بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

محدودة بزمان مجيء النّبي اللّاحق وأخبر أمّته بذلك كما وقع ذلك لحضرة عيسى « على نبيّنا [ وآله ] وعليه‌السلام » بالنّسبة إلى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما نطق به الكتاب المجيد فيصحّ إذن دعوى الفاضل القميّ التّحديد في أغلب النّبوّات هذا.

ولكنّك خبير بأنّ ما ذكر مناف لما ثبت من أنّ شريعة كلّ نبيّ ناسخة لشريعة من قبله ، اللهمّ إلّا أن يقال بورود مثل ذلك بالنّسبة إلى نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ حيث إنّ من المعروف كون شريعته ناسخة لجميع الشّرائع ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ التّحديد في النّبوة لا يستلزم التّحديد في الأحكام والشّريعة الثّابتة للنّبيّ فيكون إطلاق النّسخ بالنّسبة إلى الشّريعة مع تحديد النّبوة مبنيّا على هذا فتأمّل.

وقد يختلج بالبال في دفع أصل الإيراد الّذي أورده ( دام ظلّه ) على الفاضل القميّ كلام لا يبعد كونه مرادا للفاضل القميّ قدس‌سره وهو أن يقال : إنّ مراد الفاضل ممّا ذكره من التّحديد المانع من التمسّك بأدلّة أغلب النّبوات في الفرد المشكوك ليس هو التّحديد بحسب الدّليل ظاهرا بمعنى كون أدلّتها محدودة ، بل المراد هو التّحديد بحسب الواقع فأراد أن يقول ـ بعد ثبوت التّحديد في أغلب النّبوّات بحسب الواقع ـ لا ينفع إطلاق أدلّتها في حصول الظّن بالاستمرار منها بالنّسبة إلى الفرد المشكوك ؛ حيث إنّ حصول الظّن منها كان مستندا إلى العلم بإرادة الاستمرار منها من الخارج فإذا علم خلافه فكيف يعقل حصول الظّن منه؟! وهذا هو الّذي ظهر لي من كلامه بعد التّأمل ، وبعده لا مجال لما أورده عليه أصلا كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما ذكرنا أخيرا وإن كان قريبا ممّا أوردنا على ما استظهرناه من الأستاذ العلّامة أوّلا ، إلّا أنّه لم يكن مبنيّا على بيان مراد الفاضل من التّحديد ، بل كان مبنيّا على كون مراده من التّحديد هو التّحديد بحسب الدّليل.

٢٤١

(٢٧٤) قوله : ( وأمّا ثانيا : فلأنّ غلبة التّحديد ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٦٥ )

__________________

(١) قال سيّد العروة قدس‌سره :

« وفيه : أنّ غلبة التحديد مجدية في مقصود المحقق وهو منع إحراز إستعداد البقاء في نبوّة يراد استصحابه لعدم إحراز غلبة الإستمرار.

وأيضا حصر مورد قاعدة الحمل على الأغلب فيما كان هناك أصناف ثلاثة : غالب ونادر ومشكوك ، ممنوع.

بل مناطه وهو رجحان الظنّ في جانب الغالب يجري فيما كان هنا صنفان غالب ونادر ، ويشك في فرد أنّه عين الفرد النادر أو من الأفراد الغالبة ، فلا ريب انه يظن انه من الغالب » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٠٨.

* وقال المحقق الخراساني قدس سره :

« إنما يكون غلبة التحديد في الأفراد مجدية في إلحاق الضرر المشكوك بالغالب وهو هنا غير مراد لا في المنع عن استصحابه ؛ لعدم إحراز إستعداده للإستمرار مع إستقراء عدمه في غيره من الأفراد.

وبالجملة : فالغلبة إن لم يكن مجدية هاهنا للظن بلحوق المشكوك كما أفاده ، إلّا أنه لا أقلّ من إفادتها المنع عن حصول الظنّ فيه بالإستمرار والمفروض عند القمّي اعتبار إستعداده في جريان الإستصحاب » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٧٢.

* وعلّق عليه المحقّق الأصولي الفاضل الكرماني قائلا :

أقول : من الواضح الجلي ان إحراز الإستعداد للبقاء لم يتوقف على الظن بالبقاء لو سلّم توقّفه على عدم الظنّ بالبقاء دورا فاضحا وتحصيلا لما كان حاصلا.

فالأولى لنا أن نصرف الكلام في هذا المقام عن النقض والإبرام فيما ليس فيه مزيد إهتمام إلى ما يستنتجه الكتابي من استصحابه على علماء الإسلام فإن أراد به الردّ علينا بأن الإستصحاب الذي تعترفون باعتباره وحجّيّته حاكم بأن تكليفكم أيّها المسلمون فعلا أن

٢٤٢

أقول : حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) : أنّ الغلبة إنّما تنفع في إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب إذا علم بوجود فرد آخر يحتمل كونه الفرد النّادر ، أو أفراد يحتمل كون النّادر في ضمنها ليمكن حصول الظّن بكون المشكوك مثل الأغلب في الحكم أو الصّفة. وإن لم يعلم بذلك واحتمل انحصار الفرد في المشكوك فلا يمكن إلحاقه بالأغلب وحصول الظّن بكون المشكوك مثل الأغلب ، وإلّا فيؤدّي إلى اجتماع الظّن والعلم على طرفي النّقيضين وهو محال.

__________________

تكونوا على شريعة موسى « على نبينا وآله وعليه‌السلام » وأخذكم بغيرها خلاف ما يدل عليه دليلكم الذي تسلّمونه وتصدّقونه فليس يرد علينا شيء من ذلك ؛ فإن الإستصحاب يحكم بعدم جواز نقض اليقين بغير اليقين ونحن نقضنا اليقين باليقين على ان اليقين السابق لم يحصل لنا إلّا من هذا اليقين فهو تبع له ومعلول له لو لم يكن لم يكن ، فلا له علينا من هذه الجهة به سبيل.

وإن أراد إظهار معذرة لنفسه في تأبّيه عن قبول الشريعة الغرّاء والطريقة الحنيفيّة البيضاء بأن يقول : تكليفي فعلا بمقتضى الإستصحاب البقاء على المتيقّن السابق حتى يحصل اليقين بالخلاف ولم يحصل فنحن نعذره ، لكن بعد الفحص والبحث والنظر في الأدلّة الدالّة على ثبوت هذا الدين ونبوّة سيد المرسلين وعدم حصول اليقين له اللازم الحصول للجدّ الصادق من غير تقصير في تحصيل المقدّمات وكونه معذورا على هذا التقدير يصدق مع امتناع التقدير ؛ فإن صدق الشرطيّة لا يتوقّف على صدق الشرط.

وأمّا قبل النّظر والجدّ في تحصيل اليقين بالبحث والفحص فلا ؛ لأنه مخالف لحكم العقل القطعي بوجوب النظر لدفع الضّرر المحتمل.

وبالجملة : لم ينتج الإستصحاب للكتابي فائدة يعضّ بها ويرتجز في مضمار المسلمين بانه لها ، فهو كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، فبالحريّ في هذا المقام ان نختم الكلام بالسلام » إنتهى. أنظر حاشية رحمة الله على الفرائد المحشّي : ٣٩٢.

٢٤٣

مثلا : إذا علم بوجود شياة سوداء مثلا في قطيع غنم أبيض ، فمرّ القطيع على الشّخص في ليلة ظلماء واحدا بعد واحد إلى أن يبقى منه ما يحتمل كونه آخر ٣ / ١٥٤ الشّياة فلا يمكن حصول الظّن حينئذ ـ بعد العلم بكون ما مرّ كلّه أبيضا (١) ـ بكونه أيضا أبيض بملاحظة غلبة البياض في القطيع. وهذا بخلاف ما لو بقي من القطيع ثلاث شياة مثلا يعلم بكون إحداها الفرد النّادر ؛ فإنّه يمكن حصول الظّن من ملاحظة الغلبة ببياض ما يمرّ منها على الشّخص أوّلا.

فإذن نقول في المقام أيضا : إنّه إذا علم تجديد أغلب النّبوات ونسخها وعلم باستمرار إحدى النّبوّات أيضا ، ووقع الكلام في أنّ النّبوة المستمرّة النّبوة الثّابتة لعيسى مثلا « على نبيّنا وآله وعليه‌السلام » حتى لا يكون نبيّنا نبيّا وصاحب شريعة ، أو الثّابتة لغيره حتّى يمكن دعوى النّبوّة لنبيّنا لا يمكن حصول الظّن بعدم بقاء نبوّة عيسى « على نبيّنا وآله وعليه‌السلام » من جهة غلبة النّسخ والتّحديد في النّبوات الثّابتة قبلها ، بل يمكن أن يثبت بأصالة عدم الغير كون الفرد النّادر المستمرّ هو الفرد المشكوك ، كما هو الحال في كلّ ما يكون من قبيل المقام هذا ملخّص ما أفاده ( دام ظلّه ) في « الكتاب » وفي مجلس البحث.

__________________

(١) كذا والصحيح : أبيض.

٢٤٤

مناقشة كلام الاستاذ العلّامة في المقام

ولكنّك خبير بعدم خلوّه عن النّظر :

أمّا أوّلا : فلأن المحقّق المذكور حسب ما يفصح عنه مقالته لم يدّع حصول الظّن بعدم بقاء نبوّة من شكّ في بقاء نبوّته ووقع الكلام فيه من جهة غلبة النّسخ والتّحديد في النّبوّات حتّى يورد عليه بما ذكر ، بل الّذي يدّعيه وفي صدد بيانه : هو عدم إمكان دعوى حصول الظّن ببقاء نبوّة من وقع الكلام في بقاء نبوّته ، بملاحظة إطلاق أغلب النّبوّات : من جهة العلم بكون أغلب النّبوات محدودة بحسب الواقع ، فلا يمكن أن يصير الإطلاق موجبا للظّن في المشكوك وهذا كما ترى ، لا دخل له بما ذكره فلا يرد عليه شيء أصلا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكر أخيرا من إمكان إثبات كون المشكوك هو الفرد النّادر ؛ لأصالة عدم وجود فرد غيره ممّا لا معنى له بعد البناء على عدم جواز التّعويل على الأصول المثبتة ، بل مع البناء على جوازه أيضا إذا فرض عدم حصول الظّن من الأصل المذكور بالانحصار فتدبّر.

وحاصل ما ذكرنا في توجيه كلام المحقّق القميّ رحمه‌الله وعدم توجّه شيء من الإيرادين عليه : أنّه قدس‌سره كما ينادي به صريح كلامه في مقام دفع الاعتراض وفساد مقايسة استصحاب النّبوّة باستصحاب الأحكام بالنّسبة إلى كلّ شريعة لا في مقام الاستدلال على فساد استصحاب النّبوّة.

وغرضه ممّا ذكره : أنّه لا يجوز استنباط حكم استصحاب النّبوّة من

٢٤٥

استصحاب الأحكام في الجملة سواء أريد من الإطلاق إطلاق الأحكام بقول مطلق ، أو إطلاق النّبوّات ؛ فإنّه على الأول لا يجدي مع العلم بنسخ أكثر النّبوّات وأغلبها الكاشف عن التّحديد الواقعي على تقدير جواز المقايسة بين الحكمين ، وعلى الثّاني لا يفيد على تقدير تسليم الإطلاق اللّفظي ، مع أنّه ممنوع عنده بعد تبيّن حال أغلب النّبوّات بالنّسخ الكاشف عن التّحديد الواقعي ، فأين إرادة الإطلاق من أكثر النّبوّات وأغلبها حتّى يلحق المشكوك المردّد بها؟

وليس غرضه إثبات الظّن بالارتفاع في الخلاف حتّى يتوجّه عليه ما أفاده شيخنا ( دام ظلّه ) ، كما أنّه ليس غرضه من التّحديد التّحديد بحسب اللّفظ حتّى يناقش فيه بما أفاده ، كيف! ونسخ أكثر النّبوّات يستلزم إطلاقها بحسب دليله ، فكيف يستدل بنسخها على تحديدها بحسب البيان اللّفظي؟ فلا بدّ أن يكون المراد التّحديد بحسب الواقع المنكشف من النّسخ فلا يتوجّه عليه شيء من الإيرادين.

(٢٧٥) قوله : ( ويمكن توجيه كلامه : بأنّ المراد ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٦ )

أقول : حاصل ما ذكره ( دام ظلّه ) : هو أنّ مراد المحقّق القميّ قدس‌سره ليس هو الجواب عن استصحاب الأحكام بتحقّق البشارة من النّبي السّابق فلا يجوز إجراء الاستصحاب بعد مجيء من يدّعي كونه المبشّر بنبوّته ، بل مراده أنّه كما أنّ إطلاق أدلّة الأحكام لا تنفع مع اقترانها بالبشارة في حصول الظّن بالاستمرار في زمان الشّك ، كذلك إطلاقها لا تنفع في حصول الظّن المذكور بعد فرض إهمال دليل أصل النّبوّة وعدم ثبوت إطلاقه ؛ لأنّ قضيّة تبعيّة تلك الأحكام للنّبوّة سراية الإهمال في دليل النّبوّة إلى الإطلاق في أدلّة الأحكام ؛ لأنّ الظّن بالمسبّب مع عدم الظّن بالسّبب ممّا لا معنى له ، هذا حاصل ما ذكره من التّوجيه.

٢٤٦

ولكنّك خبير بأنّه في كمال البعد عن كلام المحقّق إن لم ندّع صراحته في خلافه هذا. مع أنّه قد يمنع من اقتضاء التّبعيّة سراية الإهمال إلى إطلاق أدلّة الأحكام ، بل قد يجعل الإطلاق فيها المقتضي لحصول الظّن بالبقاء والاستمرار موجبا للظّنّ بالنّسبة إلى بقاء النّبوّة فتأمّل.

(٢٧٦) قوله : ( لأنّ العمل به على تقدير جوازه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٦ )

أقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره مبنيّ على مقدّمتين : إحداهما : ثبوت شرطيّة الفحص للعمل بالأصول في جميع المذاهب. ثانيتهما : عدم وجود القاصر في الأصول أصلا ، كما تدلّ عليه الآية الدّالّة على أنّ من جاهد في الله لهداه سبيله (١) ، والآيات الدّالة على تعذيب الكفّار وخلودهم في النّار بأجمعهم (٢) ؛ فإنّ القصور لا يجامع العذاب قطعا وإن لم يكن منافيا للتّنجيس وسائر الأحكام المترتّبة على الكافر ، والإجماع المدّعى في كلام جماعة على عدم معذوريّة الجاهل في الأصول حتّى من المصوّبة خصوصا في مثل هذه المسألة ، خصوصا لمن كان ناشئا في بلاد الإسلام المخالط للمسلمين القادر على الوقوف على البرهان ، والدّليل الدّال على حقّيّة الإسلام على تقدير اعتبار الإجماع المنقول.

والمقدّمة الأولى وإن كانت ثابتة ظاهرا ـ فتأمّل ـ إلّا أنّ في ثبوت المقدّمة الثّانية إشكالا قد تقدّم تفصيل القول فيه عند التّكلّم في حجيّة الظّن في أصول ٣ / ١٥٥

__________________

(١) إشارة إلى قول الله عزوجل : الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت : ٦٩.

(٢) كما في الآيات ١٤٠ و ١٥٠ و ١٦١ من سورة النساء وكذلك ١٣٠ و ١٣١ من الأنعام الى غير ذلك.

٢٤٧

الدّين في الجزء الأوّل من التّعليقة (١) ، وقد بنى الأستاذ العلّامة ثمّة على وجود العاجز عن تحصيل العلم والجاهل القاصر في الأصول فراجع إلى ما ذكره ثمّة (٢) حتّى تقف على حقيقة الحال.

(٢٧٧) قوله : ( ففيه : أنّ الاستصحاب ليس دليلا ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٧ )

قطعنا بنسخ الشريعة السابقة كاف لنفي استصحاب الكتابي

أقول : حاصل ما ذكره : أنّه يشترط في الدّليل الإلزامي أن يكون موضوعه متحقّقا في حقّ من يلزمه حتّى يمكن إلزامه به ، ولا يكفي وجوده في حقّ الملزم ، والأمر في الاستصحاب في المقام ليس كذلك ؛ لأنّا قاطعون بنسخ الشّريعة السّابقة ، فلسنا شاكّين في بقائها حتّى يمكن إلزامنا ببقائها بمقتضى الاستصحاب والإلزام بنفس الموضوع ، أي : الشّك ممّا لا يعقل له معنى ؛ لأنّ الشّك من الأمور الوجدانيّة الغير القابلة للإلزام كالقطع والظّن هذا حاصل مرامه.

ولكن قد يقال عليه : بأنّ المعنى المذكور غير مشروط في الدّليل الإلزامي ، وإلّا لزم سدّ باب الاستدلال بالدّليل الإلزامي كلّية ؛ فإنّ في كلّ مورد يستدلّ بالدّليل الإلزامي يمكن للخصم أن يجاب بأنّه قاطع على خلافه ، وحجّيّة كلّ دليل مشروطة بعدم القطع بخلافه ، فالقاطع بخلاف دليل لا يكون الدّليل حجّة عليه سواء كان هذا الدّليل من الأدلّة القطعيّة أو الظّنية ، فلا يجوز لمن لا يقول بحجيّة (٣)

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ١ / ٢٨٨.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٥٧٥.

٢٤٨

أخبار الآحاد أو الكتاب أو الإجماع أن يلزم بها من هو قاطع بخلافها ، وإن لم يكن قطعه مستندا إلى ما يصلح للاستناد إليه ، فلا يصحّ أن يلزم من يقطع بحدوث العالم زمانا بالبرهان الّذي أقاموه على قدمه بحسب الزّمان وحدوثه بحسب الذّات وهو عدم جواز تخلّف الأثر عن المؤثر ، ولا أن يلزم من يقطع بثبوت الاختيار في أفعال العباد بما أقاموه لإثبات الجبر من الشّبهة المعروفة إلى غير ذلك.

فعلى هذا يصح للكتابي أن يستدلّ بالاستصحاب فيقول : إمّا أن تقيموا البرهان على نسخ الشّريعة السّابقة ، أو التزموا بها بمقتضى الاستصحاب الّذي تدّعون أنّه حجّة ، ومجرّد القطع على خلافه مع عدم استناده إلى دليل يصلح للاستناد إليه ليس بشيء فتأمّل.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك أنّه يمكن إجراء ما تقدّم من الجواب على التّقدير الأوّل في المقام أيضا ؛ لأنّ الاعتماد على الاستصحاب في مقام العمل أو الإلزام مشروط بالفحص فلا يبقى مورد للتّمسك به بعد فرض انفتاح باب العلم في المسألة على ما عرفت سابقا فتدبّر.

(٢٧٨) قوله : ( وإن أراد بيان أنّ مدّعي ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٧ )

أقول : لا يخفى عليك الفرق بين هذا وسابقه ؛ فإنّ المقصود من هذا مجرّد رفع كلفة الاستدلال عن نفسه وجعل إقامة البرهان على المسلمين فليس المقصود منه إلّا مجرّد ذلك. وهذا بخلاف سابقة ؛ فإنّ المقصود منه هو الاستدلال به على بقاء الشّريعة السّابقة على المسلمين القائلين باعتبار الاستصحاب هذا.

ولكن لا يخفى عليك أنّه ليس للكتابي دفع كلفة الاستدلال عن نفسه

٢٤٩

بالاستصحاب ، إلّا بعد إثباته لحجيّة الاستصحاب ، أو ابتناء ما ذكره على إلزام المسلمين.

وهذا غير ما ذكره ( دام ظلّه ) في الجواب عنه : بأنّ مدّعي البقاء أيضا يحتاج إلى الاستدلال كمدّعي الارتفاع ، وإن كان ما ذكره أيضا صحيحا ؛ فإنّه لا إشكال في احتياج مدّعي البقاء إلى الاستدلال ولو كان هو التّمسّك بالأصل الثّابت اعتباره.

(٢٧٩) قوله : ( الثّاني : أنّ اعتبار الاستصحاب ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٧ )

أقول : قد عرفت سابقا : الكلام في صحّة استدلال الكتابي بالاستصحاب من باب الأخبار من باب الإلزام على المسلمين ، وأنّ الأستاذ العلّامة ( دام ظلّه ) قد منع منه من حيث إنّه يشترط في الدّليل الإلزامي أن لا يكون مقتضى الإلزام به بطلان مدّعى المستدل ، وأنّه لا يخلو عن نظر وإشكال فراجع إلى ما ذكرناه سابقا (١).

(٢٨٠) قوله : ( نعم ، لو ثبت ذلك من شريعتهم أمكن التّمسك ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٧ )

أقول : قد يورد عليه بلزوم الدّور ؛ فإنّ إثبات عدم منسوخيّة الاستصحاب وغيره من الأحكام الثّابتة في شرعهم يتوقّف على اعتبار الاستصحاب واعتبار الاستصحاب أيضا يتوقّف على إثبات عدم منسوخيّته ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ أصالة

__________________

(١) قبل تعليقتين في ذيل قول المصنّف قدس‌سره :

( ففيه : ان الإستصحاب ليس دليلا ... ).

٢٥٠

عدم النّسخ بعد ثبوت الحكم لا يتوقّف على اعتبار الاستصحاب ، بل هي من الأصول الّتي قد جرت بناء العقلاء وأهل كلّ نحلة ودين على العمل بها من حيث الظّن والظّهور ، فلا يتوقّف إثبات اعتبارها على إثبات اعتبار الاستصحاب حتّى يلزم الدّور.

ولكنّك خبير بأنّ هذا خروج عن الفرض ؛ فإنّ مفروض الكلام التّمسك في إثبات عدم نسخ النّبوّة والأحكام الثّابتة في شريعة النّبي بالاستصحاب المبني على الأخبار ، وإلّا لجرى مثل ما ذكر في الحكم بعدم منسوخيّة النّبوّة أيضا ، فأين يبقى مجال للتّمسّك بالاستصحاب من باب الأخبار؟

والحاصل : أنّ ما ذكر من الجواب على خلاف الفرض هذا. مضافا إلى أنّ هنا شيء آخر قد أشار إليه ( دام ظلّه ) في طيّ كلماته السّابقة والتزم به وهو : أنّ بقاء الحكم وارتفاعه تابع لبقاء النّبوّة وارتفاعها ، فإذا لم يمكن إثبات بقائها فلا يجوز الحكم ببقائه فتدبّر.

ولكن يمكن أن يقال : بأنّ ما ذكر من الاستدراك مبنيّ على أنّه بعد ثبوت اعتبار الاستصحاب في الشّريعتين يكون حجّة قطعيّة على كلّ تقدير سواء نسخت الشّريعة السّابقة أم لا ، فلا يحتاج في إثبات اعتباره إذن إلى التّمسّك بالاستصحاب حتّى يلزم إثبات اعتبار الاستصحاب بالاستصحاب هذا.

ولكن قد يقال عليه أيضا : بأنّ العلم بعدم نسخ الاستصحاب على تقدير نسخ الأحكام والشّريعة السّابقة أيضا ـ لفرض العلم بثبوته في كلّ من الشّريعتين ـ لا يسوّغ التّمسك به في إثبات الشّريعة السّابقة ؛ فإنّ ثبوته في الشّريعة اللّاحقة يمنع من التّمسك به في إثبات الشّريعة اللّاحقة فتأمّل. ٣ / ١٥٦

٢٥١

(٢٨١) قوله : ( قد عرفت في صدر البحث (١) ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٨ )

أقول : قد يورد عليه : بأنّه قد تقدّم منه ( دام ظلّه ) في ردّ القائلين باعتبار الاستصحاب من باب الظّن تسليم حصول الظّن فيما إذا شك في نسخ الحكم الكلّي.

وأنت خبير بفساد هذا الإيراد ؛ فإنّه قد ذكر مرارا : أنّ هذا إنّما هو بالنّسبة إلى نسخ الحكم في الشّريعة مع القطع ببقاء الشّريعة لا بالنّسبة إلى الشّك في أصل نسخ الشّريعة ؛ فإنّ مدرك الظّن هي الغلبة ومعلوم عدم وجودها بالنّسبة إلى الثّاني.

(٢٨٢) قوله : ( ونفي الحرج لا دليل عليه ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٨ )

أقول : بل قد يقال : بأنّ مقتضى بعض الأخبار والآية الشّريفة النّافية للحرج والمتضمّنة لسؤال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج ثبوت الحرج في الشّريعة السّابقة هذا.

ولكن قد يقال ـ علي ما ذكره ( دام ظلّه ) وما ذكرنا ـ : أنّ ما ذكر إنّما هو بالنّسبة إلى الحرج الغير البالغ حدّ اختلال النّظم الّذي يستقلّ العقل برفعه حفظا للنّظم الّذي تعلّق غرض الحكيم تعالى ببقائه وعدم اختلاله ، وقد تقدّم منه ( دام ظلّه ) ومنّا في الجزء الأوّل من « الكتاب » (٢) والتّعليقة (٣) : أنّ الاحتياط الكلّي بالنّسبة إلى جميع ما يحتمل ثبوته في الشّريعة موجب لاختلال النّظم قطعا ، اللهمّ إلّا أن يمنع لزوم الحرج المذكور من الاحتياط الكلّي في الشّريعة السّابقة ؛

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : المبحث.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٠٤.

(٣) بحر الفوائد : ج ١ / ١٩٣.

٢٥٢

لقلّة الأحكام الثّابتة فيها فتأمّل.

(٢٨٣) قوله : ( خصوصا بالنّسبة إلى قليل ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٨ )

أقول : قد يورد عليه : بأنّه لا وجه لهذه الخصوصيّة ؛ لأنّ دليل نفي الحرج لا فرق فيه بين لزومه في حقّ شخص واحد أو جميع المكلّفين ، ولم يظهر في الشّريعة السّابقة فرق في إثبات الحرج ونفيه بين شخص واحد وأشخاص فتأمّل.

(٢٨٤) قوله : ( مدفوعة : بأنّ استقرار الشّرائع ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٨ )

أقول : بل كان إمّا بالقطع أو الظّن الاطمئناني الّذي لا يضرّه الاحتمال البعيد على خلافه.

ولكن قد يورد عليه : بأنّ القطع والظّن لم يكونا حاصلين قبل الفحص دائما ففي زمان الشّك كانوا بانين على شريعتهم إلى أن يظهر لهم الحال فتأمّل.

(٢٨٥) قوله : ( إنّا لم نجزم المستصحب وهي نبوّة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٦٩ )

__________________

(١) قال المحقق شيخ الكفاية الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى أنّ هذا الوجه ، وكذا ما بعده من الوجهين ليس بوجه آخر في قبال الوجه الأوّل بل أحد شقوقه ، وهو نفي كون الاستصحاب دليلا إسكاتيّا لتقوّمه بالأمرين الوجدانيّين الشّكّ واليقين ، ولا يكاد يلزم الخصم بالوجدانيّات ، بل له أن يدّعي بالارتفاع أو اليقين بالثّبوت على نحو لا يضرّ به القطع بالبقاء فضلا عن الشّك فيه ، كما هو مفاد الوجه الخامس ، كما لا يخفى » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٣٧٣.

* وقال السّيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« لمانع أن يمنع حصر سبب علمنا بنبوّة موسى عليه‌السلام وعيسى عليه‌السلام في إخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هي

٢٥٣

أقول : قد يورد عليه : بأنّ طريق الجزم بنبوّة الأنبياء السّابقة لا يكون منحصرا في أخبار النّبيّ ونصّ القرآن ، بل يمكن الجزم بها من تواتر نقل دعوى نبوّته مع اقترانها بإظهار المعجزة.

ولكن يمكن أن يقال : بعدم اجتماع شروط التّواتر في جميع الطّبقات ، فلا

__________________

كسائر المتواترات من قصص القرون الخالية والأمم الماضية ، معلوم ثبوتها بالأخبار والتظافر وليست بأقلّ من شجاعة رستم وجود حاتم وعدالة أنو شيروان وسلطنة الأكاسرة والقياصرة وأمثالها من معلوماتنا المتواترة ».

وعلّق عليه مقرّر بحثه الشيخ محمد ابراهيم اليزدي قائلا :

« الإنصاف أنّ نبوّة الأنبياء السلف غير معلومة لنا من غير جهة إخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان وجودهم ودعواهم النبوّة معلوما بالتواتر ، وذلك لأن العلم بنبوّتهم موقوف على العلم بجريان المعجزات على أيديهم وأشياء آخر غير ذلك ونحن لم نعلم بهذه الجملة من غير جهة إخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣١٠.

* وقال المحقق الأصولي الشيخ هادي الطهراني قدس سره :

« وفيه : ان انحصار ثبوت نبوّة عيسى في التلقّي من دين الإسلام إنّما يمنع من ركون المسلمين على استصحاب عدم نسخها والإلتزام بها وهذا لا ينافي ما هو مقصود الكتابي وهو الإفحام في مقام المناظرة ؛ فإن ثبوت حقيّة دين عيسى عليه‌السلام عند المسلمين واعترافهم بها يكفي في مقام مطالبة الكتابي الدليل على النّسخ ، وكون علمهم ناشيا عن القرآن لا ينافي الالتزام بل هذا في الحقيقة إفحام المدّعي النبوّة وصاحب الشريعة لو لم تكن عنده الآيات والبيّنات الواردة على الاستصحاب ؛ ضرورة ان مدّعي النّبوّة إذا كان مرجع دعواه إلى دعوى نسخ ما يعترف بثبوته يمكن بالإستصحاب في مقام المناظرة إلى أن يأتي بالبيّنة ، ثم إن معارضة قول النّصارى بقول اليهود لا معنى لها ، والمنع من أصل النبوّة ـ مع انّه لا سبيل إليه ـ لا يتوقّف على الإستناد إلى قول اليهود » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٩٠.

٢٥٤

معنى لدعوى وجوده سيّما مع معارضة دعوى بعض الأمم بدعوى أمّة أخرى مكذّبة لها فتدبّر.

(٢٨٦) قوله : ( إنّ مرجع النّبوّة المستصحبة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٦٩ )

أقول : قد يناقش فيما ذكره : بأنّ قيام النّبوة بالنّفس النّاطقة لا يقتضي عدم زوالها بالموت غاية ما هناك عدم اقتضائه للزّوال في قبال ما يعرضها من حيث وجودها في النّشأة الدّنيويّة المقتضي للزّوال بالموت ؛ ضرورة أنّ بقاء النّفس

__________________

(١) قال المؤسس الطهراني قدس‌سره :

وفيه : ان استصحاب النبوّة مرجعه إلى التديّن بها وعقد القلب عليها لا إلى التديّن بجميع ما جاء به ، وعدم قابليّة صفة النبوّة للإرتفاع بديهي الفساد ، وإنّما الباقي هو القرب من الله تعالى.

وأمّا النبوّة فهو من المناصب ولا معنى لنسخ النبوّة إلّا عزل النبي عن منصبه وإقامة شخص آخر مقامه ، وبهذا يتبدّل الإقرار بنبوّة النّبي السابق بالإقرار بنبوّة النبي اللاحق إذا كان دينه ناسخا ، ومن المعلوم أنّ النبوّة أحد ركني الدين ، وأمّا النبوّة المنسوخة فالإقرار بها من قبيل التدين بجميع ما جاء به نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس من أصول الدين.

وبالجملة : فالنسخ إنّما يتعلّق بالنبوّة حيث ينسخ الدين ، ونسخ الحكم أمر وراء ذلك ، فكما ان الإيمان بالنبي ليس عبارة عن التديّن بجميع ما جاء به ، بل إنّما هو عبارة عن الإقرار بنبوّته والتديّن بها وعقد القلب عليها فكذا الإستصحاب إنّما يترتّب عليه وجوب البقاء على الإيمان به والإلتزام ببقاء نبوّته ، وانّ الدين إنّما هو الإقرار بنبوّته لا بنبوّة نبيّ آخر.

وأمّا البشارة فلا يوجب كون الأحكام مغيّاة ؛ لما عرفت : من انّ النسخ ليس تحديدا ، بل لا معنى له الّا الرفع ، مع انّ جريان الإستصحاب مع الشك في النسخ ، ممّا لم يتأمّل فيه ذو مسكة ولو قلنا بانه انتهاء الأمد ، ومجرّد دعوى التحديد لا يمنع من الرّكون إلى الإستصحاب ، بل المدّعي إثباته والمنع من الإستصحاب لتوهّم : ان النّسخ ليس رفعا حقيقة مكابرة ومخالفة للضرورة » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٩٠.

٢٥٥

النّاطقة وعدم انعدامها لا يقتضي عدم زوال كلّ ما كان قائما بها ؛ فإنّه ليس معنى القيام بالنّفس كون النّفس علّة تامّة لبقاء ما يقوم بها ، بل ربّما يكون المقتضي للقيام بها شيء ليس دائميّا فحينئذ لا مانع من زوال الوصف القائم بالنّفس من جهة زوال ما يقتضيه.

فيمكن أن يقال : إنّ المصلحة اقتضت بحسب مرتبة النّبي عند الله تبارك وتعالى أن يكون النّبيّ نبيّا إلى مدّة معيّنة ، فبمجيء النّبي اللّاحق ينكشف انتهاء المدّة المذكورة فتأمّل.

مع أنّه قد يقال : بأنّه لا مانع أن يكون النّبوّة من الأمور الاعتباريّة كالولاية والأمارة ونحوهما منتزعة من الأمر بوجوب إطاعة النّبي فليست النّبوّة بناء عليه من الأوصاف حتّى يقال : إنّها قائمة بالنّفس أو بالقوى الظّاهريّة فتأمّل. وقد مضى شطر ممّا يتعلّق بالمقام فيما قدّمناه لك في أوّل المسألة فراجع إليه.

ثمّ إنّه لا يخفى عليك أنّه بناء على ما ذكره يخرج الاستصحاب المذكور عن محلّ الفرض ؛ فإنّ الكلام كان في حكم الاستصحاب الجاري في الأصول دون الاستصحاب الجاري في الفروع هذا.

ثمّ إنّه يمكن الخدشة فيما ذكره ( دام ظلّه ) بما ستقف عليه من الإشكال فيما ذكره في الجواب الرّابع فتدبّر.

(٢٨٧) قوله : ( أن يقال : إنّا معاشر المسلمين ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٧٠ )

__________________

(١) قال الفقيه الرّباني الشيخ هادي الطهراني قدس‌سره :

٢٥٦

__________________

« وفيه : ان النبوّة لا إشكال في ثبوتها ، وكونها معلّقة على البشارة لا ينافي الجزم بالوقوع من جهة الجزم بوقوع المعلّق عليه ، فللكتابي إلزام المسلمين ؛ لإعترافهم بنبوّة النّبي السابق وحقّيّة دينه والإمام عليه‌السلام أجلّ من أن يصدر عنه هذا الكلام وقد عرفت معنى كلامه » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٩١.

* قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس سره :

« أقول : لا يخفى ما في هذا الجواب من المكابرة فإن تعليق الحكم الثّابت لموضوع خارجي شخصي ببعض أوصافه المتحقّقة باعتقاد المدّعي لا يوجب تعدّد الموضوع فللكتابي أن يقول إنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم عليهما‌السلام الّذي هو شخص خاصّ معهود لا أعلم تفصيلا مقالته وأحكامه ولكن أسألك عن أنّه هل تحقّق له وصف النبوّة التقديريّة الّتي زعمتها أم لا؟

فإن قلت : لا فقد كفرت ، وإن قلت : نعم ، فعليك إثبات نسخه ، وجعل النبوّة في مقام الإقرار معلقا على أمر لا يذعن به الخصم بعد اعترافك بحصول المعلق عليه غير قادح بالإقرار في مقام المخاصمة كما لا يخفى » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الاصول : ٤٢٧.

* وقال المحقق السيّد محمد كاظم اليزدي قدس سره :

[ « لا يخفى أن ايراد الكتابي : وهو أن موسى بن عمران عليه‌السلام أو عيسى بن مريم عليه‌السلام شخص معيّن وجزئي حقيقي اعترف المسلمون بنبوّته على أي نحو كان فتستصحب نبوّته إلى أن يعلم النسخ وارد عليه ظاهرا. ويمكن أن يوجّه بوجه لا يرد عليه ذلك ، وهو أن يقال إن ما اعترف به المسلمون ليس الّا النبوّة المغيّاة بمجيء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا النبوّة المطلقة أو المجملة المحتملة للبقاء ، بل المقيّدة بالغاية التي لا تحتمل البقاء بعدها ، فلم يبق محل للاستصحاب ، وأنت خبير بأنّ هذا الجواب أيضا بعد اللتيا والتي إنما يصح في مقام المجادلة وإلّا فليست النبوة المقيّدة بالغاية نوعا من النبوّة والنبوّة غير المقيّدة بها نوعا آخر كي يصح الاعتراف

٢٥٧

أقول : قد يورد عليه : بأنّ كلّا من الاعتقادين اعتقاد مستقلّ غير مربوط بالآخر فلا معنى لتقييد أحدهما بالآخر ، ومدخليّة تبليغ النّبي السّابق مخصوص نبوّة نبيّنا في نبوّته ليس إلّا كمدخليّة سائر ما أمر بتبليغه ، فنحن معتقدون بنبوّته

__________________

باحدهما وإنكار الآخر ، بل هي حقيقة واحدة قد تنسخ وقد لا تنسخ.

وحينئذ فالتحقيق في جواب الكتابي أن يقال : إنّ الاستصحاب حكم الشاك بعد الفحص المعتبر ولا شك للمسلمين في حقّية دينهم بل وكذا أهل الكتاب في الأغلب ، ولو فرض حصول شكّه ، وعليه أن ينظر في صحّة بيّنتنا حتّى يزيل الشك عن نفسه ، ولا محل للعمل بالإستصحاب قبل ذلك ، ولو فرض انه لم يرتفع شكه بعد كمال الفحص والنظر وبذل غاية الجهد فلا غائلة في استصحاب الشريعة السابقة على تقدير العلم بها بالبيّنة في هذا الفرض النادر على أحد الوجوه التي قررناها من ثبوت حجية الاستصحاب عنده في كلتا الشريعتين أو إحداهما أو ثبوت حجية خصوص هذا الاستصحاب بحكم العقل وبناء العقلاء كما عرفت الوجه فيه سابقا ، وليس هذا دليلا على حقّية مذهب الكتابي في هذا الزمان كما أراده بل هذا حكم عمل الشاك الكذائي الذي لم يتحقق وجوده إلّا في فرض نادر غاية الندرة » ] إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣١٢ ـ ٣١٣.

* وقال الشيخ رحمة الله الكرماني قدس سره :

« أقول : هذا الجواب ردّي في الغاية ؛ لان السؤال وقع عن الشخص الواقع في الخارج ولا يمكن إنكار نبوّته ، واختلاف التقدير لا يوجب اختلافا في الشخص الواقع في الخارج.

نعم هذا الجواب يناسب من اعتقد بالموصوف الكلّي وشك في انطباقه على الشخص الواقع في الخارج فيقول : إن كان هذا الشخص فعل كذا فأنا معتقد به وإلّا فلا.

ولا يناسب من اعتقد بالشخص ثم وقع النّزاع بينه وبين غيره في انه فعل كذا ، فعلى من يدّعي انه فعل كذا الإثبات ، لا إنكاره على تقدير عدم فعله ليدفع عنه كلفة الإستدلال وذلك واضح للماهر بقانون المناظرة » إنتهى. أنظر الفرائد المحشي : ٣٩٤.

٢٥٨

وتبليغه جميع ما أمر بتبليغه ؛ فإنّ النّبي معصوم فهذان الاعتقادان ثابتان في الواقع بمعنى : أنّه بعد القطع بدعوى شخص النّبوّة وإظهاره المعجزة على طبق دعواه يقطع بكونه نبيّا ويقطع بحكم العقل المستقلّ بعد ثبوت نبوّته أنّه معصوم يبلّغ جميع ما أمر بتبليغه عن الله عزوجل.

(٢٨٨) قوله : ( وأمّا التزامه عليه‌السلام بالبيّنة على دعواه ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٧٢ )

أقول : لمّا كان ظاهر الالتزام بالبيّنة في مقابل الخصم على ما هو المركوز في جميع الأذهان : من وجوب إقامة البيّنة على المدّعى وكفاية الأصل للمنكر

__________________

(١) قال المحقق الربّاني الشيخ هادي الطهراني قدس‌سره :

« محصّل [ الرواية التي هي ] الكلام الساطع منه انوار النبوّة : انّ عيسى وان كان جزئيّا حقيقيّا إلّا أنّ علمنا به ومعرفتنا له ليس الّا بعنوان الكلّي وممّا يعتبر في هذا العنوان كونه مقرا بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتابه ويبشّر به أمّته فمن لم ينطبق عليه هذا العنوان لا نعترف به بنبوّته ... إلى أن قال :

فحاصل الجواب : انّ المسمّى بعيسى الذي اعترف بنبوّته نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا مجال لاستصحاب نبوّته ومن لا ينطبق عليه هذا العنوان فهو كذّاب ملعون غير متّصف بصفة النّبوّة ، وقوله عليه‌السلام :

( كافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ ... ) صريح في انّ الذي نقرّ بنبوّته كلّي منحصر في الفرد كما هو مقتضى إضافة كلمة ( كلّ ) إليه ؛ فإنّ العموم الافرادي لا يتصوّر إلّا في الكلّي ، فما ذكره الكتابي في ردّ جواب بعض السادة حيث ذكر جواب الإمام عليه السلام : من أنّ عيسى بن مريم جزئي حقيقي وأفحمه به ، غلط ؛ حيث انّ كونه جزئيّا لا ينافي كون معرفته بعنوان كلّي ، ولمّا خفي هذا المعنى على الأستاذ قدس سره قال : ( وهذا الجواب بظاهره مخدوش ... ).

وقد عرفت : ان ظاهره في غاية المتانة ومطابق للقواعد وإنّما خفي على الكتابي وغيره ؛ لدّقته وعدم الخبرة بالموازين العلميّة » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٨٣.

٢٥٩

كون الكتابي منكرا وأصله معتبرا فيكون منافيا لما استظهر من الرّواية : من عدم تسليم الإمام للنّبوّة مطلقا حتّى تصير موردا للاستصحاب إنّما سلّم النّبوّة التّقديريّة الغير القابلة لإجراء الاستصحاب فيها فأراد ( دام ظلّه ) دفع هذا الظّهور بهذا الكلام ولا يخفى كونه في كمال المتانة.

(٢٨٩) قوله : ( إلّا أن يريد الجاثليق ببيّنته نفس الإمام عليه‌السلام. ( ج ٣ / ٢٧٢ )

أقول : لا يخفى عليك المراد من الاستدراك الّذي ذكره ( دام ظلّه ) ؛ حيث إنّ المراد منه نفي الظّهور الّذي ادّعاه من قول الجاثليق من كونه أيضا مدّعيا ؛ فإنّه بعد ما كان المراد من البيّنة في كلامه الإمام عليه‌السلام وغيره من المسلمين المعترفين بنبوّة عيسى ( على نبيّنا وآله وعليه‌السلام ) يرجع كلامه إلى التمسّك بنفس الاستصحاب ، فيكون ذلك تقريرا للتّمسك بالاستصحاب هذا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ كون مراده بالبيّنة نفس الإمام والمسلمين لا يوجب سقوط قوله : ( سلّمنا ... إلى آخره ) (١) من الظّهور المذكور فتدبّر.

(٢٩٠) قوله : ( إمّا لإجماله كما إذا أمر بالجلوس ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٧٣ )

أقول : قد عرفت سابقا : أنّ عدم تعرّض الدّليل لحال الحكم في الزّمان الثّاني وعدم دلالته عليها على وجهين :

أحدهما : أن يكون الدّليل مجملا بالنّسبة إلى الحالة الثّانية.

ثانيهما : أن يكون مهملا بالنّسبة إليها. وهذا قد يكون في الأدلّة اللّفظية ، وقد

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٧١ والخبر في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ / ١٥٦ و ١٥٧.

٢٦٠