أنوار الأصول - ج ١

أنوار الأصول - ج ١

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-12-1
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٠٨

التلبّس بالاستعداد؟ وأمّا اسم الزمان فسيأتي الكلام فيه فانتظر.

٢ ـ إنّه يمكن الاستدلال لدخول بعض الجوامد في محلّ النزاع بثلاثة وجوه :

منها : صدق عنوان البحث عليه وهو « ما مضى عنه المبدأ » ولا إشكال في صدق هذا العنوان على مثل الزوج والزوجة.

ومنها : أنّه سلّمنا عدم اتّخاذ الاصولي مصطلحاً جديداً وكان العنوان هو المشتقّ الصرفي لكن يجري النزاع في بعض الجوامد لوجود الملاك فيه وهو اجتماع الامور الأربعة المذكورة فيها.

ومنها : استدلالات الأعلام في الفقه ، فإنّهم بنوا أدلّتهم لبعض المسائل على عناوين ليست بمشتقّ صرفي كعنوان الزوج والزوجة مع أنّ مبنى استدلالهم بها كون هذه العناوين مشتقّات بل أرسلوه إرسال المسلّمات وهذا يكشف عن وجود اصطلاح خاصّ للمشتقّ الاصولي أيضاً ، ومن تلك المسائل مسألة « من كانت له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة وأرضعت الكبيرتان الصغيرة » وسيأتي الكلام فيها في محلّه وإنّهم بنوا حكم هذه المسألة على مسألة المشتقّ.

الأمر الثاني :

في خروج اسم الزمان عن محلّ النزاع وعدمه

ووجه الإشكال فيه عدم وجود بعض الأركان الأربعة فيه ، وهو بقاء ذات تتلبّس بالمبدأ ، أي يكون للذات المتلبّس فردان فرد متلبّس في الحال وفرد تلبّس بها وانقضى عنه المبدأ ، وهذا غير متصوّر في اسم الزمان ، لأنّ الذات فيه وهي الزمان ممّا ينقضي بإنقضاء نفس المبدأ ، وعليه فكيف يجري النزاع في كون اسم الزمان حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال ، أو في الأعمّ منه وما انقضى عنه المبدأ ، مع عدم وجود ما انقضى عنه في الخارج؟ ، فوقع الأعلام لدفع هذا الإشكال في حيص وبيص وأجابوا عنه بوجوه :

الوجه الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه‌الله فإنّه قال : يمكن أن يضع الواضع اللفظ لمعنى كلّي وإن كان له في الخارج فرد واحد فقط ، فإسم الزمان وضع لكلّي ما تلبّس بالمبدأ سواء تلبّس به في الحال أو في الماضي مثلاً وإن كان منحصراً في الخارج في فرد واحد وهو المتلبّس

١٦١

بالمبدأ في الحال ، وهو أمر ممكن نظير النزاع في اسم الجلالة ( الله ) في أنّه وضع لكلّي واجب الوجود ، أو وضع لشخص الباري تعالى مع أنّه منحصر في فرد واحد خارجاً ، مضافاً إلى أنّه لا إشكال في أنّ لفظ واجب الوجود وضع لكلّي الواجب مع انحصار مصداقه في ذات الباري.

أقول يرد عليه :

أوّلاً : أنّ وضع اسم الزمان للكلّي مع انحصاره في فرد واحد يستلزم اللغويّة لعدم الحاجة إليه ، وبعبارة اخرى : إنّ حكمة الوضع تقتضي عدمه فإنّ الحكمة فيه إنّما هي الحاجات الاعتياديّة اليوميّة ، ومع انحصار الكلّي في فرد واحد لا حاجة إلى الوضع لنفس الكلّي.

وثانياً : أنّه لا يصحّ النقض بلفظ الجلالة ، لكونه مستعملاً عند غير الموحّدين أيضاً ، ولعلّ واضعه من الوثنيين مثلاً الذين لا يعتقدون بإنحصاره في فرد واحد ، وأمّا واجب الوجود فليس لفظاً خاصّاً معيّناً لمعنى خاصّ ، بل هو مركّب من كلمتين ولكلّ واحد منهما معناه الخاصّ ولا ربط له بالمقام.

الوجه الثاني : ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله وهو « أنّ المقتل عبارة عن الزمان الذي وقع فيه القتل وهو اليوم العاشر من المحرّم ، واليوم العاشر لم يوضع بإزاء خصوص ذلك اليوم الذي وقع فيه القتل بل وضع لمعنى كلّي متكرّر في كلّ سنة وكان ذلك اليوم الذي وقع فيه القتل فرداً من أفراد ذلك المعنى العامّ المتجدّد في كلّ سنة ، فالذات في اسم الزمان إنّما هو ذلك المعنى العامّ وهو باقٍ حسب بقاء الحركة الفلكية ، وقد انقضى عنها المبدأ الذي هو عبارة عن القتل ، فلا فرق بين الضارب وبين المقتل ... نعم لو كان الزمان في اسم الزمان موضوعاً لخصوص تلك القطعة الخاصّة من الحركة الفلكية التي وقع فيها القتل ، لكانت متصرّمة كتصرّم نفس المبدأ ، إلاّ أنّه لا موجب للحاظ الزمان كذلك » (١).

أقول : يمكن أن يستشكل فيه بأنّ أخذ كلّي يوم العاشر من المحرّم بعنوان ما وضع له لفظ مقتل الحسين يستلزم عدم انقضاء تلبّس مبدأ القتل عنه إلى الأبد ، لأنّ له في كلّ عاشوراء من كلّ سنة فرد إلى الأبد يكون متلبّساً بمبدأ القتل ، فيقال في كلّ عاشوراء من كلّ سنة « اليوم مقتل الحسين عليه‌السلام » ولازمه عدم فرض مصداق انقضى عنه المبدأ فيه ، فيعود الإشكال بنحو آخر.

__________________

(١) فوائد الاصول : ج ١ ، ص ٨٩ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٦٢

الوجه الثالث : ما يستفاد من بعض الأعاظم ، وهو أنّ الوضع في اسم الزمان والمكان واحد ، ويكون الموضوع له فيهما جامعاً يطلق على الزمان تارةً وعلى المكان اخرى ، وهو عبارة عن ظرف الفعل الأعمّ من كونه زماناً أو مكاناً ، وعليه فيمكن وضع هيئة « مفعل » مثلاً لخصوص المتلبّس فعلاً ، أو للأعمّ منه والمنقضي عنه المبدأ ، غاية الأمر أنّه لا يتصوّر فيه الانقضاء بالنسبة إلى أحد مصداقيه ، وهو اسم الزمان ، ولكن يكفي في صحّة الوضع للكلّي تصوّر بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ بالنسبة إلى مصداق واحد.

أقول : أنّه جيّد فيما إذا كانت هيئة « مفعل مشترك معنوي ولكنّها مشترك لفظيي » ويدلّ على أنّا لم نجد مورداً استعمل اللفظ فيه في القدر الجامع مع أنّه مقتضى حكمة الوضع فإنّها تقتضي استعمال الموضوع في الموضوع له ولو أحياناً وفي بعض الموارد.

الوجه الرابع : ما أفاده المحقّق العراقي رحمه‌الله من أنّ الأشياء على قسمين : امور تدريجيّة غير قارّة ، وامور فيها ذات ممتدّة قارّة ، والقسم الأوّل لما لم يكن فيه ذات قابلة للتلبّس بالمبدأ تارةً والخلو عنه اخرى لامتدادها وعدم قرار لذاتها يستشكل فيه بأنّه خارج عن محلّ النزاع ، وما نحن فيه وهو اسم الزمان من هذا القبيل ، ولكن يندفع الإشكال بأنّ الأزمنة والآنات وإن كانت وجودات متعدّدة متعاقبة ولكنّه حيثما لا يتخلّل بينها سكون وتكون الآنات متّصلة يعدّ أمراً قارّاً وحدانياً يتصوّر فيه الانقضاء ، وتكون مجموع الآنات إلى انقضاء الدهر موجوداً واحداً شخصيّاً مستمرّاً.

ثمّ أورد على نفسه بأنّه يستلزم بقاء جميع أسماء الأزمنة إلى الأبد وأن يكون كلّ آن مولد عيسى عليه‌السلام مثلاً.

وأجاب عنه : بأنّه كذلك ولكنّه فيما إذا لم يكن هناك تجزئة للزمان من ناحية العرف بأجزاء مثل السنة والشهر واليوم والساعة ، وإلاّ فلابدّ من لحاظ جهة الوحدانيّة في خصوص ما عنون بعنوان خاصّ ، فيلاحظ جهة المقتلية مثلاً في السنة أو الشهر أو اليوم أو الساعة بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس مثلاً وغروبها أمراً واحداً مستمرّاً ، فيضاف القتل إلى اليوم أو الشهر أو السنة ويقال « هذا اليوم مقتل الحسين عليه‌السلام » وإن وقع القتل في ساعة خاصّة منه فيمكن إطلاق الزمان مع انقضاء حدثه وعارضه ما لم يصل إلى الجزء العرفي اللاحق وهو اليوم الحادي عشر من المحرّم في المثال ، وكذلك يقال هذا الشهر مقتل الحسين عليه‌السلام

١٦٣

ما لم يصل إلى الشهر اللاحق ( انتهى ملخّص كلامه ) (١).

أقول : ولقد أجاد فيما أفاد ، فإنّه يندفع به الإشكال على الأقلّ بالنسبة إلى الأزمنة والآنات المتقاربة ، فإذا قال الشارع « لا تصلّ عند مطلع الشمس » يصدق المطلع عرفاً في الدقائق اللاّحقة لطلوع الشمس ما لم يمض زمان طويل يخرج عن هذا الحدّ العرفي.

فتلخّص ممّا ذكرناه : أنّ جريان النزاع في اسم الزمان غير ممكن بالدقّة العقليّة لعدم بقاء له ولكن يجري فيه بنظر العرف ، لأنّهم يرون للزمان بقاءً بحسب الحدود التي يجعلونها له ، ومن المعلوم أنّ الإطلاقات إنّما هي بنظر العرف.

الأمر الثالث :

في خروج اسم المفعول واسم الآلة عن حريم النزاع وعدمه

وقد مرّ أن صاحب الفصول ذهب إلى خروج اسم المفعول عن محلّ النزاع لصدقه على من وقع عليه الفعل إلى الأبد بمجرّد تحقّق الفعل مرّة واحدة فلا معنى للانقضاء فيه.

وكذلك في اسم الآلة لصدقها على الذات وإن لم يتحقّق منها فعل كالمفتاح فأنّه يصدق على آلة الفتح وإن لم يفتح بها شيء.

أقول : أمّا بالنسبة إلى اسم المفعول ، فالجواب عنه : إنّ الأفعال المتصوّرة في اسم المفعول على قسمين : فقسم منها يكون آنيّ الوجود والتحقّق أو شبيهاً له كالقتل والضرب ، وقسم لا يكون كذلك كالعلم والجهل ، وقد وقع الخلط في كلامه رحمه‌الله بين هذين القسمين ، لأنّه وإن كان لا يتصوّر الانقضاء في القسم الأوّل لكنّه يصدق في القسم الثاني ، فلا إشكال في انقضاء المعلوميّة والمجهوليّة مع بقاء الذات فيهما ، مضافاً إلى انتقاض كلامه بإسم الفاعل لجريان هذين القسمين بعينهما فيه أيضاً فكما أنّه لا معنى للانقضاء في مثل صفة المقتوليّة لا معنى كذلك للانقضاء في القاتلية ، فإن كان وجود هذا القسم في اسم المفعول موجباً لخروجه فليكن في اسم الفاعل أيضاً كذلك.

هذا مضافاً إلى ما مرّ من أنّ التلبّس بالمبدأ على أنحاء : التلبّس بالفعل والتلبّس بالحرفة

__________________

(١) راجع بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ١٦٢ ـ ١٦٣ ونهاية الأفكار طبع جماعة المدرّسين : ج ١ ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

١٦٤

والصناعة ، والتلبّس بالملكة والتلبّس بالشأنيّة ، فيتعدّد به أنحاء الانقضاء أيضاً ، وحيث إنّ التلبّس في اسم الآلة هو التلبّس بالشأنيّة فيعتبر في جريان النزاع فيه انقضاء الشأنيّة والاستعداد كما في المفتاح المكسور ، فيقع النزاع في أنّه يصدق عليه المفتاح حينئذ أم لا؟

الأمر الرابع :

في خروج الأفعال والمصادر عن محلّ النزاع وعدمه

الحقّ كما قال بعض المحقّقين خروج مطلق الأفعال عن محلّ النزاع سواء كانت حلوليّة نحو « أبيض » أو صدوريّة نحو « ضرب » لدلالتها على المعنى الحدثي فقط ، وهو المبدأ ، أي أحد الأركان الأربعة المعتبرة في المشتقّ ، وأمّا الفاعل فيها فليس جزءً لمدلول الأفعال كما قرّر في محلّه ، وأمّا المصادر فإنّها على قسمين : مجرّدة ومزيدة ، أمّا المجرّدة فهي خارجة عن محلّ النزاع لعدم اشتقاقها كما سيأتي في محلّه ، وأمّا المزيد فإنّها وإن كانت من المشتقّات الصرفيّة إلاّ أنّها ليست مشتقّاً اصولياً لدلالتها على المعنى الحدثي فقط أيضاً.

تنبيه : هل الزمان داخل في معاني الأفعال أم لا؟

قد قام المحقّق الخراساني رحمه‌الله للرّدّ مقام الردّ على جمهور الصرفيين والنحويين في قولهم إنّ الفعل هو ما دلّ على صدور حدث في زمان من الأزمنة فقال : إنّ الزمان ليس داخلاً في معنى الفعل واستدلّ له بوجوه أربعة :

الأوّل : أنّه ينتقض بالأمر والنهي فإنّهما فعلان من الأفعال مع عدم دلالتهما على الزمان.

الثاني : أنّه يستلزم كون استناد الأفعال إلى الله تعالى والإسناد في مثل قولك « مضى الزمان » مجازاً ، وهو خلاف الوجدان.

الثالث : أنّه يحتاج إلى تصوّر قدر جامع بالنسبة إلى الفعل المضارع لعدم كونه مشتركاً لفظيّاً ، ولا يتصوّر قدر جامع بين الحال والاستقبال.

الرابع : أنّه ينافي كون استعمال الماضي في المضارع وبالعكس في مثل « يجيء زيد بعد سنة وقد ضرب عمراً قبل شهر » ومثل « جاءني زيد وهو يبكي » مجازاً لعدم دلالة المضارع في

١٦٥

الثاني على زمان الحال والاستقبال ، وعدم دلالة الماضي في الأوّل على زمان الماضي.

إن قلت : إنّ عدم دلالة الفعل على الزمان يستلزم إمكان استعمال كلّ فعل موضع فعل آخر وهو ممّا لم يقل به أحد.

قلت : إنّ عدم إمكان استعمال كلّ فعل مكان الآخر ينشأ من وجود خصوصيّة في كلّ من الماضي والمضارع يوجب امتيازه عن غيره وليست تلك الخصوصيّة هي الزمان بل إنّما هي خصوصيّة « التحقّق » بالنسبة إلى فعل الماضي و « الترقّب » في المضارع ( بناءً على نقل بعض تلاميذه ) فأنّ خصوصيّة الدلالة على التحقّق في الماضي والترقّب في المضارع توجب امتياز أحدهما عن الآخر وعدم إمكان استعمال أحدهما مكان الآخر. ( انتهى حاصل كلامه رحمه‌الله ).

أقول : في كلامه مواقع للنظر ...

أوّلاً : إنّا إذا تدبّرنا في معنى الماضي والمضارع وجدنا أنّه يتبادر منهما الزمان فيتبادر من « ذهب » وقوع الذهاب في زمان الماضي ، ومن « يذهب » وقوعه في المستقبل.

وثانياً : ( بالنسبة إلى إسناد الأفعال إلى الله وإلى نفس الزمان ) أنّه ينتقض بسائر الامور المختصّة بالممكنات التي تنسب إلى الله كإسناد الأفراد والتذكير إليه مع أنّه لا معنى لهما بالنسبة إليه ، هذا من ناحية النقض.

وأمّا من جهة الحلّ فإنّ المجاز على قسمين : قسم في مقابل الحقيقة ، وقسم يكون بمعنى التجريد ، ولا إشكال ولا قبح في القسم الثاني بالنسبة إلى الباري تعالى لأنّه فوق الحقيقة ، فإنّ السميع مثلاً حقيقة فيمن له السمع والاذن ، ومجاز بالنسبة إلى ما لم يكن له الاذن ، وأمّا بالنسبة إلى من يكون فوق المعنى الحقيقي كذات الباري فيكون تجريداً لا مجازاً بالمعنى المعروف ، وإن كان مجازاً كان مجازاً فوق الحقيقة لا دونها.

والقول بأنّ مثل لفظ « السميع » وضع للمعنى الأعمّ من المادّي والمجرّد فلا يكون مجازاً في المجرّدات ـ نشأ من الغفلة عن حكمة الوضع حيث إنّها كانت عبارة عن رفع الحاجات العاديّة الماديّة ، فوضعت الألفاظ للمعاني الماديّة ثمّ احتجنا إلى تجريدها من الخصوصيّات الماديّة بالنسبة إلى المجرّدات كذات الباري تعالى ، وهذه قضيّة قياسها معها ولا ينبغي الاستيحاش منها.

هذا كلّه بالنسبة إلى استعمال الألفاظ في المجرّدات ، وكذلك بالنسبة إلى استعمال الماضي

١٦٦

والمضارع في الإسناد إلى نفس الزمان لكونه أيضاً من قبيل التجريد لا المجاز.

وبالجملة لا يمكن الفرار من ارتكاب المجاز على كلّ حال ( إمّا على نحو المجاز المصطلح أو على نحو التجريد ) في الألفاظ المستعملة في ذات الباري تعالى ولا تصلح الأجوبة المذكورة لحلّ المشكلة.

ثالثاً : إنّ ما ذكره من عدم تصوّر جامع بين الحال والمستقبل ففيه : أنّه يمكن أن يقال : إنّ الجامع بينهما هو « كلّ زمان كان بين الحدّين » أي حدّ الآن إلى اللأبد فيصير المضارع مشتركاً معنويّاً.

وإن أبيت عن ذلك وقلت : إنّ عدم استعمال المضارع في هذا الجامع ولو لمرّة واحدة يكشف عن عدم وضعه له فنختار كونه مشتركاً لفظيّاً ولا نأبى عن ذلك.

مضافاً إلى أنّ استعمال المضارع في ما بين الحدّين المذكورين ـ أي القدر الجامع ـ ليس بقليل كما في مبحث الأوامر ، يقال : « تعيد أو تقضي صلاتك » والمطلوب أعمّ من الحال والاستقبال.

وبالجملة ، إمّا أن نلتزم بكون المضارع مشتركاً معنويّاً ، وهذا فرع جواز استعماله في القدر الجامع كما هو الحقّ ، أو نقول بكونه مشتركاً لفظيّاً ولا بأس به أيضاً.

رابعاً : أنّه قال بأنّ استعمال الماضي في غير الماضي الحقيقي واستعمال المضارع في غير المضارع الحقيقي كاشف عن عدم كون الزمان جزءً لهما.

وفيه : إنّ الموضوع له في كلّ واحد منهما هو الأعمّ من الحقيقي والنسبي ( أي بالمقايسة إلى فعل آخر كما في الأمثلة السابقة ) لا خصوص الحقيقي.

خامساً : إنّ تبديل الزمان الماضي والزمان المضارع بعنوان التحقّق والترقّب ليس سوى تلاعباً بالألفاظ والكلمات ولا تحلّ به المشكلة ، لأنّ عنوان التحقّق يستلزم الزمان الماضي وعنوان الترقّب يستلزم الزمان المضارع ، مضافاً إلى أنّ المضارع قد يكون للحال فلا يكون فيه ترقّب بل الموجود هو التحقّق.

سادساً : إنّ قياس الماضي والمضارع بالأمر والنهي قياس مع الفارق ، لأنّ الأوّلين من باب الخبر ، والأخيرين من باب الإنشائيات ، والمحتاج إلى التحقّق في زمان من الأزمنة هو الخبر ( لأنّه إخبار عن التحقّق الخارجي الواقع في أحد الأزمنة ) لا الإنشاء.

١٦٧

ثمّ إنّ المحقّق العراقي رحمه‌الله وكذلك صاحب المحاضرات تبعا المحقّق الخراساني رحمه‌الله في عدم دخل الزمان في معنى الفعل ، أمّا المحاضرات فلا نجد فيه بياناً أكثر ممّا أفاده ، وأمّا المحقّق العراقي رحمه‌الله فقال ( مضافاً إلى بيان المحقّق الخراساني رحمه‌الله المذكور ) إنّ للفعل هيئة ومادّة ، والزمان لا يستفاد من المادّة لكونها اسماً ، والاسم لا يدلّ على الزمان ، وكذلك لا يستفاد من الهيئة لكونها من المعاني الحرفيّة والمعنى الحرفي لا يدلّ على الزمان.

وبعبارة اخرى : إنّ دخل الزمان في الفعل إمّا يكون على نهج الجزئيّة ، أو يكون على نحو الشرطيّة ، أو على نحو الحصّة التوأمة ، أمّا عدم كونه جزءً فلما مرّ آنفاً ، وأمّا الأخيرتان فللزوم المجاز في أفعال الله تعالى ونفس الزمان (١). ( انتهى ملخّص كلامه ).

والجواب عنه : إنّا نختار من الصور الثلاثة الصورة الثانيّة وهي الشرطيّة ونقول : إنّ المادّة تدلّ على المبدأ ، وأمّا الهيئة فإنّها تحكي عن النسبة المقيّدة بزمان الماضي أو الحال أو الاستقبال بحيث يكون القيد خارجاً والتقيّد داخلاً ، والجواب عن الأفعال المسندة إلى الله تعالى هو ما مرّ في الجواب عن كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله بعينه ، مضافاً إلى ما مرّ سابقاً من أنّه لا معنى محصّل للحصّة التوأمة ، فإنّ الإهمال في مقام الثبوت غير ممكن ، فالمعنى إمّا مقيّد أو مطلق ولا ثالث له.

بقي هنا شيء :

وهو أنّ أفعال الله تعالى على قسمين : قسم يرجع إلى صفات الذات فيكون خالية عن الزمان نحو « كان الله » أو « علم الله » ، وقسم يرجع إلى صفات الفعل فيكون الزمان داخلاً فيها قطعاً ، نحو « إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً » أو « رزقني الله ولداً في يوم كذا » فأخذ الزمان فيهما باعتبار وقوع الفتح في السنة السادسة من الهجرة مثلاً ، ووقوع التولّد في يوم كذا ، وكلاهما من الزمانيات فقد أخذ هنا باعتبارهما لا باعتبار ذاته ، وأكثر أفعال الله تعالى من هذا القسم ، والنتيجة أنّ الالتزام بدخالة الزمان في ما وضع له الفعل لا يستلزم كثرة المجاز في الأفعال المنسوبة إلى الباري تعالى ( لو كانت هذه الأفعال مجازاً في حقّه تعالى ) ولا يتحمّل مؤونة كثيرة.

__________________

(١) راجع بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ١٥٩ ، ونهاية الأفكار : ج ١ ، ص ١٢٦ ـ ١٢٧ ( طبع جماعة المدرّسين ).

١٦٨

الأمر الخامس : اختلاف المبادىء في المشتقّ

( وهو من أهمّ الامور وتترتّب عليه ثمرات كثيرة في الفقه ).

إنّ للمشتقّ مبدأ وتلبّساً بذلك المبدأ ، ويختلف أنحاء التلبّس بالمبدأ باختلاف المبادىء ، ونذكر هنا ستّة أنواع منه :

النوع الأوّل : التلبّس بمجرّد الفعل كالجالس والقائم ، فإنّ الجالس مثلاً يطلق على من تلبّس بالجلوس ولو مرّة واحدة.

النوع الثاني : التلبّس على نحو الحرفة كالتاجر والكاسب ، فإنّ التاجر مثلاً يطلق على من تلبّس بحرفة التجارة ولا يكفي فيه مجرّد تجارة واحدة اتّفاقاً.

النوع الثالث : التلبّس على نحو الصنعة كالحائك والنسّاج ، ففي النسّاج مثلاً تكون الذات متلبّسة بصنعة النسج.

النوع الرابع : التلبّس على نحو المنصب كالقاضي والوالي ، فإنّهما يطلقان على من تصدّى الولاية والقضاء.

النوع الخامس : التلبّس على نحو الملكة كالمجتهد ، فإنّه لا يطلق إلاّعلى من كان عنده ملكة الاستنباط.

النوع السادس : التلبّس على نحو الشأنيّة نحو « القاتل » في قولنا « السمّ القاتل » ، فإنّ القتل لم يصدر منه فعلاً بل إنّما يكون فيه شأن القتل.

ثمّ إنّه لا إشكال في وجود هذه الأنحاء المختلفة في الواقع والخارج ، وإنّما الإشكال في منشأ اختلافها ، فهل الاختلاف في نفس المبادىء والموادّ ، أو في الهيئة ، أو في مرحلة الجري والنسبة الموجودة في الجملة؟

ظاهر المحقّق الخراساني رحمه‌الله هو الأوّل ، وظاهر عبارات غير واحد من المتأخّرين هو الثاني وحيث تفهّم الشأنيّة من هيئة لفظ « المفتاح » مثلاً ، وظاهر بعض إنّه يستفاد من الجري والنسبة الكلاميّة.

والحقّ هو التفصيل وأنّ كلّ واحد منها صحيح في مورد خاصّ ، فمثلاً « التاجر » يكون التلبّس فيه على نحو الحرفة وكذلك « الزارع » ، ويستفاد هذا من مادّة التجارة والزراعة كما لا يخفى ، وأمّا أسماء الآلة فيستفاد التلبّس بالشأنيّة فيها من الهيئة لا المادّة ، لأنّ هيئة اسم الآلة في

١٦٩

مثل المفتاح وهي المفعال إنّما وضعت للشأنيّة والاستعداد القريب ، وأمّا مثل القاتل فإنّما يستفاد كيفية تلبّسها من كيفية استعمالها ، لأنّا إذا قلنا « اجتنب عن السمّ القاتل » يدلّ المشتقّ فيه على الشأنيّة ، بخلاف ما إذا قلنا « زيد قاتل » لأنّه يدلّ على التلبّس بالفعل لا على التلبّس بالشأنيّة كما لا يخفى.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الانقضاء والتلبّس في كلّ مورد بحسبه ، فإذا كان التلبّس بالشأنيّة مثلاً فليكن الانقضاء أيضاً كذلك ، كالمفتاح المكسور الذي خرج من شأنيّة الفتح.

ولعلّ هذا الاختلاف والتفصيل في أنحاء التلبّس وأنحاء المبادىء صار منشأً للخلط والاشتباه في كثير من كلمات القوم ، والأقوال الموجودة في المسألة نشأت منها.

الأمر السادس : إنّ كلمة « الحال » في عنوان البحث ( هل المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدأ في الحال أو فيما يعمّه وما انقضى عنه المبدأ ) يحتمل ثلاث احتمالات :

الأوّل : أن يكون المراد منه حال التلبّس ، الثاني : حال الجري والنسبة ، الثالث : زمان النطق.

أمّا الاحتمال الأوّل : فلا يمكن تصويره إلاّعلى نحو سيأتي بيانه في مقالة المحقّق العراقي رحمه‌الله ممّا توجب تغيير عنوان البحث فانتظر ، لأنّه لا معنى لقولنا : هل المشتقّ حقيقة فيما تلبّس بالمبدأ في حال التلبّس ...؟

وأمّا الاحتمال الثاني : فيمكن الاستدلال لكونه هو مراد الأعلام بوجوه ثلاثة :

الوجه الأوّل : إنّه لا إشكال في كون الاستعمال في قولك « زيد كان ضارياً أمس » أو « زيد سيكون ضارباً غداً » مثلاً حقيقة لا مجازاً مع أنّ زمان التلبّس فيهما ليس هو زمان النطق ، فلو كان المراد من الحال في العنوان هو حال النطق ، كان المثال الأوّل داخلاً في محلّ الخلاف ، والمثال الثاني مجازاً قطعاً.

الوجه الثاني : أنّ المشتقّ اسم من الأسماء ولا يدلّ الاسم على الزمان كما عليه اتّفاق أهل العربيّة ، فلو كان المراد من الحال في عنوان المسألة هو حال النطق كان النزاع لا محالة في دلالة المشتقّ على زمان النطق وعدمه.

لا يقال : إنّ حال النسبة والجري أيضاً زمان فلا يدلّ عليه المشتقّ.

١٧٠

لأنّا نقول : المراد من عدم دلالة المشتقّ على الزمان عدم دلالته على الزمان الخاصّ على نحو الجزئيّة ، وأمّا مطلق الزمان إجمالاً فلا ننكر دخالته في معنى المشتقّ وتقييده به ، لأنّه لا بدّ للنسبة الموجودة فيه من ظرف وهو مطلق الزمان لا خصوص زمان الحال والنطق ، فالدخيل في المشتقّ هو كلّي الزمان سواء كان ماضياً أو حالاً أو مستقبلاً.

الوجه الثالث : لزوم المجاز في الموارد التي لا يكون فيها زمان كما في الصفات المنسوبة إلى الله تعالى وفي ما ينسب إلى نفس الزمان نحو « الله عالم » أو « الأمس ماضٍ ».

أقول : لا تمكن المساعدة على الوجه الثالث لما مرّ من كون الاستعمال في الصفات المنسوبة إلى ذات الباري من باب التجريد وفوق المجاز ، فالعمدة في الاستدلال هو الوجه الأوّل والثاني ، وكلّ منهما تامّ في محلّه.

أمّا الاحتمال الثالث وهو كون المراد من كلمة الحال زمان النطق فيمكن أن يستدلّ له بوجهين :

أحدهما : الاتّفاق على أنّ مثل « زيد ضارب غداً » مجاز فهو دليل على أخذ حال النطق في قولك « زيد ضارب » وإن قيّد « غداً » يوجب استعمالها في غير ما وضع له فيصير مجازاً.

ثانيهما : إنّ إطلاق الكلام في مثل « زيد ضارب » يتبادر منه حال النطق ، والتبادر دليل على كونه مأخوذاً في الموضوع له.

أقول : يمكن الجواب عن الوجه الأوّل بأنّا لا نسلّم كونه مجازاً إذا اتّحد زمان التلبّس مع زمان النسبة ، نعم إذا كان زمان الجري فيها هو زمان النطق ، وزمان التلبّس هو الغد فلا إشكال في مجازيته ، فإذا كان معنى الجملة إنّ زيداً متّصف بالضاربيّة الآن بملاحظة ضربه في الغد كان مجازاً ، وإن كان المراد من جملة « زيد ضارب غداً » أنّ زيداً يضرب غداً ، فيكون زمان النسبة والتلبّس كلاهما غداً ، فهو حقيقة بلا إشكال.

ويمكن الجواب عن الوجه الثاني بأنّه سيأتي أنّا وإن قلنا بكون المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدأ في حال النسبة لا حال النطق إلاّ أنّه لا كلام لنا في أنّ الظاهر في صورة عدم القرينة اتّحاد حال النسبة مع زمان النطق وانطباقه عليه.

ومنشأ الانصراف إلى زمان النطق اتّحاده غالباً مع زمان النسبة ، وإلاّ فإنّ المأخوذ في الموضوع له هو زمان النسبة ، والشاهد عليه كون الاستعمال حقيقة في صورة افتراقها عن

١٧١

زمان النطق ، كما إذا قلنا « زيد كان قائماً » أو « سيكون قائماً ».

إن قلت : إنّ تبادر زمان النسبة يتصوّر فيما إذا وجدت نسبة في الكلام كما توجد في « زيد ضارب » ، وأمّا في مثل « أكرم العالم » فلا ، لعدم وجود نسبة زمانيّة في الإنشائيات ، فلا يصحّ أن يقال إنّ المنصرف إليه والمتبادر مطلقاً هو زمان النطق ، وهذا يكشف عن كون المراد من الحال في العنوان هو زمان النطق لأنّ الإنشائيات أيضاً داخلة في محلّ النزاع ، ويمكن أن يجعل هذا دليلاً ثالثاً للقول بأنّ المراد من الحال حال النطق.

قلنا : إنّ النسبة المبحوث عنها في المقام هي الأعمّ من النسبة التامّة والنسبة الناقصة ، وفي مثل « أكرم العالم » توجد الناقصة بين الإكرام والعالم ، ويشهد عليه أنّ جملة « أكرم العالم » عبارة اخرى عن جملة « إكرام العالم واجب » ولا إشكال في أنّ نسبة الإكرام إلى العالم نسبة المضاف إلى المضاف إليه ، وهي نسبة ناقصة فاللازم على القول باعتبار النسبة أن يكون من يقع عليه الإكرام موصوفاً بصفة العلم في حال الإكرام.

وهيهنا كلام للمحقّق العراقي رحمه‌الله وإليك نصّه : « التحقيق أنّ الزمان سواء اضيف إلى النطق أم إلى النسبة الحكمية أم إلى التلبّس أم إلى الجري خارج عن مفهوم المشتقّ ، لأنّ المشتقّ كسائر الألفاظ موضوع للمعنى من حيث هو بلا تقييد بالوجود أو بالعدم فضلاً عن زمانهما ، ويدلّ عليه أيضاً ما عرفت من أنّ المشتقّ مركّب من مادّة وهيئة وأنّ المادّة تدلّ على الحدث ، والهيئة تدلّ على نسبة ذلك الحدث إلى ذات ما ، فلم يبق في البين ما يمكن أن يدلّ على الزمان ، مضافاً إلى أنّ أخذ التقيّد بحال النسبة والجري في المفهوم يستلزم أخذ ما هو متأخّر عن المفهوم برتبتين فيه ، ضرورة تأخّر رتبة الجري والنسبة عن المفهوم » ( انتهى ) (١).

أقول : كأنّه قد وقع خلط في المقام ، فإنّه لم يقل أحد بأنّ الزمان ( بأي معنى كان ) مأخوذ في مفهوم المشتقّ الذي هو مفهوم اسمي ، بل الكلام في أنّه لا ريب في وجود نسبة ناقصة في المشتقّ ، فإنّ العالم هو بمعنى « الذي ثبت له العلم » وحينئذ يأتي الكلام في أنّ هذه النسبة لا بدّ أن تقع في زمان مّا ، فهل هذا الزمان الذي هو ظرف للنسبة الناقصة يجب أن يكون مطابقاً لزمان النسبة الكلاميّة أم لا؟ ، فإذا قيل : « رأيت عالماً أمس » هل يجب أن يكون تلبّس الذات بالعلم ( أي

__________________

(١) بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ١٦٥.

١٧٢

النسبة الناقصة ) أيضاً في أمس الذي هو في النسبة التامّة أم لا؟ فالقائل باعتبار حال التلبّس يقول : بوجوب مطابقة الزمانين زمان النسبة الناقصة وزمان النسبة التامّة ، والقائل بالأعمّ يقول : بعدم وجوب التطابق.

وأمّا حديث تقدّم اللحاظ وتأخّره فقد ذكرنا مراراً أنّه لا مانع من لحاظ المراتب المتأخّرة في عالم التصوّر ثمّ وضع اللفظ للمطلق أو المقيّد ، والتقدّم والتأخّر في الوجود الخارجي لا دخل له بالتقدّم والتأخّر في اللحاظ الذهني.

بقي هنا شيء :

وهو أنّ ما مرّ من أنّ المشتقّ عند الإطلاق وعدم وجود القرينة منصرف إلى حال النطق مختصّ بما إذا وقع في الجملة الاسمية كقولك « زيد ضارب » ، بل يمكن أن يقال : إنّ الجملة الاسمية وضعت لزمان النطق ، ويشهد عليه أنّا إذا أردنا استعمالها لزمان الحال جرّدناها عن أي قيد وقلنا « زيد ضارب » مثلاً من دون إضافة قيد « الآن » ، وأمّا إذا أردنا استعمالها لزمان الماضي كان اللازم إضافة « كان » إليها فيقال « زيد كان قائماً » ولزمان المستقبل يقال : « زيد يكون قائماً » كما يشهد عليه أيضاً أنّ جملة « زيد قائم » في حال كونها مجرّدة عن القيود تعادل قولك « زيد قائم است » في اللّغة الفارسيّة فيما إذا اريد استعمالها لزمان الحال من دون إضافة قيد « الآن » أي لا نقول : « زيد حالا قائم است » فيستفاد زمان الحال من كلمة « است » ، وحيث لا إشكال في أنّه لا توجد في اللّغة العربيّة كلمة تعادل « است » نستكشف إنّ الدالّ على وقوع النسبة في زمان الحال في اللّغة العربيّة إنّما هو هيئة الجملة الاسمية المجرّدة عن أي قيد ، فظهر أنّ انصراف كلمة المشتق إلى زمان النطق لا يكون إلاّمن جهة وقوعه في الجملة الاسمية ، فالدالّ عليه إنّما هو هيئة الجملة الاسمية لا أنّه مأخوذ في معناه الموضوع له.

الأمر السابع : في تأسيس الأصل في المسألة

والغرض من هذا البحث تعيين من يكون قوله مخالفاً للأصل ويكون قائله مدّعياً في البحث حتّى يطالب هو بالدليل ، لأنّ من كان قوله موافقاً للأصل يكفيه الأصل ، مضافاً إلى تعيين الوظيفة العمليّة عند الشكّ لو كان الأصل من الاصول العمليّة فالبحث عن تأسيس الأصل يتضمّن فائدتين.

١٧٣

فنقول ومنه سبحانه نستمدّ التوفيق والهداية : إنّ الاصول على نوعين : الاصول اللّفظيّة والاصول العمليّة :

أمّا الاصول اللّفظيّة : فليس هناك أصل لفظي يدلّ على خصوصيّة الموضوع له في المشتقّ أو عموميته ، لأنّ الاصول اللّفظيّة معلومة محدودة متعيّنة كأصالة عدم القرينة ، وعدم النقل ، وأصالة الإطلاق ، وأصالة الحقيقة ، ولا يجري واحد منها في المقام ، غاية ما يمكن أن يقال بجريانه إنّما هو أصلان :

الاصل الأوّل : ترجيح المشترك المعنوي على الحقيقة والمجاز إذا دار الأمر بينهما ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، أي يدور الأمر فيه بين وضع المشتقّ للأعمّ من المتلبّس ومن انقضى عنه التلبّس فيكون المشتقّ مشتركاً معنويّاً ، وبين وضعه لخصوص المتلبّس وكونه مجازاً فيمن انقضى عنه التلبّس فيكون حقيقة ومجازاً ، وحيث إنّ الاشتراك المعنوي يغلب على الحقيقة والمجاز فيرجّح عليها لأنّ العقل يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب ولا يخفى أنّ النتيجة موافقة لرأي الأعمّي.

واجيب عنه : أوّلاً : بأنّ الغلبة ممنوعة من أصلها ، وثانياً : لا حجّية لها على فرض ثبوتها.

الاصل الثاني : الاستصحاب ، وهو أصالة عدم وضع المشتقّ للأعمّ فيما إذا شككنا في وضعه للأعمّ ، وبعبارة اخرى : وضع المشتقّ للمتلبّس بالمبدأ في الحال ولمن انقضى عنه التلبّس مشكوك فيه ، والأصل عدم وضعه له ، وهو يرجع إلى استصحاب العدم الأزلي كما لا يخفى ، وهذا موافق لرأي الصحيحي.

ويرد عليه أمران :

الأوّل : أنّ استصحاب عدم الوضع للأعمّ معارض لاستصحاب عدم الوضع للأخصّ ، لأنّ المفروض كون الاشتراك معنويّاً لا لفظيّاً ، أي ليس في البين وضعان بل المفروض وحدة الوضع ، أي يكون الموضوع له أمراً واحداً لا على نحو الأقلّ والأكثر ، فإذا شككنا في كون الموضوع له هو الأعمّ أو الأخصّ فالأصل عدم كلّ واحد منهما.

الثاني : سلّمنا تعدّد الوضع ولكن هذا الاستصحاب مثبت ، لعدم كون المستصحب فيه موضوعاً لأثر شرعي بلا واسطة لأنّك تقول : الأصل عدم وضعه للأعمّ ، فوضع للأخصّ ، فيكون اللفظ ظاهراً في الأخصّ ، ثمّ يترتّب عليه الأثر الشرعي ، وليس هذا إلاّ أصلاً مثبتاً قد

١٧٤

قرّر في محلّه عدم حجّيته ، مضافاً إلى أنّ الاستدلال بالاستصحاب هنا كأصل لفظي إنّما يتمّ بناءً على كونه من الأمارات ، وهذا خلاف التحقيق.

هذا كلّه بالنسبة إلى الاصول اللّفظيّة.

أمّا الاصول العمليّة : فإنّها تختلف باختلاف الموارد فتارةً : يكون الأصل البراءة واخرى : الاستصحاب وثالثة : الاشتغال ورابعة : التخيير.

أمّا الأوّل البراءة : كما إذا قال المولى « أكرم العالم » وشككنا في شموله لمن قضى عنه العلم.

وأمّا الثاني الاستصحاب : كما في نفس المثال إذا صدر الأمر حين تلبّس زيد مثلاً بالعلم ، ثمّ خرج عن التلبّس بالنسيان ونحوه ، فصار الحكم شاملاً ، ثمّ شككنا في بقائه بعد الانقضاء فيجري استصحاب وجوب الإكرام ( بناءً على كون العلم من الحالات لا مقوّماً للموضوع ) ومثل استصحاب النجاسة في الكرّ المتغيّر بالنجاسة بعد زوال تغيّره بنفسه ، ولكنّه مبنيّ على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وسوف يأتي في محلّه عدم جريانه فيها.

وأمّا الثالث الاشتغال : فكما إذا قال المولى « أكرم عالماً » فمقتضى الاشتغال اليقيني عدم حصول البراءة بإكرام من قضى عنه العلم ، لأنّه تقتضي البراءة اليقينية ، فلابدّ من إكرام من تكون متلبّساً بالعلم ( ولنفرض الكلام فيما إذا ورد الحكم بعد زمان الانقضاء فلم يمكن الاستصحاب ).

وأمّا الرابع التخيير : فكما إذا قال المولى « أكرم العالم » و « لا تكرم الجاهل » واشتبه حال زيد مثلاً من حيث العلم والجهل فعلاً ، ولم يعلم الحالة السابقة لتوارد الحالات المختلفة عليه.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه لا وجه لحصر المحقّق الخراساني رحمه‌الله الاصول العمليّة الجارية في المقام في البراءة والاستصحاب ، بل إنّها تختلف باختلاف الموارد ويجري كلّ واحد من الاصول الأربعة في مورده الخاصّ به.

ثمّ إنّ بعض الأعلام قال في المقام ما حاصله :

إنّه لا فرق بين موارد الشكّ في الحدوث وموارد الشكّ في البقاء ، ففي كلا الموردين المرجع هو أصالة البراءة دون الاستصحاب ، أمّا في موارد الشكّ في الحدوث فالأمر واضح ، وأمّا في موارد الشكّ في البقاء فبناءً على مسلكنا في باب الاستصحاب من عدم جريانه في الشبهات الحكمية خلافاً للمشهور فالأمر أيضاً واضح ، وأمّا على المسلك المشهور فإنّه لا يجري في

١٧٥

المقام أيضاً لاختصاص جريانه بما إذا كان المفهوم متعيّناً وكان الشكّ متمحّضاً في سعة المجعول وضيقه كما لو شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ، فالمرجع هو استصحاب بقاء النجاسة ، وأمّا فيما لا يتعيّن فيه مفهوم اللفظ ومعناه وهو المعبّر عنه بالشبهة المفهوميّة فلا يجري الاستصحاب فيه لا حكماً ولا موضوعاً (١).

أقول : ما ذكره إنّما يتمّ في الاستصحاب الموضوعي لا الحكمي فإنّ الاستصحاب الحكمي يجري عند تغيّر الأوصاف إلاّ إذا كان الوصف من المقوّمات كالعلم في المجتهد ، فلا يجوز استصحاب جواز تقليده عند زواله ، ففي المثال المعروف في باب الشكّ في المغرب بعد استتار القرص وقبل زوال الحمرة لا يمكن استصحاب عدم حصول المغرب ، لأنّه من قبيل الشبهة المفهوميّة ( الاستتار حاصل والحمرة لم تزل والشكّ في معنى لفظ المغرب ولا معنى للاستصحاب فيه ) أمّا استصحاب حرمة الإفطار مثلاً أو عدم جواز صلاة المغرب فهو جائز بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ، والقول بأنّ الموضوع فيه قد تبدّل كما ترى ، لعدم التفاوت بينه وبين مثل التغيّر في الماء المتغيّر كما لا يخفى.

الأقوال في مسألة المشتقّ وأدلّتها :

وهي كثيرة يمكن تلخيصها في ثلاثة أقوال :

القول : بوضع المشتقّ لخصوص المتلبّس بالمبدأ ، والقول : بوضعه للأعمّ منه ومن انقضى عنه التلبّس ، والقول : بالتفصيل.

أمّا القول الأوّل : حكي عن الأشاعرة وعليه المتأخّرون من الأصحاب.

وأمّا القول الثاني : نقل عن المعتزلة وعليه المتقدّمون من الأصحاب.

وأمّا القول الثالث : فله أقسام ، فبعضهم فصل بين ما اشتقّ من المتعدّي وما اشتقّ من اللازم ، فالأوّل : وضع للأعمّ نحو السارق والقاتل ، الثاني : وضع للأخصّ كالجالس والذاهب ، وبعض آخر فصل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، فالمحكوم عليه وضع للأعمّ نحو « السارق » في قوله تعالى : ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) والمحكوم به وضع للأخصّ نحو جالس في

__________________

(١) المحاضرات : ج ١ ، ص ٢٤٣ و ٢٤٤.

١٧٦

« زيد جالس » إلى غير ذلك ، وسيأتي أنّ منشأ خطأ القائلين بالتفصيل اختلاف المبادىء أو وجود قرائن في الكلام.

والمختار وضع المشتقّ للأخصّ ، والوجوه التي استدلّ بها على وضعه للأخصّ على دليلين : « لفظيّة » و « عقليّة ».

أمّا الأدلّة اللّفظيّة : « التبادر » فالمتبادر من كلمة « العالم » مثلاً عند إطلاقه هو المتلبّس بمبدأ العلم في الحال ، توضيح ذلك ( الذي يرتفع به بعض الإشكالات الواردة على هذا الوجه ) : إنّ المبادىء في المشتقّات على أربعة أقسام :

الأول : تكون ذات المبدأ قرينة على أنّ إطلاق المشتقّ منه في جميع الموارد يكون بلحاظ الانقضاء نحو مبدأ التولّد ، فإنّ كلمة « المتولّد » المشتقّ منه يكون إطلاقه بلحاظ انقضاء التولّد ، ونفس مادّة التولّد قرينة عليه ، والسرّ فيه إنّه لا بقاء ولا تكرّر فيه ، فلا معنى لتبادر خصوص المتلبّس منه بل يكون هذا القسم خارجاً عن محلّ النزاع كما مرّ.

الثاني : تكون القضيّة بالعكس ، فنفس المبدأ قرينة على كون إطلاق المشتقّ بلحاظ التلبّس في الحال في جميع الموارد نحو الإمكان والوجوب ، فإنّ المشتقّ منهما وهو « الممكن » و « الواجب » يطلق في جميع الإطلاقات على المتلبّس الفعلي ، لأنّ المبدأ فيهما ممّا لا يزول بل يبقى بدوام الذات ، فلا معنى لتبادر خصوص المتلبّس في هذا القسم أيضاً.

الثالث : ما يمكن فيه الاستمرار والتكرار لكن لا يكون فيه الدوام والبقاء غالباً ، نحو السرقة والقتل ، فحيث إنّ الغالب في هذا القسم عدم دوام المبدأ يصير هذا قرينة على كون التلبّس بلحاظ الانقضاء وموجباً لانصراف الذهن إلى من انقضى عنه المبدأ فإنّ « السارق » مثلاً أو « القاتل » إنّما يتلبّس بالسرقة والقتل في ساعة معيّنة ، وبعد ذلك يبقى عليه هذا العنوان وهذا الوصف وإن لم يكن متلبّساً.

الرابع : ما يتصوّر فيه الدوام والانقضاء معاً ، نحو العدالة والفسق والجلوس والقيام والاجتهاد والاستطاعة ، وليس ذات المبدأ قرينة على أحدهما ، وهذا هو محلّ النزاع ومصبّ دعوى التبادر.

والإنصاف أنّ عدم إلتفات كثير من المفصّلين إلى اختلاف هذه الأقسام أوجب إنكارهم للتبادر في القسم الأخير مع أنّ خصوص هذا القسم داخل في محلّ النزاع وغيره خارج عنه ،

١٧٧

أي إنّا لا ندّعي وجود التبادر في الأقسام الثلاثة الاولى بل نعتقد بوجود القرينة فيها.

ثمّ إنّ هذه القرينة هل هي قرينة المجاز ، أو قرينة على كون الجري فيها بلحاظ حال الانقضاء ، فلا فرق بينها وبين « كان زيد قائماً » وإن كان مخالفاً لما هو الظاهر من إطلاقها ( لأنّ الظاهر كما قلنا سابقاً اتّحاد زمان الجري وحال النطق )؟

الحقّ هو الثاني ، فإذا قلنا « هذا سارق » يكون نفس مبدأ السرقة قرينة على أنّ السارق بمعنى « من سرق من قبل » أي « هذا هو الذي سرق من قبل » ومبدأ القتل على أنّ القاتل بمعنى « من قتل من قبل » فمعنى « هذا قاتل » « هذا هو الذي قتل من قبل » فاستعمل السارق والقاتل في المنقضي عنه التلبّس بلحاظ حال التلبّس فيما قبل ، وعلى هذا فلا يلزم مجاز.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّ شرط التبادر عدم وجود القرينة ، وعلى هذا فلا تصل النوبة إلى ما ذكره المحقّق الخراساني رحمه‌الله من لزوم كثرة المجاز بناءً على كون المشتقّ حقيقة فيمن تلبّس في الحال ، لأنّه ظهر ممّا ذكر أنّ الاستعمال في الأقسام الثلاثة الاول ليس مجازاً بل يكون حقيقة بلحاظ حال التلبّس فيما قبل ، والمفروض أنّ القرينة من ناحية المبدأ قائمة هنا.

هذا كلّه هو الدليل الأوّل على كون المشتقّ حقيقة في خصوص من تلبّس بالمبدأ في الحال.

وأمّا الدليل الثاني فهو قضيّة الصفات المتضادّة.

وتوضيحه : إنّا لا نشكّ في وجود صفات متضادّة فيما بين الصفات نحو القائم بالنسبة إلى القاعد ، والعالم في مقابل الجاهل ، والنائم في مقابل المستيقظ ، والقول بالأعمّ يوجب عدم التضادّ بين هذه الصفات لأنّه حينئذ يصدق على القائم فعلاً مثلاً إنّه قاعد أيضاً حقيقة بلحاظ ما انقضى عنه ، وعلى العالم فعلاً إنّه جاهل حقيقة بلحاظ ما انقضى عنه ، وهو خلاف الارتكاز والوجدان.

والإنصاف أنّ هذا الوجه في الحقيقة يرجع إلى الوجه الأوّل ، أي التبادر ، لابتنائه على الوجدان والارتكاز وهو ليس إلاّتقريباً آخر للتبادر.

وأمّا الدليل الثالث : صحّة السلب عمّن انقضى عنه التلبّس ، فإنّه يمكن لنا الحكم قطعاً وجزماً بأنّ القاعد فعلاً ليس بقائم.

إن قلت : لا يصحّ السلب في مثل السارق والقاتل.

قلت : إنّه خارج عن محلّ البحث كما مرّ آنفاً.

١٧٨

إن قلت : إمّا أن يكون المسلوب هو مطلق الأفراد والمصاديق الأعمّ من المتلبّس في الحال والمتلبّس في الماضي ، أو خصوص المتلبّس في الحال ، فإن كان المسلوب مطلق الأفراد فهو ممنوع ، لعدم صحّة القول بأنّ هذا ليس بقائم لا في الحال ولا في الماضي ، وإن كان المسلوب خصوص فرد الحال ، فإنّ السلب صحيح إلاّ أنّه ليس علامة المجازيّة لأنّه مجرّد نفي مصداق من المصاديق ، والدليل على المجازيّة هو نفي مطلق المصاديق كما لا يخفى.

قلت : وقع الخلط بين رجوع قيد « الآن » في « زيد ليس بقائم الآن » أو « في الحال » إلى النسبة الموجودة في الجملة وبين رجوعه إلى المحمول أعني المشتقّ ، فإن قلنا برجوعه إلى المشتقّ فالحقّ كما ذكره ، وأمّا إذا قلنا برجوعه إلى النسبة فتكون المسلوب هو القيام الموجود في الأعمّ من الحال والماضي ، ويكون المعنى « إنّ زيداً ليس إلاّقائماً » لا « إنّ زيداً ليس القائم المقيّد بالحال ».

وأمّا الدليل الرابع : ما يظهر من كلام شيخنا المحقّق الحائري رحمه‌الله في الدرر وحاصله : إنّا نعلم بعدم دخالة الزمان في الأسماء ومنها المشتقّات فبناءً على دخالة الذات في معنى المشتقّ يكون معناه الذات المتقيّدة بالمبدأ ، وهي لا تصدق إلاّ إذا حصل المبدأ وتكون الذات واجدة له ومتلبّسة به ، كما أنّ العناوين المأخوذة من الذاتيات في الجوامد لا تصدق إلاّعلى ما كان واجداً لها كالانسان والحجر والماء من دون اعتبار المضيّ والاستقبال ، وإلاّ كان من الممكن أن يوضع لفظ الإنسان لمفهوم يصدق حتّى بعد صيرورته تراباً ، فكذلك العناوين التي تحقّق بواسطة عروض العوارض من دون اعتبار المضيّ والاستقبال ، ولعلّ هذا بمكان من الوضوح ( انتهى كلامه ) (١).

أقول : أمّا قوله بعدم دخل الزمان في الأسماء فقد عرفت الكلام فيه عند ذكر كلام المحقّق العراقي رحمه‌الله في البحث عن المراد من الحال في المسألة ، وأمّا إثبات المقصود في المقام بمجرّد تشبيه « المشتقّ » بالجوامد كالانسان والماء ، فهو لا يعدّ دليلاً في مثل هذه المسألة اللّفظيّة إلاّ أن يرجع إلى التبادر أو صحّة السلب ، فهو قياس ذوقي بين المسألتين من دون أن يكون دليلاً.

أمّا الأدلّة العقليّة : فمنها : إنّ حمل صفة على ذات لا يكون إلاّ لغرض عقلائي ، ويحصل هذا

__________________

(١) درر الفوائد : ج ١ ، ص ٦٢ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٧٩

الغرض إذا وجدت تلك الصفة في الخارج وتلبّست الذات بها ، وأمّا إذا انقضت فهي كالمعدوم ، فكأنّ الذات لم تتّصف بها أصلاً ، فإطلاق العالم على زيد يصحّ فيما إذا كان العلم موجوداً فيه ، لأنّه مع وجود العلم يحصل ذلك الغرض العقلائي ، أمّا إذا زال العلم عنه فلا فرق بينه وبين من لم يتّصف بصفة العلم من أوّل الأمر ولا يتعلّق به غرض عقلائي.

وبعبارة اخرى : إن حمل المشتقّ على من انقضى عنه التلبّس يكون نقضاً للغرض الذي وضع المشتقّ لأجله.

الجواب : إنّ الغرض كما يتعلّق بالذات لكونها متّصفة ومتلبّسة بالوصف في الحال كذلك يتعلّق بها لكونها كانت متّصفة به أحياناً كما يتعلّق الغرض بزيد مثلاً لأنّه كان مجاهداً في سبيل الله.

وبعبارة اخرى : يمكن أن يتعلّق الغرض بذات لصرف اتّصافها بالوصف في زمان ما سواء في زمان الحال أو في الماضي ، وحينئذٍ لا يلزم نقض الغرض إذا وضع المشتقّ للأعمّ من المتلبّس والمنقضي عنه.

هذا مضافاً إلى أنّه لا يصحّ الاستدلال بهذه الوجوه العقليّة في الأبحاث اللّفظيّة.

ومنها : ما أفاده المحقّق النائيني رحمه‌الله فإنّه بنى هذه المسألة على المسألة الآتية من أنّه هل يكون المشتقّ مركّباً من الذات والمبدأ ، أو يكون هو خصوص المبدأ ، وقال : أمّا أن يكون مفهوم المشتقّ المبدأ اللابشرط في قبال المصدر الذي يكون بشرط لا ، أو يكون مركّباً من الذات والمبدأ ، فعلى الأوّل يكون المشتقّ موضوعاً للأعمّ من المتلبّس والمنقضي ، لأنّ الأساس والركن الركين في المشتقّ حينئذٍ هو الذات ، وانتساب المبدأ إليها يكفي فيه التلبّس في الجملة ، فلا محالة يكون المشتقّ حينئذٍ موضوعاً للأعمّ ، وعلى القول بالبساطة يكون المشتقّ موضوعاً للأخصّ ، لأنّ مفهوم المشتقّ حينئذٍ ليس إلاّنفس المبدأ المأخوذ لا بشرط ، فيكون صدق المشتقّ ملازماً لصدق نفس المبدأ ، ومع انتفائه ينتفي العنوان الاشتقاقي لا محالة ، ويكون حاله حينئذٍ حال الجوامد في كون المدار في صدق العنوان فعلية المبدأ.

ثمّ عدل رحمه‌الله عنه في ذيل كلامه وقال : الحقّ هو وضع المشتقّ لخصوص المتلبّس مطلقاً سواء قلنا بالبساطة أم بالتركّب ، أمّا على البساطة فواضح ، وأمّا على التركّب فلأنّ وضع المشتقّ متوقّف على تصوير جامع بين المنقضي عنه والمتلبّس في الواقع ، ومع عدمه فلا مجال لدعوى

١٨٠