بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

الغير المستند إليه ، وإن فرض الظّن ببقاء المناط من جهة الغلبة ونحوها وإن كان في غير محلّه ، لم نعقل الفرق أيضا بين القسمين ، هذا كلّه على فرض إمكان الشّك للعقل فيما هو الموضوع لحكمه ، وإلّا فثبوت الفرق أيضا جليّ على تقدير حصول الظّن بالمناط ، هذا كلّه بالنّسبة إلى الحكم الشّرعي المستند إلى الحكم العقلي.

وأمّا نفس الحكم العقلي فلا يمكن استصحابه ولو على تقدير القول بإمكان الشّك في موضوع حكم العقل مع الظّن ببقائه ؛ إذ قد عرفت : أنّ الحكم العقلي إنّما يتبع القطع بالموضوع ، فحال الشّك فيه والظّن به سواء في نظره فلا حكم له معهما قطعا. هذا مجمل القول في المقام الأوّل والثّاني.

عدم معقوليّة جريان الاستصحاب في موضوع الحكم العقلي

ليترتّب عليه الحكم العقلي

وأمّا الكلام في المقام الثّالث : وهو إجراء الاستصحاب في موضوع الحكم العقلي ليترتّب عليه الحكم العقلي ؛ حيث إنّ الشّك في بقاء ما هو الموضوع في القضيّة العقليّة وارتفاعه ممّا لا سترة فيه ، كما إذا حكم العقل بشرب مائع من حيث كونه مضرّا ومهلكا ، ثمّ شكّ في زمان في بقاء الضّرر فيه ، فالحقّ : أنّه أيضا ممّا لا يعقل ـ سواء على القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد ، أو الظّن ـ لا من جهة عدم تعقّل الشّك في بقاء الموضوع ، كيف؟ وقد عرفت : أنّه من الأمور الواضحة الّتي لا سترة فيها ، بل من جهة ما عرفت ـ في طيّ كلماتنا السّابقة ـ : من أنّ الحكم العقلي إنّما يتبع القطع بالموضوع.

٦١

ففي صورة عدم القطع به لا يحكم قطعا ـ سواء شكّ في الموضوع أو ظنّ به ـ فتعبّد الشارع حينئذ ممّا لا نعقل له معنى أصلا : من جهة أنّ أمره ظاهرا ببقاء الموضوع إنّما ينفع بالنّسبة إلى الأحكام المحتملة للبقاء في زمان الشّك ولو لم يكن من الآثار الشّرعيّة بناء على القول بحجيّة الاستصحاب بالنّسبة إلى غير الأمور الشّرعيّة أيضا هذا.

مضافا إلى ما عرفت غير مرّة وستعرف أيضا تفصيلا : من عدم حجّية الاستصحاب بالنّسبة إلى غير الآثار الشّرعيّة إذا لم يكن المستصحب من الأحكام الشّرعيّة ، وكذا الظّن ببقاء الموضوع لا يمكن أن يكون ظنّا ببقاء الحكم العقلي ؛ لما عرفت : من القطع بعدم الحكم له عند عدم القطع بالموضوع هذا ما يقتضيه النّظر الجليّ.

وأمّا ما يقتضيه النّظر الدّقيق فهو : أنّ الموضوع في القضايا العقليّة دائما هو الشّيء بوصف كونه معلوما ، فالعلم دائما جزء للموضوع في القضايا العقليّة ، فالشّك في الموضوع ، أو الظّن به ممّا لا يعقل بالنّسبة إليها ، وإلّا لزم انفكاك الظّن بالعلّة عن الظّن بالمعلول ؛ لما عرفت غير مرّة : من أنّ العقل يحكم دائما على الموضوع الأوّلي ، وبمثل هذا فليحرر المقام.

ومن التّأمّل فيه يظهر فساد التّفصيل في المقام بين القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن أو التّعبّد بتوهّم : أنّه على الأوّل يحكم بترتّب الحكم العقلي عليه ؛ نظرا إلى عدم الفرق على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن بين الآثار الشّرعيّة والعقليّة ، وعلى الثّاني يحكم بعدم ترتيبه ؛ لعدم حجيّة الاستصحاب بالنّسبة إلى غير الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب.

٦٢

توضيح الفساد : أنّ مع الظّن ببقاء المستصحب إن أمكن الظّن ببقاء ما هو لازمه ولو كان غير شرعيّ ، لا بدّ من القول باعتبار الاستصحاب فيه. وأمّا إذا لم يمكن ذلك كما في المقام ـ على ما عرفت تفصيل القول فيه ـ فلا يعقل القول بوجوب الالتزام به بواسطة الظّن بالموضوع.

نعم ، قد يحكم العقل حكما قطعيّا جزميّا بشيء في صورة الظّن ببعض الموضوعات ، كما في الضّرر الأخروي المظنون ، أو الدّنيوي بناء على القول : بأنّه يحكم العقل بوجوب دفعه مع قطع النّظر عن دليل الانسداد ، بل في صورة احتمال بعض الموضوعات ولو كان موهوما ، كما في الضّرر الموهوم الأخروي ، لكنّه لا دخل له بحديث الظّن بحكم العقل.

لأنّك قد عرفت : أنّه يحكم حكما قطعيّا في صورة الظّن أو الوهم مثل ما يحكم به في صورة القطع ، لا أنّه يظنّ بحكمه الثّابت في موضوع القطع ، فكلّ من الظّنّ والوهم حينئذ موضوع لحكمه وإنشائه كالقطع ، فهذا لا دخل له بما نحن في صدده : من إثبات الظّن بالحكم العقلي من جهة تعلّق الظّن بموضوعه من جهة الاستصحاب.

وكذا يظهر فساد ما قيل : من تسليم تعبّد الشارع بحكم العقل في الفرض وخروجه عن كونه عقليّا ، كما ربّما يستظهر من « الكتاب » : من حيث عدم امتناع إلزام الشارع بالالتزام بالحكم العقلي الثّابت أوّلا في صورة الشّك في بقاء موضوعه ؛ ضرورة امتناع تعبّد الشارع بالحكم العقلي مع القطع بانتفائه وإن كان من باب التّعبّد بموضوعه ؛ إذ تعبّد الشارع إنّما هو مع احتمال التّعبّد به للوجود وإلّا فلا معنى للتّعبّد فافهم. هذا مجمل القول في المقام الثّالث.

٦٣

جريان الاستصحاب في موضوع الحكم العقلي ليترتّب

عليه الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي

وأمّا الكلام في المقام الرّابع : وهو إجراء الاستصحاب في موضوع الحكم العقلي ليترتّب عليه الحكم الشّرعي المستكشف من الحكم العقلي ، فالظّاهر أنّه لا إشكال فيه ؛ لأن الشّك في بقاء الموضوع مستلزم للشّك في بقاء الحكم الشّرعي أيضا : من حيث إنّ الحاكم فيه غير المكلّف الشّاك ، فيعقل الشّك في بقاء الحكم على ما عرفت في المقام الثّالث ، وليس فيه مانع آخر أيضا ؛ لما عرفت سابقا : من فساد ما يتوهّم : من أنّ مقتضى قاعدة التّطابق أن يكون الموضوع في الحكم الشّرعي نفس حكم العقل ، أو كون قطع المكلّف بالموضوع معتبرا في حكم الشارع موضوعا ، كما أنّه معتبر في حكم العقل كذلك.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا : من عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي ولا في الشّرعي المستند إليه بين أن يكون وجوديّا أو عدميّا ؛ لوجود مناط المنع في الثّاني أيضا ، فلا يمكن إجراء الاستصحاب فيه ، كما لا يمكن في الأوّل أيضا ، فلا يمكن إذن استصحاب عدم وجوب الجزء المنسي على النّاسي حين التّذكر ، كما لا يمكن استصحاب تحريم التّصرف في مال الغير ووجوب ردّ الأمانة إلى أربابها.

نعم ، لا إشكال في جريان الاستصحاب في الأمر العدمي الّذي لم يكن مستندا إلى القضيّة العقليّة ، وإن كانت في مورده كما في استصحاب عدم التّكليف

٦٤

الأزلي ؛ فإنّ العدم الأزلي قد يتصادق مع حكم العقل بالعدم أيضا ، كما في حقّ الصّغير الغير القابل للتّكليف الّذي يستقلّ العقل بعدم ثبوت التّكليف عليه من الشارع لقبح التّكليف في حقّه وليس مستندا إليه لسبقه بالفرض عليه ، فحينئذ لا إشكال في جريان الاستصحاب في هذا الأمر العدمي لو لم يكن له مانع من جهة أخرى كعدم العلم ببقاء الموضوع ، كما قد يدعى بالنّسبة إلى الصّغير ؛ حيث إنّ عدم التّكليف الثّابت في حقّ الصّغير غير عدمه في حقّ الكبير ؛ لتباينهما موضوعا كما لا يخفى. وعدم ترتّب حكم عليه من حيث كون الحكم المقصود بالإثبات حكما عقليّا أو شرعيّا مترتّبا على الشّك ؛ فإنّه لا يجوز إجراء الاستصحاب حينئذ إمّا مطلقا ، أو بالنّسبة إلى الحكم المقصود بالإثبات.

وهذا لا يضرّ ما نحن بصدده : من إثبات عدم إمكان جريان الاستصحاب في الحكم العقلي وما هو مستند إليه من الوجودي والعدمي ، دون ما لم يستند إليه ، بمعنى : أنّه لا يكون فيه مانع من هذه الجهة وإن كان له موانع كثيرة من جهات أخر.

وهذا بخلاف الأمر الوجودي ؛ فإنّه لا يمكن أن يكون في مورد حكم العقل مستندا إلى غير حكم العقل.

ومنه يظهر :

الوجه في تخصيص استصحاب حال العقل باستصحاب البراءة الأصليّة ؛ فإنّ مرادهم ليس استصحاب حكم العقل بها من حيث الاستناد إليه ، بل استصحاب ما حكم العقل به أيضا في بعض أزمنة ثبوته.

٦٥

واندفاع ما أورده عليهم بعض أفاضل من تأخّر (١) : من أنّ الحكم العقلي قد يكون وجوديّا ، وقد يكون عدميّا ، وقد يكون وضعيّا ، وقد يكون تكليفيّا. فلا معنى لاختصاص جريان الاستصحاب في الحكم العقلي بالعدمي ؛ حيث إنّك قد عرفت :

أنّ مرادهم ليس استصحاب حكم العقل ، وإنّما هو استصحاب ما ثبت في مورد حكم العقل ، لا استصحاب حكم العقل حتّى يتوجّه عليه ما أفاده قدس‌سره.

نعم ، لو كان المراد ما هو الظّاهر من عبارة الكتب لتوجّه عليهم إيراده لكن عرفت أنّ مرادهم ليس على طبق ظاهره وأنّ المعنى المذكور لا يتصوّر بالنّسبة إلى الأمر الوجودي فلذا خصّوه بالعدمي.

هذا حاصل ما ذكره الأستاذ العلّامة في دفع ما أورده الفاضل المذكور على القوم : في تخصيصهم استصحاب حكم العقل بالبراءة الأصليّة.

ولكنّه لا يخلو عن تأمّل يعرف وجهه من التّأمّل فيما ذكرناه في طيّ كلماتنا السّابقة المتعلّقة بالمقام فلا نعيد فيه الكلام.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر لك : فساد ما سلكه جماعة من التّمسّك باستصحاب الحكم العقلي كثيرا في الأصول وفي الفروع ، ونحن نشير إلى جملة منها حتّى تعرف حقيقة الحال فيما نطوي ذكره في هذا المضمار.

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٣٦٦.

٦٦

لا وجه لاستصحاب البراءة الأصليّة رغم اشتهاره

فمنها : استصحاب البراءة الّذي قد اشتهر بينهم وقد تمسّكوا به في باب البراءة في الأصول لإثبات اعتبار أصالة البراءة في قبال الأخبار به ، وفي كثير من الفروع في الفقه يقف عليه من راجع إلى كلماتهم.

وأنت خبير بفساد التّمسك به ؛ حيث إنّ خلو الذّمّة الّذي يحكم به العقل الرّاجع إلى حكمه بقبح العقاب من غير وصول البيان إلى المكلّف ليس قابلا للاستصحاب ؛ لعدم الشّك فيه أصلا ، حتّى يجري الاستصحاب فيه ، بل العقل يحكم به دائما ، فلا معنى لأن يقال : إنّه قبل الشّرع أو العثور عليه كان المكلّف عالما ببراءة ذمّته عن الغسل في يوم الجمعة ، أو الاستهلال مثلا فتستصحب البراءة عند الشّك في حدوث الاشتغال.

توضيح الفساد :

أنّه إن أريد من العلم بالبراءة في الزّمان السّابق هو العلم بعدم استحقاق العقاب كما هو الظّاهر.

ففيه : أنّ هذا المعنى ممّا لا يعرضه الشّك أبدا لاستقلال العقل به في الزّمان الثّاني أيضا لوجود ما هو العلّة التّامة لحكمه به فيه وهو عدم وصول البيان.

وإن أريد بالمستصحب عدم التّكليف الأزلي ؛ من حيث عدم الموضوع ، أو عدم قابليّته كما في غير المميّز.

ففيه : أنّا نقطع بانتفاء هذا الموضوع في حال الشّك ، فلا معنى لاستصحابه.

٦٧

وإن أريد به عدم التّكليف الأزلي المتحقّق في حالتي التّميز وعدمه ، والمجامع لموضوعي حكم العقل والشّرع.

ففيه : أنّ هذا ليس استصحابا في حكم العقل حقيقة على ما عرفت الكلام فيه ؛ لأنّ المراد بالبراءة المستصحبة حينئذ هو عدم تعلّق التّكليف به بحسب الواقع المجامع لحكم العقل فإن أريد منه ترتيب ما يترتّب شرعا على عدم اشتغال الذّمة بالتّكليف الواقعي فلا بأس به مع اجتماع شروط الاستصحاب : من إحراز الموضوع وغيره.

وإن أريد منه الحكم بعدم استحقاق العقاب على مخالفته التّكليف المشكوك فلا إشكال في فساده :

أمّا أوّلا : فلما عرفت : أنّ الموضوع في حكم العقل بعدم استحقاق العقاب ليس هو عدم التّكليف الواقعي ، بل ما هو موجود في صورة العلم بعدم التّكليف والشّك فيه قطعا ، فلا معنى لإجراء الاستصحاب بالنّسبة إليه ؛ إذ الاستصحاب إنّما يجري بالنّسبة إلى الأحكام المترتّبة على الأمور الواقعيّة من الأعدام والوجودات لا ما يترتّب على الأمور المعلومة ، أو على ما يوجد في صورة الشّك قطعا ؛ إذ في الأوّل لا إشكال في انتفاء الحكم ، وفي الثّاني لا إشكال في ثبوت الحكم فلا يمكن إذن إجراء الاستصحاب.

وأمّا ثانيا : فلما عرفت غير مرّة : أنّ الاستصحاب لا يثمر بالنّسبة إلى غير الآثار الشّرعيّة المترتّبة على المستصحب الغير الشّرعي فتدبّر.

ثمّ إنّه لا تنافي بين ما ذكرنا هنا من عدم جريان استصحاب البراءة وبين ما ذكرنا سابقا في توجيه كلماتهم في تخصيص استصحاب حال العقل بالبراءة

٦٨

الأصليّة ؛ لما عرفت : أنّ مرادهم من البراءة ثمّة هو عدم التّكليف ، لا حكم العقل بقبحه أو المؤاخذة عليها ، كما هي المراد من البراءة في المقام وإن أمكنت الخدشة فيما ذكروه ثمّة أيضا من غير الجهة المذكورة ، كعدم العلم ببقاء الموضوع ، وكون المقصود من استصحاب عدم التّكليف وإثباته هو نفي المؤاخذة ، وهو ليس من أحكامه إلى غير ذلك ، لكن لا تعلّق له بمحلّ البحث كما لا يخفى.

ومنه يعلم : أنّ البراءة الممنوعة استصحابها من جهة كونها حكما عقليّا إنّما هو نفي المؤاخذة ليس إلّا ، فيمكن أن يقال حينئذ : إنّ المراد بالبراءة عندهم في الأصول والفروع هو عدم التّكليف وخلوّ الذّمة واقعا ، فلا يتوجّه عليهم ما ذكرنا وإن توجّه عليهم الإيرادان الأخيران ، ولعلّه الظّاهر من كلماتهم في موارد استعمال استصحاب البراءة ، وهذا وإن لم يكن جاريا أيضا إذا كان المقصود به إثبات عدم المؤاخذة ، إلّا أنّ وجه المنع فيه ليس كونه استصحابا في الأحكام العقليّة ، بل ما عرفت : من عدم كون المؤاخذة من الآثار المترتّبة على عدم التّكليف واقعا فافهم.

٦٩

في انّ حال استصحاب الاشتغال حال استصحاب البراءة

ومنها : استصحاب الاشتغال الّذي جرى في الاشتهار مجرى استصحاب البراءة ، كما في موارد العلم الإجمالي بالتّكليف فيما يحكم العقل فيه بوجوب الاحتياط بعد الإتيان ببعض أطراف الشّبهة ؛ فإنّه قد يتمسّك حينئذ لوجوب الإتيان بباقي الأطراف باستصحاب شغل الذّمّة بالتّكليف.

وفيه أيضا : أنّ شغل الذّمّة الّذي يحكم به العقل الّذي يعبّر عنه بوجوب الاحتياط أيضا ليس ممّا يقبل الشّك حتّى يجري فيه الاستصحاب ؛ لأنّ العلّة في حكم العقل بوجوب الاحتياط في أوّل الأمر وقبل الإتيان ببعض أطراف الشّبهة هو احتمال الضّرر في كلّ محتمل ، وهو متحقّق بعد الإتيان ببعض المحتملات ؛ ضرورة عدم صلاحيّته لرفعه ، مع أنّه على تقديره نقطع بارتفاع الموضوع ، فيستقلّ العقل بالحكم بوجوب الاحتياط وعلى تقدير ارتفاع الاحتمال لا يحكم بوجوبه قطعا ، فليس هنا مورد يشكّ في حكم العقل بوجوب الاحتياط حتّى يتمسّك باستصحابه.

نعم ، الاشتغال بمعنى بقاء التّكليف الواقعي المتعلّق بذمّة المكلّف وعدم الإتيان به واقعا ممّا يمكن وقوع الشّك فيه نظير سائر الأمور الواقعيّة ، لكن استصحابه إنّما ينفع في ترتيب الآثار الشّرعيّة على بقاء الواجب في ذمّة المكلّف مثل عدم جواز فعل النّافلة ونظيره ، وأمّا بالنّسبة إلى الحكم بوجوب الإتيان بباقي الأطراف بالوجوب العقلي الإرشادي فلا ، لما عرفت : من كونه مترتّبا على عدم

٧٠

العلم بإتيان الواجب لا على عدم إتيانه في الواقع ، مضافا إلى كونه من الآثار العقليّة لا الشّرعيّة.

نعم ، لو قلنا باعتبار الأصول المثبتة أمكن إثبات وجوب الطّرف الباقي بالوجوب الشّرعي ولا يقدح فيه كون الحاكم بوجوب الإتيان بعد إثباته أيضا العقل ؛ لأنّ الحكم الشّرعي الثّابت بالاستصحاب يترتّب عليه جميع آثاره من العقليّة والشّرعيّة وغيرهما حسب ما ستقف على تفصيل القول فيه إن شاء الله تعالى.

وبالجملة : البراءة والاشتغال قد يراد بهما حكم العقل فلا يمكن إجراء الاستصحاب فيهما ، وقد يراد بهما عدم التّكليف الواقعي وعدم سقوطه في الواقع فحالهما حينئذ حال سائر الموضوعات والأمور الّتي يراد استصحابها ، فإن ترتّب عليهما حكم شرعيّ فهو ، وإلّا فلا معنى لاستصحابهما سواء كان من جهة ترتيب الحكم على ما هو موجود في صورة الشّك قطعا ، أو من جهة كونه أثرا غير شرعيّ.

والّذي ظهر لي بالتتبّع في كلماتهم كون مرادهم من استصحابي البراءة والاشتغال هو المعنى الثّاني لهما مع إرادتهم لترتيب ما هو مترتّب على العنوان الأعمّ من المؤاخذة على تقدير المصادفة في الثّاني وعدمها على تقدير ثبوت التّكليف في الأوّل ، فيتوجّه عليهم حينئذ ما عرفت : من عدم جريانه أيضا وإن كان المستصحب لا دخل له بالعقل.

وممّا ذكرنا كلّه ظهر لك : أنّ ما ربّما يستفاد من كلام الأستاذ العلّامة : من عدم الحاجة إلى استصحابي البراءة والاشتغال المشعر بتسلّم جريانهما والغناء عنهما ليس في محلّه ، كما أنّه ظهر لك : أنّ ذكر استصحاب البراءة والاشتغال في المقام إنّما هو على تقدير كون المراد بهما المعنى الأوّل لا الثّاني والله العالم.

٧١

الاستصحاب لنفي وجوب تقليد الأعلم

ومنها : ما تمسّك به جماعة في مسألة وجوب تقليد الأعلم دليلا على نفيه من أنّا نفرض هناك مجتهدين متساويين في العلم ، فيستصحب التخيير وجواز الرّجوع إلى كلّ واحد منهما بعد صيرورة أحدهما أفضل وأعلم ، ويتم المدّعى في غير الصّورة بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.

وفيه : أنّ حكم العقل بالتّخيير وجواز الرّجوع إلى كلّ واحد من المجتهدين في صورة المساوات إنّما هو من جهة قبح التّرجيح بلا مرجّح ، وهذا المناط ليس بموجود بعد وجود الأفضليّة ، فلا شك في حكم العقل للقطع بانتفائه فلا مجرى للاستصحاب.

نعم ، لو كان التّخيير بينهما في صورة المساوات شرعيّا أمكن استصحابه به بعد ارتفاع المساوات مع قطع النّظر عن المناقشة فيه بتغير الموضوع ، أو احتمال تغيّره المانعين عن جريان الاستصحاب.

عدم جواز العدول عن مجتهد إلى غيره

ومنها : ما تمسّك به جماعة أيضا في مسألة عدم جواز العدول عن مجتهد إلى غيره اختيارا مع مساواتهما في الفضيلة من حيث العلم والعدالة للقول بعدم الجواز كما هو المشهور : من أنّا نفرض أوّلا وحدة المجتهد الّذي يجوز الرّجوع إليه ، فيستصحب تعيّن تقليده بعد فرض وجود غيره أيضا ويتم المدّعى في غير

٧٢

الصّورة بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.

وفيه أيضا : أنّ حكم العقل بالتّعيين في صورة وحدة المرجع بالعرض ، إنّما هو من جهة انحصار الكلّي في الفرد وعدم إمكان الرّجوع إلى غيره لعدم وجود موضوعه بالفرض ، وهذا المناط قد ارتفع في الزّمان الثّاني قطعا ، فكيف يمكن استصحاب التّعيّن وعدم جواز العدول مع أنّه لو كان المناط موجودا لم يجز التّمسك بالاستصحاب أيضا للقطع ببقاء الحكم؟

استصحاب عدم وجوب الأجزاء المنسيّة بعد التذكّر

ومنها : ما عرفت عن بعض فيما تقدّم : من التّمسك باستصحاب عدم وجوب الأجزاء المنسيّة بعد التّذكر الثّابت في حال النّسيان فيكون حكمه حكم الشّك في الإتيان بالجزء بعد تجاوز المحلّ لا قبله هذا.

وفيه ما عرفت : من أن حكم العقل بعدم وجوب الجزء عليه في حال النّسيان ، وكونه معذورا في تركه إنّما هو من جهة عدم قابليّته لتوجّه الخطاب إليه ، وهذا المناط مرتفع في صورة التّذكر قطعا ، فمقتضى حكم العقل لزوم الإتيان به عند التّذكر ليحصل المطلوب الواقعي.

نعم ، لو قام دليل على اختصاص جزئيّته بحال التّذكّر ، أو ادّعي اختصاص الأدلّة المثبتة للجزئية بها ـ كما ادّعاه بعض ـ أو احتمل ذلك ، كان هنا كلام آخر لا دخل له بالاستصحاب ، وقد مضى تفصيل القول فيما يتعلّق بالمقام في الجزء الثّاني من التّعليقة عند التّكلّم في فروع مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

٧٣

تصحيح عبادة الجاهل ، بالإستصحاب

ومنها : ما تمسّك به بعض الأفاضل ممّن تأخّر لإثبات صحّة عبادة الجاهل المركّب : من استصحاب عدم وجوب الواقع عليه بعد الالتفات الّذي كان ثابتا قبله بحكم العقل بقبح تكليفه.

وفيه : أنّ العقل إنّما حكم بقبح توجيه التّكليف الواقعي إليه من جهة غفلته عنه وعدم قابليّة له لا رفع التّكليف عنه في الواقع ، وإلّا فيلزم التّصويب الباطل عند أهل الصّواب.

مضافا إلى ما عرفت مرارا : من عدم إمكان أخذ العلم في التّكليف الواقعي ، فلازم بقاء الأمر الواقعي وجوب امتثاله بعد ارتفاع الغفلة عنه ، مع أنّه لو حكم العقل برفع التّكليف الواقعي عنه لم يكن معنى لاستصحابه أيضا كما لا يخفى.

(٢٣٩) قوله : ( وأمّا الثّالث (١) : فلم يتصوّر فيه الشّك ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٢١٨ )

__________________

(١) كذا وفي الكتاب « وأمّا المثال الثالث ».

(٢) قال المحقق الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« الظاهر انه أراد أن شرطيّة العلم للتكليف ممّا لا يتطرّق إليه الشكّ في زمان ، مع إمكان أن يراد أنّه لو فرض شكّ في الشّرطيّة في حال ليس شكّا في بقاء العقل بها ، بل لا حكم للعقل في هذا الحال بلا إشكال ، ضرورة عدم استقلال العقل بها مع الشّك فيها ، كما لا يخفى » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٤٥.

* وقال المؤسس الطهراني قدس سره :

٧٤

__________________

« وأمّا المثال الثالث فالشك في شرطيّة العلم من جهة احتمال اختصاص الحكم بمرتبة من الأهتمام يتنجّز باعتبارها على الجاهل كما هو الحال في النفوس المحترمة ؛ فإن الجاهل في الشبهة الموضوعيّة ليس معذورا في الإتلاف.

ومن هذا القبيل وجوب الفحص عن الإستطاعة والنّصاب في الحجّ والزكاة ، مع انّ الشبهة موضوعيّة ؛ فإن مرجعه إلى عدم معذوريّة الجاهل وتنجّز الحكم بمجرّد تحقق موضوعه على الملتفت ، وإلى هذا يرجع وجوب الإحتياط في الشبهة الحكميّة التحريميّة على توهّم الأخباريّين من الأخبار وغيرها.

فإنّ هذا الحكم على تقدير صحّته ليس تكليفا واقعيّا ، بل إنّما هو حكم ظاهري ومرجعه إلى تنجّز الحرمة الواقعيّة على تقدير ثبوتها على الجاهل وعدم معذوريّته ، وهذا معنى انّ الأخبار الدالّة على وجوب الإحتياط بيان ، وإلّا فالجهل بالواقع لا يرتفع بها بالضرورة ، وكون وجوب الإحتياط أصلا أوضح من أن يخفى على ذي مسكة ، وكيف يرتفع حكم الجاهل ما هو موضوعه ، مع ان مرجعه إلى علّيّة الشيء لإعدام نفسه ، وكون الشيء مزيلا لنفسه أظهر فسادا من اجتماع النقيضين.

وإذا تبيّن لك انّ الحكم يمكن أن يكون بمثابة لا يتوقّف تنجّزه على العلم فحيث شك في كون حكم من الأحكام كذلك فلا مناص عن التعويل على استصحاب عدم كونه كذلك ولو لم يصح هذا لكان قول الأخباريّين موافقا للأصل ، مع أنّ المعلوم المسلّم بين الفريقين : انّ الأصل الأوّلي هو البراءة ؛ فإنه هو استصحاب حال العقل الذي لا ريب فيه ، فمع الشك في وجوب الإحتياط لا يعوّل إلّا على أصالة عدم كون هذا الحكم بمثابة ينجّز على الجاهل وهو من قبيل أصالة عدم كون المرأة قرشيّة ونبطيّة.

وبما حقّقناه ظهر أيضا : انه لا مناص عن التمسّك بالإستصحاب عند الشك في الإشتغال والبراءة ؛ فإنّ مجرّد الشك في الإشتغال لا حكم له لإختلافه باختلاف كون المعلوم سابقا هو

٧٥

أقول : لعلّ المراد هو الشّكّ البدوي ، وإلّا فقد عرفت : أن الشّك في حكم العقل غير متصوّر في مورد من الموارد حتّى في المثالين الأوّلين ؛ لأنّ العقل إمّا يحكم بقبح الأوّل وحسن الثّاني مطلقا ، أو يحكم بهما بشرط عدم الاضطرار والخوف. وعلى كلّ تقدير لا معنى للشّك كما هو ظاهر ، والقول : بأنّه يحكم بهما في الجملة ، والمتيقّن منه ما لم يكن هناك خوف واضطرار ، قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه ، وأنّه لا يتصوّر الإهمال في موضوع الحكم في نظر الحاكم.

نعم ، قد يتصوّر الشّك في الحكم الشّرعي في المثالين : من جهة الشّكّ في عروض ما يرتفع معه موضوع الحكم حقيقة كالاضطرار مثلا ، لكنّه لا تعلّق له بالشّك في حكم العقل ، بل ولا في حكم الشارع في موضوعه ، وهكذا الحال في المثال الثّالث ؛ فإنّه لا يخلو : إمّا أن يقول : بأنّ الشّرط في تنجّز التّكليف عند العقل هو العلم التّفصيلي بحيث يكون دائرا مداره ، ففي صورة عدم حصوله لا معنى لتنجّز التّكليف سواء كان هناك علم إجمالي أو لا ، أو يقول : بأنّ الشّرط فيه عنده هو الأعمّ من العلم الإجمالي والتّفصيلي حسب ما هو قضيّة التّحقيق ، فلا يعقل شكّ في بقاء الشّرطيّة على كلّ تقدير.

نعم ، ربّما يستصحب نفس التّكليف المعلوم بالإجمال بعد الإتيان ببعض أطراف العلم الإجمالي ، ولكنّه لا دخل له بالاستصحاب في الحكم العقلي ؛ لأنّه استصحاب في الحكم الشّرعي ، مع أنّك قد عرفت : عدم جريانه أيضا على بعض التّقادير والوجوه.

__________________

البراءة والإشتغال ولا معنى للتعويل على الإستصحاب إلّا ذلك وقد أوضحنا الحال فيه فيما مرّ » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

٧٦

وهذا الّذي ذكرنا من استصحاب التّكليف المعلوم بالإجمال في صورة الإتيان ببعض أطرافه هو الّذي وقع في كلام جماعة ونبّه الأستاذ العلّامة على فساده فيما سيأتي ، لا استصحاب التّكليف المعلوم بالتّفصيل فيما صار معلوما بالإجمال ؛ فإنّه لم يقع في كلام أحد ولم ينبّه الأستاذ العلّامة على فساده أيضا في طيّ كلامه ، وإن كان فساده واضحا على تقدير وقوع التّوهم فيه كما لا يخفى ؛ ضرورة كونه استصحابا في الحكم الشّرعي أيضا ، مع أنّ المراد به إن كان هو الحكم الواقعي ، فلا يتصوّر الشّك في بقائه ، وإن كان الحكم الفعلي فيتبع حكم العقل بشرطيّة العلم للتّنجز من حيث الإطلاق أو الاشتراط ، فلا يتصوّر الشّك فيه أيضا ، هذا. فالعبارة كما ترى لا تخلو عن مناقشة.

* * *

٧٧

* التنبيه الرابع (١) :

الاستصحاب التعليقي ( التقديري )

(٢٤٠) قوله : ( توضيح ذلك : أنّ المستصحب قد يكون أمرا موجودا في السّابق بالفعل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٢١ )

أقول : لا يخفى عليك أن المستصحب : قد يكون موضوعا ، وقد يكون حكما. وعلى الأوّل لا يخلو :

إمّا أن يكون الحكم المترتّب على استصحابه ممّا كان موجودا معه في الزّمان السّابق وجودا منجّزا فعليّا.

__________________

(١) قال المحقق المؤسس الأصولي الشيخ محمد هادي الطهراني قدس‌سره :

« انّ مقتضي اختصاص الشك في الرّافع بهذا الأصل فساد ما اشتهر من الإستصحاب التقديري لإثبات حرمة العصير الزّبيبي بالغليان ؛ ضرورة انّ يبوسة العنب ليست رافعة لحكم من أحكامه وإنّما الشك على تقدير تحقّقه ناش عن عدم معرفة الموضوع واحتمال أن يكون العنب عنوانا للحكم يدور هذا الحكم مداره ، فمع ظهور انّ الموضوع هو الجامع بين العنب والزبيب لا حاجة إلى الإستصحاب ؛ لعدم إحتمال المزيل ومع الجهل لا مجرى للإستصحاب.

وإلى ما حقّقناه ينظر ما عن بعض الأجلّة قدس‌سره : من انه يشترط في حجّيّة الإستصحاب ثبوت أمر أو حكم وضعي أو تكليفي في زمان من الأزمنة قطعا ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الأسباب ولا يكفي مجرّد قابليّة الثبوت باعتبار من الإعتبارات فالإستصحاب التقديري باطل » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

٧٨

وإمّا أن يكون مترتّبا على وجوده في الزّمان الّذي أريد استصحابه فيه بحيث يكون للزّمان المذكور مدخليّة فيه ، فيمكن فرض وجود تقديريّ لهذا الحكم في الزّمان السّابق مع المستصحب وهو كثير جدّا ، كاستصحاب حياة العبد الغائب مثلا في عيد رمضان لإثبات وجوب فطرته ، واستصحاب حياة الوارث عند موت مورثه إلى غير ذلك.

وعلى الثّاني لا يخلو أيضا : إمّا أن يكون له وجود فعليّ منجّز مطلق لا تعليق فيه أصلا ، وإمّا أن يكون له وجود على بعض التّقادير وعلى بعض الوجوه.

لا إشكال في جريان الاستصحاب في الشّق الأوّل من القسمين ، بل لا خلاف فيه ، إنّما الإشكال والخلاف في الشّق الثّاني من القسمين الّذي يسمّى استصحابه بالاستصحاب التّعليقي والتّقديري في لسان جمع من مشايخنا هذا.

ولكن لا يبعد أن يكون هذا الاصطلاح منهم مختصّا بالشّق الثّاني من القسم الثّاني ؛ لأنّ المستصحب فيه من الشّق الأوّل لا تعليق فيه أبدا غاية ما هناك ترتّب الحكم على وجوده الثّانوي ، وهذا لا تعلّق له بالتّعليق في المستصحب ، وإنّما هو من التّعليق في حكمه على بعض الوجوه وإن توهّم منعه أيضا ، بل من حيث إنّ استصحاب الموضوع لا معنى له إلّا ترتيب الحكم المترتّب عليه على ما عرفت غير مرّة والمفروض عدم ترتيب الحكم المفروض عليه في السّابق إلّا على نحو التّعليق فيلحق حكما بالاستصحاب التّعليقي وإن لم يكن من أفراده.

وكيف كان : المشهور على عدم الفرق بين الاستصحاب التّعليقي والتّنجيزي

٧٩

في الحكم ، حكاه العلّامة الطّباطبائي (١) في الرّسالة الّتي صنّفها في « مسألة العصير الزّبيبي » وغيره بانيا على حجيّة الاستصحاب التّعليقي مفصّلا الكلام فيه غاية التّفصيل.

وعن السيّد السّند في « المناهل » حاكيا له عن والده قدس‌سرهما في مجلس البحث (٢) : عدم اعتبار الاستصحاب التّعليقي متمسّكا في ظاهر كلامه : بأنّ مجرّد قابليّة ثبوت الشّيء ببعض الاعتبارات لا يكفي في استصحابه ، بل يشترط في الاستصحاب القطع بثبوت المستصحب في الزّمان السّابق ، وهذا المعنى غير موجود في الاستصحابات التّقديريّة هذا.

__________________

(١) هو الفقيه الجليل السيد مهدي بحر العلوم أعلى الله مقامه المتوفي سنة ١٢١٢ ه‍ وكان يذكر في الكتب بالعلّامة الطباطبائي كما في الجواهر وكتب المحقق النراقي والشيخ الأعظم ومن في طبقته ثم شاع التعبير عنه بالسيد بحر العلوم في طبقة تلامذه الشيخ الأعظم كما في كتب المحدّث النوري ونظراءه.

نعم تلقيبه ببحر العلوم أمر متقدم جدّا لقّبه بذلك شيخه الفيلسوف الشهيد السيد مهدي الإصفهاني الخراساني ( المتوفي سنة ١٢١٧ ه‍ ) لكن شياعه بشكل واسع على الألسنة كان متأخّرا كما ذكرنا.

والعلامة الطباطبائي اليوم في الكتب الفقهيّة يطلق على ثلاث من الأعلام : السيد بحر العلوم كما تقدم وسيّد الرياض وسيّد العروة والأوّلان معاصران وكيف كان فالتمييز بالقرينة.

(٢) أنظر المناهل للسيد محمّد المجاهد : ٦٥٢ ( كتاب الأطعمة والأشربة ).

٨٠