بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٨

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٨

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-351-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٨٢٠

وأنت بعد الإحاطة بما ذكرنا ينكشف لك وجوه المناقشة فيه ؛ لأنّ الحكم بترجيح القطعي إذا عارض الظّني قد عرفت ما فيه : من عدم إمكان التّعارض بينهما حتّى يحكم بالتّرجيح.

ومنه يظهر : أنّ الظّني بأيّ معنى يراد سواء أريد منه الظّن الفعلي أو الشّأني لا يمكن أن يعارض القطعي على ما أسمعناك في طيّ المناقشة على ما ذكره الفاضل النّراقي ، فإذا أريد من إثبات التّعارض في الظّنيّين : أنّه لا يتحقّق إلاّ فيهما على ما عرفت ولو بأن يتحقّق في الشّأنيّين منهما ، أو الشّأني والفعلي في مقابل القطعيّين والقطعيّ والظّنّي فليس فيه تفكيك حتّى يختلّ معه نظم التّحرير ويتشوّش كما هو ظاهر.

وكذا الحكم بتعارض القطعيّين الشّأنيّين مع الالتزام بما أفاده في حكم تعارضهما يرجع حقيقة إلى عدم التّعارض بينهما ، إلاّ بحسب صورة البرهان فهو خارج عن حقيقة التّعارض كما هو ظاهر وهو ليس محلاّ لإنكار أحد ؛ لأنّ التّعارض الصّوري بين البراهين ممّا لا يمكن إنكاره لكن لا تعلّق به بالتّعارض المبحوث عنه في المقام إلى غير ذلك ممّا يقف عليه التأمّل في أطراف كلامه.

كلام السيّد ابراهيم القزويني في الضوابط

وقال بعض السّادة ممّن تأخّر بعد جملة كلام له في معنى التّعارض :

« ثمّ إنّهم قالوا : إنّ التّعارض لا يكون إلاّ بين الظّنيين ، وأمّا القطعيّان أو المختلفان فلا يمكن حصول المعارض بينهما. وفيه : أنّ المراد من القطعي والظّني إن كان القطعيّة والظنّيّة في الصّدور فلا ريب في جواز التّعارض في كلّ الصّور

٦١

الثّلاث من القطعيّين والظّنّيين والمختلفين ، وإن كان القطعيّة والظنّيّة في اللّب والدّلالة : فإن كان المراد قطعيّة الدّليلين أو ظنّيتهما بمعنى : أنّه لو لا أحدهما لأفاد الآخر القطع أو الظّن ـ وإن لم يكن بعد ملاحظة التّعارض قطع ولا ظنّ ـ فلا ريب في جواز التّعارض بهذا المعنى بين الكلّ أيضا. وإن كان المراد قطعيّة الدّليلين أو ظنّيتهما شخصا أي : فعلا ، فلا ريب في عدم جواز التّعارض في الكلّ.

ففي الفرضين الأوّلين لا وجه لقولهم بعدم الإمكان في القطعيّين والمختلفين ، وفي الفرض الأخير لا وجه لقولهم بالإمكان في الظّنيين ، وإن كان في القطعيّين والمختلفين الشّخصيّين وفي الظّنّيين أحد الفرضين الأوّلين فهو تفكيك خال عن الوجه ، لكنّ الظّاهر منهم : الأخير ؛ لزعمهم : أنّ ما سوى الشّخصي لا يمكن في القطع ؛ لأنّ العلّة التّامّة في القطع بعد حصولها لا يمكن التخلّف عنه بالتّعارض.

وفيه : أنّه يمكن أن يكون انتفاء أحد الدّليلين شرطا لإفادة الآخر القطع فيكونان قطعيّين طبعا ، ولا دليل على عدم جواز ذلك عقلا ، بل هو واقع في الخبر كالوارد في دية إصبع المرأة ؛ فإنّ العقل بعد سماع أنّ دية ثلاثة من إصبعها ثلاثون يقطع بأنّ دية الأربع لا تنقص عن دية ثلاث لو لا الإجماع على الرّجوع إلى عشرين أو السّماع عن الإمام عليه‌السلام كما أنّ أبان توحّش عن حكم الإمام عليه‌السلام » (١).

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٧ / ٢٩٩ باب « الرجل يقتل المرأة والمرأة تقتل الرجل وفضل دية الرجل على دية امرأة في النفس والجراحات » ـ ح ٦ ، والتهذيب : ج ١٠ / ١٨٤ باب « القود بين الرجال والنساء والمسلمين والكفار والعبيد والاحرار » ـ ح ١٦ ، عنهما الوسائل : ج ٢٩ / ٣٥٢ باب « ان دية اعضاء الرجل والمرأة سواء » ـ ح ١.

٦٢

وساق الكلام إلى أن قال :

« وظهر من ذلك جواز تعارض القطعيّين عقليّين بالطّبع إذا كان حكم العقل تبعيّا لا أصليّا ، فتلك العلّة الّتي زعموها لعدم إمكان التّعارض في القطعيّين فاسدة.

وأمّا العقليّان القطعيّان بالطّبع المستقلاّن في الحكم وكذا النّقليّان فلا دليل اجتهاديّا فيه على الجواز عقلا ، ولكن أصالة الجواز والإمكان عقلا يثبته ما لم يقم دليل على عدم الجواز عقلا.

ثمّ إنّهم قالوا بجواز تعارض الظّنّيين وعدم جواز تعارض ما عداهما ، ولا ريب أنّ التّعارض له فردان : أحدهما التّعادل ، والآخر : التّرجيح. فإن كان مرادهم من جواز تعارض الظّنيين جوازه بكلا قسميه ، ومن عدم الجواز في القطعيّين والمختلفين عدم جوازه كذلك ، ففيه : أنّ التّعارض على وجه التّرجيح يمكن في المختلفين ؛ فإنّ القطع يترجّح على الظّن عند التّعارض ، وإن سلّمنا عدم جواز التّعارض مطلقا في القطعيّين للزم خروج العلّة التّامّة عن كونها علّة تامّة في الصّورتين من التّعارض أي التّعادل والتّرجيح ، إذ في الأوّل : يلزم خروج كلتا العلّتين في الدّليلين عن العلّيّة التّامّة ، وفي الثّاني : يلزم خروج علّة المرجوح عن العلّيّة. وأمّا المختلفان فلا يلزم إبطال العلّة عند التّرجيح القطعي.

وإن كان مرادهم من جواز التّعارض في الظّنيين المصرّح به التّعادل لكون جواز التّرجيح في الظّنيين بديهيّا وواقعيّا فلا حاجة إلى التّصريح به ، ومن عدم جوازه في غيرهما كذلك ، أي : عدم جوازه بطريق التّعادل ، ففيه : أنّ في القطعيّين لا يجوز على مذاقهم التّرجيح أيضا ، وكذا لا يجوز في المختلفين بترجيح المقطوع على المظنون فلم صرّحوا بعدم جواز التّعادل في غير الظّنيين ولم يصرّحوا بعدم

٦٣

جواز التّرجيح مطلقا في القطعيّين وفي الجملة في المختلفين؟ وما الوجه في حصرهم عدم جواز التّعارض في غير الظّنّيين (١) »؟ انتهى كلامه رفع مقامه.

المناقشة في كلام صاحب الضوابط

ولا يخفى أنّ فيه مواقع للنّظر والتّأمّل.

أمّا أوّلا : فلأنّ التّرديد في الدّليل القطعي بين كونه قطعيّا باعتبار بعض الجهات ، أو كونه قطعيّا باعتبار المفاد والمدلول ممّا لا معنى له ؛ لأنّ الدّليل القطعي لا يكون قطعيّا على ما أسمعناك ، إلاّ بالاعتبار الثّاني الّذي لا ينفكّ عن قطعيّة جميع جهاته من الصّدور وجهته والدّلالة.

وأمّا ثانيا : فلأنّه لا معنى لقوله : ( فهو تفكيك خال عن الوجه ) بعد وضوح الوجه ؛ حيث إنّ الدّليل القطعي عندهم ما كان اعتباره ذاتيّا لأجل حصول القطع منه وهو الّذي قضى البرهان العقلي بعدم إمكان تعلّق الجعل به على ما أسمعناك في طيّ مباحث القطع ، وأمّا ما يفيد القطع نوعا وإن انفكّ عنه في خصوصيّات المقامات من جهة الموانع فقد عرفت : أنّ اعتباره يتوقّف على قيام الدّليل الشّرعي عليه في مورد الانفكاك فيصير حينئذ كالدّليل الظّني في توقّف اعتباره على قيام الدّليل عليه.

ومثل هذا كما ترى ، غير متحقّق لنا في الأدلّة مع أنّه على فرض وجوده لا بدّ

__________________

(١) ضوابط الأصول للعلاّمة الفقيه المتبحّر السيّد ابراهيم القزويني قدس‌سره المتوفى سنة ١٢٦٢ ه‍.

كتبه تقريرا لأبحاث الأصوليّ النحرير شريف العلماء المازندراني قدس‌سره.

٦٤

أن يتقيّد بصورة انفكاك القطع منه ؛ إذ الجعل على وجه الإطلاق لا يجامع عدم إمكان تعلّق الجعل بالقطع ، وهذا بخلاف الدّليل الظّني ؛ فإنّ أكثر الأدلّة الظّنية ، بل كلّها معتبرة عند المشهور من باب الظّن النّوعي المطلق فلا ضير في إطلاق القول : بأنّ التّعارض في الظّنّيين هذا.

مضافا إلى ما أسمعناك في المراد من وقوع التّعارض فيهما ومن وقوعه في الظّنّيين في الجملة في قبال القطعيّين والمختلفين وكون محلّه منحصرا فيهما. وهذا كما ترى ؛ لا يلازم وقوعه في جميع أقسام الظّنيين وعليه لا يلزم تفكيك أصلا.

وأمّا ثالثا : فلأنّه لا معنى لقوله في الاستدراك : ( لكن الظّاهر منهم الأخير لزعمهم ... إلى آخره ) إذ الزّعم المذكور لم يعهد من أحد ؛ إذ لم يدّع أحد أنّ كلّما يفيد القطع لا بدّ وأن يفيده دائما كيف؟ وقد أطبقوا على اشتراط عدم سبق ذهن السّامع بالشّبهة في حصول القطع من التّواتر فليس الوجه إلاّ ما عرفت في بيان التّفكيك.

وأمّا رابعا : فلأنّه لا معنى لما ذكره من وقوع التّعارض في الجملة بين القطعي والظّني لما عرفت : من تقييد الدّليل الظّني ظنّا أو اعتبارا بعدم قيام الدّليل القطعي على الخلاف ، والتّرجيح فرع التّعارض الغير المجامع عقلا مع أخذ أحد القيدين المذكورين كما هو واضح إلى غير ذلك ممّا يتوجّه عليه ممّا يقف عليه المتأمّل فيما ذكرنا وفي أطراف ما ذكره.

٦٥

كلام السيّد المجاهد في المفاتيح

وقال سيّد مشايخنا في « المفاتيح » بعد نقل جملة من كلماتهم المتعلّقة بالمقام ما هذا لفظه :

« والتّحقيق في المسألة عندي أن يقال : إن كان مراد القائلين بجواز وقوع تعادل الظّنين المتعارضين : أنّه يصحّ أن يتعارض الدّليلان الظّنيّان بحيث لا يترجّح أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه ، ويكون كلّ منهما مؤثّرا في حصول الظّن بالفعل بحيث يحصل له في زمان واحد ظنّان يتعلّق كلّ واحد بأحد الضّدّين ، فهو باطل قطعا ؛ لاستحالة ذلك عقلا ؛ لأنّ الظّن من الكيفيّات النّفسانيّة ويستحيل التّكليف بالمتضادّين في آن واحد ، ولذا لا يمكن وقوع التّعارض بين القطعيّين وحصول القطعيّين المتنافيين في آن واحد.

وإن كان مرادهم جواز وقوع تعادل الدّليلين اللّذين من شأنهما إفادة الظّن وإن لم يفيداه حين التّعارض فهو جيّد ، لكن يمكن أن يقال بمثل هذا في القطعيّين ، إلاّ أن يقال : الدّليل القطعي لا يمكن فرض وجوده منفكّا عن إفادة القطع ؛ لأنّه علّة لها ولازمة لذاته كالزّوجيّة والأربع كما أشار إليه في « المنية » ، وهو في غاية الوضوح في الدّلائل القطعيّة البرهانيّة كالأشكال الأربعة ، ولذا لا يجوز تعارضها ولا كذلك الدّلائل الظّنية ؛ فإنّه يجوز وجودها منفكّة عن إفادة الظّن ؛ لأنّها إنّما يفيد الظّن بمحض العادة لا بغيرها ، ولذا يجوز تعارضها وهو حسن في كثير من الأدلّة المفيدة للقطع ، وأمّا ما يفيد القطع بحسب العادة كالحدسيّات والتّجربيّات

٦٦

فلا يتوجّه فيه ما ذكر ، فينبغي الحكم بجواز وقوع التّعارض بين الدّليلين منه فتأمّل » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال بعد ذلك ما هذا لفظه :

« وهل يجوز للشّارع أن ينصب للمكلّف دليلين ظنّيين متكافئين من جميع الجهات؟ فيه إشكال (٢) ». انتهى كلامه.

والإشكال الّذي ذكره أخيرا مبنيّ على ما ذكره بعض في التّعادل : من منعه بين الظّنيين بعد قبول وقوع التّعارض بينهما ، وهو وإن كان ضعيفا ؛ لأنّ حكم الشّارع بالتّخيير بين الخبرين المتكافئين على ما هو المسلّم عند المستشكل ، وكذا حكمه بتخيير العامي في تقليد المتكافئين من المجتهدين ينافي الإشكال المذكور ـ كما هو واضح ـ إلاّ أنّ الكلام فيه متعلّق بالتّعادل ، ولعلّنا نتكلّم فيه إن شاء الله تعالى.

فقد تبيّن من مطاوي ما ذكرنا كلّه من أوّل المسألة إلى هنا : أنّ مورد التّعارض الدّليلان الظّنّيان إذا كانا في مرتبة واحدة سواء كانا آيتين أو سنّتين أو خبرين أو مختلفين إذا لم يكن التّعارض على وجه يوجب عدم حجّيّة أحدهما بالخصوص ، كما في الخبر المخالف للكتاب والسّنة على وجه التّباين الكلّي ؛ فإنّه ليس بحجّة نصّا وفتوى كما أسمعناك عند التّكلّم في حجّيّة الأخبار وسنشير إليه ، اللهمّ إلاّ أن يقال بخروج الفرض عن تعارض الظّنيين ؛ فإنّه إن لم يحتمل التّأويل

__________________

(١) مفاتيح الأصول : ٦٨٢.

(٢) نفس المصدر بالذات.

٦٧

في الآية فيما خالفها الخبر فيكون نصّا وقطعيّا من جميع الجهات بالفرض ، وإن احتمل التّأويل فيها وإرادة ما يجامع ظاهر الخبر المخالف لها فيدخل في عنوان تعارض الخبر لظاهر الكتاب ، ولا دليل على عدم حجّيّته وإن كانت النّسبة المنطقيّة التّباين فتأمّل.

كيفيّة جريان الورود والحكومة في الأصول اللفظيّة

ثمّ إنّك قد عرفت من مطاوي ما ذكرنا المراد من قول شيخنا في « الكتاب » ( والفرق بينه وبين المخصّص ... إلى آخره ) (١) ، وأنّ محلّ هذا الكلام فيما كان الخاص ظنّيّا بحسب الدّلالة حتّى يدخل الفرض في تعارض الظّاهرين لكي يكون تقديم الخاصّ على العامّ من باب التّرجيح بضميمة حكم العقل بعدم جواز صدور المتنافيين عن الحكيم ، فلا بدّ من التّصرّف في أحد القولين وجعل الآخر قرينة له إذا كان صالحا للقرينيّة ، ومن هنا قد يقدّم العامّ على الخاصّ إذا كان أقوى منه فقرينيّة الخاصّ بحكم العقل بملاحظة الدّوران والتّرجيح ، وهذا بخلاف الحاكم فإنّ تقديمه على المحكوم ذاتي غير مستند إلى الدّوران والتّرجيح فلا ينافي قوله بعد ذلك ( ثمّ إنّ ما ذكرنا من الحكومة والورود ... إلى آخره ) (٢) فإنّ مورده ومحلّه الخاصّ القطعي بحسب الدّلالة. وبعبارة أخرى : الخاصّ الّذي يكون نصّا وإن كان ظنّيّا من سائر الجهات كما يفصح عنه كلماته فلا تنافي بين الكلامين أصلا.

كما أنّك عرفت من مطاويه الوجه فيما أفاده بقوله : ( ثمّ إنّ ما ذكرنا من

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٤ / ١٤ ـ وفيه : والفرق بينه وبين التخصيص.

(٢) فرائد الأصول : ج ٤ / ١٥ ـ وفيه : من الورود والحكومة.

٦٨

الورود والحكومة جار في الأصول اللّفظيّة أيضا ) (١) فإنّ حال الأصول اللّفظيّة من حيث كونها تعليقيّة ويعمل بها عند الشّك في المراد وعدم قيام القرينة على خلافها حال الأصول العمليّة ، وإن فارقتها : من حيث جريانها في كلام الشّارع وقوله الّذي هو دليل على حكمه ، ومن هنا تكون مقدّمة عليها وإن قيل بكون مبناها على التّعبّد ، كما ربّما يظهر من بعضهم في باب الاستصحاب حيث عمّمه للأصول اللّفظيّة كأصالة عدم التّخصيص والتّقييد والقرينة مع ابتنائه على الأخبار والتّعبّد ، وإن كان ضعيفا على ما عرفته في الجزء الثّالث من التّعليقة.

ومن هنا قد يقال بتقديمها على الأصول العمليّة وإن قيل بها من باب الظّن كما يظهر من صاحبي « المعالم » و « الزّبدة » ( قدّس أسرارهما ) على القول بالأصول اللّفظيّة من باب التّعبّد على أحد الوجهين ، وإن كان القول به مطلقا وخصوص التّعبّد العقلائي في غاية الضّعف والسّقوط.

فإذا كانت حال الظّواهر حال الأصول العمليّة من الجهة المزبورة فلا إشكال في ورود ما يقابلها عليها إذا كان قطعيّا سواء كان من مقولة اللّب كالإجماع مثلا ، أو اللّفظ كالخاصّ اللّفظي القطعي صدورا وجهة ودلالة مثلا ؛ فإنّ العمل به ورفع اليد عن أصالة العموم من باب وروده عليها على جميع الأقوال في مبنى اعتبار الظّواهر ، فالعمل بالنّص القطعي في مقابل الظّاهر من باب الورود لا محالة.

وأمّا إذا لم يكن قطعيّا وكان نصّا بحسب الدّلالة وظنّيّا بحسب إحدى الجهتين الآخرتين ، أعني : الصّدور أو جهته ، فإن كان مبنى اعتبار الظّاهر المقابل

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ١٥.

٦٩

على الظّن الشّخصي ـ على ما ذهب إليه بعض الأفاضل ممّن تأخّر حسبما عرفت في الجزء الأوّل من التّعليقة ـ فلا إشكال في خروجه عن موضوع التّعارض على ما أسمعناك سابقا ؛ فإنّ عدم حصول الظّن الشّخصي بالمراد من الظّاهر أو ارتفاعه ـ ولو من جهة قيام الأمارة الغير المعتبرة على خلافه موجب لعدم حجّيّة من جهة عدم وجود مناط حجّيّته واعتباره ، ولو جعل مجرّد ارتفاعه بواسطة قيام النّص على الخلاف ورودا مسامحة لم يكن به بأس.

وكذا إذا كان مبناه على الظّن النّوعي المقيّد بعدم قيام مطلق الظّن على الخلاف ولو لم يكن معتبرا أو التّعبّد المقيّد كذلك. وإن كان مبناه على أحدهما مقيّدا بعدم قيام الدّليل المعتبر على الخلاف ولو لم يكن قطعيّا فيكون النّص واردا عليه ، وإن كان مبناه على الظّن النّوعي أو الظّهور العرفي الأخصّ من الظّن النّوعي المطلق والأعمّ من المقيّد منه ومن الظّن الشّخصي على ما عرفت في الجزء الأوّل من التّعليقة عند الكلام في حجّيّة الظّواهر أو التّعبّد من غير تقييد بشيء لا وجودا ولا اعتبارا لا عرفا ولا شرعا في شيء من هذه الوجوه فيكون مناط الاعتبار هو الكشف عن المراد لو خلّي وطبعه عند الشّك في إرادة الظّاهر ، وخلافه على القول بإناطة الاعتبار بالكشف والظّن سواء كان مستندا إلى الوضع : من حيث غلبة إرادة المعنى الموضوع له من الألفاظ ، أو إليه بملاحظة عدم قيام القرينة المعتبرة على الخلاف : من حيث إنّ الثّابت كون الوضع مقتضيا للظّهور لا علّة تامّة له فيكون الوضع جزءا للسّبب ، بل على القول بكون القرينة مانعة لا بدّ من دخل عدمها في العلّة التّامّة للظّهور ـ فتدبّر ـ فيكون النّص حاكما عليه في هذه الصّورة ؛ من حيث إنّ الأخذ بالظّاهر في هذا الفرض أي : مع قيام النّص على إرادة خلاف الظّاهر

٧٠

الصّالح للقرينيّة لا بدّ أن يستند إلى احتمال عدم الصّدور مثلا.

فإذا حكم الشّارع بالصّدور وعدم الاعتناء باحتمال عدم صدوره فلا محالة يكون دليل التّعبّد بالصّدور حاكما وشارحا لما دلّ على وجوب العمل بالظّاهر عند احتمال إرادته وعدم قيام القرينة على خلافه ، فهو حاكم على الدّليل الشّرعي الدّال على حجّيّة الظّواهر ولو بعنوان إمضاء الطّريقة العرفيّة وبمنزلته بالنّسبة إلى بناء أهل العرف واللّسان.

وإن شئت قلت : إنّ معنى حكم الشّارع بعدم الاعتناء باحتمال عدم صدور النّص جعله قرينة للظّاهر وعدم الاعتناء باحتمال عدم وجود القرينة وهو الرّجوع إلى الظّاهر في حكم الشّارع لو لا حكمه بعدم الاعتناء ، فتقديم النّص على الظّاهر في الفرض ليس كتقديم الأظهر على الظّاهر عند العرف من حيث رجوعه إلى التّرجيح بقوّة الظهور مع وجود التّعارض وإن كان لبنائهم موضوعيّة في حقّنا ، بل جهته الحكومة والتّقدم الذّاتي فيخرج عن موضوع التّعارض والتّنافي على ما عرفت : من عدم صدق المعارض على الشّارح للدّليل الآخر فيكون تقديم النّص على الظّاهر كتقديم الدّليل الاجتهادي الظّني على الأصل الشّرعي المعمول به عند الشّك في الواقع والاحتمال ، وإن زعم بعض معاصرينا فيما أملاه في المسألة الفرق بينهما فجعل الأوّل من التّعارض والثّاني خارجا عنه بزعم اختلاف المحمول في الأصل والدّليل ، لكنّك قد عرفت ضعفه ولعلّنا نتكلّم فيه زيادة على ما عرفت بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر لك : الوجه في قول شيخنا قدس‌سره : ( هذا كلّه على تقدير

٧١

كون أصالة الظّهور من حيث أصالة عدم القرينة (١) ، وأمّا إذا كان من جهة الظّن النّوعي الحاصل ... إلى آخره ) (٢) فإنّ إثبات قرينيّة النّص إنّما هو بحكم الشّارع الرّاجع إلى إيجابه عدم الاعتناء باحتمال عدم الصّدور المسبّب عنه الشّك في قرينيّة النّص ، وهذا بخلاف كون حجّيّة الظّهور النّوعي مقيّدا بحسب الاعتبار عند العرف والعقلاء بعدم وجود الظّن المعتبر على الخلاف.

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى ان أصالة الحقيقة وعدم القرينة أصلان مستقلاّن ، يحتاج تارة إلى كليهما كما اذا شك في نصب القرينة وعلى تقدير الأعم في إرادة المعنى الحقيقي لاحتمال عدم إرادته مع ذلك لحكمة مقتضية لذلك.

وأخرى : إلى أصالة الحقيقة دون الأخرى كما إذا علم عدم نصبها ومع ذلك شك في إرادته لما ذكر وثالثة : إلى أصالة عدم القرينة كما إذا شك في النصب مع القطع بعدم إرادته لو فرض عدم النصب.

اذا عرفت هذا فقد ظهر لك انه لا وجه للترديد في اعتبار أصالة الحقيقة بين أن يكون من حيث أصالة عدم القرينة ، أو من حجّية الظن النوعي.

نعم ، قد وقع الخلاف بينهم في حجّيتها من باب التعبّد ، أو من باب الظن النوعي أو غير ذلك فافهم واستقم » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٣٣.

(٢) فرائد الأصول : ج ٤ / ١٦.

٧٢

* قاعدة الجمع

* شرح الفاظها وما هو المراد بها

* مدرك القاعدة

* صور التعارض

* أدلة الصدور حاكمة على أدلّة الظهور

* تنبيهات القاعدة

٧٣
٧٤

* قاعدة الجمع

(٣) قوله قدس‌سره : ( وقبل الشّروع في حكمهما لا بدّ من الكلام في القضيّة المشهورة (١) ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٤ / ١٩ )

__________________

(١) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« هذه القضية مشهورة بين الفقهاء والأصوليّين لا سيما المتقدمون منهم وقد نسبها المحقق القمى رحمه‌الله الى العلماء من دون نقل خلاف فيها مؤذنا بدعوى الاتفاق عليها قال : ( قالوا :

ان العمل بهما من وجه أولى من اسقاط أحدهما بالكلية ) وأرسل القول بأولوية الجمع من دون تعرّض للخلاف أيضا العلامة في « التهذيب » والسيد عميد الدين في « المنية » والشهيد الثاني في « تمهيد القواعد » بحيث يشعر بكونها من المسلّمات فيما بينهم بل قد ادعى الشيخ ابن أبى جمهور الأحسائي عليه الاجماع كما نقله عنه المصنف رحمه‌الله » إنتهى. انظر أوثق الوسائل : ٥٩١.

(٢) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« المراد بالأولويّة هنا إنّما هو التعيين ، لا الرجحان المطلق ، ومنه قوله تعالى ـ : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) [ الأحزاب : ٦ ].

والكلام في الجمع بين الخبرين هنا انما هو بالنظر الى صدورهما.

والمراد بالجمع : البناء على صدور كليهما ، وفرضهما كمقطوعي الصدور ، والتصرّف في متنهما.

وبالطرح : البناء على عدم صدور أحدهما والأخذ بسند الآخر ودلالته إمّا لمرجّح أو من باب

٧٥

__________________

التخيير.

ومحل النزاع في هذه القاعدة : إنّما هو فيما اذا كان الخبران كلاهما ظاهرين من حيث الدلالة.

وأما اذا كان أحدهما نصا أو اظهر أو كان كلاهما نصين فلا نزاع ، بل المتعيّن على التقديرين الأوّلين هو الجمع والتصرف في دلالة الظاهر ، وفي الأخير هو الطرح لمرجّح إن كان له مرجّح وقلنا بوجوب الأخذ به ، والا فيؤخذ بأحدهما تخييرا.

ثم ان الكلام في هذه القاعدة خارج عن مسألة التعادل والترجيح الموضوعة لها هذه الرسالة ؛ فان النزاع هذه القاعدة صغروي بالنسبة اليها ؛ حيث أنها على تقدير اعتبارها ولزوم الأخذ بها ترفع التعارض المتحقق بين الخبرين الظاهرين من حيث الصدور ، فيخرجهما عن مورد الكلام في المسألة المذكورة ، فيختص مورد المسألة بالنصين من الخبرين المتعارضين ؛ حيث إن شيئا منهما غير قابل للتأويل في دلالته ، وعلى تقدير عدم اعتبارها فلا ، بل يدخل موردها في المسألة المذكورة » إنتهى.

انظر تقريرات المجدد الشيرازي : ج ٤ / ١٩٥.

* وقال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس سره :

« المراد بالأولويّة معنى اللزوم والتعيّن كما في قوله تعالى : ( أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) [ الاحزاب : ٦ / الانفال : ٧٥ ] لا معنى التفضيل ، ولذا قال في « التهذيب » : « وان أمكن العمل بكلّ واحد منهما من وجه دون وجه تعيّن ».

وبالجمع بحسب الدلالة بعد الأخذ بسندهما كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله.

وحكمهم بأولوية الجمع أعم ممّا كان الجمع محتاجا إلى التصرّف في ظاهر كلّ واحد منهما أو أحدهما غير المعيّن ، أو أحدهما المعيّن.

وبعبارة أخرى : انه أعمّ ممّا كان محتاجا إلى شاهدين في الجمع كما في المتباينين أو إلى

٧٦

__________________

شاهد واحد كالعامّين من وجه أو لم يحتج اليه أصلا كالعام والخاص مطلقا.

وحاصل المقصود : ان الجمع في هذه الموارد أولى من اطرح بالمعنى الذي أشار إليه المصنّف رحمه‌الله فهنا مقامات ثلاثة يشملها إطلاق كلماتهم في بيان القاعدة منها : ما هو مقطوع بكونه من مواردها ، ومنها : ما هو مقطوع بعدم كونه منها ، ومنها : ما هو مشكوك الحال » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٥٩١.

* وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس سره :

« ظاهرهم : أن المراد بالدليلين ما يقابل الأمارات الجارية في الموضوعات كخبرين أو آيتين ونحوهما لا مثل البينتين ويدين ونحوهما ، إلاّ أنه يظهر من الشهيد الثانى رحمه‌الله في « تمهيد القواعد » أن مورد القاعدة أعم حيث جعل من فروع القاعدة تعارض البينتين وسيأتى توضيحه.

ثم لا يخفى أن ظاهرهم أن المراد من الجمع انما هو الجمع بحسب الدلالة بأن يصرف أحدهما عن ظاهره الى ما لا ينافى الآخر أو يتصرف في كليهما بحيث لا يتنافيان كما في العام والخاص أو العامين من وجه ، لا أنه يعمل بأحدهما في بعض مدلوله وبالآخر في البعض الآخر مع عدم التصرف في واحد منهما كما فى البينتين ، فان معنى الجمع فيه ليس بتصرف في لفظ احدى البينتين بأنه أراد من قوله : ان الدار لزيد ، كون نصفه له والاخرى بأن قوله : انه لعمرو ، كون نصفه الآخر لعمرو ، بل معناه : أنه يعمل بقول كل منهما في نصف ما شهدتا عليه ولا يعمل في النصف الآخر.

ولا يخفى أن النسبة بين الجمع الدلالي والعملي التباين مفهوما والعموم من وجه موردا ، اذ قد يكون الجمع الدلالي ممكنا دون العملي كما لو ورد أمر بشيء في خبر والنهي عنه في آخر ؛ فانه يمكن فيه الجمع بحمل الأمر على الرخصة والنهي على الكراهة ، ولا يمكن الجمع في العمل مع عدم تصرّف في الدلالة ، وقد يكون بالعكس كما اذا كان المتعارضان نصين في

٧٧

__________________

مدلولهما فلا يمكن التصرّف في الدلالة ، ويمكن الجمع العملي بأخذ بعض مدلول كل منهما ، وقد يمكن الجمع بكلا الوجهين كما في قوله عليه‌السلام : « ثمن العذرة سحت » [ الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ـ ح ١ ( باختلاف يسير ] ، و « لا بأس ببيع العذرة » [ الوسائل ١٧ : ١٧٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٤٠ ـ ح ٣ ] فيمكن التصرف بحسب الدلالة بأن يقال : المراد من الأوّل عذرة غير المأكول ومن الثانى عذرة مأكول اللحم ، ويمكن ابقاؤهما على ظاهرهما ويعمل في كل منهما ببعض مدلوله.

ثم ان الدليلين أعم من ظنيي السند وقطعيي السند كآيتين أو خبرين متواترين ، فان قاعدة الجمع لو تمت جارية في الكل ، وتخصيص صاحب « العوالي » باجراء القاعدة في خصوص الحديثين لعله من جهة كون بحثه في تعارض الأخبار ولا يريد الاختصاص.

ثم ان الجمع بين الدليلين قد يكون بحمل الظاهر على النص أو الأظهر مما يساعده فهم العرف لا يحتاج الى شيء من الخارج ، وقد يكون جمعا بشاهد كما اذا ورد أن العاري يصلي قائما مؤميا ، وورد أيضا أن العاري يصلي جالسا فانهما بحيث لا يعرف العرف وجه جمع بينهما ، لكن لو فرض أنه ورد أيضا أن العاري يصلي قائما مع الأمن من المطّلع وجالسا مع عدم الأمن صار هذا شاهدا للجمع بين الأولين بهذا التفصيل ويساعده العرف أيضا. ويمكن ارجاع هذا القسم الى القسم الأوّل بملاحظة مجموع الثلاثة ، وقد يكون جمعا بالتأويل وذلك كما اذا تعارض دليلان بالتباين وكان بحيث لو قطع بصدورهما يحكم العقل بلزوم ارادة ذلك المعنى التأويلي صونا لكلام الحكيم عن التناقض.

ثم ان ذلك المعنى التأويلي قد يكون متحدا وقد يكون متعددا بعضها أقرب من الباقى أو يكون الكل على السوية في القرب والبعد ، اذا عرفت ذلك فنقول : ان محل النزاع في القاعدة ما عدا القسمين الأولين كما لا يخفى.

ثم ان المراد من أولوية الجمع : هو اللازم المستحق نظير قوله تعالى : ( أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ

٧٨

* المراد من قاعدة الجمع وشرح ما يتعلّق بها

أقول : الكلام في المقام يقع في موضعين :

أحدهما : في المراد من القاعدة وشرح الألفاظ الواقعة فيها.

ثانيهما : في مدركها.

فنقول : المراد من « الجمع » حسبما يفصح عنه كلماتهم الأخذ بجميع جهات المتعارضين وإن أوجب التّصرّف في الدّلالة ، وإلاّ لم يكونا متعارضين ؛ فإنّ مرجع الجمع حقيقة إلى تحكيم دليل الجهتين وترجيحه على دليل اعتبار الظّاهر فطرح

__________________

أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) [ الإنفال ٨ : ٧٥ ] كما هو واضح ، نعم الجمع التبرّعي الذي يستعمله الشيخ الطوسي رحمه‌الله في كتاب « التهذيب » بعد الترجيح لبعض الأغراض الذي أشار اليه فيه فانه أولى بمعناه الحقيقي ، لكنه غير منظور اليه هنا. ثم انه يظهر من كلام « العوالى » أن أولوية الجمع بالنسبة الى الترجيح ، والأظهر أنه ان تمت القاعدة يحكم بأولوية الجمع على كل ما يلزم على تقدير عدم الجمع من التساقط والتخيير العقلى والشرعي أو الترجيح العقلي أو التعبدي.

ثم لا يخفى أن الجمع لا ينحصر في التخصيص بل أعم منه ومن التقييد والمجاز والنسخ والاضمار كل بحسب ما يقتضيه مورده ، بل الحمل على التقية أيضا من وجوه الجمع لو فرض كون أحد المتعارضين موافقا للعامة فانه كما يمكن الجمع بحمل أحد المتعارضين على الضرورة من غير جهة التقية والآخر على حال الاختيار ، كذلك يجمع بحمل ما يوافق العامة على التقية فانها من أفراد الضرورة وأىّ ضرورة أعظم منها؟ » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٣ / ٤٤٥ ـ ٤٤٨.

٧٩

الظّاهر بقرينة الأظهر داخل في الجمع.

ومنه يظهر : عدم جريان القاعدة في الآيتين المتعارضتين ، ولا في السّنّتين النّبويّين ، ولا في الخبرين القطعيّين من حيث الصّدور والجهة ؛ إذ لا دوران بين الأمرين في هذه الموارد فيتعيّن الحكم بإرادة خلاف الظّاهر منهما أو من أحدهما على التّعيين إذا كان هناك معيّن من الدّاخل أو الخارج ، أو لا على التّعيين إذا لم يكن ، فيحكم إجمالا بإرادة ما يجامع الواقع من المتعارضين وإن لم نعلمه بعينه.

ومنه يعلم تطرّق المناقشة إلى ما ذكره بعض أفاضل من عاصرناه : من جريان القاعدة في الكتاب والسّنة حيث قال ـ في طيّ الأمور الّتي ذكرها في المقام ـ : « الثّالث : أنّ الجمع كما يأتي في أخبار الآحاد الظّنية كذلك يأتي في قطعي الصّدور ، بل في آيات الكتاب أيضا من غير فرق. وفي الموضعين يحتاج إلى الدّليل ؛ لأنّ الأصل في المتعارضين التّساقط » (١). انتهى كلامه.

وهو كما ترى ، اللهمّ إلاّ أن يكون مراده جريان نفس الجمع لا القاعدة المختصّة بالأخبار الظّنية فتدبّر.

كما أنّه يظهر منه عدم جريانها في النّصين ؛ ضرورة عدم إمكان التّصرف فيهما من حيث الظّهور والتّأويل وإن أمكن الجمع بمعنى آخر وهو التّبعيض : من حيث العمل بأدلّة الصّدور مثلا ، كما يراد من الجمع بين البيّنتين في الموضوعات والطّرح في العامّين من وجه في أدلّة الأحكام ترجيحا أو تخييرا ؛ فإنّ لازم الأخذ بهما في مادّتي الافتراق مع الطّرح الصّدوري هو التّبعيض في الحكم بالصّدور

__________________

(١) بدايع الأفكار : ٤٠٩.

٨٠