بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

* المقام الأوّل : عدم معارضة الإستصحاب لليد

(٣٣٢) قوله : ( إنّ اليد ممّا لا يعارضها الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٢١ )

ترتيب البحث هنا

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يشكل فيما ذكره : من إطلاق القول بحكومة اليد على الاستصحاب بعد تكلّمه ( دام ظلّه ) في حكم اليد مع الاستصحاب على كلّ من تقدير القول باعتبارها من باب الظّن ، أو التّعبّد.

ثمّ إنّه ينبغي أن يتكلّم أوّلا في كون اليد من الأمارات ثمّ يتكلّم في حكمها على فرض عدم كونها من الأمارات ، لا أن يعكس الأمر كما صنعه ( دام ظلّه ) في « الكتاب ».

٤٢١

* ١ ـ تقدّم اليد على الاستصحاب

(٣٣٣) قوله : ( بيان ذلك : أنّ اليد إن قلنا ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٣٢١ )

أقول : لا فرق في حكومة اليد على الاستصحاب ـ على القول باعتبارها من باب الظّن على ما صرّح به في مجلس البحث ـ بين القول بكون الاستصحاب من باب التّعبد ، أو من باب الظّن.

أمّا على الأوّل : فظاهر. وأمّا على الثّاني : فلوجود التّرتّب بين الظّن الاستصحابي وغيره.

وقد يستشكل ذلك بناء على كون منشأ الظّن فيهما الغلبة ، ويدفع : بأنّ الغلبة الموجودة في اليد أقوى من حيث كونها بمنزلة الأخصّ.

وأمّا على القول باعتبارها من باب التّعبّد فيحكم بتقديمها على

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ محمد كاظم الخراساني قدس‌سره :

« والتحقيق : ان وجه تقديم اليد إن قلنا باعتبارها من باب الطريقيّة ، وهو ورود دليل اعتبارها من باب الطّريقيّة ، هو ورود دليل اعتبارها على الإستصحاب كما عرفت بما لا مزيد عليه ، وإن قلنا باعتبارها من باب التعبّد ، هو تخصيص دليله بدليلها ، لأنّ النّسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه ، إلّا انّ دليلها أظهر في شمول موارد التّعارض من دليله ، للزوم تخصيص الأكثر من تخصيصه بدليله ، بخلاف تخصيصه به ، فافهم.

هذا ، مضافا إلى لزوم المحذور المنصوص وهو اختلال السّوق وبطلان الحقوق ، ومعه يكون تقديمها على الإستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب ، ولو لم يكن العكس مستلزما لتخصيص الكثير أو الأكثر ، فتأمّل » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٩٣.

٤٢٢

الاستصحاب ، ولو قلنا بكونه من باب الظّن من حيث وجود الاستصحاب في جميع مواردها ، أو غالبها فلا يجوز رفع اليد عنها.

فإن شئت قلت : إنّ العلّة في اعتبارها لزوم الاختلال من إلغائها وهي بعينها موجودة في مورد اجتماعهما ، ولو كان غالبيّا كما هو ظاهر ، فيكون دليل اعتبارها حاكما على دليل الاستصحاب ، أو مخصّصا له ولو كانت النّسبة العموم من وجه بعد عدم إمكان تخصيص دليل اليد بمورد الافتراق فافهم ، وستقف على مزيد بيان لذلك.

(٣٣٤) قوله : ( كما يشير إليه قوله في ذيل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٢١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد يورد عليه : بأنّه مناف لما سيذكره : من كون المراد من الرّواية العمل باليد من باب الظّن من حيث ورودها لإمضاء ما عليه بناء النّاس.

(٣٣٥) قوله : ( فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٢٢ )

الدليل على تقديم اليد على الاستصحاب

أقول : الوجه في تقديم اليد على الاستصحاب ـ وإن كان معتبرا من باب الظّن بناء على كون اعتبارها من باب التّعبّد ـ هو الحكم بتخصيص أدلّة اعتبارها ٣ / ١٨٩ لأدلّة اعتباره ، لا كونها حاكمة عليها أو كونها واردة على ما صرّح به ( دام ظلّه ) في أثناء البحث.

ثمّ إنّه يستدلّ عليه بوجوه :

الأوّل : كون النّسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا ؛ حيث إنّ اليد معارضة

٤٢٣

في جميع مواردها بالاستصحاب ؛ حيث إنّ الملكيّة يحتاج دائما إلى سبب حادث ، والأصل عدمه. فإن شئت قلت : إنّ اليد معارضة في غالب الأوقات باستصحاب بقاء الملك في ملك الغير ؛ فإنّ في غالب الموارد يعلم بأنّ ما في يد الغير كان ملكا لغيره ، وفيما لم يعلم الحالة السّابقة معارضة باستصحاب عدم تحقّق الملك ، (١) فيخصّص أدلّة الاستصحاب بها حينئذ.

أمّا على تقدير اعتبارها من باب التّعبّد فظاهر ، وأمّا على تقدير اعتباره من باب الظّن ؛ فلأنّه لو بني على تحكيم دليل اعتباره على دليل اعتبار اليد لزم طرحه بالمرّة ، والمفروض ثبوت اعتبارها. ومنه يعلم أنّ ما ذكرنا : من حكومة الدّليل الاجتهادي ، أو وروده دائما ـ على ما أسمعناك في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ على الأصل إنّما هو فيما إذا لم يكن الأصل أخصّ هذا. وأمّا ما يظهر من الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) : من كون النّسبة عموما وخصوصا من وجه فإنّما هو مبنيّ على ملاحظة الاستصحاب الأوّل.

الثّاني : أنّ النّسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه إلّا أنّ اليد بالنّسبة إلى الاستصحاب في حكم الأخصّ مطلقا حيث إنّ مورد افتراقها عن الاستصحاب قليل في الغاية ، فلو حكم بدخول مورد الاجتماع تحت أدلّة الاستصحاب دون أدلّة اليد لزم الحكم بورودها لبيان حكم الفرد النّادر ، وهو مستلزم لتخصيص ما لا يجوز ارتكابه ، وهذا بخلاف العكس ؛ فإنّه ليس فيه هذا المحذور ، فيتعيّن من غير فرق في ذلك بين القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد ، والقول باعتباره من باب الظّن ؛ لاتّحاد الوجه.

الثّالث : أنّ قضيّة التّعليل الوارد في رواية الحفص هو تقديم اليد على

__________________

آشتيانى ، محمدحسن بن جعفر ، بحر الفوائد فى شرح الفرائد ـ قم ، چاپ : اول ، ١٣٨٨ ش.

٤٢٤

الاستصحاب في مورد الاجتماع ؛ فإنّ المحذور اللّازم على تقدير طرح اليد كليّة يلزم على تقدير طرحها في مورد الاجتماع أيضا كما هو واضح.

الرّابع : ورود أكثر أخبار اليد كرواية مسعدة بن صدقة وغيرها في مورد جريان الاستصحاب.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر : ضعف ما عن النّراقي في « عوائد الأيام » (١) و « المستند » (٢) : من أنّ اليد كالاستصحاب أصل ومقتضى التّعارض رفع اليد عن المعارض عند عدم المرجّح لا تقديم أحدهما.

قال في « المستند » في مسألة تعارض اليد الفعليّة مع الملكيّة السّابقة :

« والتّحقيق : أنّ اقتضاء اليد للملكيّة يعارض استصحاب الملكيّة ولا يبقى لشيء منهما حكم ، ولكن أصل اليد لا تعارضها شيء وهو باق بالمشاهدة والعيان ، والأصل عدم التّسلّط على انتزاع العين من يده ، وعلى منعه من التّصرّفات الّتي كانت له حتّى بيعها ؛ إذ غاية الأمر عدم دليل على ملكيّته ، ولكن لا دليل على عدم ملكيّته أيضا ، وأصالة عدم الملكيّة بالنّسبة إليه وإلى غيره سواء ، فلا يجري فيه ذلك الأصل أيضا.

إلى أن قال :

« فيبقى أصالة عدم التّسلّط وأصالة جواز تصرّفه خالية عن المعارض » (٣). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) عوائد الأيّام / العائدة : ٦٩ / ٧٣٧.

(٢) مستند الشيعة : ج ١٧ / ٤١٦.

(٣) المصدر نفسه.

٤٢٥

وأنت خبير بما يتوجّه عليه من الإشكالات ؛ فإنّه يتوجّه عليه :

أوّلا : أنّ اليد الحسّيّة لا أثر لها بعد عدم اقتضائها الملكيّة من جهة المعارضة على ما قرّره.

وثانيا : أنّ صحّة تصرّفاته وسلطنته عليها كالبيع والإجارة ونحوهما موقوفة على الملكيّة ، فإذا فرض عدم اقتضاء اليد لها فالأصل الفساد لا الصّحة ، ولم يعلم معنى محصّل لأصالة عدم التّسلّط إذا فرض إهمال اليد والاستصحاب مع عدم سبق حالة سابقة للتّسلط ونفوذ التّصرّفات ، واحتمال الوكالة والإذن من المالك ونحوهما ممّا يقتضي جواز التّصرّف ، مدفوعة بالأصل السّليم ؛ حيث إنّها حوادث مسبوقة بالعدم.

وثالثا : أنّ أصالة عدم ملكيّة ذي اليد لا يعارضها أصالة عدم ملكيّة غيره إذا لم يترتّب عليها أثر ، بل مع ترتّبه مع عدم حصر الشّبهة فتدبّر ، إلى غير ذلك من الإشكالات.

والإنصاف : أنّ الإشكال في تقديم اليد على الاستصحاب ممّا لا ينبغي لمثل هذا الفاضل سيّما بعد ورود أخبار اليد في مورد الاستصحاب على ما عرفت.

٤٢٦

لو تقارنت اليد بالإقرار فالمرجع الإستصحاب

(٣٣٦) قوله : ( وأمّا حكم المشهور : بأنّه لو اعترف ذو اليد ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٢٢ )

__________________

(١) قال شيخ الكفاية المحقّق الخراساني قدس‌سره :

« والتحقيق في ذلك : ان اليد إنّما كانت أمارة على أصل الملكيّة ، لا على خصوصيّتها ، فإن كانت الدّعوى في نفس الملكيّة بان يدّعي كلّ من ذي اليد وخصمه ملكيّة ما في تحت اليد ، من دون تعرّض لبيان سبب حصولها ، كانت موجبة لتقديم قول ذي اليد ، وإن كانت دعواهما مع التعرّض لبيان سبب ناقل منه إليه كهبة أو بيع أو غيرهما ممّا ينكره الخصم ، كانت غير مجدية في مقام الحكومة ورفع الخصومة ، بل يعامل حينئذ كما لم يكن له يد ، فينتزع عنه العين ، واعطب الخصم ما لم يقم بيّنة على طبق دعواه وصدق مدّعاه حسب اعترافه لكنّ الظاهر انّها مع ذلك لا يخرج عن الأماريّة ، لأصل الملكيّة لذي اليد فيترتّب على العين جميع آثار ملكيته له ، فلا يجوز التّصرّف فيها بدون إذنه ، ويجوز شرائها منه والتصرّف فيها برضاه.

وبالجملة : اليد يكون أمارة على الملكيّة مطلقا ولو في مقام الدّعوى بالنّسبة إلى آثارها من عدم جواز التّصرّف بدون إذن ذي اليد وجوازه معه. وامّا بالنسبة إلى غير المدّعي عن المنكر بتبع أنّه كيف يحرر الدّعوى ، كما لا يخفى » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٩٤.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس سره :

المسألة مشكلة جدّا وكلمات الفقهاء مختلفة مضطربة في الغاية لا يخفى على من راجعها ، وما وجّهه في المتن : من أنّ ذا اليد بإقراره ينقلب مدّعيا أيضا مشكل ، ولو صحّ لزم أن ينقلب مدعيا فيما إذا قامت البيّنة على الملك السابق ، أو على اليد القديمة ، أو كان الملك السابق لغير ذي اليد مقطوعا به للحاكم ولكلّ أحد ، ولم يقل أكثرهم بذلك وإن كانت كلماتهم هنا

٤٢٧

إشكالات على المصنف قدس‌سره

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذه إشارة إلى دفع ما ربّما يستشكل على ما ذكره ( دام ظلّه ) من بعض الوجوه ، فبالحريّ أوّلا : أن نشير إلى ما يورد على ما

__________________

أيضا مختلفة.

وبالجملة : الإلتزام بسقوط حكم اليد وتقديم الإستصحاب عليه لا نعرف له وجها ، وغاية ما يمكن أن يقال ـ في الفرع المذكور ـ :

إن حكمهم بانه لو اعترف ذو اليد بكون المدّعي به للمدّعي في السابق انتزع منه ، يريدون به ما إذا علّل ذو اليد ذلك بانه انتقل من المدّعي إليه ويلتزم في هذه الصورة بسقوط يده إمّا لأجل قصور أدلّة اليد عن شمول مثل ذلك بدعوى إنصرافها إلى غيره ، وإمّا لأجل أنّ ذا اليد هذا يعدّ في العرف مدّعيا ؛ لاقتران يده بدعوى انتقال المال من المدّعي اليه ، وإمّا لأجل أن العقلاء لا يعتدّون باليد المقرونة بالدّعوى المذكورة ، واعتبار اليد في الشرع أيضا مقصور على مواردها المعتبرة عند العقلاء كما يظهر من التعليل المستفاد من رواية حفص بن غياث من قوله : « وإلّا لم يبق للمسلمين سوق » وبعد ذلك كلّه فالمسألة محلّ الإشكال فليتأمّل.

ثمّ انه ذكر في « المستند » وعن غيره أيضا انّه يقدّم الإستصحاب على اليد في مورد واحد من غير إشكال. مستند الشيعة : ١٧ / ٣٤٤.

وهو ما لو كان الإستصحاب مبنيّا لحال اليد كما إذا كان المال في يده سابقا بعنوان الغصب ثم نجد المال بعد ذلك أيضا في يده مع احتمال انه انتقل إليه بوجه صحيح ، فاستصحاب اليد السابقة مقدّم على حكم اليد الفعليّة ؛ لأنه يعيّن حال هذه اليد وأنّها مغصوبة ، لكنّه من الأصول المثبتة ، فإن قلنا بحجّيّة الأصل المثبت مطلقا فلا كلام وإلّا فيقال بها في خصوص المورد من جهة كون الواسطة خفيّة فتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٥٠.

٤٢٨

ذكره ( دام ظلّه ) ثمّ نشير إلى ما يمكن أن يذبّ به عنه فنقول :

أمّا ما يورد عليه فوجوه :

الأوّل : ما قرّر في محلّه وعليه المشهور : من أنّه إذا أقرّ ذو اليد ـ في مورد التّداعي ـ بأنّ المال كان سابقا مال المدّعي انتزع من يده ، إلّا أن تقوم بيّنة على انتقاله منه إليه ، من غير فرق بين القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد ، أو من باب الظّن. وهذا معنى تقديم الاستصحاب على اليد ، فكيف يقال مع ذلك : إنّ اليد مقدّمة على الاستصحاب مطلقا؟

الثّاني : ما ذكره جماعة وهو الحقّ : من أنّه لا يعمل باليد فيما لو علم بأنّ ما في تحتها كان ملكا لشخص معيّن سابقا ، بل إن ادّعى الملكيّة ولم يكن لدعواه معارض فيسمع دعواه ويعمل بها ، لا من جهة اعتبار يده ، بل من جهة صحّة الدّعوى إذا لم يكن لها معارض ، وكونها كالبيّنة في مقابل اليد ، وإلّا فيحكم بتقديم قول من علم بكون المال له سابقا ، وليس هذا كلّه إلّا من جهة تقديم الاستصحاب على اليد. نعم ، لو علم إجمالا يكون المال سابقا لغير ذي اليد لم يقدح في اعتبار اليد.

الثّالث : أنّه لا إشكال كما صرّح به جماعة في أنّه إذا علم حال اليد في زمان ٣ / ١٩٠ وأنّه يد غير ملك بأن علم أنّها يد وديعة ، أو عارية ، أو وكالة إلى غير ذلك ، ثمّ شكّ في زمان آخر بعده أنّها يد ملك أم لا؟ لا يعمل باليد فيحكم بكون ما في تحتها ملكا لذي اليد ، بل يحكم بمقتضى استصحاب بقاء اليد على حالتها الأوّليّة أنّه ملك لمن كان ملكه ، فهذا أيضا من موارد تقديم الاستصحاب على اليد. وبالجملة : موارد تقديم الاستصحاب على اليد كثيرة ، هذا ملخّص ما يقال عليه.

٤٢٩

دفع الإشكالات الواردة

ولكن يمكن الذّب عمّا أورد عليه :

أمّا عن الأوّل : فبالمنع من اعتبار اليد فيما إذا كان في موردها إقرار لذي اليد للمدّعي ؛ فإنّه بإقراره بمقتضى ما دلّ على نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم قد أبطل يده وجعل نفسه مدّعيا بمقتضى كلامه من حيث دلالته على انتقال ما في يده من المقرّ له إليه ، وأمّا عدم أخذ ما في يده عنه إذا لم يكن في مقابله مدّع فلا يدلّ على اعتبار يده فيما إذا كان في مقابله مدّع.

وبالجملة : اعتبار دليل اليد لا يشتمل صورة وجود الإقرار حتّى يقال : إنّ الحكم بكون المقرّ له منكرا من باب تقديم الاستصحاب على اليد هذا. ولكن ظاهر رواية الفدك هو اعتبار اليد حتّى في صورة وجود الإقرار فتأمّل.

وأمّا عن الثّاني : فبأنّ الأمر لا يخلو :

إمّا أن نقول بعدم شمول اعتبار اليد لصورة وجود العلم التّفصيلي بأنّ ما في يده لغير ذي اليد من جهة أنّ ما تمسّكوا لاعتبارها أمور لا يشمل المقام ؛ فإنّ ما تمسّكوا له يرجع إلى وجوه ثلاثة ومعلوم أنّ شيئا منها لا يشمل الفرض ، أحدها : الإجماع. ثانيها : الغلبة وظهور حال المسلم. ثالثها : جملة من الرّوايات كرواية الحفص ، والفدك ، ونحوهما.

أمّا الأوّل : فظاهر.

وأمّا الثّاني ؛ فلعدم الدّليل على اعتبارها.

٤٣٠

وأمّا الثّالث : فلانصرافه إلى غير الفرض ، مع ما فيه من الإشكال الموجب لسقوط الاستدلال به.

أمّا رواية الحفص (١) : فلأنّه لا ملازمة بين جواز شراء اليد والحلف بأنّه ملك المشتري مع الشّهادة بأنّه ملك البائع ؛ إذ يكفي في جواز الشّراء والحلف كون تصرّف ذي اليد صحيحا ، وهذا لا يستلزم كون ما في تحت اليد ملكا لذي اليد ، مع أنّ عدم الشّهادة لا يستلزم اختلال السّوق كما لا يخفى ، فما ذكره الإمام عليه‌السلام من الملازمة والتّعليل ممّا لا يمكن لنا الإحاطة عليه وهو العالم.

وأمّا رواية الفدك : فلأنّ عدم مطالبة البيّنة ممّن كان في يده المال من المسلمين لا يستلزم عدم مطالبة البيّنة من الزهراء عليها‌السلام حتّى يصير الحكم في حقّ أهل البيت على خلاف الحكم بين المسلمين.

وإمّا أن نقول بشمول بعضها كما هو قضيّة التّحقيق وإن لم نقل بشمول كلّها ؛ فإنّ دعوى : انصراف الرّوايات إلى غير صورة العلم التفصيلي فاسدة جدّا ؛ إذ لا شاهد لها أصلا ، والإشكال في الرّوايتين من حيث عدم فهم ما ذكره الإمام عليه‌السلام على تقدير عدم القدرة على التّفصّي عنه لا يضرّ في ظهورهما على اعتبار اليد مطلقا كما هو واضح هذا.

وإن أردت الوقوف على دفع الإشكال عن الرّوايتين وشرح القول فيهما

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٧ / ٣٨٧ باب ٩ من أبواب الشهادات ـ ح ١ ، والفقيه : ج ٣ / ٥١ باب ١٨ « من يجب رد شهادته ومن يجب قبول شهادته » ـ ح ٢٧ / ٩٢ ، والتهذيب : ج ٦ / ٢٦١ باب « البينات » ـ ح ٦٩٥ / ١٠٠.

عنها الوسائل : ج ٢٧ / ٢٩٢ باب ٢٥ من أبواب كيفيّة ـ ح ٢.

٤٣١

فارجع إلى ما كتبناه في « القضاء » (١) فإنّا قد شرحنا القول فيه فيما يتعلّق بالمقام غاية الشّرح بحيث لم يسبقنا إليه أحد.

فإن قلنا بعدم شمول اعتبار اليد لصورة العلم التّفصيلي في السّابق ـ حسب ما هو ظاهر بعض ـ فلا إشكال ؛ فإنّ أدلّة اعتبار اليد لا يشمل بالذّات صورة العلم حتّى يقال : إنّ الرّجوع بمقتضى الاستصحاب تقديم له عليها كما لا يخفى ؛ فإنّ الموجب لسقوط اليد عن الاعتبار على هذا القول عدم شمول دليلها لصورة العلم حتّى لو فرضنا القول بعدم حجيّة الاستصحاب ، ولازمه عدم الإتّكال على اليد حتّى فيما لم يكن في مقابلها دعوى من غير ذيها على خلافها.

ولذا قيل : بأنّه لا يحكم بالملكيّة في صورة عدم التّداعي إلّا بعد دعوى الملكيّة من ذي اليد فيكون الدّليل على الملكيّة إذن الدّعوى الغير المعارضة بمثلها ؛ حيث إنّ ظاهرهم الاتّفاق على كونها حجّة ، لكنّها لا توجب جعل المدّعي منكرا إذا كانت في مقابلها دعوى من غير ذي اليد على خلافها ؛ فإنّ اعتبارها مقيّد بعدم المعارض ، وإن كان قد يشكل في ذلك ؛ لعدم الدّليل عليه ، فيكون مقتضى الأصل عدم اعتبارها.

وإن قلنا بشمول دليل اعتبارها للفرض فيحكم بتقديمها على الاستصحاب حسب ما هو ظاهر جماعة ، ولا ينافيه ما هو المعروف الّذي يقتضيه التّحقيق : من جواز القضاء بالبيّنة القائمة على الملك للمدّعي في مقابل ذي اليد إذا كانت مستندة إلى الاستصحاب ؛ من حيث إنّه إذا فرض وجوب العمل باليد في مقابل

__________________

(١) كتاب القضاء : ج ٢ / ١٠٥٤ « سماع البيّنة على الملكيّة واليد السابقة » وتعرضه للروايتين ص ١٠٦٣ فما بعد.

٤٣٢

الاستصحاب على كلّ أحد فكيف يجوز للشّاهد أن يستند إلى الاستصحاب الّذي هو مرجوح بالنّسبة إليها ويجب الخروج عنه بها؟

وللحاكم أن يقضي بمثل هذه البيّنة ؛ لأنّ عدم جواز اتّكال الشّاهد عليه في تكليف نفسه لا ينافي جواز إخباره بمقتضاه ، فيتحقّق بعد الإخبار صغرى ميزان القضاء للحاكم فيحكم به ، فهو لم يحكم بمقتضى الاستصحاب حتّى يورد عليه بما ذكر ، بل بمقتضى البيّنة الّتي هي من أحد موازين القضاء ، ولذا لا يجوز أن يحكم بمقتضى الاستصحاب إذا فرض علمه بكون الملك للمدّعي في السّابق مثل الشّاهد ، بل يتوقّف على إخبار الشّاهد بالملك حتّى في مورد اشتراكهما في العلم هذا.

ولكنّك خبير بأنّ هذا لا يخلو عن تأمّل ، فإن أردت تحقيق القول فيه فارجع إلى ما حرّرناه في كتاب « القضاء » (١).

وأمّا عن الثّالث : فبأنّا نسلّم تقديم الاستصحاب على اليد في الفرض إذا كانت في مقابلها دعوى ، أو لم يكن ولم يدّع ذو اليد انتقال ما في يده إليه بأحد من ٣ / ١٩١ الأسباب ، بل إطلاق التّقديم مسامحة ؛ فإنّ الاستصحاب الجاري في اليد حاكم على أدلّة اعتبار اليد حتّى على القول باعتبارها من باب الظّن كما في الاستصحاب الجاري في بعض أفراد العام الحاكم عليه ، إلّا أنّه خارج عن محلّ الفرض ؛ فإنّه في الاستصحاب الجاري في مقابل اليد لا في الاستصحاب الجاري في نفس اليد.

وبالجملة : لم نرد إطلاق القول بتقديم اليد على الاستصحاب حتّى يرد علينا

__________________

(١) المصدر السابق.

٤٣٣

بهذا الإيراد بل كلامنا في [ غير ](١) هذا الفرض ، وأمّا فيه فلا إشكال في حكومة الاستصحاب على اليد إن سلّم شمول أدلّة اعتبار اليد له بالذّات ، وإلّا كما يقتضيه عدم وجود العلّة المعلّلة بها اعتبار اليد في رواية الحفص بناء على حمل العلّة المذكورة فيها على العلّة الحقيقيّة لا التّقريب فلا إشكال أصلا كما لا يخفى.

(٣٣٧) قوله : ( بل يظهر ممّا ورد في محاجّة علي عليه‌السلام مع أبي بكر ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٣٢٢ )

__________________

(١) أثبتناه من نسخة ( الحاشية الصغيرة ) ٤٧٩ وهو الظاهر كما لا يخفى.

(٢) قال المحقق الأصولي المدقق الشيخ هادي الطهراني قدس‌سره :

« وفيه : أنّ وليّ المسلمين ليس له التفتيش عمّا وقع في زمان من قبله ، ومحصّل ما في الإحتجاج : ان الإستيلاء على الفدك من أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه كان في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا للخليفة مطالبة البيّنة على نقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكلّ ما يراه مما كان راجعا إليه تحت يد غيره ، ولم يكن يزعم أبو بكر إلّا انّ ما تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدقة ، فالمسلمون بزعمه مصارف للمال لا انّهم يرثونه دون قرابته وأهل بيته ، ومجرّد الإستصحاب لا يكفي في الحكم بوجوب انتزاع المال ممّن تصرّف فيه بتسلط من كان وليّا لذلك وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا سلطنة للمسلمين من جهة المصرفيّة على ذلك ووليّهم أيضا لا يعلم بكون الإستيلاء على وجه العدوان ، بل يعلم انّه كان بتسليط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس من آثار الخلافة والولاية التعويل على استصحاب بقاء المال على حالة الأصلية لإبطال اليد ؛ فإن تقدّمها على الإستصحاب لا إشكال فيه ، وكان معترفا به ، ولم تحدث اليد بعد رجوع أمر المال اليه فالشك في رجوع أمر المال إليه ، والأصل عدمه ، واستصحاب بقاءه على ملك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو كان مقتضيا لذلك إلّا انّ تقدم اليد عليه ممّا لم يتأمّل فيه ، فالمال إنّما ينتزع من يد أمير المؤمنين عليه‌السلام لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو وارثه مدّعيّا للبقاء ، أو علم وليّ

٤٣٤

__________________

المسلمين بكونه غاصبا.

فظهر الفرق بين اعتراف امير المؤمنين عليه‌السلام في المقام بكون فدك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين اعتراف زيد الذي يدّعي عمرو كونه غاصبا مع اعتراف زيد بكون المال قبل استيلاءه عليه لعمرو ، وقد عرفت : انّ المانع بمقتضى اليد إنّما هو قول من كان له المال سابقا بقاعدة من ملك لا الإستصحاب ، فلا منافاة بين ما في الإحتجاج وبين ما عليه الأصحاب قدست أسرارهم.

وأمّا من توهّم : ان الصدّيقة الطاهرة عليها‌السلام حينئذ صارت مدّعيّة فقد غفل من انّه كذّب إمامه جهلا منه بالقواعد الواضحة ؛ فإنّ صاحب اليد ليس مدّعيا قبل معارضة من كان له المال قبله وإنّما يكون كذلك بعد المعارضة ولم يكن للصّديقة الطاهرة عليها‌السلام معارض ولكنّ الغاصب الجاهل بأحكام ما غصبه فعل ما فعل بعد العلم بفساده ببيان خليفة الله « صلوات الله عليه » كفرا وعنادا.

قال الإستاذ قدس‌سره : ( وكيف كان فاليد على تقدير كونها من الأصول التعبّديّة أيضا مقدّمة على الإستصحاب ) وفيه : انّ هذا لا يجامع ما وجّه به ما عليه الأصحاب بمنافاة اليد لاستصحاب عدم الإنتقال ؛ فإنّ مقتضى تقدّمها على الإستصحاب كون ذي اليد منكرا حينئذ ايضا كما لا يخفى.

ثم قال قدس‌سره : ( وإن شئت قلت : ان دليله أخصّ من عمومات الإستصحاب ).

وفيه : ما عرفت : من انه لا منافاة بين اعتبار الإستصحاب في جميع الموارد وبين اعتبار اليد كذلك وأنّ تقديم اليد على الإستصحاب حيث يتقدّم عليه ليس من باب تخصيص أدلّة الاستصحاب كما أن تقدّم الإستصحاب عليها بعد معارضة من كان له المال ليس تخصيصا لأدلّة اليد ، بل كلّ منهما معتبر مطلقا لكن كلّ منهما يتقدّم على الآخر في الجملة لما حقّقناه ، وكون النسبة بينهما عموما من وجه في غاية الوضوح ، مع انّ مدخليّة جريان الإستصحاب في اعتبار اليد الموافقة له او المخالفة ايضا بديهي الفساد ؛ ضرورة اعتبار اليد وإن لم يجر

٤٣٥

رواية فدك الزهراء سلام الله عليها

أقول : الأولى نقل ما يتعلّق بما أفاده من الرّواية. روي في « الإحتجاج » عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

لمّا بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل الزهراء عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، فجاءت فاطمة عليها‌السلام إلى أبي بكر فقالت له : يا أبا بكر لم منعتني ميراثي من أبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله تعالى؟ فقال :

هاتي على ذلك بشهود ، فجاءت بأمّ أيمن ، فقالت : لا أشهد يا أبا بكر حتّى أحتجّ عليك بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنشدك بالله ألست تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

أمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة؟ فقال : بلى. قالت : فأشهد أنّ الله تعالى أوحى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (١) فجعل فدك لفاطمة بأمر الله تعالى ، فجاء علي عليه‌السلام فشهد بمثل ذلك ، فكتب لها كتابا ودفعه إليها.

فدخل عمر فقال : ما هذا الكتاب؟ فقال : إنّ فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أمّ أيمن وعلي عليه‌السلام فكتبته لها فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزّقه فخرجت

__________________

الإستصحاب في موردها كما إذا لم يعلم الحالة السابقة لما تحت يد الشخص واحتمل مقارنتها لوجوده أو صلوحه لجريان الملك عليه » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣١٥ ـ ٣١٦.

(١) الروم : ٣٨.

٤٣٦

الزهراء عليها‌السلام تبكي.

فلمّا كان بعد ذلك جاء علي عليه‌السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال : يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

فقال أبو بكر : إنّ هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهودا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله لها ، وإلّا فلا حقّ لها فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يا أبا بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال لا.

فقال عليه‌السلام : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه وادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البيّنة. قال عليه‌السلام : فما بال الزهراء عليها‌السلام سألتها البيّنة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ، ولم تسأل المسلمين على ما ادّعوه شهودا كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر.

فقال عمر : يا عليّ دعنا من كلامك ؛ فإنّا لا نقوى على حجّتك ، فإن أتيت بشهود عدول ، وإلّا فهو فيء للمسلمين لا حقّ لك ولا لفاطمة فيها.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال : نعم ، قال : أخبرني عن قول الله عزوجل : إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (١) فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال : بل فيكم.

قال عليه‌السلام : فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفاحشة ما

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

٤٣٧

كنت صانعا بها؟ قال : كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على نساء المسلمين. قال علي عليه‌السلام : كنت إذن عند الله من الكافرين. قال : ولم؟

قال عليه‌السلام : لأنّك رددت شهادة الله لها بالطّهارة وقبلت شهادة النّاس عليها ، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وقبضته في حياته ، ثمّ قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها وأخذت منها فدك وزعمت أنّه فيء للمسلمين ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر فرددت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه.

قال : فدمدم النّاس فأنكر بعضهم بعضا وقالوا : والله صدق عليّ عليه‌السلام (١). انتهى موضع الحاجة من الحديث الشّريف اللّائح منه أمارات الصّدق الدّال على حالة من تقدّم عليه عليه‌السلام ما لا يخفى على النّاظر إليه.

ولا يخفى ظهوره فيما سيستظهره ( دام ظلّه ) منه : من عدم قدح تشبّثها عليها‌السلام باليد وكونها عليها‌السلام منكرة دعواها تلقّي الفدك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمان حياته وجعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها عليها‌السلام بأمر الله تعالى بعد نزول الآية الشّريفة : فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (٢) وهو المراد من الميراث في الرّواية كما يدلّ عليه قولها عليها‌السلام : وقد جعله لي أبي في زمان حياته » وشهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمّ أيمن الانتقال بالموت كما هو الظّاهر منه عند الإطلاق ، ولا ينافيه محاجّتها عليه‌السلام على أبي بكر في رواية أخرى طويلة بآيات الإرث ، وقولها عليه‌السلام له : « يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث

__________________

(١) الاحتجاج : ج ١ / ١٢١.

(٢) الروم : ٣٨.

٤٣٨

أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريّا » (١).

فإنّه لمّا ادّعى أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث وإنّ تركتنا فيء وصدقة » تمسّكا بشهادة بعض من حضر من المنافقين أرادت ردعه عن هذا الحديث الباطل المجعول ، وإلّا فالواقع ما ذكرته عليه‌السلام في هذه الرّواية من كونه نحلة لها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن أمكن القول : بأنّها في الرّواية الأخرى الطّويلة في مقام المحاجّة أظهرت إبطال دعوى أبي بكر ، وتمسّك بوجهين :

أحدهما : أنّ ما ادّعاه من عدم توريث الأنبياء وأنّ تركتهم صدقة باطل.

ثانيهما : أنّ انتقال الفدك على تقدير الإغماض والتّسليم لم يكن بعنوان ٣ / ١٩٢ الميراث ، بل بعنوان العطيّة والنّحلة.

وكيف ما كان : دعواها ( صلوات الله عليها ) العطيّة على خلاف الاستصحاب قطعا بناء على صيرورة فدك ملكا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانتقاله منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها عليها‌السلام بعنوان العطيّة ، وهذا بمجرّده وإن لم يكن ممّا استند فيه ذو اليد ملكه إلى تمليك المدّعي والتّلقي عنه فيستظهر منه في باديء النّظر عدم ارتباطه بما أفاده ( دام ظلّه ) ، إلّا أنّه بعد ضمّ المقدّمة الباطلة إليه ـ الّتي ادّعاها أبو بكر : من كون فدك لو لا العطيّة والنّحلة ملكا للمسلمين وكونه وليّا عليهم ، وإن أخذه فدكا من وكيلها عليها‌السلام من باب الولاية عليهم ـ يجعله منه ؛ إذ لا فرق في استناد ذي اليد ملكه إلى التّلقي من المدّعي ، أو من مورّثه ، أو ممّن ينتقل الملك منه إلى المدّعي بسبب آخر على تقدير فساد دعوى ذي اليد ، كما في فرض الرّواية المبني على تسليم

__________________

(١) الاحتجاج : ج ١ / ١٣٨.

٤٣٩

مقدّمات واضحة البطلان ، منها : الإغماض عن عصمة الصّديقة الطّاهرة ( سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وأبنائها الطّيبين الطّاهرين ) هذا كلّه بناء على ما ربّما يستظهر من الحديث الشّريف من دعواها عليه‌السلام العطيّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا بناء على ما ربّما يستظهر منه : من كون تملّك الزهراء عليها‌السلام فدكا بتمليك الله تعالى وأنّه مستثنى من الأنفال كما هو أحد الوجهين في قوله : فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (١) : من كونه حقّا لها بجعل الله ( تبارك وتعالى ) لا بتمليك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمفروض الحديث غير منطبق على ما أفاده.

نعم ، بعد ضمّ مقدّمة أخرى وهي أصالة عدم التّخصيص في عموم آية الأنفال تصير فاطمة عليها‌السلام مدّعية وإن توقف بعد ملاحظتها أيضا على عدم توريث الأنبياء عليهم‌السلام وغيره من الأمور الباطلة المشار إليها ، لكنّه لا تعلّق له بالاستصحاب على هذا التّقدير حتّى ينطبق على ما أفاده أو لا ينطبق عليه ، بل على تقدير الإغماض عن العموم لم يجز التّمسّك بالاستصحاب والفرض هذا ؛ لأنّ استصحاب عدم تملّك الصّديقة عليها‌السلام معارض باستصحاب عدم تملّك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفرض. وكيف ما كان : دخول المسألة فيما أفاده مبنيّ على دعواها عليه‌السلام التّلقّي من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا.

ولكن يمكن أن يقال ـ خروجا عن خلاف المشهور ـ : أنّ مقتضى الاستصحاب وإن كان عدم الانتقال ، إلّا أنّه بمجرّده لا يعارض اليد ، ودعواها عليه‌السلام التّلقّي من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوى لا معارض لها ؛ لأنّ أحدا من المسلمين لم يعارضها

__________________

(١) الروم : ٣٨.

٤٤٠