أنوار الأصول - ج ١

أنوار الأصول - ج ١

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-12-1
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٠٨

مستوى الجهات الخمس المذكورة ، ولعلّ الصحيح الخالي عن الإشكالات التي مرّ ذكرها أن تذكر بهذه الكيفية :

إنّ علم الاصول يشتمل على :

١ ـ مقدّمة.

٢ ـ ومبادىء المبادىء.

٣ ـ المبادىء.

٤ ـ المسائل.

٥ ـ الخاتمة.

والمبحوث عنه في المقدّمة عبارة عن :

١ ـ موضوع كلّ علم.

٢ ـ تمايز العلوم.

٣ ـ تعريف علم الاصول.

٤ ـ موضوع علم الاصول.

٥ ـ تقسيم المباحث الاصوليّة.

والمبحوث عنه في مبادىء المبادىء امور :

الأمر الأوّل في الوضع :

١ ـ تعريف الوضع.

٢ ـ أقسام الوضع.

٣ ـ المعنى الحرفي.

٤ ـ أقسام الحروف.

٥ ـ الفرق بين الخبر والإنشاء.

٦ ـ معنى أسماء الإشارة والضمائر (١).

__________________

(١) وامّا البحث عن « استعمال اللفظ في اللفظ » ( إطلاق اللفظ وإرادة النوع ) وعن « أحوال اللفظ وتعاض الأحوال » فهما ممّا لا بدّ من حذفه من الاصول لعدم طائل تحتها.

٢١

الأمر الثاني في وضع المركّبات.

الأمر الثالث في الحقيقة والمجاز.

الأمر الرابع في تبعيّة الدلالة للارادة وعدمها.

الأمر الخامس في علائم الحقيقة والمجاز :

١ ـ التبادر.

٢ ـ صحّة السلب وعدمها.

٣ ـ الإطراد.

٤ ـ تنصيص أهل اللّغة وحجّية قول اللغوي.

الأمر السادس في الحقيقة الشرعيّة والمتشرّعيّة.

الأمر السابع في الصحيح والأعمّ.

الأمر الثامن في الاشتراك :

١ ـ الاشتراك اللّفظي والمعنوي.

٢ ـ استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

٣ ـ بطون القرآن ومعناها.

الأمر التاسع في المشتقّ وما هو حقيقة فيه.

والمبحوث عنه في المبادىء يشتمل على مقاصد :

المقصد الأوّل : الأوامر

وهو على فصول :

الفصل الأوّل : ما يتعلّق بمادّة الأمر (١).

الفصل الثاني : ما يتعلّق بصيغة الأمر.

__________________

(١) ويحذف هنا البحث عن اتّحاد الطلب والإرادة ، والجبر والاختيار ، والقضاء والقدر لأنّ موضعها المناسب لها إنّما هو علم الكلام ، وأمّا البحث عن الإجزاء ومقدّمة الواجب ومسألة الضدّ فمحلّه الاستلزامات الحكميّة في المقصد الرابع ( دليل العقل ).

٢٢

الفصل الثالث : دلالة الأمر على المرّة أو التكرار ، والفور أو التراخي.

الفصل الرابع : أقسام الواجب :

١ ـ المطلق والمشروط.

٢ ـ النفسي والغيري.

٣ ـ التخييري والتعييني ( التخيير بين الأقلّ والأكثر ).

٤ ـ العيني والكفائي.

٥ ـ الأصلي والتبعي.

٦ ـ التعبّدي والتوصّلي.

٧ ـ الموقت وغير الموقت.

الفصل الخامس : تعلّق الأمر بالطبائع أو الأفراد.

الفصل السادس : الأمر بعد الأمر.

الفصل السابع : نسخ الوجوب.

المقصد الثاني : النواهي

وهو على فصلين :

الفصل الأوّل في مادّة النهي.

الفصل الثاني في صيغة النهي (١).

المقصد الثالث : المفاهيم

وهو على فصول :

الفصل الأوّل في مفهوم الشرط.

الفصل الثاني في مفهوم الوصف.

الفصل الثالث في مفهوم الغاية.

الفصل الرابع في مفهوم الحصر.

__________________

(١) امّا البحث عن اجتماع الأمر والنهي ، والنهي في العبادة فهما أيضاً داخلان في الاستلزامات الحكمية في المقصد الرابع ( دليل العقل ).

٢٣

الفصل الخامس في مفهوم اللقب.

الفصل السادس في مفهوم العدد.

المقصد الرابع : العامّ والخاصّ

وهو أيضاً على فصول :

الفصل الأوّل في معنى الخاصّ والعامّ.

الفصل الثاني في أقسام العامّ.

الفصل الثالث في الفرق بين العامّ والخاصّ.

الفصل الرابع في أدوات العموم :

١ ـ النكرة في سياق النفي أو النهي.

٢ ـ لفظة كلّ وما شابههما.

٣ ـ الجمع المحلّى باللام.

الفصل الخامس في حجّية العامّ المخصّص في الباقي.

الفصل السادس في التمسّك بالعام في الشبهات المفهوميّة للمخصّص.

الفصل السابع في التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة للمخصّص.

الفصل الثامن : تأسيس الأصل في موارد إجمال المخصّص :

١ ـ استصحاب العدم الأزلي.

٢ ـ التمسّك بالاصول العمليّة.

٣ ـ التمسّك بعموم العناوين الثانويّة.

الفصل التاسع فيما إذا دار الأمر بين التخصيص والتخصّص.

الفصل العاشر في وجوب الفحص عن المخصّص.

الفصل الحادي عشر في الخطابات الشفاهية.

الفصل الثاني عشر في تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى البعض.

الفصل الثالث عشر في تخصيص العام بالمفهوم.

الفصل الرابع عشر في الإستثناء المتعقّب للجمل المتعدّدة.

٢٤

الفصل الخامس عشر في تخصيص عمومات الكتاب بخبر الواحد.

الفصل السادس عشر في حالات العامّ والخاصّ.

الفصل السابع عشر في النسخ والبداء.

المقصد الخامس : المطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن

والمبحوث عنه في المسائل هو « الأدلّة في الفقه » في مقامين :

المقام الأوّل : الأمارات.

المقام الثاني : الاصول العمليّة.

امّا الأمارات فهي على قسمين : الأمارات المعتبرة والأمارات غير المعتبرة.

الأوّل : الأمارات المعتبرة والبحث فيها يقع في مقاصد :

المقصد الأوّل في كتاب الله تعالى وحجّية ظواهر الألفاظ مطلقاً :

١ ـ حجّية خصوص ظواهر كتاب الله وعدم تحريفه.

٢ ـ جواز تخصيص الكتاب بالسنّة.

المقصد الثاني في السنّة وأقسام الخبر :

١ ـ حجّية الخبر المتواتر وخبر الواحد والخبر المستفيض.

٢ ـ تتمّة في التعادل والتراجيح ( تعارض الأدلّة اللّفظيّة من الكتاب والسنّة ).

المقصد الثالث في الإجماع :

١ ـ حجّية الإجماع ومعيار حجّيته عندنا وعند العامّة.

٢ ـ أنواع الإجماع.

المقصد الرابع في العقل.

١ ـ حجّية العقل ومسألة الملازمة بين العقل والشرع.

٢ ـ المستقلاّت العقليّة وغير المستقلاّت العقليّة.

٣ ـ قول الأخباريين.

٤ ـ حجّية القطع وأقسامه.

٢٥

٥ ـ حجّية القياس القطعي ( قياس الأولويّة ، إلغاء الخصوصيّة ، تنقيح المناط ).

٦ ـ الاستلزامات الحكمية ( الإجزاء ، مقدّمة الواجب ، مسألة الضدّ ، مبحث الترتّب ، اجتماع الأمر والنهي ، النهي في العبادات والمعاملات ).

الثاني : الأمارات غير المعتبرة :

١ ـ أصالة عدم حجّية الظنّ مطلقاً إلاّما خرج بالدليل.

٢ ـ عدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد.

٣ ـ عدم حجّية الشهرة ( أقسام الشهرة ).

٤ ـ عدم حجّية القياس الظنّي.

٥ ـ عدم حجّية الاستحسان.

٦ ـ عدم حجّية المصالح المرسلة الظنّية.

٧ ـ عدم حجّية سدّ الذرائع الظنّية.

٨ ـ عدم حجّية الاجتهاد الظنّي بالمعنى الخاصّ.

امّا الاصول العمليّة فهي أربعة :

١ ـ قاعدة البراءة.

٢ ـ قاعدة الاحتياط.

٣ ـ قاعدة التخيير.

٤ ـ قاعدة الاستصحاب.

والمبحوث عنه في الخاتمة هو الاجتهاد والتقليد

هذا هو الذي ينبغي أن يبنى علم الاصول عليه حتّى تنتظم مسائله ، وتحذف زوائده ، وتتدارك نقائصه ، وتظهر أعلامه ، وتتبيّن مقاصده ، ويقع كلّ مسألة في محلّها اللائق بها.

هذا ما وصل إليه نظرنا القاصر ، ونحن وان اقتفينا في هذا الكتاب آثر الأصحاب ، واقتدينا بعلماء السلف ومن قارب عصرنا في طرح المسائل وتبويب الأبواب لبعض ملاحظات لا تخفى

٢٦

على القارىء الكريم ، ولكن نسأل الله التوفيق لتأليف كتاب أوجز من هذا الكتاب طبقاً لما ذكرنا آنفاً من نظم المباحث وطرح المسائل الجديدة وحذف ما لا بدّ من حذفها ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

٢٧
٢٨

مقدّمة

الأمر الأوّل في مسائل :

١ ـ موضوع كلّ علم ٢ ـ تمايز العلوم بماذا؟

٣ ـ موضوع علم الاصول ٤ ـ تعريف علم الاصول

الأمر الثاني : الوضع وأحكامه :

١ ـ حقيقة الوضع ٢ ـ من الواضع

٣ ـ أقسام الوضع ٤ ـ المعاني الحرفيّة

٥ ـ الفرق بين الإنشاء والإخبار ٦ ـ أسماء الإشارة

٧ ـ الضمائر ٨ ـ الموصولات

الأمر الثالث : هل المجاز بالطبع أو بالوضع؟

الأمر الرابع : الدلالة تابعة للارادة أو لا؟

الأمر الخامس : وضع المركّبات والهيئات

الأمر السادس : علائم الحقيقة والمجاز

الأمر السابع : الحقيقة الشرعيّة

الأمر الثامن : الصحيح والأعمّ.

الأمر التاسع : الاشتراك واستعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى

الأمر العاشر : المشتقّ

٢٩
٣٠

مقدّمة

قد جرت عادة الأصحاب المتأخّرين في علم الاصول على البحث عن امور بعنوان المقدّمة قبل الورود في نفس المسائل الاصوليّة ، وأنهاها بعضهم إلى ثلاثة عشر أمراً كالمحقّق الخراساني رحمه‌الله في كفايته ، ونحن أيضاً نقتفي آثارهم فيما له نفع في المسائل الاصوليّة دون ما لا نفع فيه (١) ، فنقول ـ ومن الله جلّ شأنه التوفيق والهداية ـ هنا امور :

__________________

(١) وليعلم الباحث في الكتاب أنّ نظم مباحث هذا الكتاب هو على منهج كفاية الاصول وما أشبهه من الكتب الاصوليّة المدوّنة بأيدي المتأخّرين ( رضوان الله تعالى عليهم ) لتسهل المراجعة إليها حول المسائل المختلفة بالرغم من وجود إشكالات عديدة فيما اختاروه في ترتيب المسائل وتبويبها وتنظيمها ، نتركه إلى وقته المناسب ان شاء الله تعالى ، فكم من مسألة اصوليّة تركوها مع أنّها جديرة بالذكر ، وكم من مسألة ذكروها في طيّات مسائل هذا العلم ليست من مسائله ... إلى غير ذلك من الإشكالات.

٣١
٣٢

الأمر الأوّل : يشتمل على مسائل أربع

المسألة الاولى : موضوع كلّ علم

قال المحقّق الخراساني رحمه‌الله : « إنّ موضوع كلّ علم ـ وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة أي بلا واسطة في العروض ـ هو نفس موضوعات مسائله عيناً ... ».

فقد تصدّى للبحث عن موضوع كلّ علم من دون أن يشير أوّلاً إلى أنّه هل يحتاج كلّ علم إلى موضوع جامع بين موضوعات مسائله أو لا؟

والظاهر أنّه أرسله إرسال المسلّمات ، أي كانت حاجة كلّ علم إلى موضوع عنده أمراً قطعيّاً واضحاً مع أنّه وقع مورداً للسؤال والمناقشة بين أعلام المتأخّرين عنه ، فاللازم البحث في هذا قبل تعريف الموضوع.

فنقول : هل يحتاج كلّ علم إلى موضوع واحد جامع لشتات موضوعات مسائله أو لا؟

الدليل الوحيد الذي استدلّ به للزوم وحدة الموضوع هو قاعدة « الواحد لا يصدر إلاّمن الواحد » حيث إنّ لكلّ علم نتيجة واحدة فليكن ما تصدر منه هذه النتيجة أيضاً واحداً ، ولازمه أن يكون لجميع موضوعات المسائل جامع واحد يكون هو موضوع العلم.

وقد أورد على هذه القاعدة المحقّق العراقي رحمه‌الله وبعض أعاظم العصر بامور :

أوّل : إنّها مختصّة بالواحد الشخصي البسيط ، لا النوعي كما قرّر في محلّه ، ولا إشكال في أنّ الأهداف والأغراض المترتّبة على علم كعلم الاصول الذي يقع في طريق استنباط مسائل متنوعة في مختلف أبواب الفقه ليس لها وحدة شخصيّة.

الثاني : سلّمنا جريانها في الواحد النوعي ، لكنّها مختصّة بالواحد الحقيقي الخارجي ولا تجري في الواحد الاعتباري كسلامة البدن التي هي غاية لعلم الطبّ ، ومركّبة من سلامة القلب والكبد والعروق والأعصاب وغيرها من سائر أعضاء البدن ، وليس واحداً في الخارج ،

٣٣

وكعلم الاصول فإنّه يدور مدار المباحث الاعتباريّة والقوانين التشريعيّة (١).

__________________

(١) توضيح ذلك : إنّ لنا نوعين من الإدراك : إدراك حقيقي وإدراك اعتباري ، والإدراك الحقيقي هو ما يكون المدرك فيه موجوداً في عالم الخارج مع قطع النظر عن الذهن المدرك له كإدراك السماء والأرض وزيد وعمرو وغيرها من الامور الموجودة في عالم الأعيان.

والإدراك الاعتباري ما يكون مدركه مخلوقاً لأذهاننا ومصنوعاً لها مثل الملكيّة والزوجيّة ، فانّ وجود « زيد » مثلاً في قضيّة « الدار لزيد » وجود واقعي في عالم الخارج وهكذا وجود « الدار » ، وأمّا النسبة الموجودة بينهما وهي نسبة الملكيّة أمر ذهني اعتباري مصنوع لذهن من يعتبرها ، وهكذا في قضيّة « هند زوجة زيد » فإنّ « زيداً » و « هنداً » كليهما أمران واقعيّان موجودان في الخارج ، وأمّا رابطة الزوجيّة الموجودة بينهما أمر ذهني قانوني فحسب ، وكذلك في جميع الأوامر والنواهي ، أي كلّ « افعل » و « لا تفعل » ففي مثال « لا تشرب الخمر » ـ للخمر وجود حقيقي في الخارج ، وأمّا حرمة الشرب فهي أمر اعتباري موجود في عالم الذهن ، وهكذا في مثل « اشرب الدواء » وأمثال ذلك.

وبالجملة إنّ الامور الاعتباريّة امور فرضيّة يعتبرها الإنسان ويفرضها لرفع حاجات حياته ، ثمّ يرتّب عليها آثاراً مختلفة في حياته الاجتماعيّة.

ويظهر من ذلك كلّه امور :

الأوّل : أنّ الامور التكوينيّة امور ثابتة في الخارج لا تتغيّر بالاعتبارات الذهنيّة ، ولو كان فيها تغيير وتكامل فهو تكامل جوهري داخلي ، وأمّا الامور الاعتباريّة فهي امور متغيّرة تتغيّر بتغيّر الاعتبار والجعل ، كما أنّ الامور التكوينيّة امور مطلقة ، فالشمس مثلاً مطلق لا إنّها تكون شمساً بالنسبة إلى زيد ولا تكون شمساً بالنسبة إلى عمرو ، وأمّا الامور الاعتباريّة فهي امور نسبية ، فالدار المعيّنة مثلاً ملك لزيد ولا تكون ملكاً لعمرو ، والفعل الفلاني مثلاً واجب على زيد وحرام على عمرو.

الثاني : أنّ الامور التكوينيّة تحكم عليها الاستدلالات المنطقية والفلسفية كقاعدة العلّة والمعلول ، واستحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، واستحالة الجمع بين الضدّين وتقديم المعلول على العلّة ، بخلاف الامور الاعتباريّة فإنّها خارجة عن نطاق القواعد المنطقية والفلسفية ، ولذلك يمكن اعتبار نقيضين أو ضدّين أي فرضهما ، فيعتبر مثلاً أنّ هذا ملك لزيد ثمّ يعتبر ثانياً إنّه ليس ملكاً لزيد.

نعم إنّه لغو يستحيل صدوره من الحكيم من هذه الجهة ، أي من باب عدم ترتّب الأثر المطلوب من هذا الجعل والاعتبار لا من باب الاستحالة العقليّة الخارجيّة ، فإنّ المقصود من الجعل في الامور الاعتباريّة إنّما هو ترتّب أثر عقلائي ورفع حاجة من الحياة كما مرّ آنفاً ، وهو لا يترتّب على مثل هذا الجعل.

الثالث : أنّه قد تصير الامور الاعتباريّة منشأ لآثار تكوينيّة في الخارج بمعنى إنّها تصير سبباً لانقداح إرادة فعل أو كراهته في نفس الإنسان فيفعل عملاً أو يتركه ، وهو يوجب إيجاد أمر تكويني في الخارج ، فمثلاً الأمر بالصيام في شهر رمضان يوجب انقداح إرادة الصّيام في نفس المكلّف فيصوم ، والصّيام يصير منشأً وسبباً

٣٤

الثالث : سلّمنا جريانها في الواحد الاعتباري أيضاً لكنّا لا نسلّم جريانها فيما يتركّب من الامور الوجوديّة والعدميّة ، أو من الوجوديّات التي يكون كلّ واحد منها داخلاً في إحدى المقولات التسع العرضيّة التي هي من الأجناس العالية ، وليس فوقها جنس ، وذلك لعدم إمكان تصوير جامع بين الوجود والعدم وبين الأجناس العالية.

مثال القسم الأوّل : علم الفقه ( الذي يعدّ غاية لعلم الاصول ) حيث إنّ بعض موضوعات مسائله وجودي كالصّلاة وبعضها عدمي كالصوم ، ومثال القسم الثاني : الصّلاة التي تتركّب من مقولة الوضع ومقولة الكيف المسموع وهكذا ...

الرابع : أنّه لا يحصل الغرض في كلّ علم من خصوص موضوعات مسائله ، بل يحصل من النسبة الموجودة بين الموضوع والمحمول ، مثلاً الغرض من علم الفقه الذي هو عبارة عن العلم بأحكام الصّلاة والصّوم وغيرهما لا يحصل من موضوع « الصّلاة » أو « الصّوم » حتّى

__________________

لسلامة البدن ، وهكذا اعتبار قوانين المرور مثلاً فانّه يوجب انقداح إرادة مراعاتها ، والمراعاة الخارجيّة توجب حفظ النفوس والأموال ، كلّ ذلك للعلم بأنّ العقلاء يرتّبون آثاراً خاصّة على هذا الوجود الاعتباري ، أو إنّ الشارع المقدّس يرتّب عليه آثاراً مختلفة ، ففي الواقع باعث الحركة الخارجيّة هو الآثار التكوينيّة التي نعلم بترتّبها على تلك الامور الاعتباريّة من ناحية الشارع أو العقلاء في الحال أو المستقبل ، وحينئذ يكون الباعث لحدوث أمر تكويني في الخارج في الحقيقة هو أمر تكويني سابق عليه لا الاعتبار الذهني.

إذا عرفت هذا كلّه فنقول : إنّ من أقسام الامور الاعتباريّة التشريعيات التي منها مسائل الفقه ( أو الحقوق ) وهكذا اصول الفقه فلا سبيل إليها للقواعد المنطقية والفلسفية الجارية في خصوص الحقائق الخارجيّة كقاعدة الواحد أو أحكام العرض والمعروض ( بأن يقال : الصّلاة مثلاً معروض والوجوب عرض ) أو استحالة اجتماع الضدّين ( بأن يقال مثلاً : اجتماع الأمر والنهي محال لاستحالة اجتماع الضدّين ).

نعم اجتماع الضدّين وأشباهه باطل في الامور الاعتباريّة لكن لا من جهة الاستحالة بل من باب كون اعتبارها لغواً ، واللغويّة شيء والاستحالة شيء آخر.

والإنصاف أنّ الخلط بين المسائل الاعتباريّة والامور الحقيقيّة وإدخال الثانيّة في الاولى أورد ضربة شديدة على مسائل علم الاصول بل مسائل الفقه أيضاً ، كما أنّ إدخال الاولى في الثانيّة وتصوّر إنّه لا حقيقة مطلقة في الخارج بل جميع الامور حقائق نسبيّة ( كما توهّمه النسبيّون من الفلاسفة المادّيين ) أوجب إرباكاً عظيماً في مسائل الفلسفة.

وبالجملة فإنّ قاعدة الواحد لا ربط لها بالعلوم الاعتباريّة التي منها علم الاصول بل لا دخل لها حتّى في العلوم الحقيقيّة كعلم الطبّ لأنّ وحدة مسائل كلّ علم أمر اعتباري وإن كانت موضوعات مسائله اموراً واقعية خارجيّة.

٣٥

نستكشف من وحدة النتيجة وحدة الموضوع ، بل إنّها تحصل من النسبة القائمة بين الموضوع والمحمول في قولنا « الصّلاة واجبة » ، وحينئذٍ فليكن المستفاد من القاعدة وحدة النسبة لا وحدة الموضوع ، ( انتهى ما ذكره الأعلام في المقام ملخّصاً ).

أقول : الصحيح من هذه الإشكالات إنّما هو الأوّل الذي يندرج فيه الإشكال الثاني أيضاً ، وحاصلهما عدم جريان هذه القاعدة ـ على القول بها ـ في غير البسيط الحقيقي الخارجي ، ومنشأ الاستدلال بها في ما نحن فيه هو الخلط بين المسائل الاصوليّة التي هي من سنخ الاعتباريات وبين المسائل الفلسفية التي تدور حول الحقائق التكوينيّة ، فإنّ الفلسفة تبحث عن الحقائق الواقعيّة العينيّة ، والاصول يبحث عن امور اعتباريّة قانونيّة ، والفرق بين الأمرين غير خفيّ ، والمشاكل المتولّدة من ناحية هذا الخلط غير قليلة ، أي الخلط بين الحقائق والاعتباريات في طيّات أبواب علم الاصول من أوّله إلى آخره ، فلا تغفل.

وأمّا الإشكال الثالث : فيرد عليه إنّ الموضوعات في جميع مسائل الفقه امور وجوديّة وليس فيها أمر عدمي ، لأنّ موضوعات مسائل الفقه عبارة عن أفعال المكلّفين من دون واسطة كما في الأحكام التكليفيّة أو مع الواسطة كما في الامور الوضعيّة ، وهي وجوديّة بأسرها غاية الأمر تارةً يكون الفعل هو الكفّ كما في الصّيام واخرى هو الأعمال الخارجيّة.

وأمّا كونها من المقولات المتباينة ففيه : أنّ الموضوع المبحوث عنه في المسائل الفقهيّة إنّما هو فعل هذه الأوضاع والكيفيّات ، أعني إيجاد الركوع والسجود والقراءة وغيرها ، والفعل أمر واحد من مقولة واحدة.

وأمّا الإشكال الرابع : ففيه أنّ الغرض وإن كان ناشئاً من النسبة بين الموضوعات والمحمولات ، إلاّ أنّ وحدتها تنشأ من وحدتهما لأنّها قائمة بطرفيها فتكون وحدة النسب الموجودة في المسائل دليلاً على وحدة موضوعاتها.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا إنّه لا دليل على وجوب تحصيل موضوع واحد جامع لجميع موضوعات مسائل كلّ علم حتّى يبحث عن تعريفه وتحديده كما فعله جمع كثير من الأصحاب.

ملاك وحدة العلم :

قد يقال : إن لم يكن ملاك وحدة العلم وحدة الموضوع كما مرّ فما هو الملاك في اتّحاد مسائل العلم وانسجامها؟

٣٦

قلنا : لا بدّ للحصول على الجواب الصحيح لهذا السؤال من الرجوع إلى تاريخ تدوين العلوم البشريّة ( لا إلى حكم العقل لعدم كون المسألة عقليّة كما لا يخفى ) فنقول : إذا رجعنا إلى تاريخ تدوين العلوم نجد بساطتها واختصارها في بدو تولّدها كما يظهر من ملاحظة فلسفة افلاطون مثلاً فإنّها متشكّلة من مسائل طفيفة في أبواب الالهيّات ومسائل في الطبيعيّات ومسائل اخرى في الفلكيّات ومباحث في سياسة المدن اندرج جميعها في علم واحد وكتاب واحد ، ثمّ بعد توسّعها واحتياجها إلى تجزئة بعضها عن بعض قصد موسّعوها ومدوّنوها في الأدوار اللاّحقة إلى تدوين المسائل التي توجد علاقة خاصّة بينها علماً على حدة وتأليفها بعنوان علم مستقلّ ، وكان المعيار في هذه العلاقة :

تارةً : وحدة الموضوع ، كعلم معرفة الأرض في الطبيعيّات الذي يكون الموضوع في جميع مسائله شيئاً واحداً وهو الأرض وحالاتها مع أنّ الأغراض المترتّبة على مسائله مختلفة فإنّ له تأثيراً في مقاصد شتّى كما لا يخفى. أو كعلم النجوم الذي يكون الموضوع فيه أمراً واحداً وهو النجوم ، ولا يخفى أيضاً أنّ الأغراض فيه متعدّدة تظهر في باب التوحيد والعبادات ونظام المجتمع الإنساني وغيرها ، أو كعلم الكيمياء وهو علم تراكيب الأشياء وتجزئتها ، وموضوعها هو الأجسام من حيث التجزئة والتركيب ، مع أنّ فائدته تظهر في علم الطبّ والصنائع المختلفة.

واخرى : وحدة المحمول كعلم الفقه لأنّ المحمول في جميع مسائله سواء كانت تكليفيّة أو وضعية هو حكم من الأحكام الشرعيّة وليس المعيار فيه وحدة الموضوع لأنّ الموضوع فيه ليس شيئاً واحداً فإنّ الموضوع لعلم الفقه ليس خصوص أفعال المكلّفين لعدم شمولها للأحكام الوضعيّة ، وارجاعها إلى أفعال المكلّفين بالواسطة لا يخلو من التكلّف.

وثالثة : وحدة الغرض خاصّة ، كعلم المنطق لأنّ الغرض الحاصل من مسائله هو الحصول على التفكّر الصحيح والصيانة عن الخطأ ، ولعلّ من هذا القسم علم الاصول لوحدة الغرض في جميع قضاياه ، وهو تحصيل القدرة على استنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها.

ويمكن أن يكون ملاك الوحدة اثنين من هذه الامور الثلاثة أو جميعها كما لا يخفى.

فقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه لا دليل على أنّ لكلّ علم موضوعاً واحداً حتّى نحتاج إلى البحث عن حدوده وخصوصّياته ، كما ظهر ضمناً أنّ الملاك في تمايز العلوم ليس أمراً واحداً بل إنّه يختلف باختلاف أنواعها كما سيأتي بيانه في محلّه تفصيلاً إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّه لو سلّمنا حاجة كلّ علم إلى موضوع خاصّ فما هو الموضوع وما تعريفه؟

ذكر كثير منهم أنّ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة كما حكيناه عن

٣٧

المحقّق الخراساني رحمه‌الله ، ولتوضيح العوارض الذاتيّة نقول : إنّ المعروف في محلّه عند القدماء أنّ العوارض على قسمين : ذاتيّة وغير ذاتيّة ( غريبة ) ، لأنّها إمّا أن تعرض للشيء بلا واسطة كالحرارة بالنسبة إلى النار ، أو تعرضه بواسطة أمر داخلي وهو على قسمين : أمر داخلي مساوٍ للمعروض كعروض الإدراك على الإنسان بواسطة الناطقية ، أو أمر داخلي أعمّ من المعروض كعروض الحركة على الإنسان بواسطة الحيوانيّة ، ( ولا يخفى أنّ الأمر الداخلي لا يمكن أن يكون مبايناً لمعروضه كما لا يمكن أن يكون أخصّ منه ) ، أو تعرّضه بواسطة أمر خارجي ، وهو على أربعة أقسام : أمر خارجي مباين للمعروض كعروض الحرارة على الماء بواسطة النار ، وأمر خارجي مساوٍ للمعروض كعروض الإدراك على الضاحك بواسطة الناطقية ، وأمر خارجي أخصّ من المعروض كعروض الإدراك على الحيوان بواسطة الناطقية ، وأمر خارجي أعمّ من المعروض كعروض المشي على الناطق بواسطة الحيوانيّة ، فصارت الأقسام سبعة.

كما أنّ المعروف أنّ الأوّلين منها من العوارض الذاتيّة وهما العارض بلا واسطة والعارض بأمر داخلي مساوٍ ، كما أنّه لا إشكال في كون الخامس والسابع منها ( وهما العارض بواسطة الخارجي الأعمّ والعارض بأمر خارجي مباين ) من العوارض الغريبة ، وأمّا الثلاثة الباقية فقد وقعت معركة للبحث والآراء ومحلّ الكلام منها هو المنطق أو الفلسفة.

أقول : أوّلاً : ما الدليل على هذا التقسيم؟ وما هو الملاك فيه؟ وما المعيار في كون العرض ذاتياً أو غير ذاتي. فإن كان هناك مصطلح خاصّ فالأمر فيه سهل ولكن التفاوت الحقيقي بين العلوم لا يدور مداره ، وإن كان أمراً وراءه فلابدّ من بيانه.

وثانياً : لا دليل على أنّ مصنّفي العلوم قصدوا من العوارض الذاتيّة المعنى المذكور.

هذا ـ وقد أجاد بعضهم حيث اتّخذ طريقاً آخر وملاكاً جديداً للعرض الذاتي والعرض الغريب ، فقال : الذاتي ما يعرض الشيء بلا واسطة في العروض ، أي بدون الواسطة مطلقاً أو مع الواسطة في الثبوت ( كعروض الحرارة على الماء بواسطة النار ).

والمقصود من كون الواسطة واسطة في الثبوت إنّما هو العروض حقيقة فإنّ الماء يصير بواسطة النار حارّاً حقيقة لا مجازاً وعناية ، فيكون من قبيل إسناد شيء إلى ما هو له الذي لا يصحّ سلبه عنه (١).

__________________

(١) وهذا التفسير للواسطة في الثبوت والعروض هو الذي ينبغي أن يكون مصطلحاً في الباب وإن كان يفارق ما اصطلح عليه القدماء في هذا المجال.

٣٨

مع أنّه بناءً على تفسير القوم داخل في العرض الغريب لأنّ النار مباينة للماء ، والغريب ما يعرض الشيء مع واسطة في العروض ، أي بالعناية والمجاز ، نحو عروض الحركة على الجالس في السفينة في جملة « زيد متحرّك » حيث إنّ المتحرّك الحقيقي إنّما هو نفس السفينة.

ثمّ قال : المبحوث عنه في العلوم ما يعرض الموضوع إمّا بلا واسطة في العروض أو مع واسطة في الثبوت ، أي ما يعرض على الموضوع حقيقة لا عناية ومجازاً.

أقول : دليل كلامه واضح فإنّه من القضايا التي قياساتها معها لوضوح إنّه لا يبحث في العلوم عن العوارض المجازيّة. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مسائل العلوم لا تنحصر في العوارض الذاتيّة بهذا المعنى فحسب بل قد تشمل العوارض مع الواسطة في العروض أيضاً ، فمثلاً في البحث عن السير والتاريخ وحالات الأشخاص ينضمّ إليها البحث عن حالات آبائهم وأبنائهم وأصحابهم مع أنّه يكون من قبيل « زيد قائم أبوه » والمجاز في الإسناد.

كما أنّ قول بعضهم ( وهو المحقّق الخراساني رحمه‌الله ) : « إنّ موضوع كلّ علم ... هو نفس موضوعات مسائله عيناً ... وإن كان يغايرها مفهوماً تغاير الكلّي ومصاديقه والطبيعي وأفراده » ينقتض ببعض العلوم الدارجة كعلمي الجغرافيا والهيئة وما شابههما ممّا تكون النسبة بين موضوعها وموضوعات مسائلها نسبة الكلّ إلى أجزائه ولا إشكال في أنّ عوارض الجزء لا تعدّ من العوارض الذاتيّة للكلّ ( بناءً على كلا التفسيرين المذكورين للعارض الذاتي ) إلاّ بنحو من التكلّف ، ضرورة أنّ عارض الجزء وخاصّته عارض لنفس الجزء لا للكلّ الذي تركّب منه ومن غيره إلاّعلى نحو المجاز في الإسناد الذي مرّ ذكره آنفاً.

هذا كلّه بالنسبة إلى المسألة الاولى من المسائل الأربعة في الأمر الأوّل.

المسألة الثانيّة : في تمايز العلوم

ذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى أنّ تمايز العلوم بتمايز الأغراض واستدلّ عليه بوجهين :

الأوّل : إنّه لو لم يكن بالأغراض فليكن بالموضوعات وهو يستلزم أن يكون كلّ باب بل كلّ مسألة من كلّ علم علماً على حدة لشموله على موضوع على حدة.

الثاني : أنّ التمايز بالموضوعات يلزم منه تداخل العلوم بعضها في بعض لأنّه قد يكون شيء واحد موضوعاً لمسألة يبحث عنها في علوم عديدة ( كموضوع « التوبة » فإنّها يبحث عنها في

٣٩

علم الفقه في باب العدالة وفي علم الكلام والتفسير والأخلاق لارتباطها ببعض مسائل كلّ منها كما لا يخفى ).

لكنّ المشهور أنّ تمايز العلوم بالموضوعات كما هو الظاهر من تعريفهم لموضوع كلّ علم بأنّه ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة.

وحيث إنّ بعضهم لاحظ اشتراك بعض العلوم مع بعض آخر في الموضوع كاشتراك علم الصرف مع علم النحو واللّغة والبلاغة فيه ( حيث إنّ الموضوع في جميعها هو الكلمة فيلزم منه اندراجها في علم واحد ) فقد أضاف إلى تعريف المشهور قيداً آخر وهو قيد الحيثيّة ، وقال إنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات مقيّدة بقيد الحيثيّات ، فإنّ موضوع علم الصرف مثلاً هو الكلمة من حيث تصريفها ، وموضوع علم النحو هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء ، وموضوع علم اللّغة الكلمة من حيث المعنى وهكذا ...

وعلّق عليه المحقّق الإصفهاني رحمه‌الله بأنّه « ليس الغرض من تحيّث الموضوع كالكلمة والكلام بحيثيّة الاعراب والبناء في النحو وبحيثيّة الصحّة والاعتلال في الصرف أن تكون الحيثيات المزبورة حيثية تقييديّة لموضوع العلم ، إذ مبدأ محمول المسألة لا يعقل أن يكون حيثية تقييديّة لموضوعها ولا لموضوع العلم وإلاّ لزم عروض الشيء لنفسه ، ولا يجدي جعل التحيّث داخلاً والحيثية خارجة لوضوح أنّ التحيّث والتقييد لا يكونان إلاّبملاحظة الحيثية والقيد ، فيعود المحذور ، بل الغرض من أخذ الحيثيات كما عن جملة من المحقّقين من أهل المعقول هو حيثية استعداد ذات الموضوع لورود المحمول عليه ، مثلاً الموضوع في الطبيعيّات هو الجسم الطبيعي لا من حيث الحركة والسكون الفعليين كيف ويبحث عنهما فيها بل من حيث استعداده لورودهما عليه ... وفي النحو والصرف الموضوع هي الكلمة مثلاً من حيث الفاعلية المصحّحة لورود الرفع عليها ومن حيث المفعوليّة المعدّة لورود النصب عليه ... » (١).

وهذا يمكن أن يكون قولاً ثالثاً في المسألة.

وهيهنا قول رابع وهو ما أفاده في تهذيب الاصول من أنّ تمايز العلوم يكون بذواتها فإنّه قال : « كما أنّ منشأ وحدة العلوم إنّما هو تسانخ القضايا المتشتّة التي يناسب بعضها بعضاً ...

__________________

(١) نهاية الدراية : ج ١ ، ص ٩ ، الطبع الجديد للطباطبائي.

٤٠