بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

هل يلحق الشك بالصحة بالشك في الوجود أم لا؟

أقول : لا يخفى عليك مراد الأستاذ العلّامة من هذا الكلام ؛ فإنّ مقصوده منه أنّ ما ذكرنا من الكلام في إلحاق الشّك في الصّحة بالشّك في الوجود فإنّما هو فيما إذا لم يكن الشّك في الصّحة مسبّبا عن الشّك في ترك بعض ما يعتبر في الصّحة من الأمور المعدودة أفعالا برأسها ، وإلّا فلا إشكال في الإلحاق ولا كلام فيه ؛ لأنّ قضيّة جريان القاعدة بالنّسبة إلى المشكوك رفع الشّك عن الصّحة على نحو الحكومة من حيث تسبّبه عنه بقضيّة الفرض هذا.

ولكن في المقام سؤال على ما أفاده ( دام ظلّه ) وهو : أنّ الشّك في الصّحة دائما مسبّب عن الإتيان ببعض ما يعتبر فيها شطرا أو شرطا ، فعلا أو تركا ؛ ضرورة عدم وقوع الشّك في صحّة الموجود البسيط من جميع الجهات ، بل استحالته على تقدير تسليم وجود مثله بالنّسبة إلى الأعمال الواقعة في حيّز الطّلب في الشّرع ، فالشّك في صحّة المأتيّ به لا بدّ من أن يرجع إلى الشّك في إتيان بعض ما يعتبر في

__________________

الماء ـ هو في حدّ ذاته شيء محلّ إحرازه حال الوضوء وقد جاوزه إلّا أنّه ليس له في حدّ ذاته وجود مستقلّ كي يندرج في موضوع أخبار الباب بعد البناء على انّ موردها ليس إلّا الشّك في الوجود فالأظهر جعله من القسم الثّاني فعلى هذا يشكل إلغاء الشكّ فيه بناء على إرجاع الشكّ في وصف الصحّة إلى الشكّ وجود الشّيء الصّحيح لا كون أصالة الصّحة في حدّ ذاتها اصلا معتبرا ؛ لأنّه حينئذ كالشكّ في أصلا الوضوء في عدم كونه ملغي إلّا بالنّسبة إلى غاياته الّتي تلبّس بها أو فرغ منها كما عرفت فليتأمّل » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٦٦.

٤٨١

صحّة العمل شطرا ، أو شرطا ، فيكون جريان القاعدة بالنّسبة إلى الشّك المسبّبي حاكما على الحكم بالاعتناء بالشّك فيه لمقتضى نفس الأخبار المتقدّمة منطوقا ومفهوما على ما التزمت به ، فيرتفع إذن ثمرة النّزاع ؛ إذ بعد تسليم الفريقين لزوم إلحاق الشّك في الصّحة بالشّك في الوجود لم يكن معنى للنّزاع ؛ في أنّه من جهة جريان القاعدة في نفس الشّك المسبّبي ، أو في الشّك السّببي ، فلا معنى محصّل لما ذكره الأستاذ العلّامة في تحرير محلّ النّزاع.

ولكن يمكن التّفصي عن الإشكال المذكور : بأنّ الشّك في الصّحة دائما وإن تسبّب من الشّك في إتيان العمل على وجهه المعتبر عند الشّارع الّذي يرجع إلى الشّك في إتيان بعض ما يعتبر في صحّة العمل شطرا أو شرطا ؛ لما ذكر : من استحالة وقوع الشّك في صحّة الأمر البسيط ذهنا وخارجا ، إلّا أنّ ما يعتبر في صحّة العمل على وجهين :

أحدهما : ما يكون وجوده مغايرا لوجود المشروط في الخارج.

ثانيهما : ما يكون متّحدا معه في الوجود بحيث لا مغايرة أصلا.

ووجود القسمين ممّا لا مجال لإنكاره وما أخرجه الأستاذ العلّامة من محلّ الكلام هو الأوّل ، ومن المعلوم أنّ من إلحاقه بالشّك في الوجود لا يلزم إلحاق القسم الثّاني ، فإذا قيل بأنّ ظاهر الأخبار هو عدم الاعتناء بالشّك في خصوص أصل الوجود لا معنى للحكم بإلقاء الشّك في الصّحة من جهة القاعدة بالنّسبة إلى القسم الثّاني هذا.

(٣٥٦) قوله : ( مثل موثقة ابن أبي يعفور ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٢ )

أقول : استفادة التّعميم منه ظاهرة على ما أفاده ( دام ظلّه ) سابقا : من عدم

٤٨٢

امتناع إرادة الشّك في الوجود والشّك في الواقع في أثناء الشّيء من الرّواية بخلاف ساير الرّوايات. وقد عرفت بعض الكلام في ذلك ، مع أنّ الحكم بالتّعميم المذكور غير ظاهر اللّزوم لما ذكره فتدبّر.

(٣٥٧) قوله : ( أو يجعل أصالة الصّحة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مراده ( دام ظلّه ) من هذا الكلام مجرّد ذكر وجه للحكم بالتّعميم لا كونه معتقدا بتماميّته ، حتّى يرد عليه : بأنّ الأصل المذكور لا مدرك له ؛ لعدم دليل يدلّ على اعتبار ظهور حال المسلم من حيث هو مطلقا.

(٣٥٨) قوله : ( ويمكن استفادة اعتباره ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٢ )

أقول : لا إشكال في إمكان استفادة اعتبار الشّك في الصّحة بعد الدّخول في الغير بمعنى إيجابه الحكم بوقوع المشكوك ووجوده من التّعليل المذكور ؛ لأنّه بمنزلة الكبرى لكلّ ما يكون المكلّف أذكر بالنّسبة إليه ، فكما أنّه يدلّ على عدم الاعتناء بالشّك في وجود شيء بعد التّجاوز عن محلّه والدّخول في غيره ؛ من حيث إنّ المكلّف الملتفت الباني على الإتيان بالمأمور به لا يترك من الأفعال ما له دخل فيه ، فيظنّ بعد التّجاوز عنه والدّخول في غيره إتيانه إذا شكّ فيه.

وهذا هو المراد من التّعليل في الرّواية ويدلّ على عدم الاعتناء بالشّك في صحّة ما أتي به بعد الدّخول في غيره لعين العلّة المذكورة ؛ فإنّ المكلّف الباني على الامتثال لا يترك ما له دخل في صحّة عمله. فإن شئت قلت : إنّ التّعليل يدلّ على اعتبار ظهور حال المسلم بالنّسبة إلى عمله مطلقا سواء تعلّق بنفسه أو بأجزائه أو بشرائطه.

٤٨٣

٧ ـ المراد من الشك في موضوع هذه القاعدة

(٣٥٩) قوله : ( الظّاهر أنّ المراد بالشّك ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٤٤ )

__________________

(١) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : ليس الإشكال المزبور مخصوصا بالشكّ السّاري أي الشكّ النّاشيء من سبب مقارن للعمل بحيث لو كان ملتفتا إليه حال الفعل لكان شاكّا كما في المثال المزبور ، بل الإشكال سار في الشّكّ الطّاري بسبب الغفلة عن صورة العمل أيضا إذا كان منشؤه احتمال الإخلال بشيء من أجزاء العمل أو شرائطه جهلا كما لو لم يعلم بوجوب التّرتيب بين الجانبين في الغسل أو غسل المرفقين مع الذّراعين في الوضوء أو شرطيّة الانتصاب أو الاستقلال أو ستر العورة ونحوه في الصّلاة فشكّ عند حصول العلم له في صحّة أعماله الّتي لم يحفظ صورتها ومنشأ الإشكال في جميع هذه الصّور ما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله من إطلاق أغلب النّصوص بل وكذا فتاوى الأصحاب في باب الوضوء والصّلاة ونظائرها حيث إنّهم أطلقوا القول بعدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ من العمل من دون تفضيل بين صورة ومن اختصاص التّعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » ، حيث إنّ الظّاهر من هذه الرّواية أنّ وجه الحمل على الصّحيح تقديم الظّاهر على الأصل وقد علّله غير واحد من الأعلام أيضا بظهور الحال حيث إنّ حالهما عدم تذكّرهما حال الفعل ، ولكنّ الأظهر هو الحمل على الصّحيح في جميع صور الشّكّ لعدم انحصار وجه الحمل في ظهور الحال ، بل العمدة في حمل الأعمال الماضية الصّادرة من المكلّف ، بل وكذا من غيره على الصّحيح كما ستعرف هي السّيرة القطعيّة وأنّه لو لا ذلك لاختلّ نظام المعاش والمعاد ولم يقم للمسلمين سوق فضلا عن لزوم العسر والحرج المنفيّن في الشّريعة إذ ما من أحد إذا التفت إلى أعماله الصّادرة منه في الأعصار المتقدّمة من عباداته ومعاملاته إلا ويشك في كثير منها لأجل

٤٨٤

__________________

الجهل بأحكامها أو اقترانها بأمور لو كان ملتفتا إليها لكان شاكّا ، ألا ترى أنّ جلّ العوام بل العلماء غافلون عن كثير من الأمور المعتبرة في الصّلاة وغيرها من العبادات والمعاملات ويتجدّد لهم العلم بها شيئا فشيئا ولا يمكنهم الجزم باشتمال ما صدر منهم في السّابق على هذه الشّرائط الّتي كانوا جاهلين بها فلو لم يحمل عملهم على الصّحيح وبني على الإعتناء بالشكّ الناشيء من الجهل بالحكم ونظائره لضاق عليهم العيش كما لا يخفى.

وهذا الدليل وإن كان لبّيا يشكل استفادة عموم المدّعي عنه لإمكان منعه بالنّسبة إلى الشّك السّاري ونظائره ممّا لا يلزم من الإعتناء به حرج أو اختلال إلّا أنّه إذا ثبت عدم اختصاص مجرى القاعدة بما إذا كان الظّاهر من حال العامل إيجاده على الوجه الصّحيح على عدم انحصار وجه الحمل على الصّحيح بظاهر الحال فلا يجوز حينئذ رفع اليد عن ظواهر الأخبار المطلقة بسبب التّعليل المستفاد من قوله : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » لأنّ جعله قرينة على التصرّف في سائر الأخبار فرع استفادة العلّيّة المنحصرة منه والمفروض أنّا علمنا من الخارج عدم الإنحصار.

هذا ، مع انّ دلالته عليه في حدّ ذاته لا تخلو عن تأمّل فلا ينبغي الاستشكال في جريان القاعدة في جميع موارد الشكّ ولذا لم يستثن الأصحاب عن مجراها ـ في باب الوضوء ونظائره ـ شيئا من هذه الصّور.

واحتمال غفلتهم عنها أو ترك التعرّض لها مع عموم الابتلاء بها في غاية البعد.

وبما أشرنا إليه من إطلاق كلمات الأصحاب في مجاري هذا الأصل كأغلب النّصوص ظهر أنّ ما ذكره المصنّف رحمه‌الله : ( من أنّ الظّاهر أنّ المراد بالشكّ في موضوع هذا الأصل هو الشكّ الطّاري ... إلى آخره ) لا يخلو عن مناقشة فإنّه إن كان غرضه بيان ما أريد من الشّكّ الوارد في النصوص التّي هي مستند هذا الأصل فسيصرح بأن الأخبار مختلفة وأنّ اختلافها منشأ الإشكال.

٤٨٥

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يورد عليه : بأنّ ما استظهره أوّلا لإيجاب الحكم بعده بأنّ المسألة ذات وجهين لو علم كيفيّة العمل.

ولكنّك خبير بأنّ هذا الإيراد في غير محلّه ؛ لأنّ استظهار أحد الوجهين في المسألة لا ينافي الحكم بثبوت الوجهين لها ، وإنّما المنافي له استشكاله وعدم ٣ / ٢٠٠ ترجيحه لأحد الطّرفين بعد ترجيحه له ، والأمر ليس كذلك فيما ذكره كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما استظهره ( دام ظلّه ) الظّاهر أنّه في كمال الاستقامة لعدم إطلاق للأخبار الواردة في الباب بالنّسبة إلى الفرض بحيث يطمئنّ به النّفس وتركن إليه ، وإن كان بعضها ظاهرا في النّظرة الأولى في الإطلاق ، مضافا إلى ما ذكره ( دام ظلّه ) : من تقدّم قضيّة التّعليل على قضيّة المعلول ؛ حيث إنّ المعلول عموما وخصوصا تابع بحكم العرف لعموم العلّة وخصوصها كما هو ظاهر لمن له أدنى

__________________

وإن أراد بيان المراد من الشّكّ الواقع في كلمات الأصحاب عند تعرضّهم لهذا الأصل فقد أشرنا إلى أنّ كلماتهم في مجاري هذا الأصل كأغلب الأخبار ظاهرها إرادة الإطلاق فليتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٦٧ ـ ٤٦٩.

* وقال المحقق شيخ الكفاية الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى انّ مقتضى الإطلاق أن يكون المراد من الشّك مطلقا ، لا خصوص ما كان بسبب الغفلة عن صورة العمل ، والظّاهر أنّ المراد بقوله « حين يتوضّأ ... إلى آخره » هو أنّه حين الاشتغال غالبا يكون اذكر فالعلة لعدم الالتفات بالشّكّ دائما هو الأذكريّة غالبا لا أنّه حينه يكون أذكر فعلا وإلّا فالتحقيق أن يقال : « إذا كان حين يتوضّأ ... إلى آخره » كما لا يخفى على المتأمّل.

ثمّ لا يخفى عدم المناسبة بين استظهاره خصوص الشّكّ الطّاري ، وترديده بين الالتفات إلى الشكّ وعدم الالتفات إذا لم يكن الطّاري ، فتدبّر جيّدا » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٠٣.

٤٨٦

خبرة بالمحاورات العرفيّة.

(٣٦٠) قوله : ( نعم ، لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٤٤ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« قد يقال : ان قضيّة التعليل هو الفرق بينهما وانّ المعلّل هو خصوص ما إذا كان المحتمل هو ترك الجزء نسيانا ، ضرورة انّ المترتّب على الأذكريّة حين الاشتغال إنّما هو عدم التّرك نسيانا لا عمدا ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ التعليل إنّما هو بأخذ جزئي العلّة وجزئها الآخر ، وهو أنّ الترك عمدا خلاف ما هو بصدده من الإبراء إنّما لم يذكر لكونه واضحا فتأمّل.

بقي شيء وهو أنّ الظّاهر ولو بقرينة قوله في بعض الأخبار ذكرته تذكرا أن المراد بالشّكّ هو خلاف اليقين ، لا خصوص ما تساوي طرفاه ، كما انّه كان كذلك في اخبار الاستصحاب ، بل المتداول ظاهرا في لسان الأخبار في كلّ باب ، ولا ينافي حجّيّة الظّنّ في خصوص افعال الصّلاة على ما هو المشهور ، كما لا يخفى » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٠٣.

* وقال المحقق الأصولي الطهراني قدس سره :

« وفيه : ان المذكور في الرواية حكمة للحكم لا علّة قطعا ؛ فإن كون الفاعل حال العمل أذكر إنّما هو بحسب الإقتضاء ولا إمتناع لغفلة العامل حال العمل عمّا يعمله وليس المقصود إلغاء احتمال الغفلة في كل مقام يتحقّق فيه غلبة الذّكر أو إقتضاءه ولهذا لا نحكم بصدور الفعل عن المكلّف وبراءة ذمّته إذا شكّ في الإتيان بالمكلّف به قبل انقضاء وقته ، وإن كان بحيث يعلم بالإتيان على تقدير الإلتفات وكان احتمال الترك من جهة احتمال الذّهول خاصّة ، وكان من عاداته الإتيان به في ذلك الوقت ولم يتّفق منه ذهول في مدّة مديدة ، فقوله : ( إنّ الترك سهوا خلاف فرض الذّكر ) لا محصّل له ؛ لأن كون الذكر مفروضا خلاف الفرض بالضرورة ، وإنّما المفروض احتمال الغفلة والشك في الذكر ، ومفاد القاعدة عدم الإعتداد

٤٨٧

إشكال ودفع

أقول : قد يستشكل فيما ذكره : بأنّ ظاهر التّعليل هو عدم الاعتناء باحتمال عدم الإتيان بشيء من العمل غفلة أو نسيانا بالاحتمال عدم الإتيان بشيء منه عمدا ؛ لأنّ الأذكريّة حين العمل إنّما يصلح علّة لإلقاء الاحتمال الأوّل

__________________

بالشك في العمل من جهة الشك في الإبراء المعلومة دليلا على عدم التعمّد في الترك ، ففساده واضح ؛ فإن المفروض الشك في التعمّد في الترك وعدمه ، والمقصود استفادة الحكم بالصحّة تعبّدا من الرواية وإن أراد انه خلاف ظاهر كونه في مقام الإبراء بحيث يجامع احتمال التعمّد المحوج إلى التعبّد بالصحّة فهو أمر معقول ، ولكنّه حكمة للحكم لا دليل على تقدير وقوعه في الرّواية مع انه لا عين منه ولا أثر ولا ملازمة بين الغاء احتمال الغفلة وبين إلغاء احتمال تعمّد الترك.

والحاصل : انّ المستفاد من الرّواية بقرينة التعليل ليس إلّا عدم الاعتداد بالشك اذا كان ناشئا من احتمال الغفلة وليس فيها ما يشعر بإلغاء احتمال التعمّد في الترك » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

* وقال المحقق السيّد صاحب العروة قدس سره :

« لا يخفى انّ مقتضى التعليل بقوله عليه‌السلام : ( هو حين يتوضّأ أذكر ) اختصاص القاعدة بما احتمل ترك الجزء نسيانا ؛ إذ الترك العمدي لا ينافيه الأذكريّة كي يحكم بنفيه ، بل يلزم الذكر فإذا كان مورد القاعدة دائر مدار التعليل يخرج الترك العمدي عن موردها ولا ينفع انضمام الكبرى المتقدّمة أعني : قوله : ( فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحّة عمله الذي يريد براءة ذمّته ) [ فرائد الأصول : ٣ / ٣٤٣ ] لأنّ تلك الكبرى بالنسبة إلى الترك العمدي خال عن الدليل ، اللهم إلّا أن يدّعى انه يفهم من الأذكريّة حين العمل انه لا ينسى ولا يتناسى ، اعني بالترك العمدي فتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٧٦.

٤٨٨

لا الاحتمال الثّاني.

ولكنّك خبير بضعف هذا الإشكال وفساده ؛ لأنّ التّعليل في مقام اعتبار ظهور حال المسلم المريد للامتثال ولمّا كان هذا الظّهور موقوفا على إحراز التّذكّر ، وإلّا فلا ظهور لحال المسلم في إتيانه بالعمل على وجهه وعدم تركه لما له دخل له ؛ من حيث إنّه ليس معصوما من الخطأ والنّسيان ، فلذا جعل العلّة أذكريّة المكلّف حين العمل ، فلا يترك إذا كان أذكر ما له دخل في صحّة عمله عمدا ، فمع ذلك كيف يمكن أن يقال : إنّ التّعليل لا يدلّ على التّعميم وعدم الفرق؟

وبالجملة : فساد الإشكال المذكور ممّا لا يحتاج إلى البيان من جهة كمال وضوحه وظهوره.

(٣٦١) قوله : ( قد يجري [ هنا ](١) أصالة ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٤ )

أقول : قد تقدّم الكلام في جريان هذا الأصل وأمثاله وأنّه مبنيّ على اعتبار الأصل المثبت مطلقا ، أو فيما إذا كانت الواسطة خفيّة ـ على تقدير تسليم خفاء الواسطة في المقام ـ وأنّه لا تعلّق للأصل المذكور بالقاعدة أصلا ، وأنّه لا فرق في جريانه بين صور الشّك من حيث وقوعه قبل العمل ، أو في أثنائه ، أو بعده فراجع إليه (٢).

__________________

(١) اثبتناها من الكتاب.

(٢) بحر الفوائد : ج ٣ / ١٣١.

٤٨٩

٣ ـ أصالة الصحة في فعل الغير

مدرك أصالة الصحّة :

( آيات الكتاب )

(٣٦٢) قوله : ( ولعلّ مبناه على إرادة الظّن والاعتقاد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٥ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه يمكن أن يبتني الاستدلال به على وجه آخر ، وهو : أن يراد من القول معناه الحقيقي من حيث كونه منبعثا من ظنّ السّوء فتدبّر.

(٣٦٣) قوله ( دام ظلّه ) : ( والاستدلال به يظهر من المحقّق ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ظاهر هذا الكلام هو استدلال المحقّق الثّاني بالآية الثّانية (١) ، ولكنّه ليس بمراد قطعا كما هو واضح ، فلا بدّ من أن يجعل مرجع الضّمير الآية الأولى (٢) ، أو الوجه ؛ حيث إنّ المقصود من كون الآيتين بيان الاستدلال بما دلّ على لزوم القصد وصحّته من عموم الآيات ، ولعلّ هذا أقرب.

__________________

(١) قوله تعالى في سورة النساء / ٢٩ ـ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ.

(٢) قوله تعالى في سورة المائدة / ١ ـ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

٤٩٠

(٣٦٤) قوله : ( لكن لا يخفى ما فيه من الضّعف ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٤٦ )

أقول : لا يخفى عليك وجه ضعفه ؛ فإنّك قد عرفت غير مرّة : أنّ التّمسك بالعمومات في الشّبهات الموضوعيّة ممّا لا معنى له ؛ ضرورة أنّ محلّ الكلام في هذا الأصل ومجراه كالأصل السّابق. أي : قاعدة الشّك بعد التّجاوز عن المحلّ ، وبعبارة أخرى : أصالة الصّحة في فعل الغير كفعل النّفس إنّما تجري في الشّبهات الموضوعيّة دون الحكميّة ، فتوهّم جريانها فيهما لا يخفى ما فيه على من له أدنى خبرة.

(٣٦٥) قوله : ( وأضعف منه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٦ )

أقول : لا يخفى عليك وجه أضعفيّة دلالة الآيتين الأخيرتين على فرض دلالتهما على ما هو المقصود بالبحث ، وأمّا الآيتان الأوّلتان على فرض ظهورهما فيما له تعلّق بالمسألة في الجملة مع أنّ الأولى لا تعلّق لها بها أصلا ؛ فلأنّ المقصود من الحمل على الصّحة هو الحكم بكون الفعل الصّادر عن المسلم ممّا يترتّب عليه الأثر المقصود منه من الملكيّة والزّوجيّة وغيرهما من الآثار والأغراض المقصودة ، لا مجرّد عدم ظنّ السّوء به ، وأنّه فعل ما لا يجوز له في تكليفه كما هو مدلول الآيتين ؛ فإنّه ليس من محلّ الكلام في شيء ؛ لأنّه ممّا انعقد الإجماع بل الضّرورة على عدم جوازه في حقّ خصوص المؤمن مطلقا. أمّا بمعنى عدم جوازه

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« فإنه من باب التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة ، والتحقيق : عدم جوازه إلّا فيما إذا كان المخصّص لبّيّا ـ كما هو المشهور المنصور ـ فالإستدلال بمثلها في الجملة مما لا بأس به فلا تغفل » إنتهى. انظر درر الفوائد : ٤٠٥.

٤٩١

في نفسه بناء على كونه اختياريّا بالنّظر إلى أسبابه على ما ذهب إليه بعض ، أو بمعنى عدم ترتّب الأثر عليه والبناء على تحقّقه كما هو قضيّة بعض الأخبار وكلمة الأكثرين ، وأيّا ما كان لا تعلّق له بما هو المقصود بالبحث في المقام.

والحاصل : أنّ محلّ النّزاع في أنّه هل يجب البناء في صورة الشّك على أنّ الفعل الصّادر من المسلم ـ ولو كان من أهل السّنة والجماعة ـ ممّا يترتّب عليه الحكم الوضعي والأثر المقصود حتّى عند التّشاح والتّنازع ولو لم يكن البناء على عدمه مستلزما لظّن السّوء ، وحمل قوله على كونه محرما أصلا أو لا يجب ذلك؟ لا في أنّه إذا صدر قول من المؤمن والأخ هل يحرم ظنّ السّوء به والبناء على أنّه فعل حراما أم لا؟ فإنّ ظنّ السّوء بالمؤمن لم يخالف أحد في عدم جوازه حتّى فيما إذا لم يصدر عنه قول ، وستقف على زيادة القول في هذا عن قريب.

(٣٦٦) قوله : ( ولكنّ الإنصاف عدم دلالة [ هذه ](١) الأخبار ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٧ )

أقول : أمّا عدم دلالة غير المرويّ في « الكافي » عن أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما هو المقصود ؛ لأنّه في مقام تحريم ظنّ السّوء بالمؤمن القائل بإمامة الأئمة الاثني عشر كما هو ظاهر لمن له أدنى دراية. وقد عرفت : أنّه خارج عن محلّ الكلام في المقام.

وأمّا هو فقد يقال بل قيل : بدلالته على المدّعى ؛ فإنّ الأحسن من قول المؤمن ما يترتّب عليه الأثر شرعا في مقابل ما لا يترتّب عليه الأثر ، وإن لم يكن محرّما بل كان جائزا للفاضل بحسب تكليفه ، إلّا أنّ قضيّة التّحقيق اتّحاد المقصود

__________________

(١) اثبتناه من الكتاب.

٤٩٢

منه مع ما هو المقصود من ساير الرّوايات.

والّذي يدلّ على ذلك أمور :

أحدها : ظهوره فيه بمقتضى السّياق سيّما بعد ملاحظة الإجماع القائم على عدم وجوب حمل فعل الأخ على الأحسن ، بمعنى كون التفصيل مقصودا من فعله في الرّواية فتأمّل.

ثانيها : ذكر « الأخ » في الرّواية ؛ فإنّه ليس إلّا من جهة مدخليّة الأخوّة في الحمل المذكور ، ومن المعلوم أنّه ليس لها مدخليّة إلّا في عدم اتّهامه بحسب تكليفه لا في إتيانه على طبق الواقع الموضوع للآثار ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

ثالثها : عطف قوله : « ولا تظنّن بكلمة ... إلى آخره » لقوله : « ضع أمر أخيك على أحسنه » (١) فإنّه ظاهر كما لا يخفى على من له أدنى دراية في العطف التّفسيري في كون المراد منهما شيئا واحدا.

(٣٦٧) قوله : ( ثمّ إنّه لو فرضنا أنّه يلزم من الحسن ترتيب الآثار ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٣٤٨ )

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٢ / ٣٦٢ باب « التهمة وسوء الظن » ـ ح ٣ ، عنه الوسائل : ج ١٢ / ٣٠٢ باب « تحريم تهمة المؤمن وسوء الظن به » ـ ح ٣.

(٢) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« ربّما يتوهّم : التدافع والتنافي بين هذا الشرط وجوابه ، وليس كذلك.

بل مراده : انه لو فرضنا انه يلزم من الحسن ترتيب الآثار وأغمضنا عمّا ذكرنا : من أنّ المراد بالحسن مجرّد رفع الحرج غير ملتزم لترتيب الأثر نقول : إنّا تعبّدنا بمقتضى الخبر على

٤٩٣

للصحّة معان بعضها داخل في النّزاع وبعضها خارج

أقول : لا يخفى عليك الفرق بين هذا التّنزّل وسابقه ، وهو أنّه كان الكلام في السّابق أن الرّوايات لا تدلّ إلّا على عدم جواز اتّهام المؤمن ، وأنّه فعل ما هو قبيح باعتقاده وحرام شرعا. وأمّا الدّلالة على أنّ فعله متّصف بصفة الحسن الشّرعي فلا. وفي هذا يكون الكلام في أنّه لو فرضنا دلالتها على وجوب حمل فعل الأخ على أنّه فعل حسن ولو في مقام لا تنفك حسنه واقعا عن ترتيب الآثار الوضعيّة عليه لم ينفع في إثبات ترتيب الآثار الوضعيّة عليه ؛ لعدم دلالتها على ذلك وعدم كونها مسوقة لبيان إثبات الآثار الوضعيّة.

فتبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّ هنا معاني للصّحة بعضها خارج عن محلّ النّزاع وإن دلّت عليه كثير من الآيات والأخبار ، وبعضها داخل في محلّ النّزاع لكنّه ليس من مدلول الأخبار والآيات المتقدّمة.

منها : حمل فعله على عدم كونه معصية وقبيحا عنده بمعنى عدم اتّهامه في فعله. وهذا المعنى وإن دلّت عليه الآيات والأخبار الكثيرة ، بل عرفت كونه من ضروريّات الفقه ، إلّا أنّ الكلام ليس فيه.

ومنها : حمله على أنّه حسن واقعا من غير أن يحكم عليه بترتيب الآثار

__________________

الحكم بصفة الحسن لا على ترتيب لوازمه غير الشّرعيّة.

ويستفاد من كلامه هذا عدم إثبات هذا الأصل كسائر الأصول اللازم العقلي والعادي » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٨٨.

٤٩٤

الوضعيّة. وهذا وإن أمكن استفادته من الأخبار أيضا ، إلّا أنّه ليس محلّ الكلام أيضا.

ومنها : حمله على أنّه صحيح عند الفاعل بمعنى ترتيب الآثار الوضعيّة المترتّبة على ما كان صحيحا باعتقاد الفاعل عليه. وهذا غير مستفاد من الآيات والأخبار المذكورة ، لكنّه ليس خارجا عن محلّ الكلام كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.

ومنها : حمله على أنّه صحيح واقعا بمعنى ترتّب الآثار الشّرعيّة المترتّبة على فعل الصّحيح الواقعي عليه وإن كان الطّريق إليه يختلف باختلاف اعتقاد الحاملين ، وبهذه الملاحظة يعبّر عن هذا المعنى بالصّحيح عند الحامل. وهذا أيضا غير مستفاد من الآيات والأخبار المتقدّمة ، إلّا أنّه من محلّ الكلام قطعا.

(٣٦٨) قوله : ( ألا ترى أنّه لو دار الأمر بين كون الكلام ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٨ )

الإشكال في تنظير الاستاذ ودفعه

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يقال : إنّ هذا التّشبيه والتّنظير الّذي ذكره في غير محلّه من وجهين :

أحدهما : من جهة ما سيجيء : من أنّ أصالة الصّحة بالمعنى المبحوث عنه في الأفعال الصّادرة عن المسلمين لا يقضي بوجوب ردّ السّلام فيما لو شكّ في أنّ الكلام الصّادر عن المسلم كان سلاما أو شتما.

والوجه فيه : أنّ أصالة الصّحة لا تقتضي إلّا الحكم بترتيب آثار الصّحة على الفعل بعنوانه الّذي صار موضوعا للآثار بعد القطع بصدوره معنونا بالعنوان (١)

__________________

آشتيانى ، محمدحسن بن جعفر ، بحر الفوائد فى شرح الفرائد ـ قم ، چاپ : اول ، ١٣٨٨ ش.

٤٩٥

المذكور والمعلوم صدوره من المسلم في الفرض مجرّد الكلام لا السّلام ، فيجب ترتيب آثار كلام الصّحيح لو كان له أثر لا إثبات كونه سلاما حتّى يجب ردّه على السّامع الّذي توجّه الكلام إليه.

نعم ، لو قطع بصدور السّلام ثمّ شك في كونه صحيحا بحسب القواعد العربيّة ومن حيث كون المقصود منه التّحيّة أو السّخريّة مثلا أو فاسدا حكم بوجوب ردّ السّلام عليه.

ثانيهما : من جهة أنّه لا معنى لشمول الأخبار للمشبّه به أصلا حتّى فيما لو قطع بصدور سلام منه شكّ في كونه فاسدا أو صحيحا ؛ حيث إنّ أخبار الباب إنّما ينفي الحرج عن الفعل المردّد بين ما فيه حرج وما لا حرج فيه. والسّلام الفاسد ليس ممّا فيه حرج على المسلّم قطعا حتّى يبنى على عدم صدوره عنه بمقتضى الأخبار هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ المقصود من الاستشهاد المذكور تقريب منع دلالة الأخبار على المعنى المبحوث عنه من حيث دلالتها على مجرّد نفي الحرج عن الفعل المردّد ، فكما أنّه لا يحكم في الكلام المردّد بين كونه ممّا فيه حرج وبين ما لا حرج فيه إلّا بنفي الحرج ، وأنّه كلام حسن ولا يترتّب عليه الآثار الوضعيّة مع كونه ملازما في الواقع لما له أثر كذلك لا يحكم في البيع المردّد بين ما فيه حرج وبين ما لا حرج فيه ، إلّا بكونه ممّا لا حرج فيه ؛ من حيث إنّه كذلك لا بترتيب الآثار الوضعيّة عليه وإن كان بينهما فرق بالنّسبة إلى المعنى الرّابع ؛ فإنّه بعد البناء على صحّة البيع لم يعقل له معنى إلّا ترتيب الآثار المترتّبة على البيع الغير الرّبوي من النّقل والانتقال.

وهذا بخلاف الكلام المردّد بين كونه سلاما وكلاما ؛ فإنّه لا يحكم من البناء

٤٩٦

على صحّته بأنّه سلام فيجب ردّه ؛ فإنّه لا يثبت بأصالة الصّحة العنوانات الغير المعلومة حتّى يترتّب عليها الحكم الشّرعي على ما عرفت في بيان الإشكال.

هذا حاصل ما يقال في دفع الإشكال الأوّل.

وأمّا الإشكال الثّاني : فلا إشكال في دفعه ؛ فإنّ عدم جريان هذا المعنى فيما لو دار الأمر في السّلام بين كونه صحيحا وفاسدا لا يلازم عدم جريانه فيما لو دار أمر الكلام بين كونه سلاما أو شتما ؛ فإنّه لا إشكال في جريانه فيه لكونه دائرا بين ما فيه حرج وما لا حرج فيه وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

(٣٦٩) قوله : ( وممّا يؤيّد ما ذكرنا : جمع الإمام عليه‌السلام في رواية محمّد بن الفضل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٤٨ )

وجه الإستشهاد بالرواية على ما ذكره الاستاذ في الكتاب

وفي مجلس البحث

أقول : القسامة ـ بالفتح ـ في اللّغة اسم من يخبر عن شيء مع الحلف عليه كما عن « القاموس » (١) وغيره ، وفي عرفهم يطلق على البيّنة العادلة كما ذكره الأستاذ العلّامة فيصير خمسون قسامة بحسب العدد على هذا مائة شاهد ، وذكر الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) أنّ عبارة « القاموس » وإن كانت ظاهرة في الإخبار مع ٢٠٢ / ٣ الحلف ، إلّا أنّه يمكن أن يستفاد منها بالتّأمّل : أنّها تطلق على المخبر عن شيء على سبيل الجزم بحيث لا يأبى عن الحلف عليه.

__________________

(١) لم نجد له أثرا في القاموس.

٤٩٧

وجه الاستشهاد بالرّواية على ما ذكره في « الكتاب » وفي مجلس البحث : هو أنّه لو كان المراد من التّصديق هو التّصديق الواقعي بمعنى ترتيب الآثار المترتّبة على الصّدق الواقعي عليه ، والمراد من التّكذيب هو الواقعي مع عدم تصديق القسامة بحسب اعتقادهم لزم التّرجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح كما هو واضح ، فلا بدّ إذن من أن يكون المراد من التّصديق في الرّواية هو التّصديق الواقعي بمعنى ترتيب آثار الصّدق على الخبر ، ومن التّكذيب هو التّكذيب الواقعي مع التّصديق بحسب اعتقادهم بمعنى التّصديق المخبري لا الخبري ؛ ضرورة أنّ تصديق المشهود عليه بحسب الواقع يلزمه تكذيب القسامة بهذه الملاحظة لامتناع اجتماع تصديقهما بحسب الواقع ونفس الأمر ، إلّا أنّه لا يلزمه تكذيب القسامة بحسب اعتقادهم فيجب تصديقهم بهذه الملاحظة هذا.

ولكنّك خبير بأنّ هذا التّقريب في بيان الاستشهاد لا يسمن ولا يغني ؛ فإنّ المراد منه إثبات أن المقصود من تكذيب السّمع والبصر من الأخ ليس إلّا نفي التّهمة عنه وعدم الحكم بصدور القبيح منه ، أو عدم الحكم بكون ما يصدر منه حسنا بمعنى : أنّه لو رأى بصرك فعلا قبيحا منه بظاهره كشرب الخمر مثلا ، فابن علي كون شربه للتّداوي ، أو سمع سمعك قولا قبيحا منه كالشّتم ، أو الغيبة ، أنّه ممّا يجوز له في تكليفه. فالمراد من تكذيب الحواس هو عدم ترتيب أثر الفعل القبيح على المحسوس ، فإذا رأى أنّه يشرب الخمر يجب تخطئة البصر في أنّه فعل حراما ، فيكون تفريع تكذيب خمسين قسامة على صدر الحديث من باب التّفريع بطريق الأولويّة ؛ فإنّه يجب حمل ذيل الحديث على ما إذا لم يحصل من شهادة القسامة القطع بصدور القول منه فتدبّر.

٤٩٨

ومن المعلوم أنّ المناسب لهذا المعنى حمل التّصديق على التّصديق الصّوري ، أي : إظهار التّصديق بحسب اعتقاد المخبر ، ومن التّكذيب هو التّكذيب الواقعي مع تصديق القسامة بحسب اعتقادهم لا ما ذكر من البيان. ولقد أجاد ( دام ظلّه ) في أوّل كلامه حيث جعل المراد من ذيل الرّواية ما ذكرنا لا ما ذكره في المقام.

فإن قلت : تكذيب القسامة في أخبارهم بحسب اعتقاده يوجب تكذيبهم بحسب اعتقادهم ؛ لعدم إمكان اجتماعه مع تصديقهم بحسب اعتقادهم إذا جعل المراد من التّصديق هو التّصديق باعتقاد المخبر.

قلت : هذا الإيراد مشترك الورود ؛ لأنّ التّصديق بحسب الواقع أيضا لا ينفكّ عن التّصديق الصّوري بمعنى إظهار التّصديق فيلزم المحذور أيضا ، فلا بدّ على كلّ من التّقديرين من الالتزام بإمكان اجتماعهما ؛ إذ ليسا كالتّصديقين الواقعيّين حتّى لا يمكن اجتماعهما.

نعم ، قد يتأمّل في اجتماعهما إذا كان الخبران على سبيل التّناقض في مجلس واحد فتدبّر.

فإن قلت : حمل الرّواية على هذا المعنى يوجب التّفكيك بين المراد من التّصديق والتّكذيب.

قلت : نسلّم لزوم التّفكيك إلّا أنّه ممّا قضى به الدّليل فلا ضير فيه.

ولكن يمكن أن يقال : أنّ المقصود من التّفريع بيان حكم القول المظنون الصّدور من المسلم من بيان حكم القول المعلوم الصّدور بطريق الأولويّة لا بيان حكم الإخبار الحسّي من المسلم المخبر عليه من حيث هو.

٤٩٩

ومن المعلوم أنّ إلحاقه به إنّما هو بالبناء على عدم صدوره من المسلم وهو عين معنى تكذيب القسامة واقعا وتصديق الأخ واقعا ، فليس المراد من الرّواية إلّا ما ذكره ( دام ظلّه ) هنا ، والاستشهاد إنّما يتمّ بكون المراد من تكذيب القسامة هو التّكذيب الواقعي مع التّصديق المخبري ، وإلّا لزم التّرجيح بلا مرجّح لا تصديق الأخ وتكذيب القسامة معا فتدبّر.

ويمكن استفادة المطلب من صدر الحديث أيضا بقرينة ذكر « الأخ » حسبما عرفت.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك أنّ الرّواية مخصّصة بما دلّ على اعتبار البيّنة العادلة في التّداعي وفي غيره إذا فرض اعتبارها في مقابل تكذيب المخبر عليه ولم يدخل في عنوان التّداعي ، كما إذا شهد جماعة عند الحاكم أنّ فلانا شرب الخمر مثلا وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

كما أنّه لا يخفى عليك أنّ تكذيب خمسين قسامة فيما يكذب إنّما هو فيما لم يحصل العلم من شهادتهم ، وإلّا فلا إشكال في وجوب تصديقهم وعدم جواز تكذيبهم ، ولعلّ هذا التّعبير مع حصول العلم غالبا من شهادة خمسين قسامة إنّما هو من جهة المبالغة فتأمّل.

٥٠٠