بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

فلا يحتاج إلى الإعادة والتّطويل هذا.

ولكن يمكن توجيه ما ذكره قدس‌سره بما لا ينافي ما حقّقنا بل ينطبق عليه : من كون المراد بالعمومات هو ما ذكرنا في الشقّ الثّاني ، فيكون المقصود من العمومات التي يرجع إليها في الأمثلة : هو عمومات الحلّية والبراءة والطّهارة عند الشّك ، لا مثل ما دلّ على حلّيّة الأشياء بحسب الذّات من العمومات الاجتهاديّة فقد تسامح في إطلاق التّخصيص على الحكومة على ما عرفته من جماعة في الجزء الثّاني من التّعليقة : من أنّهم أطلقوا التّخصيص على الحكومة تسامحا (١).

ويؤيّد ما ذكرنا من التّوجيه فرضه الكلام في الاستصحاب المخالف للأصل بل يدلّ عليه كما لا يخفى ، ومنه يندفع ما أورد عليه : من عدم الفرق بين الاستصحاب المخالف للأصل والموافق له ؛ ضرورة أنّ ما ذكره بالبيان الّذي عرفته لا يجري في الاستصحاب الموافق للأصل كما لا يخفى.

ومنه يظهر : أنّ ما ذكره السّيد المتقدّم ذكره قدس‌سره لا دخل له بما نحن فيه أصلا ولا ربط له به جزما فليست المسألة إذن ذات أقوال ، بل ذات قولين هذا.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من التّوجيه هو الأقرب من كلامه عند التّأمّل لا ما ذكره الأستاذ العلّامة من التّوجيه وإن كان قريبا ممّا ذكرنا ، إلّا أنّ الفرق أنّه أراد تعميم كلامه للمقام ، وقد عرفت : أنّه على خلاف التّحقيق ؛ فإنّه ممّا لا معنى له بعد التّوجيه المذكور ، مع أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) في بيانه لا يخلو عن تعسّف كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك أنّه بناء على ما ذكرنا في توجيه ما أفاده قدس‌سره لا حاجة

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ٢ / ٢٢٧.

٢٨١

إلى جعل التّعارض بين الاستصحاب الجزئي وعمومات أدلّة الأصول ؛ إذ لا يشترط في الحاكم أن يكون بحسب النّسبة أخصّ من المحكوم ، بل لا معنى له بناء على ما ذكرنا ؛ إذ الأصل الجزئي بناء على التّوهم المذكور من جعل الأصول في الموارد الجزئية أدلّة بأنفسها تعارض الاستصحاب الجزئي فيكون النّسبة تباينا لا محالة.

نقل كلام الفاضل النّراقي

وقد ذكر بعض أفاضل من قارب عصرنا أو عاصرناه كلاما بعد نقل كلام السّيد المتقدّم وكلاما في الرّد عليه يقرب ممّا ذكره الأستاذ العلّامة لا بأس بذكره والإشارة إلى ما يتوجّه عليه من المناقشة فقال قدس‌سره :

« أقول : مراد الأوّل : أنّ النّجاسة الاستصحابيّة في مورد خاصّ مدلول لعدم نقض هذا اليقين ؛ لأنّه دليل النّجاسة ودليل عدم النّقض قوله : « لا تنقض اليقين » فأفراد عدم نقض اليقين بمنزلة أفراد الأخبار والحكم المستصحب بمنزلة مدلولها ، وقوله : « لا تنقض » بمنزلة آية النّبأ ، فما ذكره صحيح.

وما ذكره الثّاني بقوله : « فيقال ... إلى آخره » فيه : أنّ مقابل النّجاسة المتيقّنة الجزئيّة الماء الدّال هذا الخبر على طهارته وحينئذ يمكن أن يعلّل طهارته بآية النّبأ.

نعم ، ما ذكره الأوّل : بأنّه لا عبرة بأدلّة الأدلّة ، فيه : أنّ التّعارض بين شيئين بتنافي مدلوليهما بخصوصهما ، أو بين عموم أحدهما وخصوص الآخر ، أو بين عمومهما سواء كان أحدهما دليلا لشيء معارض مع الآخر أم لا. ونحن نرى أنّ

٢٨٢

عموم « لا تنقض اليقين » مناف لعموم « كلّ ماء طاهر » (١) ؛ لعدم إمكان العمل بالعمومين فيتعارضان ، وكون الأوّل دليل حجيّة الاستصحابات الخاصّة لا ينفي التّعارض.

فإن قلت : نعم ، ولكن استصحاب نجاسة هذا الفرد أخصّ من « كلّ ماء طاهر » فيخصّصه فلا يكون معارضا لدليل هذا الاستصحاب.

قلنا : صلاحيّة استصحابه لتخصيصه فرع حجّيّته وهو فرع شمول قوله : « لا تنقض » ؛ إذ هو بعد علاج التّعارض بينه وبين عموم « كلّ ماء طاهر » وترجيح ذلك ، وهو لم يتحقّق بعد ؛ إذ قوله : « لا تنقض » مع عموم « كلّ ماء » في مرتبة واحدة من الحجيّة ولا يرد مثل ذلك في دليل حجيّة الأخبار ؛ لأنّ المعارض للخبر الخاصّ إن كان خبرا آخر فيشملهما (٢) آية النّبأ على السّواء وكلّ منهما يقتضي تخصيص الدّليل بالآخر وهو موجب لطرحهما وهو بعينه حكم تعارضهما وإن كان دليلا آخر ، فكما يعارض دليل حجيّة الخبر كذلك يعارض هذا الخبر دليل حجيّة ٣ / ١٦٢ هذا الشّيء ، وبعد العلاج يكون الحاصل بعد ما يحصل من علاج تعارض الخبرين ، وهذا هو السّر في عدم التفاهم إلى معارض معارضات الخبر مع أدلّة حجيّته ».

ثمّ قال : « هذا كلّه على فرض منافاة الاستصحاب مع قوله : « كلّ ماء طاهر » وإلّا فالظّاهر عدمها أيضا ؛ لأنّ مقتضى الاستصحاب الخاصّ وأدلّة حجيّة عدم نقض اليقين بمجرّد الشّك وحكمه بطهارة كلّ ماء ولو مشكوك النّجاسة ليس لأجل

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ / ٥ ـ ح ١ ، عنه الوسائل : ج ١ / ١٣٣ باب « انه طاهر مطهر ، يرفع الحدث ، ويزيل الخبث » ـ ح ٢.

(٢) وفي الأصل : « فنسبتهما إلى آية النبأ على السواء ».

٢٨٣

الشّك ، بل لأمر لا نعلمه ، وحكمنا لأجل هذا القول من الإمام عليه‌السلام.

فإن قيل : فيلزم طرح الاستصحاب في أمثال ذلك ، فلو تنجّس التّراب لم يستصحب ؛ لعموم « وترابها طهورا » (١) وكذلك « بول ما يؤكل لحمه » وغيره.

قلنا : نعم ، كذلك لو لا ترجيح الاستصحاب ، ولكن يرجّح للإجماع على عدم زوال النّجاسة إلّا بطروّ المطهّر وهو لم يطرأ ؛ لاستصحاب عدمه الخالي عن المعارض ، وكذا كلّ ما كان من قبيل النّجاسة ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا يرجّح الاستصحاب » (٢). إنتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

في الجواب عمّا أفاده الفاضل النّراقي من وجوه ستّة

وأنت خبير بما فيه :

أمّا أوّلا : فلأنّ ما ذكره أوّلا من تسليم ما ذكره السيّد من كون الدّليل في الموارد الخاصّة على الحكم الاستصحاب والدّليل عليه قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشّك » بالبيان الّذي ذكره مجملا متخيّلا أنّه مصحّح لما ذكره غير صحيح ؛ لأنّ النّجاسة المقصودة بالإثبات في المقام ليست هي النّجاسة الواقعيّة ، بل النّجاسة الظّاهريّة ، وهي ليست إلّا حكم الشارع بالبناء على ترتيب آثار النّجاسة الواقعيّة

__________________

(١) علل الشرائع : ج ١ / ١٢٨ ـ ح ٣ من الباب ١٠٦ وأورد في الخصال : ٤٢٦ باب العشرة ، اسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ح ١ كما أورده في معاني الأخبار : ٥٥ باب معاني اسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ح ١.

(٢) عوائد الأيّام : العائدة رقم ٢٢ / ٢١٥ ـ ٢٢٠ واللفظ هنا لكتاب مناهج الأحكام انظر ص ٢٣٦.

٢٨٤

عند الشّك ، وهو ليس إلّا معنى قوله : « لا تنقض » مقيسا إلى المورد الخاصّ الّذي من موارده وأفراده ، فليس في المقام أشياء بحيث يصحّ جعل أحدها دليلا ، وثانيها مدلولا ، وثالثها دليلا على الدّليل ، كما لا يخفى.

فتبيّن أنّ ما ذكره فاسد ، وما ذكره الثّاني في تقريب ردّ السيّد بقوله : ( فيقال :

النّجاسة المتيقّنة سابقا لهذا المحلّ باقية شرعا ؛ لقوله : « لا تنقض اليقين » من غير حاجة إلى أمر آخر ، ولا يمكن أن يقال : الماء طاهر ؛ لقوله : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ (١) إلّا بجعله علّة بعيدة وذكر القرينة في كمال المتانة والصّحة.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكره ثانيا في ردّ المورد على السيّد بقوله : ( فيه : أنّ مقابل النّجاسة المتيقّنة الماء الدّالّ هذا الخبر في كمال الظّهور من الفساد فإن جعل مقابل النّجاسة المتيقّنة الّتي هي مورد قوله : « لا تنقض الماء » الدّال قوله : ( كلّ ماء طاهر ) على طهارته لا ينفع في عدم جواز جعل الدّليل على الطّهارة آية النّبإ كما لا يخفى على الفطن.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ما ذكره في ردّ السيّد قدس‌سره بقوله : « نعم ، ما ذكره الأوّل : بأنّه لا عبرة بأدلّة الأدلّة ... إلى آخره ) أظهر بطلانا من أن يخفى ؛ ضرورة أنّه لا بدّ من ملاحظة النّسبة بين نفس المتعارضين ؛ إذ النّسبة بين غيرهما لا دخل لها بحكم تعارضهما هذا. مضافا إلى أنّه يرد عليه ما ذكره السيّد رحمه‌الله بقوله : « وإلّا لم يوجد في الأدلّة الشّرعيّة دليل خاصّ ».

وأمّا رابعا : فلأنّ ما ذكره بقوله : « ولا يرد مثل ذلك في دليل حجيّة الأخبار »

__________________

(١) الحجرات : ٦.

٢٨٥

يرد عليه أوّلا : بأنّ لازم ما ذكره عدم تخصيص أحد الخبرين بالآخر إذا كان التّعارض بينهما بالعموم والخصوص كما لا يخفى ، وهو كما ترى.

وثانيا : بأنّ ما ذكره في تعارض الخبر مع غير الخبر يجري في تعارض الاستصحاب الجزئي مع قوله : « كلّ ماء طاهر » ؛ فإنّه كما يعارض قوله : « كلّ ماء طاهر » مع قوله : « لا تنقض اليقين بالشّك » كذلك يعارض الاستصحاب الجزئي مع دليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ ماء طاهر » وهو آية النّبأ.

وأمّا خامسا : فلأنّ ما ذكره بقوله : « وإلّا فالظّاهر عدمها أيضا ... إلى آخره » غير مستقيم جزما ؛ لأنّ مفاد قوله : ( كلّ ماء طاهر ) ليس إلّا إثبات الطّهارة الذّاتيّة للمياه ، وهذا لا ينافي عروض النّجاسة لها بالعارض وبقاء هذه النّجاسة واقعا أو ظاهرا ، وليس لها عموم زمانيّ بأيّ من المعنيين اللّذين عرفتهما على تقدير خروج ماء منه بحسب الذّات حتّى يمنع من الاستصحاب في زمان الشّك وهذا ظاهر غير مخفيّ على الفطن.

وأمّا سادسا : فلأنّ ما ذكر في الجواب عن السّؤال الّذي أورده على نفسه بقوله : « نعم ، كذلك لو لا ترجيح الاستصحاب ... إلى آخره » (١) ممّا لا محصّل له ؛ فإنّه يرجع حقيقة إلى التّفصيل في اعتبار الاستصحاب بين الشّك في وجود المزيل والرّافع المعلوم الرّافعيّة وغيره بالاعتبار في الأوّل دون الثّاني حسب ما يظهر من كلامه قبل هذا ، وهو ليس من باب ترجيح الاستصحاب بالإجماع ؛ إذ لا دخل لمورد الإجماع به ولا معنى لإيقاع التّعارض ثمّ التّرجيح به ، مع أنّ هذا الّذي ذكره

__________________

(١) انظر مناهج الأحكام للفاضل النراقي ص ٢٣٦.

٢٨٦

يجري في الاستصحاب مع قوله عليه‌السلام : ( كلّ ماء طاهر ) ؛ لأنّ كلّ شيء تنجّس لا يرفع نجاسته إلّا بالمطهّر إجماعا فتدبّر. هذا ملخّص الكلام في دليل القول الثّاني على فرض وجود القول به.

وأمّا دليل القول بالتّفصيل بين المقامين ـ الّذي اختاره الأستاذ العلّامة ناسبا له إلى من عرفت (١) ـ فقد علم ممّا ذكرنا كلّه من الكلام في النّقض والإبرام وملخّصه : أنّه إذا فرض تقطيع الزّمان بحسب جعل الحاكم في تعلّق الحكم بالفعل المتعلّق بكلّ فرد في كلّ جزء منه ، بحيث يكون الفرد الموجود في كلّ جزء من الزّمان من العامّ غير الفرد الموجود في الجزء الآخر بحسب الجعل في عالم الموضوعيّة ، فلا شبهة في رجوع الشّك بالنّسبة إلى الزّمان المشكوك إلى الشّك في التّخصيص الزّائد على القدر المعلوم ، فلا بدّ من الرّجوع إلى العموم ، بل لو فرض عدم عموم في هذا الفرض من جهة فرض إجماله بإجمال المخصّص ـ على القول بإيجابه الإجمال في العام ـ لم يكن معنى للرّجوع إلى الاستصحاب ؛ لفرض تغيّر الموضوع قطعا بوجود الزّمان المشكوك فلا معنى للاستصحاب.

وإذا فرض عدم تقطيعه على النّحو المفروض وكون عموم الزّمان مستفادا من دخول الفرد ورجوع عموم الزّمان إلى استمرار الحكم الواحد فلا إشكال في ٣ / ١٦٣ تعيّن الرّجوع إلى الاستصحاب في زمان الشّك ؛ لعدم رجوع الشّك إلى الشّك في التّخصيص ؛ لفرض كون العموم تابعا لدخول الفرد ، فإذا فرض خروجه فلا معنى لبقاء العموم بالنّسبة إلى الزّمان.

__________________

(١) وهو الرأي المشهور واختاره الشهيد الثاني كما مرّ.

٢٨٧

بل لو فرض عدم جريان الاستصحاب في هذا الفرض ؛ لرجوع الشّك إلى الشّك في المقتضي ونحوه لم يكن معنى للرّجوع إلى العام ؛ لارتفاع العموم بالنّسبة إلى الزّمان قطعا ، فصحّ من ذلك أن يقال : إنّ كلّ مورد لا يرجع فيه إلى الاستصحاب من محلّ الفرض لا يرجع فيه إليه وإن فرض عدم العموم ، وكلّ مورد يرجع فيه إلى الاستصحاب لا يرجع فيه إلى العموم وإن فرض عدم جريان الاستصحاب.

فهذا هو المراد ممّا ذكره ( دام ظلّه ) بقوله : ( لما عرفت : من أنّ مورد جريان العموم ... إلى آخره ) (١) لا أنّ كلّ مورد لا يرجع فيه إلى العموم لا يرجع فيه إلى الاستصحاب وإن فرض عدم العموم ؛ لوضوح فساد ذلك ؛ إذ كثيرا ما لا يعمل بالاستصحاب من جهة وجود العموم أو الإطلاق أو غيرهما من الأدلّة الاجتهاديّة في مقابله بحيث لو لم تكن موجودة يرجع إلى الاستصحاب قطعا هذا.

وأمّا بناء على ما اختاره المحقّق الثّاني فيرجع في القسم الثّاني إلى الاستصحاب لو فرض عدم عموم ثمّة ؛ لأنّ رفع اليد عن الاستصحاب على ما اختاره بواسطة العموم كما لا يخفى.

هذا حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) ولكنّك خبير : بأنّ تصديق ما أفاده ( دام ظلّه ) يحتاج إلى مزيد تأمّل فتأمّل.

(٢٩٣) قوله : ( لأنّه من قبيل الشّك في موضوع الحكم الشّرعي لا في نفسه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٧٨ )

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٧٧.

٢٨٨

أقول : لا إشكال فيما ذكره ( دام ظلّه ) ؛ لأنّه بعد ما ثبت بالدّليل الخارجي حرمة العصير العنبي بعد الغليان ما لم يذهب ثلثاه بالنّار ، فقد خرج هذا الموضوع عن العمومات الاجتهاديّة الدّالة على حلّيّة الأشياء ، فإذا شكّ في تحقّق الثّلثان وعدمه فيشكّ في تحقّق المخرج والخاص وعدمه بعد القطع بثبوت التّخصيص والإخراج ، فهذا ليس له دخل بالشّك في الحكم الشّرعي ؛ لأنّ الحكم الشرعي معلوم معيّن لا شبهة فيه أصلا ، وإنّما الشّك في تحقّق الموضوع ، فيرجع فيه إلى استصحاب عدم تحقّق الثّلثان وبقاء العصير على ما كان عليه ، فهنا ليس مورد التوهّم كونه مخصّصا للعمومات.

وهذا بخلاف الشّك في المثالين الأخيرين ؛ فإنّ الشّك فيهما في أصل الحكم الشّرعي الكلّي ، فيتوهّم الرّجوع إلى العام بالنّسبة إليه ، وإن كان هذا التّوهم فاسدا بناء على ما عرفت : من أنّه إذا خرج فرد من العام ولم يكن له عموم زماني لم يكن معنى للرّجوع إليه في زمان الشّك ، وهذا حاصل مرامه ( دام ظلّه ).

* * *

٢٨٩

* التنبيه الحادي عشر :

لو تعذّر بعض المأمور به فهل يستصحب وجوب الباقي (١)؟

(٢٩٤) قوله : ( إلّا أن العرف لا يرونها ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٨٠ )

التوجيه الأوّل ونظرة العرف

أقول : أراد به أنّ المستصحب وإن كان هو الوجوب الأعمّ من الغيري والنّفسي ـ وانطباقه على الثّاني من باب اللّزوم العقلي ، وكان مقتضى القول بعدم اعتبار الأصول المثبتة مطلقا عدم الاعتناء به ـ إلّا أنّ هذه الواسطة في نظر العرف من الوسائط الخفيّة بحيث يبنون على كون معنى إبقاء وجوب الجزء هو الالتزام

__________________

(١) قال المحقق الطهراني قدس‌سره :

« لا إشكال في عدم جريان القاعدة الشريفة إلّا مع الشك في الرّافع ، فلو لم يعرف الموضوع ودار أمره بين ما علم زواله وبين ما علم بقاءه لم يجر الإستصحاب بهذا المعنى ، فمرجع الشك في بقاء الحكم وزواله عند تعذّر بعض الاجزاء لو كان إلى عدم معرفة الموضوع لم يجر الاستصحاب ، ولكن من الأجزاء ما يختصّ جزئيّته بحال الإختيار كالشرائط والموانع ، ومرجعه إلى ضعف التقيّد في مرحلة الإمتثال فيجري الإستصحاب بمعنى الاخذ بالمقتضي حينئذ ؛ فإن التقيّد لو لم يكن كان الحكم مطلقا ، فكما ان الشك في اصل الجزئيّة والشرطيّة كالمانعيّة يجري فيه الأصل فكذا إذا كان في الشدّة ، ولا ينافي هذا ما أصّلناه من اختصاص الشك في المانع بهذا الأصل ؛ فإن مرجع الشك في الجزء والشرط حينئذ إلى الشك في المانع » إنتهى. أنظر محجة العلماء : ٢ / ٢٩٥.

٢٩٠

بوجوبه النّفسي فلا يرون مغايرة بين الوجوبين أصلا.

(٢٩٥) قوله : ( ويمكن توجيهه بوجه آخر ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٨٠ )

__________________

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« هذا الوجه ـ وإن اختاره المصنّف ـ أزيف الوجوه.

حيث إنّ عدّ المركب الفاقد للجزء المتعذّر عين الواجد له في نظر العرف بالمسامحة كما ترى.

ولا إعتبار بهذا التسامح على تقديره بعد العلم بجزئيّته المتعذّر ، وقياسه بعدّ العرف الماء الباقي في الحوض عين الماء السابق الذي قد أخذ مقدار منه بالنسبة إلى معروض الكرّيّة ليس في محلّه.

إذ المقدار المأخوذ من الماء هناك لم يعلم دخلها في تحقّق الكرّ ، فلعلّه كان زائدا على الكرّ بخلاف ما نحن فيه ؛ لفرض الجزئيّة فيه.

[ على انه يشكل ] صحّة استصحاب الكرّيّة أيضا لعدم بقاء الموضوع.

نعم ، يمكن إجراء استصحاب عصمة شخص هذا الماء للعلم بها سابقا ؛ حيث إنّ هذا الماء كان في السابق كرّا أو جزء للكرّ ، وعلى التقديرين كان عاصما معصوما والأصل بقاء وصفه بالعصمة » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الاصول : ٣ / ٣٢٠.

* وقال المحقق الشيخ رحمة الله الكرماني قدس سره :

« رداءة هذا التوجيه غير محتاجة إلى التوضيح ، وليت شعري هل كون الباقي واجبا نفسيّا مع مدخليّة الجزء المفقود في اتصافه بالوجوب النفسي في حال الإختيار التي هي الحالة السابقة للمستصحب غير كون الباقي واجبا تبعيّا والمجموع واجبا نفسيا فيها ، والفرق بين الجزء المفقود والحالات المتبادلة واضح للقطع بمدخليّة ذيها ؛ فإنّها غير مقطوعة المدخليّة ، والتنظير بالماء الكرّ الذي نقص منه مقدار فشك في بقاء الكرّية بغير نظير للقطع بمدخليّة الجزء في الإتصاف بالوجوب النفسي والشك في مدخليّة المقدار المأخوذ من الكرّ في اتّصافه

٢٩١

التوجيه الثاني والفرق بينه وبين التوجيه السابق

أقول : الفرق بين هذا الوجه وسابقه ممّا لا ينبغي أن يخفى على ذي مسكة ، فإنّ المستصحب في الأوّل هو الوجوب القدر المشترك بين النّفسي والغيري ، وفي هذا التّوجيه المستصحب هو الوجوب النّفسي.

وأمّا الفرق بينه وبين التّوجيه الأخير فهو : أنّ المستصحب في هذا التّوجيه هو نفس الوصف القائم بالمحلّ نظير استصحاب كرّيّة ، الماء المشكوك كريّته ولذا يحتاج إلى جعل معروض الوجوب النّفسي بحكم العرف هو غير الجزء المفقود ،

__________________

بالكرّيّة في الحالة السابقة ، فإن كنت إبنا للدليل فاسلك في سواء السبيل ولا تكن على إثبات العليل الوكيل ، والمسلّم من مسامحة العرف عن الجزء المفقود هو الجزء المشكوك المدخليّة في الإتصاف لا ما علم مدخليّته ، ولذا تراهم لا يتسامحون عن الجزء القليل من الماء المفقود من الكر ، فلا يجرون على الباقي أحكام الكرّ ، ولو كان الباقي فاقد القليل فينبغي تنظير ما نحن فيه بكرّ فقد مقدارا ولو قليلا منه ، فإن سامح العرف عنه واستصحبوا أحكام الكرّ ففي ما نحن فيه أيضا كذلك.

ولعمري إن هذا المثال مما يفتضح به التوجيه المذكور لاستصحاب وجوب الجزء.

ثم اعلم ان الفرق بين هذا التوجيه والثالث الآتي على ما يظهر مما يأتي من كلامه وتنظير هذا بالكرّيّة المستصحبة والثالث الآتي بالكرّ المستصحب : هو ان المستصحب في هذا هو الوجوب النفسي وفي الآتي معروضه ، مع انه صدر التوجيهين بالعكس ، فصدّر هنا بمعروض الوجوب النفسي وفي الآتي باستصحاب الوجوب النفسي بحيث يتوهّم ، بل يفهم لو لا التنظير العكس والحريّ بما أراده هو العكس ، فإن فهمت مقاصدي بالإشارة فطوبى لك بالبشارة » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّي : ٣٩٧.

٢٩٢

بدعوى كون المفقود من الحالات والكيفيّات الّتي ليست معروضة للطّلب ، كدعوى عدم مدخليّة الجزء المفقود من الماء في كريّة الماء الموجود ، وكونها قائمة بنفس الماء الموجود ، ولذا يجعل معروض المستصحب باعتبار الزّمان السّابق ، ويحمل عليه بهذا الاعتبار فيقال : إنّ هذا الماء كان كرّا ، والأصل بقاؤه على الكريّة ، أو بقاء كريّته.

وهذا بخلاف المستصحب في القسم الأخير ؛ فإنّه ذات المتّصف وإن كان المقصود من استصحابها إثبات قيام الوصف بالمحلّ واتّصافه به ، فاستصحابها نظير استصحاب وجود الكرّ في الحوض ؛ لإثبات قيام الكريّة بالماء الموجود فيه من غير أن يجعل نفس كريّته موردا للاستصحاب ، ولهذا لا يحتاج إلى جعل معروض المستصحب نفس الأجزاء الموجودة ، بل هذا الجعل والتّنزيل على هذا التّقدير ممّا لا معنى له كما لا يخفى.

وهذا بخلاف التّوجيه السّابق ؛ فإنّه لا يمكن استقامته إلّا بجعل مورد الوجوب ادّعاء نفس الأجزاء الباقية ، فالاستصحاب على التّوجيه الأخير لا يتمّ إلّا على القول باعتبار الأصول المثبتة وإن بني على لزوم إحراز الموضوع بالدّقة العقليّة ، وفي الأوّل لا يتمّ إلّا على القول بكفاية إحراز الموضوع بالمسامحة العرفيّة وإن بني على فساد القول باعتبار الأصول المثبتة كما لا يخفى.

نعم ، يشتركان في لزوم الشّك في مدخليّة الجزء المفقود في المطلوبيّة مطلقا أو في حال الاختيار ، وإلّا لم يكن معنى لفرض الاستصحاب والتّكلّم فيه في هذا المبحث كما لا يخفى.

٢٩٣

(٢٩٦) قوله : ( وهذا نظير استصحاب الكريّة في ماء ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٨٠ )

التوجيه الثالث والتنظير المزبور

أقول : لا يخفى عليك أنّه لا بدّ أن يكون المراد من تشبيه الفرض بما ذكر من المثال تشبيهه به من حيث ابتناء كلّ منهما على المسامحة العرفيّة في إحراز ٣ / ١٦٤ الموضوع ، وإلّا فلا دخل للمثال بالفرض أصلا ؛ حيث إنّ المفروض في المقام القطع بمدخليّة الجزء المفقود في المستصحب في الزّمان السّابق وفي حال التّمكن منه حتّى على القول بالوضع للأعمّ ؛ إذ لا فرق فيما ذكر بين القول بالوضع للصّحيح والوضع للأعمّ كما لا يخفى ، وإنّما الشّك في مدخليّته في حال عدم التّمكن في الزّمان الثّاني.

وهذا بخلاف المثال ؛ فإنّ مدخليّة الجزء في المستصحب مشكوك من أوّل الأمر أيضا ؛ حيث إنّه لا يعقل أن يتفاوت الأمر فيه بين صورتي الوجود والعدم ، ومجرّد وجوده في الزّمان الأوّل لا يوجب مدخليّته فيه كما لا يخفى.

وهذا بخلاف الفرض ؛ فإنّه يمكن التّفكيك فيه في الجزئيّة بين الحالين كما هو مبنى الكلام ومحلّ البحث ، فالقياس بين المثال والفرض لا يصحّ إلّا على الوجه الّذي ذكرنا.

٢٩٤

(٢٩٧) قوله : ( ويظهر فائدة مخالفة التّوجيهات ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٨١ )

وجه ظهور مخالفة التوجيهات والمناقشة فيها

أقول : لا خفاء فيما ذكره ( دام ظلّه ) بعد ملاحظة ما ذكرنا في بيان الفرق بين التّوجيهات ؛ فإنّ مبنى الأوّل لم يكن على إرادة الوجوب النّفسي من المستصحب ، بل على إرادة القدر المشترك القائم بالأجزاء في ضمن الوجوب الغيري القائم بها ، ومن المعلوم أنّ هذا المعنى لا يتفاوت الأمر فيه بين كون الجزء الغير المقدور من معظم الأجزاء أو من غيره.

ومبنى الثّالث وإن كان على إرادة الوجوب النّفسي إلّا أنّه لم يعتبر قيامه بما بقي من الأجزاء بحكم المسامحة العرفيّة حتّى يضرّه انتفاء معظم الأجزاء الّتي بها قوام المركب.

وهذا بخلاف مبنى الثّاني ؛ فإنّه كان على إرادة الوجوب النّفسي للأجزاء الباقية ببناء العرف على جعل متعلّق الوجوب مسامحة غير الجزء المفقود بتنزيله منزلة الحالة التي لا يعرضها الوجوب ، ومن المعلوم عدم جريان هذه المسامحة في صورة بقاء أقلّ قليل من الأجزاء.

وأمّا وجه ظهور مخالفتها فيما كان المفقود شرطا : فلأنّه ليس معروض الوجوب في صورة التّمكن منه حتّى يجعل المستصحب هو الوجوب القدر المشترك القائم بالوجوب النّفسي القائم بالباقي والمفقود في الزّمان الأوّل ، فلازم هذا المعنى عدم جريان الاستصحاب فيما كان المفقود الشّرط على التّوجيه الأوّل ؛ حيث إنّه كان مبنيّا على إرادة القدر المشترك ، وجريانه على التّوجيهين

٢٩٥

الأخيرين لعدم ابتنائهما على القدر المشترك. هذا ملخّص ما يقال في توجيه ما ذكره.

ولكن قد يستشكل فيه : بأنّ الشّرط وإن لم يكن معروض الوجوب أصلا ، إلّا أنّ تقييده كان معتبرا في الواجب ؛ ضرورة أنّ معروض الوجوب النّفسي هو المشروط من حيث إنّه مشروط ، لا ذات المشروط والأجزاء مع قطع النّظر عن الشّرط ، وإلّا لم يكن معنى لشرطيّة الشّرط كما لا يخفى. فالأجزاء الغير الملحوظ معها الشّرط في الزّمان الأوّل لم يكن معروضة إلّا للوجوب الغيري ، فيكون حال فقد الشّرط إذن حال فقد الجزء في جريان الاستصحاب في صورة فقده على التّوجيه الأوّل هذا.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) : من ظهور مخالفة التّوجيهات في صورة فقد الشّرط يكون خارجا عن محلّ الفرض ؛ فإنّ الكلام إنّما هو في جريان الاستصحاب في صورة فقد بعض أجزاء المركّب ، اللهمّ إلّا أن يجعل المراد من المركّب الأعمّ من الذّهني والخارجي ـ فتأمّل ـ أو يجعل المركّب كناية عن المأمور به ، والأجزاء كناية عمّا يعتبر فيه مطلقا فتدبّر.

٢٩٦

(٢٩٨) قوله : ( وحيث إنّ بناء العرف ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٨١ )

__________________

(١) قال المحقق الأصولي الآخوند الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى ان بناء العرف على عدم جريان الاستصحاب في فاقد معظم الأجزاء ، لا يكشف عن فساد التوجيه لعدم اتّباع بناء العرف في بقاء تطبيق المفاهيم على مصاديقها ، وعدم تطبيقها مسامحة أو خطأ بعد التّطبيق ، أو عدمه على التّحقيق والتّدقيق ، فبعد تنقيح مفهوم خطاب « لا تنقض » بحسب الانفهام العرفي ، وأنّه يعمّ الاستصحاب في الفاقد ، لا مجال لاستكشاف بطلان التّوجيه من عدم بناء العرف على عدم جريان الإستصحاب في قاعدة معظم الأجزاء مسامحة أو خطأ ، مع شمول الخطاب له حقيقة بلا ارتياب.

نعم ، لو كان الاستصحاب حجّة من باب بناء العقلاء يكون بناؤهم على عدم الجريان كاشفا عن فساد التّوجيه في خصوص فاقد معظم الأجزاء لا مطلق فاقد الجزء ، وجريان الاستصحاب في فاقد الشّرط وإن لم يكن بهذا التّوجيه ، ضرورة عدم اتّصاف فاقده بالوجوب الغيري ، فانّه مباين للواجب وضدّ له ، لا ممّا يتوقّف عليه ، وكذا ما في ضمنه من القدر المشترك بينه وبين الواجد ، لأنّها من أجزائه التّحليليّة وهي لا يتّصف بالوجوب مقدّمة.

هذا ، مع انّ ما في ضمن الفاقد يكون متّحدا معه وجودا ، بل هو عينه خارجا ، وقد أشرنا إلى أنّ الفاقد يكون مباينا للواجب ، فكيف يكون مقدّمة لوجوده ، إلّا أنّه لم يظهر أنّ ذلك ، أي جريان الاستصحاب فيه ، بملاك جريانه في فاقد الجزء ، بل لعلّه كان بملاك آخر ، مع أنّ اشتراكهما في ملاك لا يمنع عن اختصاص أحدهما بالآخر ، فتدبّر.

ثمّ انّه قد ظهر أيضا بما ذكرنا أنّه لا يكشف بنائهم على استصحاب وصف الكرّيّة ، لا الكرّ عن شيء ، مع انّ الظّاهر انّ بنائهم على ذلك إنّما هو لأجل أنّ استصحاب الكرّ لا يجدي في ترتيب الآثار المهمّة ، إلّا بناء على الأصل المثبت مطلقا ، سواء كان الشّكّ في كرّيّة الموجود أو أصل وجود الكرّ ، كما لا يخفى » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

* وقال المحقق الطهراني قدس سره :

٢٩٧

الصحيح من هذه التوجيهات عند الأستاذ ومنافاته

لما سبق منه في فروع الأقلّ والأكثر

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما اختاره ( دام ظلّه ) هنا مناف لما اختاره ( دام ظلّه ) في الجزء الثّاني من « الكتاب » في فروع الأقلّ والأكثر : من جريان الاستصحاب على التّوجيه الأوّل ، وإن كان ما ذكره في المقام : من عدم (١) صحّته ، في كمال المتانة لما عرفت سابقا في باب استصحاب الكلّي ؛ لأنّ الوجوب النّفسي ليس فردا أشدّ من الوجوب الغيري حتّى يكون الشّك راجعا إلى الشّك في التّبدّل ، بل هو فرد آخر مباين له ومناف لنتيجة ما ذكره في المقام ؛ لأنّ نتيجته عدم جريان الاستصحاب على التّوجيه الثّاني مطلقا هذا. مضافا إلى أنّ مقتضى الإنصاف عدم الجزم ببناء العرف على المسامحة في المقام ، كما في مثال الكرّ.

والمقصود من جعل الجزء بمنزلة الشّرط والحالة إن كان بالنّسبة إلى الشّرط الّذي علمت شرطيّته فننقل الكلام بالنّسبة إليه ، وإن كان بالنّسبة إلى ما شكّ في شرطيّته فالقياس به في غير محلّه.

ثمّ إنّه يرد على التّوجيه الأخير ـ مضافا إلى ما ذكره ( دام ظلّه ) ـ ما عرفته

__________________

« قد غفل عن ان الإستصحاب إنما هو لدفع احتمال المزيل والحكم بان الباقي غير الزائل مسامحة مرجعه إلى البناء على عدم الزوال لتنزيل ما زال منزلة العدم وهو مع فساده في نفسه أمر وراء الإستصحاب لو تمّ ؛ فإن احتمال أن يكون تبدّل الحال مزيلا غير حاصل وإنّما الشك في بقاء الموضوع بالفرض » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٩٩.

٢٩٨

في طيّ كلماتنا السّابقة في بيان الفرق بين التّوجيهات من كونه من الأصول المثبتة.

(٢٩٩) قوله : ( وكذا لا فرق بناء على عدم الجريان ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٨٢ )

النكتة في عدم الفرق بناء على جريان الاستصحاب

بين تعذّر الجزء بعد تنجّز التكليف أو قبله

أقول : لا يخفى عليك النّكتة في نفي الفرق بين القسمين الأوّلين بناء على القول بجريان الاستصحاب في الفرض ، وبين القسمين الأخيرين بناء على عدم جريانه فيه ؛ فإنّ القسم الثّاني من الأوّلين يتوهّم : عدم جريان الاستصحاب فيه ولو على القول بجريان الاستصحاب في الوجوب المتعلّق بالأجزاء بعد تعذّر الكلّ وارتفاع الوجوب عنه.

والقسم الثّاني من الأخيرين يتوهّم : جريان الاستصحاب فيه ولو على القول بعدم جريان الاستصحاب في الفرض ؛ حيث إنّ المفروض عدم العلم بمدخليّة الجزء المتعذّر في المأمور به حتّى يقال ـ في منع جريان الاستصحاب بالنّسبة إلى وجوب الباقي ـ بأنّ الوجوب الغيري المتعلّق به ارتفع قطعا ، والنّفسي المقصود إثباته لم يكن ثابتا في الزّمان الأوّل جزما ، وإنّما المحتمل ثبوته بعد تعذّر الجزء.

ثمّ إنّ ملخّص ما ذكره من الوجه في نفي الفرق بين القسمين الأوّلين : هو أنّه لا ريب عند ذوي الأفهام المستقيمة أنّ للأجزاء في القسم الثّاني أيضا نحوا من

٢٩٩

الوجوب الّذي لا يعقل الإشكال في تحقّقه وتقرّره على نحو تقرّر سائر ٣ / ١٦٥ الموجودات ضرورة عدم توقّف صدق الشّرطيّة على صدق الشّرط هذا. وإن شئت توضيح القول في ذلك وتفصيله فراجع إلى ما ذكرنا سابقا من الكلام في دفع توهّم عدم جريان الاستصحاب التّعليقي.

وبين القسمين الأخيرين هو : أنّ وجوب الخروج عن عهدة التّكليف في زمان التّمكن عمّا يشكّ في جزئيّته إنّما هو من جهة حكم العقل بعد القطع باشتغال الذّمة بالتّكليف المردّد بين تعلّقه بالأقلّ أو الأكثر ، ومن المعلوم ضرورة عدم وجود هذا المناط في صورة عدم القدرة على الإتيان بالزّائد ؛ لرجوع الشّك إذن إلى الشّك في أصل التّكليف.

واستصحاب الوجوب مع قطع النّظر عن ابتنائه على المسامحة في إحراز الموضوع غير جار فيه كما في القسم الأوّل ؛ حيث إنّ الوجوب الغيري على تقدير ثبوته قد ارتفع قطعا ، والوجوب النّفسي المراد إثباته لم يعلم ثبوته من أوّل الأمر أيضا ، فليس بدّ إذن من جعل المستصحب هو القدر المشترك ، أو الوجوب النّفسي باعتبار إحدى المسامحتين المتقدّمتين.

وأمّا جعل المستند في وجوب الاحتياط استصحاب التّكليف والاشتغال ، ففيه ـ مع ما عرفت سابقا : من فساد التّمسّك به من وجوه ـ : أن التّمسك به في المقام لا يجوز إلّا باعتبار ما ذكرنا فتأمّل (١).

__________________

(١) الوجه في التأمّل : أن الإستصحاب على هذا الوجه وإن كان متوقّفا على إحدى المسامحات أيضا إلّا ان المدّعى عدم إمكان مانعيّة فقد الجزء الثابت جزئيّته بهذا الإستصحاب عن إستصحاب الوجوب بالنّسبة إلى الباقي فتدبّر. ( منه دام ظلّه ).

٣٠٠