بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٨

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٨

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-351-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٨٢٠

جزءا من مدلوله ومدلولا عليه بالدّلالة اللّفظيّة الوضعيّة. ومن هنا التزموا بكون التّقييد مجازا كالتّخصيص وإن لم يستعمل لفظ المطلق في المقيّد ، بل أريد من الخارج ؛ فلأنّ دلالة لفظ العام على العموم أقوى من دلالة لفظ المطلق على المعنى الإطلاقي ، وإن كان كلّ من الدّلالتين مستندا إلى الوضع.

ومن هنا ذكرنا : أنّ ألفاظ العموم مختلفة في الدّلالة عليه قوّة وضعفا مع استناد الدّلالة في الجميع إلى الوضع ، وكذا دلالة اللّفظ بالمنطوق أقوى من دلالته بالمفهوم مع كونهما بالدّلالة الوضعيّة ، وكذا الحال في اختلاف مراتب المفاهيم من حيث القوّة والضّعف مع استناد الدّلالة في الجميع إلى الوضع وهكذا.

نعم ، لو كان العموم مستندا إلى الحكمة كالمفرد المحلّى على ما ذهب إليه الشّيخ رحمه‌الله كان الإطلاق على مذهب المشهور أقوى من العموم المذكور ، كما أنّهما على مذهب السّلطان في مرتبة واحدة هذا.

وقد يستدلّ لتقديم العموم على مذهب المشهور في المطلق : بكون التّقييد أغلب من التّخصيص وإن بلغ ما بلغ حتّى قيل فيه : ما من عام إلاّ وقد خصّ.

ويضعّف بمنع كون التّقييد بالمقيّدات المنفصلة كما هو محلّ الكلام أغلب وأكثر من التّخصيص. ومن هنا تأمّل فيه في « الكتاب » وجعل الوجه فيه في حاشيته ما عرفته من منع الأغلبيّة (١).

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« وفيه تأمّل : فإنّ أقوائيّة الدلالة لا بد لها من موجب غير الوضع ، إمّا من ضعف دلالة الآخر

٢٨١

ومنها : تعارض العموم مع غير الإطلاق من الظّواهر المعتبرة ، والمعروف بينهم تقديمها هي العموم من جهة قوّتها ، وضعفه من جهة كثرة التّخصيص نوعا فيوجب ضعف دلالة العام جدّا ؛ ضرورة تطرّق الوهن إلى الدّلالة الوضعيّة إذا أريد خلافها كثيرا هذا.

وقد يتأمّل في بعضها كظهور صيغة افعل في الوجوب ؛ فإنّ استعمالها في الاستحباب أيضا شائع كما ذكره في « المعالم » (١) ، بل ذكر كون استعمالها في الاستحباب من المجازات المشهورة ، ولم يقل بذلك بالنّسبة إلى استعمال العام في الخاصّ وإن أمر بالتّأمّل فيه في « الكتاب » (٢)(٣) ؛ نظرا إلى ما أفاده في مجلس

__________________

بسبب غلبة إستعماله في المعنى المجازي أو إزدياد قوّتها المستندة إلى الوضع بكثرة استعماله فيما وضع له بحيث حصل له من أجله مزيد اختصاص ، فيوجب أقوائيّة دلالته بالنسبة إلى لفظ لم يكثر استعماله بعد فيما له وضع هذه الكثرة فلعلّ وجه الأقوائيّة اكثريّة إستعمال العام في العموم من استعمال المطلق في الإطلاق وإن لم يكن التقييد أكثر من التخصيص وفيه أيضا تأمّل » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٦٢.

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ١٥١.

(٢) فرائد الأصول : ج ٤ / ٩٩.

(٣) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« كأنّ وجه التأمل : أن كثرة التخصيص في العام أيضا على وجه قيل أنه ما من عام إلاّ وقد خص.

أقول : لا يخفى أن ما قيل معناه أنه لا يوجد شيء من العمومات أريد منه العموم بل كل واحد منها وقع التخصيص عليه ولو بمخصص عقلي لا أن كل واحد منها غلب فيه التخصيص.

٢٨٢

__________________

هذا مع أنا لو سلمنا غلبته في كل واحد منها فانما هي بملاحظة مجموع مراتب التخصيص ، لا بالنسبة الى كل واحدة منها مع عدم امكانه في نفسه ولا بالنسبة الى مرتبة خاصة ، بخلاف صيغة الأمر ؛ فان غلبة الاستعمال المجازي فيها إنّما تحققت بالنسبة الى خصوص بعض معانيها المجازية ، وهو الاستحباب ، ومن المعلوم أنه يتعين الأخذ بالغلبة في مقام الترجيح.

لكن الانصاف اندفاع ذلك : بأن الغلبة الشخصية إنّما تجدي في تعيين المراد من بين المجازات من لفظ واحد بعد ثبوت عدم إرادة الحقيقة منه كما إذا ورد ( إكرام العالم مثلا ) وعلم أنه ليس المراد اكرام مطلق طبيعة العالم بل شخص خاص منها وتردد هو بين زيد ـ الذي هو من النحويين ـ وبين عمرو ـ الذي هو من الفقهاء ـ وفرضنا ان استعمال العالم في خصوص زيد أكثر منه في خصوص عمرو مع تحقق كثرة استعماله ـ أيضا ـ في مجموع آحاد الفقهاء بحيث تساوى كثرة استعماله في زيد ، فيكون حمله على عمرو مقتضى الغلبة في نوع الفقهاء ، وحمله على زيد مقتضى الغلبة الشخصية المختصة به ، فيقدم الثانى لما مر.

لكن المفروض في المقام عدم ثبوت المجازية في خصوص شيء من العام والأمر ، مع العلم بارادة مخالف الظاهر من أحدهما اجمالا الداعي الى الالتزام بالتأويل في أحدهما ، والأمر دائر بين الأخذ من أحدهما إجمالا الداعي الى الالتزام بالتأويل في أحدهما ، والأمر دائر بين الأخذ بظهور العام والتأويل في الأمر وبين العكس ، ومن المعلوم أن المرجح في هذا المقام إنّما هو ما يوجب أظهرية دلالة العام على العموم من دلالة الأمر على الوجوب أو العكس ، ومن المعلوم أن الأظهرية إنّما هي بواسطة قلّة تصدم جهة الوضع بالاستعمال المجازى ، فكل ما قلّ استعماله في خلاف ما وضع له بالاضافة الى الآخر فهو أظهر ، من غير فرق بين أن يكون كثرة الاستعمال المجازي ـ المصادمة لجهة وضع الظاهر ـ متحققة في معنى خاص من المعانى المجازية أو في ضمن مجموعها ، فان ضعف دلالته على ارادة الموضوع له إنّما هو ناشيء عن كثرة ارادة خلاف الموضوع [ له ] لا عن كثرة ارادة معنى

٢٨٣

__________________

خاص من المعانى المخالفة له ، فلا يقدح كثرة استعمال الأمر في الندب في أضعفية ظهوره من ظهور العام إلاّ اذا كانت أقوى من كثرة التخصيص في ذلك العام المتحققة في جميع موارد استعماله المجازي من مراتب الخصوص.

والحاصل : أن الكلام في تشخيص الأظهر من اللفظين لتعيين مورد التأويل المعلوم اجمالا في غيره لا في تشخيص ارادة المعنى المجازي ، والمرجّح إنّما هو قلّة تصدّم مقتضى الوضع بكثرة الاستعمال المجازي من غير فرق بين تحققها في معنى خاص وبين تحققها في مجموع معان مجازية ، فالحكم بأظهرية العام في العموم متوقف على احراز أكثرية استعمال الأمر في خلاف معناه الموضوع له من استعمال العام في خلاف ما وضع له وهو الخصوص ، فلا يجدي أكثريّة استعماله في خصوص الاستحباب من استعمال العام في خصوص مرتبة من مراتب الخصوص.

نعم اذا كان استعماله في خصوص الاستحباب أكثر من استعمال العام بالنسبة الى جميع مراتب الخصوص فيجدي من جهة كون تلك الأكثرية محققة لعنوان أكثريّة تصدم جهة الوضع الذي هو المناط في أضعفية الظهور ولا يبعد أكثرية استعمال أيّ من ألفاظ العموم في غير العموم بالنسبة الى جميع مراتب التخصيص من استعمال الأمر في غير الوجوب مطلقا ، فكيف باستعماله في خصوص الاستحباب؟ هذا فافهم جيدا » إنتهى. أنظر تقريرات المجدّد الشيرازي : ج ٤ / ٣٢٣ ـ ٣٢٥.

* وقال المحقّق آغا رضا الهمداني قدس سره :

« أقول : لعلّه إشارة إلى ان استعمال الخاص أشيع حتى قيل : « ما من عام إلاّ وقد خصّ ».

وأمّا عدم اتصافه بكونه مجازا مشهورا ، فلعدم تعيّن إرادة مرتبة خاصة منه كالنصف والثلث مثلا ، حتى يدّعى أن إرادته من العام مجاز مشهور ، وهذا بخلاف الإستحباب ؛ فإن إرادته بالخصوص من الأمر شائعة ، فليس لما يراه من العام في استعمالاته المجازيّة ـ ولو بحسب

٢٨٤

المذاكرة : من أنّ شيوع استعمال الأمر في النّدب نوعا لا يجدي بالنّسبة إلى الأمر الّذي وقع في حيّز العام على ما هو محلّ الكلام فتدبّر.

ثمّ إنّ تحصيل القوّة والتّرجيح بحسب الدّلالة فيما كان التّعارض بين الدليلين بحسب المرجّحات الشّخصيّة الموكولة بنظر الفقيه أو النّوعيّة أو الصّنفيّة ممّا يسهل للفقيه ولا يحتاج إلى إتعاب النّظر وإن كان بعض صغرياته نظريّة بل محلاّ للاختلاف.

__________________

الغالب ـ حدّ مضبوط ، بل يختلف بحسب الموارد ، وليس شيء منه بخصوصه مشهورا بخلاف الإستحباب الذي يراه من الأمر ، فلاحظ وتدبّر » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الاصول : ٥٢٨.

٢٨٥

* « بيان انقلاب النّسبة »

تحقيق الكلام في حكم تعارض أزيد من دليلين

وأمّا إذا كان التّعارض بين أزيد من الدّليلين فقد يصعب تحصيلها للفقيه ؛ إذ قد يختلف النّسبة بين دليلين منهما بملاحظة العلاج مع الثّالث ، فلا بدّ من التّعرض له وبسط القول في قسم منه وهو : التّعارض الثّلاثي منه لكي يعرف منه حكم سائر الأقسام والصّور.

والمراد من التّعارض الثّلاثي : أعمّ من أن يكون بين كلّ واحد مع غيره ، أو يكون بين اثنين مع واحد منها وإن لم يكن بينهما تعارض أصلا. كما إذا كان هناك عامّ وخاصّان لا تعارض بينهما ، أو كان هناك عامّ وخاصان متعارضان.

ثمّ إنّ الكلام في حكم التّعارض الثّلاثي من الجهة المبحوث عنها في المقام لا في حكمه بقول مطلق ، فإنّه واضح لا خفاء فيه ؛ فإنّ الحكم مع عدم التّرجيح أصلا هو التّخيير بين الأخذ بكلّ واحد من الثّلاثة وطرح الآخرين رأسا ، أو في مادّة التّعارض إن كانت لهما مادّة سليمة. كما في نسبة العموم من وجه ومع ترجيح بعضها على الباقي مع مساواته تقديمه عليه وطرحهما ، ومع ترجيح الاثنين على الواحد مع مساواتهما. كما إذا كان موافقا للعامّة وكانا مخالفين لهم مع مساواتهما من سائر الجهات هو طرحه والتّخيير بينهما وإن كان الحكم نظريّا في بعض صوره على ما سنوقفك عليه.

٢٨٦

فنقول : إنّ النّسبة بين المتعارضات : إمّا أن يكون نسبة واحدة ، أو مختلفة. فإن كانت واحدة فلا يخلو : إمّا أن يكون بالتّباين ، أو بالعموم والخصوص ، أو بالعموم من وجه.

فإن كانت بالتّباين :

فإن لم يكن بين الألفاظ الدّالة على المحمول تفاوت من حيث القوّة والضّعف بحيث يمكن الجمع ، فلا إشكال في لزوم الرّجوع إلى سائر المرجّحات ، أو التّخيير بين الأخذ بكلّ واحد إن لم يكن على ما عرفت الإشارة إليه. كما إذا ورد : « يجب إكرام العلماء » ، و « يستحبّ إكرامهم » ، و « يحرم إكرامهم ».

وإن كان بينها تفاوت لزم الأخذ بالأقوى دلالة وجعله صارفا لغيره ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » و « يستحبّ إكرامهم » ، و « يجوز إكرامهم » ؛ فإنّ مادّة الاستحباب أقوى من ظهور الصّيغة في الوجوب ، وظهور الجواز في الإباحة الخاصّة ـ على تقدير تسليم ظهوره فيها ـ فيجعل صارفا عن الظّهورين ويحكم باستحباب إكرامهم.

وإن كانت بالعموم والخصوص ولم يكن بين الخاصّين تعارض أصلا :

فإن لم يلزم من العمل بالخاصّين محذور ، ولا من ملاحظة تقديم علاج أحدهما انقلاب النّسبة ، فيخصّص العام بهما ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ، وورد : « لا تكرم زيدا » ، و « لا تكرم عمروا » وفيما كانا عالمين

وإن لزم محذور من العمل بالخاصّين وهو طرح العام رأسا وبقاؤه بلا مورد من العمل بهما ، فلا يجوز العلاج بالتّخصيص ؛ لأنّ التّخصيص بهما معا موجب

٢٨٧

للطّرح السّندي ، وبأحدهما موجب للتّرجيح بلا مرجّح ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ، وورد أيضا : « لا تكرم فسّاق العلماء » ، و « لا تكرم عدول العلماء » ، فلا بدّ من العلاج بالتّرجيح بسائر المرجّحات إن وجدت ، أو التّخيير إن لم يوجد. فإن كان العام راجحا عليهما فلا بدّ من العمل به وطرحهما ، وإن كانا راجحين عليه فلا إشكال أيضا ؛ فإنّه يجب الأخذ بهما وطرحه ، وإن كان راجحا على أحدهما ومرجوحا بالنّسبة إلى الآخر أو كانا متكافئين ، فربّما يشكل الأمر في الصّورتين ، لكنّ الّذي يظهر في النّظر عاجلا طرح المرجوح من الخاصّين والمعاملة مع الخاصّ الرّاجح أو المتكافئ معاملة العام والخاص بارتكاب التّخصيص في العام والعمل بالخاصّ في الصّورتين ، وإن كانت متكافئة فيحكم بالتّخيير بين الأخذ بالعامّ وطرح الخاصّتين وبين العكس.

وإن لم يلزم محذور من تخصيص العام بهما ولكن لو خصّص العام بأحدهما أوّلا ثمّ لوحظت النّسبة بين العام بعد التّخصيص به مع الآخر انقلبت النّسبة بينهما بالعموم من وجه ، كما إذا كان أحد الخاصّين أخصّ من الآخر ، مثل : ما إذا ورد : « أمر بإكرام العلماء » ، ثمّ ورد نهي مثلا عن إكرام فسّاق النّحويّين ، وورد نهي آخر عن إكرام مطلق فسّاق العلماء ؛ فإنّه إذا خصّص العام بالخاصّ الأوّل أوّلا ، ثمّ لوحظت النّسبة بينه بعد ملاحظة تخصيصه به مع الخاصّ الآخر ، فلا محالة ينقلب النّسبة إلى العموم من وجه ؛ ضرورة صيرورة المخرج بالخاص الأوّل مادّة الافتراق للخاصّ الآخر الأعمّ كما هو ظاهر ، فإن كان الخاصّ الأخصّ من المخصّصات المتّصلة كالوصف والغاية والشّرط ونحوها ، فلا إشكال في لزوم رعاية ما ذكر : من تقديم العلاج ؛ من حيث كون الخاصّ المتّصل جزء للكلام ومن

٢٨٨

متعلّقاته ، فيكون للمجموع من العام والخاصّ ظهور ثانويّ في كون الباقي بعد التّخصيص مرادا سواء قلنا بكون العام المخصّص بالمخصّص المتّصل حقيقة كما هو الأقوى ـ على ما حقّقناه في مسألة « التّخصيص » ـ أو مجازا ، ويعارضه الخاص الأعمّ ، فلا محالة يكون النّسبة هي العموم من وجه وإن كان من المخصّصات المنفصلة.

ولو كان قطعيّا كالإجماع والعقل فلا إشكال عندنا في عدم جواز رعاية ما ذكر ، ولزوم تخصيص العامّ بالخاصّ الأعمّ كتخصيصه بالخاصّ الأخصّ ؛ فإنّ الخاصّ المنفصل إنّما هو قرينة محضة لصرف العامّ عن العموم ، وليس معيّنة لإرادة تمام الباقي كالخاصّ المتّصل. فالمراد من العام بعد التّخصيص مردّد بين بعض الباقي وتمامه ، وإنّما يحكم بإرادة التّمام بضميمة أصالة عدم تخصيص غير المخرج بعد ملاحظة جميع ما ورد على العام من المخصّصات ، فإذا وجد هناك خاصّ آخر ولو كان أعمّ من الخاصّ الّذي خصّص به العام ، فلا معنى للرّجوع إلى الأصل المذكور ؛ فإنّه تعليقي بالنّسبة إلى دليل التّخصيص وإن كان مبناه على الظّهور النّوعي العرفي ، كما هو شأن مطلق أصالة الحقيقة ولعموم بالنّسبة إلى القرينة والخاصّ.

فإن شئت قلت : إن العامّ إمّا أن يلاحظ بحسب وضعه مع الخاصّ الأعمّ ، وإمّا أن يلاحظ بحسب ظاهره ، وما أريد منه بعد التّخصيص بالخاصّ الأخصّ. فعلى الأوّل ، لا إشكال في عدم مكافأته مع الخاصّ ، وعلى الثّاني ، لا ظهور له بعد التّخصيص إلاّ بضميمة أصالة عدم تخصيص آخر ، ومن المعلوم أنّها لا يقاوم دليل التّخصيص.

٢٨٩

ثمّ إنّ ما ذكرنا مع كمال وضوحه قد أشبعنا الكلام فيه في بحث العام والخاصّ ، بل أثبتنا فيه كون التّخصيص بالمتّصل حقيقة.

ثمّ إنّ ما ذكرنا فيما يتحقّق كون التّخصيص به من التّخصيص بالمتّصل ممّا لا إشكال فيه ، وقد يستشكل في بعض الموارد : من جهة الإشكال في تميز المخصّص من حيث الاتّصال والانفصال فتحقيقه موكول بنظر الفقيه ، كما في التّخصيص بالاستثناء سيّما بالأفعال ، وإن كان الظّاهر كون التّخصيص به من المتّصل مطلقا سواء كان بالحروف ، أو الأسماء ، أو الأفعال ؛ فإنّ الاتّصال والانفصال إنّما يلاحظان بحسب المعنى لا بحسب اللّفظ. كما في « أكرم العلماء » ، و « لا تكرم زيدا » ، إذا ذكر عقيبه بلا فصل ؛ فإنّه من المنفصل. وهذا بخلاف الاستثناء ؛ فإنّه إذا لوحظ بعنوان الاستثناء يكون مربوطا بالمستثنى منه لا محالة ، فلا يستقلّ بالتّصوّر.

ومن هنا ذكر شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في « الكتاب » : أنّه يصحّ أن يقال النّسبة بين قوله : ( ليس في العارية ضمان إلاّ الدّينار والدّرهم ) (١) و ( ما دلّ على ضمان الذّهب والفضّة ) (٢) عموم من وجه ، كما قوّاه غير واحد من متأخّري

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٢٣٨ باب « ضمان العارية والوديعة » ـ ح ٢ ، والتهذيب : ج ٧ / ١٨٣ باب « العارية » ـ ح ٧ ، عنهما الوسائل : ج ١٩ / ٩٦ باب « ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة من غير تفريط » ـ ح ١.

(٢) الكافي الشريف : ج ٥ / ٢٣٨ باب « ضمان العارة والوديعة » ـ ح ٣ والتهذيب : ج ٧ / ١٨٣ باب « العارية » ـ ح ٩ ، عنهما الوسائل : ج ١٩ / ٩٦ باب « ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة من غير تفريط » ـ ح ٢.

٢٩٠

المتأخّرين (١) ، فيرجّح الأوّل ؛ لأنّ دلالته بالعموم ودلالة الثّاني بالإطلاق ، أو يرجع إلى عمومات نفي الضّمان.

توضيح ما أفاده قدس‌سره : هو أنّ التّعارض بين ما دلّ على نفي الضّمان في العارية بعد ملاحظة إخراج الدّرهم والدّينار عنه وما أثبته في مطلق الجنسين ، أي : الذّهب والفضّة مع نفيه عن غيره ، إنّما يلاحظ بين العقد السّلبي من الأوّل والإيجابي من الثّاني. ومن المعلوم كون نسبة عارية غير الدّرهم والدّينار مع عارية الذّهب والفضّة هي العموم من وجه : من حيث افتراق الأوّل في غير الجنسين ، والثّاني في الدّرهم والدّينار ، وتعارضهما في غير المسكوك من الجنسين. فربّما قيل بكون الأوّل أقوى دلالة : من حيث إنّ دلالته بالعموم المستفاد من النّفي فلا يقاومه ظهور الثّاني وإن كان بالعموم أيضا من جهة الحكمة ، أو القول بظهور المفرد المحلّى في العموم وضعا فضلا عمّا إذا كان بالإطلاق هذا.

مضافا إلى اعتضاده بما دلّ على نفي الضّمان في العارية مطلقا ، بل في مطلق اليد المأذونة فتأمّل (٢). ويكون الثّاني أقوى دلالة من حيث قلّة أفراده فيكون بمنزلة الخاص المطلق هذا. مضافا إلى أنّ التّخصيص بالنّقدين يوجب

__________________

(١) مثل المحقق السبزواري في كفاية الأحكام : ١٣٥ وتبعه صاحب الرياض في الرياض : ج ٩ / ١٨١ ط جماعة المدرسين وج ٩ / ٤٤٩ ط آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) وجه التأمّل : كون الترجيح بالإعتضاد المذكور من الترجيح بالأمر الخارجي ولا دخل له بقوّة الدلالة هذا ، مضافا إلى أن الترجيح بالإعتضاد إنّما هو إذا بنى على الترجيح في المقامين من وجه ، وإلاّ تعيّن الرجوع إلى عمومات نفي الضمان وجعلها مرجعا كما ذكر في الكتاب على ما عرفت فتدبّر. منه دام ظلّه العالي.

٢٩١

التّخصيص أو التّقييد بالفرد النّادر هذا. مضافا إلى وهن الأوّل : بإخراج الدّرهم عن أحد الحديثين والدّينار عن الآخر ؛ حيث إنّ استثناءهما وقع في حديثين ؛ فإنّه يوجب الوهن في العموم المستفاد من الحصر جدّا ، وإن لم يوجبه بالنّسبة إلى تخصيص سائر العمومات هذا. مضافا إلى اقتضاء اليد الضّمان مطلقا وإن كان منفيّا بالنّظر إلى الأصل الأوّلي هذا بعض ما وقع في كلماتهم.

وإن شئت شرح القول في ذلك فاستمع لما يتلى عليك فنقول :

لا إشكال في أنّ مقتضى أصالة البراءة عدم الضّمان مطلقا ، كما أنّه لا إشكال في أنّ مقتضى قوله : ( على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي ) (١) ـ بناء على شموله لليد المأذونة ـ الضّمان مطلقا ، غاية ما هناك منافاة الضّمان للوديعة ، ومقتضى جملة من الصّحاح ـ كصحيحة الحلبي عن الصّادق عليه‌السلام : ( ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن ) (٢) وصحيحة محمّد بن مسلم (٣) هي الّتي

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ / ٢٢٤ نقلا عن السنن الكبرى للبيهقي : ج ٦ / ٩٥ كتاب الغصب ، باب رد المغصوب إذا كان باقيا. ورواه في المستدرك : ج ١٤ / ٧ ـ أبواب كتاب الوديعة « الباب الأوّل » ـ ح ١٢ نقلا عن العوالي.

(٢) التهذيب : ج ٧ / ١٨٢ باب « العارية » ـ ح ١ ، والإستبصار : ج ٣ / ١٢٤ ـ باب « ان العارية غير مضمونة » ـ ح ١ ، عنهما الوسائل ج ١٩ / ٩٣ كتاب العارية ، باب « عدم ثبوت الضمان على المستعير في غير الذهب والفضة » ـ ح ٦.

(٣) الكافي الشريف : ج ٥ / ٢٣٨ باب « ضمان العارية والوديعة » ـ ح ٤ والفقيه : ج ٣ / ٣٠٢ رقم الحديث ٤٠٨٤ ، والتهذيب : ج ٧ / ١٨٢ باب « العارية » ـ ح ٢ ، والاستبصار : ج ٣ / ١٢٤ باب « انّ العارية غير مضمونة » ـ ح ٢ ، والوسائل : ج ١٩ / ٩٣ باب « عدم ثبوت الضمان على المستعير في غير الذهب والفضة » ـ ح ٧.

٢٩٢

قريبة من صحيحة الحلبي ـ عدم الضّمان في العارية مطلقا ، ومن المعلوم ارتفاع الأصل بالدّليل ، كلزوم رفع اليد عن قاعدة اليد بالصّحيحتين ، وهذا معنى قولهم : إنّ الأصل في الأمانات عدم الضّمان ، فمرادهم به القاعدة المستفادة من الأخبار.

لكن ورد في باب العارية ما هو أخصّ من القاعدة فيقتضي تخصيصها والحكم بالضّمان ، فلا بدّ من الخروج عنها كما خرجنا عنها مع شرط الضّمان بما دلّ عليه. والنّصوص الواردة في هذا الباب على أربعة أضرب ووجوه :

أحدها : ما نفى الضّمان عن العارية من دون استثناء.

ثانيها : ما نفي الضّمان عن العارية مع استثناء الذّهب والفضّة.

ثالثها : ما نفى الضّمان عنها مع استثناء الدّرهم.

رابعها : ما نفى الضّمان عنها مع استثناء الدّينار.

وهذه كما ترى ، غير القسم الأوّل مشتملة على عقد سلبيّ وإيجابي ، ومن المعلوم ضرورة عدم التّعارض بين العقود السّلبيّة فيها كعدم التّعارض بين العقود الإيجابيّة فيها ، وإنّما التّعارض بين العقد السّلبي من الأوّل والإيجابي من الأخيرين ، كالتّعارض بين العقد السّلبي من كلّ من الأخيرين مع الإيجابي من صاحبه.

والضّرب الأوّل : جملة من الرّوايات ، منها : ما عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ».

٢٩٣

وقال : « ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن » (١).

والثّاني : أيضا جملة من الرّوايات ، منها : ما عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة قال : « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : العارية مضمونة؟ فقال : جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه إلاّ الذّهب والفضّة فإنّهما يلزمان إلاّ أن تشرط عليه أنّه متى توى لم يلزمك تواه وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لرحمك والذّهب والفضّة لازم لك وإن لم يشترط عليك » (٢).

والثّالث : ما رواه محمّد بن أبي عمير أيضا عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس على صاحب العارية ضمان إلاّ أن يشترط صاحبها ، إلاّ الدّراهم ؛ فإنّها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط » (٣).

والرّابع : ما عن محمّد بن يعقوب بسنده عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا يضمن العارية إلاّ أن يكون قد اشترط فيها ضمان ، إلاّ الدّنانير فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا » (٤).

__________________

(١) مرّ تخريجه.

(٢) مرّ تخريجه.

(٣) التهذيب : ج ٧ / ١٨٤ باب « العارية » ح / ١١ ، عنه الوسائل : ج ١٩ / ٩٦ باب « ان من استعار من غير المالك بغير اذنه فهو ضامن » ـ ح ٣.

(٤) الكافي الشريف : ج ٥ / ٢٣٨ باب « ضمان العارية والوديعة » ـ ح ٢ ، والتهذيب : ج ٧ / ١٨٣ باب « العارية » ح / ٧ ، والاستبصار : ج ٣ / ١٢٦ باب ان المضارب يكون له الربح بحسب ما يشترط وليس له من الخسران شيء » ـ ح ٨ ، والوسائل : ج ١٩ / ٩٦ باب « ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة من غير تفريط » ـ ح ١ نقلا عن الكليني رحمه‌الله.

٢٩٤

والنّسبة بين هذه الأخبار المتصلة كما ترى ، بعد جعل الاستثناء من المخصّص المتّصل وإن كانت عموما من وجه ، إلاّ أنّ ما ذكرنا من الموهنات لارتكاب التّخصيص في الذّهب والفضّة يوجب التّصرف في العقد السّلبي ، وجعل الحصر إضافيّا بالنّسبة إلى غير الذّهب والفضّة ، كما يجعل إضافيّا بالنّسبة إلى حديثي الدّرهم والدّينار.

وثاني الشّهيدين ( قدس أسرارهما ) في « المسالك » (١) وإن أجاد في شرح المقام كما يظهر من كلامه المحكيّ في « الكتاب » (٢) ، إلاّ أنّه ما أجاده في جعل النّسبة العموم والخصوص ومعاملة الخاصّ المنفصل مع الاستثناء ، مضافا إلى بعض مناقشات أخر يتطرّق إليه كما يظهر للمتأمّل فيه.

هذا كلّه فيما لو كان التّعارض بين المتعارضات بنسبة واحدة بالعموم والخصوص.

وإن كانت النّسبة بينها بالعموم من وجه كما إذا ورد مثلا : « أكرم العلماء » ، و « لا تكرم الفسّاق » ، و « يستحبّ إكرام الشّعراء » ، فيتعارض الكلّ في العالم الفاسق الشّاعر ، كما يتعارض الأوّلان في العالم الفاسق الغير الشّاعر ، والأوّل مع الأخير في العالم العادل الشّاعر ، والثّاني معه في الفاسق الشّاعر الغير العالم.

فإن لم يكن هناك مرجّح أصلا بوجه من الوجوه فيحكم بالتّخيير في مادّة التّعارض مطلقا ـ من غير فرق بين التّعارض الثّلاثي ، أو الثّنائي على ما اخترناه

__________________

(١) مسالك الأفهام : ج ٥ / ١٥٥ ـ ١٥٨.

(٢) فرائد الأصول : ج ٤ / ١١٠.

٢٩٥

وفاقا للمشهور ـ أو إجمال المتعارضات ، أو المتعارضين فيها في وجه ـ قد عرفت ضعفه في مطاوي كلماتنا ـ والرّجوع إلى القواعد إن كانت ، والأصول العمليّة إن لم يكن.

فإن كان هناك مرجّح من غير جهة الدّلالة فيؤخذ بالرّاجح فقط في مادّة التّعارض من غير فرق بين التّعارض الثّلاثي أو الثّنائي ، وإن كان هناك مرجّح من حيث الدّلالة بقول مطلق كما إذا كان العلماء في المثال المتقدّم أقلّ أفرادا من الفسّاق والشّعراء فيجب تخصيص دليلهما بدليله ؛ لأنّه بمنزلة الخاص المطلق بالنّسبة إليهما فيحكم بوجوب إكرام العالم الفاسق الشّاعر ، كما يحكم بوجوب إكرام العالم الفاسق والعالم الشّاعر.

وإن كان هناك مرجّح بحسب الدّلالة لبعض العمومات على غيره في الجملة لا مطلقا كما إذا كان العلماء في المثال أقلّ أفرادا من الفسّاق ، فيجب تخصيص ما دلّ على حكم الفسّاق بدليله ، فيحكم بعدم حرمة إكرام مادّة اجتماع الكلّ وإن تردّد بين الوجوب والاستحباب ، كما يحكم بوجوب إكرام العالم الفاسق الغير الشّاعر.

نعم ، لو فرض كون الفسّاق أقلّ فردا من الشّعراء بعد إخراج العلماء منه ، والشّعراء أقلّ فردا من العلماء بعد إخراج الشّاعر الفاسق منه ، حكم بأنّ مادّة اجتماع الكلّ أعني : العالم الفاسق الشّاعر مستحبّ الإكرام ؛ نظرا إلى لزوم إعمال قوانين العلاج وإن لزم منه انقلاب النّسبة.

وهذا هو المراد ممّا أفاده شيخنا العلاّمة قدس‌سره في « الكتاب » بقوله : ( وقد ينقلب

٢٩٦

النّسبة فيحدث التّرجيح في المتعارضات بنسبة واحدة ... إلى آخره ) (١) لا ما ذكرناه أوّلا : من ترجيح البعض على الباقي بقول مطلق كما لا يخفى. هذا كلّه فيما إذا كانت النّسبة بين المتعارضات متّحدة.

وأمّا إذا كانت مختلفة فلا بدّ من تقديم ما هو حقّه التّقديم لمكان النّصوصيّة ، أو الأظهريّة ، أو مرجّح آخر. وإن ترتّب عليه انقلاب النّسبة بين الباقي وحدوث التّرجيح على ما عرفته في المتعارضات بنسبة واحدة عن قريب ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ، و « لا تكرم فسّاق العلماء » ، و « يستحبّ إكرام العدول » ؛ فإنّه يجب تخصيص الأوّل بالثّاني حملا للعام على الخاصّ ، والثّالث بالأوّل ؛ من حيث صيرورته أخصّ بالنّسبة إليه بعد إخراج الفسّاق منه كما هو ظاهر. أو ورد : « يجب إكرام الشّعراء » ، و « يحرم إكرامهم » ، و « يستحبّ إكرام العدول » ، إذا فرض العدول أقلّ فردا من الشّعراء ؛ فإنّه يجب تخصيص الأوّلين بالأخير ، فيتعارضان في الشّاعر الفاسق.

وإن انعكس الحال من حيث القلّة والكثرة انعكس الحكم أيضا فيجب تخصيص العدول بغير الشّعراء وإن تردّد حكم العادل الشّاعر بين الوجوب والحرمة كالشّاعر الفاسق من حيث كون كلّ منهما بمنزلة الخاصّ بالنّسبة إليه ، وإن كانت النّسبة بينه وبينهما العموم من وجه. ولا ينافي ما ذكر تعارض الأوّلين بالنّظر إلى أنفسهما فإنّهما متوافقان على نفي الأخير فتأمّل. هذا كلّه فيما إذا كان هناك مرجّح بحسب الدّلالة.

__________________

(١) المصدر السابق : ج ٤ / ١١١.

٢٩٧

وأمّا إذا تكافأت بحسبها فيقدّم الرّاجح من سائر الجهات على غيره إن كان هناك راجح فيحكم بمقتضاه ففي المثال الأخير : يحكم باستحباب مادّة التّعارض بين الكلّ إن كان الأخير راجحا عليهما سندا مثلا عملا عليه ، وفي الشّاعر الفاسق يحكم بالتّخيير على تقدير تكافئهما ، أو تقديم أحد الحديثين على تقدير رجحانه ، وبمقتضى أحد الأوّلين في مورد تعارضهما ومورد تعارض الثّلاثة إن كان راجحا ، فيحكم بالوجوب ، أو التّحريم فيهما ، وإلاّ فيحكم بالتّخيير في مادّة تعارض الكلّ والأوّلين فقط كما هو ظاهر.

وممّا ذكرنا كلّه ـ في حكم تعارض الزّائد على الدّليلين ـ يعلم : علاج ما ورد من الأخبار في حكم الخلل الواقع سهوا في أجزاء الصّلاة زيادة ونقيصة كقوله عليه‌السلام : ( تسجد سجدتي السّهو لكلّ زيادة ونقيصة تدخل عليك ) (١) وقوله عليه‌السلام : ( إذا استيقن أنّه زاد في صلاته فليستقبل ) (٢) وقوله عليه‌السلام : ( لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة ) (٣) فإنّه بعد تخصيص الأوّل بالأخير من حيث كونه أخصّ منه بناء على

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ / ١٥٥ باب « تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ـ ح ٦٦ ، والإستبصار : ج ٢ / ٣٦١ باب « من شك فلم يدر واحدة سجد أم اثنين » ـ ح ٢ ، عنهما الوسائل : ج ٨ / ٢٥١ باب : « جواز حفظ الغير لعدد الركعات والعمل بقوله » ـ ح ٣.

(٢) الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٥٤ باب : « من سها في الأربع والخميس ولم يدر زادا أو نقص أو استيقن انه زاد » ـ ح ٢ ، عنه التهذيب : ج ٢ / ١٩٤ باب « أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه اعادة الصلاة » ـ ح ٦٤ ، والوسائل : ج ٨ / ٢٣١ ـ باب بطلان الفريضة بزيادة ركعة فصاعدا ولو سهوا » ـ ح ١ نقلا عن الكليني رحمه‌الله.

(٣) الفقيه : ج ١ / ٢٧٩ ، حديث رقم : ٨٥٧ والتهذيب : ج ٢ / ١٥٢ باب تفصيل ما تقدّم ذكره في

٢٩٨

عدم ظهوره بالنّسبة إلى الزّيادة السّهوية يجب تخصيص الثّاني به أيضا ، بناء على ثبوت الملازمة بين النّقص السّهوي والزّيادة السّهويّة حكما في أجزاء الصّلاة هذا.

وقد أسمعناك شرح القول في ذلك في الجزء الثّاني من التّعليقة عند الكلام في فروع دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر فراجع إليه (١). ومثل ذلك كثير في الأخبار المتعارضة في المسائل الفقهيّة فلا بدّ للفقيه من سلوك ما ذكرنا على سبيل الضّابطة في علاجها.

ثمّ إنّ ما ذكرنا في مرتبة المرجّح من حيث الدّلالة بالنّسبة إلى سائر المرجّحات وتقديمه عليها بالنّسبة إلى غير المرجّح المضموني ممّا لا إشكال فيه ، وأمّا بالنّسبة إليه فالأمر كذلك عند التّحقيق وإن قلنا بتقديمه على المرجّح الصّدوري وجهته ـ على ما ستقف عليه ـ حتّى على ما بنى عليه الأمر شيخنا العلاّمة قدس‌سره ويقتضيه التّحقيق : من رجوع المرجّح المضموني إلى تقوية إحدى جهات الموافق له ، أعني : الصّدور وجهته ودلالته على سبيل الإجمال ؛ فإنّ القوّة الاحتماليّة من حيث الدّلالة لا تزاحم القوّة المحقّقة.

نعم ، لو أثّر المرجّح الخارجي وهنا في المرجوح الأظهر دلالة بحيث أوجب سقوطه عن الحجّيّة لو لا المعارض ـ كالخاصّ الّذي أعرض المشهور عنه

__________________

الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ـ ح ٥٥ ، عنهما الوسائل : ج ١ / ٣٧١ باب « وجوب الطهارة عند دخول وقت الصلاة » ـ ح ٨ وكذلك في باب « بطلان الصلاة الى غير القبلة عمدا ووجوب الإعادة » ـ ح ١ وموارد أخرى.

(١) بحر الفوائد : ج ٢ / ١٨٥.

٢٩٩

مثلا بناء على عدم شمول دليل حجّيّة الخبر لمثله كما هو المشهور ـ خرج عن عنوان التّعارض حقيقة ، فلا تعلّق له بالمقام. أعني : التّرجيح أصلا ؛ لأنّه يدخل في الموهن ولو لم يكن هناك معارض. هذا بعض الكلام في بيان حكم المرجّح من حيث الدّلالة ومرتبته بالنّسبة إلى المرجّحات الثّلاثة.

في بيان نسبة سائر المرجّحات غير الدّلالة

وأمّا الكلام في الموضع الثّاني أعني : بيان نسبة سائر المرجّحات من حيث التّقدّم والتّأخّر فيما وجد بعضها في أحد الخبرين والآخر في الآخر فيقع في مقامات. والكلام ليس في تعارض بعضها مع بعض إذا اتّحدا نوعا كما إذا وجد في أحد المتعارضين بعض المرجّحات الصّدوريّة وفي الآخر بعض الآخر منها ، بل في بيان مرتبة بعض الثّلاثة مع غيره المغاير له ؛ فإنّ التّرجيح في الأوّل موكول إلى نظر الفقيه بعد حمل الأخبار العلاجيّة على ما عرفت ، وليس كالتّرجيح بحسب الدّلالة من حيث وجود نوع أو صنف مضبوط له حتّى يقع الكلام فيه.

الأوّل : في بيان مرتبة المرجّح الصّدوري بالنّسبة إلى المرجّح من حيث جهة الصّدور.

الثّاني : في بيان مرتبته بالنّسبة إلى المرجّح المضموني سواء كان داخليّا أو خارجيّا.

الثّالث : في بيان مرتبة المرجّح من جهة الصّدور بالنّسبة إلى المرجّح المضموني.

٣٠٠