بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

قد عرفت : أنّ النّسبة بين ما دلّ على اعتبار التّجاوز من الأخبار وما دلّ على اعتبار الدّخول في الغير عموم وخصوص مطلق ؛ فإنّ التّجاوز في غالب الأوقات وإن تحقّق بالدّخول في الغير ، إلّا أنّه قد يتحقّق أيضا بدون الدخول في الغير ، كما إذا فرض حرف آخر الكلمة ساكنا شكّ في وجوده بعد أدنى فصل ، ولا إشكال في وقوع التّعارض بين الأخبار الظّاهرة في اعتبار التّجاوز والظّاهرة في اعتبار الدّخول في الغير ؛ لأنّ الأولى تدلّ بظاهرها على كفاية التّجاوز عن المحلّ وعدم اعتبار الدّخول في الغير بمقتضى الحصر الموجود في بعضها ، والثّانية تدلّ بالمفهوم على عدم كفاية التّجاوز عن المحلّ.

والجمع بينهما يمكن بأحد الوجهين :

أحدهما : حمل الإطلاق في الطّائفة الأولى على التّقييد في الطائفة الثّانية على ما هو الأصل في تعارض المطلق والمقيّد ، فيحكم بعدم اعتبار التّجاوز إذا تحقّق بغير الدّخول ، ووجوب الالتفات إلى الشّك.

ثانيهما : حمل التّقييد في الطّائفة الثّانية على كونه واردا مورد الغالب كما في قوله تعالى : وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ (١) فليس لها مفهوم حتّى يعارض الإطلاق في الطّائفة الأولى ، بل يصير إذن من المطلق والمقيّد المثبتين اللّذين لا يحمل المطلق فيهما على المقيّد فيما كان من مقولة الوضع ؛ لعدم ثبوت التّنافي بينهما الّذي هو الدّاعي إلى الحمل كما هو واضح على من له أدنى دراية ، فيحكم إذن باعتبار التّجاوز عن المحلّ وإن انفكّ عن الدّخول في الغير.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

٤٦١

والمسألة بالنّظر إلى ملاحظة نفس الجمعين في غاية الإشكال والغموض ، وإن كان ربّما يقال : إنّ الجمع الأوّل أولى ؛ من حيث إنّ الغلبة إنّما تصلح مصحّحة لذكر القيد وعدم إرادة المفهوم منه ، ومجرّد هذا لا يصلح معارضا للظّهور اللّفظي المستفاد من القضيّة المقيّدة ، إلّا أنّ لكلّ من الجمعين مقرّبا ومبعّدا ، فالّذي يقرّب الجمع الأوّل وجوه :

أحدها : قوله عليه‌السلام في موثّقة ابن أبي يعفور : « إنّما الشّك إذا كنت في شيء لم تجزه » (١) ؛ فإنّ الظّاهر منه بمقتضى كونه في مقام الحصر كون المناط مجرّد عدم التّجاوز ، وهو آب عن التّقييد بالدّخول في الغير.

ثانيها : ( ظاهر التّعليل الوارد فيما ورد في الوضوء وهو قوله عليه‌السلام هو « حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » (٢) ؛ فإنّه لا إشكال في وجود العلّة بعد التّجاوز عن المحلّ وإن لم يدخل في الغير كما هو واضح.

ثالثها : قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار المذكورة في « الكتاب » : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك ... » (٣) الحديث ؛ فإنّ الظّاهر كونه واردا لبيان إعطاء

__________________

(١) التهذيب : ج ١ / ١٠١ باب « صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه » ـ ح ١١١ ، عنه الوسائل : ج ١ / ٤٧٠ باب « ان من شك في شيء من أفعال الوضوء قبل الانصراف وجب ان يأتي بما شك فيه وبما بعده » ـ ح ٢.

(٢) المصدر السابق ـ ح ١١٤ ، عنه الوسائل : ج ١ / ٤٧١ باب « ان من شك في شيء من أفعال الوضوء قبل الانصراف وجب أن يأتي بما شك فيه وبما بعده » ـ ح ٧.

(٣) التهذيب : ج ١ / ٣٦٣ باب « صفة الوضوء والفرض منه » ـ ح ٣٤ ، عنه الوسائل : ج ١ / ٤٧١

٤٦٢

الضّابطة ، فهو آب عن التّقييد بالدّخول في الغير فهذه وجوه مقرّبة للجمع الأوّل ، كما أنّها مبعّدة للجمع الثّاني.

والّذي يقرّب الجمع الثّاني ويعيّنه ويبعّد الجمع الأوّل قوله عليه‌السلام في رواية إسماعيل بن جابر : « إن شكّ في الرّكوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ » (١) الحديث ؛ فإنّ الظّاهر كونه في مقام التّحديد للقاعدة الكليّة الّتي ذكرها بعدها بقوله : « كلّ شيء شكّ فيه ... » (٢) الحديث.

وهو يمنع عن حمل القيد على الغالب كما هو واضح ؛ ضرورة أنّه لو لم يكن الدّخول في الغير معتبرا في القاعدة ، بل كان نفس التّجاوز عن المحلّ كافيا لقبح في مقام التّوطئة للقاعدة تحديد عدم الاعتناء بالشّك في الرّكوع بالدّخول في السّجود والشّك في السّجود ، بالدّخول في القيام.

والقول : بأن التّحديد بذلك مبنيّ على الغالب ، مع ما فيه فاسد جدّا ، إذ ليس أغلب صور الشّك في الرّكوع بعد الدّخول في السّجود ، وكذلك ليس أغلب صور الشّك في السّجود بعد القيام كدعوى عدم تحقّق التّجاوز عن المحلّ بالنّسبة إلى ٣ / ١٩٦

__________________

باب « من شك في شيء من أفعال الوضوء قبل الانصراف وجب أن يأتي بما شك فيه وبمل بعده » ـ ح ٦.

(١) التهذيب : ج ٢ / ١٥٣ باب « تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض المسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ـ ح ٦٠ ، والاستبصار : ج ١ / ٣٥٨ باب « من شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ » ـ ح ٩ ، عنهما الوسائل : ج ٦ / ٣١٧ باب « عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بعد السجود » ـ ح ٤.

(٢) المصدر السابق.

٤٦٣

الرّكوع قبل السّجود ، وبالنّسبة إلى السّجود قبل القيام ؛ إذ لا إشكال في تحقّق التّجاوز عن محلّهما بالمعنى الّذي عرفته بمجرّد الهويّ للسّجود والنّهوض للقيام ، فيكشف هذا كلّه عن كون المناط هو الدّخول في الغير لا مجرّد الفراغ والتّجاوز عن محلّ الشّيء كيفما اتّفق.

بل يمكن الاستدلال بالرّواية على المدّعى بالأولويّة بيانه : أنّه لا إشكال في أنّ الهوي للسّجود غيره ، وكذلك لا إشكال في أنّ النّهوض للقيام غيره ، فإذا لم يعتبرهما الشّارع مع كونهما غير المشكوك فعدم اعتباره لمطلق التّجاوز أولى ، اللهمّ إلّا أن يقال : إن التّجاوز عن محلّ الرّكوع والسّجود لا يتحقّق إلّا بالهوي والنّهوض فتدبّر هذا.

مضافا إلى ما ربّما يدّعى من ظهور نفس الذّيل في كون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « ودخل في غيره » (٢) مقيّدا لقوله : « وجاوزه » (٣) ومبيّنا للمراد منه ، فلا بدّ من أن يحكم بأنّ المراد من التّجاوز هو التّجاوز المتحقّق بالدّخول في الغير.

والاستدلال بالرّواية على الجمع الثّاني على ما عرفت أولى ممّا بيّنه الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) في تقريب الاستدلال ؛ فإنّ الظّاهر منه في باديء النّظر كونه في صدد بيان معنى الغير المعتبر بالرّوايات ، وأنّه مطلق الغير ، أو خصوص ما يكون اعتباره في العمل من باب الأصالة لا التّبع.

__________________

(*) المصلّى عليه هنا هو الإمام عليه‌السلام.

(١ و ٢) التهذيب : ج ٢ / ١٥٣ ـ ح ٦٠٢ / ٦٠ ، والاستبصار : ج ١ / ٣٥٨ باب « من شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ » ـ ح ٩ ، عنهما الوسائل : ج ٦ / ٣١٧ « باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بعد السجود » ـ ح ٤.

(١ و ٢) التهذيب : ج ٢ / ١٥٣ ـ ح ٦٠٢ / ٦٠ ، والاستبصار : ج ١ / ٣٥٨ باب « من شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ » ـ ح ٩ ، عنهما الوسائل : ج ٦ / ٣١٧ « باب عدم بطلان الصلاة بالشك في الركوع بعد السجود » ـ ح ٤.

٤٦٤

وهذا كلام آخر في الغير لا دخل له بالمقام حسبما اعترف به ( دام ظلّه ) في مجلس البحث وإن أمكن توجيهه : بأنّ مقتضى التّأمّل فيه صدرا وذيلا إرادة الاستدلال على المدّعى بالأولويّة القطعيّة ، ولكن مع هذا كلّه ما ذكروه من البيان لا يخلو عن تأمّل غير مخفيّ على المتأمّل.

وإذ عرفت : أنّ لكلّ من الجمعين مقرّبا ومبعّدا فاعلم : أنّ المقرّب للجمع الثّاني أقوى من المقرّب للجمع الأوّل.

فإنّ الأوّل يمكن حمله على الغالب سيّما بملاحظة صدره ، وما يذكره الأستاذ العلّامة في بيان دفع الإشكال عن الرّواية لا ينافيه كما هو واضح.

وأمّا الثّاني : فلا ظهور له بحيث يعارض المقرّب للجمع الثّاني.

وأمّا الثّالث : فلأنّ ظهور قوله عليه‌السلام : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ » في العليّة ليس بمثابة يعارض ظهور المقرّب للجمع الثّاني ؛ فإنّ التّأويل فيه غير ممكن ، أو في غاية البعد كما هو واضح. ومن هنا رجّح شيخنا الأستاذ العلّامة القول : باعتبار الدّخول في الغير.

ثمّ إنّ في رواية إسماعيل إشكالا لا ينبغي أن يخفى على الفطن ؛ فإنّ ظاهر إطلاقها وجوب الالتفات إلى الشّك في السّجود بعد التّشهد أيضا ما لم يقم ، مع أنّ الظّاهر أنّه لا إشكال في عدم الالتفات إليه عند من لا يرى اختصاص الغير بالرّكن هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ المراد من القيام في الرّواية الّذي جعل حدّا لعدم الاعتناء بالشّك في السّجود هو القيام لغير الرّكعة الثّالثة ؛ فإنّ المستكشف من الرّواية هو إلقاء مقدّمات الأفعال لا نفس الأفعال ، ومن المعلوم أنّ التّشهّد

٤٦٥

كالسّجود فعل مستقلّ. وبالجملة : القول بإلقاء الدّخول في التّشهّد لا ينطبق على قول من أقوال المسألة.

٤ ـ جريان القاعدة في أفعال الطهارات الثلاث

(٣٥١) قوله : ( وقد نصّ على الحكم في الغسل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٣٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ الحكم بخروج الوضوء عن القاعدة مصرّح به في كلام جمع من الأصحاب منهم ثاني الشّهيدين في « تمهيد القواعد » ؛ حيث حكم : بأنّ مقتضى القاعدة عدم الالتفات بالشّك في الجزء السّابق من الوضوء بعد الدّخول في الجزء اللّاحق منه ، إلّا أنّ مقتضى الرّوايات خروج الوضوء عن القاعدة (١).

وأمّا إلحاق الغسل التّرتيبي والتّيمّم بالوضوء فمحلّ خلاف بين الأصحاب ، فعن الأكثر الإلحاق (٢) ، وعن بعض الأساطين عدم الإلحاق (٣) ، بل في « الجواهر » لشيخنا الأستاذ في شرحه على « الشّرائع » عدم عثوره على القول بإلحاق الغسل عن غير السّيد في « الرّياض » (٤) قال : « ومن العجب ما وقع في « الرّياض » : من جريان حكم الوضوء في الغسل فيلتفت إلى كلّ جزء وقع الشّك فيه مع بقائه على

__________________

(١) تمهيد القواعد : ٣٠٥.

(٢) انظر التذكرة : ج ١ / ٢١٢ ، وجامع المقاصد : ج ١ / ٢٣٨.

(٣) الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

(٤) رياض المسائل : ج ١ / ١٨١ ط آل البيت.

٤٦٦

حال الغسل ، ولم أعثر على مثل ذلك لغيره » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

لكن عن « قواعد » العلّامة ما يدلّ على الإلحاق حيث قال فيه : « ولو شكّ في شيء من أفعال الطّهارة فكذلك أتى به وبما بعده إن لم تجفّ البلل إن كان على حاله ، وإلّا فلا التفات في الوضوء ، والمرتمس والمعتاد على إشكال » (٢). إنتهى كلامه رفع مقامه.

وعن ثاني المحقّقين في شرح قوله : « إن كان على حاله » فهم التّعميم حيث فسّره بقوله : « أي : في فعل الطّهارة من وضوء وغيره » (٣). انتهى كلامه رفع مقامه.

وعن بعض من قارب عصرنا : التّفصيل في التّيمّم بين ما كان منه بدل الوضوء فلا يعتني بالشّك الواقع فيه في الأثناء ، وبين ما كان منه بدل الغسل فيعتني بالشّك الواقع فيه في الأثناء كنفس الغسل.

أمّا دليل الأكثرين فهو تنقيح المناط الّذي أشار إليه الأستاذ العلّامة في كيفيّة تطبيق حكم الوضوء على القاعدة. وحاصله : أنّ حكم الشارع بالالتفات إلى الشّك الواقع في أثناء الوضوء إنّما هو من حيث وحدة مسبّبه المشترك بينه وبين الغسل والتّيمم ، فلا بدّ من إلحاقهما به في الحكم المذكور.

وأمّا دليل القول بعدم الإلحاق فهو : أنّ أصل الحكم بالالتفات في الوضوء وأخويه على خلاف القاعدة المستفادة من العمومات على ما عرفت : من ثاني

__________________

(١) جواهر الكلام : ج ٢ / ٣٥٥.

(٢) قواعد الأحكام ج ١ / ٢٠٦.

(٣) جامع المقاصد : ج ١ / ٢٣٧.

٤٦٧

الشّهيدين ، وقد خرجنا عنه في الوضوء من جهة قيام الإجماع والأخبار ، فيبقى غيره تحت القاعدة ؛ لعدم ما يقتضي بالخروج عنه بعد عدم كون القياس من مذهبنا.

وأمّا دليل القول بالتّفصيل في التّيمم فهو : أنّ قضيّة البدليّة كون حكم البدل حكم المبدل ، وهذا يقضي بالتّفصيل بين ما كان من التّيمم بدل الوضوء وما كان منه بدل الغسل ، هذا.

ولكنّك خبير بضعف التّفصيل في التّيمم ؛ لوضوح ضعف دليله. وأمّا القول ٣ / ١٩٧ بإلحاقه مطلقا وإلحاق الغسل لا يخلو عن إشكال وإن كان هو الأوجه من القول بعدمه ، وإن كان الأصل معه.

(٣٥٢) قوله : ( إلّا أنّه يظهر من رواية ابن أبي يعفور ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٣٦ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« لكنّه من باب قاعدة الفراغ ، وإنّما كان خارجا من قاعدة التّجاوز تخصّصا أو تخصيصا كما عرفت ، فلو نزلت الموثّقة على هذه القاعدة بأن يكون المراد منها على ما أفاده هاهنا ومرّت الإشارة إليه ، هو ضرب القاعدة للشّكّ المتعلّق بجزء العمل بعد الفراغ عن العمل لتوافق غيرها ممّا ورد في بيان حكم الشّك في الوضوء ، لم يتوجّه الإشكال بمنافاة ما هو ظاهر الموثّقة من كون الوضوء من باب القاعدة مع وجوب الالتفات إلى الشكّ في جزء منه ما دام الاشتغال إجماعا.

وأمّا لزوم التّهافت على هذا التّنزيل في الموثّقة وكذا الموثقة الأخرى المتقدّمة « كلّما شككت ... إلى آخره » فيما إذا شكّ في صحّة بعض الأجزاء بعد الفراغ عنه والانتقال إلى جزء آخر ، كما اذا شكّ في غسل جزء من الوجه بعد الشّروع بغسل اليد مثلا ، فإنّه كما يصحّ

٤٦٨

__________________

اعتبار أنّه شكّ في الشّيء قبل المضي لأنّه شكّ في شيء من الوضوء قبل الانتقال عنه إلى حال أخرى فيجب الالتفات إليه ، صحّ اعتبار أنّه شكّ فيه بعد المضي ، لأنّه شك في شيء من غسل الوجه مع التّجاوز عنه ، فيجب عدم الإلتفات إليه.

ولا يخفى عدم اختصاص هذا الإشكال بالطّهارات ، بل يعمّ سائر المركبات ممّا كان له اجزاء مركّبة أو مقيّدة من العبادات والمعاملات ، مثل ما إذا شكّ في جزء من الفاتحة بعد الفراغ عن الصّلاة ، فلا يجدي ما أفاده قدس‌سره في التّفصي عنه في الطّهارات ، مع ما فيه كما ستعرف.

فالتّحقيق في التفصّي عنه أن يقال : انّه أريد من الشّيء في ذيل موثّقة ابن أبي يعفور ، ومن الموصول في الموثقة الأخرى مثل الوضوء والغسل والصّلاة ممّا له عنوان شرعا وعرفا بالاستقلال يقينا وبلا إشكال ، كما يشهد به صحيحة زرارة في الوضوء ومثل خبر « كلّ ما مضي صلاتك وطهورك ... إلى آخره » وغيرهما من الأخبار ، ومعه لا يمكن أن يراد من العموم والإطلاق في الموثقتين الأجزاء المركبة أو المقيّدة ، كي يلزم التّهافت في مدلوليهما الموجب للإجمال.

نعم يعمّ مثل مناسك الحجّ ، لأنّ كلّا منها عمل باستقلاله وفعل على حياله وإن عمّها خطاب واحد ، فانّ العبرة في استقلال الأفعال في الآثار والعناوين ، لا بتعدد الخطاب ووحدته ، فلا يعمّ أدلّة قاعدة الفراغ في مثل غسل جزء من الوجه ، أو قراءة جزء من الفاتحة بعد الفراغ عن غسله وعن قراءتها ، كما يشهد بذلك في الجملة الإجماع على وجوب الالتفات إلى الشكّ في شيء من الوضوء ما دام الاشتغال ، بل وكذا الحال في الغسل والتّيمم.

نعم قاعدة التجاوز المختصّة بأفعال الصّلاة أو المخصّصة بغير الوضوء أو جميع الطّهارات يوجب عدم الالتفات إلى الشكّ في وجود ما اعتبر جزء العمل ولو لأجل الشّكّ في صحّة الموجود ، وانّه واجد لما أخذ فيه شطرا وشرطا ، او فاقد ليستلزم للشّكّ في وجود الصحيح كما مرّ غاية الأمر لو كان الشّكّ فيه بعد الفراغ عن ذاك العمل ، كان العمل محكوما بالصّحة

٤٦٩

توجيه كون الحكم في الوضوء على طبق القاعدة والمناقشة في الوجوه

أقول : قد وجّه ظهور كون الحكم في الوضوء على طبق القاعدة من الرّواية ـ لا خارجا عنها بعد ظهور قوله عليه‌السلام في ذيل الرّواية : « إنّما الشّك إذا كنت في شيء

__________________

لقاعدة الفراغ أيضا ، كما كان محكوما بها قاعدة التّجاوز الحاكمة بوجود ما شكّ في وجوده من جزئه بلا تهافت وتناف بينهما أصلا كما لا يخفى.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره في دفع ما في الخبر من الإشكال ، ففيه : مضافا إلى عدم اختصاص إشكال التّهافت في مدلوله الّذي أشار إليه بقوله : « ولكنّ الاعتماد ... إلى آخره » بما إذا شكّ في غسل اليد باعتبار جزء من أجزءه بل يعم ما إذا شك في الفاتحة باعتبار جزء من أجزائها مثلا ، كما أشرنا إليه ، فلا يجدى في دفعه ما أفاد ولو لم يكن فيه خلل ولا فساد ، إذ حال الطّهارات بالنّسبة إلى مالها من الآثار ليس إلّا حال سائر العبادات بالنّسبة إلى آثارها المترتّبة عليها كالانتهاء عن الفحشاء المترتّب على الصّلاة.

وبالجملة وحدة الأثر وبساطته لا دخل لها بمنشئة وسببه ، وإلّا يلزم أن يكون الشّكّ في جزء كلّ عمل قبل الفراغ عن العمل شكّا فيه قبل التّجاوز عن ذاك الجزء باعتبار وحدة سببه وبساطة أثره أمّا الملازمة فلأنّ سائر الأعمال يشارك الطّهارات في وحدة الأثر والمسبب ، فلو كان وحدته فيها يوجب كونه فعلا واحدا في نظر الشارع ، فلم لا يوجب وحدته في غيرها كونه فعلا واحدا وأمّا بطلان التّالي فأوضح من أن يخفى ، ولو سلّم فلا بدّ من بيان اعتباره كذلك ، أي فعلا واحدا ينصب دلالة عليه ، وإلّا فلا سبيل إلى معرفته ، مع وضوح احتمال اعتباره على ما هو عليه حقيقة من التّركيب ، بل لزوم حمله إلّا إذا انحصر رفع الإشكال بذاك الاعتبار ، وقد عرفت عدم الانحصار به ، كما ظهر ممّا بيّنّاه من قضيّة الأخبار ، فتأمّل جيّدا » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٩٩ ـ ٤٠١.

٤٧٠

لم تجزه » (١) في التّعليل للحكم المذكور كما هو من الواضحات الغير المحتاجة إلى البيان ـ بأمور :

أحدها : استلزام الحكم بخروج الوضوء تخصيص المورد وهو قبيح فتدبّر.

ثانيها : الاستدلال لما هو خارج عن القاعدة بالقاعدة وهو أمر قبيح برأسه لا دخل له بقبح تخصيص المورد كما هو واضح لمن له أدنى دراية.

ثالثها : لزوم التّناقض بين المفهوم وعموم التّعليل.

ولكن يتفصّى عن الإشكال المذكور بوجوه :

أحدها : جعل المراد من قوله : « إنّما الشّك إذا كنت ... الحديث » (٢) إلقاء الشّك الواقع في أثناء الشّيء ، فيختصّ مدلوله بالأثناء ، فلا يلزم شيء من المحذورين ؛ لأنّه يصير المعنى حينئذ : إنّما يعتبر الشّك ويلتفت إليه إذا كانت في أثناء الشّيء ، فيدلّ بمفهوم الحصر على إلقاء الشّك بعد الفراغ عن الشّيء المركّب ، وليس هذا مثل قوله : « إذا شككت في شيء ودخلت في غيره ... » (٣) الحديث ، الظّاهر في الشّك في الوجود على ما عرفت تفصيل القول فيه ، بل قوله في المقام ظاهر في الشّك في الأثناء كما هو واضح.

وقد كان الأستاذ العلّامة يدّعي : أنّ إرادة القدر المشترك من الشّك في الأثناء وغيره في المقام ليس فيه محذور أصلا ؛ لوجود الجامع بين الكون في الشّيء وهو مطلق الثّبوت على الشّيء والكون عليه سواء تحقّق بالكون في أثنائه

__________________

(١) مرّ تخريجه قريبا.

(٢ و ٣) مرّ تخريجه قريبا.

٤٧١

أو في محلّه ؛ لأنّه قسم من الكون في الشّيء.

ولكنّك خبير بأنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) لا يخلو عن تأمّل هذا ملخّص هذا الوجه.

وأورد عليه الأستاذ العلّامة : بأنّ لازم هذا التّوجيه عدم الالتفات إلى الشّك الواقع في غسل جزء من الوجه أو اليد بعد الفراغ عن غسلهما لعموم الشّيء وشموله لأجزاء الأجزاء كنفس الأجزاء. ودعوى اختصاصه بالأجزاء الأصليّة ، ممّا لا شاهد لها بعد شمول لفظ الشّيء بحسب اللّغة والعرف وعمومه لمطلق الأجزاء ؛ إذ لا صارف لهذا العموم من الخارج.

ثانيها : ما ذكره الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) في مجلس البحث : من جعل قوله في ذيل الرّواية : « إنّما الشّك إذا كنت ... » (١) الحديث تعليلا لمنطوق صدرها فإذا جعلنا مفهوم الذّيل تعليلا لمنطوق الصّدر وحده لا لمنطوقه ومفهومه لم يلزم عليه شيء من المحاذير ؛ لعدم كون الشّك في أثناء الوضوء إذن داخلا في عموم التّعليل ، حتّى يتوجّه عليه : خروج المورد القبيح على تقدير لزومه على فرض القول بالتّعميم ، أو التّناقض الصّوري الرّاجع إلى تعارض عموم التّعليل مع مفهوم الصّدر بالتّعارض العموم والخصوص الّذي ليس هو في نفسه محذورا مستقلّا ، بل لا معنى لجعله محذورا أصلا كما لا يخفى ، ولا كون الكلام مسوقا لبيان علّيّة حكم الشّك في الأثناء حتّى يرد عليه : لزوم الاستدلال بما هو خارج عن القاعدة بنفس القاعدة هذا ملخّص ما أفاده ( دام ظلّه ) في مجلس البحث.

__________________

(١) مرّ تخريجها كذلك.

٤٧٢

ولكنّك خبير بأنّ هذا التّوجيه أيضا لا يخلو من المناقشة ؛ لأنّ الحكم بعدم كون الذّيل تعليلا لمفهوم الصّدر ممّا لا معنى له بعد ظهور الكلام في المفهوم ؛ فإنّ الظّاهر أنّه أراد بيان العلّة لجميع ما حكم به في الرّواية لا لبعضه ، وبالجملة : هذا التّوجيه وإن كان مستقيما على تقدير تماميّته ، إلّا أنّه خلاف ظاهر الرّواية ، فيتوقّف ارتكابه على شاهد من الخارج يشهد عليه.

ثالثها : ما أفاده ( دام ظلّه ) أيضا في مجلس البحث وفي « الكتاب » : من جعل الوضوء في نظر الشارع أمرا بسيطا ـ باعتبار وحدة مسبّبه ـ لا تركيب فيه أصلا ، حتّى يصدق مفهوم التّعليل على الشّك في غسل عضو من الأعضاء ، ويلزم من الالتزام بعدم ثبوت حكمه فيه بالإجماع المحذور الظّاهر اللّزوم على تقدير تسليم التّركيب عند الشارع على ما عرفت تفصيل القول فيه ، وهذا ليس تخصيصا في الشّيء ، ولا في الغير ، ولا ارتكاب مجاز فيهما ولا في غيرهما.

وإن كنّا لو خلّينا وأنفسنا حاكمين بكون الوضوء مركّبا في نظر الشّارع من شرائط وأجزاء كالصّلاة وغيرها ـ حسبما ظهر لنا في أنظارنا : من جهة قصورها ـ فهذا نظير ما حكم به جماعة في الشّك في الكلمات وأجزائها بعد الدّخول في غيرها ، بل في الشّك في الآية بعد الدّخول في غيرها ، بل في الشّك في الحمد بعد الدّخول في السّورة.

كما يظهر من بعض الأصحاب : من أنّ الشّك في القراءة قبل الدّخول في الرّكوع يلتفت إليه ، معلّلين ذلك : بأنّ هذه الأمور في نظر الشّارع بسيطة وإن كانت في نظرنا مركّبة من أفعال ، وإن كان ما ذكروه في محلّ التّأمّل ، بل المنع ؛ نظرا إلى عدم الدّاعي إلى هذا الكلام بعد القول من جماعة كثيرة بجريان القاعدة بالنّسبة

٤٧٣

إلى الشّك في حروف الكلمات بعد الدّخول في غيرها ، فضلا عن جريانها بالنّسبة إلى الشّك في الكلمات والآيات بعد الدّخول في غيرهما فضلا عن الشّك في الحمد بعد الدّخول في السّورة.

وهذا بخلاف الفرض فإنّ الدّاعي إلى ارتكاب ما ذكر موجود فيه جزما ؛ نظرا إلى ما عرفت من لزوم المحذور على تقدير عدمه على ما عرفت تفصيل القول فيه.

فإن قلت : تصحيح كلام الشّارع ودفع المحذور عنه لا ينحصر في ارتكاب ما ذكر حتّى يرتكب دفعا للمحذور المذكور ، فيبنى على دفعه بالتزام التّوجيه الثّاني.

وبالجملة : احتمال توجيه آخر غير ما ذكر يمنع من جعل الوجه في دفع الإشكال ما ذكر على سبيل الحصر.

قلت : احتمال توجيه آخر لا ينفع بعد كونه خلافا لظاهر اللّفظ ، وبالجملة : ما ذكر أخيرا : من التّوجيه مع التّوجيه الثّاني نظير دوران الأمر بين المجاز في النّسبة والمجاز في الكلمة.

ثمّ إنّ من مؤيّدات هذا التّوجيه : ما ذكره الأستاذ العلّامة ( دامت إفاضاته ) : من إلحاق جماعة كثيرة الشّك في الغسل والتّيمّم بالوضوء في الحكم المذكور ، وليس في ذلك إلّا من جهة ما استفادوا : من كون الحكم في الوضوء من جهة بساطته عند الشّارع من جهة وحدة مسبّبه ، ولذا ألحقوا الغسل والتّيمّم بالوضوء في الحكم المذكور فتدبّر.

٤٧٤

٥ ـ جريان القاعدة في الشروط كجريانها في الأجزاء

(٣٥٣) قوله : ( والأقوى التّفصيل بين الفراغ ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٣٩ )

في أن حكم الشك في الشرط حكم الشك في الجزء أم لا؟

أقول : لا يخفى عليك جودة ما ذكره ( دام ظلّه ) من التّفصيل من الجهتين ، أي : من جهة التّخصيص ببعد الفراغ عن المشروط ، والتّخصيص بالمشروط الّذي فرغ عنه دون غيره.

أمّا الدّليل على التّخصيص من الجهة الأولى ؛ فلعدم صدق أخبار القاعدة قبل الفراغ عن المشروط ، وصدقها على الشّك في الشّرط بعد الفراغ عن المشروط ، سواء في ذلك ما دلّ على اعتبار التّجاوز عن المحلّ ، وما دلّ على اعتبار الدّخول في الغير.

أمّا الأوّل : فظاهر ؛ ضرورة أنّ محل إحراز الشّرط ليس بعد الفراغ عن المشروط بل قبله.

وأمّا الثّاني : فإنّه وإن كان ربّما يتوهّم عدم صدقه على الشّك في الشّرط بعد الفراغ عن المشروط ؛ نظرا إلى أنّ المشروط لا يعدّ مغايرا للشّرط حتّى يحكم بعدم اعتباره ، بل المدار على خروج وقت المشروط ، إلّا أنّ مقتضى التّحقيق صدقه أيضا من حيث إنّ الفراغ عن المشروط يغاير الشّرط بالمعنى الّذي عرفته سابقا قطعا.

وأمّا الدّليل على التّخصيص من الجهة الثّانية : فلاختصاص الأخبار بالدّلالة

٤٧٥

على الحكم بوجود الشّرط بالنّسبة إلى المشروط الّذي فرغ عنه ؛ لاختصاص وجود موضوعها بالنّسبة إليه ، بل مقتضاها منطوقا ومفهوما اعتبار الشّك في الشّرط بالنّسبة إلى مشروط آخر كما هو واضح.

توضيح ذلك : أنّ الشارع قد يحكم بإلقاء الشّك في الشّرط من حيث إنّه شكّ في الشّرط وبالنّسبة إلى جميع ما هو مشروط له ، فيرجع حكمه إذن إلى البناء على وجود الشّرط مطلقا ولو قبل الفراغ عن المشروط ، بل قبل الدّخول فيه ، بل قبل كون المكلّف على هيئة الدّاخل في مشروطه ، كما إذا وقع الشّك في وجود بعض ما يعتبر في الشّرط بعد الفراغ عنه ، كالشّك الواقع في غسل بعض الأعضاء في الوضوء ، أو الغسل بعد الفراغ عنهما ، وقد يحكم بوجود الشّرط بعد الفراغ عن مشروطه مطلقا ، بمعنى كون الفراغ عنه علّة للحكم بوجوده المطلق حتّى بالنّسبة إلى غيره ، وقد يحكم بوجوده بعد الفراغ عن المشروط بعنوان يختصّ به بحيث لا يتعدّى إلى غيره وهو عنوان كون الشّك فيه شكّا بعد التّجاوز عن المحلّ ، أو بعد الدّخول في الغير.

أمّا حكمه بإلقاء الشّك في الشّرط على الوجه الأوّل ، فلا ريب في أنّه يقتضي الحكم بصحّة كلّ ما يعتبر فيه من غير فرق ، وكذلك حكمه بإلقاء الشّك في الشّرط على الوجه الثّاني ؛ فإنّه لا إشكال في اقتضائه أيضا الحكم بصحّة كلّ ما يعتبر فيه من الأفعال.

وأمّا حكمه بإلقائه على الوجه الثّالث فلا ريب في عدم اقتضائه إلّا الحكم بوجوده بالنّسبة إلى المشروط الّذي فرغ المكلّف عنه لا بالنّسبة إلى غيره ، من غير فرق في ذلك بين القول باعتبار القاعدة من باب التّعبّد ، والقول باعتبارها من باب

٤٧٦

الظّن ؛ فإنّه وإن لم يمكن بناء على الثّاني التّفكيك في حصول الظّن بالنّسبة إلى وجود الشّرط ، إلّا أنّه لا بدّ من التّفكيك في اعتباره من حيث اختصاص الدّليل على اعتباره بعنوان مختصّ بالمشروط الّذي وقع الفراغ عنه.

فهذا نظير الشّك في فعل صلاة الظّهر بعد الدّخول في العصر في إلقاء الشّك فيه بالنّسبة إلى الحكم بصحّة العصر وأنّها وقعت عقيب الظّهر ومترتّبة عليه ، وعدم إلقائه بالنّسبة إلى أصل وجوده بحيث لا يحكم بوجوب الإتيان بها بعد فعل العصر ؛ حيث إنّ الشّك في فعل الظّهر بعنوان ترتّب العصر عليه شكّ في الشّيء بعد الدّخول في الغير ، وبغير ذلك العنوان ليس شكّا فيه بعد الدّخول في الغير ، أو شكّا في الشّيء بعد تجاوز محلّه ، فلا يحكم بإلقائه ، بل يحكم بمقتضى أصالة الاشتغال والإخبار بعدم إلقائه بالنّسبة إليه ، بل المقام أولى بعدم اعتبار الشّك بالنّسبة إلى غير المشروط الّذي وقع الفراغ عنه كما هو واضح.

ثمّ إذا عرفت حكم الأقسام المتصوّرة في المقام لحكم الشارع بإلقاء الشّك في الشّرط المشكوك فيه لم يبق لك إشكال في التّفصيل من الجهة الثّانية ؛ ضرورة كون حكم الشارع بإلقاء الشّك في الشّرط في مفروض البحث من القسم الثّالث لا الثّاني والأوّل.

ولا فرق فيما ذكرنا ـ على ما عرفت سابقا أيضا ـ بين الشّك في الشّرط قبل الدّخول في المشروط مع كون المكلّف على هيئة الدّاخل ، أو بعد الدّخول ، أو الشّك في أثنائه فيحكم بلزوم إحراز الشّرط بالنّسبة إلى ما بقي من العمل إن أمكن ، وإلّا فيحكم بفساد العمل ووجوب إعادته.

نعم ، قد يقال ـ بل قيل ـ : بالنّسبة إلى ما يكون محلّ إحرازه لتمام العمل قبل

٤٧٧

الدّخول فيه كالطّهارة بإلقاء الشّك فيه بعد الدّخول في العمل ، فيلحق بالشّك فيه بعد الفراغ من العمل ويحكم بصحّة العمل المدخول فيه ؛ نظرا إلى عموم ما دلّ على لغويّة الشّك بعد التّجاوز عن المحلّ ، أو بعد الدّخول في الغير هذا.

ولكن يردّ هذا القول ما رواه الأستاذ العلّامة في « الكتاب » من صحيحة (١) علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام بناء على كون السّؤال فيه عن حكم الفرض حسبما هو الظّاهر منه ، لا عن حكم العمل بالاستصحاب أو غيره ، بل لا بدّ من حمل الرّواية ٣ / ١٩٩ على الفرض ، لأنّ التفصيل بما ذكر في الاستصحاب على خلاف الإجماع كما لا يخفى.

٦ ـ هل يلحق الشك في الصحة بالشك في الإتيان؟

(٣٥٤) قوله : ( بل هو هو ؛ لأنّ مرجعه إلى الشّك في وجود الشّيء ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٣٤٢ )

__________________

(١) مسائل علي بن جعفر عليه‌السلام : ٢٠٦ ـ ح ٤٤٤ ـ وقرب الإسناد للحميري : ١٧٧ ـ ح ٦٥١ ، عنه وسائل الشيعة : ج ١ / ٤٧٣ باب « من تيقن الطهارة وشك في الحدث لم يجب عليه الوضوء وبالعكس يجب عليه » ـ ح ٢.

(٢) قال شيخ الكفاية قدس‌سره :

« لا يخفى انه ليس قضيّة قاعدة التجاوز الحاكمة بوجود المشكوك فيه وتحقّقه الحكم بصحّة الموجود إلّا على القول بالأصل المثبت حيث يستلزم الشّكّ في صحّة الموجود ، الشّكّ في وجود الصّحيح كما مرّت إليه الإشارة ، فلا يترتّب على الموجود آثار الصحّة إلّا على القول

٤٧٨

أقول : لا يخفى عليك إنّ إرجاع الشّك في الصّحة إلى الشّك في الوجود بما ذكره الأستاذ العلّامة : من أخذ المشكوك الشّيء الصّحيح لا ذات الشّيء ، لا يجدي في الحكم بشمول الأخبار له ـ على تقدير القول بظهورها في الشّك في أصل الوجود ـ ضرورة عدم رجوع الشّك في الصّحة إلى الشّك في الوجود بالاعتبار المذكور ، من غير فرق في ذلك بين القول بوضع أسماء العبادات للأعمّ حتّى يحتاج إلى اعتبار ما ذكر ، أو للصّحيح حتّى لا يحتاج إلى اعتباره ؛ فإنّه إذا قيل بأنّ منصرف الأخبار هو الشّك في أصل الفعل : بأن شكّ المكلّف في أنّه ركع مثلا أم لا ، لم ينفع القول بوضع لفظ الرّكوع للصّحيح في شمولها لما إذا وقع الشّك في بعض ما يعتبر فيه بعد القطع بوجوده ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا ، ولذا استشكل الأستاذ العلّامة في الحكم بالإلحاق.

__________________

إن كان لها آثار غير ما كان للصّحيح.

ومن هنا انقدح ان ليس الشّكّ في الصحّة حكمه حكم الشّكّ في الإتيان ، ولا هو هو ، ولا مرجعه إلى الشّكّ في وجود الشيء الصّحيح ، بل حكمه لازما لحكمه بناء على الأصل المثبت كما انه يكون ملزوما للشك في وجود الصحيح ، هذا مع قطع النّظر عن قاعدة الفراغ ، وامّا بملاحظتها فلا إشكال » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٤٠٢.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« فيه منع ظاهر ؛ لأن الشك في وجود الشيء ظاهر أو صريح في وجوده بعنوانه الأوّلي لا وجوده بعنوانه الثانوي الطاريء وهو وجود الصحيح.

ألا ترى انه لو قيل : فلان لم يبع داره ، يفهم منه انه ما أوجد البيع أصلا لا انه ما أوجد البيع الصحيح ، ولا ينافي إيجاد البيع الفاسد » إنتهى. انظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٧٦.

٤٧٩

(٣٥٥) قوله : ( ومحلّ الكلام ما لا يرجع [ فيه ](١) الشّك ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٣٤٢ )

__________________

(١) أثبتناه من الكتاب.

(٢) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : توضيح المقام : انّ الشك في صحّة المأتي به لا بدّ وأن يرجع إلى الشّك في الإخلال بشيء من أجزائه وشرائطه فإن كان ذلك الشّيء الّذي يكون الشكّ في الصحة مسبّبا عن الشّك فيه من قبيل أجزاء المركّب فقد تبيّن حكمه من أنّه لا يعتني بالشّكّ فيه بعد تجاوز محلّه فيبتني على صحّة عمله.

وإن كان من قبيل الشّرائط فهو على قسمين : لأنّ الشرط إمّا أن يكون من قبيل الطّهارة والاستقبال والسّتر والتّرتيب والموالاة وغير ذلك من الأفعال الخارجيّة المعتبرة في صحّة المأتي به ، أو يكون من قبيل الأوصاف المعتبرة فيه الغير المنتزعة من فعل مغاير له بالوجود كتأدية حروف القراءة عن مخارجها أو البلوغ إلى مرتبة خاصّة من الانحناء في الرّكوع والسّجود ونحو ذلك.

ومحلّ الكلام في هذا الموضع هو ما اذا نشأ الشكّ في صحّته من احتمال الإخلال بشيء من هذا النّحو من الشرائط الّتي ليست هي بنفسها شيئا قابلا لأن يندرج في موضوع الأخبار الدّالة على عدم الإعتناء بالشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه.

وأمّا القسم الأوّل : فقد بيّن في الموضع الخامس : أنّ حكمه حكم الأجزاء فلا حاجة فيما لو كان الشكّ في صحّة المأتي به راجعا إلى الشكّ في الأخلال بشيء من هذا النحو من الشّرائط إلى التكلّف المحتاج إليه في هذا الموضع من إرجاعه إلى الشّكّ في وجود الشيء الصحيح كما لا يخفى.

ثمّ إنّه قد يتأمّل في بعض الموارد في أنّه هل هو من القسم الأوّل أو الثاني كما لو شكّ بعد الفراغ من الوضوء في صحّته للشكّ في إطلاق ماءه أو إضافته فإنّ هذا الشّرط ـ أي إطلاق

٤٨٠