بحار الأنوار - ج ٣١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار - ج ٣١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٣
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

انتهيت إلى الكوفة (١) فوجدت أهلها أيضا بينهم شرق (٢) نشبوا (٣) في الفتنة وردوا سعيد (٤) بن العاص فلم يدعوه يدخل إليهم ، فلما رأيت ذلك رجعت حتى أتيت بلاد قومي (٥).

وقد مر (٦) .. وسيأتي الأخبار في فضل عمار (٧) ، وهو أشهر من الشمس في رابعة النهار.

وقد روى ابن عبد البر في الإستيعاب (٨) وغيره ، عن عائشة ، قالت : ما من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أشاء أن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : ملئ عمار إيمانا حتى أخمص قدميه. وبرواية أخرى : حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا (٩).

__________________

قالوا : عبد الله بن عمر. قال : يا ابن عمر! إني أسألك عن شيء ـ أو أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان فر يوم أحد؟. قال : نعم. وأخرجه البخاري في صحيحه ٦ ـ ١٢٢ ، ونص عليه بمصادره العلامة الأميني في غديره ١٠ ـ ٧٠.

(١) الكلمة مشوشة في ( س ).

(٢) انشرق : انشق ، كما في القاموس ٣ ـ ٢٤٨.

(٣) في المصدر : وقع بينهم شر ونشبوا.

(٤) في ( ك‍ ) : سعد.

(٥) ستأتي مصادره ، وعن ابن عباس ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ : إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه. انظر : حلية الأولياء ١ ـ ١٣٩ ، كنز العمال ٦ ـ ١٨٤ ، ٧ ـ ٧٥ ، تفسير الزمخشري ٢ ـ ١٧٦ ، تفسير البيضاوي ١ ـ ٦٨٣ ، تفسير الآلوسي ١٤ ـ ٢٣٧ وغيرها.

(٦) بحار الأنوار ٢٢ ـ ٣١٥ ـ ٣٥٤.

(٧) بحار الأنوار ٣٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ، وغيره.

(٨) الاستيعاب ـ المطبوع هامش الإصابة ـ ٢ ـ ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، مع الإسناد.

(٩) وقد جاءت عن عائشة جملة روايات وبألفاظ متعددة ، انظر : مجمع الزوائد ٩ ـ ٢٩٥ ، تيسير الوصول ٣ ـ ٢٧٩ ، البداية والنهاية ٧ ـ ٣١١ ، كنز العمال ٦ ـ ١٨٤ ، الاستيعاب ٢ ـ ٤٣٥ حيث أخرج الأخير الروايات بألفاظ ثلاث ، فلاحظ.

٢٠١

وعن خالد بن الوليد : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : من أبغض عمارا أبغضه الله (١). قال خالد : فما زلت أحبه من يومئذ.

وعن أنس عنه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال : اشتاقت الجنة إلى علي وعمار وسلمان وبلال (٢).

وعن علي عليه السلام قال : جاء عمار بن ياسر (٣) يستأذن على النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يوما فعرف صوته ، فقال : مرحبا بالطيب المطيب ، ائذنوا له (٤).

وروي في المشكاة (٥) ، عن الترمذي (٦) ، عن أبي هريرة في حديث قال : عمار : هو الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه [ وآله ].

وعن أنس ، عنه صلى الله عليه وآله ، قال : قال : إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان (٧).

__________________

(١) في المصدر زيادة : تعالى.

(٢) ستأتي مصادر له قريبا ، وله نظائر كثيرة.

(٣) لا يوجد في المصدر : بن ياسر.

(٤) كما أخرجه أحمد في مسنده ١ ـ ١٠٠ ، ١٢٦ ، ١٣٨ ، تاريخ البخاري ٤ ـ ٢٢٩ ، حلية الأولياء ١ ـ ١٤٠ ، مصابيح السنة للبغوي ٢ ـ ٢٨٨ ، الاستيعاب ٢ ـ ٤٣٥ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٦٥ ، البداية والنهاية ٧ ـ ٣١١ ، الجامع الكبير للسيوطي ٧ ـ ٧١. إلا أن في بعض مصادر العامة كما في سنن ابن ماجة ١ ـ ٦٥ ، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ١ ـ ١٣٩ ، وابن حجر في الإصابة ٢ ـ ٥١٢ وغيرهم بإسنادهم ، عن هاني بن هاني ، قال : كنا عند علي فدخل عليه عمار ، فقال : مرحبا بالطيب المطيب ، سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه.

(٥) مشكاة المصابيح ٣ ـ ٢٧٨ ـ ٢٧٩ حديث ٦٢٢٣.

(٦) سنن الترمذي ، كتاب المناقب حديث ٣٧ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ ـ ٣٠ و ٣١ فضائل الصحابة ، وكتاب بدء الخلق ، وكتاب الاستئذان ، ومسند أحمد بن حنبل ٦ ـ ٤٤٩ و ٤٥١.

(٧) جاء بألفاظ متعددة وأسماء مختلفة وأعداد متنوعة ، كما في حلية الأولياء ١ ـ ١٤٣ ، ومستدرك الحاكم النيسابوري ٣ ـ ١٣٧ ، تفسير القرطبي ١٠ ـ ١٨١ ، وتاريخ ابن كثير ٧ ـ ٣١١ ، ومجمع الزوائد ٩ ـ ٣٠٧ ، وتاريخ ابن عساكر ٣ ـ ٣٠٦ ، ٦ ـ ١٩٨ ـ ١٩٩ ، والاستيعاب ٢ ـ ٤٣٥ ، ومشكاة

٢٠٢

وعن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما على بدنه (١).

وعن أحمد (٢) بإسناده ، عن خالد بن الوليد ، قال : كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فأغلظت له في القول ، فانطلق عمار يشكوني إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، قال : فجاء خالد وهو يشكوه إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] ، قال : فجعل يغلظه له ولا يزيده إلا غلظة والنبي صلى الله عليه [ وآله ] ساكت لا يتكلم ، فبكى عمار وقال : ألا تراه؟. فرفع النبي صلى الله عليه [ وآله ] رأسه ، وقال : من عادى عمارا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله.

قال خالد : فخرجت فما كان شيء أحب إلي من رضى عمار ، فلقيته بما رضي فرضي (٣).

وروي في جامع الأصول (٤) ، عن البخاري ، عن عكرمة ، عن أبي سعيد

__________________

المصابيح ٣ ـ ٢٧٩ حديث ٦٢٢٥ ، وغيرها.

(١) كذا أورده الترمذي في صحيحه ـ كتاب المناقب ـ باب مناقب عمار بن ياسر ـ حديث ٣٨٠٠ ، وحكاه في جامع الأصول ٩ ـ ٤٦ حديث ٦٥٨٤ عن عائشة ، وفيه : قالت : قال رسول الله ٦ : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما ، وذكره أحمد في مسنده ١ ـ ٣٨٩ و ٦ ـ ١١٣ ، والحاكم في المستدرك ، وفي لفظ ابن ماجة في سننه ١ ـ ٦٦ : .. إلا اختار الأرشد منهما. وانظر : تفسير القرطبي ١٠ ـ ١٨١ ، مشكاة المصابيح ٣ ـ ٢٧٩ حديث ٦٢٢٧ ، تيسير الوصول ٣ ـ ٢٧٩ ، كنز العمال ٦ ـ ١٨٤ ، الإصابة ٢ ـ ٥١٢ ، شرح ابن أبي الحديد ٢ ـ ٢٧٤.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ ـ ٨٩.

(٣) وقد جاء بأكثر من عشرة ألفاظ وجملة أسانيد ، أخرجها على اختلاف ألفاظها جمع كثير من الحفاظ وأئمة الفن ، منهم الحاكم في المستدرك ٣ ـ ٣٩٠ ـ ٣٩١ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١ ـ ١٥٢ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٢ ـ ٤٣٥ ، وابن كثير في تاريخه ٧ ـ ٣١١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦ ـ ١٨٥ و ٧ ـ ٦١ ـ ٧٥ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٤ ـ ٤٥ ، وابن حجر في الإصابة ٢ ـ ٥١٢ ، وغيرهم في غيرها.

(٤) جامع الأصول ٩ ـ ٤٤ وسط حديث ٦٥٨٣.

٢٠٣

الخدري في ذكر بناء المسجد ، قال : كنا نحمل لبنة لبنة (١) وعمار لبنتين لبنتين (٢) ، فرآه النبي صلى الله عليه [ وآله ] فجعل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ينفض التراب عنه ، ويقول : ويح عمار! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه (٣) إلى النار.

قال : ويقول عمار : أعوذ بالله من الفتن (٤).

وروى من صحاحهم الأخبار السالفة بأسانيد.

ولا يخفى على عاقل بعد ملاحظة الأخبار السابقة التي رووها في صحاحهم حال من ضرب وشتم وأهان وعادى رجلا قال فيه النبي صلى الله عليه وآله : إن (٥) من عاداه فقد عادى الله ومن أبغضه فقد أبغض الله ، وإن الجنة تشتاق إليه ، وإنه مملو إيمانا ، وإن الله أجاره من الشيطان،(٦).

__________________

(١) لا توجد في ( س ) : لبنة ـ الثانية ـ.

(٢) لا توجد : لبنتين ـ الثانية ، في ( س ).

(٣) في ( ك‍ ) نسخة بدل : تدعونه.

(٤) كما جاء في سيرة ابن هشام ٢ ـ ١١٥ ، والعقد الفريد ٢ ـ ٢٨٩ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣ ـ ٢٧٤ ، وتاريخ ابن كثير ٧ ـ ٢٦٨.

(٥) وضع في ( ك‍ ) على : إن ، رمز نسخة بدل.

(٦) وكفى في فضل عمار ما مدحه الكتاب الكريم وأورده المفسرون تبعا للمحدثين ذيل الآية ٩ من الزمر في أنها نزلت فيه ( أمن هو قانت آناء الليل ... ) كما في تفسير الخازن ٣ ـ ٥٣ ، والشوكاني في تفسيره ٤ ـ ٤٤٢ ، والآلوسي في تفسيره ٢٣ ـ ٢٤٧ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ ـ ٣٢٣ ، والزمخشري في تفسيره ٣ ـ ٢٢ ، ونص عليه ابن سعد في الطبقات ٣ ـ ١٧٨.

وكذا ما جاء من أحاديث ذيل الآية ٥٢ من سورة الأنعام ، كما في تفسير الطبري ٧ ـ ١٢٧ ١٢٨ ، وتفسير القرطبي ١٦ ـ ٤٣٢ ، وتفسير البيضاوي ١ ـ ٣٨٠ ، وتفسير الزمخشري ١ ـ ٤٥٣ ، وتفسير الرازي ٤ ـ ٥٠ ، وتفسير ابن كثير ٢ ـ ١٣٤ ، والدر المنثور ٣ ـ ١٤ ، وتفسير الخازن ٢ ١٨ ، وتفسير الشوكاني ٢ ـ ١١٥ وغيرها.

وما أورده من أخبار ذيل الآية : ١٠٦ من سورة النحل : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. ) ، والآية : ٦١ من سورة القصص : ( أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن ... ) فقد أجمع الفريقان على أنه نزلت فيه رضوان الله عليه ولعن الله ظالميه وقاتليه.

٢٠٤

الطعن السابع :

أنه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف (١) وأبطل ما لا شك أنه منزل من القرآن ، وأنه مأخوذ من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان ذلك حسنا لسبق إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيأتي في كتاب القرآن (٢) أن أمير المؤمنين عليه السلام جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله كما أوصأ (٣) به فجاء به إلى المهاجرين والأنصار ، فلما رأى أبو بكر وعمر اشتماله على فضائح القوم أعرضا عنه وأمرا زيد بن ثابت بجمع القرآن وإسقاط ما اشتمل منه على الفضائح ، ولما استخلف (٤) عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليه القرآن الذي جمعه ليحرقه (٥) ويبطله ، فأبى عليه السلام عن ذلك ، وقال : ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٦) من ولدي ، ولا يظهر حتى يقوم القائم من أهل البيت

__________________

(١) كما نص عليه السيد المرتضى في الشافي ٤ ـ ٢٨٣ ـ ٢٨٦ ، والشيخ الطوسي في تلخيص الشافي ٤ ـ ١٠٥ ـ ١٠٨ ، وانظر ما جاء في تاريخ الخميس : ٢٢٣ ، والرياض لمحب الدين ٢ ـ ١٤١ ، والأنساب للبلاذري ٥ ـ ٦٢ وغيرها ، والبحث فيه ذو شجون.

وذكر في التاج الجامع لأصول العامة ٤ ـ ٣٤ إحراق عثمان ما وجد في كل صحيفة أو مصحف من القرآن غير ما جمعه منه. وأورد البخاري في صحيحه ١ ـ ١٤ ـ ١٩ باب جمع القرآن ، وباب نزول القرآن بلغة قريش ، وكتاب الأنبياء جملة روايات ، وكذا الترمذي في كتاب التفسير سورة التوبة حديث ٣١٠٣. وأورد ابن الأثير في جامع الأصول ٢ ـ ٥٠٣ ـ ٥٠٧ حديث ٩٧٥ ، ونص على جملة منها أبو داود في سننه في كتاب المصاحف ٣٤ ـ ٣٥ ، وفي كنز العمال ـ بهامش مسند أحمد ٢ ـ ٤٣ ـ ٥٢ ، وذكر في تعليقة جامع الأصول اختلاف عدد المصاحف التي أرسلها بها عثمان إلى الآفاق ، فلاحظ.

(٢) بحار الأنوار ٩٢ ـ ٤٠ ـ ٥٣.

(٣) كذا ، والصحيح : أوصى.

(٤) في ( س ) : استخلفت.

(٥) جاء في بحار الأنوار ٩٢ ـ ٤٣ : فيحرفوهم فيما بينهم.

(٦) الواقعة : ٧٩.

٢٠٥

عليهم السلام فيحمل الناس عليه ويجري السنة على ما يتضمنه ويقتضيه.

وسيأتي (١) الأخبار الكثيرة في ذلك من طرق الخاصة والعامة.

وتفصيل القول في ذلك ، أن الطعن فيه من وجهين :

الأول : جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت إبطال للقرآن المنزل ، وعدول عن الراجح إلى المرجوح في اختيار زيد بن ثابت من حملة (٢) قراءة القرآن (٣) ، بل هو رد صريح لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يدل عليه صحاح أخبارهم.

والثاني : أن إحراق المصاحف الصحيحة استخفاف بالدين ومحادة لله رب العالمين.

أما الثاني ، فلا يخفى على من له حظ من العقل والإيمان.

وأما الأول ، فلأن أخبارهم متضافرة في أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينه أحدا عن الاختلاف في قراءة القرآن بل قررهم عليه ، وصرح بجوازه ، وأمر الناس بالتعلم من ابن مسعود وغيره ممن منع عثمان من قراءتهم ، وورد في فضلهم وعلمهم بالقرآن ما لم يرد في زيد بن ثابت ، فجمع الناس على قراءته وحظر ما سواه ليس إلا ردا لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبطالا للصحيح الثابت من كتاب الله عز وجل. فأما ما يدل من رواياتهم على

__________________

(١) بحار الأنوار ـ كتاب القرآن ، باب ما جاء في كيفية جمع القرآن ٩٢ ـ ٤٠ ـ ٧٧ ، وكذا في ٤٠ ـ ١٥٥ ـ ١٥٧ عن جملة من مصادر العامة.

(٢) في ( س ) : من جملة.

(٣) أقول : أخرج البخاري من طريق عبد الله بن مسعود ، قال : أخذت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان ، وفي لفظ : أحكمتها قبل أن يسلم زيد بن ثابت وله ذؤابة يلعب مع الغلمان. وفي لفظ : ما ينازعني فيها أحد ، كما جاء في حلية الأولياء ١ ـ ١٢٥ ، والاستيعاب ١ ـ ٣٧٣ ، وتهذيب التهذيب ٦ ـ ٢٨ وصححه ، وكنز العمال ٧ ـ ٥٦ نقلا عن أبي داود ، وقد أورده ابن داود في سننه كتاب المصاحف : ١٤ و ١٦ من طريق خمير وجمع ، وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير باب سورة براءة حديث ٣١٠٣. وجاء في صحيح البخاري ١ ـ ١٤ ١٨ كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن وباب نزول القرآن بلغة قريش وكتاب الأنبياء ، وقد مرت.

٢٠٦

أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، وعلى تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاختلاف في القراءة.

فمنها : ما رواه البخاري (١) ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] قال : أقرأني جبرئيل على حرف فراجعته فزادني (٢) ، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف (٣).

وروي في جامع الأصول (٤) ، عن البخاري (٥) ومسلم (٦) ومالك (٧) وأبو داود (٨) والنسائي (٩) بأسانيدهم ، عن عمر بن الخطاب ، قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤه على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فكدت أساوره (١٠) في الصلاة ، فتربصت حتى سلم فلببته بردائه (١١) ، فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها؟. قال : أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقلت : كذبت ، فإن رسول الله صلى الله

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ ـ ٩٧ [ ٦ ـ ٢٢٧ دار الشعب ] باب فضائل القرآن ، وقريب منه في البخاري ٤ ـ ٧٥ [ ٤ ـ ١٣٧ دار الشعب ] كتاب بدء الخلق.

(٢) لا توجد : فزادني في صحيح البخاري المطبوع في دار الشعب.

(٣) وأورده القسطلاني في إرشاد الساري ٥ ـ ٣٢١ و ٧ ـ ٥٣٧ ، والعسقلاني في فتح الباري ٦ ـ ٢٢٢ و ٩ ـ ٢٠ ، والعيني في عمدة القاري ٧ ـ ٢٠٤ ، و ٩ ـ ٣٠٨.

(٤) جامع الأصول ٢ ـ ٤٧٧ ـ ٤٧٨ حديث ٩٣٩.

(٥) صحيح البخاري ٩ ـ ٢٠ ـ ٢١ كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، وباب من لم ير بأسا أن يقول : سورة البقرة وسورة كذا ، وكتاب الخصومات باب كلام الخصومات بعضهم في بعض ، وكتاب التوحيد باب قول الله تعالى : ( فاقرؤا ما تيسر من القرآن ).

(٦) صحيح مسلم ، كتاب الصلاة باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث ٨١٨.

(٧) موطأ مالك ١ ـ ٢٠١ كتاب القرآن باب ما جاء في القرآن.

(٨) سنن أبي داود ، كتاب الصلاة ، باب ما أنزل من القرآن على سبعة أحرف حديث ١٤٧٥.

(٩) سنن النسائي ٢ ـ ١٥٠ ـ ١٥٢ ، كتاب الصلاة باب جامع القرآن.

(١٠) قال في القاموس ٢ ـ ٥٣ : ساوره : أخذ برأسه ، وفلانا : واثبه.

(١١) في ( س ) : برداء.

٢٠٧

عليه [ وآله ] وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] ، فقلت (١) : إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أرسله ، اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي (٢) سمعته يقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : كذلك (٣) أنزلت ، ثم قال (٤) : اقرأ يا عمر. فقرأته القراءة التي أقرأني ، فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : كذلك أنزلت ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ).

قال في جامع الأصول : أخرجه الجماعة. وقال الترمذي (٥) هذا حديث صحيح.

وروى مسلم (٦) والترمذي (٧) وأبي داود (٨) والنسائي (٩) في صحاحهم وأورده في المشكاة (١٠) وفي جامع الأصول (١١) عن أبي بن كعب ، قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها ، ثم دخل رجل (١٢) آخر فقرأ قراءة سوى قراءة

__________________

(١) في المصدر زيادة : يا رسول الله ، بعد : فقلت.

(٢) في المصدر : التي كنت.

(٣) في جامع الأصول : هكذا.

(٤) في المصدر : قال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

(٥) سنن الترمذي ، كتاب القراءات باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث ٢٩٤٤.

(٦) صحيح مسلم ١ ـ ٢٢٥ كتاب الصلاة باب بيان أن القرآن نزل على سبعة أحرف حديث ٨٢٠.

(٧) صحيح الترمذي ، كتاب القراءات باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث ٢٩٤٥ ، وقال : وإسناده حسن.

(٨) كذا ، والظاهر : أبو داود ، انظر : سنن أبي داود كتاب الصلاة باب أنزل القرآن على سبعة أحرف حديث ١٤٧٧ و ١٤٧٨.

(٩) سنن النسائي كتاب الصلاة باب جامع ما جاء في القرآن ٢ ـ ١٥٢ ـ ١٥٤.

(١٠) مشكاة المصابيح ١ ـ ٦٨٠ حديث ٢٢١٣ باختلاف يسير عما هنا.

(١١) جامع الأصول ٢ ـ ٤٧٩ ـ ٤٨٠ حديث ٤٩٠.

(١٢) لا توجد : رجل ، في المصدر.

٢٠٨

صاحبه ، فلما قضيت (١) الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقلت : إن هذا قرأ (٢) قراءة أنكرتها (٣) عليه ، فدخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه ، فأمرهما النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقرءا فحسن (٤) شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية (٥) ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ما قد غشيني ، ضرب في صدري ففضت عرقا ، وكأنما أنظر إلى الله (٦) فرقا. فقال لي : يا أبي! أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه : أن هون على أمتي ، فرد إلي الثانية : اقرأه (٧) على حرفين ، فرددت إليه : أن هون على أمتي ، فرد إلي الثالثة : اقرأه (٨) على سبعة أحرف ، ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها ، فقال : اللهم اغفر لأمتي ، اللهم اغفر لأمتي ، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام.

أقول : وقد رووا روايات كثيرة بتلك المضامين (٩) لا نطيل الكلام بإيرادها ،

__________________

(١) في بعض المصادر السالفة : قضينا.

(٢) في جامع الأصول : قد قرأ.

(٣) في ( س ) : أنكر بها.

(٤) في المصدر زيادة : النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

(٥) جاء في هامش جامع الأصول : معناه : ووسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية ، لأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب ، فتدبر.

(٦) في الجامع زيادة : عز وجل بعد لفظ الجلالة. وفي مشكاة المصابيح كالمتن.

(٧) في جامع الأصول : أن اقرأه.

(٨) في جامع الأصول : أن اقرأه.

(٩) كما جاء في صحيح أبي داود ـ كتاب الوتر : ٢٢ ، ومسند أحمد بن حنبل ١ ـ ٢٤ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٢٦٤ ، ٢٩٩ ، ٣١٣ ، ٤٤٥ و ٢ ـ ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٤٤٠ و ٤ ـ ١٧٠ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥ وغيرها ، وسنن الترمذي ١١ ـ ٦٢ كتاب القرآن ٦ ـ ٢٢٧ ـ ٢٢٨ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، والموطإ لمالك كتاب القرآن : ١٥ ، وصحيح مسلم باب أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ٢ ـ ٢٠٢ و ٢٠٣ ، وكتاب المسافرين : ٢٦٤ ، ٣٧٠ ، ٣٧٢ ، ٣٧٤ [ طبعة محمد علي صبيح بمصر ] ، وتفسير الطبري ١ ـ ٩ ١٥ ، وأورد جملة منها في صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن الباب الخامس ، وكتاب الخصومات الباب الرابع ، وكتاب بدء الخلق الباب السادس ، وكتاب التوحيد الباب الثالث والخمسون ، وغيره. وانظر أيضا الروايات والأقوال حول هذه المسألة ، وكذا تفسير القرطبي ١ ـ ٤٣ وغيرها.

٢٠٩

وفي بعضها قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل ، فقال : يا جبرئيل! إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتابا قط ، فقال لي : يا محمد! إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.

فهذه الأخبار كما ترى صريحة في جواز القراءة على الوجوه المختلفة ، وإن كلا من الأحرف السبعة من كلام الله المنزل ، وفي بعض الروايات تصريح بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كره المنع من القراءات المتعددة ، فجمع الناس على قراءة واحدة ، والمنع عما سواها رد صريح ومضادة لنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما قيل : من أن المراد بنزوله على سبعة أحرف اشتماله على سبعة معان ، كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي .. ونحو ذلك فالأخبار تدفعه ، لأنها ناطقة بأن السبعة الأحرف مما يختلف به اللفظ وليس الاختلاف فيها مقصورا على المعنى.

وكذا ما يقال من أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضبطتها عنه الأئمة وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها ، وإنما حذفوا عنها ما لم يثبت متواترا ، وإن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى فهو مردود بأن من راجع السير وكتب القراءة علم أن مصحف عثمان لم يكن إلا حرفا واحد ، وأنه أبطل ما سوى ذلك الحرف ، ولذلك نقم عليه ابن مسعود وغيره ، وكان غرضه رفع الاختلاف وجمع الناس على أمر واحد واختيار هؤلاء السبعة من بين القراء ، والاقتصار على قراءتهم ، ورفض

__________________

ـ وأدرجت بقية الأقوال هناك ، فلاحظ.

أقول : وهي جملة روايات بمضامين متعددة جاءت من طرق العامة ، وهي مخالفة صريحا لما ورد عن بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم ، ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر ٧ قال : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة [ أصول الكافي ـ كتاب فضل القرآن ـ باب النوادر الرواية : ١٢ ]. وفي الرواية التي تليها في جواب الفضيل بن يسار حيث سأل أبا عبد الله ٧ قائلا : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال أبو عبد الله ٧ : كذبوا ـ أعداء الله ـ ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد .. وغيرها.

٢١٠

من سواهم من القراء على كثرتهم إنما هو من فعل المتأخرين ، وقد تشعبت القراءات واختلفت كلمة القراء بعد ما جمع عثمان الناس على قراءة زيد بن ثابت ، وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له : الإمام ، ثم لما كانت تلك المصاحف مجردة عن النقط وعلامة الإعراب ونحو ذلك ، وكانت الكلمات المشتملة على حرف الألف مرسومة فيها بغير ألف ، اختلفت القراءات بحسب ما تحتمله صورة الكتابة ، فقرأ كل بما ظنه أولى من حيث المعنى أو من جهة قواعد العربية واللغة إلا في مواضع يسيرة لم يتفقوا على صورة الكتابة ، والظاهر أنها نشأت من كتاب المصاحف السبعة ، واختلافها إما لأن كلا منهم كتب الكلمة بلغة كانت عنده أصح كالصراط بالصاد والسين ـ ، أو للسهو والغفلة ، أو لاشتباه حصل في صورة الكتابة.

وبالجملة ، جميع القراء المتأخرين عن عصر الصحابة السبعة وغيرهم يزعمون مطابقة قراءتهم لمصحف من مصاحف عثمان ، بل للقراءة الواحدة التي جمع عثمان الناس عليها وأمر بترك ما سواها ، فهذه القراءات إنما تشعبت عن مصاحف عثمان ، ولذلك اشترط علماء القراءة في صحة القراءة ووجوب اعتبارها ثلاثة شروط : كونها منقولة عن الثقات ، وكونها غير مخالفة للقواعد ، وكونها مطابقة لرسم مصحف من تلك المصاحف بحيث تحتملها صورة الكتابة وإن كانت محتملة لغيرها ، وادعوا انعقاد الإجماع على صحة كل قراءة كانت كذلك ، ولما كثر اختلاف القراء وتكثرت القراءات الصحيحة عندهم جرى المتأخرون منهم على سنة عثمان في إبطال القراءات ، فاقتصر طائفة منهم على السبعة ، وزاد طائفة ثلاثة ، وزاد بعضهم على العشرة ، وطرح بعضهم الثلاثة من العشرة ، وزاد عشرين رجلا ، وزاد الطبري على السبعة نحو خمسة عشر رجلا (١) ، وقد فعلوا

__________________

(١) تفسير الطبري ١ ـ ١٥.

٢١١

بالرواة عن السبعة أو العشرة أو فوقهما ما فعلوا بهؤلاء ، فاعتبروا قوما من الرواة وطرحوا أكثرهم.

وقد بسط الجزري في النشر (١) الكلام في ذلك ، قال بعد إيراد تشعب القراءات وكثرتها ما هذا لفظه ـ : بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة ، أو أن الأحرف (٢) السبعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه [ وآله ] هي قراءة هؤلاء السبعة ، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير ، وأنها (٣) هي المشار إليها بقوله صلى الله عليه [ وآله ] : أنزل القرآن على سبعة أحرف، حتى أن بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنه شاذ.

ثم قال (٤) : وإنما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، وسمعوا قراءات السبعة ، فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها ، ولذلك (٥) كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء وخطئوه في ذلك ، وقالوا : ألا أقتصر على دون هذا العدد أو زاده أو بين مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة؟ .. ثم نقل مثل هذا الكلام عن إمامه أبي العباس المهدوي.

أقول : فظهر أن تعدد تلك القراءات لا ينفع في القدح فيما فعله عثمان من المنع من غير قراءة زيد بن ثابت وجمع الناس عليها ، ثم لو تنزلنا عن هذا المقام وقلنا بجواز جمع الناس على قراءة واحدة فنقول : اختيار زيد بن ثابت على مثل عبد الله بن مسعود والمنع من قراءته وتعلم القرآن منه مخالفة صريحة لأمر الرسول

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ١ ـ ٣٦.

(٢) لا توجد في ( س ) : الأحرف.

(٣) في ( س ) : إنما.

(٤) النشر ١ ـ ٣٦.

(٥) في ( ك‍ ) : كذلك.

٢١٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما تظافرت به أخبارهم الصحيحة عندهم.

فقد روى ابن عبد البر في الإستيعاب (١) في ترجمة ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال : استقرءوا القرآن من أربعة نفر فبدأ بابن أم عبد (٢).

وعن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : خذوا القرآن من أربعة : من ابن أم عبد فبدأ به ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وسالم مولى أبي حذيفة.

قال : وقال صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : من أحب أن يسمع القرآن غضا فليسمعه من ابن أم عبد. وبعضهم (٣) يرويه : من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد. وعن عبد الله مثله.

وعن أبي وائل (٤) ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : إني لأعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم ، وما في كتاب الله سورة ولا آية إلا وأنا أعلم فيما نزلت ، ومتى نزلت. قال أبو وائل (٥) : فما سمعت أحدا أنكر عليه ذلك (٦).

وعن حذيفة قال : لقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن عبد الله (٧) كان من أقربهم وسيلة ، وأعلمهم بكتاب الله عز وجل (٨).

__________________

(١) المطبوع هامش الإصابة ٢ ـ ٣١٩.

(٢) في الاستيعاب : بعبد الله بن مسعود ، بدلا من : ابن أم عبد.

(٣) كما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ٢ ـ ٣٢٠.

(٤) كما أورده في الاستيعاب ٢ ـ ٣٢١. وفي ( ك‍ ) : وابل.

(٥) في ( ك‍ ) : وابل.

(٦) في الاستيعاب : ذلك عليه ـ بتقديم وتأخير ـ.

(٧) في المصدر زيادة : بن مسعود.

(٨) لا يوجد : عز وجل ، في الاستيعاب.

٢١٣

وعن أبي ظبيان (١) ، قال : قال لي عبد الله بن عباس : أي القراءتين تقرأ؟. قلت : القراءة الأولى ، قراءة ابن أم عبد. فقال لي : بل هي القراءة الأخيرة (٢) ، إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كان يعرض القرآن على جبرئيل في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عرضه عليه مرتين ، فحضر ذلك عبد الله فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل.

وعن علقمة (٣) ، قال : جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات فقال : جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يملي (٤) المصاحف عن ظهر قلبه ، فغضب عمر غضبا شديدا وقال : ويحك! ومن هو؟. قال : عبد الله بن مسعود. قال : فذهب عنه الغضب (٥) ، وسكن وعاد إلى حاله ، وقال : والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحق (٦) بذلك منه.

قال (٧) : وسئل علي عليه السلام عن قوم من الصحابة منهم ابن مسعود ، فقال : أما ابن مسعود فقرأ القرآن وعلم السنة .. وكفى بذلك.

وعن شقيق (٨) ، عن أبي وائل ، قال : لما أمر عثمان في المصاحف بما أمر ، قام عبد الله بن مسعود خطيبا ، فقال : تأمرونني (٩) أن أقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت؟ والذي نفسي بيده لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم

__________________

(١) كما في الاستيعاب ـ هامش الإصابة ـ ٢ ـ ٣٢٢.

(٢) في المصدر : فقال : أجل هي الآخرة ، بدل : فقال لي : بل هي القراءة الأخيرة.

(٣) كما في الاستيعاب ـ هامش الإصابة ـ ٢ ـ ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٤) في المصدر : يحكي ، بدلا من : يملي.

(٥) في الاستيعاب : ذلك الغضب.

(٦) في ( س ) لا توجد : أحق.

(٧) أي ابن عبد البر في الاستيعاب ٢ ـ ٣٢٣.

(٨) كما في الاستيعاب ٢ ـ ٢٣ ، وفيه : عن شقيق بن سلمة بن أبي وائل. وفي ( س ) : وائل. وفي ( ك‍ ) : وابل.

(٩) في المصدر : أيأمروني.

٢١٤

سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع (١) الغلمان ، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل ، وما أحد أعلم بكتاب الله مني ، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغنيه الإبل لأتيته (٢). قال : ثم استحيا مما قال ، فقال : وما أنا بخيركم.

قال شقيق : فقعدت في الحلق فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فما سمعت أحدا أنكر (٣) عليه ولا رد ما قال.

وروى في جامع الأصول (٤) ، عن البخاري (٥) ومسلم (٦) والترمذي (٧) ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : ذكر عنده عبد الله بن مسعود ، فقال : لا أزال أحبه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : خذوا القرآن من أربعة ، من : عبد الله ، وسالم ، ومعاذ ، وأبي بن كعب (٨).

استقرءوا القرآن من أربعة ، من : ابن مسعود فبدأ به ـ ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ ، وأبي.

وفي رواية الترمذي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : خذوا القرآن من أربعة ، من : ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة.

__________________

(١) في الاستيعاب : به ، بدلا من : مع.

(٢) في المصدر : أحدا تبلغنيه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته.

(٣) في الاستيعاب : أنكر ذلك.

(٤) جامع الأصول ٨ ـ ٥٦٨ ـ ٥٦٩ حديث ٦٣٧٨.

(٥) صحيح البخاري ٩ ـ ٤٢ و ٤٣ كتاب فضائل القرآن ، باب القراء من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكتاب فضائل أصحاب النبي (ص) ، باب مناقب سالم ، وباب مناقب معاذ بن جبل ، وباب مناقب أبي بن كعب.

(٦) صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضائل عبد الله بن مسعود حديث ٢٤٦٤.

(٧) سنن الترمذي ، كتاب المناقب ، باب مناقب عبد الله بن مسعود حديث ٣٨١٢.

(٨) في المصدر زيادة هنا : وفي رواية.

٢١٥

وروي من الصحاح أكثر الأخبار السالفة بأسانيد ، فهذا ما رووه في ابن مسعود وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الناس بأخذ القرآن منه ، وصرح بأن قراءته مطابقة للقرآن المنزل ، فالمنع من قراءته وإحراق مصحفه رد على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومحادة لله عز وجل ، ومع التنزل عن مخالفة النص أيضا نقول كان على عثمان أن يجمعهم على قراءة عبد الله دون زيد ، إذ قد روي في فضل عبد الله ما سمعت ولم يذكروا لزيد بن ثابت فضلا يشابه ما روي في عبد الله سندا ولا متنا ، وقد رووا ما يقدح فيه ولم يذكر أحد منهم قدحا في عبد الله ، والإطناب في ذلك يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب ، ومن أراد ذلك فليرجع إلى الإستيعاب (١) وغيره (٢) ليظهر له ما ذكرنا.

وقال في الإستيعاب (٣) : كان زيد عثمانيا ولم يكن فيمن شهد شيئا من مشاهد علي عليه‌السلام مع الأنصار.

فظهر أن السبب الحامل لهم على تفويض جمع القرآن إليه أولا ، وجمع الناس على قراءته ثانيا تحريف الكلم عن مواضعه ، وإسقاط بعض الآيات الدالة على فضل أهل البيت عليهم‌السلام والنص عليهم ، كما يظهر من الأخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام ، ولو فوضوا إلى غيره لم يتيسر لهم ما حاولوا.

ومن جملة القراءات التي حظرها وأحرق المصحف المطابق لها قراءة أبي بن كعب ومعاذ بن جبل ، وقد عرفت في بعض الروايات السابقة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالأخذ عنهما. هذا سوق الطعن على وجه الإلزام وبناء الكلام على الروايات العامية ، وأما إذا بني الكلام على ما روي عن أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

(١) الاستيعاب المطبوع هامش الإصابة ٢ ـ ٣١٦ ـ ٣٢٤.

(٢) حلية الأولياء ١ ـ ١٢٤ ، تاريخ الخميس ٢ ـ ٢٥٧ ، البيان والتبيان ٢ ـ ٥٦ ، البدء والتاريخ ٥ ـ ٩٧ وغيرها.

(٣) الاستيعاب المطبوع هامش الإصابة ١ ـ ٥٥٤.

٢١٦

فتوجه الطعن أظهر وأبين ، كما ستطلع عليه في كتاب القرآن (١) إن شاء الله.

توضيح :

قوله : فسقط في نفسي .. يقال للنادم المتحسر على فعل فعله : سقط في يده وهو مسقوط في يده (٢) ، قال الله تعالى : ( لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ) (٣) ولعله هنا أيضا بهذا المعنى. وقال بعض شراح الحديث من العامة : سقط ببناء مجهول ـ .. أي ندمت ووقع في خاطري من تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم أقدر على وصفه ، ففاعل سقط محذوف .. أي سقط في نفسي ما لم يسقط مثله في الإسلام ولا في الجاهلية ، لأنه كان في الجاهلية غافلا أو متشككا ، وكان من أكابر الصحابة ، وما وقع له فهو من نزغة الشيطان وزال ببركة يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم (٤) : أي وقع في نفسي من تصويب قراءة الرجلين أشد مما كنت في الجاهلية ، لأنه كان إما جاهلا أو متشككا ووسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب (٥).

قوله : ففضت بكسر الفاء ـ ، قوله (٦) : عرقا ، تمييز ، كقولهم تصيب الفرس عرقا. وقال الكرماني : إسناد الفيضان إلى نفسه وإن كان مستدركا بالتميز فإن فيه إشارة إلى أن العرق فاض منه حتى كأن النفس فاضت معه ، ومثله قولهم : سالت

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٠ ـ ٥٧ ، وقد مرت في ٢٤ ـ ٣٥ بهذا المضمون ، وانظر المقدمة الثامنة من تفسير الصافي.

(٢) كما في القاموس ٢ ـ ٣٦٥ ، ومجمع البحرين ٤ ـ ٢٥٣ ، والصحاح ٣ ـ ١١٣٢.

(٣) الأعراف : ١٤٩.

(٤) شرح صحيح مسلم للنووي ٦ ـ ١٠٢ ، باختلاف كثير. ولاحظ ٤ ـ ١٤٤ فضائل القرآن باب ١٦ ، وفي المتن منه ١ ـ ٢٢٥.

(٥) في المصدر جاءت العبارة هكذا : معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية ، لأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب.

(٦) في ( س ) : وقوله.

٢١٧

عيني دمعا ..

الطعن الثامن :

إنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين ، نحو ما روي (١) أنه دفع إلى أربعة من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألفي دينار ، وأعطى مروان مائة ألف عند فتح إفريقية ، ويروى (٢) خمس إفريقية.

وروى السيد رضي الله عنه (٣) ، عن الواقدي بإسناده ، قال : قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص (٤).

وروي أيضا أنه ولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة

__________________

(١) بل أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد ثلاثمائة ألف بعد أن زوجه ابنته ، كما ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ـ ٢٦١ ، وابن قتيبة في المعارف : ٨٤ وغيرهما ، بل ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ١ ـ ٦٦ [ أربع مجلدات ] : أنه أعطاه أربعمائة ألف درهم ، وانظر قول فريد وجدي في دائرة معارفه ٦ ـ ١٦٦ : وأنكح الحرث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال. ولاحظ ما جاء في السيرة الحلبية ٢ ـ ٨٧ ، والصواعق المحرقة ٢ ـ ٨٧ ، وفصلها بمصادرها شيخنا الأميني رحمه‌الله في غديره ٨ ـ ٢٦٧ ـ ٢٨٨.

(٢) قاله ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ـ ٢٦١. وعد ابن قتيبة في المعارف : ٨٤ ، وأبو الفداء في تاريخه ١ ـ ١٦٨ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ـ ٢٦١ : مما نقم الناس على عثمان ، قطعه فدك لمروان ، ونقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ ـ ٦٧ ، وصرح ابن قتيبة في المعارف : ٨٤ ، وأبو الفداء في تاريخه ١ ـ ١٦٨ ـ بعد ما مر ـ : وهي صدقة رسول الله ، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إلى أن تولى عمر ابن عبد العزيز فانتزعها من أهله وردها صدقة.

(٣) الشافي ٤ ـ ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٤) كما رواه البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٢٨ ، وقال في ٥ ـ ٥٢ : وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم. وقال ابن قتيبة في المعارف : ٤٨ ، والراغب في المحاضرات ٢ ـ ٢١٢ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ـ ٢٦١ ، وابن أبي الحديد في شرحه ١ ـ ٦٧ ، وغيرهم أنه : تصدق رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بموضع السوق بالمدينة يعرف بمهزون ( تهروز ، مهزور ) على المسلمين فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم. وقال الحلبي في سيرته ٢ ـ ٨٧ : أعطى عثمان الحارث عشر ما يباع في السوق ـ أي سوق المدينة ـ.

٢١٨

ألف فوهبها له حين أتاه بها (١).

وقد (٢) روى أبو مخنف والواقدي جميعا : أن الناس أنكروا على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص (٣) مائة ألف (٤) ، فكلمه علي عليه السلام والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن في ذلك ، فقال : إن لي قرابة ورحما. فقالوا : أما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذو رحم؟!. فقال : إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما ، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي (٥) ، قالوا : فهداهما (٦) والله أحب إلينا من هداك.

وقد روى أبو مخنف أنه لما قدم على (٧) عثمان عبد الله بن خالد بن أسيد (٨) بن أبي العاص من مكة وناس معه أمر لعبد الله بثلاثمائة ألف ولكل واحد واحد (٩) من القوم بمائة ألف (١٠) ، وصك بذلك على عبد الله بن الأرقم وكان خازن بيت المال فاستكثره وبرد (١١) الصك به ، ويقال إنه سأل عثمان أن يكتب عليه (١٢) بذلك كتاب دين فأبى ذلك ، وامتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم ، فقال له عثمان :

__________________

(١) ونقله البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٢٨ عن ابن عباس ، وذكره اليعقوبي في تاريخه ٢ ـ ٤١ من : أن عثمان أعطى صدقات قضاعة الحكم بن أبي العاص عمه طريد النبي بعد ما قربه وأدناه وألبسه.

(٢) لا توجد : قد ، في المصدر.

(٣) في الشافي : بن أبي العاص.

(٤) وذكره جمع منهم ابن قتيبة في المعارف : ٨٤ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ـ ٢٦١ ، والراغب الأصفهاني في المحاضرات ٢ ـ ٢١٢ ، واليافعي في مرآة الجنان ١ ـ ٨٥ وغيرهم.

(٥) إلى هنا ذكره البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٢٨.

(٦) في المصدر : قال : فهديهما.

(٧) لا توجد : على ، في ( س ).

(٨) في ( س ) : أسعد.

(٩) لا توجد في المصدر ولا ( س ) : واحد.

(١٠) جاء في العقد الفريد ٢ ـ ٢٦١ ، والمعارف لابن قتيبة : ٨٤ ، إلا أنه في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ ـ ٦٦ : أنه أعطى عبد الله أربعمائة ألف درهم.

(١١) كذا ، والظاهر : ورد ، كما في الأنساب للبلاذري ٥ ـ ٥٨.

(١٢) لا يوجد : عليه ، في المصدر.

٢١٩

إنما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت؟. فقال ابن الأرقم : كنت أراني (١) خازنا للمسلمين وإنما خازنك غلامك ، والله لا ألي لك بيت المال أبدا ، وجاء (٢) بالمفاتيح فعلقها على المنبر ، ويقال : بل ألقاها إلى عثمان ، فدفعها عثمان إلى نائل مولاه (٣).

وروى الواقدي أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم ، فلما دخل بها عليه قال له : يا أبا محمد! إن أمير المؤمنين أرسل إليك يقول لك (٤) : إنا قد شغلناك عن التجارة ولك ذو رحم أهل حاجة ، ففرق هذا المال فيهم ، واستعن به على عيالك. فقال عبد الله بن الأرقم : ما لي إليه حاجة وما عملت لأن يثيبني عثمان؟ والله لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم ، ولئن كان من مال عثمان ما أحب أن أزرأ (٥) من ماله شيئا (٦).

__________________

(١) في مطبوع البحار : أواني ، وهو غلط.

(٢) في المصدر : فجاء.

(٣) وقد أورد البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٥٨ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ١ ـ ٦٧ قصة أخرى شبيهة بهذا ، فلاحظ ، ونظيره في تاريخ اليعقوبي ٢ ـ ١٤٥.

أقول : قال البلاذري في الأنساب ٥ ـ ٣٠ : لما قدم الوليد الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال ، فاستقرضه مالا .. ـ وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثم ترد ما تأخذ ـ .. فأقرضه عبد الله ما سأله ، ثم إنه اقتضاه إياه ، فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان ، فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود :

إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال ، فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال : كنت أظن أني خازن للمسلمين ، فأما إذ كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك ، وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال.

(٤) لا توجد في ( س ) : لك.

(٥) في ( ك‍ ) : إزراءه ، وفي الشافي : أرزأه ، ويحتمل أن تكون : أرزأ بمعنى أصيب ، وقد يكون : أزر فعل المتكلم وحده ـ من الوزر ، والإزراء من الزري ، قال في القاموس ٤ ـ ٣٣٨ : زرى عليه زريا : عابه وعاتبه ، كأزرى ـ لكنه قليل ـ وتزرى ، وأزرى بأخيه : أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبس عليه به.

(٦) إلى هنا ما ذكره السيد في الشافي.

٢٢٠