بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

(٣٧٠) قوله : ( وممّا يؤيّد ما ذكرنا [ أيضا ](١) ما ورد في غير واحد من (٢) الأخبار ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٨ )

رواية ابن سنان لا علاقة لها بالمقام

أقول : لا يخفى عليك أنّ الرّواية ليس لها كثير ارتباط بالمقام ، والمراد من الصّرعة ـ بفتح الفاء ـ هو الوقوع ، ومنه المصرع والصّريع. والمراد بالاسترسال استرسال الغير الواقع ، وإيقاعه في الخطر بحيث يرفع يده عنه ولا يبالي بهلاكه. ومنه ما ورد في الأخبار من قوله : « غبن المسترسل سحت » (٣) فالمراد أنّ الوقوع الّذي كان على وجه الاسترسال لا يستقال ولا يرجع ، فكأنّه عثرة لا إقالة فيه.

(٣٧١) قوله : ( وما في نهج البلاغة (٤) عنه عليه‌السلام : إذا استولى الصّلاح ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٩ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ظاهر الرّواية خلاف الإجماع ؛ فإنّ ظنّ السّوء حرام بالإجماع والآيات المتكاثرة والأخبار المتواترة على كلّ حال وفي كلّ

__________________

(١) أثبتناها من الكتاب.

(٢) كذا وفي الكتاب : « الرّوايات ».

(٣) الكافي الشريف : ج ٥ / ١٥٥ باب آداب التجارة ـ ح ١٤ ، والفقيه : ج ٣ / ٢٠٠ باب « غبن المسترسل » ـ ح ٧٧٢ ط دار الأضواء ، و ( ج ٣ / ٢٧٢ ح ٣٩٨٢ ط دار الكتب الإسلامية ) ، والتهذيب : ج ٧ / ٧ ـ ح ٢١ ، عنها الوسائل : ج ١٧ / ٣٩٥ باب « حكم ربح الإنسان على من يعده بالإحسان » ـ ح ٢ و ٤.

(٤) نهج البلاغة : ٤٨٩ ـ الحكمة ١١٤.

٥٠١

وقت ، وجعل الفقرة الثّانية بمعنى ترتيب الأثر ، بمعنى : أنّه لا يجوز ترتيب الأثر على فعل المؤمن عند غلبة الفساد على الزّمان ، وإن حرم أصل ظنّ السّوء به ، بخلاف ما لو غلب الصّلاح عليهما ؛ فإنّه يجب ترتيب الأثر أيضا مع كون هذا التّوجيه أيضا خلاف الإجماع ممّا لا يجدي في شيء ، بل يدلّ على خلاف المدّعى في الجملة كما لا يخفى.

فالمراد من الرّواية وأمثالها ـ والله العالم ـ هو حسن الظّن بالغير بحيث يجعله أمينا وصاحب سرّه فيدلّ على الإرشاد فتدبّر.

قوله : ( فإنّ الجمع بينها وبين الأخبار المتقدّمة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٩ )

الجمع غير ممكن خلافا للأستاذ

أقول : قد عرفت : أنّه لا يمكن الجمع بين ما في « نهج البلاغة » والأخبار المتقدّمة بما ذكره الأستاذ العلّامة كما هو ظاهر.

(٣٧٢) قوله : ( ويشهد له ما ورد : من أنّ المؤمن ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٩ )

أقول : المراد من البغي استعمال الحسد. والمراد بتحقّق الظّن : هو التفحّص عن وقوع المظنون ، أو ترتيب آثار الواقع عليه. والمراد بالمضي عند الطّيرة : هو عدم الاعتناء والتّوكّل على الله. وقد ورد في بعض الأخبار : « ثلاث لم يعر منها نبيّ ومن دونه : الطّيرة ، والحسد ، والوسوسة في التّفكّر في الخلق » (١) والرّواية

__________________

(١) انظر الخصال للشيخ الصدوق : ٨٩ باب الثلاثة ـ ح ٢٧.

٥٠٢

بظاهرها منافية للخبر المتقدّم في الجملة بناء على ما ذكره الصّدوق في تفسيرها على ما عرفته في الجزء الثّاني (١) من « الكتاب ».

وكيف كان : اضطربت كلمات الأصحاب في كون الحسد بنفسه من المحرّمات أم لا ، كما أنّها اضطربت في أنّ ظنّ السّوء بنفسه من المحرّمات أم لا ، إلّا أنّ ظاهر الأكثر وظاهر جملة من الأخبار المقيّدة بغيرها عدم التّحريم ما لم يترتّب عليها الأثر.

نعم ، ظاهرهم الإجماع على أنّ مجرّد الخطور القلبي ممّا لا بأس به ، وقد ادّعى الإجماع عليه العلّامة المجلسي في « البحار » (٢) صريحا.

__________________

وأورد الكليني قدس‌سره ما يقرب منه في روضة الكافي الشريف : ج ٨ / ١٠٨ وللتأمل في الخبرين مجال واسع لمنافاتهما للعصمة وقبولهما على هذا التقدير مشكل وإن صحّ خبر الروضة سندا ، وتفسير الصّدوق خلاف الظاهر فلا يصار إليه. وكيف كان : فالأفضل بل الأحوط أن يردّ علم ذلك إلى أهله.

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٠.

(٢) لم نعثر عليه في البحار في مظانه نعم ، في رياض السالكين : ٢ / ٤١٠ للسيد عليخان المدني الكبير : وأمّا بمعنى الخطرة أو حديث النفس فإن كان طاعة فلا مانع من أن يترتّب عليه رضاه تعالى كما جرت عليه عادته في عموم الفضل والإحسان وإن كان معصية فقد انعقد الإجماع من الأمة على أن لا مؤاخذة به.

٥٠٣

مدرك أصالة الصحة

( الاجماع القولي والعملي )

(٣٧٣) قوله : ( الثّالث : الإجماع القولي والعملي ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٥٠ )

الإجماع القولي والعملي والتأمّل فيه

أقول : لا يخفى عليك وضوح تحقّق الإجماع بكلا قسميه على اعتبار أصالة الصّحة بالمعنى المقصود في محلّ البحث ، بل صريح بعض أساطين المشايخ في

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

لا يخفى ان تحصيل الإجماع من اتفاق الفتاوى في مثل هذه المسألة لو فرض بعيد ، لاحتمال أن يكون مبني فتوى الكلّ أو الجلّ على ما هو السّيرة بين عامّة النّاس في الأعصار والأمصار من حمل الأفعال على الصّحيح من دون اختصاص له بالمسلمين ، ومنه يظهر ما في دعوى الإجماع العملي أيضا.

هذا مضافا إلى احتمال أن يكون المبني هو لزوم اختلال النّظام لو لا الحمل عليه ، كما أفاده في الدّليل الرّابع ، نعم سيرة عامّة النّاس بدليل عدم ردعهم عليهم‌السلام عنها يكشف عن إمضائها والرّضا بها ، وإلّا كان عليهم الرّدع عنها ، فالأولى كان التمسّك بسيرة العقلاء كما لا يخفى ، وإن كان الإنصاف استقلال العقل به لأجل اختلال نظام المعاش والمعاد ، كما افاد بعد ملاحظة عدم أصل آخر يعوّل عليه فلا يقال : ان اختلال يرتفع به أيضا ، ومعه لا استقلال للعقل به بخصوصه كما هو المهمّ ، فافهم » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٠٥.

٥٠٤

« كشفهه » (١) : أنّ اعتبار أصالة الصّحة في جميع الموجودات ممّا قضى به الإجماع ، بمعنى : أنّ الأصل في جميع الأشياء السّلامة ؛ لأنّ الفساد إنّما هو من جهة الأمر الطّاري على خلاف الطّبيعة الأصليّة بحيث لو لم يكن لوجد الشّيء صحيحا. فإذا شكّ فالأصل عدمه.

ولذا ذكروا في المتاجر (٢) : أنّه يجوز التّجارة فيما لا يعلم صحّته وفساده قبل الاختبار كالبطّيخ والبيض ونحوهما إتّكالا على أصالة الصّحة والسّلامة ، وإن كان ما ذكره قدس‌سره لا يخلو عن مناقشة ظاهرة سواء جعل المدرك في الأصل المذكور الاستصحاب بتقريره المتقدّم ، أو الغلبة.

وبالجملة : قيام الإجماع بكلا قسميه على اعتبار أصالة الصّحة ممّا لا يقبل الإنكار عند المنصف الراجع إلى كلماتهم في باب التّداعي وغيره وسيرة النّاس في معاملاتهم ، إلّا أنّه لا عموم له حتّى ينفع في موارد اختلاف العلماء فيها ، اللهم إلّا أن يقال : إنّهم اتّفقوا بأسرهم على إجراء أصالة الصّحة في جميع الموارد ، غاية الأمر : أنّهم اختلفوا في تقديم بعض الأصول عليها في بعض الموارد ، فالإجماع منعقد على اعتبار أصالة الصّحة في كلّ مورد من الموارد. هكذا ذكره الأستاذ العلّامة في توجيه تعميم الإجماع لجميع الموارد.

ولكنّك خبير بأنّ هذا التّوجيه لا يخلو عن النّظر ؛ فإنّ صريح المحقّق الثّاني وظاهر العلّامة على ما ستقف عليه في « الكتاب » : عدم إجراء أصالة الصّحة قبل

__________________

(١) كشف الغطاء : ج ١ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٢) انظر القواعد والفوائد للشهيد الأوّل : ج ١ / ١٢٩ ونضد القواعد الفقهية للفاضل مقداد : ٧٩ والمناهل ( كتاب البيع ) : ٢٩٤.

٥٠٥

إحراز أركان العقد لا لمكان المعارضة ، وظاهر جماعة أيضا تخصيص مفادها بالصّحة عند الفاعل وهي أيضا غير نافع إلّا في قليل من الموارد ، وظاهر جماعة أخرى معارضتها في كثير من الموارد بأصالة البراءة ونحوها ، بل وتقديمها على أصالة الصّحة. ومن المعلوم أنّه لا ينفع الحكم بالجريان بعد البناء على تقديم مثل أصالة البراءة عليها فتأمّل.

* * *

٥٠٦

مدرك أصالة الصحة ( العقل المستقل )

(٣٧٤) قوله : ( الرّابع : العقل المستقلّ ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٥٠ )

الدليل الرابع على اعتبار أصالة الصحّة

__________________

(١) قال العالم الكامل الفقيه الرّباني الشيخ هادي الطهراني قدس‌سره :

وفيه : ان اليد أصل معتبر بالذات على ما حقّقناه وقول الإمام عليه‌السلام لا يدلّ على استناد حجّيّتها إلى قيام السوق بها ، بل إنّما المقصود انّ اعتبار اليد معلوم بالفطرة والشاهد عليه عدم اختلال في أمر السوق ، مع انّه ليس لهم ما يركنون إليه غالبا إلّا اليد ولو لا انّها حجّة بالضرورة لم يقدموا على هذه المعاملات وكان حال السوق كما لو تصدّى للبيع من لا بد له على المال ؛ فإنّه لو شاع ذلك لزم الإختلال ؛ إذ لا يركن إلى قول أحد مع عدم الإطمينان فلو لا اليد لما اقدم الناس على المعاملات واختلّ امر السوق لأنّهم يركنون حينئذ إلى مجرّد القول والدّعوى لتوقّف قيام سوقهم عليه كما هو مقتضى ذلك التوهّم ، مع ان ايجاب الاختلال لرفع اليد عن الأصول ، والحكم بمجرّد الإحتمال لا يرجع إلى محصّل ؛ فإنّ الضرورة تقدّر بقدرها ولا يعقل الضابط والتعميم بجميع صور احتمال الصحّة خلاف الإجمال ، بل الضرورة في الجملة.

وبالجملة : فالرواية لا تدل على الإستناد إلى تلك العلّة والأمر في أدلّة نفي الحرج والتوسعة في الدين أظهر ، فهل يتوهّم أحد أنّ الرّكون إلى الأصول وعدم رفع اليد عنها بمجرّد الإحتمال تضييق على الشخص بجهالة؟ كلّا ثمّ كلّا ، بل الإقدام على مخالفتها بالظنّ فضلا عن مجرّد الاحتمال هو الذي ورد فيه قوله تعالى : أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [ الحجرات : ٦ ]. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

٥٠٧

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الدّليل مثل السّابق لا اطّراد له ؛ لأنّه مختصّ بموارد لزوم الاختلال من ترك العمل بأصالة الصّحة ، اللهمّ إلّا أن يقال : أنّ العقل مستقلّ بوجوب جعل أصالة الصّحة على الشارع من باب اللّطف ؛ من حيث إنّ في تركه إخلالا بالنّظام نوعا ، وهو يكفي في حكم العقل ، ولا يشترط لزوم الاختلال الشّخصي في جميع موارد تسرية الحكم. وكذا الرّواية تدلّ على ذلك ، وإلّا لوجب تخصيص اعتبار اليد أيضا بما لو استلزم من عدم اعتباره اختلال النّظام هذا.

ولكنّك خبير بما في هذا الاستدراك.

بل قد يقال : إنّه لا يلزم من ترك العمل بأصالة الصّحة اختلال أصلا بعد فرض اعتبار اليد وكون تصرف المسلم محمولا على الصّحة من جهة ما دلّ على اعتبار اليد من الأدلّة الخاصّة.

ولكنّك خبير بأنّ هذا التّخصيص والاعتراض أيضا لا يخلو عن مناقشة ظاهرة ؛ فإنّه على تقدير تسليم عدم اختلال نظم المعاش من ترك العمل بها في غير مورد اليد لا ريب في اختلال نظم المعاد منه ؛ فإنّه يلزم على تقديره عدم مشروعيّة صلاة الجماعة إلّا خلف النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام كما هو واضح ، وهكذا. والالتزام بهذا ونحوه كما ترى ، بل يمكن استكشاف حكم العقل في المقام من التّعليل لاعتبار اليد في رواية الحفص ؛ حيث إنّ الظّاهر منها التّعليل بما هو مسلّم عند العقلاء بالتّقريب الّذي ذكره في « الكتاب ».

ومنه يظهر الوجه فيما أفاده : من إشارة دليل نفي الحرج إلى ذلك بناء على كون المراد منه الحرج النّوعي الغائي لا الشّخصي ، وإلّا فلا إشارة فيه.

نعم ، هو دليل على المدّعى في مورد لزوم الحرج من ترك العمل بالأصل المذكور ، اللهمّ إلّا أن يتمّ الاستدلال بضميمة عدم الفصل فتأمّل.

٥٠٨

تنبيهات أصالة الصحّة

التنبيه الأوّل : المدار على الصحّة الواقعيّة أم على الصحّة عند الفاعل؟

التنبيه الثاني : هل يعتبر في جريانها في العقود إستكمال أركان العقد؟

التنبيه الثالث : صحّة كلّ شيء بحسبه وباعتبار آثار نفسه.

التنبيه الرّابع : اعتبار إحراز أصل العمل في أصالة الصحّة.

التنبيه الخامس : عدم جواز الأخذ باللوازم في أصالة الصحّة.

التنبيه السادس : وجه تقديم أصالة الصحّة على استصحاب الفساد.

٥٠٩
٥١٠

التنبيه الأوّل : هل يحمل المسلم على الصحّة الواقعيّة

كما هو المشهور أو الصحّة عند الفاعل؟

(٣٧٥) قوله : ( ويظهر من بعض المتأخّرين خلافه : قال في « المدارك » : ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٤ )

حمله على الصحّة عند الفاعل

أقول : قال به المحقّق القمّي رحمه‌الله في « القوانين » (١) ، ويظهر من غيره من المتأخّرين أيضا. وأمّا ما استظهره ( دام ظلّه ) من « المدارك » (٢) فهو من جهة تخصيصه اعتبار أصالة الصحّة بصورة علم المدّعي بالفساد ، فيحكم حينئذ بوجوب حمل فعله على الصّحة وإن ادّعى خلافه ، وحكمه بعدم جريانه في صورة جهله مع أنّه لو كان المناط هو الصّحة الواقعيّة لم يكن معنى للتّفصيل المذكور كما ٢٠٤ / ٣ لا يخفى وجهه هذا.

ولكنّي رأيت في موضع آخر من « المدارك » تصريحه بجريان أصالة الصّحة بالنّسبة إلى الواقع ، إلّا أنّه ليس ببالي حتّى أذكره فراجع إليه حتّى تقف على حقيقة الأمر.

__________________

(١) انظر القوانين : ج ١ / ٥١.

(٢) مدارك الأحكام : ج ٧ / ٣١٥.

٥١١

(٣٧٦) قوله : ( ويظهر ذلك من بعض من عاصرناه في أصوله وفروعه ) (١). ( ج ٣ / ٣٥٤ )

أقول : صرّح دام ظلّه في مجلس البحث : بأنّ مراده من بعض من عاصره هو الفاضل القمّي ، والتّوجيه المذكور أيضا ظاهر ؛ حيث إنّ المسلمين يفعلون على طبق اعتقادهم في الغالب فمن الغلبة يظنّ في مورد الشّك أنّه عمل على طبق اعتقاده وقد صرّح بذلك في « القوانين » (٢) وهو المراد من الظّهور.

(٣٧٧) قوله : ( بل ويمكن استناد هذا الأصل (٣) ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٥ )

أقول : لا يخفى عليك وجه الاستناد المذكور أيضا ؛ لأنّ ظهور حال المسلم لا يقتضي إلّا أنّه لا يفعل من حيث كونه مسلما إلّا ما يعتقد كونه جائزا عند الشارع ، فلا يقتضي الحمل على الصّحة الواقعيّة فيما إذا اعتقد الصّحة على خلاف اعتقاد الحامل ، بخلاف ما لو كانا موافقين في الاعتقاد ؛ فإنّه يقتضي الحمل على الصّحة الواقعيّة الّتي طريقها يختلف باختلاف اعتقاد المكلّفين ، هذا حاصل المراد من العبارة.

لكنّك خبير بأنّها لا تخلو عن القصور في البيان. ثمّ إنّك قد عرفت من هذه العبارة أنّ الاستناد المذكور مبنيّ على مجرّد الإمكان ، وإلّا فظاهر كلمات المتمسّكين بهذا الدّليل ـ كما يعلم من الرّجوع إلى كلماتهم في الفروع الفقهيّة ـ

__________________

(١) جامع الشتات : ج ٤ / ٣٧١ و ٣٧٢ ، والقوانين : ١ / ٥١.

(٢) مرّت الإشارة أعلاه اليه.

(٣) كذا وفي الأصل طبعة مؤتمر تكريم الشيخ : « ويمكن إسناد هذا القول إلى كل من استند في هذا الأصل ... الى آخره ».

٥١٢

الاتّفاق على الحمل على الصّحة الواقعيّة (١).

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا إشكال في انّ قضيّة ما هو العمدة من الأدلّة ـ من السيرة والإختلال ـ : ان المحمول عليه الأفعال هو الصحّة الواقعيّة دون الفاعليّة ، انّما الإشكال في انّه هل يعتبر في الحمل عليها علم الفاعل بها ولو ظاهرا بطريق معتبر شرعا ، أو جهل الجاهل بحاله أم لا ، فعلى الاعتبار لو سلّم جهله بها ، فلا حمل على الصحّة أصلا لانتفاء الصحّة الفاعليّة بنفسها وعدم شرط الحمل في الصحّة الواقعيّة : وعلى عدم الاعتبار فلا محيص عن الحمل على الصحّة الواقعيّة كما لا يخفى والظاهر عدم الاعتبار في الكل على الصحّة الواقعيّة مطلقا ولو كان مع جهل الفاعل بها ، إلّا فيما إذا اعتقد صحّة ما هو فاسد واقعا وفساد ما هو صحيح كذلك ، وذلك لنهوض ما هو العمدة من الأدلّة من السّيرة والإختلال عليه وارتفاع الاختلال بالحمل عليها في بعض الصّور وإن كان حاصلا ، إلّا أنّ تعيين ذلك بلا معين ، ترجيح بلا مرجّح.

ثمّ الظّاهر أنّ صاحب المدارك إنّما خالف في ذلك واعتبر علم الفاعل بالصحّة والفساد ، لا في أنّ المحمول عليه ما هو من الصحّة الواقعيّة أو الفاعليّة ، كما هو ظاهر ما أفاده قدس‌سره ولم يحضرني « المدارك » ، والعبارة المحكي عنها في الكتاب غير صحيحة فيما حضرني من النّسخة ، فراجع وتأمّل » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

٥١٣

(٣٧٨) قوله : ( وأمّا الثّانية : فإن لم يتصادق اعتقادهما ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٥ )

الصورة الثانية من صور المسألة (١)

أقول : لا يخفى عدم الإشكال في وجوب الحمل على الصّحة باعتقاد الفاعل فيما إذا كان مخالفا بحسب الاعتقاد للحامل بالاختلاف التّبايني ؛ لأنّه قضيّة الأخبار ، ولا يعارضها غيرها من الإجماع ، والسّيرة ، ولزوم الاختلال.

والحاصل : أنّه لا ينبغي التأمّل في عدم جواز الحمل على الصّحة الواقعيّة باعتقاد الحامل في الفرض.

__________________

(١) تفصيل المسألة : أن الشاك في الفعل الصادر من غيره :

١ ـ يعلم كون الفاعل عالما بالصحة والفساد.

٢ ـ يعلم بجهله وعدم علمه.

وفي هذه الصورة إمّا أن يتصادق اعتقادهما بالصحة في فعل أو لا يتصادق ، والأوّل كما في مثال العقد بالفارسيّة على الخلاف الذي فيه والثاني كما في ما إذا اعتقد أحدهما وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة والآخر وجوب الإخفات.

٣ ـ يجهل بحاله.

٥١٤

(٣٧٩) قوله : ( فإن قلنا : أنّ العقد الفارسي (١) منه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٦ )

تصادق اعتقادهما بالصحة وسببيّة العقد

لترتّب الآثار عليه وإن كان فاسدا

أقول : بأن تكون الصّحة الظّاهريّة عنده موضوعا لترتيب الآثار في حقّ غيره بحسب الواقع كما هو ظاهر بعض الأصحاب ؛ نظرا إلى دعوى ظهور ما دلّ على ثبوت الأحكام للموضوعات المضافة إلى الغير كالملكيّة ، والزّوجيّة ، ونحوهما على كفاية تحقّقها في اعتقاده.

ثمّ إنّ الوجه في عدم الثّمرة (٢) هو : أنّه لو حمل على الصّحة باعتقاد الفاعل

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : ( بالفارسية ).

(٢) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« فانه يجب ترتيب الآثار على كلّ حال ولو مع العلم بالفساد ولكن قد عرفت قيام السّيرة على الحمل في هذه الصّورة مع الجهل ولزوم الإختلال من عدمه ، لكثرة اختلاف النّاس في شروط المعاملات ، مع عدم تفتيش أحد عن انّ المعاملة كانت جامعة لما يعتبر فيها واقعا ، بل يرتّبون عليها الآثار من دون تفتيش عن ذلك ، كان ذلك من باب الحمل على الصحّة مع الجهل ، أو من باب لزوم ترتيب الأثر على كلّ أحد ولو من كان معتقدا بفساده ، فلا وجه لإشكاله قدس‌سره في الحمل سيّما مع اعترافه بتعميم الفتاوي وقد عرفت عدم اختصاص ما هو العمدة من الأدلّة من الاختلال والسّيرة بما إذا كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصّحيح والفساد للسّيرة ولزوم اختلال ، لوضوح عدم معرفة غالب السّواد لأحكام المعاملات ، فلو

٥١٥

لزم ترتيب الآثار أيضا فيكون الحمل على الصّحة بحسب الواقع غير محتاج إليه أو ممّا لا معنى له على وجه.

والحاصل : أنّ دليل وجوب الحمل على الصّحة بحسب الواقع لا يجري في الفرض وإن كان ربّما يتأمّل فيه من لا خبرة له.

(٣٨٠) قوله : ( وإن قلنا بالعدم كما هو الأقوى ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٦ )

أقول : لا يخفى وجه ما استظهره ( دام ظلّه ) ؛ لأنّ المعنى المذكور وإن كان أمرا ممكنا ، إلّا أنّه خلاف ظاهر الأدلّة على ما سبق شرح القول فيه في مطاوي كلماتنا السّابقة سيّما في الجزء الثّاني من التّعليقة فليرجع إليه.

وأمّا استشكاله ( دام ظلّه ) في الحمل على الصّحة بحسب الواقع على هذا التّقدير ، فالظّاهر أنّه في غير محلّه ؛ لتحقّق السّيرة على الحمل على الصّحة في الفرض من غير ريب وشكّ ، فهل ترى عدم اقتدائهم بمن يرى استحباب السّورة مع احتمال تركه في الصّلاة مع كونها واجبة عندهم بالتّقليد ، أو الاجتهاد؟

حاشا ثمّ حاشا ، فكذلك الأمر في الحمل على الصّحة في المعاملات ؛ فإنّه لا ينبغي الارتياب في استقرار بنائهم على حملها على الصّحة مع علمهم إجمالا

__________________

بني على التّفتيش عن حال معاملاتهم لاختل أمور المعاش والمعاد على العباد ، وانجرّ إلى الفساد في البلاد ، وأمّا بيع أحد المشتبهين فالظّاهر عدم جواز ترتيب الاثر عليه لأحد إذا علم أنّه كذلك عند المالك ، ومع ذلك أقدم على بيعه بناء على تنجّز التكليف المعلوم بينهما ، لأنّ ترتيب الأثر عليه ارتكاب لأحد طرفي الشبهة ، وأمّا لو علم أو احتمل أنّ المالك البائع يعرف الطّاهر منهما وهو ما أقدم على بيعه ، فلا مانع عن الحمل أيضا أصلا كما لا يخفى » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٠٦.

٥١٦

بوجود المخالفة في المسائل بينهم والحاملين بما لا يرجع إلى المتباينين في الواقعة الشّخصيّة.

(٣٨١) قوله : ( وإن جهل الحال فالظّاهر [ الحمل لـ ](١) جريان الأدلّة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يمنع من جريان جميع الأدلّة في المقام سيّما الإجماع القولي ولزوم الاختلال لو لا اعتبار أصالة الصّحة ، إلّا أنّك خبير بأنّ عدم جريان جميع الأدلّة على تقدير تسليمه لا يفيد بعد جريان بعضها كالسّيرة ؛ فإنّ فيها غنى وكفاية.

نعم ، قد يستشكل في أنّ الّذي يقضي به دليل الحمل على الصّحة هو ترتيب آثار الصّحة الواقعيّة على فعل المسلم. وأمّا الحكم بأنّ اعتقاده موافق لاعتقاد الحامل عند عدم العلم باعتقاده فلا ، سيّما إذا لم يكن مردّدا بين المتباينين بالنّظر إلى اعتقاد الحامل.

لكنّك خبير بأنّه لا يترتّب على الحمل على الموافقة بحسب الاعتقاد ثمرة بعد الحمل على الصّحة الواقعيّة كما قضت به السّيرة القطعيّة الجارية في أبواب المعاملات : من البيوع ، والإجارات ، والأنكحة ، وغيرها والعبادات. وأمّا وعده ( دام ظلّه ) بالتّكلّم فيما ذكره فهو وعد لم يف به ظاهرا (٢).

__________________

(١) أثبتناه من الكتاب.

(٢) لم ترد في المتن « الفرائد » في بعض النسخ « وسيجيء الكلام فيه » فيحتمل أن يكون الشيخ قد انصرف منها وحذفها فلا وعد حتى يفي به.

٥١٧

(٣٨٢) قوله : ( وإن كان عالما بجهله بالحال ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٦ )

أقول : قد عرفت حال الإشكال المتقدّم ، ويمكن القول بجريان أصالة الصّحة في الفرض أيضا على ما اعترف به ( دام ظلّه ) في مجلس البحث : من جريان السّيرة بالحمل على الصحّة مطلقا.

نعم ، جريانها فيما إذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب لا يخلو عن تأمّل.

(٣٨٣) قوله : ( وكذا إذا كان جاهلا بحاله ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٥٦ )

أقول : لا يخفى عليك عدم الإشكال في جريان أصالة الصّحة في الفرض أيضا ؛ نظرا إلى جريان السّيرة قطعا إن سلم منع الإجماع القولي ولزوم الاختلال ، ولا يضرّ العلم الإجمالي : بأنّ كثيرا من العوام سيّما أهل البوادي والقرى جاهلون بالحال ؛ إذ ليس هذا العلم الإجمالي أقوى تأثيرا من العلم الإجمالي : بأنّ كثيرا من

__________________

(١) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« لا ينبغي الإستشكال في بعضها كالصّورة الأخيرة ، بل وسابقتها أيضا ؛ إذ الغالب في موارد الحاجة إلى إعمال هذا الأصل إنما هو الجهل بحال الفاعل أو العلم بجهله فإنّ ابتلاء عموم الناس إنّما هو بأفعال العوام المخاطبين معهم من الرّجال والنساء من أهل الصّحاري والبراري والأسواق الّذين لا يعرفون أحكام المعاملات والطّهارات والعبادات مع استقرار السّيرة على إمضاء أعمالهم وحملها على الصّحيح ما لم يعلم فسادها.

فالأقوى لزوم الحمل على الصّحيح مع احتماله مطلقا إلّا في صورة العلم بمخالفة اعتقاد العامل وعدم تصادق الاعتقادين وأمّا في هذا الفرض فقد يقوى في النّظر الحمل على الصّحيح باعتقاده بالنّظر إلى ظاهر حاله والله العالم » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٧٠.

٥١٨

أعمالهم مخالفة للواقع مع عدم قدحه قطعا من حيث عدم الابتلاء دفعة كما هو ظاهر. مع أنّك قد عرفت : إمكان الحمل على الصّحة مع العلم بجهل الفاعل ، مع احتمال مطابقة عمله للواقع اتّفاقا.

* * *

٥١٩

التنبيه الثاني :

هل يعتبر في جريان أصالة الصحّة

في العقود استكمال أركان العقد؟

قوله : ( ولم يعلم الفرق بين دعوى الضّامن الصّغر وبين دعوى البائع إيّاه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٥٩ )

التضارب بين كلمات المحقق الكركي

أقول : لا يخفى عليك أنّه أراد ( دام ظلّه ) بذلك الكلام الإيراد على العلّامة والمحقّق الثّاني : بأنّ ظاهرهما التّسالم على جريان أصالة الصّحة فيما إذا اختلف البائع والمشتري في الصّغر وعدمه ، فادّعى البائع الصّغر حال البيع والمشتري البلوغ وإن عارضها العلّامة (١) بأصالة عدم البلوغ ، وضعّفها المحقّق الثّاني بأنّه لا معنى للمعارضة الّتي ذكرها بعد جريان أصالة الصّحة (٢) هذا.

ولكن ذكر ( دام ظلّه ) في مجلس البحث : بأنّه لم يظهر من المحقّق الثّاني في باب البيع تسليم جريان أصالة الصّحة ، وإنّما أراد مجرّد الاعتراض على العلّامة : بأنّه لا معنى للمعارضة المذكورة بعد تسليم جريان أصالة الصّحة ، ولكن بزعمي

__________________

(١) انظر قواعد الأحكام : ج ٢ / ٩٧.

(٢) انظر جامع المقاصد : ج ٤ / ٤٥٢.

٥٢٠