بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٨

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٨

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-351-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٨٢٠

الإسلام وانسداد باب العلم التّفصيلي بها لم يجز التّمسك بشيء من أخبار التّرجيح والتّخيير فيكون الشّبهة بالنّسبة إلى كليهما من الشّبهة الموضوعيّة ، فلو تمّ التّمسك بدليل الانسداد لإثبات حجّيّة الظّن بها في أحد الخبرين فهو ، وإلاّ كان الظّن بها كالشّك في الحكم.

نعم ، يمكن أن يقال : فيما لم يكن هناك ظنّ أو كان ولم يقم دليل على حجّيّته يتعيّن الحكم بالتّخيير بعد العلم بعدم جواز الرّجوع إلى الأصل مطلقا من حيث العلم بوجود الحجّة والدّليل في المسألة وعدم المعيّن لأحد المتعارضين كما هو المفروض. والمفروض أنّ احتماله بل ظنّه لا يجدي من حيث كونه متعلّقا بالموضوع الخارجي ، فيتخيّر بين الخبرين كما يتخيّر بين الوجوب والتّحريم في المسألة الفرعيّة ، فليس هذا التّخيير مدلولا لأخبار التّخيير.

كما أنّه يمكن أن يقال في الصّورتين ـ فيما إذا كان احتمال وجود المرجّح في أحد الخبرين بخصوصه ـ : بالتّعيين من جهة دوران الحجّة الإجماليّة بينه على سبيل التّعيين وصاحبه تخييرا فيكون متيقّن الحجّيّة على كلّ تقدير وصاحبه مشكوك الحجّيّة ، إلاّ أنّه كما ترى ، لا تعلّق له بالتّمسك بأخبار التّرجيح.

كما أنّه لا تعلّق لما ذكرنا كلّه في المقام بكلام ثقة الإسلام ولا بكلام الأخباري ، بل ولا بكلام شيخنا العلاّمة عند التّأمّل ؛ لأنّ المستفاد من كلام ثقة الإسلام غير ما فهمه الأخباري وشيخنا العلاّمة. اللهمّ إلاّ أن يكون كلام شيخنا في مقام الاعتراض على الأخباري إغماضا عمّا أراده ثقة الإسلام قدس‌سره بزعمه قدس‌سره فتأمّل.

٢٤١

(١٨) قوله قدس‌سره : ( فلا بدّ للمتعدّي من المرجّحات الخاصّة المنصوصة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٤ / ٧٥ )

__________________

(١) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« إعلم أنّ ما ذكره قدس‌سره من الترديد إنّما هو من مقولة المنفصلة باعتبار منع الخلوّ فقط ؛ ضرورة عدم التنافي بين طرفيه ، بل كلّ منها يؤكّد الآخر ويقوّيه.

ثم اعلم ان الشواهد للأمر الأوّل مضافا إلى فتوى الأكثرين هي الفقرات التي أشار إليها قدس‌سره فيما بعد.

وأمّا الأمر الثاني : فيمكن الإستشهاد له بظهور الأسئلة فإن قول السائل : ( يأتي عنكم الخبران أحدهما يأمرنا والآخر ينهانا كيف نصنع؟ ) ظاهر في انّ مورد السؤال إنّما نهو مقام التحيّر في مقام التحيّر في مقام العمل ، ومن المعلوم انّه لا تحيّر مع اعتبار الشارع لذي المزيّة من الخبرين لتعيّن الأخذ به حينئذ.

وبعبارة أخرى : ان الداعي للسؤال عن حكم الخبرين المتعارضين إنّما هو تحيّر السائل في مقام العمل ، فيكون سؤاله ظاهرا في انّ مورده مورد المحيّر لا سيّما بملاحظة قوله : ( كيف نصنع؟ ) الذي هو كالصّريح في ذلك ، فيكون الحكم المذكور في الجواب مختصّا بذلك المورد أعني التحيّر ؛ نظرا إلى انّ ظاهر الجواب انّما هو كونه جوابا عن مورد السؤال ، هكذا أفاد دام ظلّه.

أقول : إختصاص أخبار التخيير بصورة التحيّر ممّا لا شبهو فيه ولا نزاع ، لن هذا المقدار لا يجدي فيما نحن بصددعه ؛ إذ الذي يجدينا إنّما [ هو ] ظهور إختصاصهما بصورة عدم مزيّة لأحد الخبرين المتعارضين أصلا ؛ إذ معه يقال : إنّ المزايا غير المنصوصة قد قرضنا كونها مزايا على الوجه المتقدّم وإنّما الكلام في اعتبارها وبعد فرض ظهور إختصاص أدلّة التخيير بغير صورة مطلق المزيّة لا حاجة لنا إلى ظهور أخبار الترجيح في الأخذ بمطلق المرجّح لما قد أشرنا إليه غير مرّة : من انّ مقتضى الأصل الأوّلي في الخبرين المتارضين هو التوقّفل

٢٤٢

الاستدلال على التعدّي من المرجّحات المنصوصة

أقول : يستدلّ للتّعدي عن المرجّحات المنصوصة على ما هو

__________________

وتساقطهما في مؤدّاهما ، إلاّ أنّ الإجماع قام على عدم سقوط كليهما عن الحجّيّة حينئذ ، بل أحدهما حجّة في مؤدّاه فيدور الأمر حينئذ بين كون أحدهما حجّة على التعيين أو كونه حجّة على التخيير ، وبعد ما فرضنا إنتفاء احتمال كونه حجّة على التخيير بمقتضى ظهور إختصاص تلك الأخبار بغير مورد الفرض يتعيّن كونه حجّة على التخيير ، وبعد ما فرضنا إنتفاء احتمال كونه حجّة على التخيير بمقتضى ظهور إختصاص تلك الأخبار بغير مورد الفرض يتعيّن كونه حجّة على التعيين وهو المطلوب.

وأمّا ظهور إختصاصها بصورة التحيّر فلا يجد ينافي المقام في شيء أصلا ؛ ضرورة أنّ التحيّر لا يرتفع بمجرّد وجود مزيّة في المورد لأحد المتعارضين وإنّما يرتفع بثبوت إعتبارها شرعا عند المكلّف ومع الشك فيه كما هو المفروض فالتحيّر متحقّق وإن فرض كونه ثابتا في الواقع ؛ لأن مجرّد إعتبار مزيّة في الواقع مع عدم العلم باعتبارها لا يرفع التحيّر ، فيتوقّف رفعه في مورد الشك على ظهور أدلّة الترجيح على اعتبار مطلق المزيّة » إنتهى.

أنظر تقريرات المجدّد : ج ٤ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس سره :

« وقد يستدلّ على التعدي مضافا إلى مال في المتن ببناء العقلاء على الترجيح بكل ما يوجب أقوائية أحد الطريقين من الآخر مع عدم ثبوت ردع الشارع لهم في ذلك ، ألا ترى انه عند تعارض المقوّمين يقدّمون قول من هو أعرف وأبصر وأوثق وكذا يقدّمون الأكثر عددانننن ، بل يقدّمون قول من أوجب الظن بمطابقة الواقع وهذه عادتهم ودأبهم عند المعارضة في سائر الطرق المعتبرة عندهم » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٥٢٣.

٢٤٣

المشهور بوجوه :

الأوّل : الأصل ، بالتّقرير الّذي عرفت الكلام فيه بعد البناء على وجوب العمل بأحد المتعارضين وإهمال أخبار التّخيير.

الثّاني : كون أخبار التّخيير مسوقة لبيان حكم علاج المتعارضين المتكافئين من جميع الوجوه المتساويين من حيث تمام المزايا من المنصوصة وغيرها.

والفرق بين الوجهين لا يكاد أن يخفى ؛ لأنّ الثّاني نظر إلى دلالة أخبار التّخيير على لزوم التّرجيح بكلّ مزيّة وهو الظّاهر ممّا أفاده بقوله : ( وإمّا أن يستظهر من إطلاقات التّخيير الاختصاص ... إلى آخره ) (١) وإن كان محلّ مناقشة إن لم يكن محلّ منع ؛ لأنّ غاية ما يظهر منها الاختصاص بصورة التّكافؤ من جهة جميع المزايا الّتي قد حكم الشّارع بلزوم التّرجيح بها. وأمّا أنّه حكم به على سبيل القضيّة الكليّة أو الجزئيّة فلا يستفاد منها جدّا.

الثّالث : الإجماع عليه بقسميه قولا وعملا من الصّحابة ، والتّابعين ، وغيرهم من العامّة والخاصّة كما يظهر لمن راجع إلى كلماتهم في الأصول والفروع في موارد الاستدلال والتّرجيح ، ولو لم يكن إلاّ نقله المتواتر سيّما من العلاّمة في كتبه الأصوليّة وأضرابه ( قدّس الله أسرارهم ) كفى في حصول القطع به ، ويرشد إليه كلامهم سيّما المحقّق في باب التّرجيح بالقياس (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ٧٥.

(٢) انظر معارج الأصول للمحقّق الحلّي : ١٨٧.

٢٤٤

والحاصل : أنّ تسالم الفريقين عليه ممّا لا يكاد أن يخفى وقد مضى شطر من الكلام في ذلك فيما أسمعناك في مسألة وجوب التّرجيح ولا يقدح فيه مخالفة الأخباريّين ، بل بعض المجتهدين كثقة الإسلام سيّما على طريق الحدس في باب الإجماع (١) ، والمسألة وإن كانت أصوليّة إلاّ أنّها لمّا كانت عمليّة لا يتوهّم عدم كفاية الإجماع فيها.

ثمّ إنّ المتيقّن من هذا الإجماع وإن كان تعارض الأخبار ، إلاّ أنّه يكفي دليلا في المقام ؛ لأنّ كلامنا ليس في التّعدّي من الأخبار ، بل في التّعدي عن المرجّحات المنصوصة.

الرّابع : دلالة الأخبار العلاجيّة عليه وهي من وجوه :

منها : التّرجيح بالأصدقيّة في المقبولة والأوثقيّة في المرفوعة على ما في « الكتاب » من جهة عدم احتمال الموضوعيّة في التّرجيح بالأقربيّة الحاصلة منهما سيّما الأوّل كما يحتمل في التّرجيح بالأفقهيّة والأعدليّة ؛ حيث إنّه كما يحتمل الموضوعيّة للعدالة والفقاهة كذلك يحتمل الموضوعيّة للأعدليّة والأفقهيّة ، فلا يمكن استفادة الكبرى الكلّية من التّرجيح بهما.

وهذا بخلاف التّرجيح بالأصدقيّة والأوثقيّة ، فيستفاد من التّرجيح بهما

__________________

(١) إلى هنا ينتهي ما في النسخة المصوّرة من حاشية الفرائد ( الصغيرة ) بتعبير بعضهم ، او البحر القديم بتعبيرنا ، إلاّ ان الموجود هاهنا فيه زيادة وتغيير في العبارات وهو مقتضى تجديد نظر الميرزا الآشتياني قدس‌سره في كتابه.

والنسخة غير مؤرّخة هنا ، نعم في موضع منها : ١١ شعبان ١٣٠٦ ه‍ بخط محمود ، أنظر هامش ص ٤١٧ من النسخة المصوّرة من مكتبه الفاضلي بخوانسار.

٢٤٥

التّرجيح بكلّ ما يوجب الأقربيّة ، وهذا الاحتمال وإن كان راجحا في التّرجيح بالأفقهيّة والأعدليّة إلاّ أنّه لمّا لم يكن من مداليل اللّفظ لم يحكم بمقتضاه وإن كان صالحا للتّأييد ، وأيّد ما أفاده في « الكتاب » من استفادة الكبرى الكلّيّة من التّرجيح بالوصفين بقوله : ( ويؤيّد ما ذكرنا : أنّ الرّاوي بعد سماع التّرجيح ... إلى آخره ) (١).

ولا يتوجّه على ما استفاده : أنّه بناء على استفادة الكلّيّة من التّرجيح بهما كما فهمه الرّاوي أيضا وقرّره الإمام عليه‌السلام ، كما ذكره في التّأييد لا يبقى وجه لسؤال الرّاوي عن صورة مساواتهما من حيث الصّفات ، كما أنّه لا يبقى وجه لإرجاع الإمام عليه‌السلام إلى التّرجيح بغيرها من المرجّحات ؛ لأنّه يمكن أن يكون الوجه في السّؤال : استعلام الصّغريات مع احتمال كون الوجه حصول الاطمئنان بالكلّيّة ، وتأكيدا لاستفادتها سؤالا وجوابا كما هو الوجه في السّؤال والجواب بعد التّرجيح بالشّهرة ، والشّذوذ ، ومخالفة العامّة مع التّعليل في التّرجيح بهما الّذي لا إشكال في دلالته على الكبرى الكلّيّة على ما ستقف عليه. هذا ملخّص ما يستفاد من إفادته قدس‌سره في « الكتاب » وفي مجلس البحث في وجه دلالة التّرجيح بالوصفين على الكلّيّة.

ولكنّك خبير بعدم خلوّه عن المناقشة ؛ إذ كما يحتمل الموضوعيّة في التّرجيح بالأفقهيّة والأعدليّة كذلك يحتمل في التّرجيح بالوصفين أيضا ؛ لأنّ التّرجيح بخصوص القرب الحاصل من شدّة ملكة الوصفين محتمل جدّا. ومن هنا لا يستفاد كلّيّة حجّيّة الظّن ممّا دلّ على حجّيّة خبر الثّقة والصّادق هذا.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٤ / ٧٦.

٢٤٦

مضافا إلى أنّه قدس‌سره جعل التّرجيح بالأوصاف في المقبولة راجعا إلى ترجيح الحكمين لا الرّوايتين ، فكيف يمكن جعله دليلا على كلّيّة الكبرى في باب ترجيح الرّوايات مع إلقاء الكلّيّة في المورد كما هو ظاهر؟ فتأمّل (١).

وأمّا ما أفاده تأييدا لما استفاده ، فيتوجّه عليه : أنّ استفادة الكلّية لا تغني عن السّؤال عن حكم صورة تعارض الصّفات كما هو ظاهر.

نعم ، بعد استفادة استقلال كلّ واحد من الصّفات في التّرجيح لا يحتاج إلى السّؤال عن صورة وجود بعضها ولو لم نقل بالكلّية هذا مع قرب احتمال كون مراد السّائل من قوله لا يفضل أحدهما على صاحبه عدم المزيّة من جهة خصوص الصّفات المذكورة.

ومنها : تعليل التّرجيح بالشّهرة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) (٢) فإنّ المراد من الرّيب المنفي في المشهور رواية هو الرّيب المثبت في الشّاذّ من حيث تفرّد بعض بروايته وعدم معروفيّته عند الرّواة لا نفي الرّيب في صدوره من جهة قطعيّته ، فضلا عن نفي الرّيب في جميع جهاته حتّى يلزم كونه قطعيّا من جميع الجهات ؛ لأنّ شهرة الرّواية لا تصلح للأوّل فضلا عن الثّاني ، فكيف

__________________

(١) الوجه في التأمّل : كون ما أفاده في المقام مبنيّا على الإغماض عمّا أفاده في الجمع بين المقبولة والمرفوعة فتدبّر. منه دام ظلّه العالي.

(٢) الكافي الشريف : ج ١ / ٦٧ باب « اختلاف الحديث » ـ ح ١٠ ، والفقيه : ج ٣ / ٨ الحديث رقم ٣٢٣٣ ، والتهذيب : ج ٦ / ٣٠١ باب « من الزيادات في القضايا والأحكام » ـ ح ٥٢ ، والوسائل [ عن الكافي والتهذيب : ] ج ٢٧ / ١٢ ـ الباب الأوّل من أبواب صفات القاضي ـ ح ٤ وأيضا الباب ١١ ـ الحديث الأوّل.

٢٤٧

يمكن التّعليل به؟ ضرورة كون مقتضاه وجود العلّة بحسب الوجدان في موردها.

والوجه في عدم صلاحيّتها ظاهر بعد الاطّلاع على المراد من الشّهرة من حيث الرّواية هذا.

مضافا إلى أنّ إرادة غير ما ذكرنا ينافي الإرجاع إلى سائر المرجّحات قبل التّرجيح بالشّهرة في المقبولة فتأمّل (١). وبعد التّرجيح بها وتثليث الأمور والاستشهاد بتثليث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ضرورة كون الغرض منه بيان حكم الشّاذّ من حيث كونه داخلا في المشكل والمشتبه لا بيان الغيّ والحرام البيّن ؛ فإنّ المكلّف مجبول على عدم الأخذ بما كان هذا شأنه ، فلا يحتاج إلى ترتيب ما رتّبه عليه‌السلام في الحديث لعدم الأخذ به.

والتّعليل بعدم الرّيب في تقديم المشهور إنّما هو من التّعليل بالصّغرى ، ولازمه كما ترى ، كون الكبرى وهي لزوم تقديم كلّ ما انتفى فيه الرّيب المثبت في معارضة من المتعارضين أمرا مسلّما مفروغا عنه ، وإلاّ لم يكن معنى للتّعليل بالصّغرى كما هو ظاهر. وهذا معنى دلالة التّعليل بنفي الرّيب الإضافي على الكبرى الكلّيّة. بل مقتضاه كما ترى ، عدم لزوم الظّن الشّخصي بخلل في الشّاذّ على ما ستقف على شرح القول فيه : من عدم اعتبار إناطة التّرجيح بالظّن وكفاية مجرّد الأبعديّة عن الباطل.

__________________

(١) الوجه في التأمّل : كون الترجيح بالصفات في المقبولة قبل الترجيح بالشهرة راجعا إلى الترجيح من حيث الفتوى أو الحكومة على ما في الكتاب فلا شهادة له ، ومنه يظهر النّظر فيما أفاده شيخنا العلاّمة في المقام فتدبّر. منه دام ظلّه.

٢٤٨

ودعوى : احتمال كون العلّة عدم الرّيب الحاصل من خصوص شهرة الرّواية ، هدم لما تسالموا عليه : من عدم جواز الاقتصار على مورد العلّة المنصوصة في قبال السيّد قدس‌سره : كما أنّ توهين ما ذكر : بأنّه بناء عليه لا معنى لسؤال الرّاوي بعد الاطلاع على التّعليل المذكور ضعيف بما نبّهناك عليه ، كضعف توهينه :

باقتصار غير واحد على المرجّحات المنصوصة مع كون الدّلالة على ما ذكر من الأمور الواضحة الظّاهرة في أوّل النّظر إلى التّعليل.

ومنها : تعليل تقديم المخالف للقوم بكون الرّشد في خلافهم والتّقريب ـ كما في التّعليل السّابق ـ لعدم إمكان حمل القضيّة على الدّوام وإن كانت ظاهرة فيه في ابتداء النّظر ؛ حيث إنّ ما خالفهم ليس قطعيّا من جميع الجهات ، كما أنّ ما وافقهم ليس قطعيّ البطلان ، وإلاّ خرج الفرض عن التّعارض مع كونه خلاف الإجماع ؛ حيث إنّه لم يقل أحد بعدم حجّيّة الخبر الموافق للعامة.

مضافا إلى كونه خلاف الواقع ؛ إذ كثير من أحكامهم موافق للواقع غاية ما يسلم غلبة الباطل في أحكامهم ، وهذا التّعليل لمّا كان نظريّا بيّن وجهه في بعض الأخبار (١) : بكون مبنى دينهم على مخالفة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما يسألونه إذا جهلوا بحكم المسألة ، ولا يمكن حمل القضيّة على خصوص مورد التّعارض كما هو ظاهر لمن له أدنى دراية ، فمخالفتهم أمارة نوعيّة للحقّ. كما أنّ موافقتهم أمارة نوعيّة للباطل على تقدير تسليم الغلبة المذكورة ، فهذا التّعليل أخصّ من التّعليل

__________________

(١) علل الشرائع : ج ٢ / ٥٣١ ، عنه الوسائل ج ٢٧ / ١١٦ باب « وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة » ـ ح ٢٤.

٢٤٩

السّابق لكنّه لا ينافيه جدّا كما هو ظاهر.

نعم ، على تقدير منع الغلبة وكون القضيّة كثيريّة لا غالبيّة ينطبق على التّعليل المذكور من حيث الصّغرى والكبرى إلاّ من حيث مورد العلّة فيكون مدار التّرجيح على الوجهين على مجرّد الأبعديّة ، بل يمكن الحكم بالانطباق على تقدير تسليم الغلبة أيضا ؛ إذ ما خالفهم ليس منحصرا في الغالب بما دلّ عليه الخبر الغير الموافق فيكون من محتملات الأقرب إلى الواقع. ولازمه كما ترى ، ما ذكرنا : من كون المخالف أبعد عن الباطل هذا.

وقد يجعل من قبيل ما اشتمل على التّعليل في الدّلالة على الكلّيّة كما في ظاهر الكتاب قوله عليه‌السلام : ( ما سمعت عنّي يشبه قول النّاس ففيه التّقيّة ) (١) بناء على حمله على مورد التّعارض وكون المشابه محمولا على التّقيّة : من جهة كون المشابهة أمارة عليها ، أو كون غير المشابه أبعد عن التقيّة. وقوله عليه‌السلام : ( ما جاءكم عنّا من حديثين مختلفين فأعرضوهما على كتاب الله ) (٢) الحديث ، كما في « الكتاب » أيضا.

لكنّه كما ترى ، لا يخلو عن مناقشة ؛ فإنّ المراد من الشّباهة في الحديث

__________________

(١) التهذيب : ج ٨ / ٩٨ باب « الخلع والمبارات » ـ ح ٩ ، الإستبصار : ج ٣ / ٣١٨ باب « الخلع » ـ ح ١٠ ، عنهما الوسائل : ج ٢٢ / ٢٨٥ باب « ان المختلعة لا تبين حتى تتبع بالطلاق » ـ ح ٧.

(٢) عيون أخبار الرضا : ج ١ / ٢٣ ما جاء في الحديثين المختلفين. رقم الحديث : ٤٥ ـ قريبا منه في الاستبصار ج ١ / ١٩٠ باب « الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر » ـ ح ٩ ، والتهذيب : ج ٧ / ٢٧٤ باب « من أحلّ الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الإسلام » ـ ح ٥. والوسائل : ج ٢٧ / ١١٣ باب « وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة » ـ ح ٢١.

٢٥٠

الأوّل : هو التّفريع على قواعدهم الباطلة وأصولهم السّخيفة ، فلا داعي لحمله على صورة تعارض الخبرين الّتي يأبى عنها الحديث جدّا ، مضافا إلى ما في العمل على ما يقتضيه التّعليل من التّكلّف الرّكيك. ومنه يظهر المراد من الحديث الثّاني أيضا ؛ فإنّ المراد من المشابهة فيه أيضا : هو التّفرع على الأصول المسلّمة المدلول عليها بالكتاب والأحاديث الصّادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام هذا.

مضافا إلى ما يتوجّه عليهما : من منع الدّلالة على الكلّيّة. اللهمّ إلاّ أن يكون الغرض من الاستدلال بهما مجرّد إناطة التّرجيح بالأبعديّة ؛ نظرا إلى دلالة لفظ المشابهة ولو بالنّسبة إلى المورد الخاصّ لا الكلّيّة فتأمّل.

نعم ، أخبار الباب لا تخلو عن الإيماء إلى إناطة التّرجيح بمطلق القرب والبعد سيّما بملاحظة اختلافها في بيان المرجّحات وتعدادها ؛ فإنّ أقرب الوجوه في محمل الاختلاف هو رجوعها بأسرها إلى بيان الصّغرى للكبرى المفروغ عنها وإعطاء القاعدة بالمثال على ما حكي عن المحدّث الجزائري (*) فتدبّر.

الخامس : قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) (١) حيث إنّ المستفاد منه : أنّه عند الدّوران بين الأمرين سواء كانا الخبرين المتعارضين ، أو الاحتمالين يلزم الأخذ بما انتفى فيه الرّيب الموجود في صاحبه فينطبق على ما استفيد من تعليل تقديم المشهور على ما عرفت ، بل دلالته من

__________________

(*) المحدّث الجليل السيّد نعمة الله الجزائري قدس‌سره المتوفى سنة ١١١٢ ه‍.

(١) تفسير جوامع الجامع : ٥ ، والبحار : ج ٢ / ٢٥٩ الوسائل عن التفسير : ج ٢٧ / ١٦٧ باب « وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى » ـ ح ٤٣.

٢٥١

وجه أوضح ؛ حيث إنّ الكلّيّة مصرّح بها في الحديث.

نعم ، الفرق بينهما : كونه أعمّ من الحديثين المتعارضين. هذا حاصل ما يستفاد من « الكتاب » واستفدناه ممّا أفاده في مجلس المذاكرة في تقريب دلالة الحديث.

ولكنّك خبير بما يتطرّق إلى ما أفاده من المناقشة ؛ فإنّ حمل الرّيب المنفيّ في الحديث على الرّيب الإضافي لا داعي له أصلا مع كونه خلاف الظّاهر جدّا هذا. مضافا إلى عدم كون العموم المذكور معمولا به قطعا حتّى على المعنى الظّاهر منه ، غاية الأمر رجحان ذلك على ما أسمعناك في الجزء الثّاني من التّعليقة في « مسألة وجوب الاحتياط في الشّبهة التّحريميّة الحكميّة » (١) فلعلّ ذكره في « الكتاب » من باب مجرّد التّأييد وتكثير الوجوه والاعتضاد لا الاعتماد عليه مستقلاّ فتدبّر.

هذا ما قيل أو يقال في وجه التّعدّي عمّا نصّ عليه من المرجّحات في أخبار العلاج ، والعمدة على ما أسمعناك ك هو التّعليل المنصوص عليه فيها سيّما التّعليل المذكور في ترجيح المشهور رواية.

وقد عرفت : أنّ مقتضاه إناطة التّرجيح بمطلق عدم الرّيب الإضافي الشّامل لبعد أحد الاحتمالين بالنّسبة إلى الآخر ، فشموله لقلّة الاحتمال فضلا عن الظّن الشّخصي بطريق أولى.

وهذا التّعميم وإن لم يساعد عليه كلمات أكثر من تعدّى عن المرجّحات

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ٢ / ٤٠.

٢٥٢

المنصوصة ؛ حيث إنّ ظاهرهم الاقتصار على الظّن ولو نوعا إلاّ أنّه يساعده التّعليل ، فالمدار عليه في الترجيح.

ثمّ إنّ المقتصر على المرجّحات المنصوصة لا بدّ أن يجعل مقتضى الأصل عدم التّرجيح ـ بالتّقريب الّذي عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ ويذهب إلى عدم تماميّة الأدلّة المذكورة بالمنع بالنّسبة إلى بعضها كالإجماع ، والمناقشة بالنّسبة إلى بعضها الآخر كغيره بما عرفت الإشارة إليه ، ويزعم عدم كون ما يستفاد منه التّعليل في مقام ذكر العلّة ، بل في مقام بيان حكمة الحكم ومجرّد التّقريب ؛ فإنّ حمل كلامه على ما زعمه السيّد علم الهدى قدس‌سره : من عدم التّعدّي عن العلّة المنصوصة كما ترى.

* * *

٢٥٣

تنبيه :

الأقوى إعتبار الظن بوجود المرجّح

تنبيه : لا إشكال في اعتبار الظّن بوجود المرجّحات ، بل احتماله في أحد المتعارضين بناء على ما بنينا عليه في مناط التّرجيح ، وأمّا بناء على القول بالاقتصار على المرجّحات المنصوصة ، فهل يكون الظّن المطلق بوجودها بعد الفحص معتبرا أم لا؟ وجهان : أقواهما الأوّل ، إذا علم بوجودها فيما بأيدينا ولم يتمكّن من تحصيلها بالعلم التّفصيلي ولا بالظّن الخاصّ القائم مقامه ؛ لعدم جواز نفيها بالأصل لمكان العلم الإجمالي وقيام الإجماع ظاهرا على عدم وجوب الاحتياط في موارد احتمال وجودها في أحد المتعارضين.

نعم ، لو منع من قيام الإجماع تعيّن المصير إلى الاحتياط ؛ لأنّه مقتضى القاعدة الأوّليّة في موارد العلم الإجمالي ، فيحكم : بأنّ مجرّد احتمال وجود المرجّح كاف في التّرجيح على هذا القول أيضا وإن افترق ما ذكرنا بحسب عنوان التّرجيح ؛ فإنّ الاحتمال على ما ذكره مرجّح بدلالة نفس الأخبار العلاجيّة. وعلى القول المذكور مرجّح من جهة حكم العقل لكنّهما لا يفترقان بحسب الثّمرة العمليّة في المقام وأشباهه كما هو ظاهر. وقد مرّت الإشارة إلى بعض ما ذكرنا هنا في مطاوي كلماتنا السّابقة.

٢٥٤

إيقاظ

تقديم المشهور على الشّاذّ فيما كانا متكافئين من سائر الوجوه والجهات ـ على ما هو المفروض في جميع وجوه التّراجيح ـ إنّما يكون من باب التّرجيح فيما لم يبلغ الشّذوذ مرتبة توجب سقوط الشّاذّ عن الحجّيّة ، وإلاّ فيخرج عن عنوان التّرجيح والتّعارض كما هو ظاهر ، وإن لم يكن هناك ثمرة عمليّة بين الأمرين فيما كانا متكافئين من سائر الجهات.

نعم ، تثمر فيما وجد هناك مرجّح آخر غير الشّهرة والشّذوذ ؛ فإنّه فيما كان التّقديم بعنوان التّرجيح لا بدّ من ملاحظة النّسبة بين ذلك المرجّح والشّهرة من حيث القوّة والضّعف. وأمّا إذا كان من حيث الخروج عن عنوان الحجّيّة فلا معنى لملاحظة النّسبة.

٢٥٥

* المقام الرابع :

بيان المرجّحات تقسيم المرجّحات إلى داخلي وخارجي

(١٩) قوله قدس‌سره : ( أحدهما : ما يكون داخليّا ... إلى آخره ) (١). ( ج ٤ / ٧٩ )

__________________

(١) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« يعني من حيث الدليلية ، فالمراد أن المرجح الداخلى إنّما هي المزية التي لا يستقل في نفسه من حيث الدليلية على حكم على تقدير اعتبارها شرعا ، بمعنى أنها ليست صالحة للطريقية الى حكم من الأحكام ، لعدم كشفها عن حكم حتى تصلح لجعلها حجة وطريقا اليه ، كصفات الراوي من العدالة أو الأعدلية أو الضبط وغيرها ، وصفات الراوية من الفصاحة ونحوها ، فان شيئا منها لا يكشف عن حكم بنفسه ، بل الكاشف عنه كذلك إنّما هو مواردها ، وهي متون الروايات.

ومن هنا علم معنى المرجح الخارجي أيضا ؛ فانه خلاف الداخلي ، فهو المزية التي تكشف بذاتها عن حكم بحيث لو اعتبرها الشارع لكانت بنفسها مبينة لحكم من الأحكام الشرعية ، كالكتاب والأصل.

هذا خلاصة توضيح ما أراده المصنف قدس‌سره بالمرجح الداخلي والخارجي.

أقول : فيما ذكره قدس‌سره ما لا يخفى على المتأمل ، اذ ما من مزية من المزايا إلاّ وهي غير مستقلة في نفسها من حيث الدليلية ، فلم يبق منها مصداق للمرجّح الخارجي أصلا ، فان ذات الأصل

٢٥٦

أقول : قد يناقش فيما أفاده في بيان المراد من الدّاخلي والخارجي بجعل مخالفة العامّة أو عمل سلطانهم : من المرجّح الدّاخلي الرّاجع إلى مرجّح وجه الصّدور ، كما صنعه بعد ذلك في تقسيم المرجّح الدّاخلي بناء على كشفهما عن صدور الموافق لهما بعنوان التّقيّة ـ كما هو أحد الوجوه في التّرجيح بهما على ما

__________________

أو الكتاب ليس مرجّحا ، وانما المرجح هو موافقة الرواية من حيث مضمونها لهما ، ومن البديهي أن موافقة الرواية لهما مع قطع النظر عن ذات الرواية لا تفيد حكما ، بل هي كصفات الراوي ومخالفة العامة ، فلا وجه للتمثيل للمرجح الخارجي بهما ، وأما الشهرة فهي وإن كانت نفسها مرجحة إلاّ أنها أيضا كصفات الراوي من حيث عدم افادتها شيئا ، كما لا يخفى.

فالحري أن يقال : ان المرجح الداخلي هي المزية الراجعة إمّا إلى صفات الراوي أو إلى صفات لفظ الرواية ، والخارجي بخلافه ، فيصدق على موافقة الكتاب والأصل والشهرة الفتوائية ، فان كلاّ من الثلاثة من صفات معنى الرواية ، هذا » إنتهى.

أنظر تقريرات المجدد الشيرازي : ج ٤ / ٣٠٠.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى ان جميع المرجحات كذلك غير مستقلة بنفسها متقومة بما فيها ، ولا يكون منها ما لم يكن كذلك ، اذ الأصل والكتاب وغيرهما مما جعله مستقلا وان كان كذلك ، إلاّ انه ليس بمرجح ، بل المرجح هو موافقة الخبر لكل منهما وهي غير مستقلة بل متقومة بما هي قائمة به.

نعم منشأ الانتزاع فيما جعله من المرجحات الغير المستقلة إنّما هو نفس ما هي قائمة به ، بخلافه في المستقل فانه مركب منه ومن الخارج ، وهذا كما لا يخفى غير موجب لذلك ، فالأولى أن يعرف المرجح الداخلي بما كان منشأ انتزاعه نفس الأمور المتعلقة بالرواية من صفات الراوي أو متنها أو وجه صدورها ، والخارجى بخلافه ، هذا » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٤٥٩.

٢٥٧

ستقف عليه ـ فإنّه إن جعل المرجّح عنوان الموافقة والمخالفة الّذي يتقوّم بالخبر لا محالة ولا يوجد بدونه فهو صفة في الخبر لا يتصوّر له وجود بدونه.

فيتوجّه عليه : النّقض بجميع المرجّحات الخارجيّة ؛ فإنّ المرجّح فيها موافقة الخبر لها لا أنفسها كموافقة الكتاب والسّنة والأصل ونحوها. وإن جعل المرجّح نفس فتوى العامّة لا ما ذكر من العنوان المتقوّم بالخبر. فيتوجّه عليه : عدم استقامة ما ذكره بعد ذلك : من عدّهما من المرجّحات الدّاخليّة هذا.

ولكنّك خبير بعدم توجّه المناقشة المذكورة ؛ فإنّ وجود الأمور الخارجيّة لا تعلّق له بالخبر وإن كان عنوان التّرجيح بملاحظة موافقة الخبر لها ، وهذا بخلاف الأمور الدّاخليّة كصفات الرّاوي وقوّة الدّلالة والفصاحة ونحوها ؛ فإنّ وجودها لا يتصوّر بدون الخبر. والأمر في التّرجيح بمخالفة العامّة من هذا القبيل ؛ فإنّ فتوى العامّة لا تعلّق لها بالخبر أصلا ، إلاّ أنّها ليست من المرجّحات ، بل من الموهنات.

وإنّما المرجّح مخالفتهم المتقوّمة بالخبر لا محالة ، وهذا بخلاف الكتاب والأصل والشّهرة بحسب الفتوى مثلا ؛ فإنّها أمارات للحقّ وكواشف عنه فافهم.

* * *

٢٥٨

المرجّحات الداخليّة

(٢٠) قوله قدس‌سره : ( وأمّا الدّاخلي ، فهو على أقسام ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٨٠ )

أقسام المرجّح الداخلي والكلام فيها

أقول : تقسيم الدّاخلي إلى الأقسام المذكورة ظاهر في عدم جريان التّقسيم المذكور بالنّسبة إلى الخارجي والأمر كذلك ؛ فإنّ التّرجيح بالمرجّح الخارجي يرجع إلى تقوية المضمون دائما.

ثمّ إنّ الكلام في الأقسام المذكورة للمرجّح يعني : المرجّح بحسب الصّدور وجهته والمضمون والدّلالة ، قد يقع : في بيان موردها ؛ فإنّها تختلف بحسب المورد في الجملة ، كما أشار إليه في « الكتاب ». وقد يقع : في بيان مرتبة بعضها مع بعض.

أمّا الكلام من الجهة الأولى ، فحاصله :

أنّ المرجّح من حيث الصّدور سواء كان مورده السّند ، أي : رجال الحديث ، أو المتن لا يتحقّق إلاّ في الأخبار الظّنيّة وإن كانت نبويّة. والمرجّح من حيث وجه الصّدور يتحقّق في الأخبار القطعيّة أيضا إن كانت من الأخبار الإماميّة ، ولا يتحقّق في الأحاديث النّبويّة ؛ ضرورة عدم تصوّر التّقيّة في حقّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان الأحكام وإن وجب عليه حفظ نفسه الشّريفة المباركة. والمرجّح من حيث المضمون والدّلالة يوجد في مطلق الأحاديث وإن كانت قطعيّة ومن الأحاديث

٢٥٩

النّبويّة كما هو ظاهر.

نعم ، يعتبر في المرجّح المضموني ـ سواء كان داخليّا أو خارجيّا بناء على ما أفاده شيخنا العلاّمة قدس‌سره كما ستقف عليه : من رجوعه إلى تقوية إحدى جهات الخبر أعني : الصّدور وجهته ودلالته إجمالا ـ ظنّيّة الرّاجح في الجملة كما هو واضح ، بل التّحقيق : اعتبار ذلك مطلقا ولو لم نقل بهذه المقالة ، لعدم تصوّر التّعارض مع قطعيّة جميع الجهات الثّلاثة.

وأمّا الكلام من الجهة الثّانية ، فحاصله :

أنّه لا إشكال في اختلاف مرتبة المرجّحات من حيث التّقديم والتّأخير عند اجتماعها واختلافها : من حيث وجود بعضها في أحد المتعارضين وبعضها في الآخر إذا اختلفا جنسا ؛ فإنّ تقديم بعضها على بعض مع الاتّحاد جنسا كما إذا كانا من المرجّحات الصّدوريّة مثلا موكول إلى نظر الفقيه ، إلاّ أنّ شيخنا العلاّمة قدس‌سره يتكلّم في تعارض المرجّحات من حيث الدّلالة كما ستقف عليه بحسب المرجّحات النّوعيّة من جهة انضباطها بخلاف غيرها من المرجّحات كما ستقف عليه.

والكلام من الجهة المزبورة قد يقع : في نسبة المرجّح من حيث الدّلالة مع غيره من المرجّحات الثّلاثة. وقد يقع : في نسبة سائر المرجّحات بعضها مع آخر. فالكلام يقع في موضعين :

٢٦٠