أنوار الأصول - ج ١

أنوار الأصول - ج ١

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-12-1
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٠٨

الصورة الاولى : ما إذا اكتفى بإتيان المنهي عنه ولم يأت بالجزء في ضمن فرد آخر كما إذا أتى بسورة من سور العزائم واكتفى بها.

الصورة الثانيّة : ما إذا لم يكتف بالمأتي به ولكن كان المبني بطلان الصّلاة بالزيادة مطلقاً سواءً كانت من كلام الآدمي أو لم يكن.

ولكن قد أورد عليه المحقّق النائيني رحمه‌الله بأنّ « فساد الجزء يسري إلى الكلّ مطلقاً ببيان أنّ جزء العبادة إمّا أن يؤخذ فيه عدد خاصّ كالوحدة المعتبره في السورة بناءً على حرمة القرآن ، وإمّا أن لا يؤخذ فيه ذلك ، أمّا الأوّل فالنهي المتعلّق به يقتضي فساد العبادة لا محالة لأنّ الآتي به في ضمن العبادة إمّا أن يقتصر عليه فيها أو يأتي بعده بما هو غير منهي عنه ، وعلى كلا التقديرين لا ينبغي الإشكال في بطلان العبادة المشتملة عليه ، فإنّ الجزء المنهي عنه لا محالة يكون خارجاً عن إطلاق دليل الجزئيّة أو عمومه ، فيكون وجوده كعدمه ، فإن اقتصر المكلّف عليه في مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزئها ، وإن لم يقتصر عليه بطلت من جهة الاخلال بالوحدة المعتبرة في الجزء كما هو الفرض ، ومن هنا تبطل صلاة من قرأ إحدى العزائم في الفريضة سواء اقتصر عليها أم لم يقتصر ، بل لو بنينا على جواز القرآن لفسدت الصّلاة في الفرض أيضاً ، لأنّ دليل الحرمة قد خصّص الجواز بغير الفرد المنهي عنه ، فيحرم القرآن بالإضافة إليه لا محالة ، هذا مضافاً إلى أنّ تحريم الجزء يستلزم أخذ العبادة بالنسبة إليه بشرط لا.

ومن هنا ( أي هذا الوجه الأخير ) تبطل الصّلاة في الفرض الثاني أيضاً وهو ما إذا لم يؤخذ في الجزء عدد خاصّ ، فإنّ تحريم الجزء يستلزم أخذ العبادة بالإضافة إليه بشرط لا ، فإن لم يقتصر بالجزء الحرام يخلّ بهذا الشرط ، وإن اقتصر به بطلت العبادة لفقدها جزئها » (١) ( انتهى ملخّصاً ).

أقول : يرد عليه :

أوّلاً : أنّ ظاهر أدلّة حرمة القرآن أنّ الحرمة مستندة إلى نفس القرآن لا إلى ذات السورة ، ولازمه أن تكون قراءة هذه السورة وحدها جائزة وتلك السورة أيضاً وحدها جائزة ، والحرام إنّما هو إيجاد المقارنة بينهما.

__________________

(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٩٧ ـ ٣٩٩.

٥٨١

وبعبارة اخرى : إنّ تلك الأدلّة منصرفة عن ما إذا كانت إحدى السورتين محرّمة بذاتها.

ثانياً : إنّ تحريم جزء ليس معناه أخذ العبادة بشرط لا بالنسبة إلى ذلك الجزء بل لعلّ معناه عدم جواز الاكتفاء به ولزوم الإتيان بجزء آخر معه فيكون نظير رمي الجمرة في مناسك الحجّ بالحجر المغصوب الذي يكون المراد منه عدم جواز الاكتفاء به ، فلو أتى بعده بما هو مباح كفاه.

فظهر أنّ ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه‌الله في القسم الثاني من التفصيل يكون في محلّه.

أمّا القسم الثالث : وهو ما إذا تعلّق النهي بالشرط ـ فحاصل كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله أنّ حرمة الشرط كما لا تستلزم فساده لا تستلزم فساد العبادة المشروطة به أيضاً إلاّ إذا كان الشرط عبادة ، فإنّه قد فصّل بين ما إذا كان الشرط توصّلياً كالستر وغيره فيكون خارجاً عن محلّ البحث أي لا يضرّ لبس الحرير المنهي عنه مثلاً بصحّة الصّلاة مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة ، وبين ما إذا كان الشرط تعبّديّاً فيوجب النهي عنه فساد نفسه ثمّ فساد العبادة المشروطة به.

وذهب المحقّق النائيني رحمه‌الله إلى خروج الشرط عن محلّ النزاع ، أي عدم إيجاب النهي عنه بطلان المشروط به مطلقاً سواء كان تعبّديّاً أو توصّلياً ، وذلك ببيان أنّ شرط العبادة الذي تعلّق به النهي إنّما هو المعنى المعبّر عنه باسم المصدر ، فشرط الصّلاة إنّما هي الطهارة المراد بها معنى اسم المصدر المقارنة معها زماناً ، وأمّا الأفعال الخاصّة من الوضوء والتيمّم والغسل فهي بنفسها ليست شرطاً للصّلاة وإنّما هي محصّلة لما هو شرطها ، فما هو عبادة ـ أعني بها نفس الأفعال ـ ليس شرطاً للصّلاة وما هو شرط لها ـ أعني به نفس الطهارة ـ فهو ليس بعبادة بل حاله حال بقيّة الشرائط في عدم اعتبار قصد القربة فيها ، ولذلك يحكم بصحّة صلاة من صلّى غافلاً عن الطهارة فإنكشف كونها مقترنة بها ، ولا إشكال في أنّ النهي إنّما تعلّق بالمعنى المصدري لا اسم المصدري ، فلا يوجب بطلان المشروط إلاّ إذا كان النهي عنه نهياً عن نفس الصّلاة المشروط به حيث لا إشكال حينئذٍ في فساد العبادة (١).

أقول : الصحيح هو قول ثالث ، وهو دخول الشرط في محلّ البحث مطلقاً من دون فرق بين التعبّدي والتوصّلي ، أمّا ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه‌الله. ففيه :

أوّلاً : إنّ الشرط وإن كانت ذاته خارجة عن المشروط لكن التقيّد به جزء له ويوجب

__________________

(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

٥٨٢

تكيّف العبادة وتلوّنها ، به وحينئذٍ إذا كان الشرط مقارناً للعبادة كعدم التستّر بالحرير يوجب النهي عنه فساد العبادة المشروطة به لأنّه إذا تستّر بالحرير ، أي لم يأت بالشرط ، فقد أتى بفعل محرّم وصارت عبادته مقيّدة به ، والتقيّد بالحرام يوجب فسادها ، وهو نظير ما إذا أمر الطبيب بشرب الدواء في الغداء قبل الغذاء حيث إنّ تقيّد الشرب بهذا الزمان يوجب حدوث حالة وكيفية جديدة في الدواء التي يستلزم عدمها عدم تأثير الدواء في المعالجة.

وثانياً : أنّه قد مرّ سابقاً أنّه ربّما لا يكون شيء جزءً للصّلاة ولكن يسري قبحه إلى الصّلاة عرفاً ويوجب عدم إمكان التقرّب بها ، وقد مرّ أيضاً أنّ عباديّة شيء ومقرّبيته أمر عقلائي عرفي وأنّه لا يمكن التقرّب بشيء ما لم يكن مقرّباً عند العرف والعقلاء.

وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله ففيه : أنّ كون الشرط في التعبّديات المعنى اسم المصدري لا المصدري لا أثر له في المقام ، لأنّ المعنى المصدري الذي يكون متعلّقاً للنهي وإن لم يكن شرطاً للعبادة بل يكون محصّلاً لشرط العبادة ولكن النهي الذي تعلّق به يوجب فساد نفسه ، ثمّ عدم تأثيره في حصول الشرط ، وهو المعنى اسم المصدري ، وتصير العبادة بالنتيجة باطلة وإن كان موجب بطلانها عدم تحقّق شرطها رأساً لا بطلان شرطها.

بقي هنا شيء :

وهو ما أفاده في المحاضرات من « أنّ الظاهر من الأدلّة من آية الوضوء والرّوايات هو أنّ الشرط للصّلاة نفس تلك الأفعال ( المعنى المصدري ) والطهارة اسم لها وليست أمراً آخر مسبّباً عنها ( المعنى اسم المصدري ) وإنّ ما ورد في الرّوايات من أنّ الوضوء على الوضوء نور على نور وإنّه طهور ونحو ذلك ظاهر في أنّ الطهور اسم لنفس تلك الأفعال دون ما يكون مسبّباً عنها » (١).

ولكنّه بعيد جدّاً ومخالف لظواهر عشرات الرّوايات الواردة في أبواب نواقض الوضوء حيث إنّه لا معنى للنقض بالنسبة إلى نفس الغسلتين والمسحتين فإنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، بل الظاهر جدّاً من جملة « لا ينتقض الوضوء إلاّبفلان » والتعبير بـ « كنت على وضوء » أو التعبير بـ « أنا على غير وضوء » أنّ الوضوء حالة معنويّة يمكن أن تستمرّ وتبقى ما لم يحدث

__________________

(١) المحاضرات : ج ٥ ، ص ٢٥.

٥٨٣

حدث للمتوضّيء كما يمكن أن تنتقض بوقوع الحدث ، ولا يخفى أنّ إرتكاز المتشرّعة أيضاً يساعد عليه.

أمّا القسم الرابع : كالنهي عن الجهر أو الاخفات في الصّلاة حيث إنّه وصف ملازم للقراءة ولا يمكن التفكيك بينهما ، وإن كان تبديل أحد الوصفين بالآخر ممكناً فهو أيضاً داخل في محلّ النزاع ، لأنّه من الممكن أن يسري النهي عرفاً من الوصف إلى الموصوف لعدم انفكاكهما خارجاً.

أمّا القسم الخامس : فالأولى التمثيل له بالنهي عن النظر إلى الأجنبيه حال الصّلاة فإنّه وصف غير ملازم للصّلاة ، والتمثيل بالنهي عن الصّلاة في الدار المغصوبة فهو صحيح بناءً على جواز الاجتماع لعدم اتّحاد الصّلاة مع الغصب حينئذٍ في الخارج ، خلافاً على مبنى الامتناع لأنّ عليه تتّحد الصّلاة مع الغصب ، ولذلك اعترف القوم بأنّ باب اجتماع الأمر والنهي تحصل به صغرى باب النهي في العبادات.

وفي مثل المقام لا يسري قبح أحدهما إلى الآخر إلاّفي بعض الموارد وهو ما اكتنف الحرام بالعبادة جدّاً بحيث لا يراها العقلاء من أهل العرف مناسباً لشأن المولى مع هذه المقارنات ، كما أنّ فعل أنواع المحرّمات بيده ورجله وسمعه وبصره مقارناً للصّلاة من أوّلها إلى آخرها.

بقي هنا أمران :

الأمر الأوّل : هل تتصوّر هذه الأقسام في المعاملات أيضاً أو لا؟

إذا كان المراد من المعاملة هو السبب وهو صيغة العقد فلا إشكال في إمكان تصوير الأقسام المزبورة في المعاملات أيضاً ، لأنّ للعقد جزءً وشرطاً ووصفاً كالعبادات ، نعم يشكل الظفر بمثال للنهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف فيها في مقام الإثبات بل ينحصر النهي في هذا المقام بما تعلّق بذات الفعل ، وإن كان المراد منها المسبّب فالمتصوّر فيها حتّى في مقام الثبوت إنّما هو النهي المتعلّق بذاته لا غير ، وذلك لأنّ المسبّب ، أمر بسيط لا يتصوّر فيه الجزء أو الشرط أو الوصف بل أمره دائر دائماً بين الوجود والعدم.

الأمر الثاني : ربّما يتعلّق النهي بالكلّ لأجل الجزء ، أي الجزء واسطة في الثبوت ، كأن يقال : لا تصلّ صلاة تشتمل على سورة من العزائم ، وحينئذٍ لا يخفى أنّه داخل في القسم الأوّل ، أي

٥٨٤

النهي المتعلّق بذات العبادة لأنّها هي متعلّق النهي حقيقة وإن صار الجزء واسطة في تعلّقه بها ـ هذا كلّه ما أردناه من المقدّمات.

أدلّة الأقوال في المسألة

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأقوال في المسألة كثيرة جدّاً ، والمهمّ منها أربعة :

١ ـ الفساد مطلقاً سواء كان المنهي عنه عبادة أو معاملة.

٢ ـ الصحّة مطلقاً وهو ما نقل عن أبي حنيفة.

٣ ـ التفصيل في المعاملة بين النهي عن السبب والنهي عن المسبّب وأنّه يوجب الفساد في الأوّل دون الثاني ، وهو ما ذهب إليه المشهور ومنهم المحقّق الخراساني رحمه‌الله.

٤ ـ التفصيل بين العبادة والمعاملة وأنّه يوجب الفساد في الاولى دون الثانيّة.

ثمّ اعلم أنّ محلّ النزاع في المسألة هو النهي المولوي لا الإرشادي كما مرّ ، كما أنّه بحث في مقام الثبوت لا الإثبات ، أي النزاع في أنّه لو فرض نهي وكان مولويّاً فهل يوجب الفساد أو لا؟ فلا يبحث عن مقام الإثبات وأنّه متى يكون النهي إرشاديّاً ومتى يكون مولويّاً ، والعجب من بعض الأعاظم حيث وقع الخلط في كلماته بين المقامين.

وكيف كان فالحقّ أنّ النهي يوجب الفساد في العبادات وذلك لجهتين :

الاولى : أنّ العبادة مركّبة حقيقة وروحاً من أمرين : الحسن الفعلي والحسن الفاعلي ، والمراد من الحسن الفعلي صلاحية ذات العمل للتقرّب به إلى الله تعالى ، ومن الحسن الفاعلي قصد الفاعل التقرّب به إلى الله ، والنهي ينافيها في كلتي المرحلتين لأنّه يكشف أوّلاً : عن كون الفعل مبغوضاً للمولى وأنّه لا حسن له عنده ، وثانياً : عن عدم كون الفاعل متقرّباً به إلى الله تعالى لأنّه كيف يمكن للفاعل قصد التقرّب بما لا يصلح للتقرّب به إلى الله.

نعم إذا كان جاهلاً بتعلّق النهي أمكن حينئذٍ أن يصدر منه قصد التقرّب كما لا يخفى ، ولكن هذا من ناحية حسنه الفاعلي ، وأمّا الحسن الفعلي وعدمه فلا إشكال في أنّه لا ربط له بعلم المكلّف وجهله ، فيوجب عدمه في حال الجهل أيضاً بطلان العمل.

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمه‌الله أورد هيهنا إشكالاً وأجاب عنه بوجوه عديدة ، أمّا الإشكال فحاصله أنّ اقتضاء النهي الفساد في العبادات إنّما يتمّ فيما إذا كان النهي المتعلّق بها دالاً على

٥٨٥

الحرمة الذاتيّة ، ولا يعقل تحريمها ذاتاً لأنّ المكلّف إمّا أن يقصد القربة أو لم يقصدها ، فإن لم يقصدها فلا عبادة كي تحرم بالنهي ذاتاً وتفسد ، وإن قصدها فهذا غير مقدور له ، إذ لا أمر في البين كي يقصده ويتحقّق به العبادة وتحرم ذاتاً وتفسد إلاّ إذا قصد القربة تشريعاً ، ومعه يتّصف الفعل بالحرمة التشريعيّة دون الذاتيّة لامتناع اجتماع المثلين.

وأمّا جوابه :

أوّلاً : ما مرّ في بعض المقدّمات من أنّ المراد من العبادة في المسألة إنّما هو العبادة الشأنيّة ، أي ما لو تعلّق الأمر به كان أمره عباديّاً ولا يسقط إلاّبقصد القربة ، ومن المعلوم أنّ تحريم ذلك ذاتاً بمكان من الإمكان.

وثانياً : أنّه ينتقض بالعبادات الذاتيّة كالركوع والسجود حيث إنّهما ـ كما مرّ ـ لا تحتاج في عباديتها إلى تعلّق أمر بها ، فيمكن تعلّق الحرمة بذاتها كحرمة السجود للصنم لأنّها ثابتة وإن لم يقصد بها القربة ولا يضرّ بعباديتها حرمتها شرعاً وإن أضرّت بمقربيتها.

وثالثاً : أنّه لا منافاة بين الحرمة الذاتيّة والحرمة التشريعيّة ولا يستلزم منهما اجتماع المثلين ، لأنّ الحرمة التشريعيّة تتعلّق بفعل القلب وهو الاعتقاد بوجوب العمل ، والحرمة الذاتيّة تتعلّق بذات الفعل الخارجي ، فهما لا تجتمعان في محلّ واحد حتّى يلزم اجتماع المثلين.

ورابعاً : لو سلّمنا أنّ النهي في العبادات لا يكون دالاً على الحرمة الذاتيّة نظراً إلى الإشكال المزبور ، إلاّ أنّ النهي فيها ممّا يدلّ على الفساد من جهة الحرمة التشريعيّة فلا أقلّ من دلالتها على سقوط الأمر عن العبادة وأنّها ليست مأمور بها من أصلها ، وهو يكفي في فسادها.

أقول : يرد عليه :

أوّلاً : إنّ قضيّة امتناع اجتماع المثلين تتصوّر في الامور التكوينيّة لا الامور الاعتباريّة حيث لا مانع عقلاً من اجتماع المثلين في الاعتباريات كما لا مانع من اجتماع الضدّين فيها ، فإنّ البحث فيها بحث عن الحسن والقبح واللغويّة وعدمها لا عن الإمكان والاستحالة كما مرّ بيانه كراراً.

وثانياً : إنّ اجتماع الملاكين من الحرمة في مورد يوجب اندكاك أحدهما في الآخر وتأكّده به ، فتكون هناك حرمة واحدة مؤكّدة متعلّقة بفعل واحد وإن كان فيه ملاكان للحرمة ، وهو نظير ما إذا تعلّق النذر بفعل واجب ، حيث لا إشكال في انعقاده وتأكّد وجوب الواجب به.

٥٨٦

وبهذا يظهر أنّ الوجه الثالث من الوجوه الأربعة التي أجاب بها المحقّق الخراساني رحمه‌الله عن الإشكال في غير محلّه.

مضافاً إلى أنّ البدعة والتشريع ليس مجرّد عمل للقلب بل إنّه يتشكّل من عمل خارجي كالصيام في العيدين ومن عقد القلب بكونه مشروعاً.

وإن شئت قلت : إنّ الاعتقاد القلبي يكون سبباً لانطباق عنوان التشريع على العمل الخارجي ، وعلى أيّ حال : يتّحد متعلّق الحرمة الذاتيّة مع متعلّق الحرمة التشريعيّة فيعود المحذور الذي في كلام المستشكل.

وهكذا الوجه الأوّل والثاني ، أمّا الأوّل : فلأنّه مبني على تعلّق النهي في لسان الأدلّة على ذات الأفعال المنهي عنها مع أن الظاهر أنّه تعلّق بالصّلاة مع قصد القربة في مثل قوله عليه‌السلام : « دعي الصّلاة أيّام أقرائك » فليست العبادة الواردة في لسان الأدلّة العبادة الشأنيّة بل إنّها ناظرة إلى مقام الفعل والقصد.

وأمّا الثّاني : ( وهو النقض بالعبادات الذاتيّة ) فلأنه التزام بنفس الإشكال وإقرار بأنّه لو لم تكن العبادة ذاتيّة كان الإشكال وارداً ، فيكون الجواب أخصّ من الإشكال.

فالوجه الصحيح والتامّ من الوجوه الأربعة إنّما هو الوجه الرابع وهو كفاية الحرمة التشريعيّة لفساد العمل.

ثمّ إنّ للمحقّق الحائري قدس‌سره في المقام تفصيلاً آخر ، وهو التفصيل بين ما إذا تعلّق النهي بنفس المقيّد وهي الصّلاة المخصوصة مثلاً ( كأن يقال مثلاً لا تصلّ في الحمّام ) وما إذا تعلّق النهي بأمر آخر يتّحد مع الطبيعة المأمور بها ( كأن يقال مثلاً « كون صلاتك في الحمّام حرام » أو « كون صيامك في العيدين حرام » ) ففي الصورة الاولى يوجب النهي الفساد من جهة عدم إمكان كون الطبيعة من دون تقييد ذات مصلحة توجب المطلوبيّة ، والطبيعة المقيّدة بقيد خاصّ ذات مفسدة توجب المبغوضيّة ، لأنّ الجهة الموجبة للمبغوضيّة ليست مباينة لأصل الطبيعة حتّى في عالم الذهن ، فلا يمكن أن تكون مبغوضاً ويكون أصل الطبيعة محبوبة من دون تقييد.

وبعبارة اخرى : لو بقيت المحبوبيّة التي هي ملاك الصحّة في العبادة في المثال يلزم كون الشيء الواحد خارجاً وجهةً محبوباً ومبغوضاً وهو مستحيل ، وأمّا الصورة الثانيّة فالصحّة والفساد فيها يبتنيان على كفايّة تعدّد الجهة في تعدّد الأمر والنهي ولوازمها من القرب والبعد

٥٨٧

والإطاعة والعصيان والمثوبة والعقوبة وحيث اخترنا كفاية تعدّد الجهة في ذلك فالحقّ في المقام الصحّة » (١).

أقول : يرد عليه :

أوّلاً : أنّ باب الاجتماع يتصوّر في ما إذا كان في البين عنوانان مستقلاّن وهو ليس صادقاً في المقام لأنّ كون الصّلاة في الحمّام هو من الخصوصيّات الفرديّة واللوازم الوجوديّة للصّلاة فلا يعدّ عنواناً مستقلاً عن عنوان الصّلاة.

وثانياً : لو سلّم صحّة هذا التفصيل ثبوتاً فلا يصحّ في مقام الإثبات حيث لا أظنّ في هذا المقام وجود مورد في لسان الشرع تعلّق النهي فيه بالخصوصيّة الخارجة عن الذات ، أي بأمر آخر يتّحد مع الطبيعة المأمور بها بل الظاهر أنّ جميع النواهي الشرعيّة هي من موارد الصورة الاولى ، أي تعلّق النهي فيها بنفس المقيّد كقوله « لا تصلّ في الحمّام » وقوله « لا تصمّ في السفر » وغير ذلك.

بقي هنا شيء :

وهو أنّ محلّ النزاع ما إذا كان النهي ظاهراً في المولويّة ، وأمّا النواهي الظاهرة في الإرشاد فهي خارجة عن محلّ الكلام ، ولا إشكال في دلالتها على الفساد كجميع الأوامر والنواهي التي تعلّقت بالأجزاء والشرائط حيث إنّها ظاهرة في الإرشاد بظهور ثانوي وإن كان ظاهرها بالطبع الأوّلي هو المولويّة من باب أنّ الناهي فيها إنّما هو مولى مفترض الطاعة ، وبالجملة أنّ العبادات مخترعات شرعيّة لا بدّ من بيان أجزائها وشرائطها ضمن أوامر ونواهي ، وهذا أوجب انقلاب ظهورها في المولويّة إلى الظهور في الإرشاد فقول الشارع المقدّس : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) إرشاد إلى شرطيّة الوقت للصّلاة ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) إرشاد إلى شرطيّة الطهارة كما أنّ قوله عليه‌السلام : « لا تصلّ في وبَر ما لا يؤكل لحمه » إرشاد إلى مانعية وبَر ما لا يؤكل لحمه للصّلاة.

هذا تمام الكلام في العبادات.

__________________

(١) درر الفوائد : ج ١ ، ص ١٨٧ ـ ١٨٨ ، طبع جماعة المدرّسين.

٥٨٨

النهي في المعاملات :

وأمّا المعاملات فالنزاع فيها أيضاً يختصّ بالنهي المولوي ، وأمّا الإرشادي منه فلا إشكال في دلالته على الفساد كما في العبادات ، كما أنّ النزاع فيها إنّما هو في وجود الملازمة بين النهي والفساد عقلاً ولا دخل للغة والعرف فيها ، فقول المحقّق الخراساني رحمه‌الله من « أنّ النهي الدالّ على حرمتها لا يقتضي الفساد لعدم الملازمة فيها لغة وعرفاً بين حرمتها وفسادها أصلاً » في غير محلّه ، بل الصحيح أن يقال : أنّه لا يقتضي الفساد لعدم الملازمة بين حرمة المعاملة وفسادها عقلاً من باب عدم اعتبار قصد القربة فيها كما كان معتبراً في العبادات.

نعم لا بدّ من التفصيل بين أقسام النهي المتعلّق بالمعاملات فإنّه على أقسام أربع :

القسم الأوّل : النهي المتعلّق بالسبب كما في قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) وقوله عليه‌السلام « لا تبع وقت النداء » بناءً على ما هو الصحيح في محلّه من أنّ أسامي العقود وضعت للأسباب لا المسبّبات.

القسم الثاني : النهي المتعلّق بالمسبّب كأن يقال : « لا تملّك الكافر المصحف » أو يقال : « لا تملّك الكافر العبد المسلم » فإنّ المنهي عنه المبغوض للشارع فيهما إنّما هو سلطة الكافر المسبّب عن بيع المصحف أو بيع العبد المسلم ، حيث إنّ الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.

القسم الثالث : النهي عن التسبّب ، أي إيجاد المعاملة بسبب خاصّ وبآلة خاصّة كأن يقال : « لا تتملّك شيئاً بالربا » فإنّ أصل التملّك ليس مبغوضاً للشارع بل المبغوض إنّما هو التملّك من طريق الأخذ بالربا.

القسم الرابع : النهي المتعلّق بالنتيجة كأن يقال : « لا تأكل ثمن الخمر » أو « ثمن العذرة سحت » فإنّ النهي تعلّق بالثمن الذي هو نتيجة للعقد.

أمّا القسم الأوّل : فلا إشكال في عدم دلالة النهي فيه على الفساد لنفس ما مرّ من عدم وجود ملازمة بين النهي عن شيء وفساده عقلاً.

وأمّا القسم الثاني : فذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى عدم دلالته أيضاً على الفساد ، ولكن المحقّق النائيني رحمه‌الله اختار دلالته على الفساد بدعوى أنّ النهي عن المسبّب تعجيز للعبد ، فكأنّه يرى ظهوراً عرفياً للنهي عن المسبّب في التعجيز أو ملازمة عقليّة بينه وبين التعجيز ، وقد أنكر عليه المحقّق العراقي رحمه‌الله ، والمنسوب إلى شيخنا الأعظم الأنصاري رحمه‌الله التفصيل بين ما إذا

٥٨٩

كانت الأسباب عقليّة كشف عنها الشارع فتصحّ المعاملة في مثل بيع المصحف أو المسلم من الكافر ثمّ يجبر الكافر بإخراج المسلم أو المصحف عن ملكه ، وبين ما إذا كانت الأسباب شرعيّة فتبطل المعاملة لأنّ جعل السبب بعيد مع مبغوضيّة متعلّقه ومسبّبه.

وقال في تهذيب الاصول توضيحاً لكلامه : « الظاهر أنّ مراده من كون الأسباب عقليّة هو كونها عقلائيّة إذ لا يتصوّر للسبب العقلي الاعتباري هنا معنى سوى ما ذكرنا » (١).

أقول : التعبير بالكشف لا الإمضاء في كلام الشّيخ الأعظم رحمه‌الله شاهد قطعي على أنّ مراده من كون الأسباب عقليّة ليس كونها عقلائيّة اعتباريّة كما لا يخفى ، فمرجع كلامه حينئذٍ إلى أنّ في باب المعاملات يوجد نحو تأثّر وتأثير واقعيين بين الأسباب والمسبّبات كعقد النكاح والزوجيّة ، نظير ما قد يدّعي في باب تداخل الأسباب والمسبّبات من أنّ الأسباب الشرعيّة أسباب واقعية عقليّة كشف عنها الشارع.

وكيف كان فالإنصاف في هذا القسم ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله من دلالة النهي على الفساد ببيان « أنّ صحّة المعاملة تتوقّف على ثلاثة امور :

الأوّل : كون كلّ من المتعاملين مالكاً للعين أو بحكمه ليكون أمر النقل بيده ولا يكون أجنبياً عنه.

الثاني : أن لا يكون محجوراً عن التصرّف فيها من جهة تعلّق حقّ الغير بها أو لغير ذلك من أسباب الحجر ليكون له السلطنة الفعليّة على التصرّف فيها.

الثالث : أن يكون إيجاد المعاملة بسبب خاصّ وآلة خاصّة ، وعلى ذلك فإذا فرض تعلّق النهي بالمسبّب وبنفس الملكيّة المنشأة مثلاً كما في النهي عن بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر كان النهي معجزاً مولويّاً للمكلّف عن الفعل ورافعاً لسلطنته عليه فيختلّ بذلك الشرط الثاني » (٢).

أقول : أضف إلى ذلك أنّ فساد المعاملة في هذا القسم هو مقتضى الحكمة العقلائيّة في القوانين المجعولة عندهم حيث إنّ المقنّن الحكيم لا يمضي عقداً يكون مسبّبه مبغوضاً عنده والعقلاء يذمّون من أمضى عقداً ثمّ أجبر المشتري بالبيع ثانياً ، وهذا بخلاف القسم الأوّل ، أي

__________________

(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٣٢ ، من طبع مهر.

(٢) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٠٤.

٥٩٠

النهي عن السبب ، فلا دليل فيه على الفساد لعدم كون المسبّب فيه مبغوضاً عند الشارع على الفرض بل المبغوض فيه إنّما هو أمر آخر خارج عن المسبّب كوصف المزاحمة للصّلاة في قوله « لا تبع وقت النداء ».

ثمّ إنّه أجاب في تهذيب الاصول عن مقالة الشّيخ الأعظم رحمه‌الله بأنّ « ما ذكره رحمه‌الله من ـ أنّ جعل السبب بعيد مع مبغوضيّة متعلّقه ـ غير مجد لأنّ الجعل لم يكن مقصوراً بهذا المورد الخاصّ حتّى يتمّ ما ذكره من الاستبعاد بل الجعل على نحو القانون الكلّي الشامل لهذا المورد وغيره ، نعم اختصاص المورد بالجعل مع مبغوضيّة مسبّبه بعيد » (١).

ولكن قد مرّ كراراً أنّ الحقّ هو انحلال الأحكام القانونيّة الكلّية بعدد مصاديقها وأفرادها ، فينحلّ إمضاء الشارع في قضيّة « أحل الله البيع » مثلاً إلى إمضاءات متعدّدة بعدد أفراد البيع ، فيشمل إمضائه مثل بيع المصحف من الكافر وحيث إنّه منافٍ للحكمة بالبيان المزبور فنستنتج عدم شمول إمضائه لمثل هذا المورد.

أمّا القسم الثالث : فأيضاً يدلّ النهي فيه على الفساد لنفس ما مرّ في القسم الثاني ، فإنّ إمضاء الشارع الحكيم إيجاد معاملة بسبب خاصّ مع كون التسبّب به مبغوضاً عنده ، ينافي حكمته.

أمّا القسم الرابع : فلا إشكال ولا خلاف في دلالة النهي على الفساد فيه أيضاً لأنّ مبغوضيّة الأثر وكونه سحتاً مثلاً عند المولى في مثل « ثمن العذرة سحت » يدلّ بالانّ على الفساد عرفاً فإنّ لازم حرمة الأثر والنتيجة عند العرف بقاء الثمن في ملك المشتري ، وهذا من قضايا قياساتها معها ، ولذلك نرى كثيراً ما تعبّر الشارع عن بطلان معاملة لا خلاف في بطلانها بلسان حرمة النتيجة.

بقي هنا شيء :

وهو ما أفاده وإدّعاه في هامش أجود التقريرات من أنّ حرمة المعاملة لا تدلّ على فسادها مطلقاً وإنّه لا سببية في باب إنشاء العقود والايقاعات أصلاً وأنّه لا معنى لأنّ يكون النهي

__________________

(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، طبع مهر ، ص ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

٥٩١

متعلّقاً بالمعنى المعبّر عنه بالمصدر تارةً ، وبالمعنى المعبّر عنه باسم المصدر اخرى ، ببيان أنّ هناك ثلاثة امور :

الأمر الأوّل : اعتبار الملكيّة مثلاً بمن بيده الاعتبار أعني به الشارع.

الأمر الثاني : اعتبار الملكيّة القائم بالمتبايعين مع قطع النظر عن إمضاء الشارع له وعدم إمضائه له.

الأمر الثالث : إظهار المتبايعين اعتبارهما النفساني بمظهر خارجي من لفظ أو غيره ، أمّا الاعتبار القائم بالشارع فهو غير قابل لتعلّق النهي به ليقع الكلام في دلالته على الفساد وعدم دلالته عليه ، ضرورة أنّ الاعتبار القائم بالشارع خارج عن تحت قدرة المكلّف واختياره فكيف يعقل تعلّق النهي به؟ فإذا فرض في مورد أنّ الاعتبار المزبور مبغوض له لم يصحّ نهي المكلّف عنه ، بل الشارع بنفسه لا يوجد مبغوضه ، وهذا ظاهر لا يكاد يخفى ، وأمّا الاعتبار القائم بالمتبايعين مثلاً فهو وإن كان قابلاً لتعلّق النهي به إلاّ أنّه لا يدلّ على عدم إمضاء الشارع له لأنّ سلب القدرة عن المكلّف في مقام التكليف لا يستلزم حجر المالك وعدم إمضاء اعتباره على تقدير تحقّقه في الخارج ، لأنّ النهي إنّما يتكفّل بإظهار الزجر عن تحقّق متعلّقه في الخارج من دون تعرّض لإمضائه على تقدير تحقّقه وعدم إمضائه ، فإذا كان لدليل الإمضاء إطلاق بالإضافة إلى الفرد المنهي عنه لم يكن مانع من الأخذ به أصلاً ، وأمّا النهي المتعلّق بذات ما يكون به إظهار الاعتبار من المتبايعين كالنهي عن البيع المنشأ باللفظ أثناء الاشتغال بصلاة الفريضة أو النهي المتعلّق بمظهر الاعتبار المزبور بما هو مظهر ، فعدم دلالتهما على عدم كون الاعتبار النفساني القائم بالمتبايعين ممضي عند الشارع ظاهر لا سترة عليه ، فالصحيح أنّ حرمة المعاملة لا تدلّ على فسادها مطلقاً نعم إذا كان النهي عن معاملة ما ظاهراً في كونه في مقام الردع عنها وعدم إمضائها كان دالاً على فسادها مطلقاً إلاّ أنّ ذلك خارج عمّا هو محلّ الكلام بين الأعلام » (١) ( انتهى ).

أقول : يرد عليه :

أوّلاً : بالنسبة إلى مبناه في باب الإنشاء ما حقّقناه في محلّه من أنّ الإنشاء إيجاد ، أي أنّه

__________________

(١) أجود التقريرات : ج ١ ص ٤٠٣ و ٤٠٤.

٥٩٢

عبارة عن إيجاد أمر عقلائي واعتباره بأسبابه الخاصّة ، وليس من قبيل الإظهار.

وثانياً : ما مرّ آنفاً من وجود ملازمة عرفيّة عقلائيّة ( لو لم تكن عقليّة ) بين النهي عن الاعتبار القائم بالمتبايعين وبين عدم إمضائه وإن أمضاه المتعلّق مع كونه مبغوضاً يخالف الحكمة عند العقلاء.

إلى هنا تمّ البحث بحسب ما يقتضيه العقل وبناء العقلاء.

وأمّا بحسب الأدلّة النقليّة فإنّ هناك روايتين ربّما يستدلّ بهما على عدم دلالة النهي على الفساد ، ( وقد وردتا في باب عدم نفوذ نكاح العبد من دون إذن مولاه وإنّ صحّته موقوفة على إجازته ) وذهب جماعة منهم المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى عدم دلالتهما لا على الفساد ولا على الصحّة ، وادّعى بعض دلالتهما على الصحّة :

إحديهما : ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده فقال : « ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما » قلت : أصلحك الله إنّ الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيّد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده فإذا أجازه فهو له جائز » (١). ( وهي معتبرة سنداً ).

ثانيتهما : ما رواه زرارة أيضاً عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تزوّج عبده امرأة بغير إذنه فدخل بها ثمّ إطّلع على ذلك مولاه قال : « ذاك إلى مولاه إن شاء فرّق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها ... وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل » فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإنّ أصل النكاح كان عاصياً فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إنّما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاص الله ، إنّما عصى سيّده ولم يعص الله إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدّة وأشباهه » (٢). ( وهي غير معتبرة من ناحية السند لمكان موسى بن بكر ).

فاستدلّ بقوله عليه‌السلام « إنّما عصى سيّده ولم يعص الله » لدلالة النهي على الفساد بدعوى أنّ مفهومه فساد النكاح لو كان عصى الله ووجود الملازمة بين عصيان الله في المنهي عنه وفساده ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : أبواب نكاح العبيد والاماء الباب ٢٤ ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ح ٢.

٥٩٣

واستدلّ بهما أيضاً للصحّة ببيان أنّ عصيان السيّد ملازم لعصيان الله تعالى ، لأنّ طاعة السيّد واجب شرعاً ، فإذا لم يوجب عصيان السيّد الفساد لم يوجبه عصيان الله أيضاً.

أقول : الظاهر أنّ منشأ الخلاف في مدلول الرّوايتين إنّما هو أنّ العصيانين الواردين في الرّوايتين هل هما تكليفيان ، أو أنّهما وضعيان ، أو أحدهما وضعي والآخر تكليفي؟ فكأنّ القائل بدلالتهما على الفساد يرى أنّ كليهما تكليفيان ، والقائل بالصحّة يرى عصيان السيّد تكليفيّاً فحسب وعصيان الله المنفي في الرّواية وضعيّاً ، ولازمه أن يكون مدلول الرّواية أنّ الذي يوجب بطلان النكاح وفساده إنّما هو العصيان الوضعي لا التكليفي ، ومحلّ النزاع في المقام إنّما هو النواهي التكليفية وإنّها هل تدلّ على الفساد أو لا ، لا الوضعيّة.

ومن هنا يرد عليه ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله من أنّ مقتضى وحدة السياق وحدة العصيانين في المعنى (١) ، فلا يتمّ القول بدلالتهما على الصحّة ، وأمّا القول الأوّل ، وهو دلالتهما على الفساد.

فيرد عليه : أنّ الإنصاف أنّ المراد من كلا العصيانين في الرّوايتين العصيان الوضعي ، أمّا بالنسبة إلى عصيان الله فلأنّ جميع المحرّمات في باب النكاح محرّمات وضعية كما يظهر بالتتبّع فيها ، وأمّا ما ورد فيها من الوعيد بالعذاب والعقاب فهو أيضاً ناشٍ من الحرمة الوضعية وما يترتّب على بطلان النكاح ، ويؤيّد ذلك ما ورد في ذيل الرّواية الثانيّة من قوله عليه‌السلام : « إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من النكاح في عدّة وأشباهه » حيث إنّ حرمة النكاح في العدّة وضعية بلا إشكال.

وأمّا بالنسبة إلى عصيان السيّد فلأنّه لا إشكال في أنّه ليس لازم اعتبار الاذن من السيّد حرمة مجرّد إجراء صيغة النكاح تكليفاً على العبد وإلاّ يستلزم حرمة التكلّم وأشباهه أيضاً ممّا لا يعتبر فيه الاذن من السيّد قطعاً بل غاية ما يقتضيه كون عقد النكاح فضولياً وغير تامّ بحسب الوضع ، فيصير صحيحاً بلحوق الاجازة ، ولازم هذا الحرمة الوضعية فقط.

بقي هنا أمران :

الأمر الأوّل : ما حكي عن أبي حنيفة والشيباني من دلالة النهي على الصحّة ، وظاهره

__________________

(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٠٧.

٥٩٤

دلالته عليها مطلقاً سواء في المعاملات والعبادات ، وحكي عن فخر المحقّقين موافقته لهما بل وافقهما المحقّق الخراساني رحمه‌الله في بعض شقوق المعاملة وفي تهذيب الاصول في جميعها ، ولكن خالفهما المشهور ، والحقّ أنّ كلامهما هذا ساقط عن الاعتبار مطلقاً كما سيأتي بيانه.

وكيف كان فهيهنا ثلاثة أقوال : دلالة النهي على الصحّة مطلقاً ، وعدم دلالته عليها مطلقاً ، والقول بالتفصيل ، أي دلالته عليها في الجملة.

أمّا القول الأوّل : فاستدلّ له بأنّ النهي لا يصحّ إلاّعمّا يتعلّق به القدرة ، والمنهي عنه هو وقوع المعاملة مؤثّرة صحيحة ، فلو كان الزجر عن معاملة مقتضيّاً للفساد للزم أن يكون سالباً لقدرة المكلّف ، ومع عدم قدرته يكون لغواً ، فلو كان صوم يوم النحر والنكاح في العدّة مثلاً ممّا لا يتمكّن المكلّف من إتيانهما كان النهي عنهما لغواً لتعلّقه بأمر غير مقدور.

وإن شئت قلت : أنّ الانزجار عن الفعل المنهي عنه حاصل لعدم القدرة عليه ، فالنهي عنه حينئذٍ تحصيل للحاصل.

وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمه‌الله بالتفصيل بين ما إذا كان النهي في المعاملات عن المسبّب أو التسبّب ، فيدلّ على الصحّة لاعتبار القدره في متعلّقه عقلاً كالأمر وإنّه لا يكاد يقدر على المسبّب أو التسبّب إلاّفيما إذا كانت المعاملة مؤثّرة صحيحة ، وبين ما إذا كان النهي فيها عن السبب فلا يدلّ على الصحّة لأنّ المكلّف قادر على السبب ، أي على إجراء الصيغة على أيّ حال : سواء كان صحيحاً أو فاسداً.

هذا كلّه في المعاملات وأمّا العبادات فقد قسّمها إلى قسمين :

أوّلهما : ما كان منها عبادة ذاتيّة كالركوع والسجود ممّا لا تحتاج عباديتها إلى تعلّق أمر بها ، فذهب إلى كونها مقدورة صحيحة ولو مع النهي عنها كما إذا كانت مأموراً بها لأنّ عباديتها لا تتوقّف على تعلّق الأمر به لكي لا يمكن تحقّقها إذا تعلّق النهي بها ولم تكن مأموراً بها.

ثانيهما : ما كان منها عبادة لتعلّق الأمر بها ولاعتبار قصد القربة في عباديتها فذهب في هذا القسم إلى عدم كونه مقدوراً مع النهي عنه لأنّ المبغوض لا يكون مقرّباً فيدلّ النهي فيه على الفساد.

وأورد عليه في تهذيب الاصول توجيهاً لقول أبي حنيفة والشيباني بأنّ مورد نظرهما ليس نفس السبب بما هو فعل مباشري إذ ليس السبب متعلّقاً للنهي في الشريعة حتّى يبحث عنه بل

٥٩٥

مورد النظر هو المعاملات العقلائيّة المعتدّ بها لولا نهي الشارع عنها ، أعني العقد المتوقّع منه ترتّب الأثر والمسبّب عليه (١).

أقول : مقصوده أنّ النهي يتعلّق بالسبب بما هو سبب وبوصف السببيّة لا بذات السبب ، فلا وجه للتفريق بين النهي عن السبب والنهي عن المسبّب أو التسبّب في كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله.

ولكن يرد عليه : أنّ لازم هذا رجوع النهي عن السبب إلى النهي عن المسبّب أو النهي عن التسبّب ، وهو خلاف التقسيم المفروض في كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله.

وكيف كان ، فالحقّ عدم دلالة النهي على الصحّة مطلقاً بل غاية ما يدلّ عليه إنّما هو صحّة العمل المنهي عنه لولا تعلّق النهي به ، وهذا يكفي في الخروج عن محذور تحصيل الحاصل ومحذور تعلّق النهي بأمر غير مقدور ، وذلك لأنّ الشارع يسلب القدرة عن المكلّف تعبّداً بنهيه عنه نظير ما يلاحظ في باب النذر فيما إذا تعلّق بترك عبادة مكروهة مثلاً ، حيث إنّ الناذر يسلب القدرة عن نفسه تعبّداً وشرعاً لا تكويناً وخارجاً ، وفي ما نحن فيه إذا نهى الشارع المقدّس عن بيع المصحف من الكافر فقد سلب عن المكلّف القدره الشرعيّة على البيع التي كانت له قبل النهي ، والذي تقتضيه حكمة الشارع الحكيم إنّما هو صحّة المعاملة لولا تعلّق النهي وقبل تعلّقه ، وأمّا بعد تعلّقه فالحكمة تقتضي عقلاً أو عقلائيّاً الفساد لوجود الملازمة بين المبغوضيّة المستفادة من النهي والفساد عند العرف والعقلاء كما مرّ.

وبعبارة اخرى : عدم دلالة النهي على الفساد مستلزم للغويّة لا أنّ عدم الفساد مستلزم لها ، لاقتضاء الحكمة العقلائيّة أن يكون المبغوض فاسداً.

ثمّ إنّ المصرّح به في كلمات جماعة من المحقّقين ومنهم المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني رحمهما الله أنّ متعلّق النهي في العبادات ليس هو العبادة الفعليّة أي العبادة الصحيحة من جميع الجهات بل إنّما يتعلّق النهي بشيء لو تعلّق الأمر به لكان أمراً عباديّاً ، فإنّ الشرائط الآتية من قبل الأمر خارجة عن المدلول بل مطلق الشرائط على التحقيق كما صرّح به في تهذيب الاصول (٢).

أقول : إنّ الظاهر من النواهي المتعلّقة بالعبادات كالنهي عن الصّلاة في أيّام العادة أنّها

__________________

(١) راجع تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، من طبع مهر.

(٢) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٣٦ ، من طبع مهر.

٥٩٦

تتعلّق بالعبادة الجامعة لجميع الشرائط حتّى قصد القربة كما مرّ في بعض الأبحاث السابقة ، فمعنى قوله عليه‌السلام « لا تصلّ في أيّام اقرائك » « لا تصلّ صلاة كنت تأتين بها قبل أيّام العادة » أي الصّلاة الجامعة لجميع شرائط الصحّة.

هذا ـ مضافاً إلى كونه مقتضى ما اخترناه في مبحث الصحيح والأعمّ من أنّ الألفاظ الشرعيّة وضعت للصحيح وما يكون مبدأً للآثار ، حيث إنّه يقتضي كون متعلّق النهي تلك العبادة الجامعة لتمام شرائط الصحّة ، نعم يستلزم النهي سلب القدرة عن إتيانها ، وبعبارة اخرى : النهي يتعلّق بالعبادة الفعليّة قبل النهي لا بعده.

وبهذا يظهر أنّ دلالة النهي على الفساد ـ أي بطلان كلام أبي حنيفة والشيباني في باب العبادات ـ ليست متوقّفة على عدم كون المراد من الصحيح الصحيح من جميع الجهات وعلى عدم كون المراد من الصحّة هو الصحّة الفعليّة كما ذهب إليه جماعة من الأعلام بل النهي يدلّ على الفساد في باب العبادات ولو كان المراد من الصحّة الصحّة الفعليّة لأنّ المقصود منها الفعليّة قبل النهي لا بعده كما مرّ آنفاً.

الأمر الثاني : أنّه قد مرّ شمول النزاع في المسألة للأعمّ من النهي التحريمي والتنزيهي ، ونتيجته دلالة النهي على الفساد مطلقاً حتّى إذا كان تنزيهياً لأنّه الوجه في دلالته على الفساد وجود الملازمة بين المبغوضيّة وعدم الإمضاء من جانب الشارع ، ولا إشكال في أنّ النهي التنزيهي أيضاً يدلّ على مبغوضيّة متعلّقه ولو كانت بدرجة أقلّ من التحريمي.

وإن شئت قلت : لا بدّ لكون العبادة مقرّبة من أن يكون العمل محبوباً ، والنهي التنزيهي دالّ على عدم كون المتعلّق محبوباً على الأقلّ وإن لم يكن دالاً على كونه مبغوضاً.

إن قلت : فكيف الحكم بصحّة العبادات المكروهة؟

قلنا : قد مرّ البحث مستوفى عن العبادات المكروهة وأنّ الكراهة فيها ليست هي الكراهة المصطلحة فراجع.

هذا بالنسبة إلى العبادات ، وأمّا المعاملات فلا دليل على دلالة النهي التنزيهي فيها على الفساد كالنهي عن بيع الأكفان والنهي عن تلقّي الركبان ، حيث إنّ المفروض جواز العمل المكروه في الكراهة المصطلحة من ناحية الشارع ، فكيف تلازم عدم الإمضاء من جانبه؟ وكيف تكون منافية للحكمة بعد ملاحظة عدم اعتبار قصد القربة في المعاملات؟ حيث لا

٥٩٧

يمكن أن يقال حينئذٍ : « أنّ النهي التنزيهي يدلّ على الأقلّ على عدم كون المتعلّق محبوباً فلا يكون مقرّباً » كما يقال به في باب العبادات التي تعلّق بها النهي التنزيهي.

إلى هنا تمّ الكلام في مباحث النواهي والحمد لله أوّلاً وآخراً.

٥٩٨

الفهرس

كلمة المقرر........................................................................... ٧

ما الذي دعاني إلى هذا ...؟............................................................ ٩

علم الاصول كما ينبغي............................................................... ١٥

(١) تاريخ علم الاصول وتطوّره في سطور :............................................. ١٥

(٢) المشكلة المهمّة في اصول الفقه :.................................................... ١٧

(٣) رسم كلّي لأبحاث علم الاصول :.................................................. ١٧

والمبحوث عنه في المقدّمة عبارة عن :................................................... ٢١

والمبحوث عنه في مبادىء المبادىء امور :............................................... ٢١

والمبحوث عنه في المبادىء يشتمل على مقاصد :......................................... ٢٢

والمبحوث عنه في المسائل هو « الأدلّة في الفقه » في مقامين :............................. ٢٥

والمبحوث عنه في الخاتمة هو الاجتهاد والتقليد............................................ ٢٦

مقدّمة............................................................................... ٣١

الأمر الأوّل : يشتمل على مسائل أربع.................................................. ٣٣

المسألة الاولى : موضوع كلّ علم...................................................... ٣٣

ملاك وحدة العلم :................................................................... ٣٦

المسألة الثانيّة : في تمايز العلوم.......................................................... ٣٩

المسألة الثالثة : في موضوع علم الاصول................................................ ٤١

نعم يمكن الإيراد عليه من طريقين :.................................................... ٤٣

المسألة الرابعة : تعريف علم الاصول................................................... ٤٤

الأمر الثاني : الوضع وأحكامه......................................................... ٤٧

٥٩٩

١ ـ حقيقة الوضع................................................................... ٤٧

٢ ـ من الواضع؟.................................................................... ٤٩

٣ ـ الكلام في أقسام الوضع.......................................................... ٤٩

٤ ـ المعاني الحرفيّة................................................................... ٥٢

المختار في المعاني الحرفيّة............................................................... ٥٨

٥ ـ الكلام في الفرق بين الإنشاء والإخبار............................................. ٦٢

٦ ـ الكلام في معاني أسماء الإشارة.................................................... ٦٥

٧ ـ الكلام في الضمائر.............................................................. ٦٧

٨ ـ الموصولات..................................................................... ٦٨

الأمر الثالث : هل المجاز بالطبع أو بالوضع؟............................................. ٧١

تتميم في الحقيقة والمجاز................................................................ ٧١

الأمر الرابع : الدلالة تابعة للارادة أو لا؟............................................... ٧٥

الأمر الخامس : في وضع المركّبات والهيئات.............................................. ٧٩

الأمر السادس : في علائم الحقيقة والمجاز................................................ ٨١

١ ـ التبادر :....................................................................... ٨١

٢ ـ عدم صحّة السلب وصحّته ( صحّة الحمل وعدم صحّته ) :......................... ٨٤

٣ ـ الاطّراد وعدمه :............................................................... ٨٧

٤ ـ من علائم الحقيقة والمجاز نصّ أهل اللّغة :.......................................... ٩١

الأمر السابع : الحقيقة الشرعيّة........................................................ ٩٢

الأمر الأوّل : في أدلّة القولين :........................................................ ٩٣

الأمر الثاني : في دائرة الحقائق الشرعيّة.................................................. ٩٨

الأمر الثالث : في ثمرة المسألة.......................................................... ٩٩

الأمر الرابع : فيما إذا شككنا في تاريخ الاستعمال والتاريخ النقل........................ ١٠٠

الأمر الثامن : الصحيح والأعمّ....................................................... ١٠٣

المختار في الجامع الصحيحي :........................................................ ١١٢

٦٠٠