سنة المسلمين ـ ويا للأسف ـ حتى نسيت ومحقت هذه السنة ، كما قاله الزرقاني في شرح الموطإ ٢ ـ ١٤٥. قال ابن حجر في فتح الباري ٢ ـ ٢١٥ : إن زيادا تركه ـ أي التكبير ـ بترك معاوية ، وكان معاوية تركه بترك عثمان!. وقريب منه ما في نيل الأوطار ٢ ـ ٢٦٦.

ومنها : أنه أول من ضرب الفسطاط بمنى ـ ومضى في الطعون ـ وقد رواه الطبري في تاريخه وغيره مما سنذكره ، كما وأنه أول من أتم صلاته بمنى وعرفة ، كما سلف. ولعله لم يقل كلمة حق في حياته إلا ما أجاب به سيد الوصيين عليه‌السلام عند إنكاره عليه فقال مجيبا : رأي رأيته؟!.

نعم ، هؤلاء سادات مدرسة الرأي والقياس الذين اتخذوا إلههم هواهم.

ومنها : أنه أول من ضرب بالسياط ، قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ ـ ٢٩ : ذكروا أنه اجتمع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وصاحبيه .. إلى أن قال : ما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط ، وإنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس! ، وإنما كان ضرب الخليفتين بالدرة والخيزران.

ونص على ذلك ابن عبد البر في العقد الفريد ٢ ـ ٢٧٢ مختصرا ، وأورده بمصادره شيخنا الأميني في غديره ٩ ـ ١٧ ، فلاحظ.

(١) المائدة : ٤٤.

(٢) قال السيوطي في تدريب الراوي ٢ ـ ٢١٨ : وجملة ما روي له مائة حديث واثنان وأربعون حديثا.

(٣) مقدمة ابن الصلاح : ٤٢٩ ، فتح الباري ١ ـ ١٦٧.

وانظر : كتاب شيخ المضيرة أبو هريرة للشيخ محمود أبو رية ، وكتاب أبو هريرة الدوسي لسيدنا « السيد عبد الحسين شرف الدين » حقا.

٢٥٢

وذلك إما لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصحبة إلا نحوا مما ذكر ، أو لقلة الاعتناء برواية كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلاهما يمنعان عن استيهال الخلافة والإمامة (١).

تذييل وتتميم :

اعلم أن عبد الحميد بن أبي الحديد بعد ما أورد مطاعن عثمان أجاب عنها إجمالا ، فقال (٢) : إنا لا ننكر أن عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين ، ولكنا ندعي مع ذلك أنها لم تبلغ درجة الفسق ، ولا أحبطت ثوابه ، وأنها من الصغائر المكفرة ، وذلك لأنا قد علمنا أنه مغفور له ، وأنه من أهل الجنة لثلاثة أوجه :

أحدها : أنه من أهل بدر ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : إن الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وعثمان وإن لم يشهد بدرا لكنه تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، وضمن (٣) رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] لسهمه وأجره باتفاق سائر الناس.

والثاني : أنه من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى فيهم : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (٤) ، وهو وإن لم يشهد تلك البيعة ولكنه كان رسول رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] إلى أهل مكة ، ولأجله كانت بيعة الرضوان ، حيث أرجف بأن قريشا قتلت عثمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن كانوا قتلوه لأضرمنها عليهم نارا ، ثم جلس تحت الشجرة ، وبايع

__________________

(١) في ( ك‍ ) : الإمام ، وجعل لفظ : الإمامة ، نسخة بدل.

(٢) شرح نهج البلاغة ٣ ـ ٦٨ ـ ٦٩ بتصرف واختصار.

(٣) في المصدر : وضربه له.

(٤) سورة الفتح : ١٨.

٢٥٣

الناس على الموت. ثم (١) قال : إن كان عثمان حيا فأنا أبايع عنه ، فمسح (٢) بشماله على يمينه ، وقال : شمالي خير من يمين (٣) عثمان ، روى (٤) ذلك أهل السير متفقا عليه.

والثالث : أنه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنهم من أهل الجنة.

وإذا كانت هذه الوجوه دالة على أنه مغفور (٥) له ، وأن الله تعالى قد رضي عنه ، وأنه من أهل الجنة ، بطل أن يكون فاسقا ، لأن الفاسق يخرج عندنا من الإيمان وينحبط (٦) ثوابه ، ويحكم له بالنار ، ولا يغفر له ، ولا يرضى عنه ، ولا يرى الجنة ولا يدخلها (٧) ، فاقتضت هذه الوجوه أن يحكم بأن كل ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفرة توفيقا بين الأدلة. انتهى كلامه (٨).

ويرد على ما ذكره إجمالا أن المستند في جميع تلك الوجوه ليس إلا ما تفرد المخالفون بروايته ، ولا يصح التمسك به في مقام الاحتجاج كما مر مرارا ، والأصل في أكثرها ما رواه البخاري (٩) ، عن عثمان بن عبد الله (١٠) ، قال : قال (١١) رجل من أهل مصر لعبد الله بن عمر : إني سائلك عن شيء فحدثني ، هل تعلم أن عثمان

__________________

(١) لا توجد : ثم ، في ( س ).

(٢) هنا كلمة : فصفح ، خط عليها في ( ك‍ ).

(٣) في ( س ) : يميني.

(٤) في ( س ) : وروى.

(٥) في ( س ) : مغفورا ، وهو سهو.

(٦) في المصدر : يحيط ، وما أثبت هنا كان نسخة في المصدر.

(٧) في ( س ) : يدخلنها.

(٨) ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣ ـ ٦٩ ، بتصرف كثير واختصار.

(٩) صحيح البخاري ٦ ـ ١٢٢ [ ٥ ـ ١٨ ـ ١٩ دار الشعب ] ، وقد نقلها بالمعنى.

(١٠) في المصدر : بن موهب.

(١١) في ( ك‍ ) : قال سأل.

٢٥٤

فر يوم أحد؟. قال : نعم. فقال : تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟. قال : نعم. قال : تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟. قال : نعم. قال : الله أكبر. قال ابن عمر : تعال أبين لك ، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى (١) عفا عنه وغفر له ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وكانت مريضة ، فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان ، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة. فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بيده اليمنى : هذه يد عثمان ، فضرب بها على يده. فقال : هذه لعثمان ، ثم قال له (٢) ابن عمر : اذهب بها الآن معك (٣).

وابن عمر هو الذي قعد عن نصرة أمير المؤمنين عليه‌السلام وبايع رجل الحجاج (٤) ، ولا عبرة بقوله وروايته ، مع قطع النظر عن سائر رواة الخبر ، وحديث العشرة المبشرة أيضا مما تفردوا بروايته ، وسيأتي في قصة الجمل تكذيب أمير المؤمنين

__________________

(١) لا يوجد في البخاري : تعالى.

(٢) لا توجد : له ، في ( س ) ، وفي المصدر : فقال.

(٣) وقريب منه ما أورده إمام الحنابلة في مسنده ٢ ـ ١٠١ ، وبهذا المضمون أخرج الحاكم في المستدرك ٣ ـ ٩٨ ، وهناك رواية طويلة أعرضنا عن سردها هنا أوردها المحب الطبري في الرياض النضرة ٢ ـ ٩٤ ، وقد حذف سندها تحفظا عليها! ، وفي متنها شواهد تدل على وضعها ، وأنها مكذوبة مختلقة.

أقول : ألا تعجب من هذه الأعذار الباردة وهل خفيت على الصحابة الحضور يوم بدر ـ ولم يكن معهم ابن عمر إلا صبيا استصغره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ البالغ جمعهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا صحيح البخاري ٦ ـ ٧٤ ، تاريخ الطبري ٢ ـ ٢٧٢ ، سيرة ابن هشام ٢ ـ ٣٥٤ ـ وعلى الذين بايعوا تحت الشجرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر ـ صحيح البخاري ٧ ـ ٢٢٣ في تفسير سورة الفتح ، تفسير القرطبي ١٦ ـ ٢٧٦ ـ وبعض هذه الروايات جاء بها عثمان نفسه.

(٤) انظر ترجمته وضعفه في الحديث عند العامة في الغدير ١٠ ـ ٤٢ ـ ٤٦ ، تجد ما يكفيك.

٢٥٥

عليه‌السلام هذه الرواية (١) ، ويؤيد ضعفه أيضا أنه ليس بمروي في صحاحهم إلا عن رجلين عدا أنفسهما من جملة العشرة ، وهما سعيد بن زيد بن عمرو (٢) بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف ، والتهمة في روايتهما لتزكيتهما أنفسهما واضحة.

ويؤكده أيضا ما ذكره السيد الأجل رضي‌الله‌عنه في الشافي (٣) من : أنه تعالى لا يجوز أن يعلم مكلفا يجوز أن يقع منه القبيح والحسن وليس بمعصوم من الذنوب بأن عاقبته الجنة ، لأن ذلك يغريه بالقبيح ، ولا خلاف في أن أكثر العشرة (٤) لم يكونوا معصومين من الذنوب ، وقد أوقع بعضهم بالاتفاق كبائر وإن ادعى المخالفون أنهم (٥) تابوا منها ، قال : ومما يبين بطلان هذا الخبر أن أبا بكر لم يحتج به لنفسه ولا احتج له به في مواطن وقع فيه الاحتياج (٦) إلى الاحتجاج كالسقيفة وغيرها ، وكذلك عمر ، وعثمان لما حصر (٧) وطولب بخلع نفسه وهموا بقتله ، وقد رأينا (٨) احتج بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب ، وذكر القطع له بالجنة أولى منها وأحرى بأن (٩) يعتمد عليه في الاحتجاج ، وفي عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه. انتهى.

ويؤيد بطلانه أيضا أن كثيرا من أعيان المهاجرين والأنصار كانوا بين

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٦ ـ ٣٢٤ ، وهي من افتراءات سعيد بن زيد بن نفيل في ولاية عثمان ، وانظر : البحار ٧٢ ـ ١٤٢ ، وكذا في ٤٩ ـ ١٨٩ ـ ١٩٠ ، وفصل الحديث في الحديث شيخنا الأميني في غديره ١٠ ـ ١١٨ ـ ١٢٨ ، فلاحظ.

(٢) في ( س ) : عمر ، وهو غلط.

(٣) الشافي ٤ ـ ٣٠.

(٤) في المصدر : ولا خلاف أن التسعة.

(٥) جاءت العبارة في الشافي هكذا : على مذهب خصومنا كبائر وواقع خطايا وإن ادعوا أنهم ..

(٦) في المصدر : دفع فيها ، بدلا من : وقع فيه الاحتياج.

(٧) في ( ك‍ ) : حصر له.

(٨) في الشافي : رأيناه.

(٩) في المصدر : أن.

٢٥٦

قاصد لقتل عثمان خارج عليه وبين راض بقتله ، وتركوه بعد قتله منبوذا بالعراء غير مدفون حتى دفن في المزبلة بعد ثلاثة أيام (١) ، وكيف يظن ذلك بأمثال هؤلاء مع علمهم بكونه من أهل الجنة؟ وكيف لم يحتج أنصاره من بني أمية عليهم بهذا؟ وهل يظن بأمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتركه كذلك ثلاثة أيام مع علمه بذلك؟وأيضا لو صح ذلك لزم كفر طلحة بكونه من المستحلين بقتله ، ولا ريب في أن استحلال قتل من شهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنة لصغائر مكفرة ليس بأدون من استحلال شرب جرعة من الخمر ، وكذلك يلزم كفر كل من المتخاصمين يوم الجمل لكون كل منهما مستحلين لقتل الآخر مع الشهادة لهما بالجنة ، والأول باطل عند المخالفين ، والثاني عند الجميع ، فإن من الخصمين أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد استحل قتل طلحة والزبير ، والقول بعدم علمهم بهذه الشهادة ظاهر الفساد.

ويؤكد بطلانه أيضا ما روي من أن عمر بن الخطاب سأل حذيفة عن عد رسول الله (ص) إياه في جملة المنافقين (٢) ، إذ لو كان ممن قطع له بالجنة لم يختلجه الشك في النفاق.

ثم لو قطعنا النظر عن تفرد المخالفين بتلك الروايات ودلالة الشواهد والأدلة المعارضة لها على وضعها وبطلانها ، نقول : يرد على ما استند إليه من الرواية أنها إما أن تحمل على ظاهرها الذي فهمه ابن أبي الحديد (٣) من الرخصة العامة والمغفرة الشاملة لما تقدم من ذنبهم وما تأخر ، أو يتطرق التجوز إليها وتخصيص عمومها ، وعلى الأول يلزم سقوط التكليف عن البدريين والرخصة لهم في ارتكاب المحرمات كبائرها وصغائرها ، ولو كان الفعل مما يؤدي إلى الكفر

__________________

(١) سيأتي تفصيلا مع مصادره.

(٢) وقد مر مفصلا مع مصادره في مطاعن عمر ، وراجع بحار الأنوار ٢١ ـ ١٩٦ ـ ٢٢٢ ، وغيره.

(٣) في شرحه على نهج البلاغة ٣ ـ ٦٩. وقد مر قريبا.

٢٥٧

كالاستخفاف بالقرآن ونحو ذلك ، وهذا لو لم يكن الاعتقاد مندرجا في العمل المشتمل عليه الرواية وإلا فالأمر أوضح ، والبدريون على المشهور كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (١) مع (٢) القوم الذين ضرب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهامهم وهم غائبون ، وعدتهم ثمانية.

وسقوط التكليف عن هؤلاء القوم مخالف للإجماع ولضرورة الدين ، ولم يدع أحد العصمة في أهل البدر إلا في علي عليه‌السلام ، ولا ريب في أن الباقين كانوا يكتسبون الآثام ويقارفون الذنوب ، وفي إعلامهم بالمغفرة لهم في الذنوب التي يرتكبونها بعد ذلك إغراء ظاهر لهم بالقبيح ، وهو قبيح.

وعلى الثاني ، فإما (٣) أن يخصص الرخصة بالصغائر ويعمم المغفرة بالذنوب (٤) السالفة والمستأنفة ، وحينئذ يتوجه مع مخالفة الضرورة والإجماع أنه لا يستلزم المدعى ، إذ الرخصة في الصغائر وغفرانها مما لا يوجب كون ما صدر منهم من الصغائر المكفرة ، ومع ذلك تعميم المغفرة المبتني عليه الوجهان مخالف للظاهر ، وهو ظاهر. وإما أن يخصص المغفرة بالذنوب السالفة ويكون المراد بلفظة : اعملوا ما شئتم ، المبالغة في حسن ما عملوا في بدر وإظهار الرضا الكامل لعملهم الصالح من غير رخصة لهم في الأيام الآتية ، وحينئذ فلا تعلق للرواية بالمدعى ، هذا على تقدير تسليم المساواة التي ادعاها ابن أبي الحديد (٥) في عثمان للبدريين. ومستند من رواه من أهل السير ليس إلا قول ابن عمر كما عرفت.

وأما ما تمسك به ثانيا من أنه في حكم من بايع بيعة الرضوان ، وأن رسول

__________________

(١) وقيل أربعة عشر ، كما في صحيح البخاري ٦ ـ ٧٤ ، وتاريخ الطبري ٢ ـ ٢٧٢ ، وسيرة ابن هشام ٢ ـ ٣٥٤ وغيرها.

(٢) في ( س ) : على ، بدلا من : مع.

(٣) في ( س ) : إما.

(٤) في ( س ) : في الذنوب.

(٥) في شرحه للنهج ٣ ـ ٦٩.

٢٥٨

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع عنه ، فبعد تسليم صحة الرواية يتوجه عليه أنه لا دلالة له على المدعى بوجوه :

الأول : أن دخول عثمان وأضرابه في المؤمنين ممنوع ، وقد علق الله الرضا في الآية على الإيمان والبيعة دون البيعة وحدها حتى يكون جميع من بايع تحت الشجرة مرضيا ، وقد ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام ما يدل على نفاق الثلاثة وكفرهم.

الثاني : أن كون الألف واللام للاستغراق ممنوع ، كما أشار إليه السيد رضي‌الله‌عنه في الشافي (١) حيث قال : الظاهر عندنا أن آلة التعريف مشتركة مترددة بين العموم والخصوص ، وإنما يحمل (٢) على أحدهما بدلالة غير الظاهر ، وقد دللنا على ذلك في مواضع كثيرة ، وخاصة في كلامنا المنفرد للوعيد من جملة (٣) مسائل أهل الموصل.

قال علي عليه السلام (٤) : إنه تعالى قد وصف من رضي عنه ممن بايع تحت الشجرة بأوصاف قد علمنا أنها لم تحصل لجميع المبايعين ، فيجب أن يختص الرضا بمن اختص بتلك الأوصاف ، لأنه تعالى قال : ( فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (٥). ولا خلاف بين أهل النقل في أن الفتح الذي كان بعد بيعة الرضوان بلا فصل هو فتح خيبر ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أبا بكر وعمر فرجع كل واحد منهما منهزما ناكصا على عقبيه ، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله

__________________

(١) الشافي ٤ ـ ١٧ ، بتصرف واختصار.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ١ ـ ١٤٧ ـ ١٥١ ، جواب المسائل الطبرية ، ولم نجد جواب المسائل الموصلية الأولى ، والمطبوع منها الثانية والثالثة.

(٣) في الشافي زيادة : جواب ، قبل مسائل.

(٤) كما قاله السيد في الشافي ٤ ـ ١٨ ، بتصرف.

(٥) كما قاله السيد في الشافي ٤ ـ ١٨ ، بتصرف.

٢٥٩

ورسوله (١) كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه (٢). فدعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان (٣) أرمد فتفل في عينيه فزال ما كان يشتكي وأعطاه الراية ومضى متوجها وكان الفتح على يديه، فيجب أن يكون هو المخصوص بحكم الآية ، ومن كان معه في ذلك الفتح من أهل البيعة تحت الشجرة لتكامل الشرائط فيهم ، ويجب أن يخرج عنها من لم يجتمع له (٤) الشرائط ، وليس لأحد أن يقول إن الفتح كان لجميع المسلمين وإن تولاه بعضهم وجرى على يديه ، فيجب أن يكون جميع أهل بيعة الرضوان ممن رزق الفتح وأثيب به ، وهذا يقتضي شمول الرضا للجميع ، وذلك لأن هذا عدول عن الظاهر ، لأن من فعل الشيء بنفسه هو الذي يضاف إليه على سبيل الحقيقة ، ويقال إنه أثيب به ورزق إياه ، ولو جاز ذلك جاز أن يوصف من كان بخراسان من المسلمين بأنه هزم جنود الروم وفتح حصونهم وإن وصفنا بذلك من يتولاهم (٥) ويجري على يديه. انتهى.

ودخول عثمان في جملة من جرى الفتح على أيديهم [ مع أنه ] مما لم يذكره أرباب السير ، بل الظاهر عدمه كما خرج عنهم المتقدمان عليه ، فهو في محل المنع ، كما أن دخوله فيمن أنزلت (٦) عليه السكينة ممنوع.

الثالث : أنه بعد تسليم شمول الآية له لا دلالة للرضا عن المؤمنين حال البيعة ، أو لها (٧) على أنه لا يصدر عنهم كبيرة بعد ذلك حتى يكون أحداث عثمان من الصغائر المكفرة ، وقد كان أهل بيعة الرضوان على ما ذكره أرباب السير

__________________

(١) في المصدر : يحب الله تعالى ورسوله ويحبه الله.

(٢) في الشافي : عليه ، بدلا من : على يديه.

(٣) في المصدر : وكان.

(٤) لا توجد : له ، في ( ك‍ ).

(٥) في المصدر : من يتولاه. وما هنا نسخة في ( ك‍ ).

(٦) في ( س ) : نزلت.

(٧) أي لا دلالة في الآية على أنه لا يصدر عنهم ..

٢٦٠