بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

(٣٠٠) قوله : ( وإن كان بينهما فرق من حيث ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٨٣ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ مقتضى ما ذكره من الفرق بينهما بما ذكره : هو لزوم الفرق بينهما بحسب الجريان والاعتبار ـ على ما اختاره في الأمر الأوّل ـ حيث إنّك قد عرفت تصريحه فيه بالفرق بين القسمين في جريان الاستصحاب فراجع إليه حتّى تقف على حقيقة الأمر.

(٣٠١) قوله : ( ويحتمل أن يراد منه الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٨٤ )

أظهر الاحتمالات

أقول : ذكر الأستاذ العلّامة في مجلس البحث : أنّ هذا الاحتمال هو الأظهر من بين الاحتمالات ؛ فإنّ ظاهر كلامهما التّعويل على الأصل فيما راموه ، فالنّسبة في محلّه ولكن للقاصر فيه تأمّل ، وربّما يساق إلى النّظر ظهوره في التّمسّك بالقاعدة.

(٣٠٢) قوله : ( لكنّه ضعيف احتمالا ومحتملا ) (١). ( ج ٣ / ٢٨٤ )

__________________

(١) قال السيّد اليزدي قدس‌سره :

« أمّا ضعف الإحتمال : فلبعده عن مساق كلام الفاضلين.

وأمّا ضعف المحتمل : فلأن التمسّك بالعموم إنّما يجري فيما إذا ثبت وجوب الجزء بدليل مستقل يكون مخصّصا لعموم وجوب بقيّة الأجزاء ، وليس كذلك الحال بالنسبة الى غسل أبعاض العضو الواحد في الوضوء قطعا ، وإن احتمل بالنسبة إلى مجموع غسل عضو واحد في الوضوء بدعوى عموم وجوب غسل بقيّة الأعضاء لتعلّق الأمر بها بالنسبة إلى كلّ عضو

٣٠١

أقول : أمّا ضعفه احتمالا فأظهر من أن يخفى ، وأمّا ضعفه محتملا : فلأنّ جزئيّة المفقود ليست مقيّدة لإطلاق دليل الأجزاء حتّى يقتصر في تقييده بصورة التمكّن ؛ فإنّ الأوامر في الأجزاء غيريّة تبعيّة كالأمر المتعلّق بالجزء المفقود ، فلا يعقل أن يجعل أحدها مقيّدا للآخر ، وإنّما يكون دليل الجزء المفقود مقيّدا لإطلاق الأمر المتعلّق بالكلّ لو كان له إطلاق هذا كلّه.

مع أنّ هذا الكلام على تقدير صحّته لا تعلّق له بالمقام ؛ فإنّ المقصود الحكم بوجوب غسل ما بقي من اليد ، ومن المعلوم أنّه ليس لغسل كلّ عضو من أعضاء اليد دليل مستقلّ.

نعم ، لو استدلّ لبقاء الوجوب بإطلاق الأمر المتعلّق بالكلّ فيما كان له إطلاق ، وكان الجزء ثابتا بدليل خارجيّ لا إطلاق له كان الاستدلال في محلّه على ما عرفت تفصيل القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة في فروع الأقلّ والأكثر ، لكنّه لا تعلّق له بما ذكره المتوهّم ولا بالمقام كما لا يخفى.

__________________

مستقلّا في قوله تعالى : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وقوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ . [ المائدة : ٥ ـ ٦ ] فتأمّل » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٢٧.

٣٠٢

* التنبيه الثاني عشر (١) :

جريان الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف

(٣٠٣) قوله : ( إنّه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السّابقة ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٢٨٥ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الشيخ هادي الطهراني قدس‌سره :

« إنّ القاعدة الشريفة أصل استقلّ العقل بإدراكه وقام البرهان عليه وقرّره الشارع ، فلا يعقل الخروج عنه إلّا بدليل ، والظنّ جهل لا يعوّل عليه ، فهذه الوظيفة ثابتة للجاهل سواء كان غافلا او ملتفتا ، ظانّا أو شاكّا ، بل هذا هو الحال في الأصل مطلقا.

وما يتوهّم من انّ اعتبار الإستصحاب من باب الظنّ قد عرفت فساده ، وحيث خفي هذا المعنى على الأستاذ قدس‌سره وقع في تشويش واضطراب وارتكب تكلّفات سخيفة باردة » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

(٢) قال المحقق الطهراني قدس‌سره :

وفيه : ان المستفاد من الأخبار إن كان ما حقّقناه وعليه جميع المحقّقين : من انه أصل ، فلا حاجة إلى إثبات عموم الإعتبار ؛ لأن المفروض انّ الظنّ المخالف لم يثبت اعتباره ، فالإجماع مستند إلى هذا البرهان لا انّه دليل مستقلّ ، فالحكم لوضوحه ما خفي على احد لا انّه أمر تعبّدي تلقّوه من صاحب الشريعة يدا بيد كما توهّم.

مع انّا حقّقنا انّ الإجماع من مبتدعات اعداء الدين ولا يعوّل عليه بوجه من الوجوه ، وبما حقّقنا عرفت : انّه لا حاجة إلى معرفة معنى الشك ، مع انّك قد عرفت : انّه حكم ثبت للجاهل وإن كان غافلا فلا ، والتردّد لا دخل له في ثبوت هذه الوظيفة ، وقد حقّقنا : ان الإستصحاب

٣٠٣

الكلام في الإستصحاب من حيث الشك المأخوذ في موضوعه

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا الأمر ممّا يتكلّم فيه من حيث الشّك المأخوذ في الاستصحاب ، كما أنّ الأمر السّابق لو كان التكلّم فيه من حيث المستصحب ، والسّابق عليه من حيث الدّليل الدّال على ثبوته في الزّمان الأوّل ، وقد تقدّم بعض الكلام فيما يتعلّق بالمقام في أوّل المسألة من الأستاذ العلّامة ومنّا ، إلّا أنّ الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) أعاد الكلام للتّعرض لما لم يتعرّض له ثمّة ، ولا بأس في أن نكرّر القول فيه أيضا ؛ لترتّب بعض الفوائد عليه من توضيح بعض ما أجمل القول فيه الأستاذ العلامة والإشارة إلى بعض وجوه المناقشات فيما ذكره ( دام ظلّه ) فنقول :

أمّا على القول باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار فلا إشكال في وجوب الرّجوع إليه حتّى مع قيام الظّن الغير المعتبر على خلاف الحالة السّابقة ، فضلا عن صورة تساوي الاحتمالين ؛ فإنّ الظّاهر بل المقطوع عدم اشتراط أحد حصول الظّن الشّخصي من الاستصحاب على القول باعتباره من باب الأخبار.

نعم ، في « القوانين » احتمال ذلك في موضع ، وإن صرّح في موضع آخر بخلافه.

__________________

المعبّر عنه بقاعدة اليقين ليس إلّا الأخذ باليقين ، وخفاء أمر الواقع على المتيقّن بالمقتضي مع انه يوجب الجهل بالأثر لا محالة لا ينافي كون الشخص على يقين من جهة أخرى ، فليس للشك معان عديدة ، بل إنّما هو كناية عن الجهل في بعض المقامات » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣٠٠.

٣٠٤

نعم ، ربّما يتوهّم : عدم اعتباره في صورة قيام الظّن على الخلاف وصيرورة الحالة السّابقة مرجوحة من جهة انصراف الأخبار المتضمّنة للفظ الشّك إلى صورة التّسوية ، ولكنّه وهم فاسد وتمحّل بارد.

أمّا أوّلا : فلأنّه لا موجب للانصراف المذكور بعد كون الشّك في اللّغة حسب ما هو قضيّة المحكيّ عن « الصّحاح » حقيقة في الأعم من التّسوية وهو خلاف اليقين ، وإن كان ربّما يظهر من بعض كتب اللّغة تفسيره بخصوص التّسوية ، لكن من المعلوم أنّ المقصود بيان المستعمل فيه لا المعنى الحقيقي أو المعنى الحقيقي ، بحسب اصطلاح أهل المعقول ـ فتأمّل ـ لأنّ الصّالح له ليس إلّا كثرة الاستعمال البالغة حدّا تغلب على ظهور أصالة الإطلاق والحقيقة ويوجب ظهورا ثانويّا للّفظ بالنّسبة إلى ما استعمل فيه كثيرا.

ومن المعلوم عدم الجزم بحصول هذه المرتبة في زماننا فضلا عن زمان صدور الرّواية الّذي هو المتّبع في أمثال المقام ، بل الثّابت استعمال الشّك كثيرا في المعنى الأعمّ في الرّوايات على ما ذكره الأستاذ العلّامة.

نعم ، علم استعماله في خصوص معنى الأخصّ في بعض الأخبار أيضا كالأخبار الواردة في شكوك الصّلاة.

وأمّا ثانيا : فلأنّه على تقدير تسليم ظهور الشّك في المعنى الأخصّ مطلقا لا معنى للحكم بإرادته في المقام لوجود صوارف في الأخبار عن هذا الظّهور ٣ / ١٦٦ هي (١) ما ذكره الأستاذ العلّامة في « الكتاب ».

__________________

(١) أي هذه الصوارف الموجودة في الأخبار.

٣٠٥

وإن كان قد يتأمّل في الأوّل منها : بأنّ تقابل الشّك واليقين في الأخبار لا يقتضي أن يكون على وجه الإيجاب والسّلب لم لا يكون على وجه التّضاد؟ فتأمّل.

وفي الثالث والرّابع : بأنّهما لا يدلّان على إرادة خلاف اليقين من لفظ الشّك ، فيحتمل كون المراد من كلّ منهما ما هو الظّاهر منه ، أو يتصرّف في لفظ اليقين بقرينة الشّك.

وإن كان ما ذكر أخيرا في غاية الفساد ؛ لأن كلّا من اللّفظين لم يقع في حديث غير ما وقع فيه الآخر حتّى يحتمل ما ذكر ، بل هما واقعان في حديث واحد ، ومن المعلوم ضرورة كون المراد منهما واحدا ، وعلى تقدير وقوعهما في حديثين وحمل كلّ منهما على ظاهره يتم المدّعى أيضا ؛ لأنّ نتيجة العمل بهما بعد عدم تنافيهما هو القول باعتبار الاستصحاب في صورة الظّن بالخلاف أيضا ، غاية الأمر قصور الأخبار النّاهية عن نقض اليقين بالشّك عن الدّلالة عليه هذا.

وأمّا ما ذكر أخيرا : من التّصرف في لفظ اليقين بقرينة لفظ الشّك دون الشّك ، ففيه : ما لا يخفى من الضّعف والفساد من وجهين أو وجوه ، وبالجملة : لا ينبغي الارتياب لمن راجع الأخبار وتأمّل فيها في فساد التّوهم المذكور وكون المراد من الشّك فيها هو مطلق غير العلم هذا.

٣٠٦

الإستدلال على المدّعى بوجهين آخرين

واستدلّ الأستاذ العلّامة على المدّعى بوجهين آخرين غير خاليين عن المناقشة والتّأمل.

أحدهما : الإجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار. وفيه : أنّ حصول الاستكشاف عن هذا النّحو من الإجماع في حيّز المنع ، وقد ردّه الأستاذ العلّامة في غير واحد من موارد تمسّكهم به على ما هو ببالي.

ثانيهما : أنّ الظّن الغير المعتبر إن كان ممّا قام دليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس ونحوه فلا إشكال في عدم قدحه ؛ لأنّ معنى ما قام على عدم اعتباره هو أنّ وجوده كعدمه عند الشّارع بمعنى : أنّ كلّ أثر يترتّب في صورة عدمه لا بدّ من أن يترتّب في صورة وجوده ، فلو لم يكن قائما على خلاف الحالة السّابقة لم يكن إشكال في وجوب الأخذ بها ، فلا بدّ من أن يؤخذ بها في صورة قيامه على خلافها أيضا.

وإن كان ممّا شكّ في اعتباره وحكم بعدم اعتباره من جهة الأصل الأولي فكذلك أيضا ؛ لأنّ مرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السّابق بسببه إلى ما نهي في الأخبار عنه من نقض اليقين بالشّك هذا محصّل ما ذكره ( دام ظلّه ).

وأنت خبير بتطرّق المناقشة فيما ذكره ( دام ظلّه ).

أمّا فيما ذكره على التقدير الأوّل : فبأنّ ارتفاع الشّك بمعنى التّسوية الّذي هو الموضوع للحكم في الأخبار بالفرض بقيام الظّن على الخلاف قهريّ وليس

٣٠٧

باختيار المكلّف ، والتّنزيل إنّما هو بالنّسبة إلى الآثار الغير المترتّبة على الموضوع المرتفع بواسطة الظّن المذكور قهرا فتأمّل هذا. وإن شئت توضيح القول في ذلك وتفصيله فراجع إلى الجزء الأوّل من التّعليقة عند التّكلّم في ترتب غير الحجّيّة من الآثار على الظّن الغير المعتبر.

وأمّا فيما ذكره على التّقدير الثّاني : فبأنّ عدم قيام الدّليل على اعتبار الظّن وكونه مشكوك الاعتبار لا يوجب خروج الظّن عن كونه ظنّا ؛ ضرورة استحالة انقلاب الشّيء عمّا هو عليه ، فبعد فرض كون الظّاهر من الشّك من الأخبار هو الاحتمالان المتساويان على ما عليه اصطلاح أهل المعقول الّذي ربّما يدّعى كونه حقيقة فيه في العرف المتأخّر بالتّعيّن لا معنى للقول بدلالة الأخبار على الأخذ بالحالة السّابقة في صورة الظّن بالخلاف ، فلا وجه إذن للحكم بحرمة العمل بالظّن إذا لم تكن على وجه التّدين ، بل يكون حاله حال نفس الاستصحاب في جواز العمل به إذا لم يكن على وجه التّديّن وحرمته إذا كان على هذا الوجه.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر فساد ما ربّما يقال في توجيه ما ذكره ( دام ظلّه ) على التّقديرين : من أنّ المقصود منه أنّ لفظ الشّك وإن كان ظاهرا في المعنى الأخصّ في نفسه مع قطع النّظر عن قيام الدّليل الخارجي على ما هو قضيّة التّسليم ، إلّا أن قضيّة دليل عدم اعتبار الظّن القائم على الخلاف على سبيل الحكومة كون المراد من الشّك في أدلّة الأصول هو المعنى الأعمّ.

توضيح الفساد : أنّ النّهي عن العمل بالظّن على وجه التّشريع لا يقتضي إلّا حرمة العمل بالظّن من حيث التّشريع سواء طابق الاستصحاب أو خالفه إن فرض تحقّقه في الأوّل ، وهذا لا تعلّق له بمسألة الحكومة على أدلّة الأصول كما لا يخفى ،

٣٠٨

بل وكذلك الأمر لو فرض كون حرمة العمل بالظّن ذاتيّا كما هو واضح.

ومنه يعلم : أن حكومة دليل اعتبار الظّن الاجتهادي على الاستصحاب فيما لو كان على خلاف الأصل إنّما هو إذا جعل الشّك في أدلّة الأصول هو المعنى الأعمّ ، وأمّا إذا جعل المراد منه المعنى الأخصّ فلا تعلّق لدليل اعتبار الظّن حينئذ بدليل اعتبار الأصل حتّى يجعل حاكما عليه ؛ لأنّ كلّا منهما يثبت حكما في موضوع غير الموضوع الّذي يثبت فيه الحكم الدّليل الآخر.

ولعلّ ما ذكرنا هو الوجه في أمر الأستاذ العلّامة بالتّأمل وإرجاعه إلى ما ذكره في كلّ من التّقديرين أولى وإن كان بعيدا في الغاية. هذا مجمل القول في المقام على تقدير القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد.

وأمّا على القول باعتباره من باب الظّن : فالّذي يظهر من الأكثرين عدم اعتبار الظّن الشّخصي ، بل يعملون به في صورة قيام الظّن الغير المعتبر على الخلاف فضلا عن صورة التّسوية كما يظهر من حكمهم بمقتضيات الأصول مطلقا من غير مراعاة الظّن أصلا وعنوانهم مسألة تعارض الأصل والظّاهر ؛ فإنّه ٣ / ١٦٧ أقوى شاهد لما ذكرنا كما هو واضح.

نعم ، قد عرفت عن الشيخ بهاء الدّين ( رحمة الله عليه ) اعتبار الظّن الشّخصي ، وكذا عن الشّهيد رحمه‌الله على ما صرّح به الأستاذ العلّامة في مجلس البحث ؛ حيث إنّه ذكر أن جعل المراد من الظّن في كلامه الظّن النّوعي كما استظهرنا منه في أوّل الكتاب في غاية البعد ، وهو أيضا ظاهر كلّ من جعل منشأ الظّن في الاستصحاب الغلبة وجعل المدرك له دليل الانسداد. ومنه يعلم أنّ مقتضى دقيق النّظر اختلاف الحال في ذلك بحسب اختلاف منشأ الظّن ومداركه.

٣٠٩

(٣٠٤) قوله : ( نعم ، يرد على ما ذكرنا من التّوجيه أنّ الشّهيد رحمه‌الله ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٨٨ )

في عدم ورود شيء على التوجيه المذكور

__________________

(١) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : حاصل الإيراد : أن الشك الذي حكم بانّه لا يرفع اليد به عن اليقين ليس خصوص الاحتمال الموهوم أو تنزيل إطلاقهم على إرادته بالخصوص مع عدم استقامته في حدّ ذاته لا يجدي في دفع ما يتوهّم من التناقض وإنما المجدي إرادتهم اليقين السّابق والشكّ اللّاحق وعلى هذا التّقدير لا حاجة إلى صرف كلامهم عن ظاهره وحمل الشكّ على إرادة خصوص الاحتمال الموهوم هذا.

ولكنّ الظّاهر أنّ مقصود الشهيد من « الشكّ » هو معناه اللّغوي وهو مطلق الإحتمال المخالف لليقين وغرضه دفع التّنافي بإرادة اليقين السّابق والشّك اللّاحق. وأمّا قوله : ( لأصالة بقاء ما كان ) فهو تعليل لعدم الرّفع ذكره استطرادا. وقوله : ( فيؤول إلى اجتماع الظنّ والشك ) مسوق لبيان مطلب واقعي بنظره ، ومقصوده من الشكّ في هذا المقام خصوص الاحتمال الموهوم لا لإرادته بعنوان الخصوصيّة من اللّفظ حتّى يتغاير المراد من الشّك في الموضعين بل لأجل كونه من مصاديق الاحتمال المخالف لليقين ، فكأن المصنّف رحمه‌الله فهم من كلامه : أنّه اراد دفع التّنافي بجعل متعلّق النّقض اليقين السّابق بلحاظ أحكامه المظنونة المجامعة مع الشكّ فيكون مآل النّهي عنه لدى التّحليل إلى النّهي عن نقض الظنّ بالإحتمال الموهوم فليتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٣٤.

* وقال المحقق المؤسس الطهراني قدس سره :

« وفيه : أنّ مراد الشهيد قدس‌سره من الظنّ هو الظهور الأصلي وهو الذي يجتمع مع الجهل المعبّر عنه بالشك » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣٠١.

٣١٠

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) لا يتوجّه عليه أصلا ؛ لأنّ الشّهيد إنّما دفع التّناقض المتوهّم من قولهم اليقين لا ينقض بالشّك بقوله : « بل المعنيّ به ... إلى آخره » (١) وأمّا قوله : « فيؤول إلى اجتماع الظّن والشّك » (٢) فليس له دخل بأصل دفع التّوهّم ، وإنّما هو بيان لما يحصل بعد ملاحظة الحالة السّابقة على ما يشهد به تفريعه على قوله : « لأصالة بقاء ما كان » (٣) فلم يرد بما ذكره دفع أصل التّوهّم ولا حصول الظّن قبل ملاحظة الحالة السّابقة حتّى يقال : إنّه في محلّ المنع ؛ إذ على فرض وجوده لا تعلّق له بالظّن الاستصحاب كما لا يخفى ، بل أراد بيان ما يحصل في مورد الاستصحاب بعد ملاحظة الحالة السّابقة ، فما ذكره من التّوجيه لا بأس به ولا يتوجّه عليه شيء.

لا يقال : ما ذكر يوجب التّفكيك بين الشّك في قوله أخيرا : فيؤول إلى اجتماع ... إلى آخره » (٤) والشّك الواقع في سابقه وهو في كمال البعد.

لأنّا نقول : نمنع من لزوم التّفكيك ؛ فإنّ المراد من الشّك في المقامين هو خلاف اليقين غاية الأمر تحقّقه في مورد في ضمن فرد ، وإرادته كذلك وتحقّقه في مورد آخر في ضمن فرد آخر وهذا ممّا لا يوجب اختلافا في أصل معنى الشّك هذا. مع أنّ مجرّد لزوم خلاف الظّاهر لا يمنع من التّوجيه كما لا يخفى ، بل قد يقال : إنّ محلّ التّوجيه ما استلزم فيه ارتكاب خلاف الظّاهر.

ثمّ إنّه قد يجاب عن إيراد عدم اجتماع الظّن والشّك كاليقين والشّك بأنّ

__________________

( ١ و ٢ و ٣ ) الذكرى : ج ٢ / ٢٠٧ « ط آل البيت ».

(٤) نفس المصدر.

٣١١

مراد الشّهيد قدس‌سره من الظّن ليس هو الظّن الشّخصي حتّى يتوجّه عليه ما ذكر ، بل الظّن النّوعي. ومن المعلوم عدم منافاته لقيام الظّن على الخلاف فضلا عن الشّك وقد أشار إليه ( دام ظلّه ) في أوّل « الكتاب ».

ولكنّه أورد عليه في مجلس البحث في المقام : بأنّ هذا التّوجيه ممّا لا معنى له ؛ لأنّ الظّن النّوعي صفة في الأمارة ومن شأنها بحسب طبيعتها ، فلا يعقل الحكم باجتماعه مع الشّك الّذي هو من الأوصاف القائمة بنفس المكلّف ؛ ضرورة لزوم وحدة الموضوع في تحقّق الاجتماع وصدقه فتأمّل.

* * *

٣١٢

خاتمة

في شرائط العمل بالإستصحاب

* إشتراط بقاء الموضوع

* إشتراط الشك في البقاء

* إشتراط عدم العلم بالبقاء أو الإرتفاع

٣١٣
٣١٤

* خاتمة (١)

__________________

(١) قال المحقق المؤسس الطهراني قدس‌سره :

« قد تبيّن مما حقّقناه : انّ الإستصحاب يطلق على اربعة أصول فالأخذ بالإقتضاء المعبّر عنه بإستصحاب حكم النّص لا يتعقّل إلّا بعد إحراز الإقتضاء والموضوع ، بل الشروط ؛ لأنّه إنّما يدفع المانع.

وامّا استصحاب حال الشرع المعبّر عنه باستصحاب حال الإجماع تارة وباستصحاب الحال أخرى فهو مبني على عدم اعتبار إحراز الإقتضاء والموضوع ، ولهذا صار من المنكرات ، فاشتراط بقاء الموضوع في استصحاب الحال كاعتبار كون الشك في الرّافع ناش عن الجهل لمحلّ النّزاع ، بل باصطلاحات أهل الفن.

ومن الغريب انّ الأستاذ قدس‌سره زعم أنّ مشكوك البقاء لا بدّ ان يكون عين القضيّة التي علم بتحقّقها سابقا وانّه هو السّبب في اعتبار العلم ببقاء الموضوع ؛ فإنّ الإبقاء إنّما هو بالنّسبة إلى المحمول في محلّ النّزاع ولهذا قال المحققون المنكرون له : انّه إسراء ، ألا ترى انّ المثال المعروف لمحلّ النّزاع وهو واجد الماء في أثناء الصّلاة يحتمل فيه زوال الموضوع الموجب لعدم الإجتزاء ، ومع ذلك يزعم المثبتون جريان الإستصحاب فيه ؛ فإن وجدان الماء ليس من الأحداث فمن حكم ببطلان الصّلاة حينئذ وأوجب الوضوء لم يستدل إلّا بزوال الموضوع المستتبع لزوال الحكم وحيث انه غير قادح في نظر المثبت لاحتماله كون الفقدان واسطة في الثبوت لا موضوعا استصحب وقد أوضحناه فيما تقدّم.

وأعجب من هذا انّه لم يفرّق بين الموضوع ومعروض المستصحب حتّى انّه فسّره به ، مع انّ الشك في بقاء المعروض إذا لم يكن موضوعا لا يمنع من الجريان ، غاية الأمر انه يستصحب ويكتفى به إن كان سببيّا وإلّا فيجري في الحكم أيضا.

توضيح ذلك : ان موضوع العرض ومعروضه وإن كان واحدا ولم يتعقّل التفكيك بينهما إلّا ان

٣١٥

مرجع الشرائط المزبورة إلى شروط جريان الاستصحاب

__________________

الموضوع قد يكون عنوانا كلّيا هو واسطة في العروض لغيره كالحائض التي تعلّق به الحكم الشرعي ؛ فإنّ الأحكام الكلّيّة ليست للمصاديق والموضوع الكلّي هو العنوان العرضي وكذا الحال في الفاقد والواجد بالنسبة إلى المصاديق ، وبهذا الإعتبار يتحقّق الإفتراق بين الموضوع والمعروض ، فالموضوع للأحكام إنّما هو العناوين الكلّيّة لا المصاديق الخارجيّة.

نعم هي بعد انطباق العناوين عليها تكون معروضات لها فحيث كان الإشتباه في تعلّق الحكم الشرعي الكلّي وكانت الشبهة حكميّة واستند الشك في بقاء الحكم في معروضه الخارجي إلى الشك في كون العرض الزائل موضوعا لم يجر الإستصحاب على رأي المحقّقين لأنّه إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر ، فالمعروض وهو الموجود الخارجي باق قطعا ولكنّ الموضوع لم يعلم ببقاءه وهذا هو الوجه فيما إخترناه : من أنّ الأصل عدم بقاء أحكام الحيض بعد النّقاء وقبل الغسل إن لم يعلم بانّ قوله عزّ من قائل : حَتَّى يَطْهُرْنَ من باب التفعيل أو من المجرّد ؛ فإن مرجعه إلى الجهل بان موضوع الحكم الشرعي هو الحيض بمعنى قذف الدّم الزائل بالنّقاء الذي هو الطّهر وهو بمعنى الحدث الذي لا يزول الّا بالغسل فإنّ الغاية الأوّل هو الطهر وعلى الثاني هو التطهير.

وبالجملة : فاشتراط عدم استناد الشك في البقاء إلى عدم معرفة الموضوع ودوران أمره بين ما علم زواله وبين ما علم بقائه كما في المثال وفي ما دار الأمر بين كون التغيّر واسطة في العروض حتى يطهر الكرّ بزوال التغيّر من قبل نفسه وبين كونه كاشفا على استيلاء النجاسة وزوال الإعتصام بسقوط القوّة عن الكثرة العاصمة باستيلاء النّجاسة بأحد أوصافها على أوصاف الماء إنّما هو إبطال الإستصحاب الحال الذي مرجعه إلى مجرّد التعويل على العلم بالحدث مع الزّوال وقد خفي ما حقّقناه على الأستاذ قدس سره فصدر منه ما لا يخفى وهنه » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٣٠١ ـ ٣٠٢.

٣١٦

(٣٠٥) قوله : ( والتّحقيق : رجوع الكلّ إلى شروط ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٨٩ )

أقول : ما ذكره من التّحقيق بالنّسبة إلى جميع الشّروط الثّلاثة لا يخلو عن مناقشة ؛ لأنّ وجوب الفحص وعدم المعارض ليسا من شرائط الجريان ، بل من شرائط العمل على ما هو الشّأن في جميع الأصول الشّرعيّة غير أصالة الاحتياط ؛ فإنّ التّحقيق : أنّه لا شرط له بعد تحقّق موضوعه على ما عرفت تفصيل القول فيه في مطاوي كلماتنا السّابقة هذا على ما يقتضيه ظاهر كلماتهم : من الاستدلال لوجوب الفحص بالإجماع ، وأمّا بناء على الاستدلال بوجوب الفحص بالعلم الإجمالي يمكن جعل الفحص من شرائط الجريان.

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« ومجمل وجهه : انّه أمّا مع عدم بقاء الموضوع ، فانّما هو إسراء حكم موضوع إلى آخر لا انسحاب حكم الموضوع في الزّمان الثاني واستصحابه ، وامّا مع وجود الدّليل على خلاف اليقين ، فلعدم مقاومة دليله لانتفاء موضوعه به حقيقة على ما سنحقّقه إن شاء الله ، ومع عدم الفحص ، فلاحتمال وجود دليل لا مقاومة لدليله معه ، ومعه لا مجال له إلّا إذا جرت أصالة عدم الدّليل ، ولا سبيل إليها إجماعا إلّا بعد اليأس بالفحص هذا لو كان الاستصحاب من باب التعبّد ، وكذا الحال لو كان من باب الظنّ ، فإنّه على هذا ليس عبارة عن مطلق الظّنّ بالثّبوت في الزّمان الثّاني ، بل خصوص الظّن بالبقاء فيه الناشيء عن ملاحظة الثّبوت في الزّمان الأوّل. ومن المعلوم أنّه لا يكون إلّا مع اتّحاد الموضوع في القضيّة المشكوكة والمتيقّنة ، كما انّ ملاحظة الثّبوت لا يورثه إلّا فيما لم يكن هناك أمارة على الإرتفاع ، كما يظهر من عبارة العضدي أنّ الشيء الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّما كان كذلك ، فهو مظنون البقاء ، فتأمّل.

ومنه ظهر : أنّ احتمال الظّفر بالدّليل بالفحص يمنع عن إفادة ملاحظة الثّبوت للظّنّ بالبقاء ، فتأمّل » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٨١.

٣١٧

وأمّا عدم المعارض فلو كان المراد منه خصوص ما يكون حاكما على الاستصحاب كالأدلّة الاجتهاديّة مسامحة في الإطلاق فيمكن جعل عدمه شرطا للجريان ، ولكنّ الأمر ليس كذلك على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكره ( دام ظلّه ) بين القول باعتبار الاستصحاب من باب التّعبّد أو الظّن.

نعم ، لا ريب في أنّ محلّ كلامه وكلام كلّ من ذكر هذه الشّرائط مختصّ بالاستصحاب الجاري في الشّبهة الحكميّة ، وأمّا الجاري في الشّبهة الموضوعيّة فلا إشكال في عدم جريان هذه الشّروط بأجمعها فيه ، وإن جرى فيه بعضها كبقاء الموضوع وعدم المعارض هذا.

ولكن ربّما ينافي ما ذكرنا التّكلم في الاستصحاب الجاري في الموضوع الخارجي في طيّ الكلام في الشّروط حسب ما ستعرف من الأستاذ العلّامة فتأمّل.

٣١٨

(٣٠٦) قوله : ( الأوّل : بقاء الموضوع في الزّمان اللّاحق ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٨٩ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« والمراد ببقاء الموضوع أن يكون الموضوع في القضيّة المشكوكة ، هو الموضوع في القضيّة المتيقّنة بعينه ، كي يكون الشّك في اللاحق في عين ما كان الإنسان على يقين منه في السابق مثلا ، إذا كان على يقين من قيام زيد ثم شكّ في بقاء قيامه ، ولو لأجل الشّكّ في بقائه ، صحّ استصحاب قيامه ، فإنّه ما شكّ إلّا في ثبوت القيام لزيد في الخارج في الآن الثّاني بعد ما كان على يقين منه في الآن الأوّل ، ضرورة أنّ الشكّ في ثبوت النّسبة بين أمرين خارجيّين ، كما قد يكون لأجل الشك في المحمول ، قد يكون لأجل الشك في الموضوع ، مع انّ القطع بأنّ ما هو المعتبر في جريان الإستصحاب من إحراز الموضوع وانسحاب المستصحب في نفس معروضه الّذي كان معروضه في السّابق ، فلا ينافي الشّكّ في وجوده الخارجي مع القطع بإحرازه المعتبر في باب الاستصحاب ، لكونه بوجوده الخارجي موضوعا للمستصحب في المقام ، وهو القيام لأنّ إحرازه ليس إلّا بان يكون الشّكّ في قيام من كان على يقين من قيامه وهو زيد ، والشكّ هاهنا في قيامه لا قيام غيره.

هذا غاية توضيح مرامه وإن كان في كلامه ما ربّما أوقع بعض الطّلبة في الإشتباه فثبّته كيلا تقع فيه وحصل لك بذلك الإنتباه ، فالموضوع هو معروض المستصحب كما افاده ، لكن مع جميع القيود المعتبرة في عروضه عليه عقلا او شرعا أو عرفا ، ووجه اعتبار البقاء بهذا المعنى في جريان الاستصحاب وتحقّقه مطلقا كان من الظنّ أو التعبّد بالأخبار واضح لا يخفى ضرورة انّه بدونه لا يكاد ان يكون الظّن بثبوته في ثاني الحال ظنّا بالبقاء بل بحدوثه لغير ما ثبت له في الزّمان الأوّل بلا إشكال ، ولا التّوقّف عن الحكم بثبوته بالشّكّ بحسب العمل نقضا لليقين بالشكّ بلا ريب ولا شكّ ، ولعمري إعتبار بقاء الموضوع بهذا المعنى أوضح من أن يحتاج إلى مزيد بيان ومؤونة برهان ، بل من الأمور الّتي يكون قياساتها معها

٣١٩

__________________

كما لا يخفى.

وأمّا استدلاله بلزوم انتقال العرض أو كونه بلا موضوع لو لا بقاء الموضوع وهما محالان.

ففيه ما لا يخفى ، فإنّ المحال إنّما هو الانتقال ، والكون في الخارج بلا موضوع بحسب وجود العرض حقيقة ، لا بحسب وجوده تعبّدا كما هو قضيّة الاستصحاب ، ولا حقيقة لوجوده كذلك إلّا ترتيب آثاره الشّرعيّة وأحكامه العمليّة.

ومن المعلوم أنّ مؤونة هذا الوجود خفيفة ليست كمؤونة وجوده الحقيقي هذا ، مع أنّه أخصّ من المدّعى ، فإنّ المستصحب ليس دائما من مقولات الأعراض ، بل ربّما يكون هو الوجود ، وليس هو من إحدى المقولات العشر ، فلا جوهر بالذّات ولا عرض وإن كان بالعرض.

إن قلت : نعم لكنّه ممّا يعرض على الماهيّة كالعرض.

قلت : نعم إلّا انّ تشخّصه ليس بعروضه ، فيستحيل بقاؤه مع تبدّله ، بل يكون القضيّة بالعكس ويكون تشخّص معروضه به ، كما حقّق في محلّه ، بحيث لا ينثلم وحدته وتشخّصه بتعدّد الموجود وتبدّله من نوع إلى نوع آخر ، فينتزع من وجود واحد شخصيّ ماهيّات مختلفة حسب اختلافه نقصا وكمالا ، ضعفا وشدّة ، فصحّ استصحاب هذا الوجود عند الشّك في بقائه وارتفاعه ولو مع القطع بتبدّل ما انتزع عنه سابقا من الماهيّة إلى غير ما ينتزع عنه الآن لو كان هذا.

ثمّ إن المستصحب في موارد الإستصحابات تارة يكون وجود الشّيء الّذي هو مفاد كان التّامّة ، وأخرى وجوده بغيره الّذي هو مفاد كان النّاقصة ، والموضوع على الأوّل هو الماهيّة او الحصّة منها ، وعلى الثّاني الموجود على النّحو الّذي كان معروضا له سابقا ، ففي الشك في قيام زيد بعد اليقين به صحّ استصحاب ثبوته في نفسه وثبوته بغيره ، لإحراز بقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب في كلّ منهما ، ضرورة عدم انسحاب المشكوك فيهما إلّا في مورد كان مورده في حال اليقين به ، وهذا هو المراد ببقاء الموضوع كما عرفت ، لكن لا يخفى أنّ

٣٢٠