أنوار الأصول - ج ١

أنوار الأصول - ج ١

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: أمير المؤمنين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-12-1
ISBN الدورة:
964-8139-13-X

الصفحات: ٦٠٨

الإشكالات الواردة على هذا القول كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الأمر السادس : في أنّ الوضع في ألفاظ العبادات والمعاملات هل هو من قبيل الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، أو الوضع العامّ والموضوع له العامّ؟

ذهب المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى « أنّ الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات عامين واحتمال كون الموضوع له خاصّاً بعيد جدّاً لاستلزامه كون استعمالها في الجامع في مثل « الصّلاة تنهى عن الفحشاء » أو « الصّلاة معراج المؤمن » أو « عمود الدين » و « الصّوم جنّة من النار » مجازاً ، أو نمنع استعمالها في الجامع في الأمثلة المذكورة ، وكلّ منهما بعيد إلى الغاية ».

والأولى أن يقال : إنّ طبيعة الوضع في أمثال هذه الألفاظ والمفاهيم يقتضي وضع اللفظ لنفس المعنى الذي تصوّر إلاّ أن يمنع عنه مانع ، وإلاّ فلا داعي لوضع اللفظ لغير ذلك المعنى المتصوّر.

وإن شئت قلت : العدول من الوضع العامّ والموضوع له العامّ إلى الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ إنّما يكون لموانع تمنع عنه وإلاّ لم يكن داعٍ إليه كما لا يخفى بالرجوع إلى موارده ، وحيث إنّ في أسماء الأجناس مثل لفظ الشجر والحجر لا مانع لوضع اللفظ لنفس المعنى الجامع المتصوّر فيكون الوضع والموضوع له عامين.

وأمّا في مثل أسماء الإشارة فحيث إنّ في معانيها نوع من الإيجاد والإنشاء ويكون الإيجاد جزئيّاً حقيقيّاً فلا يمكن أن يوضع اللفظ للجامع ، فيحتاج إلى قنطرة بين اللفظ والمعنى وأخذ مرآة للمصاديق الجزئيّة ، فيكون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً.

وبعبارة اخرى : لا إشكال في أنّ المحتاج إليه في مثل أسماء الإشارة إنّما هو المصداق الخارجي للإشارة ، وإذا وضعت للمعنى الكلّي كما إذا وضع لفظ « هذا » مثلاً لكلّي « المفرد المذكّر » المشار إليه لا يمكن استعمالها في المصداق الخارجي ، ويصير الوضع للكلّي غير مفيد ، فلابدّ من وضعه لمصاديق ذلك الكلّي ، ولا يخفى أنّ ألفاظ العبادات والمعاملات من قبيل الأوّل ، فالصلاة مثلاً اسم جنس تستعمل في جنس الصّلاة لا في المصاديق ( بأن تكون الخصوصيّة جزءً للمفهوم ) فيكون وضعها للمصداق لغواً ، فيستنتج أنّ الوضع في ألفاظ العبادات والمعاملات عام والموضوع له أيضاً عام.

١٢١

الأمر السابع : في ثمرة المسألة

ذكر الأعلام للمسألة ثمرتين :

الثمرة الاولى : إنّه لا يمكن للصحيحي التمسّك بالاطلاق في صورة الشكّ في جزئيّة شيء ، لأنّ المسمّى بناءً على مسلكه بسيط تحتمل دخالة الجزء المشكوك فيه ، فلا يحرز صدق المسمّى على المأتي به من دون إتيان ذلك الجزء ، خلافاً للأعمى لأنّ الصّلاة مثلاً تصدق على مسلكه وإن لم يأت ببعض الأجزاء والشرائط.

ولكن أورد عليه أمران :

الأمر الأوّل : إنّها مجرّد فرض فحسب لا مصداق له في الفقه ، لعدم وجود لفظ مطلق في باب العبادات يكون في مقام البيان ويمكن التمسّك به عند الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة ، وأمّا مثل « أقيموا الصّلاة » و « آتوا الزّكاة » فهو في مقام بيان أصل وجوب الصّلاة والزّكاة في الشريعة المقدّسة لا في مقام بيان حدودهما وأحكامهما.

واجيب عنه بجوابين :

أحدهما : أنّه من البعيد جدّاً عدم وجود مطلق في باب العبادات كما أفاده في تهذيب الاصول حيث قال : « كيف ينكر الفقيه المتتبّع في الأبواب وجود الإطلاق فيها ».

ثانيهما : أنّه يكفي في المسألة الاصوليّة وجود الثمرة الفرضيّة ، فإنّها عبارة عن ما تكون ممهّدة لاستنباط الأحكام ، فإنّ الملاك فيها صرف التمهيد للاستنباط وإن لم يصل إلى حدّ العمل.

أقول : أوّلاً : لنا أن نطالبهم بالمثال لما ادّعوه من وجود إطلاقات في مقام البيان ، فلقائل أن يقول : إنّه لو كان في باب العبادات إطلاق ، لتمسّك به الفقهاء في محلّه كما تمسّكوا بمطلقات نظير « اوفوا بالعقود » و « أحلّ الله البيع » في باب المعاملات.

وثانياً : أنّه لا يكفي مجرّد فرض الثمرة في المسألة الاصوليّة مع عدم وجود مصداق له في الفقه للزومه اللغويّة حينئذٍ كما لا يخفى.

إن قلت : كيف لا يلتفت في المقام إلى الإطلاقات الواردة في أبواب المعاملات مع أنّها أيضاً داخلة في محلّ النزاع.

قلنا : لخصوصيّة فيها توجب إمكان التمسّك بها للصحيحي أيضاً ، وهي أنّ الإطلاقات الواردة في باب المعاملات منصرفة إلى الصحيح عند العرف لا الصحيح عند الشرع لعدم

١٢٢

تأسيس فيها للشارع المقدّس ، وحينئذٍ إذا شكّ الصحيحي في اعتبار قيد عند الشارع زائداً على القيود المعتبرة عند العرف والعقلاء يمكن له أن يتمسّك لدفعه بإطلاق « اوفوا بالعقود » مثلاً.

نعم ربّما يتمسّك لإثبات وجود الإطلاق في أبواب العبادات برواية حمّاد المعروفة الواردة في أبواب أفعال الصّلاة (١) حيث إنّ الإمام فيها يكون في مقام بيان تمام ما له دخل في ماهيّة الصّلاة كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

ولكن الإنصاف أنّها لا ربط لها بالمقام أصلاً ، وتوضيحه : أنّ الإطلاق على نحوين : لفظي ومقامي ، والإطلاق اللّفظي هو ما يكون الحكم فيه معتمداً على لفظ وكان ذاك اللفظ في معرض التقييد من بعض الجهات كما في قولنا « اعتق رقبة » بالنسبة إلى احتمال تقييده بقيد الأيمان ثمّ يتمسّك بالاطلاق لنفي هذا القيد.

أمّا الإطلاق المقامي فهو ما ليس الحكم فيه معتمداً على لفظ في معرض التقييد بل الإطلاق مستفاد من كون المتكلّم في مقام بيان قيود شيء أو أجزائه وشرائطه من طريق العمل ، فإذا علم منه ذلك ولم يصرّح ببعض القيود أو الأجزاء أو الشرائط يعلم عدم اعتباره ، كما إذا علمنا أنّه بصدد بيان أجزاء الصّلاة وشرائطها ، وعدّ الحمد والركوع والسجود ولم يذكر السورة ، أو أتى بها في مقام العمل ولم يأت بالسورة فيعلم منه عدم كونه جزءً.

هذا ـ وبينهما فرق آخر وهو أنّ كون المتكلّم في مقام البيان في الإطلاق المقامي يعلم بالقرائن بينما هو في الإطلاق اللّفظي يحرز بأصل عقلائي يدلّ على أنّ كلّ متكلّم في مقام البيان إلاّ أن يثبت خلافه.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ محلّ النزاع في ما نحن فيه هو القسم الأوّل ( الإطلاق اللّفظي ) فإنّ البحث عن الصحيح والأعمّ بحث لغوي لفظي وأمّا الإطلاق المقامي فلا فرق فيه بين الصحيحي والأعمّي في إمكان التمسّك به لأنّ الصحيحي أيضاً يتمسّك به ( على فرض وجوده ) ، ولا إشكال في أنّ الإطلاق الموجود في حديث حمّاد إنّما هو الإطلاق المقامي لا اللّفظي.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٤ ، من أبواب أفعال الصّلاة الباب ١ ، ح ١.

١٢٣

هذا كلّه في الإشكال الأوّل على الثمرة الاولى.

الأمر الثاني : أنّه لا يمكن للأعمّي أيضاً التمسّك بالاطلاق ، لأنّ الأوامر الشرعيّة بنفسها قرينة على كون المأمور به ، والمتعلّق فيها هو العبادة الصحيحة لأنّها هي المطلوب للشارع ، وعليه لا إطلاق لها حتّى يمكن التمسّك به ، فلا يمكن للأعمى أن يقول في مقام الشكّ : « إنّ الشارع أمرني بالصّلاة ، والمأتي به من دون الجزء المشكوك صلاة » لأنّ الشارع لم يأمره بمطلق الصّلاة بل أمره بالصّلاة الصحيحة.

ويمكن الجواب عنه : إنّ الصحّة قيد ينتزع بعد انطباق المأمور به على المأتي به فيكون في الرتبة المتأخّرة عن الأمر ، لأنّ الصحّة عند الأعمى هنا بمعنى موافقة الأمر وبعد أن علّق الشارع أوامره على الأجزاء وكان المأتي به مطابقاً لجميع الأجزاء والشرائط المأمور بها يقال : إنّه صحيح ، وينتزع عنوان الصحّة منه ، وعلى هذا فلا يمكن أخذها في المتعلّق.

إلى هنا تمّ البحث عن الثمرة الاولى في المسألة ، وقد ظهر منه عدم ترتّب هذه الثمرة عليها.

الثمرة الثانيّة : جواز التمسّك بالبراءة وعدمه.

وأوّل من ذكرها هو المحقّق القمّي رحمه‌الله وبيانها : إنّه إذا شكّ في جزئيّة السورة مثلاً للصّلاة ولم يكن في البين إطلاق يمكن التمسّك به لدفعها أمكن للأعمّي الرجوع إلى أصل البراءة ، لأنّ المفروض عنده أنّ الصّلاة تصدق على فاقد الجزء أيضاً ، وأمّا الصحيحي فلا يمكن له التمسّك به لأنّ شكّه هذا يسري إلى مسمّى الصّلاة وأنّ المسمّى هل صدق أو لا؟ ولا إشكال في أنّ المرجع حينئذ إنّما هو أصالة الاشتغال.

والمعروف في الجواب عن هذه الثمرة أنّ البراءة والاشتغال لا ربط لهما بالصحيح والأعمّ بل أنّ جريانهما مبني على الانحلال وعدم الانحلال في الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، فإن قلنا هناك أنّ العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر الارتباطيين ينحلّ إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، فالمرجع إنّما هو البراءة عن الأكثر المشكوك ، وإن قلنا بعدم الانحلال فالمرجع هو أصالة الاشتغال ، ولا يخفى أنّه لا فرق في هذه الجهة بين الأعمّي والصحيحي.

وقال المحقّق النائيني رحمه‌الله ما حاصله : « إنّ الحقّ هو ترتّب هذه الثمرة لما عرفت من أنّه بناءً على الصحيح وأخذ الجامع بالمعنى المتقدّم ( أي كونه بسيطاً خارجاً عن نفس الأجزاء

١٢٤

والشرائط ) لا محيص عن القول بالاشتغال لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في المحصّل » (١).

ولكن يرد عليه :

أوّلاً : أنّ القول بالصحيح لا يلازم القوم ببساطة القدر الجامع بل ذهب كثير من الصحيحيين إلى تركّبه.

وثانياً : سلّمنا كونه بسيطاً ولكن يأتي فيه ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه‌الله ، ونعم ما أفاد من أنّ العنوان البسيط ليس أمراً مسبّباً عن الأجزاء بحيث لا يمكن انطباقه عليها بل أنّه عين الأجزاء والشرائط ومنطبق عليها ، وحينئذ لا يرجع الشكّ إلى الشكّ في المحصّل.

وبعبارة اخرى : أنّ نسبة القدر الجامع البسيط إلى الأجزاء والشرائط نسبة الطبيعي إلى أفراده أو نسبة العنوان إلى معنونه ومعه لا يكون المأمور به مغايراً في الوجود للأجزاء والشرائط.

أقول : الحقّ في المسألة هو التفصيل بين المباني المختلفة في القدر الجامع للصحيح ، وأنّ الثمرة إنّما تظهر على بعض تلك المباني.

وتوضيحه : أنّه إن قلنا بأنّ القدر الجامع أمر مركّب ( كما ذهب إليه كثير من الأعلام وهم اللّذين صرّحوا بأنّه عبارة عن مجموع من الأجزاء على نحو اللابشرط من جانب الزيادة ) فلا تترتّب هذه الثمرة لإمكان إجراء البراءة حينئذٍ للصحيحي أيضاً كما لا يخفى ، وإن قلنا بأنّه أمر بسيط انتزاعي ينطبق على الأجزاء كما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمه‌الله ، فكذلك لا تترتّب الثمرة المذكورة ، لما مرّ آنفاً من البيان ، وإن قلنا أنّه أمر بسيط خارجي لا ينطبق على الأجزاء ( لأنّ الانطباق عليها يتصوّر في العنوان أو الطبيعة بالنسبة إلى المعنون أو الأفراد ) أو قلنا بأنّه مجموعة من الأجزاء والشرائط التي تؤثّر الأثر المطلوب ( كما هو المختار ) فيمكن ظهور الثمرة كما لا يخفى أيضاً ، ولكن قد مرّ أنّه على المبنى المختار أيضاً يمكن الأخذ بالبراءة لما مرّ من أنّ الآثار المرغوبة من العبادات امور خفيّة عنّا ، وبطبيعة الحال لم نؤمر بها بل اللازم على المولى بيان الأجزاء والشرائط المؤثّرة في هذا الأثر الخفي ، فإذا لم يثبت أمره ببعض الأجزاء أو الشرائط فيمكن الأخذ بالبراءة.

فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا عدم ترتّب هذه الثمرة أيضاً على المسألة.

__________________

(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٥.

١٢٥

بقي هنا امور :

الأوّل : قد يقال بأنّ المسألة ليست اصوليّة لأنّ ملاكها وقوع المسألة كبرى الاستنباط مستقلّة من دون ضمّ مسألة اصوليّة اخرى ، ومسألة الصحيح والأعمّ لا يتمّ الاستنباط بها إلاّ بعد ضمّ مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيين إليها كما لا يخفى.

ولكن فيه : أنّ لازم هذا خروج أكثر المسائل الاصوليّة عن علم الاصول لعدم وقوعه كبرى في الاستنباط مستقلّة ، فإنّ حجّية خبر الواحد ( التي هي من أهمّها ) مثلاً لا تقع كبرى الاستنباط إلاّبضميمة حجّية الظواهر إليها.

نعم الحقّ خروج مسألة الصحيح والأعمّ من مسائل الاصول من جهة اخرى ، وهي أنّ البحث فيها يكون في أنّ الألفاظ الشرعيّة هل وضعت للصحيح فقط أو للأعمّ منه ومن الفاسد ، أي أنّ الصّلاة مثلاً ظاهرة في الصحيح أو في الأعمّ؟ ولا إشكال في أنّ هذا بحث صغرى لمسألة حجّية الظواهر.

الثاني : ربّما يقال بأنّ ثمرة النزاع في المقام تظهر في النذر ، فإنّه إذا نذر أن يعطي ديناراً لمصلّي ركعتين مثلاً فبناءً على القول بالأعمّ ـ يجزي اعطائه لمصلّيهما ولو كانت صلاته فاسدة ، وعلى القول بالصحيح لا يجزي ذلك.

وفيه : إنّ لازم هذه الثمرة رجوع البحث في الصحيح والأعمّ إلى تشخيص موضوع النذر فيما إذا تعلّق بماهية من الماهيات الشرعيّة ، ولا يخفى أنّه ليس حكماً فرعيّاً كلّياً لكي تكون المسألة من المسائل الاصوليّة التي ثمرتها استنباط الحكم الكلّي الفرعي ، بل ليست من المسائل الفقهيّة أيضاً لأنّها بحث في أنّ هذه الصّلاة مثلاً صلاة ، أم لا؟ وهو بحث موضوعي خارج عن شؤون الفقيه كما هو المعروف ، كما إذا تعلّق النذر مثلاً بوقوع الصّلاة في مسجد الكوفة ، وشككنا في أنّ هذا المسجد هل هو مسجد الكوفة أو لا؟ وهذا أمر جارٍ في جميع موارد النذر ، أضف إلى ذلك أنّه يعتبر في صحّة النذر إحراز رجحان المتعلّق ولا رجحان للصّلاة الفاسدة.

الثالث : ربّما قيل بأنّ ثمرة المسألة تظهر في مسألة محاذات المرأة للرجل حال الصّلاة ، فبناءً على القول بالأعمّ تصير صلاة الرجل منهيّاً عنها وإن علمنا بفساد صلاة المرأة المحاذية للرجل أو المتقدّمة عليه ، لصدق عنوان الصّلاة حينئذٍ على ما أتت بها المرأة ، فيصدق « أنّه صلّى وبحذائه امرأة تصلّي » بينما لا يصدق هذا بناءً على القول بالصحيح فيما إذا علمنا بفساد صلاة المرأة.

١٢٦

ولكنّه يردّ بأنّ الأدلّة الناهية عن المحاذات منصرفة إلى الصّلاة الصحيحة وإنّ المنهيّ عنها هي محاذات المرأة حين إتيانها بها كذلك.

أدلّة القول بالصحيح :

قد مرّ أنّ الحقّ في المسألة وضع الألفاظ للصحيح ، ويستدلّ له بوجوه :

الوجه الأوّل : التبادر

إنّ المتبادر من الألفاظ عند إطلاقها هو الصحيح ، فيكون إطلاقها على الفاسد بنوع من المجاز والعناية.

ولكن هيهنا مشكلتان لا بدّ من حلّهما لكي يتمّ هذا الوجه :

الاولى : أنّ التبادر فرع وجود معنى مبيّن للألفاظ ، مع أنّ الألفاظ على القول بالصحيح مجملات ( في مثل العبادات ) إذ من الواضح وقوع الشكّ في جملة من أجزاء الصّلاة وشروطها ، فعلى هذا القول يكون معناها مجملاً مردّداً بين الأقلّ والأكثر ، فكيف يدّعي الصحيحي تبادر الصحيح التامّ من ألفاظها؟

وقد إلتفت المحقّق الخراساني رحمه‌الله إلى هذه العويصة وأشار إليها في كلماته وأجاب عنها بأنّ معاني الألفاظ وإن كانت على هذا القول مجملات ولكنّها مبيّنات في الجملة من ناحية بعض الخواصّ والآثار ، فتكون الصّلاة مثلاً هي التي تنهى عن الفحشاء ، أو تكون معراجاً للمؤمن ، أو عمود الدين ونحو ذلك. وهذا المقدار من البيان الإجمالي يكفي في صحّة التبادر.

وقد أشار في تهذيب الاصول إلى هذا الجواب وأورد عليه بأنّ « للماهية في وعاء تقرّرها تقدّماً على لوازمها وعلى الوجود الذي هو مظهر لها ، كما أنّها متقدّمة على لوازم الوجود بمرتبتين ، لتوسّط الوجود بينها وبين لوازم الوجود ، وإذ أضفت ذلك إلى ما قد علمت سابقاً من ـ أنّ النهي عن الفحشاء وكونها معراج المؤمن وما أشبهها من لوازم الوجود لا من آثار الماهيّة لعدم كونها منشأً لتلك الآثار في حدّ نفسها ـ تعرف أنّه لا وجه لهذا التبادر أصلاً ، لأنّ تلك العناوين في مرتبة متأخّرة عن نفس المعنى الماهوي الموضوع له ، بل لو قلنا أنّها من عوارض

١٢٧

الماهية أو لوازمها كانت أيضاً متأخّرة عنه ، فمع ذلك كيف يمكن دعوى تبادرها من لفظ الصّلاة مثلاً؟ » (١).

أقول : ولكن يمكن دفعه بما اخترناه في مبحث الوضع ، وهو أنّ أكثر الألفاظ المستعملة عند أهل اللّغة موضوعة للوجود ( كما أنّه مقتضى حكمة الوضع ) لا للماهية ، وإذاً لا إشكال في تبادر المعنى إلى الذهن بتبادر الآثار ، لوجود الملازمة بين الوجود وآثاره ، لأنّ الآثار من لوازم الوجود ، والإنصاف أنّ الخلط بين المصطلحات الفلسفية والمفاهيم العرفيّة هو الذي أوجب هذه المفاسد الكثيرة في علم الاصول كما مرّ سابقاً.

الثانيّة : أنّ الوجدان حاكم على صحّة إطلاق الألفاظ في المركّبات الخارجيّة على بعض الأفراد الناقصة من دون وجود عناية وتسامح في البين ( نظير إطلاق لفظ الإنسان على الفاقد لعضو من الأعضاء من اليد أو الرجل مثلاً ) مع أنّ لازم دعوى تبادر المعنى الصحيح إلى الذهن كون هذا القبيل من الاستعمالات مجازاً.

والجواب : واضح بناءً على مختارنا في حقيقة الوضع أيضاً ، فإنّا قلنا هناك أنّ الموضوع له إنّما هو المؤثّر ، للأثر ولا إشكال في أنّ الأثر قد يكون أمراً ذا مراتب ، مرتبة واجدة لتمام الأثر ، ومرتبة واجدة لمعظمه ، ومرتبة واجدة لضعيفه ونازله ، والإطلاق حقيقي بشهادة التبادر وصحّة السلب فيما إذا كان العمل واجداً لمعظم الأثر ، ومجاز في ما يكون فاقداً له ، ولا يخفى أنّه كلّما كان إطلاق اللفظ على الفاقد لجزء من الأجزاء أو لشرط من الشرائط حقيقيّاً بلا عناية ومجاز كشفنا منه وجود معظم الأثر ، كما أنّه لا إشكال في أنّ الأثر المترتّب على الصّلاة في ما نحن فيه من هذا القبيل أي ممّا يكون ذا مراتب عديدة ، وحينئذٍ نقول : إنّ إطلاق الصّلاة على صلاة المريض مثلاً حقيقي لتحقّق معظم أثر الصّلاة بها وذلك لحكم الشارع بصحّتها فإنّ حكمه بالصحّة في كلّ مورد يكون كاشفاً عن وجود معظم الآثار كما أنّ حكمه بالفساد كاشف عن عدم وجودها كما لا يخفى.

وبهذا تنحلّ العويصتان المذكورتان بالنسبة إلى دليل التبادر.

__________________

(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٦٠ ، طبع مهر.

١٢٨

الوجه الثاني : صحّة السلب عن الفاسد

وهو وجه تامّ إلاّمن ناحية تانك العويصتين اللّتين اجيب عنهما فإنّ الإشكال هو الإشكال والجواب هو الجواب.

الوجه الثالث : وجود روايات تلائم مذهب الصحيحي فقط

وهي الرّوايات الدالّة على آثار الصّلاة نحو قوله عليه‌السلام « الصّلاة عمود الدين » وقوله عليه‌السلام : « الصّلاة معراج المؤمن » وكذلك الرّوايات الدالّة على نفي ماهيّة الصّلاة عن فاقد بعض الأجزاء ، نظير قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّبالطهور » وقوله « لا صلاة إلاّبفاتحة الكتاب » فإنّ القول بالأعمّ يستلزم تقييد لفظة الصّلاة في هذه الرّوايات بقيد « الصحيحة » وهو خلاف ظواهرها فإنّ ظاهرها ترتّب هذه الآثار على نفس الصّلاة بما لها من المعنى من دون أي قيد ، وحيث إنّها لا تترتّب على الفاسد منها نستكشف أنّ الصّلاة في لسان الشارع وضعت للصحيح وما تترتّب عليه هذه الآثار.

هذا بالنسبة إلى الطائفة الاولى من الرّوايات وكذلك بالنسبة إلى الطائفة الثانيّة فإنّ ظاهرها إنّ فاقدة الطهور أو فاقدة الفاتحة ليست بصلاة أصلاً لا أنّها ليست صلاة صحيحة.

أقول : صحّة الاستدلال بهذه الرّوايات تتوقّف على أمرين :

الأوّل : ترتّب الآثار المذكورة على خصوص الصّلاة الصحيحة ( كما أنّه كذلك ).

الثاني : كون استعمال لفظ في معنى دليلاً على كونه معنىً حقيقيّاً له كما هو مذهب السيّد المرتضى رحمه‌الله ، ومن المعلوم أنّ المشهور من العلماء لم يوافقوا على الأمر الثاني فإنّ الاستعمال عندهم أعمّ من الحقيقة والمجاز.

هذا ـ مضافاً إلى أنّ المدّعى في المقام أسوأ حالاً من مقالة السيّد المرتضى رحمه‌الله حيث إنّ المدّعى في ما نحن فيه أنّ المستعمل فيه تمام الموضوع له ، ومذهب السيّد رحمه‌الله إنّما هو مجرّد كون المستعمل فيه المعنى الحقيقي فحسب.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ظاهر هذه الرّوايات استعمال لفظ الصّلاة في معناها من دون عناية ومجاز ومن دون قيد وقرينة خاصّة ، فالاستدال متوقّف على هذا الظهور لا على قبول مذهب السيّد رحمه‌الله.

١٢٩

إن قلت : لماذا لم يتمسّك بذيل أصالة الحقيقة لإثبات أنّ الموضوع له خصوص الصحيح ( بعد ما علمنا أنّ المراد من الصّلاة في هذه الأخبار هو خصوص الصحيح ) مع أنّها من الاصول المعتبرة اللّفظيّة؟

قلنا : إنّ أصالة الحقيقة من الاصول اللّفظيّة المراديّة تجري في خصوص ما إذا كان المراد مشكوكاً لا ما إذا علمنا بالمراد كما في المقام ( حيث إنّ المفروض كون المراد هو خصوص الصحيح والشكّ إنّما وقع في كون الاستعمال حقيقة أو مجازاً ).

إن قلت : إنّ لازم وضع الصّلاة للأعمّ خروج الصّلاة الفاسدة من هذه الأخبار بالتخصيص ، ولازم وضعها للصحيحة خروجها بالتخصّص ، ومقتضى أصالة عدم التخصيص ( أصالة العموم ) خروجها بالتخصّص ، وهو يستلزم كون اللفظ موضوعاً للصحيح.

قلنا : إنّ وزان أصالة العموم وزان أصالة الحقيقة في أنّها من الاصول المراديّة فيكون الجواب هو الجواب.

فظهر ممّا ذكر عدم إمكان التمسّك بهذه الرّوايات لإثبات القول بالصحيح ، إلاّ أن يقال : إنّ ظاهرها كون استعمال الصّلاة فيها استعمالاً حقيقيّاً وأنّ الآثار آثار لماهية الصّلاة لا لمصداق من مصاديقها لعدم وجود قيد ولا قرينة فيها بل الظاهر كون هذه الألفاظ بما لها من المعنى عند الشرع واجدة لهذه الآثار وفاقدة لتلك الموانع وهذه الدعوى ليست ببعيدة ، نعم يمكن أن يستدلّ أيضاً بإطّراد استعمال لفظة الصّلاة في هذه الأخبار في الصحيح ، والاطّراد من علائم الحقيقة على المختار ، ولا يخفى أنّ الاطّراد في الاستعمال غير مجرّد الاستعمال.

الوجه الرابع : أنّه مقتضى حكمة الوضع ، لأنّ مورد الحاجة إنّما هو المعنى الصحيح.

وأورد عليه : أنّ الفاسد أيضاً محلّ للحاجة ، فإنّ الحاجة إلى الفاسد لو لم تكن أكثر من الحاجة إلى الصحيح لم تكن أقلّ منها.

أقول : الأولى في تقريب هذا الوجه هو الرجوع إلى المخترعات العرفيّة ، فلا ريب أنّ المقصود في كلّ مخترع من المخترعات العرفيّة أوّلاً وبالذات هو الوصول إلى الآثار التي تترتّب عليها والإنسان المخترع يلاحظ حين التسمية تلك الآثار ويضع اللفظ لمنشئها ، ولا إشكال في أنّ منشأها إنّما هو الفرد الصحيح فيصير هو المسمّى للفظ ، نعم يستعمل اللفظ بعد ذلك في

١٣٠

الفرد الفاسد مجازاً ، هذا في المخترعات العرفيّة ، وكذلك في المخترعات الشرعيّة فإنّ المستفاد من قوله تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ ) أنّ الشارع اختار في أوضاعه سيرة العقلاء لأنّها أقرب إلى التفهيم الذي يراد من وضع الألفاظ.

إن قلت : إنّ المخترع جزئي حقيقي يستلزم وضع اللفظ بإزائه كون إطلاقه على سائر الأفراد المصنوعة بعده مجازاً ، وهذا كاشف عن أنّ الواضع المخترع لا يضع اللفظ لخصوص هذا الفرد الذي بين يديه بل ينتقل من تصوّره إلى تصوّر الجامع الارتكازي المعرّى عن الخصوصيّات الفرديّة من الصحّة والفساد وغيرهما ثمّ يضع اللفظ لذلك الجامع الأعمّ من الصحيح والفاسد.

قلنا : إذا كان الجزئي عبارة عن الفرد الصحيح كان المنتقل إليه أيضاً هو الجامع للأفراد الصحيحة فإنّه يقول مثلاً : « وضعت هذا اللفظ للجامع بين هذه السيارة وكلّ ما كان مثلها » فيكون وصف الصحّة ملحوظاً في الجامع أيضاً.

هذا تمام الكلام في أدلّة القول بالصحيح وقد عرفت صحّة بعضها وإن كان بعضها الآخر قابلاً للمناقشة.

أدلّة القول بالأعمّ :

واستدلّ له أيضاً بامور :

الأمر الأوّل والثاني : التبادر وعدم صحّة السلب عن الفاسد

فإن كلاً من الصحيحي والأعمّي استدلّ بهما.

والجواب عنهما أنّهما فرع تصوّر القدر الجامع وقد مرّ أنّه لا جامع للأعمّي ، هذا ـ مضافاً إلى ما مرّ من أنّ الوجدان حاكم على أنّ المتبادر إنّما هو الصحيح من الألفاظ لا الأعمّ.

الأمر الثالث : صحّة تقسيم الصّلاة إلى صحيحها وفاسدها

فيقال : الصّلاة إمّا صحيحة أو فاسدة ، والتقسيم يتوقّف على وضع الصّلاة للأعمّ كما لا يخفى.

١٣١

وفيه : أنّ استعمال الصّلاة في الأعمّ عند ذكر المقسّم أعمّ من الحقيقة والمجاز ولا يكون دليلاً على الحقيقة إلاّعلى مختار السيّد المرتضى فيما حكي عنه وقد عرفت ضعفه.

الأمر الرابع : الرّوايات الواردة

وقد أطلقت الرّوايات لفظة الصّلاة على الفاسد منها من دون نصب قرينة على نحو قوله عليه‌السلام : « دع الصّلاة أيّام اقرائك » فإنّ المراد من الصّلاة فيه هو الصّلاة الفاسدة قطعاً ، لعدم كون إتيان الصّلاة الصحيحة مقدوراً لها ، فيلزم عدم صحّة النهي عنها بناءً على الصحيح ، ونحو قوله عليه‌السلام« بني الإسلام على خمس الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم والولاية ولم ينادِ أحد بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بالأربع وتركوا هذه فلو أنّ أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة » فإنّه بناءً على بطلان صلاة تاركي الولاية لا يمكن أخذ الناس بالأربع إلاّ إذا كانت هذه الأسامي للأعمّ لأنّهم أخذوا بالصّلاة الفاسدة وكذا غيرها.

واجيب عنه بوجوه :

الوجه الأوّل : أنّه يمكن أن يقال ( بالنسبة إلى حديث الولاية ) أنّ الولاية إنّما تكون شرطاً للقبول لا للصحّة كما تشهد عليه الرّوايات الواردة في أبواب مقدّمات العبادات (١) فقد ورد بعضها « أنّ عملهم لا يقبل » وفي بعضها الآخر « لا عمل له » وفي ثالث « أكبّه الله على منخريه في النار » فبملاحظة هذه الأخبار يمكن أن يقال : إنّ العمل صحيح وغير مقبول ، وأمّا العقاب فهو يترتّب على عدم قبولهم للولاية لا على عدم صحّة الصّلاة خصوصاً إذا لاحظنا رواية في باب الزّكاة بالنسبة إلى من استبصر بالولاية حيث إنّ الإمام عليه‌السلام استثنى فيها من الأعمال خصوص الزّكاة فحكم بوجوب قضائها لأنّها وقعت في غير محلّها ، ولا إشكال في أنّ ظاهرها حينئذٍ وقوع غير الزّكاة من سائر الأعمال في محلّها فيكون عدم القضاء من جهة صحّتها.

ومسألة اشتراط العبادات بالولاية محتاجة إلى البحث والتأمّل وفيها كلام في محلّها.

وبالنسبة إلى رواية « دعِ الصّلاة أيّام اقرائك » نقول : إنّ النهي الوارد فيها ليست نهياً

__________________

(١) وسائل الشيعة : الباب ٢٩ من أبواب مقدّمات العبادات فإنّه مشتمل على ١٨ حديثاً في هذا المجال.

١٣٢

تشريعيّاً بل إنّه إرشاد إلى عدم وقوعها صحيحة وأنّ الحيض مانع عن وقوع الصّلاة صحيحة ، فكأنّها تقول : « لا تصلّ لأنّك لا تقدرين عليها » ومن المعلوم أنّ حدث الحيض مانع عن الصّلاة الصحيحة لا الفاسدة.

الوجه الثاني : سلّمنا أنّها استعملت في مثل هذه الرّوايات في الأعمّ ولكنّه لا يكون دليلاً على الحقيقة لأنّه لم يصل إلى حدّ الاطّراد.

الوجه الثالث : أنّ المستعمل فيه في هذه الأخبار ليس هو المعنى الأعمّ بل هو المعنى الصحيح ، لكن الصحيح بحسب اعتقادهم ( في رواية الولاية ) والصحيح لولا الحيض ( في رواية الحائض ) فتكون هذه الأخبار حينئذٍ على خلاف المقصود أدلّ.

الأمر الخامس : أنّه لا ريب في صحّة تعلّق النذر أو الحلف بترك الصّلاة في مكان تكره فيه كالحمام وغيره ، ولا ريب أيضاً في حصول الحنث بفعلها في ذلك المكان بعد النذر أو الحلف ، وحينئذ يقال : أنّ الألفاظ لو كانت موضوعة للصحيح وكان النذر أو الحلف قد تعلّق بترك الصحيح لم يحصل الحنث بفعل الصّلاة في ذلك المكان المكروه ، لأنّها بعد تعلّق النذر أو الحلف بتركها فيه تحرم فتفسد ، وبالصّلاة الفاسدة لا يكاد يحصل الحنث لأنّه خلاف ما تعلّق النذر بتركه ، مع أنّ حصول الحنث به أمر مفروغ عنه ، بل يلزم منه ( من تعلّق النذر بترك الصحيح ) محال ، لأنّه يلزم من فرض الصحّة تحقّق النذر ، ومن تحقّق النذر عدم الصحّة ، فيلزم من فرض الصحّة عدم الصحّة وهو محال.

ويرد عليه امور :

الأمر الأوّل : أنّه لا ربط لهذه المسألة بمسألة الصحيح والأعمّ ، لأنّ مفادها عدم إمكان تعلّق النذر بترك الصّلاة الصحيحة في مكان تكره فيه بل اللازم تعلّقه بالأعمّ من الصحيح والفاسد ، فهي مسألة فقهيّة مخصوصة بباب النذر ترشد كلّ واحد من الصحيحي والأعمّي إلى عدم صحّة تعلّق النذر على الصّلاة الصحيحة ، فهما سيّان فيها ولا ربط له بالمسائل اللغويّة وأنّ الألفاظ هل وضعت للصحيح منها أو للأعمّ لأنّها تقتضي عدم صحّة تعلّق النذر بالصحيح ولا تقتضي عدم وضع اللفظ له شرعاً.

الأمر الثاني : أنّه يمكن أن يقال بأنّ المراد فيها أيضاً الصّلاة الصحيحة ولكن الصحيحة لولا النذر كما تقتضيه طبيعة الحال ، ومرّ نظيره في خبر « دع الصّلاة أيّام اقرائك ».

١٣٣

ومن المعلوم أنّ الفساد الناشيء من قبل النذر لا ينافي الصحّة لولا النذر فإنّ صدق الموضوع إنّما هو مع قطع النظر عن ورود الحكم عليه.

الأمر الثالث : أنّه لا بدّ من تعلّق النذر بالصحيح لأنّ تعلّقه بالأعمّ يستلزم عدم انعقاده لعدم كون ترك الأعمّ من الصحيح والفاسد راجحاً.

هذا مضافاً إلى ما بني عليه المشهور في تحرير محلّ النزاع من خروج الشرائط عن المسمّى خصوصاً الشرائط المتأخّرة عن الأمر ، وفي ما نحن فيه تكون علّة بطلان الصّلاة عدم تحقّق قصد القربة وهو من الشرائط المتأخّرة.

لكن قد عرفت أنّ المختار كون الشرائط برمّتها داخلة في محلّ البحث كما يشهد عليه هذا الاستدلال وما أشبهه.

إلى هنا تمّ الكلام في استدلالات القائلين بالأعمّ ، وقد عرفت عدم تماميّة شيء منها.

تنبيهات ( في مسألة الصحيح والأعمّ )

التنبيه الأوّل : في دخول أسامي المعاملات في محلّ النزاع

وقد ذهب المحقّق الخراساني إلى التفصيل بين ما إذا كانت أسامي المعاملات موضوعة للمسبّبات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة ، أو للأعمّ وما إذا كانت موضوعة للأسباب فيكون للنزاع فيه مجال ، وحاصل كلامه : أنّه إذا كانت الأسامي موضوعة للمسبّبات فلا إشكال في أنّها حينئذٍ امور بسيطة لا تتّصف بالصحّة والفساد بل أمرها دائر بين الوجود والعدم ، فجريان نزاع الصحيحي والأعمّي في ألفاظ المعاملات متوقّف على كونها موضوعة للأسباب ، ثمّ ذهب إلى أنّه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة أيضاً وأنّ الموضوع هو العقد المؤثّر لأثر كذا شرعاً وعرفاً ، واختلاف الشرع والعرف فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف في المعنى.

وبعده أتعب المحقّق العراقي رحمه‌الله نفسه الزكيّة حيث أراد إثبات جريان النزاع ولو قلنا بوضع الألفاظ للمسبّبات فإنّه قال : يمكن تصوير جريان النزاع في المسبّبات على ثلاثة أنحاء :

١٣٤

الأوّل : أن يكون المسبّب أمراً واحداً وله مفهوم واحد والمصاديق واحدة ، ولا يكون نزاع بين العرف والشرع فيه ، وأمّا ردع الشارع في بعض الموارد فإنّه من باب تخطئة العرف في المصداق لا من باب الاختلاف في المفهوم.

الثاني : أن نقول إنّ للمسبّب مفهومين وبالنتيجة له مصداقان ، فقبل الشارع أحدهما وردّ الآخر فقال مثلاً : بأنّ المعاطاة عندي ليست بيعاً.

الثالث : أن نقول أنّ للمسبّب مفهوماً واحداً وله مصاديق كثيرة ولكن ردع الشارع بعض المصاديق ليس من باب التخطئة في المصداق بل من باب الإستثناء في الحكم ، فيقول مثلاً : إنّ المعاملة الربوية وإن كانت من مصاديق البيع لكنّها حرام حكماً.

ثمّ قال : فإن قلنا بالأوّل فلا يتصوّر فيه النزاع بين الصحيحي والأعمّي لدوران أمره بين الوجود والعدم دائماً ، وأمّا إذا قلنا بالثاني فيمكن تصوير النزاع في أنّ الألفاظ وضعت لخصوص المفهوم المقبول للشارع أو وضعت للأعمّ منه ، وكذلك إن قلنا بالثالث فيمكن تصوير النزاع فيه بأنّ الألفاظ وضعت لخصوص المصداق الذي لم يستثن الشارع حكمه ، أو وضعت للأعمّ منه ومن المستثنى في الحكم (١) ( انتهى ).

أقول : يرد عليه أنّ المفروض في باب المعاملات عدم وجود الحقيقة الشرعيّة بينما الصورة الثانيّة والثالثة في كلامه تستلزمانها كما لا يخفى ، لأنّه يبحث فيهما في أنّ الألفاظ في لسان الشرع وضعت لأي مصداق؟

ثمّ إنّ هيهنا كلاماً آخر للمحاضرات ذهب فيه أيضاً بجريان النزاع حتّى بناءً على وضع الألفاظ للمسبّبات ، واستدلّ له بأنّ المسبّب في باب المعاملات اعتبار قائم بنفس المعتبر ، فإنّ البيع مثلاً ملكيّة يعتبرها البائع في نفسه وهو ممّا يتصوّر فيه الصحّة والفساد لأنّه إن أمضاه العقلاء والشرع كان صحيحاً وإلاّ ففاسد (٢).

أقول : إنّ المسبّب في المعاملات ليس الاعتبار القائم بالنفس فإنّه ليس أمراً شخصيّاً فحسب بل إنّه نفس الاعتبار العقلائي الدائر بينهم كما لا يخفى ، ويكون اعتبارها بيد العقلاء ، وأهل العرف ، فإذا صدرت صيغة عقد مثلاً من بايع واعتبر العقلاء الملكيّة في موردها تتحقّق

__________________

(١) راجع نهاية الأفكار : ج ١ ، ص ٩٧.

(٢) راجع المحاضرات : ج ١ ، ص ١٩٥.

١٣٥

الملكيّة ، وإن لم يعتبروها فلا تتحقّق فيكون أمرها حينئذٍ دائراً مدار الوجود والعدم عندهم وفي اعتبارهم فلا تتّصف بالصحّة والفساد.

فظهر إلى هنا أنّ تفصيل المحقّق الخراساني رحمه‌الله متين لا غبار عليه ، نعم أنّه مربوط بمقام الثبوت.

وأمّا مقام الإثبات ومن ناحية الموضوع فهل المراد من أسامي المعاملات الأسباب أو المسبّبات؟

يمكن أن يقال إنّه إذا استعملت الألفاظ في المعنى المصدري فلا إشكال في أنّ المراد منها الأسباب فإنّها التي تعلّق بها الإيجاد أوّلاً وبالذات ، وأمّا إذا استعملت في المعنى اسم المصدري فيكون المراد منها المسبّبات ، لأنّ المسبّبات هي النتائج الحاصلة من الأسباب وتناسب المعنى اسم المصدري ، فلابدّ حينئذ من ملاحظة كيفية الاستعمال ، فتختلف أسامي المعاملات بحسب اختلاف كيفية استعمالاتها في لسان الشارع ، فالتي استعملت في الأسباب داخلة في محلّ النزاع ، والتي استعملت في المسبّبات خارجة عنه ، اللهمّ إلاّ أن يقال أنّها ظاهرة في المسبّبات دائماً لترتّب الآثار عليها بلا واسطة ، وفي موارد استعمالها بالمعنى المصدري يكون النظر إلى إيجادها من طريق التوسّل بالأسباب كما في قولك « أحرقته » فإنّه بمعنى نفس الإحراق ولو بالتوسّل بأسبابه لا نفس الأسباب والفرق بينهما واضح.

التنبيه الثاني : التمسك باطلاقات المعاملات

بناءً على جريان النزاع في باب المعاملات فهل تترتّب عليه أيضاً الثمرة المتقدّمة في العبادات فيمكن التمسّك بإطلاقات المعاملات بناءً على الوضع للأعمّ دون الوضع للأخصّ أو لا تترتّب؟

قد يقال : بعدم ترتّبها لجواز التمسّك بالاطلاقات حتّى على القول بالصحيح لما مرّ من أنّ الصحيح في باب المعاملات هو الصحيح عند العقلاء ، وأنّ المعاملات امور عرفيّة عقلائيّة وليست من الماهيات المخترعة من قبل الشارع المقدّس ، إذاً تكون تلك الإطلاقات مسوقة لإمضاء المعاملات العرفيّة العقلائيّة ، فالصحيحي أيضاً إذا شكّ في دخالة قيد من جانب الشارع في عقد من العقود ، وكان ذلك العقد صحيحاً عند العرف والعقلاء بدون ذلك القيد يمكن له أن يتمسّك بإطلاق « اوفوا بالعقود » مثلاً لنفي ذلك القيد ويثبت به عدم اعتباره شرعاً.

١٣٦

وذهب المحقّق النائيني رحمه‌الله إلى تفصيل في المقام وقال : « لو قلنا بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة بإزاء الأسباب فلا ينبغي الإشكال في صحّة التمسّك بالمطلقات ولو قلنا بأنّها موضوعة للصحيحة ، لأنّ الإطلاق يكون منزلاً على ما يراه العرف صحيحاً ، وأمّا إذا قلنا بأنّها موضوعة للمسبّبات فيشكل الأمر لأنّ إمضاء المسبّب لا يلازم إمضاء السبب.

وما يقال في حلّه من أنّ إمضاء المسبّب يلازم عرفاً إمضاء السبب إذ لولا إمضاء السبب كان إمضاء المسبّب لغواً ، فليس بشيء ، إذ لا ملازمة عرفاً في ذلك ، واللغويّة إنّما تكون إذا لم يجعل الشارع سبباً أو لم يمض سبباً أصلاً إذ لا لغويّة لو جعل سبباً أو أمضى سبباً في الجملة ، غايته أنّه يلزم حينئذ الأخذ بالمتيقّن ( والاحتياط في الباقي ) فلزوم اللغويّة لا يقتضي إمضاء كلّ سبب بل يقتضي إمضاء سبب في الجملة ».

ثمّ إنّه لمّا رأى نتيجة كلامه ـ وهي عدم إمكان التمسّك بشيء من الإطلاقات الواردة في باب المعاملات ـ خلاف سيرة الفقهاء ، تصدّى من طريق آخر لحلّ الإشكال وقال : « فالتحقيق في حلّ الإشكال هو أنّ باب العقود والايقاعات ليست من باب الأسباب والمسبّبات ، وإن اطلق عليها ذلك بل إنّما هي من باب الإيجاد بالآلة ، والفرق بين باب الأسباب والمسبّبات وبين باب الإيجاد بالآلة هو أنّ المسبّب في باب الأسباب ليس فعلاً اختياريّاً للفاعل بحيث تتعلّق به إرادته أوّلاً وبالذات بل الفعل الاختياري وما تتعلّق به الإرادة هو السبب ويلزمه حصول المسبّب قهراً ، وهذا بخلاف باب الإيجاد بالآلة فإنّ ما يوجد بالآلة كالكتابة هو بنفسه فعل اختياري للفاعل ومتعلّق لارادته ويصدر عنه أوّلاً وبالذات فإنّ الكتابة ليست إلاّعبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص وهذا بنفسه فعل اختياري صادر عن المكلّف أوّلاً وبالذات بخلاف الإحراق فإنّ الصادر من المكلّف هو الإلقاء في النار لا الإحراق ، وباب العقود والايقاعات كلّها من قبيل الإيجاد بالآلة فإنّ هذه الألفاظ كلّها آلة لايجاد الملكيّة والزوجيّة والفرقة وغير ذلك ، وليس البيع مثلاً مسبّباً توليديّاً لهذه الألفاظ بل البيع بنفسه فعل اختياري للفاعل متعلّق لارادته أوّلاً وبالذات ، ويكون إيجاده بيده ، فمعنى حلّية البيع هو حلّية إيجاده ، فكلّ ما يكون إيجاداً للبيع بنظر العرف فهو مندرج تحت إطلاق قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) والمفروض أنّ العقد بالفارسيّة مثلاً يكون مصداقاً لايجاد البيع بنظر العرف ، فيشمله إطلاق حلّية البيع ، وكذا الكلام في سائر الأدلّة وسائر الأبواب ، فيرتفع موضوع الإشكال ، إذ مبنى الإشكال هو تخيّل أنّ المنشئات بالعقود من قبيل

١٣٧

المسبّبات التوليديّة فيستشكل فيه من جهة أنّ أمضاء المسبّب لا يلازم إمضاء السبب ، والحال أنّ الأمر ليس كذلك ، فتأمّل في المقام جيّداً » ( انتهى مع تلخيص في بعض كلماته ) (١).

وفيما ذكره إشكال من جهتين :

الجهة الاولى : ما ذكره من عدم كون الأفعال التوليديّة فعلاً للإنسان أوّ : وبالذات ... ـ إن أراد أنّه لا يمكن تعلّق الحكم أو إرادة المولى به فهو ممنوع قطعاً ، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور واقعاً ويمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة به ، وإن أراد غير ذلك فهو غير مضرّ بالمقصود.

الجهة الثانيّة : ما ذكره من كون الإنشاء والعقد من قبيل الآلة لا من قبيل الأسباب التوليديّة فهو أيضاً ممنوع أشدّ المنع ، فإنّ الآلة إنّما تكون في موارد يكون للمكلّف فعل بنفسه سوى ما يتحقّق بالآلة كما في الكتابة ، فإنّ للكاتب هناك فعلاً ، وهو حركة اليد ، وللآلة أثراً وهو ترسيم السطور ، ولكن في باب المعاملات ليس كذلك ، فليس للبائع فعل سوى إنشاء البيع ( والمراد بالإنشاء ليس مجرّد ذكر الألفاظ بل الألفاظ مع القصد ) وأمّا الملكيّة العقلائيّة أو الشرعيّة فهي من آثار الإنشاء الجامع للشرائط ، وإن هو إلاّكالإحراق الذي يتوسّل به الإنسان من طريق الإلقاء في النار وليس للمحرق فعل مباشرة إلاّ الإلقاء كما أنّه ليس هنا للبائع فعل مباشرة إلاّ الإنشاء.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ التمسّك بالاطلاقات في أبواب المعاملات لا مانع منه ، سواء قلنا بوضع الألفاظ للأسباب أو للمسبّبات ، وسواء قلنا بوضعها للصحيح أو للأعمّ.

بقي هنا أمران :

الأوّل : أنّه لو فرض عدم وجود إطلاقات لفظيّة في البين أمكن التمسّك بالاطلاق المقامي ، لأنّ الشارع المقنّن الذي يكون في مقام التقنين والتشريع قد لاحظ المعاملات الرائجة بين العرف والعقلاء ثمّ شرع أحكامه وحينئذٍ لو كان لشيء دخل فيها بعنوان الجزء أو الشرط كان

__________________

(١) راجع فوائد الاصول : ج ١ ، ص ٨٠ ـ ٨٢ ، طبع جماعة المدرّسين.

١٣٨

عليه بيانه ولوصل إلينا ، وحيث إنّه لم يصل إلينا شيء نستكشف عدم دخل ذلك الشيء.

الثاني : أنّه لو فرض عدم وجود إطلاق لا لفظي ولا مقامي أمكن التمسّك بالسيرة العقلائيّة الجارية على اعتبارهم للمعاملات الرائجة بينهم التي كانت بمرأى ومسمع من الشارع ويستكشف إمضاؤه لها من سكوته وعدم ردعه.

التنبيه الثالث : في دخول الشرائط في محلّ النزاع وعدمه

وقد مرّ البحث عنه في الأمر الرابع من الامور المبحوثة عنه بعنوان المقدّمة ولكن نكرّره هنا على شكل أوسع تأسّياً بالأعاظم.

قال المحقّق الخراساني رحمه‌الله ما حاصله : إن دخل شيء في المأمور به على أربعة أقسام :

فتارةً يكون بعنوان الجزئيّة فيكون دخيلاً في قوام الماهية كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصّلاة.

واخرى بعنوان الشرطيّة فيكون التقيّد داخلاً في الماهية والقيد خارجاً نحو الطهارة بالنسبة إلى الصّلاة.

وثالثة يكون دخيلاً بعنوان الجزئيّة في فرد من أفراد الماهيّة نحو القنوت الذي يكون جزء للفرد الأفضل من الصّلاة.

ورابعة يكون شرطاً للفرد ، نحو إتيان الصّلاة مع الجماعة الذي يكون شرطاً للفرد الأفضل ( انتهى ).

ويمكن تصوير قسم خامس وإن لم يكن محلاً للبحث ، وهو ليس من باب دخل شيء في شيء بل من باب وقوع واجب في واجب أو واجب في مستحبّ نحو السجدة الواجبة لتلاوة آية السجدة في أثناء الصّلاة على القول بجوازها حين الصّلاة ، واجبة كانت الصّلاة أم مستحبّة ، فإن كانت واجبة فيكون وجوب السجدة من باب وقوع واجب في واجب ، وإن كانت مستحبّة فيكون من باب وقوع واجب في مستحبّ.

ثمّ إنّه لا شكّ في عدم دخول القسم الثالث والرابع في محلّ النزاع لصدق الصّلاة وصحّتها بدونهما ، فتصحّ الصّلاة بدون الجماعة أو بدون القنوت مثلاً ، كما لا إشكال في دخول القسم الأوّل ( وهو الأجزاء ) عند الصحيحي والأعمّي معاً ، والفرق بينهما أنّ الصحيحي يقول :

١٣٩

بدخول جميع الأجزاء في الماهية ، والأعمّي يقول : بدخالة بعضها.

أمّا القسم الثاني وهو الشرائط ، فقال المحقّق الخراساني رحمه‌الله في بدو كلامه بأنّه يمكن أن يقال بعدمه ، ولكن صرّح في آخره بأنّها داخلة فيه ، وظاهره دخولها مطلقاً ، وقد يقال بعدم دخولها مطلقاً ، وقد يفصل فيها بتفاصيل عديدة : تفصيل للمحقّق النائيني ، وتفصيل ثاني للمحقّق العراقي ، وتفصيل ثالث لتهذيب الاصول ، ورابع يكون هو المختار.

أمّا القول الأوّل ، وهو دخل الشرائط مطلقاً فيمكن الاستدلال له بوجهين :

الأوّل : أنّ الجامع الذي لا بدّ من تصويره قد استكشفناه من ناحية الآثار كالنهي عن الفحشاء وغيره ، ومن المعلوم أنّها مترتّبة على الصحيح التامّ جزءً وشرطاً لا على الصحيح في الجملة ، أي من حيث الجزء فقط دون الشرط.

الثاني : أنّ الأدلّة التي أقمناها على الصحيح من التبادر ، وصحّة السلب عن الفاسد ، والأخبار المثبتة لبعض الآثار للمسمّيات ، والنافيّة للطبيعة بفقد جزء أو شرط ، وهكذا دعوى استقرار طريقة الواضعين على الوضع للمركّبات التامّة ـ كلّها ممّا تساعد الوضع للصحيح التامّ جزءً وشرطاً لا الصحيح في الجملة.

وهذان الوجهان تامّان لا غبار عليهما ولكن لا ينافيان ما سنذكره إن شاء الله من التفصيل.

ويمكن أن يستدلّ للقول الثاني وهو القول بعدم الدخالة مطلقاً بأمرين :

الأوّل : أنّ الأجزاء بمنزلة المقتضي ، والشرائط بمنزلة شرط تأثير المقتضي فتكون رتبتها متأخّرة عن رتبة الأجزاء ولا يمكن أخذها في المسمّى في عرض الأجزاء كما حكي عن شيخنا العلاّمة الأنصاري رحمه‌الله في تقريراته.

الثاني : أنّ الصّلاة من الامور القصديّة ، وكثير من الشرائط لا يعتبر فيه القصد نحو طهارة الثوب وطهارة البدن ( بل يمكن أن يقال أنّ الوضوء أيضاً من هذا القبيل لأنّه من الشرائط المقارنة للصّلاة ولا يعتبر قصدها حين الصّلاة ) ودخل الشرائط في المسمّى تستلزم تركيب الصّلاة من الامور القصديّة وغير القصديّة والمفروض أنّها برمّتها من الامور القصديّة.

أقول : ويرد على الأوّل أنّ التأخّر في الوجود بحسب المرتبة لا دخل له بالتأخّر في التسمية ، وعلى الثاني أنّا لا نسلّم كون الصّلاة أمراً قصديّاً لجميع شراشرها بل يعتبر القصد في خصوص أجزائها لا شرائطها.

١٤٠