بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

المستحال إليه ، وحلّيّته من الأدلّة الاجتهاديّة ، بل يمكن الحكم بالطّهارة فيها مع جريان الاستصحاب أيضا من جهة الدّليل الدّال على طهارة المستحال إليه ؛ إذ ليس هذا من موارد الرّجوع إلى الاستصحاب وعدم الأخذ بالعموم حسب ما عرفت تفصيل القول فيه في طيّ كلماتنا السّابقة فتأمّل.

وفي الأعيان المتنجّسة لا يمكن الحكم بالطّهارة إلّا من جهة القاعدة ؛ لأنّ ما دلّ على طهارة الأشياء أو حلّيّتها إنّما هو في مقام إثبات الطّهارة الذّاتيّة والحلّية الذّاتيّة لها في مقابلة الأعيان النّجسة والمحرّمة بالذّات ، فلا تنافي القطع بنجاستها من جهة الملاقاة فضلا عن الشّك فيها ، هذا كلّه. مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع على فساد التّفصيل المذكور ؛ فإنّ أحدا لم يفصّل في حكم الاستحالة إلى زمان السّبزواري والفاضل الهندي بين استحالة الأعيان النّجسة والمتنجّسة (١).

مضافا إلى ما ذكره في « المعالم » : من أولويّة طهارة الأعيان المتنجّسة بالاستحالة (٢).

وإن كان قد يناقش فيه : بأنّها أولويّة اعتباريّة لا يجوز التّمسّك بها سيّما من مثل صاحب « المعالم » الّذي هو من أهل الظّنون الخاصّة ، وما ورد في الجواب عن سؤال « حكم الخشب الّذي يوقد عليه العذرة والعظم المتنجّس : من التّعليل بطهارته : بأنّ النّار والماء قد طهر ... إلى آخره » (٣) وإن كان فيه أيضا إشكال

__________________

(١) انظر المناهج السويّة ( كتاب الطهارة ) للفاضل الهندي الورقة ص ١٢٤ مخطوط ، وذخيرة المعاد للفاضل السبزواري / ١٧٢.

(٢) فقه المعالم : ٤٠٣ في مسألة مطهريّة النار لما أحالته رمادا.

(٣) لم نجد السؤال عن الخشب بل عن الجص فقد أورد المشائخ الثلاثة عن الحسن بن

٣٦١

ليس المقام مقام ذكره.

وبالجملة : الفرق في باب الاستحالة بين الأعيان النّجسة والمتنجّسة في غاية الظّهور من الفساد بعد التّأمّل التّام وإن كان في باديء النّظر بما يرى وجيها.

(٣٠٨) قوله : ( فالتّحقيق : أنّ مراتب تغيّر الصّورة [ في الأجسام ](١) مختلفة ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٣٠٠ )

__________________

محبوب أنه قال :

سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطّه : « إنّ الماء والنّار قد طهّراه » ، انظر الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٣٣ باب ٢٧ ما يسجد عليه وما يكره ـ ح ٣ ، وأورده الصدوق أيضا في الفقيه : ج ١ / ١٧٥ ـ ح ٨٢٩ ، والطوسي في التهذيب : ج ٢ / ٢٣٥ ح ٩٢٨ ، رواه الوسائل عن الفقيه والتهذيب انظر : ج ٣ / ٥٢٧ ب ٨١ من أبواب النجاسات باب « طهارة ما أن أحالته النار رمادا أو دخانا ... » ـ ح ١.

(١) أثبتناها من الكتاب.

(٢) قال المدقّق الطهراني قدس‌سره :

« إن كون شيء موضوعا لحكم دون آخر لا ضابط له في العرف ولا يعقل ان يكون لذلك ميزان ومناط ، كما انّ نفس الحكم كذلك فانه أمر اختياري للحاكم يدور مدار إختياره ، فلو ثبت حكم للعنب بدليل لبّي واحتمل أن يكون موضوعه هذا العنوان في نظر الحاكم فبأي وجه يحكم العرف بانّ موضوعه الأعم منه ومن الزبيب؟

ولهذا لا يتأمّل أحد في انّ استحباب أكل الرمّان أو البطّيخ مثلا لا يشمل اليابس منهما ، كما انّ استحباب أكل الزبيب لا يشمل العنب وعموم خصوص الحلّيّة والطهارة إنّما هو للعلم بعدم مدخليّة الرطوبة واليبوسة في خصوص الحكمين ، لا لأن العرف يحكم بان الرطب

٣٦٢

__________________

واليابس منه مشتركان في كلّ حكم وكون الحالتين عرضيّتين لا تنافي اختلافهما في مرحلة تعلّق الحكم.

وبالجملة : فمرجع الإختلاف الذي زعمه إنّما هو الإختلاف في مراتب المغايرة ، وقد عرفت :

أن ضعف المغايرة لا ينافي الإختلاف في الحكم ، كما انّ شدّة المغايرة لا تنافي الإشتراك فيه.

فتبيّن فساد جميع ما ذكر من الموازين ، وانّه إذا لم يتميّز الموضوع من الأدلّة فلا بد من العمل بالأصول الجارية في موضع الشبهة ، فإذا دار امر موضوع حرمة الوطي بين الحيض بمعنى قذف الدم وبينه بمعنى الحدث فالأصل فيه جواز الوطي بعد الطهر وقبل التطهير وكذا لو تردّد موضوع النّجاسة بالغليان بين العنب والقدر المشترك بينه وبين الزبيب ، فالأصل فيه الإباحة ولا معنى للرجوع إلى العرف في معرفة موضوع الحكم ، وكذا إذا لم يتميّز الذاتي من العرضي ودار أمر الباقي بين ان يكون عين الزائل او غيره ، فالمرجع هو الأصل ولا ميزان في العرف لتشخيص موارد الإشتباه.

واعلم ان الرّجوع إلى العرف إنّما يراد به الرّجوع إلى جهة معلومة بالفطرة إجمالا لا يحيط بجهاتها تفصيلا إلّا الأوحدي من العلماء بل لا يحيط بها في بعض المراحل إلّا الله تعالى والرّاسخون في العلم.

وهذا هو السرّ في كون الكتاب العزيز معجزا للنبوّة ؛ فإنّ إعجازه إنّما هو من جهة انّ التكلّم بما ينطبق على الموازين العرفيّة غاية الإنطباق فوق الطاقة البشريّة.

وقد شاع بين طلبة العصر انّ الرجوع إلى العرف إنّما هو التعويل على ما يفهمه العامي في اوّل نظرته الحمقاء وأنّ التدقيق في فهم المعاني أو معرفة ماهيّات المعاملات خروج عن الموازين العرفيّة.

ولا يخفى ان الرّكون إلى أوهام العامّة لا وجه له ، بل قد عرفت : انّ الرجوع إلى العرف ليس

٣٦٣

أقول : قد عرفت بعض الكلام في ذلك في طيّ كلماتنا السّابقة وهو ممّا لا إشكال فيه أيضا ؛ فإنّه قد يفهم من الدّليل ـ ولو بمعونة الخارج ـ : أنّ الموضوع في الحكم الشّرعي في القضيّة الشّرعيّة ما يوجد في العنوان المستحال إليه بالنّسبة إلى بعض مراتب الاستحالة ، أو مطلقا بالنّسبة إلى بعض الأشياء ، وإن كانت القضيّة بظاهرها مقتضية لكون الموضوع هو خصوص العنوان المستحيل ؛ إذ ذلك إنّما يجدي فيما لو لم يقطع كون المراد خلافه ولو بتنقيح المناط القطعي وهذا ممّا لا إشكال في اعتباره وعدم الاحتياج فيه إلى الاستصحاب ، بل عدم جريانه على ما ستقف عليه إن شاء الله ؛ لأنّ فهم العرف بالنّسبة إلى أصل المراد من الألفاظ ممّا لا إشكال في اعتباره وكونه الأصل في ذلك.

وقد لا يفهم من الدّليل ـ ولو بمعونة الخارج ـ كون الموضوع هو الأعمّ في بعض مراتب الاستحالة سواء لم يكن هناك دليل لفظيّ ، أو كان ولم يفهم منه ذلك : إمّا لإجماله ، أو لظهوره في الخلاف مع عدم الصّارف عنه. وهذا ينقسم إلى قسمين :

أحدهما : ما يساعد العرف في الحكم ببقاء الموضوع مسامحة في إلقاء ما يحتمل مدخليّته ، أو يظنّ بظاهر الدّليل المعتبر ، كما في بعض مراتب الاستحالة. وهذا هو الّذي يشكل الحكم باعتبار رجوعه إلى فهم المراد من اللّفظ ، وعدم تعلّقه

__________________

رجوعا إلى الشخص ، وكون العوام أهلا له إنّما هو باعتبار بداهة الجهة في الجملة وكونها جبلّته ، لا أنّ عدم تفطّنهم للدّقائق وإنكارهم لها دليل فسادها.

[ وكيف كان فـ ] التحقيق : ان العرف جهة واقعيّة لا يحكم العقل على خلافها وتقابل الجهة الاخرى المعبّر عنها بالعقليّة من حيث تحمّلها للمسامحة ما لا تتحمله تلك الجهة ». إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣٠٩.

٣٦٤

بالموضوع الاستنباطي ، وإلّا لم يكن معنى للاحتياج إلى الاستصحاب ، بل رجوعه إلى الحكم بتحقّق المصداق لما هو الموضوع في الدّليل مسامحة المحقّق لموضوع الاستصحاب عندهم ، فهذا لا ربط له بما هو المسلّم عندهم : من اعتبار فهم العرف في باب الألفاظ من حيث الخصوص ، وقد عرفت بعض الكلام منّا في توجيه اعتباره حسب ما ساعدنا التّوفيق من الموفّق العلّام.

ثانيهما : ما لا يساعد العرف على الحكم ببقاء الموضوع فيه ولو مسامحة ، كما في بعض مراتب الاستحالة. وهذا لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه ؛ لعدم إحراز الموضوع فيه بكلّ وجه على ما هو قضيّة الفرض.

ثمّ إنّ ما ذكرنا كما يختلف باختلاف مراتب الاستحالة ، كذلك قد يختلف ٣ / ١٧٨ باختلاف الأحكام مع اتّحاد مرتبة الاستحالة ، كما في صيرورة العنب زبيبا ؛ فإنّ الموضوع للحلّيّة والطّهارة لا يختلف بها ، بل يتمسّكون في الحكم بطهارة الزّبيب وحلّيّته بنفس الدّليل من غير رجوع إلى الاستصحاب ، وهذا بخلاف ما لو تعلّق نذر بالعنب ؛ فإنّه يحكم بجريانه بالنّسبة إلى الزّبيب ، بل لا يعقل الحكم فيه بجريان الاستصحاب أيضا إلّا إذا علم أنّ مراد النّاذر هو الأعمّ.

لكن هذا الاختلاف لا يعقل أن يستند إلى نفس اللّفظ ، بل لا بدّ من أن يستند إلى الخارج ، وهذا بخلاف الاختلاف بحسب المرتبة ؛ فإنّه قد يقال بإمكان استناده إلى نفس اللّفظ بملاحظة مراتب الاستحالة ، وإن كان الحكم بما ذكر بالنّسبة إليه في غاية الإشكال أيضا ؛ فإنّ المفروض كون اللّفظ ظاهرا في مدخليّة الوصف العنواني والصّورة النّوعية في عروض الحكم بمعنى : الواسطة في الثّبوت والبقاء.

فتبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّ حكم العرف بأعميّة الموضوع بالنّظر إلى الدّليل

٣٦٥

الشّرعي غير حكمه ببقاء الموضوع في باب الاستصحاب مسامحة ، ولو مع ظهور اللّفظ عندهم في انتفاء موضوع الحكم المقتضي لانتفائه ، ولا بدّ أن لا يختلط أحدهما بالآخر ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال في أنّه إذا فهم العرف من الدّليل كون الموضوع هو العنوان المقصود في صورة الشّك فكيف يبنون على بقاء الموضوع؟

ولكنّه أيضا يندفع بأدنى تأمّل ؛ فإنّهم حين حكمهم ببقاء الموضوع مسامحة يجرّدون النّظر عمّا حكموا به بمقتضى جبلّتهم العرفيّة ، أو بإعلام الشّارع ويجعلون الموضوع في الدّليل الشّرعي هو الأعمّ بالنّسبة إلى خصوص الحكم بتحقّق الإبقاء والنّقض فتدبّر.

(٣٠٩) قوله : ( وممّا ذكرنا يظهر : أنّ معنى قولهم ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٠١ )

__________________

(١) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : لا يخفى ما في إرادة المعنيين الّذين ذكرهما المصنّف رحمه‌الله لهذه العبارة من البعد كما لا يخفى على من لا حظ موارد تلفّظهم بهذا القول بل المعنى به في محاوراتهم ليس إلّا ما يتراءى منه في بادي النّظر وإنّما يستدلّون به لرفع الأحكام الثّابتة لموضوعات معلومة مبتنيّة عند خروج تلك الموضوعات عن مسمّياتها عرفا لا بالدّقة العقليّة ، مثلا إذا دلّ الدليل على حرمة أكل التّراب أو وجوب التّصديق بصاع من الحنطة أو اشتراط إطلاق الماء المستعمل في رفع الحدث والخبث وخلوص التراب في التيمّم فعند إمتزاج شيء من التراب في الحنطة أو المضاف في الماء المطلق أو شيء من الحشيش في تراب التيمّم مع استهلاك الممتزج وتبعيّة للممتزج فيه في الإسم نقول : لا أثر للممتزج بعد استهلاكه واضمحلاله فلا يلحقه حكمه بل هو تابع للممتزج فيه في الحكم ؛ لأنّ الأحكام تدور مدار

٣٦٦

__________________

الأسماء وأمّا لدى الشكّ في انّه هل لعنوان الكلّيّة أو الحياة دخل في قوام نجاسته أو تعفير ملاقيه ، فلا وقع للاستشهاد بهذه القضيّة ، بل يجب حينئذ تشخيص ما هو مناط الحكم وموضوعه بمراجعة الأدلّة والفحص عنها ، فإن ثبت وإلّا فالعمل على حسب ما يقتضيه القواعد من الاستصحاب أو غيره من الأصول » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٤٢.

* وقال الأصولي المحقق شيخ الكفاية الخراساني قدس‌سره :

« لمّا كان الاسماء حاكية عن المسميّات الّتي يكون هي الموضوعات للأحكام ، والموضوعات يدور عليها الأحكام لانتفائها بانتفائها بلا كلام ، كان الأحكام تدور مدار الأسماء.

لا يقال : انّما تدور مدار الواقعيّات عن موضوعاتها ، لا المحكيّات بأسمائها ، فيمكن بقاؤها مع عدم بقاء صدق الأسماء.

لأنّا نقول : إنّما تدور مدار موضوعاتها الواقعيّة ثبوتا. وأمّا إثباتا فلا تدور إلّا مدار المحكي منها بأسمائها ، والظّاهر أن يكون مقصودهم إثبات الدّوران في مقام إثباتها ، فإنّ الظّاهر أنّه لا مأخذ لقولهم هذا إلّا نفس أدلّة الاحكام ، وهي غير دالّة إلّا على ثبوتها ما دام صدق الأسماء ، لا على الانتفاء فيما صدق لها ، ولا أظنّ مساعدة دليل من خارج ، فإنّه لو كان لظهر وبان ، وكون هذا إجماعا منهم بعيد واحتماله غير مفيد ، وتحصيله عادة مستحيل ، فإنّه لا سبيل إليه إلّا من باب الاتّفاق ، وهو غير كاشف ، لاحتمال أن يكون استنادهم إلى ما هو قضيّة الأدلّة ، كما استظهرناه.

ومن هنا ظهر أنّه لا مجال لتوهّم المنافاة بينه وبين كون المدار في باب الاستصحاب على بقاء العرفي ، صدق عليه الاسم أو لم يصدق عليه ، فإنّ عدم مساعدة دليل الحكم على ثبوته لهذا الموضوع لا ينافي مساعدة دليل آخر عليه ، على أن يكون حكما ظاهريّا له كما في باب

٣٦٧

__________________

الاستصحاب ، او واقعيّا كما في غير الباب.

وبالجملة : إن كان مرادهم ما قلنا ، فهو غير مناف لشيء ممّا نحن فيه وإن كان مرادهم ما ينافيه ، فلا دليل عليه ، ولو سلّم فهو أصل وجب عنه العدول بظاهر دليل الإستصحاب على ما بيّناه من كونه بلحاظ الموضوع العرفي ولو لم يصدق عليه الموضوع المأخوذ في الدّليل ، فإنّ دليل الإستصحاب فيما لم يثبت المستصحب بدليل نقلي غير معارض به ولا مزاحم ، وبعدم الفصل قطعا بينه وبين ما إذا ثبت به ، تمّ المقصود وعمّ ولم يعلم بعدم الفصل في موارد هذا الأصل من موارد الإستصحاب وغيرها إن لم يعلم الفصل ، فيجب العمل بدليل الاستصحاب في تمام موارده ، فتأمّل » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٨٧.

* وقال صاحب القلائد قدس ‌سره :

« أقول : توضيح المقام :

أن الادلة الدالة على بيان الأحكام لمّا كانت لفظيّة أو راجعة إليها فلا بد من التعبير فيها عن موضوع ذلك الحكم بلفظ من الألفاظ.

وحينئذ تارة : نعلم مدخليّة خصوصيّة مفاد هذا اللفظ الذي عبّر به في هذا الحكم كما إذا ورد ( الكلب نجس ) مثلا.

وأخرى : نعلم عدمها وأن الحكم تعلّق بأمر كلّي وهذا الجزئي المسمّى بالإسم المزبور فرد من أفراده ، وإنّما وقع التعبير به لأنّه محل الحاجة أو لمعلوميّة حكم غيره ، إلى غير ذلك ، كما إذا ورد « الناصبي نجس » مثلا ؛ فإنا نعلم من الخارج أن الكافر نجس وما ذكر من أفراده ولا مدخل للخصوصيّة.

وثالثا : نشك في مدخليّة الخصوصيّة كما في عصير العنب والزبيب.

لا إشكال في صورة العلم. وأمّا صورة الشك فاللازم فيه اتّباع الإسم الذي عبّر به في الدليل ، فالمدار في كلّ الأقسام على الإسم ، لكن الإسم يختلف بالخصوصيّة والعموميّة والكلّيّة

٣٦٨

الأحكام تدور مدار الأسماء

أقول : لا يخفى عليك أنّه ( دام ظلّه ) أراد بذلك الكلام بيان أنّ ما اشتهر بينهم من أنّ الأحكام تدور مدار الأسماء ليس مختصّا بما لم يفهم ـ ولو بالقرينة الخارجيّة ـ كون الموضوع للحكم في الدّليل الشّرعي هو الأعمّ ممّا يقتضيه ظاهر اللّفظ بالنّظر إلى الوضع ، أو الظّهور الثّانوي ، بل يعمّه وما علم من الخارج كون الموضوع هو الأعمّ ، مع العلم بعنوانه المعروض للحكم ؛ فإنّ مقصودهم من القضيّة المعروفة هو الحكم بتبعيّة الحكم لما علم أنّه موضوعه ، أو ظنّ بالظّن المعتبر من غير فرق بين أن يكون مستفادا من ظاهر القضيّة ، أو لم يكن مستفادا منه ، بل استفيد من الخارج.

ولمّا كان الاسم أمارة على الموضوع ومعرّفا له ، فلذا حكموا : بأنّ الأحكام تدور مدار الأسماء ، وإلّا فالتّسمية ممّا لا يعقل أن يكون له مدخل في الحكم ،

__________________

والجزئيّة » إنتهى. أنظر قلائد الفرائد : ٢ / ٣٧٤.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس سره :

« الأولى : أن قولهم ـ : الأحكام تدور مدار الاسماء ـ محمول على ظاهره من دورانها مدار صدق عناوين موضوعاتها المأخوذة في أدلّتها.

وتخلّف القاعدة في مثل العنب إذا صار زبيبا ودبسا والحنطة إذا صارت دقيقا أو عجينا أو خبزا من جهة أنا نعلم من الخارج : أن حكم فروع العنب والحنطة حكم أصلهما ، لا أن موضوع الحكم في الدليل أعم من الإسم الأوّل ففي الحقيقة لم تتخلّف القاعدة » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٤٢.

٣٦٩

فالمراد من الأسماء إذن هو أسماء الموضوعات مطلقا سواء استفيدت من ظاهر القضيّة أو لا. فكلّما كان هذا الموضوع باقيا يحكم بثبوت الحكم بنفس الدّليل إن كان له عموم أو إطلاق ، وبالاستصحاب إن لم يكن له عموم أو إطلاق ، وإن كان الموضوع بالدّقة العقليّة غير معلوم البقاء.

وكلّما لم يكن هذا الموضوع باقيا لم يحكم بثبوت الحكم ولو بالاستصحاب ، وإن كان الموضوع بالمسامحة العرفية باقيا ، فما ذكروه يمنع من الرّجوع إلى الاستصحاب فيما كان الموضوع للحكم الشّرعي المستفاد من الدّليل ـ ولو بمعونة القرينة الخارجيّة ـ منتفيا ، أو مشكوك الانتفاء ، وإن حكم العرف من باب المسامحة ببقاء ما هو المعروض للحكم في الزّمان الأوّل ، فتأمّل.

(٣١٠) قوله : ( وقد تقدّم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل [ ملحا ](١) من أكثر ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٠١ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) صحيح ؛ لأنّك قد عرفت : أنّ جماعة أنكروا مطهّريّة الاستحالة متمسّكا (٢) : بأنّ المعروض للنّجاسة هي الذّوات الباقية في جميع تقادير تغيّر الصّور النّوعيّة ، مع أنّ قضيّة ظاهر اللّفظ كون المعروض هي الذّات المعنونة بالوصف العنواني المذكور في القضيّة ، وإن كان ما ذكروه فاسدا بما عرفت سابقا هذا.

ولكن لا يخفى عليك أنّ ما ذكره هنا لم يتقدّم منه سابقا ؛ فإنّ المتقدّم منه

__________________

(١) أثبتناها من الكتاب.

(٢) كذا والصحيح : متمسّكين.

٣٧٠

سابقا : هو نقل استدلال الفاضلين في « المعتبر » و « المنتهى » على بقاء النّجاسة في النّجاسات في صورة الاستحالة : بأنّ النّجاسة قائمة بالأشياء النّجسة لا بأوصاف الأجزاء (١) ، ولم يتقدّم حكاية الخنزير ، ولا نقل عن أكثر أهل العلم ، وكان الأستاذ العلّامة يذكر : أنّ الموجود في الكتابين ما ذكرناه أخيرا ، والنّقل عن أكثر أهل العلم إنّما هو منهما لا منه (٢) ( دام ظلّه ) فتدبّر.

(٣١١) قوله : ( وحينئذ فيستقيم أن يراد من قولهم ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٠٢ )

أقول : أي : ولمّا كان المقصود عدم كون كلامهم في مقام المنع من الرّجوع إلى الدّليل الشّرعي ، أو الاستصحاب فيما فهم في موضع كون الموضوع في نظر الشّارع هو الأعمّ ممّا يقتضيه ظاهر اللّفظ بالنّظر إلى الوضع ، فلك أن تحمل كلامهم على ما ذكرنا سابقا : من جعل المراد من الاسم هو الاسم لما هو الموضوع ولو لم يكن في ظاهر الدّليل.

ولك أن تحمله على معنى آخر وهو تبعيّة الحكم لما هو الموضوع في ظاهر الدّليل بالنّظر إلى القاعدة كليّة ، إلّا أن يفهم من الخارج بإعلام الشارع ، أو بفهم العرف بالمعنى المعتبر الّذي عرفته كون الموضوع هو الأعمّ ، فكلامهم على هذا في مقام تأسيس القاعدة والأصل الغير المنافي للعدول عنه بعد قيام الدّليل على الخلاف في بعض الموارد الشّخصيّة.

__________________

(١) انظر فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٩٦ وقد مرّ تخريج عبارة الفاضلين.

(٢) انظر منتهى المطلب : ج ٣ / ٢٨٧ ولم نجده في كلمات المحقّق الحلّي ( رحمه الله تعالى ).

٣٧١

* الثاني ممّا يعتبر في تحقّق الإستصحاب

إشتراط الشك في البقاء (*)

(٣١٢) قوله : ( لكن هذا التّعبير من الحلّي لا يلزم أن يكون ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٣٠٤ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) هنا مناف لما استظهره في أوّل المسألة من أمثال هذه العبائر : من كونها مأخوذة من الأخبار وظاهرة في استدلال المعبّر عنها بها.

(٣١٣) قوله : ( وتوضيح دفعه : أنّ المناط ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٣٠٤ )

__________________

(*) مرّ الشرط الأوّل قبل قليل.

(١) قال في القلائد : ٢ / ٣٧٥ :

« أقول : ملخّص وجه التغاير بينهما :

أوّلا : ان متعلق الشك في الإستصحاب هو البقاء وفي القاعدة هو الحدث.

وثانيا : انه لا بد في القاعدة من التغاير بين زمان حصول الشك واليقين ، بخلاف الإستصحاب ؛ فإنّه ربّما يحصل الشك واليقين فيه في زمان واحد » إنتهى.

* وقال المحقق الخراساني قدس سره معلّقا على قول المصنّف : ( فان مناط الإستصحاب هو اتحاد متعلّق الشك واليقين ... إلى آخره ) :

« فإنه لو لا لحاظ إتحادهما لما كان العمل على خلاف اليقين نقضا له بالشك ولا العمل على طبقه مضيّا على اليقين ، فلا بدّ من عدم ملاحظة الزّمان وأن متعلّقهما مع ملاحظته اثنين ،

٣٧٢

__________________

ومتعلّق الشّكّ واليقين في القاعدة وإن كان أيضا متّحدا ، إلّا أنّه مع ملاحظة الزّمان ، فكان إلغاء الشّك والمضي على اليقين في الإستصحاب عبارة عن التّعبّد بثبوت المشكوك في اللاحق كما كان في السّابق ، وفي القاعدة عبارة عن التّعبّد بثبوته فيه سابقا وإن شكّ في ثبوته كذلك لا حقا ، واختلاف مؤدّاهما وإن لم يمنع عن الجمع بينهما في كلام واحد مشتمل على ما يعممهما بمفهومه ويحويهما بمعناه حاك عن حرمة النقض ، ووجوب المضي في الواقع باللحاظين اللّذين كانا موجبين لاختلاف مؤدّي القاعدتين ، كما إذا قيل مثلا ( لا تنقض اليقين بالشّكّ ) الّذي كان له تعلّق بالشّكّ الّذي كان له تعلّق بما تعلّق به اليقين ، فإنّ التعلّق بإطلاقه يعمّ ما إذا كان تعلّقه به بأصل ثبوته الذي لا بدّ فيه من اتحاد المتعلقين ولو مع ملاحظة الزمان أو بقائه الّذي لا بد من اتحادهما مع عدم ملاحظته ، إلّا أنّه لا يكاد يمكن الجمع بينهما فيما إذا لم يكن هناك ما يحكي عنهما بمفهومه ، ويظهر في تحققهما بإطلاقه أو عمومه ، بل كان إرادتهما بالجمع بين اللّحاظين في خطاب واحد قصد به ضرب كلتا القاعدتين ، ضرورة امتناع الإنشاء الواحد بلحاظين متنافيين ونظرين متضادّين ، لحاظ المتيقّن مع زمانه ولحاظه بدونه ، والنّظر إلى ثبوته في زمان قطع بثبوته فيه من دون نظر إلى بقائه ، والنظر إلى خصوص بقائه*.

لا يقال : نعم ، لكن اللحاظ على أحد الوجهين ليس بلازم ، كي يلزم من إرادتهما الجمع بين المتنافيين ، بل الخطاب يكون من دون لحاظ في البين ، فيكون دليلا على القاعدتين.

لأنّا نقول : لا يكاد يكون الخطاب بلا لحاظ مفيدا لفائدة وضربا لقاعدة ، حيث انّ المفروض أنّه ليس فيه لفظ يعمّهما بمفهومه بإطلاقه أو عمومه ، فلا مناص عن اللحاظ أريد به ضرب قاعدة ، وإلّا كان مهملا ، لا دليلا على القاعدة ، وإلّا كان مهملا ، لا دليلا على القاعدة ولا على الإستصحاب بلا ارتياب ، ولا يعقل أن يكون اللّحاظان من حالات اليقين بشيء كي يعمّهما إطلاقه الحالي ، فإنّ الموضوع بجميع حالاته الّتي يراد سراية الحكم اليه معها لا بدّ أن يكون

٣٧٣

أقول : قد عرفت بعض الكلام منّا فيما يتعلّق بالمقام عند التّكلم في الأخبار الواردة في الباب عند تعرّض الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) له ، ونتكلّم فيه بعض

__________________

ملحوظا ولو إجمالا ، فكيف يكون لحاظه على نحو واحد.

هذا ، مضافا إلى ما عرفت من المنافاة بينهما ، فافهم.

لكن لا يخفى إناطة ذلك باتّحاد متعلّق الشّكّ واليقين كما نفى عنه الرّيب تارة ، واستظهره أخرى ، وقد ذكرنا وجهه ، ضرورة أنّه لو لا ذلك كان إرادة القاعدتين من هذه الأخبار ، بل استظهارهما منها بمكان من الإمكان لا يحتاج إلى زيادة مؤونة ، بل يكفي إطلاق الشّكّ بحسب أفراده ، وهو سهل مع إطلاقه في مقام البيان ، فيقال : إنّ اليقين في السّابق وإن كان واحدا وهو لحاظه مع زمانه إلّا أنّه يراد من الشّكّ حيث أطلق في المقام أعمّ ممّا كان متعلّقا به أو متعلّقا ببقائه ، فيستفاد كلّ من القاعدة والاستصحاب لا لزوم محذور في البين من الجمع بين اللّحاظين ، فتأمّل جيّدا » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

__________________

(*) وعلّق الفاضل الكرماني على مقالة الخراساني قدس‌سره قائلاً :

« أقول : المقطوع لكل أحد أن المقصود هنا أن ننظر في انه هل يمكن تعميم ( لا تنقض ) بحيث يشمل القاعدة أم لا يمكن ، بل يختص مدلوله بالإستصحاب ولا نرى مانعاً منه.

وما ذكره مانعاً كسراب بقيعة ؛ فإن من البيّن أن لا مانع من ضرب قاعدة كلّيّة يشمل قاعدتين بلفظ يشملها بعمومه أو إطلاقه ويكفي إرادة الجامع من القاعدتين من اللفظ من غير إرادة الفصول المميّزة لكلٍّ منهما عن الآخر منه واللحاظ الاجمالي لهما فيه كاف ، ولا يلزم في الشمول إرادة الخصوصيّات المميّزة لكلّ وإرادة دلالة اللفظ عليها وفرض عدم ما يحكي عنهما بمفهومه لو فرض فرضاً واقعاً لا يضرّ بما نحن الآن فيه ؛ فإن الحاكي فيما نحن فيه موجود ، بل لو فرض المانع فيه عن إرادة الجمع كان اللفظ في القاعدة أظهر منه في الاستصحاب وهو غير خاف على ذوي الألباب » انتهى.

أنظر حاشية رحمة الله على الفرائد المحشي : ٤٠٤.

٣٧٤

الكلام هنا أيضا لعلّه يرفع به الغبار عن وجه المرام فنقول :

إنّه ذكر جماعة من المتأخّرين : أنّه لا إشكال في إمكان الجمع بين القاعدتين ح فإنّهما وإن اختلفتا في كون المقصود في إحداهما الحكم بالحدوث ، وفي الأخرى الحكم بالبقاء ، وفي كون المناط في إحداهما سبق اليقين بشيء في زمان ولحوق الشّك بنفس ما تعلّق به اليقين ، وفي الأخرى وجود الشّيء سابقا والشّك في بقائه ، إلّا أنّ بينهما قدر مشترك يمكن بإرادته إرادتهما ، سواء اعتبر بالنّسبة إلى ما دلّ على عدم الاعتداد بالشّك في قبال اليقين ، أو عدم نقضه بالشّك ، أو وجوب المضي عليه عند الشّك ح فإنّ كون اللّازم من هذا في بعض الموارد الحكم بالحدوث ، كما إذا سرى الشّك إلى نفس ما تعلّق به اليقين ، وفي بعض آخر الحكم بالبقاء كما إذا تعلّق الشّك بالوجود الثّانوي للشّيء مع كون حدوثه يقينيّا في زمان الشّك أيضا لا يوجب عدم الجامع بينهما : فإنّ هذا الاختلاف إنّما حدث بملاحظة خصوص المورد من غير أن يكون مرادا من اللّفظ ، فعدم الاعتداد بالشّك في كلّ شيء ، وكذلك عدم نقض اليقين بشيء بالشّك فيه ، وكذلك المضي ، والجري على مقتضى اليقين المتعلّق بكلّ شيء إنّما هو بحسبه ، فأصل المعنى الّذي استعمل اللّفظ فيه أمر وجداني لا تكثير فيه ، وإنّما جاء الاختلاف من خصوص النّسبة كما يقال إنّ الصّحة في كلّ شيء بحسبه مثلا هذا (١).

__________________

(١) انظر مفاتيح الأصول : ٦٥٧ ، وضوابط الأصول : ٣٧١ ، وخزائن الدربندي : ٨٥ من فنّ الاستصحاب.

٣٧٥

مختار الشيخ الأعظم عدم إمكان الجمع بينهما

والوجوه التي أقامها على مختاره

ولكنّ الّذي اختاره الأستاذ العلّامة جازما به : عدم إمكان الجمع بينهما على القول بعدم جواز استعمال اللّفظ في أكثر من معنى ، بل على القول بجوازه أيضا بناء على أحد الوجهين اللّذين ستقف عليهما واستدلّ له في ظاهر كلامه في « الكتاب » وفي مجلس البحث بوجوه :

أحدها : ما أجاب عنه المجوّز في طيّ ما عرفته منه من اختلاف المناط في القاعدتين فلا يمكن الجمع بينهما في إرادة واحدة بناء على عدم جواز استعمال اللّفظ في أكثر من معنى.

توضيح ما ذكره ( دام ظلّه ) : هو أنّه بعد تسليم تغاير المناط في القاعدتين وأنّ معنى عدم الاعتبار بالشّك في إحداهما والمضي على طبق اليقين غيره في الأخرى وأنّهما سنخان من المعنى لا ربط لأحدهما بالآخر أصلا لا معنى للحكم بوجود قدر مشترك بينهما.

نعم ، لا إشكال في اشتراك القاعدتين بحسب اللّفظ وجواز إرادة كلّ منهما على الانفراد من لفظ واحد ، ولكن من المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يجدي شيئا ؛ ضرورة أنّ الاشتراك بحسب المعنى لا يعقل أن يلاحظ بحسب اللّفظ الّذي هو من مقولة الأصوات المباين للمعنى ، وإلّا لم يصحّ ما حكموا عليه في كثير من الموارد : من نفي الجامع بين المعنيين هذا.

٣٧٦

مع أنّ مجرّد وجود الجامع بينهما لا يقضي بإرادتهما من حيث مناطهما الّذي هو المناط فيهما ، فلا يمكن أن يجعل الأخبار دليلا على القاعدتين ، بل هي على تقدير تسليم الجامع بينهما يدلّ على معنى عار عن مناطهما بالمرّة ، وهذا كما ترى يرجع إلى أنّ الجمع بين القاعدتين يوجب استعمال اللّفظ الدّال على الحكم في المعنيين.

ثانيها : أنّ من المعلوم ضرورة عدم إمكان اجتماع كلّ من اليقين والشّك في إحدى القاعدتين مع اليقين والشّك في الأخرى حتّى يحكم بإمكان إرادة الحكم المتعلّق بهما من لفظ واحد ؛ فإنّ عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا لا يعقل أن يكون متعلّقا للشّك في الحدوث في يوم السّبت مثلا وللشّك في البقاء ؛ ضرورة ثبوت التّضاد بينهما.

ثالثها : ما أشرنا إلى نظيره سابقا في مسألة الأصل المثبت ، وهو مبنيّ على تسليم إمكان وجود المناط في القاعدتين في مورد واحد على البدل : من أنّ من الواضح المعلوم أنّ عموم العام إنّما هو بالقياس إلى الأفراد الواقعيّة لا الاعتباريّة ، بمعنى : أنّه لو كان ثمّة شخص خارجيّ وجزئيّ حقيقيّ له اعتبارات ينتزع منها أمور لم يجز أن يقال : إنّ العام يشمل جميع هذه الأمور ؛ ضرورة استحالة إيجاب تعدّد اللّحاظ والاعتبار تعدّد الشّيء بحسب نفس الأمر والواقع ، وإلّا لزم انقلاب الشّيء عمّا هو عليه بحسب الواقع ، وهو محال بالضّرورة من العقل.

فنقول ـ إذن تطبيقا لما ذكر على المقام ـ : أنّ أخذ العدالة في المثال المفروض ـ تارة : مقيّدة باليوم الجمعة حتّى يتحقّق من أجله اليقين والشّك المعتبران في قاعدة الشّك السّاري ، وأخرى : مطلقة معرّاة عن ملاحظة الزّمان

٣٧٧

حتّى يتعلّق به اليقين والشّك المعتبران في الاستصحاب ـ لا يوجب تعدّد اليقين والشّك بحسب نفس الأمر والواقع ، بل الموجود في الواقع فرد من اليقين والشّك ليس إلّا ، أو فرد من اليقين وإن سلّم تعدّد الشّك واقعا بملاحظة الاعتبارين على ما يتوهّم وإن كنّا لم نتعلّقه.

وبالجملة : تعدّد اللّحاظ والاعتبار في الشّيء الواحد الشّخصي لا يوجب تكثّره خارجا الموجب لكثرته الخارجيّة ، وإنّما يوجب تكثره بحسب اللّحاظ. ومن المعلوم أنّ إرادة المتكلّم ليس تابعا لما هو من الموهومات الّتي لا واقعيّة لها بحسب الخارج.

رابعها : أنّ ما ذكر إنّما يجدي بالنّسبة إلى بعض الموارد لا جميعها ؛ فإنّ جميع موارد الاستصحاب لا يشترط فيها سبق اليقين على الشّك كما هو المعتبر في القاعدة ؛ لأنّك قد عرفت : أنّ المعتبر في الاستصحاب هو مجرّد الوجود السّابق والشّك في بقائه بعد الزّمان الّذي وجد فيه الّذي يجامع في بعض الأحيان مع حصول الشّك واليقين في زمان واحد.

خامسها : أنّ اعتبار قاعدة الشّك السّاري من حيث هي هي على خلاف الإجماع ؛ فإنّ أحدا لم يقل : بأنّ الشّك بعد اليقين ملغى ، ولم يعمل بمقتضى اليقين أصلا ، ولو حصل الشّك بعد اليقين فورا.

سادسها : وقوع التّدافع من إرادتهما معا والتّعارض الدّائمي الموجب ؛ لعدم إمكان إرادتهما كما ستقف على شرح القول فيه هذا ملخّص ما استفدناه من مطاوي كلماته من « الكتاب » وفي مجلس البحث.

٣٧٨

المناقشة في الوجوه المذكورة عدا الوجه السادس

ولكنّك خبير بإمكان المناقشة في جميع ما ذكرناه من الوجوه عدا الوجه السّادس.

أمّا الأوّل : فللمنع من كون الجامع بين القاعدتين مجرّد اللّفظ والصّوت ، بل لكلّ من المضيّ وعدم الاعتناء بالشّك والبقاء على اليقين السّابق والالتزام بمقتضاه معنى يجامع كلّا من القاعدتين ، واستفادة كلّ منهما بمناطه إنّما هي من لوازم النّسبة إلى المورد الخاص ، لا أن تكون مرادة من اللّفظ حتّى يقال : إنّ إرادتهما بمناطهما الملحوظ فيهما من اللّفظ موجب للزوم ما ذكره من المحاذير فتدبّر ، وبدونه لا يجدي نفعا.

وأمّا الثّاني : فلأنّ أحدا لم يدّع اجتماع القاعدتين في شخص المقام حتّى يورد عليه بما ذكر في الإيراد الثّاني ، بل المدّعى شمول الأخبار للقاعدتين أينما وجد كلّ واحد منهما فإذا تيقّن الطّهارة وشكّ في بقائها فيحكم بمقتضى الأخبار بوجوب الالتزام بها ، وإذا شكّ في عدالة زيد بعد اليقين بها في زمان بالشّك السّاري يحكم أيضا بعدم الاعتناء به ، وكذا في سائر المقامات.

وبالجملة : لم نر أحدا حكم باجتماع اليقين والشّك بالمعنيين في مورد واحد ولم يحرز أحد النّزاع فيه ، بل من حكم بدلالة الأخبار على اعتبارهم حكم بها أينما وجدتا بحسب الموارد المتعدّدة.

وممّا ذكرنا يندفع الإيراد الثّالث أيضا والوجه فيه ظاهر.

٣٧٩

وأمّا الرّابع : فلأنّ من يقول بدلالتها على اعتبار القاعدتين لا يقول بدلالتها على لزوم تقدّم اليقين على الشّك حتّى يورد عليه بما ذكر ، بل يقول بدلالتها على لزوم الأخذ باليقين بالشّيء وعدم الاعتناء بالشّك فيه سواء وجدا معا أو تقدّم أحدهما على الآخر ، مع أنّ له أن يتمّ المدّعى بالإجماع المركّب فتأمّل.

وأمّا الخامس : فلأنّ قيام الإجماع على عدم اعتبار قاعدة الشّك السّاري أينما وجد لا يضرّ بالحكم باعتبارها فيما لم يقم فيه إجماع على عدم اعتبارها ، مع أنّ كلامنا في الإمكان وعدمه لا في الوقوع وعدمه.

ومنه يظهر عدم ورود ما يقال عليه : بأنّ الإجماع إنّما انعقد على عدم اعتبار القاعدة من حيث هي مطلقا حتّى في مورد العمل على اليقين السّابق ؛ فإنّ عدم الاعتناء بالشّك في هذه الصّورة إنّما هو من جهة ما دلّ على عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ سواء سبق باليقين أو لا.

هذا ملخّص ما يقال علي ما ذكره ( دام ظلّه ) من الإشكالات وبقي بعض إشكالات أخر على خصوصيّات فيه ستقف عليه بعد نقله.

٣٨٠