بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

فإنّه إن كان شرطا في أصل تأثير العقد كالقصد والعربيّة ونحوهما كان مقتضى الأصل عند الشّك ـ ووقوع النّزاع بعد البيع ـ الحكم بالصّحة.

وإن كان شرطا في النّقل في قبال العقد كما في القبض المعتبر في الوقف ، والهبة ، ونحوهما كان مقتضى الأصل ـ عند الاختلاف والشّك بعد البيع ـ الحكم بالفساد على ما أسمعناك ، وقد ذكرنا ما هو الحقّ عندنا وفصّلنا القول فيه فيما كتبناه في كتاب « الوقف » من أراد الوقوف عليه فعليه بالمراجعة إليه.

* * *

٥٤١

التنبيه الرابع :

اعتبار إحراز أصل العمل

في أصالة الصحّة

(٣٩٣) قوله : ( الرّابع : أنّ مقتضى الأصل ترتيب الشّاك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٧ )

أقول : الفعل الصّادر من المسلم قد لا يكون له صحيح وفاسد سواء تعلّق به ٢٠٩ / ٣ حكم شرعيّ أم لا ، كالغسل من حيث هو غسل ، والتّطهير ونحوهما. وقد يكون له صحيح وفاسد كالغسل بعنوان التّطهير مثلا.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في خروجه عن محلّ النّزاع.

وأمّا الثّاني : فهو على وجهين :

أحدهما : ما ترتّب على صحيحة رفع تكليف عن المكلّف وإسقاطه عنه.

ثانيهما : ما لا يكون كذلك ، بل ترتّب عليه آثار أخر.

وفي كلّ منهما قد يترتّب الحكم الشّرعي على ما كان صحيحا ولو عند الفاعل كصّحة صلاة المأموم البعيد عن الإمام المترتّبة على صحّة صلاة غيره القريب عنه ، ولو باعتقاده المخالف لاعتقاد هذا المأموم. وهذا بخلاف صحّة صلاة الإمام ؛ فإنّ المعتبر منها الصّحة الواقعيّة.

والفرق ما استفيد من الدّليل : من أنّ المانع من اقتداء النّائي هو أجنبيّته عن الإمام المرتفعة بتوسّط غيره من المأمومين المشغولين بالصّلاة المحكومة بصحّتها

٥٤٢

ولو باعتقادهم ، وهذه بخلاف صلاة الإمام ؛ فإنّ المعتبر فيها ليس ما ذكر.

وكالصّلاة على الميّت المسقطة للتّكليف عن غير المصلّي من المكلّفين بها على الكفاية ، ولو كانت صحيحة باعتقاد المصلّي المخالف لاعتقاد غيره من المكلّفين على ما هو قضيّة كلمة جماعة من الأصحاب.

وقد يترتّب على ما يكون صحيحا واقعيّا وأمثلته كثيرة في كلّ من القسمين ، وقد عرفت حكم القسم الثّاني من القسمين بقسميه مرارا ، ولا إشكال في القسم الأوّل من أوّلهما أيضا.

إنّما الكلام في القسم الثّاني منه فنقول : إنّ رفعه التّكليف عن الغير قد يكون من حيث كون الفاعل نائبا عنه كالحجّ عن العاجز ، وكالصّلاة عن الميّت بالنّسبة إليه. وقد يكون من حيث كونه آلة كإعانة العاجز في وضوئه. وقد يكون من حيث كونه سببا سواء كان بتسبيب من الغير كالصّلاة عن الميّت من جهة استئجار الوليّ ، أو لم يكن له مدخل في إقدامه بالفعل كالصّلاة على الميّت بمعنى كون إقدام المكلّف بمقتضى تكليفه وإتيانه به رافعا للتّكليف عن الغير ، كما هو الحال في جميع الواجبات الكفائية.

لا إشكال في القسم الأخير من هذه الأقسام ، بل لم يخالف أحد في جريان أصالة الصّحة فيه واقتضائها رفع التّكليف عن الغير ، وأمّا غيره من الأقسام المتقدّمة عليه فقد يستشكل فيها : بأنّ الفعل فيها ذو جهتين ، جهة استناد إلى الفاعل ، وجهة استناد إلى غيره.

والّذي يقتضيه أصالة الصّحة في فعل المسلم إنّما هو الحكم بصحّته من الجهة الأولى وترتيب آثار الفعل الصّحيح عليه من هذه الجهة ، كوجوب إعطاء

٥٤٣

الأجرة ونحوه فيما لو فرض وقوع الفعل بعنوان الاستئجار ، لا الحكم بحصول براءة ذمّة الغير المترتّب على الجهة الأخرى ؛ فإنّه لا يكفي فيه أصالة الصّحة ، بل لا بدّ من طريق شرعيّ آخر كعدالة الفاعل ، أو إخباره وإن لم يكن عادلا بناء على اعتبار خبر الفاسق في المقام ونحوه ممّا لا يعلم غالبا إلّا من قبل المخبر فتأمّل.

ومن هنا اشترط جماعة العدالة في المتوضّي (١) غيره ، والنّائب عن العاجز في الحجّ ، ومن الميّت في صلاته ، بل نسب اعتبارها إلى المشهور.

وأولى بالإشكال القسم الأوّل وهو ما لو كان الفاعل نائبا عن غيره ؛ فإنّه إن لوحظ الفعل من حيث قيامه بالفاعل ـ على ما هو قضيّة أصالة الصّحة ـ لم يقتض الحكم بصحّة الحكم ببراءة ذمّة المنوب عنه ؛ لأنّه ليس من آثاره ، فإثباته بها يشبه التّعويل على الأصل المثبت. وإن لوحظ من حيث كونه فعل المنوب عنه بالتّنزيل لم يجر فيه أصالة الصّحة ؛ لأنّه ليس فعل الغير. هذا حاصل ما أفاده ( دام ظلّه ) من الإشكال وإن كان بعض مواضع بيانه غير نقيّ عن الاضطراب.

ولكنّك خبير بإمكان التّفصّي عن الإشكال المذكور : بأنّ الصّحة من الجهة الثّانية من آثار الصّحة من الجهة الأولى ؛ إذ لا معنى لحكم الشارع بالبناء على صحّة فعل المتوضّي إلّا البناء على براءة ذمّة العاجز من الوضوء كاستحقاقه الأجرة لو كان فعله بعنوان الاستئجار.

وأمّا حكم بعض باشتراط العدالة في المتوضّي ، وحكم المشهور باشتراط العدالة في النّائب عن الحيّ والميّت فليس من جهة عدم كفاية أصالة الصّحة في الحكم بحصول براءة ذمّة العاجز ، أو المنوب عنه بعد إحراز كون الفاعل في مقام

__________________

(١) كذا والظاهر : الموضّىء غيره والمراد من يوضّىء غيره.

٥٤٤

إبراء ذمّتهما ، وكون صدور الفعل عنه بهذا العنوان ـ والشّك في إخلاله ببعض الأمور المعتبرة في صحّته شرعا كما يشكّ في إخلاله ببعض الأمور المعتبرة في المكلّف به فيما يأتي به عن نفسه ـ بل من جهة إحراز كونه في مقام الإبراء بناء على كفاية ما يحصل من عدالته من الظّن في الحكم بحصول المعنى المذكور شرعا ـ على ما ستقف عليه عن قريب إن شاء الله ـ ولم يعلم منهم اشتراط العدالة على تقدير إحراز كون الفعل صادرا عن الفاعل بعنوان الإبراء ، ولو ظهر من بعضهم فلا دليل له أصلا ، هذا مجمل القول في التّفصّي عن الإشكال الوارد بقول مطلق.

وأمّا الإشكال الوارد في خصوص القسم الأوّل فيمكن الذّب عنه : بأنّ الفعل الصّادر عن الغير بعنوان النّيابة وإن كان له اعتباران وجهتان ، إلّا أنّ اعتبار صدوره بعنوان النّيابة لا يوجب خروجه عن فعل الغير واقعا كيف؟ وهو خلاف الحسّ ، فللشّارع أن يأمر المنوب عنه بالبناء على صحّة الفعل الصّادر عنه من حيث كونه فعلا صادرا عن مسلم بعنوان النّيابة عنه ، وكذا من يستأجر عن الغير كالوصيّ والولد الأكبر فيما يستأجر عن الموصي ، أو والده من العبادات البدنية هذا.

فالحقّ أنّ أصالة الصّحة في نفسها تقضي بعدم الفرق بين الأقسام والحكم بحصول براءة الذّمة ورفع التّكليف في جميعها ، إلّا أنّ هنا شيئا يمكن أن يحكم بالنّظر إليه بوجوب رفع اليد عن أصالة الصّحة في مواضع الإشكال من الأقسام المذكورة الّتي عرفتها وهو : أنّ قضيّة آية النّبأ بمقتضى التّعليل هو التّبيّن في جميع ٢١٠ / ٣ ما يصدر من الفاسق والتّثبّت فيه سواء كان قولا أو فعلا ، فلو كلّف الشّخص بإيجاد فعل ولو تسبيبا ووجب عليه ذلك لم يجزيه إيجاده ببدن الفاسق وفعله ، بجعله

٥٤٥

واسطة في رفع التّكليف المتوجّه إليه ؛ لاحتمال عدم إتيانه بالفعل على الوجه المعتبر في الشّرع ، والمفروض عدم ما يرفع هذا الاحتمال في الفاسق ؛ لعدم وجود الملكة الرّادعة له بخلاف العادل ؛ فإنّ ما فيه من الملكة الرّادعة تمنع من إقدامه بالمعصية. ومن هنا حكموا بعدم جواز جعله وصيّا وقيّما ووليّا في الأوقاف وغيرها.

لا يقال : إنّ مقتضى التّعليل هو التّبيّن في أمر العادل أيضا ؛ لأنّ ملكة العدالة لا توجب عصمته حتّى ينتفي مقتضى التّعليل عنه ، فالعادل والفاسق سيّان إذن بالنّظر إلى مقتضى الآية.

لأنّا نقول : الأمر وإن كان كما ذكر ـ لو كان المراد من التّبيّن هو التّبيّن العلمي على ما هو قضيّة التّحقيق عندنا : من تقديم ظهور التّعليل على ظهور القضيّة الوصفيّة ، أو الشّرطيّة في المفهوم لو فرض لها مفهوم في المقام ـ إلّا أنّ من المحتمل كون المراد من التّبيّن المعنى الأعمّ الشّامل للاطمئنان أيضا ؛ فإنّ ملكة العدالة في العادل توجب بنفسها الاطمئنان بأمره ، إلّا أنّ البناء على ذلك في غاية الإشكال. وتحقيق الكلام فيما يتعلّق بالمقام وتفصيله يطلب ممّا قدّمناه في الجزء الأوّل من التّعليقة (١) عند الكلام على الاستدلال بآية النّبأ هذا ما يقتضيه التّحقيق عندنا.

وأمّا بناء على ما هو المعروف في ألسنتهم من وجود المفهوم للآية فلا إشكال في اندفاع السّؤال المذكور ، ومن هنا بنوا على كفاية العدالة في النّائب وأمثاله وإن ذكر الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) : أنّ اعتبار العدالة عندهم في هذه

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ١ / ١٥٠.

٥٤٦

المقامات ليس من جهة التّفصيل في جريان أصالة الصّحة عندهم فيها بين فعل العادل والفاسق ، بل من جهة اعتبار قول المخبر عن وجود الفعل عنه على الوجه المعتبر ، ولو كان بالإخبار الفعلي والحالي بمعنى كونه على حال لو سئل منه لأخبر بوجود الفعل على الوجه المعتبر ، ولو فرض فقد هذا لم يحكم بصحّة عمله ولو كان عادلا ، فالحجّة إذن غير أصالة الصّحة. هذا ملخّص ما أفاده ( دام ظلّه العالي ).

وهو كما ترى ، مبني على الإشكال الّذي ذكره في جريان أصالة الصّحة في فعل النّائب ونحوه من حيث الحكم بحصول براءة ذمّة المنوب عنه.

ولكنّك خبير بإمكان المناقشة فيما أفاده : بأنّ حمل كلامهم على ما ذكر لا قرينة له أصلا. مضافا إلى أنّه لا دليل على اعتبار خبر العادل بالمعنى المذكور سيّما في الموضوعات الخارجيّة فتدبّر.

لا يقال : لو كان الأمر كما ذكرته : من كون المستند عندهم في اعتبار العدالة في النّائب وأمثاله هو آية النّبأ لزم الحكم بعدم الفرق بين العادل والفاسق لو علم بصدور الفعل منه على الوجه الصّحيح ، أو ظنّ ذلك بالظّن الاطمئناني بناء على كون المراد من التّبيّن ما يشمل ذلك ؛ لأنّ اعتبار العدالة ومانعيّة الفسق في الآية إنّما هو من حيث الطّريقيّة لا الموضوعيّة ، وإلّا لم يكن معنى لتعليل الحكم فيها بإصابة القوم في النّدم على تقدير عدم التّبيّن.

لأنّا نقول : مقتضى القاعدة الالتزام بما ذكر على ما هو صريح غير واحد وإن كان ربّما ينافيه كلمات جماعة في بعض هذه المقامات ، إلّا أنّها ضعيفة فتدبّر.

لا يقال : لو كانت الآية مانعة من التّعويل على أصالة الصّحة في فعل الفاسق فيما يراد تحصيل البراءة عن التّكليف بفعله وأشباهه ممّا حكمت فيه باشتراط

٥٤٧

العدالة في الفاعل في إجراء أصالة الصّحة لمنعت من إجرائها في جميع المقامات ، فلا بدّ من أن يجعل ما دلّ على اعتبار أصالة الصّحة مخصّصا لعموم الآية ، كما يخصّص بما دلّ على اعتبار قول الفاسق في بعض المقامات.

لأنّا نقول : نمنع من دلالة الآية على عدم جواز التّعويل على أصالة الصّحة في فعل الفاسق في غير ما حكمنا باشتراط العدالة فيه ؛ لأنّ الآية إنّما تمنع من استئمان الفاسق وإيكال الأمر إليه وتحصيل غرض بواسطته ، لا عن مجرّد حمل فعله على الصّحيح فتأمّل.

هذا ملخّص ما قيل أو يقال في توضيح المرام وبقي بعد هنا خبايا في زوايا لم نتعرّض لها.

وينبغي التّنبيه على أمرين :

أحدهما : أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) في صدر هذا الأمر من التّمثيل لما يجري فيه أصالة الصّحة من الغسل بعنوان التّطهير إنّما هو فيما فرض الشّك في حصوله على الوجه المعتبر في الشّرع ، كما إذا شكّ في إطلاق الماء وإضافته ، أو طهارته ونجاسته ، أو ورود النّجاسة على الماء ، أو وروده عليها فيما كان الماء قليلا إلى غير ذلك من موارد الشّك فيما يوجب لغويّة الغسل بعنوان التّطهير في نظر الشّارع ، لا فيما إذا شكّ في حصول التّعدد وعدمه ، أو العصر وعدمه على القول باعتبارهما كما هو الحقّ في الجملة ، فلا ينافي ما تقدّم منه : من عدم جريان أصالة الصّحة في الغسل للحكم بحصول تمام العدد أو العصر فتدبّر.

ثانيهما : أنّه ذكر ( دام ظلّه ) في طيّ كلماته في مجلس البحث الفرق في إجراء أصالة الصّحة في الواجبات الكفائيّة ، فحكم بإجراء أصالة الصّحة في مثل

٥٤٨

الصّلاة على الميّت ونحوها إذا احتمل إخلال المصلّي ببعض الشّروط وإجزائها ، وبعدم إجرائها في مثل غسل الميّت إذا احتمل ترك الغاسل لبعض الغسلات ، أو في كفنه إذا احتمل تركه لبعض ما يعتبر فيه : إمّا عن تقصير ، أو قصور عن اجتهاد ، أو تقليد ، أو غيرهما ؛ لأنّ ما صدر منه من الغسل ، أو الكفن لا يحتمل فساده ، وإنّما الشّك في حصول الزّائد عليه من مقدار الغسل ، أو الكفن.

وهذا نظير الشّك في حصول الغسل الثّاني في باب إزالة النّجاسة فيما يعتبر فيه التعدّد لا نظير الشّك في إطلاق الماء وإضافته ، وإن كان الجزم بالفرق المذكور ـ وإن اقتضاه الاحتياط ـ في غاية الإشكال والله العالم بحقيقة الحال.

* * *

٥٤٩

التنبيه الخامس :

عدم جواز الأخذ باللوازم في أصالة الصحّة

(٣٩٤) قوله : ( الخامس : الثّابت من القاعدة المذكورة الحكم بوقوع الفعل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٧١ )

أقول : لا يخفى عليك صحّة ما ذكره ( دام ظلّه ) : من عدم إثبات الأصل المذكور ، إلّا الآثار الشّرعيّة المترتّبة على الفعل الصّحيح بلا واسطة.

أمّا على القول باعتباره من باب التّعبّد فظاهر ؛ لأنّك قد عرفت مرارا : أنّ تنزيل الشّارع للأمر الغير المحقّق منزلة المحقّق وأمره بالبناء على تحقّقه لا يراد منه ، إلّا الالتزام بما يترتّب عليه من الأحكام وجعلها في مرحلة الظّاهر ، لا جعل ما يترتّب شرعا على غيره وإن كان لازما عقليّا له. وهذا معنى عدم اعتبار الأصل المثبت ؛ فإنّه لا اختصاص له بالاستصحاب بل يشمله وغيره من الأصول كما هو واضح.

وأمّا على القول باعتباره من باب الظّن النّوعي ، وهو ظهور حال المسلم ؛ فلعدم دليل على اعتبار هذا الظّهور ، إلّا من حيث كشفه عن صدور الفعل الصّحيح عنه بما هو هو. وأمّا كشفه عن لوازمه الغير الشّرعيّة المترتّب عليها الأحكام الشّرعيّة فليس ممّا قام الدّليل على اعتباره.

وأمّا ما قرع سمعك : من أنّه إذا كان الشّيء معتبرا من باب الظّن والطّريقيّة فلا فرق في وجوب ترتيب الآثار الشّرعيّة عليه بين ما كان مترتّبا على مورده بلا واسطة أو بواسطة ، فإنّما هو فيما قام الدّليل على اعتبار هذا الشّيء بلسان كشفه

__________________

آشتيانى ، محمدحسن بن جعفر ، بحر الفوائد فى شرح الفرائد ـ قم ، چاپ : اول ، ١٣٨٨ ش.

٥٥٠

ولحاظ طريقيّته المطلقة ، لا فيما إذا قام على اعتبار كشفه ببعض الاعتبارات والحيثيّات ؛ فإنّه لا معنى حينئذ للتّعدّي عن مورد وجود الدّليل ؛ فإنّ الأصل في الظّن عدم الاعتبار ، فإذا قام الدّليل من الإجماع والسّيرة على اعتبار ظهور حال المسلم ، والأخذ به في صدور الفعل الصّحيح عنه بالنّسبة إلى ما يترتّب شرعا على الفعل الصّحيح الصّادر من المسلم ، فلا معنى للتّعدّي عنه إلى الحكم بوجوب ترتيب غيره ممّا يترتّب على لوازمه وملزوماته ومقارناته ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا ، فلا تغترّ بإطلاق القول بعدم الفرق في اعتبار الأصل بين المثبت منه وغيره إذا كان اعتباره من باب الظّن والظّهور.

ومن هنا صرّح جماعة من الأصحاب كالعلّامة وغيره بعدم اعتبار أصالة الصّحة بالنّسبة إلى غير الآثار الشّرعيّة المترتّبة على الفعل الصّحيح بلا واسطة في مواضع من كلماتهم مع ذهابهم إلى اعتبار أصالة الصّحة من حيث ظهور حال المسلم.

منها : ما حكى شيخنا ( دام ظلّه ) عن العلّامة في « القواعد » (١) في كتاب الإجارة ومورد الاستشهاد الفرع الثّاني وهو الاختلاف في تعيين الأجرة ، أو العوض لا الاختلاف في تعيين المدّة ؛ لأنّ جعله من موارد أصالة الصّحة مبنيّ على القول بفساد الإجارة رأسا كما عليه المشهور ، أو بالنّسبة إلى غير الشّهر الأوّل كما اختاره العلّامة والشّهيد كما هو صريح قول العلّامة في هذا الفرع. وأمّا على القول بالصّحة بالنّسبة إلى التّمام كما عليه بعض الأصحاب فلا تعلّق له بالمقام ، بل يدخل في التّداعي.

ثمّ على القول بالفساد في الفرض يقدّم قول مدّعي الصّحة ، لكن لا يثبت

__________________

(١) قواعد الأحكام : ج ٢ / ٣١٠.

٥٥١

بأصالة الصّحة الأجرة المعيّنة على ما أفاده شيخنا ( دام ظلّه ) ويحتمله كلام العلّامة فتأمّل.

ثمّ إنّه قد يتوهّم الفرق بين الاستصحاب وأصالة الصّحة حتّى على القول بالتّعبّد فيهما من حيث اعتبار المثبت منهما وعدمه ؛ نظرا إلى ابتناء أصالة الصّحة في أغلب مواردها على إثبات الشّروط في الخارج كبلوغ المتعاقدين ونحوه على ما يقع التّصريح به في كلام شيخنا ( دام ظلّه ) فيطالب الفرق بينه من جهة ، وبين الاختلاف في وقوعه على ما يملك حيث حكم بخروج العوضين عن ملك مالكهما في الأوّل ، وبعدم خروجه عن ملك مالكه في الثّاني.

ولكنّك خبير بفساد التوهّم المذكور ووضوح الفرق ؛ فإنّا لا نحكم بوجود الشّرط إلّا من حيث توقّف صحّة المعاملة عليه لا مطلقا ، فلو فرض ترتّب أثر على وجوده بقول مطلق لا يحكم بترتّبه عليه فالحكم بوجود البلوغ في زمان العقد إنّما هو من حيث الحكم بصحّة البيع لا مطلقا ، ومعنى الحكم بصحّة العقد وتحقّق البلوغ من الحيثيّة المذكورة خروج العوض عن ملك مالكهما ، وهذا بخلاف الحكم بصحّة العقد في الثّاني ؛ فإنّه ليس معناه وقوعه على الملك المعيّن وإن استلزمه بمقتضى العلم الإجمالي.

والحاصل : أنّ المناقشة فيما أفاده ( دام ظلّه ) من الاعوجاج ؛ فإنّه في كمال الوضوح.

نعم ، قد يقع الاشتباه في بعض الموارد والصّغريات ، وهذا لا تعلّق له بأصل المطلب ويقع مثله في كثير من المطالب المسلّمة بعد عدم وضوح حال الصّغريات كما هو ظاهر.

٥٥٢

تنبيهات

ثمّ إنّ هنا أمورا لم ينبّه عليها الأستاذ العلّامة فبالحريّ أن ننبّه عليها.

جريان أصالة الصّحة في فعل الكافر

الأوّل : أنّ ظاهر كلماتهم في بيان الأصل المذكور اختصاصه في باديء النّظر بفعل المسلم ، فلا يجري في فعل الكافر فيما له صحيح وفاسد لو شكّ في صحّته وفساده ، إلّا أنّ مقتضى عميق النّظر جريانه فيه ؛ فإنّ بعض أدلّته كالكتاب والسّنة وإن كان مختصّا بفعل المسلم على إشكال بالنّسبة إلى بعض الأخبار الواردة في الباب على ما ستقف عليه ، إلّا أنّ العقل من حيث لزوم الاختلال والسّيرة قاضيان بعدم الفرق.

ومنه يعلم إمكان الاستدلال ببعض الأخبار الواردة في الباب أيضا مثل : ما دلّ على اعتبار الأصل المذكور من حيث لزوم الاختلال ، ولا يقدح عدم دلالة الكتاب وأكثر الأخبار ؛ لأنّ فيما ذكرنا غنى وكفاية مع ما عرفت : من عدم دلالتهما على المعنى المقصود من الأصل المذكور بالنّسبة إلى فعل المسلم أيضا. ٢١٢ / ٣

نعم ، ما يدلّان عليه من وجوب نفي فعل القبيح وحرمة ظنّ السّوء مختصّ بفعل المسلم على ما عرفت الإشارة إليه في طيّ كلماتنا السّابقة أيضا هذا كلّه. مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع قولا من كلماتهم أيضا.

٥٥٣

كلام كاشف الغطاء في المقام

وقد صرّح كاشف الغطاء بعدم الفرق في الأصل المذكور بين فعل المسلم والكافر ، وأرسله إرسال المسلّمات ولم يشر إلى مخالف فيه أصلا ، وإن كان في استدلاله على ذلك بأصالة السّلامة في جميع الموجودات نظر.

قال قدس‌سره : « البحث السّادس والثّلاثون في أنّ الأصل فيما خلقه تعالى من الأعيان من عرض ، أو جوهر ، حيوان أو غير حيوان صحّته ، وكذا ما أوجده الإنسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما وظّفت له ، وعلى وفق الطّبيعة الّتي اتخذت لها من مسلم مؤمن ، أو مخالف أو كافر ، كتابي أو غير كتابيّ ، فيبنى إخباره ودعاويه على الصّدق ، وأفعاله وعقوده وإيقاعاته على الصّحة حتّى يقوم شاهد على الخلاف ، إلّا أن يكون في مقابلة خصم ».

وساق الكلام إلى أن قال :

« وتفصيل الحال : أنّ الأصل في جميع الكائنات من جمادات ، أو نباتات ، أو حيوانات ، أو عبادات ، أو عقود ، أو إيقاعات ، أو غيرها من إنشاءات ، أو إخبارات : أن يكون على نحو ما خلقت عليه حقيقتها من التّمام في الذّات ، وعدم النّقص في الصّفات ، وعلى طور ما وضعت له بارئها على وجه ترتّب آثارها فيها على معانيها : من صدق الأقوال وترتّب الآثار على الأفعال » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء : ج ١ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٥٥٤

ثمّ ذكر وجه افتراق المسلم عن الكافر بوجوه أربعة : يرجع حاصل أحدها إلى أنّه لا دليل على نفي القبيح عن الكافر بخلاف المسلم ، وحاصل باقيها : أنّ الأصل المذكور إنّما هو ثابت بالنّسبة إلى فعل المسلم في الجملة ، لا مطلقا حتّى فيما ثبت عدم صحّة فعله وترتّب الأثر عليه ، أو يحمل على كونه صحيحا في مذهبنا.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره قدس‌سره : من أنّ الأصل في جميع الموجودات الصّحة مستندا إلى ما يرجع حاصله إلى أنّ الفساد إنّما يطرأ على الموجود مطلقا ، وإلّا فهو بالنّظر إلى ذاته وطبيعته يقتضي الصّحة والسّلامة عن النّقض وإن لم يكن خاليا عن النّظر ، بل المنع ـ على ما ستقف عليه أيضا وصرّح به جماعة ـ إلّا أنّ المقصود من ذكر كلامه تحقيق ما حكينا عنه.

جريانها في فعل غير البالغ

الثّاني : أنّه صرّح الأستاذ العلّامة في مجلس البحث بجريان أصالة الصّحة في فعل الغير البالغ أيضا فيما يقسّم فعله إلى قسمين ، ويكون له صحيح وفاسد كهبة من بلغ عشر سنين ، وصدقته ، ووقفه ، وعتقه على القول بصحّتها منه في الجملة ، والظّاهر أنّ الأمر كما ذكره ( دام ظلّه ) وإن كان خلاف ظاهر كلماتهم في باديء النّظر لكنّه غير مناف له بعد التّأمل فيها.

وبالجملة : يدلّ على ما استظهرناه وصرّح به الأستاذ العلّامة : جريان السّيرة على حمل فعله على الصّحيح فيما كان له صحيح عند دوران الأمر بين الصّحيح والفاسد ، وهذا ظاهر لا سترة فيه عند التّأمّل إن شاء الله ، لكن الصّبي مثل الكافر

٥٥٥

في خروجه عن تحت الكتاب والسّنة بالنّسبة إلى ما يستفاد منهما ؛ لأنّ الظّاهر منهما نفي فعل القبيح عن الأخ والمسلم ، ومن المعلوم أنّ هذا المدلول لا دخل له بالصّبيّ من وجه أو وجهين فتدبّر.

هل يجب حمل أمر المسلم على الصحيح بالمعنى المبحوث عنه؟

الثّالث : أنّه لا إشكال في أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في الباب هو نفي الأمر القبيح عن المسلم بالمعنى الأعمّ من الفعل والتّرك والمردّد بينهما ، وحمل مطلق شغله على الحسن ، وعدم جواز ظنّ السّوء به كذلك ، فهي يشمل ما إذا صدر عنه فعل مردّد بين الحسن والقبيح أو ترك كذلك أو لم يعلم أنّه صدر منه فعل يكون حسنا ، أو ترك يكون قبيحا أو بالعكس ، فالواجب في كلّ مقام حمل ما يصدر منه على ما هو الجائز له شرعا.

وإنّما الإشكال في أنّه هل يجب حمل أمره بالمعنى المذكور على الصّحيح بالمعنى المبحوث عنه في المقام أم لا ، فإذا تردّد ما صدر منه بين الفعل المترتّب عليه الأثر والتّرك الغير المترتّب عليه الأثر ، فيحمل على أنّه الفعل أو لا؟ وجهان ، أوجههما ـ عند الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) في طيّ بعض كلماته في مجلس البحث ـ الأوّل ؛ لجريان السّيرة على ذلك في الجملة ؛ حيث إنّه يحكم بقراءة الإمام للسّورة مثلا أو الإتيان بغيرها من الأجزاء والشّرائط المعلومة الوجوب عند الإمام والمأموم ، أو عند المأموم فقط ، وبإتيان من يقدّم للصّلاة على الميّت بجميع ما كان معتبرا فيها إذا كان هو الملتزم بفعلها.

والقول : بأنّ ذلك من جهة حمل إقدامه إيّاه للصّلاة على الصّحة من حيث

٥٥٦

كونه مترتّبا على أفعال من الغسل وغيره قبل الصّلاة فاسد جدّا ؛ لأنّ حمله على الصّحة لا يوجب الحكم بوجود تلك الأفعال إلّا من باب التّعويل على الأصل المثبت ، والحكم بعدم صدور الكبيرة ممّن علم أنّ له ملكة يشكّ في صدور الكبيرة عنه ـ بناء على أنّ العدالة هي الملكة المتّصفة بالكف فعلا كما يقتضيه التّحقيق الّذي عليه جماعة من المحقّقين ـ فإنّه لا يمكن الحكم بعدم صدور الكبيرة عنه إذا كان المشكوك ترك واجب إلّا بالبناء على التّعميم المذكور.

نعم ، لو كان فعل الحرام أمكن دفعه بالأصل ، لكن ترك الواجب لا يمكن دفعه إلّا بأصالة الصّحة ؛ فإنّ مقتضى الأصل هو التّرك لا الفعل ، إلى غير ذلك من الفروع ، ولا مصحّح لها إلّا ما ذكرنا.

والقول : بانتقاضه بعدم بنائهم على الحكم بصدور التّوبة ممّن علم بصدور الكبيرة عنه إذا شكّ في صدور التّوبة عنه فاسد : من جهة أنّ تركه التّوبة لا يوجب عقابا زائدا على ما يستحقّه ترك الواجب أو فعل الحرام ؛ لأنّ وجوب التّوبة عندنا إرشاديّ لا شرعيّ على ما حقّق في محلّه فتدبّر.

ولكنّك خبير بأنّ هذا ربّما ينافي ما اختاره ( دام ظلّه ) سابقا : من أنّه إذا شكّ ٣١٣ / ٣ في وجود مركّب من جهة الشّك في وجود بعض أجزائه أو شرائطه ، كالغسل إذا شكّ في حصوله مرّة ، أو مرّتين ، أو مع العصر ، أو بدونه لا يحكم بوجود المركّب بتمام ما يعتبر فيه وترتيب الأثر المقصود منه عليه ، والمسألة في غاية الإشكال ؛ لعدم تعرض الأصحاب لها وعدم عنوانها في كتبهم.

ودعوى : جريان السّيرة على ما ادّعاه الأستاذ العلّامة على سبيل القطع والجزم بحيث كانت منطبقة عليه في غاية الإشكال والله العالم بحقيقة الحال.

٥٥٧

اختصاص جريان القاعدة بالشبهات الموضوعيّة

الرّابع : أنّ من الواضحات الّتي لا يعتريها ريب وشكّ اختصاص القاعدة بالشّك في صحّة فعل المسلم وفساده من حيث الشّبهة الموضوعيّة ، وعدم جريانها فيما لو شكّ فيه من حيث الشّبهة الحكميّة ، إلّا أنّه ربّما يتراءى من كلمات بعضهم كثاني الشّهيدين ومن تقدّم عليه وتأخّر عنه خلاف ما ذكرنا ، إلّا أنّه لا بدّ من أن يحمل كلماتهم على قاعدة الصّحة المستفادة من العمومات الاجتهاديّة فتدبّر. وراجع إلى كلماتهم ؛ فإنّ بعضها آب عن الحمل المذكور ؛ فإنّه قد يوجد في كلماتهم الجمع بين التّمسك بالعمومات وأصالة الصّحة.

* * *

٥٥٨

التنبيه السادس :

وجه تقديم أصالة الصحة على استصحاب الفساد

(٣٩٥) قوله : ( السّادس : في بيان ورود هذا الأصل على الاستصحاب ... إلى آخره ) (١) ( ج ٣ / ٣٧٣ )

أقول : لمّا فرغ ( دام ظلّه ) من الكلام في تنقيح أصل القاعدة معنى وموردا أراد التّكلّم فيما كان المقصود بالبحث أصالة ، وهو بيان حكم تعارض الاستصحاب معها. ومن هنا لم يتعرّض لحكم تعارض القاعدة مع غير الاستصحاب من الأدلّة وسائر الأصول ؛ إذ المقصود بيان حكم تعارض الاستصحاب للقاعدة لا حكم تعارض القاعدة لغيرها ، وإن كان هذا بعد التّأمّل

__________________

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« لا ينبغي الإشكال في تقديم أصالة الصحة على جميع الإستصحابات الجارية في موردها سواء كان استصحاب الفساد أو سائر الأصول الموضوعيّة ؛ لأنّها مجعولة في مورد تلك الأصول ، فلو لم تتقدّم على أصالة الفساد بقيت بلا مورد وكذا لو لم تتقدّم على سائر الأصول الموضوعيّة إنحصر مجراها في مورد نادر ؛ إذ قلّما يحصل الشك في الفساد إلّا من جهة الشك في فقدان الشرط أو جزء مستصحب العدم أو مانع مستصحب البقاء.

نعم ، قد يفرض نادرا حصول الشك في الصحّة في غير مورد جريان أصل موضوعيّ كما إذا شك في وقوع عقد النكاح حال الإحرام أو حال الإحلال مثلا فلا أصل هنا ما عدا أصالة الفساد ، ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون اعتبار أصالة الصّحة من باب الأمارة أو من باب الأصل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

٥٥٩

غير محتاج إلى البيان لمن كان له أدنى بضاعة ودراية ؛ فإنّ المعارض لها إن كان من الأمارات كالبيّنة فلا إشكال في حكومتها على القاعدة ، وإن كانت معتبرة من باب الظّن أيضا وإن كان من الأصول كأصالة البراءة ونحوها فلا إشكال في ورود القاعدة عليها فيما يظهر من جماعة منهم العلّامة في مواضع من كتبه : من ملاحظة التّعارض بين القاعدة وأصالة البراءة ، فممّا لا إحاطة لنا به ؛ فإنّهم أعلم بما أرادوا.

وكيف ما كان : فالكلام في حكم تعارض الاستصحاب والقاعدة ـ ولو توسّعا في الإطلاق ـ من حيث الأخذ بمقتضى القاعدة وعدمه يقع في مقامين على ما تكلّم فيه الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ).

أحدهما : في حكم تعارضها مع أصالة الفساد الّتي هي الأصل الأوّلي في المعاملات بالمعنى الأعمّ الشّامل للعقود والإيقاعات والأحكام فيما كان له صحيح وفاسد ، بل في العبادات أيضا ؛ لأنّ مقتضى الأصل عدم وجود المأمور به على وجهه ، أو عدم وجود الجزء المشكوك الوجود أو الشّرط المشكوك الوجود فيما كان الفاعل الغير كما هو المقصود بالبحث في المقام ، وإن كان مقتضى الأصل لا يتفاوت فيه الحال فتدبّر.

وإن كان مقتضى الأصل في العبادات لو شكّ في أصل الجزئيّة والشّرطيّة بمعنى الشّكّ في أصل الحكم الشّرعي البناء على عدمها بمقتضى أصالة البراءة ، كما أنّ مقتضى الأصل اللّفظي المستفاد من العمومات نفي اعتبار ما يشكّ في اعتباره في العقود من حيث الشّبهة الحكميّة ، إلّا أنّ ذلك كلّه لا دخل له بما نحن بصدده من الكلام في الشّبهة الموضوعيّة كما هو واضح.

ثانيهما : في حكم تعارضها مع الاستصحابات الموضوعيّة الّتي تسبّب

٥٦٠