بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

القاصر : أنّ كلامه في هذا الباب صريح في جريان أصالة الصّحة قبل إحراز الأركان ، وهو مناف صريح لما ذكره في الضّمان والإجارة ، ولذا أورد عليه بعض مشايخنا بثبوت التّنافي بين كلامه في هذا الباب وكلامه في باب الضّمان والإجارة فالمتعيّن إذن نقل كلامهما في باب البيع حتّى يعلم حقيقة الأمر :

قال العلّامة في « القواعد » ـ في الفرض المذكور ـ : « احتمل تقديم قول البائع مع يمينه ؛ لأنّه مدّع للصّحة وتقديم قول المشتري لأصالة البقاء » (١). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

وقال في « جامع المقاصد » : « أنّ الاحتمال الثّاني في غاية الضّعف ؛ لأنّ أصالة البقاء مندفعة بالإقرار بالبيع المحمول على البيع الصّحيح شرعا ؛ فإنّ صحّته تقتضي عدم بقاء الصّبوة ، فلا يعدّ معارضا ، كما لا يعدّ احتمال الفساد معارضا ، لأصالة الصّحة في مطلق الإقرار بوقوع عقد البيع.

فإن قلت : [ هنا ](٢) أصلان قد تعارضا للقطع بثبوت وصف الصّبوة سابقا.

قلت : قد انقطع هذا الأصل بالاعتراف بصدور البيع المحمول على الصّحيح ، كما يحكم بانقطاع أصالة بقاء ملك البائع بالاعتراف بصدور البيع لو اختلفا في صحّته وفساده. ولو ثبت في هذه المسألة تعارض الأصلين لثبت تعارضهما فيما لو قالا : تبايعنا ، وادّعى أحدهما الفساد ، والفرق غير واضح ، وكون الصّبوة مستمرّة

__________________

(١) قواعد الأحكام : ج ٢ / ٩٧ والمورد هو الفقيه النجفي في جواهر الكلام ج ٢٣ / ١٩٥.

(٢) أثبتناه من الأصل.

٥٢١

لا دخل له في الفرق » (١). انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

وهو كما ترى مناف صريح لما ذكره في البابين (٢).

(٣٨٤) قوله : ( والأقوى بالنّظر إلى الأدلّة السّابقة من السّيرة ) (٣). ( ج ٣ / ٣٦٠ ) (٤)

__________________

(١) جامع المقاصد : ج ٤ / ٤٥٢.

(٢) تأييدا لكلام أستاذه فقيه الجواهر قدس‌سره.

(٣) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : هذا هو الحق ، فلا يعتبر في حمل العمل الصّادر من الغير إلّا إحراز مفهومه العرفي القابل للاتّصاف بالصّحيح والفاسد كما ستعرف ، فمتى أحرز صدور عقد قابل للإتّصاف بالصّحيح والفاسد يحمل على الصّحيح ، كما أنّ الأمر كذلك بالنّسبة إلى الأعمال الصّادرة من نفسه فلو شكّ في انّ هذا الّذي اشتراه أو وهبه أو وقفه هل كان حال صغره أو جنونه بنى على الصحّة ، ولكن لا يحرز بذلك ما هو من لوازم الصّحّة ككون البائع بالغا أو مالكا أو مأذونا من المالك أو نحوه ، كما لا يحرز بحمل صلاته على الصّحيح كونه متطهّرا وكون الجهة الّتي صلّى إليها قبلة أو نحو ذلك كما عرفته فيما سبق ، فلو وقع النّزاع في شيء من هذه اللّوازم يجب العمل فيه بالقواعد المقرّرة لفصل الخصومة بالنّسبة إلى ذلك المورد ، فحمل الفعل الصّادر من الغير على الصّحيح إنما يجدي فيما إذا لم يتضمّن دعوى يتفرّع عليها صحّة ما وقع ، ويتفرّع على ذلك أنّه لو ادّعى المشتري مثلا أنّه كان صغيرا حال البيع وادّعي البائع بلوغه ، قدّم قول المشتري ؛ لأصالة عدم البلوغ ، ولا يعارضها أصالة صحّة البيع إذ لا يثبت بهذا الأصل بلوغه كي يجدي في هذه الخصومة ، وإنّما يجدي هذا الأصل فيما إذا كان محلّ نزاعهم صحّة العقد وفساده.

وأمّا في الفرض وإن تعلّق النزاع أوّلا وبالذات في صحّة البيع وفساده ولكن مدّعي الصّغر ـ كمنكر الإذن في بعض الأمثلة الآتية ـ قلب الدّعوى وجعلها فيما يترتّب عليه الصّحة

٥٢٢

__________________

والفساد وساعده خصمه على ذلك حيث قابله بالإنكار ، فكأن المتخاصمين تسالما على البطلان على تقدير الصّغر وتشاجرا في تحقّق هذا التقرير وعدمه ، فالقول قول منكر البلوغ في هذه المشاجرة ، ولكن هذا إذا ادّعى صغر نفسه وامّا إذا ادّعى صغر خصمه فالقول قول مدّعي الصّحة ؛ فإنّ دعوى صغر المشتري من البائع أو العكس غير مسموعة ؛ لأنّ هذه الدعوى في الحقيقة اعتراف للخصم بعد نفوذ تصرّفاته وعدم وجوب وفائه بما التزم به ، لا أنّه ادّعاه وقد كذبه الخصم واعترف بنفوذ تصرّفاته في حقّه ووجوب الوفاء عليه بتعهّداته ، فالمسموع من المدّعي حينئذ ليس إلّا ادّعاء بقاء الثّمن أو المثمن في ملكه وعدم استحقاق الخصم له بواسطة المعاملة الواقعيّة بينهما وهذا شيء ينافيه أصالة صحّة المعاملة.

فمن هنا يظهر الفرق بين ما لو ادّعى المدّعي صغر نفسه أو صغر خصمه ، ففي الأوّل ينقلب الدّعوى إنّ أجابه الخصم بالإنكار بخلاف الثّاني ؛ فإنّ ادّعاءه من الخصم غير مسموع إلّا بلحاظ صحّة العقد وفساده كما عرفت.

وملخّص الكلام : أنّه لا يثبت بأصالة الصحّة في فعل الغير أو فعل نفسه شيء ممّا هو من لوازم الصحّة كما تقدّم التّنبيه عليه في صدر المبحث فلو وقع النّزاغ في شيء من تلك اللّوازم فلا بدّ من أن ينظر إلى أن هذه الدّعوى هل هي دعوى مسموعة أم لا؟

فإن كانت مسموعة ـ كادّعاء كونه صغيرا حال العقد أو مكرها أو غير قاصد لمدلول اللّفظ أو ادّعى صدور البيع من المرتهن أو ممّن ادّعي الوكالة عنه بلا إذنه أو نحو ذلك ـ عمل فيه بما يقتضيه موازين القضاء في هذه الخصومة لا في خصومة أخرى متفرّعة عليها فيقدم قوله في الأوّل ؛ لأصالة عدم البلوغ وكذا في المثالين الأخيرين ؛ لأصالة عدم الإذن ، وقول خصمه في المثال الثّاني والثّالث لا لأصالة صحّة العقد ، بل لمخالفة ادّعائه لأصالة الاختيار في فعل الفاعل المختار وأصالة الظّهور كما لا يخفى.

وإن لم تكن مسموعة كادّعاء عدم كون المبيع مملوكا له أو كونه غاصبا أو كون المبيع ممّا لا

٥٢٣

الأقوى التعميم وعدم اعتبار استكمال الأركان

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما اختاره ( دام ظلّه ) من التّعميم ممّا لا ريب في استقامته ووضوح صحّته ؛ لأنّ جريان السّيرة على التّعميم ولزوم الاختلال من التّخصيص ممّا لا ينبغي أن يكون محلّا للإنكار ، بل أقول : إنّه يمكن دعوى الإجماع المحقّق قولا على بطلان التّخصيص بما ذكره ثاني المحقّقين ؛ لأنّه معنى عدم اعتبار أصالة الصّحة رأسا ؛ فإنّه بعد إحراز أركان العقد من المتعاقدين الكاملين من الجهات المعتبرة فيهما ، والعوضين الجامعين لجميع ما اعتبر فيهما من الشّروط ، إذا شكّ في وجود ما يبطل العقد ويمنع من صحّته وهو الشّرط المفسد ، مثل الشّرط المنافي لمقتضى العقد ونحوه لم يكن إشكال في الحكم بالصّحة ، لا من جهة أصالة الصّحة بل من جهة أصالة عدم اشتراط هذا الشّرط في ضمن العقد ، وأصالة عدم وجود المانع من صحّته ، ومن المعلوم أنّه لا دخل لها بأصالة الصّحة في فعل المسلم كما هو واضح.

فالإجماع على اعتبار أصالة الصّحة يقتضي الحكم باعتبارها فيما إذا لم يكن هناك أصل يقتضي الحكم بصحّة العقد ؛ إذ دعوى اختصاص الإجماع بما إذا

__________________

يملك أو كون الخصم مكرها أو غير مالك أو غير مأذون منه أو نحو ذلك لا يصغى إليها وإنّما يصغى في مثل هذه الفروض إلى ادّعاء عدم كونه ملتزما بالعوض الّذي يقتضيه العقد على تقدير صحّته فيقدم قول مدّعي الصّحة فليتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٧١.

٥٢٤

كان هناك أصل على طبقها كما ترى ؛ لأنّ مرجع التّخصيص المذكور حقيقة إلى إلقاء أصالة الصّحة وعدم اعتبارها رأسا ، فكيف يمكن أن يراد من الإجماع على اعتبارها؟

ودعوى : أنّ الشّك في الصّحة والفساد وإن كان مسبّبا عن الشّك في وجود المفسد والمبطل ، إلّا أنّه لا يمكن خلوّ العقد عنه إلّا على القول بالأصل المثبت فأصالة الصّحة محتاج إليها ، فاسدة. مضافا إلى منافاتها لمقالة المخصّص بعدم وجود الواسطة أصلا مع أنّه على تقدير وجودها من الوسائط الخفيّة فتدبّر.

(٣٨٥) قوله : ( ولو قيل : إنّ ذلك من حيث الشّك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٠ )

المستند في المقام قاعدة الفراغ دون أصالة الصحة

أقول : لا يخفى عليك أنّه ينبغي للأستاذ العلّامة أن يجيب عن التّوهّم المذكور ثانيا : بأنّا نفرض الكلام فيما إذا وقع الشّك المذكور مع الشّك في بلوغ البائع أيضا ؛ فإنّ الظّاهر جريان السّيرة على الحمل على الصحّة ، كما أنّ الظّاهر عدم الخلاف أيضا في الحمل على الصّحة.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ ذلك ليس من جهة أصالة الصّحة ، بل من جهة قاعدة الشّك بعد الفراغ والتّجاوز عن المحلّ ـ بناء على تعميم القاعدة ـ لما يشمل المقام ولا دخل لها بأصالة الصّحة ، فاستقرار السّيرة على الحمل على الصّحة مسلّم ، إلّا أنّ مستند عمل المسلمين ليس أصالة الصّحة ، بل قاعدة الشّك بعد التّجاوز عن المحلّ حتّى لو فرض القطع ببلوغه وشكّ بعد العقد في بلوغ البائع ؛ فإنّه يوجب الشّك في صحّة عمله أيضا ؛ لأنّ العقد قائم بهما معا ، وبفساد كلّ من الإيجاب

٥٢٥

والقبول يفسد أصل العقد كما هو واضح فتدبّر.

(٣٨٦) قوله : ( ثمّ إنّ ما ذكره جامع المقاصد : من أنّه لا وجود للعقد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٠ )

مناقشة كلام الكركي زيادة على ما جاء في كلام الاستاذ

أقول : يرد على ما ذكره زيادة على ما ذكره ( دام ظلّه ) : النّقض بما سلّم جريان أصالة الصّحة فيه ؛ فإنّه كما قال بعدم وجود العقد قبل إحراز شرائط المتعاقدين والعوضين ، كذلك نقول بعدم وجوده قبل إحراز ما هو المبطل له. فإن أجاب : بأنّ وجود العقد محرز في هذا الفرض وإن لم يحرز وجوده شرعا لاستلزامه القطع بالصّحة. نجيب عمّا ذكره : بأنّ وجود العقد فيما فرضه أيضا محرز عرفا. والحاصل : أنّ الفرق في صدق العقد عند الشّك في وجود ما هو المعتبر في صحّته ، أو عدم ما يعتبر فيه ضعيف جدّا.

فإن قال : إنّه يرجع عند الشّك في وجود المبطل إلى الأصل ؛ لأنّ العدم على طبق الأصل ، وهذا بخلاف الوجود ؛ فإنّه على خلاف الأصل. نجيب عنه أوّلا : بأنّ الأصل المذكور لا يثبت وجود العقد لأنّه ليس من الأحكام الشّرعيّة. وثانيا بما عرفت : من أنّه بعد التّمسك بالأصل لا معنى للتمسّك بأصالة الصّحة لارتفاع الشّك عنها بحكم الشّارع بعد البناء على جريان الأصل ، فهذا لا يكون فارقا أيضا.

(٣٨٧) قوله : ( وأمّا ما ذكره من الاختلاف في كون المعقود عليه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٠ )

٥٢٦

ترتيب تسلسل البحث وكلام المسالك وما يرد عليه

أقول : لا يخفى عليك ما في العبارة من الإشكال ، فالأولى أن يذكر أوّلا :

حكم التّداعي في المعيّن في التّملّك المجّاني أو المعاوضي ، ثمّ يذكر حكم التّداعي في الكلّي بقسميه.

ثمّ إنّ الفرق في جريان أصالة الصّحة بين كون الدّعوى في التّملك المعاوضي وغيره مشكل ، كما أنّ الفرق بين كون الدّعوى في المعيّن أو الكلّي أشكل ، وإن ذكره في « المسالك » لكنّا كلّما تأمّلنا لم نفهم الفرق بينهما أصلا ، قال فيه ـ بعد جملة كلام له متعلّق بقول المصنّف : « إذا قال بعتك بعبد فقال بحرّ أو قال : فسخت قبل التفرّق وأنكر الآخر فالقول قول من يدعي الصّحة ... إلى آخره » (١) ـ ما هذا لفظه :

« وربّما استشكل الحكم في الأوّل مع التّعيين كبعتك بهذا العبد فيقول : بل بهذا الحرّ ، فإنّ منكر نقل العبد إن كان هو المشتري فهو ينفي ثبوت الثّمن في ذمّته ، وإن كان هو البائع فهو ينفي انتقال عبده عنه ، فالأصل معهما في الموضعين ، ولأنّه يرجع إلى إنكار البيع فيقدّم قول منكره. ثمّ قال : نعم ، لو لم يناف الصّورتين توجّه ما ذكره » (٢). إنتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره قدس‌سره من التّعليل لا فرق فيه عند التّحقيق بين كون الدّعوى في تملّك الكلّي أو الجزئي ؛ فإنّ منكر تملّك العبد الكلّي إن كان المشتري

__________________

(١) وهي عبارة الشرائع.

(٢) مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام : ج ٣ / ٢٦٨.

٥٢٧

فهو ينفي ثبوت الثّمن في ذمّته ؛ لأنّ المفروض أنّ شراءه الحرّ لا أثر له ، وإن كان هو البائع فهو ينفي انتقال عبد كلّي منه إلى المشتري. فالتّحقيق هو الحكم بكون الأصل في الصّورتين مع من يدّعي تمليك العبد ؛ لأنّ أصالة الصّحة حاكمة على ما ذكره في « المسالك » : من الأصل على تقدير إثباته وقوع العقد على العبد.

(٣٨٨) قوله : ( ثمّ إنّ تقديم قول منكر الشّرط المفسد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٢ )

التفصيل المذكور يرجع إلى إنكار اعتبار أصالة الصحة مطلقا

أقول : لا يخفى عليك أنّه ( دام ظلّه ) أراد بذلك الكلام الإشارة إلى أنّ التّفصيل المذكور راجع في الحقيقة إلى إنكار اعتبار أصالة الصّحة مطلقا ؛ فإنّ الحكم بالصّحة في صورة الاختلاف في وجود الشّرط المفسد للعقد لا يحتاج إلى أصالة الصّحة في الفعل الصّادر من المسلم ، بل نفس أصالة عدم وجود الشّرط كافية في الحكم بالصّحة على ما أسمعناك شرح القول فيه.

وتوهّم : كون الأصل المذكور من الأصول المثبتة فلا يغني عن أصالة الصّحة ، فاسد جدّا ، مع أنّ كونه مثبتا غير قادح على ما اختاره المحقّق الثّاني قدس‌سره فتأمّل.

٥٢٨

التنبيه الثالث :

صحّة كلّ شيء بحسبه وباعتبار آثار نفسه

(٣٨٩) قوله : ( إنّ هذا الأصل إنّما يثبت صحّة الفعل إذا وقع الشّك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٣ )

معنى حمل فعل المسلم على الصحيح

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يقال : بأنّ مقتضى التّرتيب الطّبيعي هو تقديم الأمر الرّابع على الأمر الثّالث في الذّكر ؛ لأنّ اشتراط وجود الصّحيح والفاسد للفعل الصّادر من المسلم في حمله على الصّحيح مقدّم على كون الصّحيح في كلّ فعل إنّما هو بحسبه ؛ لأنّه متأخّر كما ترى عن وجود القسمين له.

وكيف كان : لا إشكال في استقامة ما ذكره ( دام ظلّه ) ووضوح صحّته بحيث لا ينبغي الارتياب فيه ؛ فإنّ معنى حمل فعل المسلم على الصّحيح : هو الحكم بأنّ الصّادر والموجود منه في الخارج هو الفرد المترتّب عليه الأثر الشّرعي ، أو العرفي الممضى عند الشارع ، بمعنى : كونه ممّا يترتّب عليه الأثر المقصود منه عند الشارع ، أو العرف والشّرع معا.

ومن المعلوم الواضح عند كلّ أحد أنّ الأثر المقصود من الأفعال عند الشارع والعرف ليس أمرا واحدا ، بل يختلف باختلاف الأفعال ، فقد يكون المقصود من فعل شيئا ومن فعل آخر شيئا آخر فلا يعقل إذن معنى لحمل فعل

٥٢٩

المسلم على الصّحيح إلّا البناء على كونه ممّا يترتّب عليه الأثر المقصود منه عند الشارع أو عند العرف والشّرع.

فصحّة الجزء في مرتبة جزئيّته أو الشّرط في مرتبة شرطيّته كونه بحيث لو انضمّ إليه تمام ما يعتبر في وجود الكلّ ، أو المشروط ، أو في تأثيره فيما وجد في الخارج أثر في مقابل فاسدهما الّذي لا يكون كذلك ، كما أنّ صحّة السّبب مثلا كونه بحيث لو وجد في الخارج ترتّب عليه المسبّب في مقابل فاسده الّذي لا يكون كذلك على التّسامح في الإطلاق.

فإذا شكّ في أنّ الإيجاب الصّادر من المسلم أو القول الصّادر منه في البيع مثلا ، وقع بلفظ الصّريح ، أو العربي ، أو الماضي ، ـ بناء على اعتبارها في تأثير الإيجاب وعدم لغويّته على ما عليه بناء المشهور في العقود اللّازمة ـ بنى على كونه مشتملا للأمور المذكورة ؛ لأنّ الإيجاب مثلا بدونها ليس ممّا يترتّب على العقد المركّب منه ومن القبول الجامع لجميع الشّرائط المعتبرة في ترتّب الأثر عليه أثر على ما هو قضيّة كلام المشهور.

وأمّا إذا شكّ بعد القطع بوجود الإيجاب من البائع مثلا جامعا لجميع الشّرائط المذكورة وغيرها ممّا له مدخل في تأثيره في مرتبة جزئيّة في تحقّق القبول من المشتري لم يكن معنى للحكم بوجوب البناء على وجود القبول من المشتري : من جهة أصالة الصّحة في الإيجاب ؛ لأنّ مع القطع بعدم تحقّق القبول يقطع بصحّة الإيجاب ؛ لعدم ارتباط صحّة أحد الجزءين بوجود الآخر ، بل لا يعقل معنى لذلك ؛ لأنّ جميع الأجزاء في مرتبة واحدة بالنّسبة إلى تحقّق الكلّ لا يعقل أن يجعل وجود أحدها شرطا في تأثير غيره ، وإلّا لزم الخلف كما هو واضح.

٥٣٠

وكذلك الكلام فيما إذا شك في حصول الشّرط في تحقّق الشّيء مع القطع بوجود مركّب يكون مع الشّرط المذكور علّة تامّة لوجود الشّيء بحيث يكون اعتباره في ترتّب الأثر في عرض الأجزاء ، لا بأن يكون معتبرا في ٢٠٧ / ٣ صحّة الأجزاء في مرتبة جزئيّتها كشرط الجزء ، كما إذا شكّ في تحقّق القبض في الهبة ، والصّرف ، والسّلم ، والوقف ، بناء على اشتراطه في النّقل والانتقال بعد القطع بتحقّق العقد الجامع لجميع ما يعتبر في صحّته في مرتبة ذاته : من الصّراحة ، والعربيّة ، والماضويّة ، والموالاة بين الإيجاب والقبول ، والتّرتيب بينهما ، إلى غير ذلك ؛ فإنّه لا معنى لأن يحكم بتحقّق الشّرط المزبور بإجراء أصالة الصّحة في المركّب المذكور لمكان القطع بصحّته على فرض القطع بعدم تحقّق الشّرط المذكور فضلا عن صورة الشّك.

وهكذا الأمر فيما إذا شكّ في حصول النّقل والانتقال من جهة الشّك في تحقّق الرّضا ممّن يعتبر رضاه في حصولها ، فأصالة الصّحة في العقد الفضولي فيما شكّ في لحوق الإجازة لا تقتضي بتحقّقها ، فالأصل في هذا الشّك الفساد ، كالشّك في تحقّق القبض فيما يعتبر فيه من العقود ، وقس على ما ذكر جميع ما يرد عليك من الصّور.

فإذا شكّ في تحقّق التّطهير من الغسل الصّادر من المسلم فإن كان الشّك مسبّبا عن الشّك في تحقّق الغسل بالماء المطلق ، أو المضاف ، ونحوه ممّا يعتبر في تحقّق الأثر المقصود من الغسل فلا إشكال في الحمل على الصّحة والحكم بحصول الطّهارة للمغسول ، وإن كان مسبّبا عن الشّك في حصول الغسل مرّتين ، أو مرّة ـ بناء على اعتبار التّعدّد ـ أو حصول العصر وعدمه ـ بناء على اعتباره في

٥٣١

حصول الطّهارة ـ فلا إشكال في عدم جواز الحكم بحصول الطّهارة من جهة حمل الغسل الصّادر من المسلم على الصّحة.

ثمّ إنّ هذا الّذي ذكره ممّا لا إشكال فيه أصلا ، نعم ، هنا كلام بالنّسبة إلى أصل البناء على عدم الحكم بتحقّق الطّهارة ونحوها من الآثار المقصود إحرازها بإجراء أصالة الصّحة في الجزء يرجع حاصله إلى أنّ عدم جريان أصالة الصّحة في الجزء وعدم اقتضائها تحقّق الأثر المقصود وإن كان حقّا ، إلّا أنّه لا يمنع من الحكم بتحقّقه من وجه آخر.

وهو : إجراء أصالة الصّحة في نفس الأمر المردّد بين ترك الجزء وفعله الصّادر من المسلم ، أو ترك الشّرط وفعله ؛ فإنّ أصالة الصّحة ليست مختصّة بفعل المسلم بل مجراها أعمّ منه ، وهو مطلق الأمر الصّادر منه المردّد بين الفعل والتّرك ، ولذا لو شكّ في أنّ الإمام يقرأ السّورة في الصّلاة مثلا يبني على أنّه يقرؤها ، مع أنّه لم يحرز عنوان فعل له يشكّ في صحّته وفساده ، فليكن هذا على ذكر منك حتّى يأتيك البيان وشرح هذا الكلام منّا بعد هذا إن شاء الله تعالى.

٥٣٢

(٣٩٠) قوله : ( وممّا يتفرّع على ذلك أيضا أنّه لو حلف (١) المرتهن ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٣٦٤ )

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : ( لو اختلف ).

(٢) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : قد أشرنا مرارا إلى أنه لا مانع عن إعمال أصالة الصّحة في مثل هذه الموارد ولكنّها غير مجدية فيما لو تعلّق النّزاع بأمر يتفرّع عليه الصّحة والفساد كإذن المالك ونظائره على ما أوضحناه في صدر المبحث ، فلو اشترى شخص من الرّاهن الرّهن يجوز للثّالث الّذي يحتمل صحّة عملهما وصدوره عن إذن المرتهن شراؤه منه وأخذ ثمنه من البائع حملا لعملهما على الصّحيح.

ولكن لو وقع النّزاع في الإذن فإن كان ذلك من صاحب الحقّ الذي كان يعتبر إذنه كالمرتهن في الفرض قدّم قوله للأصل السّببي الجاري في هذه الخصومة وهو أصالة عدم الإذن بخلاف ما لو إدّعاه غيره كالرّاهن المتصدّي للبيع في الفرض أو المشتري قاصدا بادّعائه بطلان المعاملة فلا يصغى إلى دعوى عدم الإذن ويقدّم قول خصمه المدّعي للصحّة. كما تقدّم تحقيقه فيما سبق.

وكذا يقدم قول مدّعي الصّحة فيما لو اتّفقا على الإذن ولكن ادّعى المرتهن رجوعه قبل البيع لا لأصالة الصّحة لما عرفت : من أن هذا الأصل لا يقتضي تقديم قول مدّعي الصّحة فيما لو تعلّق النّزاع بالسّبب ، ولذا قدّمنا قول منكر الإذن ، بل لأنّ ادّعاء الرّجوع مخالف لأصالة بقاء الإذن وعدم الرّجوع ، وكذا لو اتّفقا على الرّجوع واختلفا في تقدّمه على البيع أو تأخّره ؛ فإنّ دعوى كون الرّجوع بعد الإذن ليست في حدّ ذاتها متعلّقة للنّزاع ؛ إذ لا أثر لها وإنّما مرجعها إلى إنكار ما يدّعيه المرتهن وهو الرّجوع قبل البيع فهو بمنزلة ما لو أنكر الرّجوع رأسا في موافقة قوله للأصل.

وأمّا أصالة صحّة الإذن أو الرّجوع فلا أصل له كما أوضحه المصنّف رحمه‌الله فلا حظ » إنتهى.

٥٣٣

__________________

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٧٥.

* وقال المحقق السيّد محمد كاظم اليزدي قدس‌سره :

« ما ذكره من أن معنى صحّة الإذن أنه لو وقع البيع بعده ومقرونا به كان صحيحا حق لا معدل عنه ، وأمّا ما ذكره من أنّ صحّة الرجوع لا يقتضي وقوع البيع بعده فممنوع ، إذ من الواضح أنّ الرجوع بعد وقوع البيع لغو لا محل له ، فصحته ملازم لوقوع البيع بعده فيكون البيع باطلا ، نعم إثبات بطلان البيع به مبني على حجّية الأصول المثبتة بناء على كون أصالة الصحة من الأصول لا الأمارات ، وكذا ما ذكره من أنّ الحكم بصحة البيع لا يقتضي سوى أنه لو صادف إذن المرتهن أثّر أثره ممنوع ، بل معنى صحة البيع الصادر عن البالغ العاقل بقصد ترتيب الأثر الحكم بكونه جامعا لجميع الشرائط خاليا عن جميع الموانع ومنه اقترانه برضا المالك كما هو كذلك بالنسبة إلى جميع الشرائط المشكوكة فيحكم بصحته بمعنى كونه واجدا للشرط المشكوك ، نعم ، يتم ما ذكره في بيع الفضولي عن المالك فإن حمله على الصحة معناه أنه لو تعقبته الاجازة لتم وأثّر أثره.

إذا عرفت ذلك فنقول : إن قلنا بأنّ حمل الرجوع على الصحة لا يثبت بطلان البيع لكونه من الأصل المثبت يبقى أصالة الصحة في البيع سليمة عن المعارض ، وإن قلنا باثباته بطلان البيع إمّا لأجل كونه من الأمارات أو بناء على حجية الأصل المثبت فيقع التعارض بين أصالتي الصحة صحة البيع وصحة الرجوع المقتضية لبطلان البيع ، ولا حكومة بينهما لأنّ منشأ الشك في أحدهما ليس مسببا عن الآخر ، بل كلاهما مسبّب عن أمر ثالث وهو الشك في التقدّم والتأخّر ، فيحكم بتساقط الأصلين من الجانبين ، وليس المرجع حينئذ أصالة فساد البيع كما يظهر من المتن ، بل المرجع أصالة بقاء الاذن إلى حين وقوع البيع فيحكم بأنه وقع صحيحا ، ولا يعارض بأصالة عدم تحقق البيع إلى ما بعد الرجوع إذ لا يترتب عليها فساد البيع ، إلّا بأن يثبت بها وقوع البيع بعد الرجوع ، ولا يمكن إثبات ذلك إلّا على القول بالأصل المثبت ، وهذا

٥٣٤

ما فرّعه الاستاذ على القاعدة صحيح

أقول : لا يخفى عليك صحّة ما فرعه دام ظلّه على ما ذكره من القاعدة ؛ لأنّ صحّة كلّ من الإذن والرّجوع صحّة شأنيّة نظير صحّة الأجزاء وسائر الشّرائط ؛ لأنّ صحّة الرّجوع كونه بمرتبة توجب فساد العقد الواقع بعده في مال الرّاجع عن إذنه في مقابل فاسده الّذي لا يكون كذلك ، فإذا لم يقع عقد بعده سواء وقع قبله أم لا فليس هذا ممّا يوجب فساد الرّجوع.

بل قد يقال : بأنّ مرجع الشّك في المقام إلى الشّك في أصل تحقّق موضوع الرّجوع ؛ لأنّ تحقّقه مفهوما يتوقّف على عدم تحقّق المأذون فتأمّل.

__________________

نظير ما تقدم سابقا في متطهّر صلّى وأحدث وشك في تقدم الصلاة على الحدث أو تأخرها عنه ، وقد مر انه تجرى أصالة بقاء الطهارة إلى حين الصلاة وتترتّب عليها صحّتها ، ولا تجري أصالة عدم تحقق الصلاة إلى حين الحدث ليترتّب عليها بطلان الصلاة لأنّه يحتاج إلى إثبات وقوع الصلاة بعد الحدث والأصل لا يثبت التأخر.

لا يقال : إنّ أصالة بقاء الاذن إلى حين البيع لا يثبت وقوع البيع مقارنا للاذن ، وكذا أصالة بقاء الطهارة لا يثبت وقوع الصلاة حال الطهارة.

لأنّا نقول : لا معنى لاستصحاب الاذن أو الطهارة إلّا الحكم بصحة البيع الواقع بعده والصلاة الواقعة بعدها ، لأنّها الأثر الشّرعي الثابت للمستصحب وهذا بخلاف أصالة عدم البيع إلى حين الرجوع وأصالة عدم تحقق الصلاة إلى حين الحدث ؛ إذ ليس أثرها بطلان البيع والصلاة فلا بد من إثبات وصف التأخّر ليترتّب عليه البطلان كما لا يخفى » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٩٢ ـ ٣٩٤.

٥٣٥

وهكذا الكلام بالنّسبة إلى الإذن ؛ لأنّ معنى صحّة الإذن كونه بحيث لو وقع المأذون عقيبه ترتّب عليه الأثر فلو لم يقع عقيبه المأذون فلا يوجب هذا فساد الإذن ، بل لا معنى لتوهّم جريان أصالة الصّحة بالنّسبة إلى الإذن في الفرض ، وإن قيل بجريانها بالنّسبة إلى الرّجوع ؛ لأنّ الإذن في حال وجوده قد وجد صحيحا جامعا للشّرائط ، وإنّما الشّك في ارتفاعه وبقائه. فأين مورد جريان أصالة الصّحة في الإذن؟

نعم ، ذكر الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه العالي ) : أنّه يمكن إجراء أصالة الصّحة في الرّجوع في مقامات أخر كما إذا اختلف في أنّ الرّجوع وقع قبل انقضاء العدّة ، أو بعدها أو وقع في حال الإحلال ، أو الإحرام ؛ فإنّ من شرائط تأثير الرّجوع في مرتبة نفسه عند الشارع وفي نظره في الموضعين أن يقع قبل انقضاء العدّة ، وفي حال الإحلال نظير الإيجاب والقبول بالعربي في العقود اللّازمة على مذهب المشهور ، وهذا بخلاف الرّجوع في المقام ؛ فإنّه لا يتفاوت الأمر في صحّته في نفسه بين أن يقع بعد البيع أو قبله فتدبّر.

وكيف كان : لا إشكال في صحّة ما ذكره ( دام ظلّه ) بالنّسبة إلى المقام ، إنّما الإشكال فيما نسبه إلى بعض الأصحاب : من إجراء أصالة الصّحة في الإذن ، كما في الرّجوع ؛ فإنّ الظّاهر أنّ أحدا لم يقل به ، وإنّما الّذي التزم به بعض مشايخنا في شرحه على « الشّرائع » : جريان أصالة الصّحة في الرّجوع ، حيث قال بعد جملة كلام له في الرّد على ما ذكره في « المسالك » ردّا على ثاني المحقّقين ما هذا لفظه :

« وثانيا : أنّه لا ريب في الحكم بحصول الشّرائط بعد وقوع الفعل وإن كان الأصل يقتضي عدمها ، كما لو شكّ في الطّهارة ، أو الاستقبال ، أو التّستّر ، أو نحو

٥٣٦

ذلك بعد الصّلاة خصوصا إذا كان أصلها ثابتا ، كما لو تيقّن الحدث بعد الفراغ من الصّلاة ولكن لم يعلم سبقه عليها ، أو بالعكس فقوله : « إنّ الشّرائط لا بدّ من إحرازها بيقين ، أو استصحاب » إن أراد به قبل التّلبس بالفعل فهو مسلّم ، ولكنّه غير ما نحن فيه. وإن أراد بعده فهو واضح المنع ؛ ضرورة اقتضاء أصالة صحّة فعل المسلم ما ذكرنا ».

وساق الكلام إلى أن قال :

« فقد يتّجه دعوى جريان أصالة صحّة البيع الّتي يكفي فيها احتمال عدم الرّجوع قبله ففي الحقيقة سقوط حقّه بإذنه لا بأصالة الصّحة ، إلّا أنّه يعارض ذلك أصالة الصّحة في رجوعه ؛ ضرورة كونه فعلا من أفعال المسلم الّذي ينبغي حمله على الصّحة الّتي هي هنا الحكم بكونه قبل البيع حتّى يؤثر فسادا فصحيحه ٢٠٨ / ٣ ذلك وفاسده الواقع بعد البيع ؛ لعدم تأثيره » (١). انتهى ما أردنا نقله من كلامه.

وهو كما ترى ، لا إشعار فيه بجريان أصالة الصّحة في الإذن ، كما لا إشعار فيما أهملنا نقله ، بل الظّاهر من مجموعه عدم جريان أصالة الصّحة في الإذن ، وإن صرّح بجريان الاستصحاب فيه في الجملة كما صرّح به غيره. وبالجملة : توهّم جريان أصالة الصّحة في الإذن ممّا لا معنى له ولم يتوهّمه أحد.

وإن كان ما ذكره شيخنا المتقدّم في « شرحه » بالنّسبة إلى أصالة الصّحة في الرّجوع محلّ مناقشة من وجه آخر أيضا : وهو معارضة أصالة الصّحة في الرّجوع مع أصالة الصّحة في البيع ، أو استصحاب الإذن ؛ لأنّ أصالة الصّحة في الرّجوع

__________________

(١) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : ج ٢٥ / ٢٦٦.

٥٣٧

حاكمة على الأصلين كما لا يخفى. مضافا إلى عدم جريان أصالة الصّحة بالنّسبة إلى البيع أصلا بعد الشّك في رضا من يعتبر رضاه ؛ لأنّ الصّحة الشّأنيّة مفروضة قطعا ، وغيرها ليس من آثاره ؛ لأنّ الأصل في بيع مال الغير ، أو ما يتعلّق به حقّ الغير ، الفساد مع قطع النّظر عن إذنه كما عرفته عن قريب.

كما أنّ ما أفاده قدس‌سره ردّا على « المسالك » : من أنّه لا ريب في الحكم بحصول الشّرائط بعد وقوع الفعل ، محلّ مناقشة أيضا ؛ ضرورة افتراق أصالة الصّحة في فعل النّفس الرّاجعة إلى قاعدة الشّك بعد الفراغ مع أصالة الصّحة في فعل الغير ، وقد عرفت تحقيق القول في مقتضى القاعدة عند التّكلّم فيها.

(٣٩١) قوله : ( نعم ، بقاء الإذن إلى أن يقع البيع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٥ )

في ان استصحاب الإذن وأصالة عدم البيع قبل

الرجوع ونحوهما من الأصول المثبتة

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد تكرّر في كلماتهم التّمسك باستصحاب الإذن وأصالة عدم البيع قبل الرّجوع ونحوهما في المقام ، إلّا أنّك خبير بأنّ أكثرها بل كلّها أصول مثبتة لا تعويل عليها عندنا.

نعم ، ذكر الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) : أنّ استصحاب الإذن فيما لو شكّ المأذون حين إرادة البيع في رجوع الآذن عن إذنه ممّا لا ريب فيه وفي إفادته جواز البيع وترتّب الآثار عليه ؛ لأنّه ممّا يترتّب على بقاء الإذن إلى زمان إرادة البيع بلا توسيط أمر عقليّ أو عاديّ. وهذا بخلاف استصحابه بعد وقوع البيع ؛ فإنه

٥٣٨

ممّا لا يترتّب عليه صحّة البيع إلّا بإثبات كونه واقعا عن إذن ، وهو ليس من الأحكام الشّرعيّة ، فتدخل بهذا الاعتبار في الأصول المثبتة.

ثمّ ذكر ( دام ظلّه ) : أنّه لا غرابة فيما ذكرنا ولا تعجّب فيه ؛ فإنّه كثيرا مّا يختلف حال الأصل قبل الفعل وبعده ، ألا ترى أنّه لو شكّ أحد المتبايعين في بلوغ صاحبه حين إرادة البيع لم يكن له البيع وترتيب الآثار عليه بخلاف ما لو شكّ هذا الشّك بعد البيع ؛ فإنّه لا يلتفت إلى الشّك المذكور؟ وهكذا الأمر في كثير من المقامات.

ولكنك خبير بإمكان المناقشة فيما ذكره ( دام ظلّه ) وإن كان الفرق الّذي ذكره في المثال في المقيس عليه في غاية الاستقامة ، إلّا أنّ القياس في غير محلّه ؛ حيث إنّ قضيّة قاعدة الشّك بعد الفراغ ، أو أصالة الصّحة في الفعل هو الحكم بصحّة البيع فيما لو شكّ في صحّته وفساده بعد وجوده ؛ حيث إنّه لا وجود لهما قبل الفعل.

وهذا بخلاف المقام الرّاجع إلى التمسّك بالاستصحاب ؛ فإنّ من آثار بقاء الإذن إلى حين وقوع البيع هو الحكم بحصول النّقل والانتقال شرعا ولو كان الشّك حاصلا بعد البيع ، ولا يحتاج إلى إثبات واسطة حتّى يدخل في الأصول المثبتة ، ولو كانت هناك واسطة لم يفرّق بين الصّورتين ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الأصل في بيع مال الغير ، أو ما تعلّق به حقّ الغير المانع من بيعه ، الفساد كما في بيع الوقف وأشباهه ، ولا يجوز الحكم بالصّحة إلّا بعد إثبات وقوع البيع عن إذن مجوّزه فتأمّل.

٥٣٩

(٣٩٢) قوله : ( والحقّ في المسألة ما هو المشهور ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٦٥ )

وجه صحّة مذهب المشهور

أقول : لا يخفى عليك الوجه فيما أفاده ( دام ظلّه ) بعد التّأمّل فيما ذكرنا : أمّا في الرّجوع والإذن فواضح ، وأمّا في البيع : فلما عرفت : من أنّ صحّته في مرتبة ذاته الّتي يعبّر عنها في لسان جمع بالصّحة الشّأنيّة موجودة قطعا ، وصحّته بمعنى حصول النّقل والانتقال عقليّة ليست من آثاره ، بل من آثار المجموع المركّب منه ومن رضا ذي الحقّ ، ولذا لم يقل أحد بجريان أصالة الصّحة في بيع مال الغير ، أو المرهون فيما إذا شكّ في تحقّق الرّضا رأسا.

وإنّما أوجب التّوهّم في المقام تحقّق الإذن في السّابق فربّما يتوهّم من جهة استصحابه : أنّه يمكن إجراء أصالة الصّحة في المقام.

مع أنّك خبير : بأنّ هذا التّوهّم في كمال الظّهور من الفساد ؛ لأنّ الاستصحاب المذكور لو كان جاريا في المقام لاقتضى الصّحة بنفسه وإن قطع النّظر عنه لم يجر أصالة الصّحة أصلا فهي ساقطة على كلّ تقدير.

وهذا ما يقال : إنّ الأصل الثّانوي في بيع مال الغير وشبهه الفساد ، ولا يجري فيه أصالة الصّحة ، بل لا بدّ في الحكم بصحّته من إحراز الإذن من ذي الحقّ ونحوه.

نعم ، قد يقع الإشكال بل الكلام في بعض الموارد : من جهة الكلام في تشخيص المشروط ، كما في بيع الوقف المشروط صحّته بوجود المسوّغات الشّرعيّة.

٥٤٠