بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٧

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-350-7
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٦٣

يرجع ما ذكره في « الكتاب » بقوله : ( لأنّ الشّك ... إلى آخره ) (١) وقد مضى شطر من الكلام فيما يتعلّق بذلك فراجع.

(٢٦٢) قوله : ( نعم ، لو شكّ في نسخه أمكن دعوى الظّن ) (٢). ( ج ٣ / ٢٥٩ )

أقول : قد يتأمّل فيما ذكره من وجهين :

أحدهما : أنّه كيف يتصوّر النّسخ في الحكم الثّابت بالدّليل العقلي أو النّقلي القطعي وفرض ظنيّته من حيث الزّمان يخرجه عن كونه دليلا قطعيّا ؛ ضرورة كون النّتيجة تابعة لأخسّ مقدّمتيها ، ولكن ذكر الأستاذ العلّامة في مجلس البحث : أنّه يمكن فرض تطرّق النّسخ في الدّليل النّقلي القطعي : بأن يكون له قدر متيقّن استفيد بحسب العادة استمرار مفاده فتأمّل.

ثانيهما : أنّ ما ذكره ( دام ظلّه ) بظاهره خروج عن محلّ الفرض ؛ لأنّ الكلام إنّما هو في جريان الاستصحاب في المسائل الاعتقاديّة لا العمليّة الّتي قد ينشأ الشّك في نسخها من الشّك في أصل نسخ الشّريعة ، وقد تنشأ من جهة الشّك في نسخ نفسها مع بقاء أصل الشّريعة ، والظّاهر أنّ كلامه في الأخير لا الأوّل.

وبالجملة : كلامه ( دام ظلّه ) في المقام لا يخلو عن اضطراب وتشويش ؛ من حيث إنّ بعض أجزائه يقتضي كون المقصود بالبحث هو الحكم الأصولي كما هو

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٥٩.

(٢) قال في قلائد الفرائد [ ٢ / ٣٥٣ ] :

« أقول : يعني لو شك في نسخ حكم ذلك الأمر الإعتقادي ، ولا يخفى ان الإستثناء المزبور منقطع ، كيف! والكلام في السابق إنما هو في بقاء المتديّن به دون الحكم المتعلّق بالأمر الإعتقادي » انتهى.

٢٢١

ظاهر العنوان ومحلّ البحث ، وبعضه الآخر يقتضي كون المقصود بالبحث هو المعتقد كما يظهر من قوله : ( بل الظّن غير حاصل ... إلى آخره ) (١) ، وبعضه يقتضي وقوع البحث في الأحكام الفرعيّة المتعلّقة بالعقائد.

وأنت خبير بأنّ الحريّ أن يحرّر المقام بمثل ما عرفت منّا.

(٢٦٣) قوله : ( وإن انسدّ باب العلم لإمكان الاحتياط ) (٢). ( ج ٣ / ٢٦٠ )

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٥٩.

(٢) قال الفقيه الرباني الشيخ هادي الطهراني قدس‌سره معلّقا على قول استاذه : ( وأمّا الشرعيّة الإعتقاديّة فلا يعتبر الإستصحاب فيها ... إلى قوله : لعدم ثبوت الشريعة السابقة واللاحقة ) [ الفرائد : ٣ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ].

« وفيه : انه إن كان من باب الأخبار فمؤدّاها إنّما هو ثبوت الحكم الثابت سابقا.

وهو وجوب الإعتقاد بمعنى عقد القلب الذي يجامع الشك ، ودورانه مدار اليقين فاسد وإنّما وجوب تحصيل اليقين تكليف زائد ، فالذي يجب الإعتقاد به إنّما هو الواقع ولا دخل في الحكم الواقعي لليقين وإنّما هو طريق في الإسلام وموضوع في الايمان.

نعم ، من الأصول ما لا يجب فيه تحصيل اليقين وإنّما يجب الإلتزام بها بعد العلم بها كتفاصيل السؤال والحساب والحشر.

وامّا ما هو محلّ البحث أي : النبوّة فالواجب فيه أمران كالتوحيد : الاسلام والإيمان والأوّل بعد ثبوته لا يزول إلّا بقاطع ، هذا إذا كان من باب الأخبار ، وامّا إذا كان من باب الظنّ فلا إشكال فيه في انه ليس من باب الظنّ الشخصي ، بل إنّما هو من باب الظنّ النوعي وعدم اعتبار الظنّ في العقائد لا وجه له ، بل ما ثبت اعتباره من الظنون لا فرق فيها بين الاصول والفروع ، مع انّك قد عرفت : انّ المراد من اعتباره من باب الظّنّ انه أصل عقلائي ولم يتوهّم أحد أنّ الإستصحاب دليل اجتهادي وهذه القاعدة جارية في جميع الموارد من غير فرق

٢٢٢

أقول : قد يورد عليه : بأنّه كيف يمكن الاحتياط في الأصول مع أنّه ليس المقصود منها العمل. والاحتياط في الفروع وإن كان ممكنا ، إلّا أنّها خارجة عن محلّ البحث ، على أنّ الاحتياط في الفروع في الفرض موجب للاختلال قطعا

__________________

بين الأصول والفروع ، بل قد عرفت : ان التعويل عليه عند الشك في نسخ النّبوّة أظهر من أن يخفى على ذي مسكة.

ثم إن المنع من حصول الظن فيما كان المستصحب من العقائد الثابتة بالدليل القطعي إستنادا الى ان الشك فيه لا بد أن يكون ناشئا من تغيّر بعض ما يحتمل مدخليّته في المستصحب من الغرائب حيث أنّ الشك في بقاء المستصحب لا بد وأن يكون من جهة إحتمال زوال بعض ماله دخل في وجوده ولو منع ذلك من حصول الظن لم يكن فرق فيه بين ما ثبت بدليل قطعي أو غيره ، وكأنّه أراد أنّ الشك في المقام شك في الموضوع كما مرّ فيما ذكره في منع جريان الإستصحاب في الأحكام العقليّة وقد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه.

ثم إن غلبة نسخ الشرائع إنّما يمنع من حصول الظنّ الشخصي ولو سلّم انّ اعتباره من باب الظنّ النوعي ولا يقدح فيه الظنّ الشخصي على الخلاف.

ثم إن المنع من اعتبار هذا الظنّ استنادا إلى إمكان الإحتياط وإن إنسدّ باب العلم ، غريب ؛ حيث إن اعتبار هذا الظنّ على تقدير القول به ليس من باب الإنسداد بالضرورة ، بل هو في عرض العلم ، مع ان امكان الإحتياط لا معنى له ؛ حيث ان الإلتزام والتديّن بالدين المشكوك في حدوثه حرام ، فكيف يمكن الإحتياط في مرحلة التديّن والإلتزام ـ مع انّ الأمر دائر بين النبوّتين ـ؟

وإن كان المراد : الإحتياط بالنسبة إلى الأعمال ـ فمع أنه خروج عن المبحوث عنه وهو استصحاب أصل الدين من حيث هو كذلك ، ولا ينفع إمكان الإحتياط في الفروع للشك في الأصول ـ فيه : أنّ الأمر كثيرا ما يدور بين الوجوب والحرمة » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢.

٢٢٣

فيستقلّ العقل بقبح إيجابه على الشارع كما لا يخفى.

فالتّحقيق في وجه منع اعتبار الظّن في الأصول ما عرفت غير مرّة : من أنّ إجراء مقدّمات الدّليل في الفروع لا يثبت الحجيّة في الأصول ، وفي نفسها لا تجري حتّى يثبت حجيّة الظّن فيها ، فلا بدّ من التّوقّف وعدم الالتزام بشيء في الظّاهر مع الالتزام بما هو الثّابت في الواقع.

(٢٦٤) قوله : ( لدفع كلفة الاستدلال ). ( ج ٣ / ٢٦٠ )

أقول : ذكر ( دام ظلّه ) في مجلس البحث : أنّ إثبات هذا المقصود أي : دفع كلفة الاستدلال عن نفسه وجعل إقامة البرهان على المسلمين ممّا لا معنى له ، ولو بإرادة التّمسك به من باب الإلزام واعتقاد الخصم اعتباره ؛ لأنّ الإلزام إنّما يصحّ بما لا يكون الالتزام به عين بطلان مدّعى المتمسّك أو مستلزما له ، كاستدلال العامّة في مقابلنا بقول الأمير عليه‌السلام والأمر في المقام ليس كذلك ؛ لأنّ اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار عين الالتزام بنسخ الشّريعة السّابقة هذا.

ولكن لا يخفى عليك أنّه يمكن المناقشة فيما أفاده : بأنّ الشّرط في النّقض عدم لزوم بطلان دعوى المدّعي باعتقاده لا باعتقاد غيره ، وإلّا لم يجز لنا التّمسّك في قبال مخالفينا بأقوال رؤسائهم ولا استدلالهم في قبالنا بأقوال غير أمير المؤمنين عليه‌السلام من الأئمّة الطيّبين الطّاهرين عليه‌السلام فتدبّر هذا. وسيجيء من الأستاذ العلّامة ومنّا الكلام في توضيح ذلك إن شاء الله.

ثمّ إنّ جعل البيّنة على المسلمين لدفع كلفة الاستدلال مبنيّ على كون الكتابي منكرا وقوله مطابقا للأصل وبعد وضوح عدم جريانه كما هو واضح وأوضحه ( دام ظلّه ) في « الكتاب » ، ربّما يناقش في الاستدراك المذكور بقوله : ( إلّا

٢٢٤

أن يريد جعل البيّنة على المسلمين ) (١).

(٢٦٥) قوله : ( بناء على أنّ مدّعي الدّين ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٣ / ٢٦٠ )

أقول : لم يتعرّض الأستاذ العلّامة لردّ هذا المطلب في مجلس البحث ولا فيما سيجيء من كلامه.

ولكنّك خبير بضعفه وظهور فساده لوضوح الفرق بين المقامين ؛ ضرورة أنّ مدّعي النّبوّة لو لم يقدر على إثبات نبوّته بإتيانه المعجزة لغير المعاند لم يكن نبيّا قطعا لقضيّة اللّطف ، وهذا بخلاف مدّعي نبوّة غيره ؛ فإنّ من عدم إمكان إثباته لنبوّته لا يمكن القطع بكذب دعواه وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا كما لا يخفى ، فكيف يدّعي مع ذلك خلافه وحكم العقل به ولا ينافي ذلك عدم وجود القاصر في (٣)

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٦٠.

(٢) قال في قلائد الفرائد : ٢ / ٣٥٦ :

« أقول : قد يقال : إنّ الكتابي أيضا قد يكون مدّعيّا لأنّه مدّع للبقاء ، فيكون أمر المسألة راجعا إلى التداعي فليس للكتابي جعل إقامة البيّنة على المسلمين.

ويمكن دفعه :

أوّلا : بان المدّعي كان عليه إقامة البيّنة إذا لم يكن شاكّا ولو بفرض نفسه كذلك ، والكتابي فرض في نفسه الشك ، كما ينبىء عنه تمسّكه بالإستصحاب ، فإنه لا يكون إلّا في مورد الشك ، وإذا كان أحد المدعيين شاكّا فكان له مطالبة البيّنة من الآخر على ما يدّعيه ، وعدم وجود البيّنة له يكون دليلا قطعيّا على عدمه ، فيكون الدين القديم باقيا بحكم العادة.

وثانيا ـ بعد تسليم عدم فرضه شاكا ـ : بان أحد المدعيين إذا كان يثبت مدّعاه بمجرّد عدم إقامة البيّنة من خصمه كان له أن يتقاعد من إقامة البيّنة على مدّعيه ويجعل إقامة الإستدلال على خصمه » إنتهى.

٢٢٥

العقائد وكون السّبيل واضحا للمجاهد كما لا يخفى. وبالجملة مدّعي الدّين الجديد لا يقاس بمدّعي النّبوّة أصلا ضرورة كون العجز عن إثبات النّبوة في حقّ مدّعيها دليلا قطعيّا عند العقل على فساد دعواه.

(٢٦٦) قوله : ( ما حكي عن بعض (١) ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦١ )

__________________

(١) أقول : قيل : المراد ببعض الفضلاء السادة هو السيّد باقر القزويني ـ كما في بحر الآشتياني هنا ـ وقيل : هو السيّد حسين القزويني ، وقيل : هو السيّد محسن القزويني ، وقيل : هو العلّامة الطباطبائي ـ كما في الأوثق : ٥٦١ حيث قال : « رأيت رسالة من بعض تلامذة العلّامة بحر العلوم أن المناظرة جرت بين السيّد بحر العلوم وبين عالم يهودي حين سافر إلى زيارة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في بلدة ذي الكفل وكانت محلّ تجمّع اليهود آنذاك ـ وقيل : هو السيّد محسن الكاظمي وربّما يقال غير ذلك » إنتهى.

والحق انه لا يمكن أن يكون العلّامة الطباطبائي المعروف ببحر العلوم ، لا لأنّه ـ كما قيل ـ أرفع قدرا من أن يعبّر عنه ببعض الفضلاء أو يجيب بما لا يرتضيه الكتابي ؛ لأنّه سيّد طليق اللسان ماهر بطرق البرهان ، بل وجوده برهان ، بل منّة الله المنّان في ذلك الزمان ؛ فإنّه كذلك حقّا ، بل أعظم قدرا وأجلّ شأنا مما تسطره أقلام الأعلام ـ بل لأنّ المناظرة المزبورة التي أثبتها السيّد محمد جواد العاملي صاحب كتاب مفتاح الكرامة وتلميذ المناظر في رسالته التي خصّصها بما جرى بين السيّد بحر العلوم وخصومه من اليهود المطبوعة في كتاب الفوائد الرجاليّة المعروف برجال السيّد بحر العلوم ج ١ / ٥٠ ـ ٦٥ إنّما جرت في سنة ١٢١١ ه‍ أي قبل سنة من وفاة السيّد الطباطبائي ( بحر العلوم ) بينما انتهى الميرزا القمي من تأليف كتاب القوانين بأكمله بتاريخ ربيع الثاني سنة ١٢٠٥ ه‍.

وهذا يشهد على ان المناظرة المشار إليها في كتاب القوانين قد وقعت قبل هذا التاريخ بعدّة سنوات. ومنه يتبيّن : انه ليس السيّد باقر ابن اخت العلامة الطباطبائي أيضا لأنه كان شابا

٢٢٦

أقول : الفاضل المذكور هو السيّد السّند المتبحّر في كثير من العلوم السّيد باقر القزويني (١) ( طيّب الله رمسه ) قد وقعت المناظرة بينه وبين عالم يهوديّ على ما حكاه الأستاذ العلّامة في قرية تسمّى بذي الكفل في قرب المشهد الغرويّ على من شرّفه ألف تحيّة وسلام ، والسيّد المذكور وإن ألزمه وأفحمه ببراهين واضحة ، إلّا أنّ الكتابي لم يرض بما أجاب به عن الاستصحاب الّذي تمسّك به الكتابي ، وأورد عليه : بأنّ موسى بن عمران شخص واحد ادّعى النّبوّة واعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوّته فعلى المسلمين إثبات نسخ نبوّته.

(٢٦٧) قوله : ( ما ذكره بعض المعاصرين ). ( ج ٣ / ٢٦١ )

أقول : المعاصر المذكور هو الفاضل النّراقي ذكر هذا الجواب في « المناهج » (٢) وهو ظاهر الفساد.

__________________

آنذاك ولو اتفق له نظير القضيّة لشاعت له قبل خاله بالطبع واشتهرت باشتهار ما وقع لخاله حيث تذكر كلّما ذكرت قصّة الخال تشييدا بهما وتخليدا لمواقفهما.

أمّا السيّد محسن القزويني فلم نعرف له ذكرا في هذه الطبقة من الأعلام والفضلاء ولعلّه الكاظمي فاشتبه الناسخ وكتبه القزويني من غير التفات لتكرّر هذه اللفظة في المقام.

على انّه لم يشر أحد من أرباب التراجم إلى انه اتفق ذلك الموقف أو نظيره للسيّد محسن الأعرجي الكاظمي قدس‌سره.

فيترجّح كونه السيّد حسين بن السيّد إبراهيم القزويني صاحب معارج الأحكام المتوفي سنة ١٢٠٨ ه‍ وتؤيّده مناسبة الطبقة. والله العالم.

(١) هو السيّد باقر بن السيّد أحمد القزويني المتوفى سنة ١٢٤٧ ه‍ فقيه فاضل متبحّر وهو ابن اخت بحر العلوم.

(٢) مناهج الأحكام : ٢٣٧.

٢٢٧

أمّا أوّلا : فبما عرفت سابقا : من عدم معنى لملاحظة التّعارض بين استصحاب وجود الشّيء وعدمه الثّابت في الأزل.

وأمّا ثانيا : فلأنّ المعارضة الّتي ذكرها لا تستقيم حتّى بناء على ما اختاره بناء على كون النّبوّة من الأوصاف النّفسانية القابلة للارتفاع بالرّافع حتّى يكون المستصحب نفس النبوّة على ما هو مفروض كلامهم لا أمر آخر ، فيكون إذن من قبيل الاستصحاب في الموضوع الخارجي الّذي اعترف باعتبار الاستصحاب فيه لسلامته عن المعارض فتدبّر.

(٢٦٨) قوله : ( وفيه أوّلا ما تقدّم ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٢ )

أقول : ما ذكره ( دام ظلّه ) وإن تقدّم منه في الأمر الأوّل في طيّ ما ذكره على المحقّق القميّ إلّا أنّ وروده عليه بناء على ما عليه الأستاذ العلّامة وفاقا للمحقّقين ممّن تأخّر من عدم اعتبار الاستصحاب في الشّك في المقتضي على ما تقدّم منه ( دام ظلّه ) تفصيل القول فيه لا يخلو عن نظر.

نعم ، بناء على ما عليه المشهور من عدم الفرق في اعتبار الاستصحاب بين الشّك في الرّافع والمقتضي لا إشكال في ورود الإيراد عليه.

والقول : بأنّه بناء على تخصيص اعتباره بالأوّل يكون الإيراد المذكور واردا أيضا بعد مساعدة العرف بالحكم بأنّ عدم الالتزام بآثار المتيقّن في الفرض نقض لليقين بالشّك ؛ لأنّ حكمهم به يجعل الفرض من الشّك في الرّافع ، لا يخفى ما فيه وقد تقدّم في طيّ كلماتنا السّابقة ما يوضح فساده فراجع.

٢٢٨

(٢٦٩) قوله : ( وثانيا : أنّ ما ذكره من الإطلاق ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٦٣ )

__________________

(١) قال في قلائد الفرائد : ( ٢ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ) :

أقول : إن كلامه رحمه‌الله مشتمل على بيان إيرادين :

أحدهما : إن الإطلاق على طبق الأصل ؛ لأنّ الأصل عدم التقييد فلا يحتاج الى الثبوت.

وثانيهما : ان النبوّة المطلقة ومطلق النبوّة سيّان من حيث التردّد بين الإستمرار والتوقيت ، فلا وجه للإلتزام بجريان الإستصحاب على الأوّل دون الثاني.

وحاصل الإيرادين : أنّه إن كان الكلام بالنسبة إلى الواقع ونفس الأمر فهو لا يخلو عن الأمرين : إمّا الموقّت أو الدائم ؛ لعدم تعقّل ثالث بالنسبة إليه ؛ كيف ، والإهمال بالنسبة إلى الواقع محال؟!

وإن كان الكلام بالنسبة إلى عالم البيان ، ففيه : أنّ الحكم بعدم جواز إثبات الإطلاق الذى هو عبارة عن عدم القيد بالاصل محلّ المنع ؛ لأنّ عدم التقييد مطابق للأصل.

ويمكن التفصّي عن كلّ منهما :

أمّا الثاني : فبما هو مزبور في المتن.

وأمّا الأوّل : فبأن يقال : إنّ الإطلاق بين قمسمين : ذكريّ ومعنويّ. ونعني بالأوّل ما إذا صدر أمر بشيء مثلا وشكّ في انّه ذكر معه شيء آخر مصدّرا بكلمة « أو » لكي يكون مفاده التخيير ، أم لا لكي يكون باقيا على التعيّن.

وبالثاني ما هو صفات المدلول والمعنى ؛ كالأمر بعتق الرقبة المعرّاة عن قيد الإيمان. ودوران الأمر بين الإطلاق والتقييد في الثاني بين الوجهين.

أحدهما : ما إذا صدر الأمر بعتق الرقبة وشكّ في تقييدها بالإيمان.

والثاني : ما اذا صدر أمر ولم يعلم أنّ متعلّقة إنّما هو عتق الرقبة أو المؤمنة.

والتمسّك بأصالة عدم التقييد إنّما هو مسلّم في القسم الأوّل والثاني ، دون الثالث : لكونه بمثابة دوران الأمر بين المتبائنين. ومسألة النبوّة من هذا لقبيل ؛ لأنّ ثبوتها إنّما هو في عالم

__________________

الوحي فالشكّ إنّما هو في كيفيّة الوحي. والتعبير في القوانين بما ينبيء عن كونها من قبيل الثاني إنّما هو من ضيق العبارة ».

* وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« الإنصاف عدم ورود هذا الإيراد عليه ؛ لأن فرض المحقّق القمي رحمه‌الله انه لم يثبت ما سوى مطلق النبوّة بدليل لبّي أو لفظي مجمل مردّد بين المحدودة والمستمرّة لا بلفظ مطلق في مقام البيان حتى يكون الأصل عند عدم ذكر القيد إرادة الإطلاق بمقدّمات الحكمة » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٠٦.

٢٢٩

جواب المحقّق القمّي عن استصحاب الكتابي والمناقشة فيه

أقول : حاصل مرامه : أنّه إن كان الكلام بالنّسبة إلى الواقع وقيس الأمر بالنّسبة إليه ، فهو لا يخلو عن الأمرين ؛ لعدم تعقّل أمر ثالث بالنّسبة إليه ؛ ضرورة استحالة الإهمال بالنّسبة إلى الواقع فالأمر بالنّظر إلى الواقع دائما مردّد بين الموقّت والدّائم.

وإن كان الكلام بالنّسبة إلى عالم البيان.

ففيه : أن التّثليث وإن كان صحيحا بالنّسبة إليه ، إلّا أن الحكم بعدم جواز إثبات الإطلاق الّذي عبارة عن عدم التّقييد بالأصل ؛ لأنّ الإطلاق في معنى القيد ممّا لا معنى له ؛ ضرورة اقتضاء الشّك في وجود كلّ شيء البناء على عدمه ، فإذا فرض الإطلاق بمعنى عدم التّقييد فلا معنى لمنع كونه على طبق الأصل.

لا يقال : المدّعى عدم جواز إثبات كون الكلام الصّادر عن المتكلّم مطلقا لا مقيّدا والإطلاق في هذا المقام ليس على طبق الأصل ؛ ضرورة رجوعه إلى الشّك

٢٣٠

في الحادث وليس هنا قدر متيقّن ؛ فإنّه ربّما يكون الكلام المطلق أكثر بحسب البيان من الكلام المشتمل على القيد.

لأنّا نقول :

أمّا أوّلا : فلأنّ الكلام إنّما هو على ما ذكره المحقّق المذكور : من أنّ الإطلاق في معنى القيد ، فلا معنى لإجراء الأصل فيه وإثباته من حيث إنّ الإطلاق بمعنى عدم القيد ليس بمعنى القيد ولا على خلاف الأصل ، وإنّما المخالف للأصل الإطلاق بمعنى اقتضاء اللّفظ للانتشار والعموم الذي ينافيه القيد.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الأصل وإن لم يقتض الحكم بكون الكلام الصّادر غير مقيّد في جميع موارد دوران الأمر بين صدور المطلق والمقيد من المتكلّم ؛ حيث إنّه ربّما يكون المطلق أكثر من المقيّد ، إلّا أنّه في خصوص المقام يمكن إثبات كون الصّادر هو المطلق بأصالة عدم القيد ؛ حيث إنّ المطلق في المقام بحسب قضيّة الفرض هو قول الله عزوجل للنّبي : أنت نبيّي ، من دون أن يذكر بعده إلى زمان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إلى الأبد.

والموقّت هو القول المذكور مع التّقييد بالأوّل ، والدّائم هو القول المذكور أيضا مع التّقييد بالثّاني ، فوجود أنت نبيّي متيقّن ، ووجود كلّ من القيدين مشكوك ، فينتفي بالأصل ، وإفادة المقيّد وإن كانت ممكنة بكلام أقلّ ممّا يقيّد به المطلق ، إلّا أنّ في خصوص المقام بمقتضى الفرض دار الأمر بين الأقلّ والأكثر ، والتعويل على الأصل المثبت على تقدير لزومه ممّا لا ضير فيه في المقام الّذي هو من الموضوعات الاستنباطيّة.

وبالجملة : لا فرق في جريان أصالة عدم القيد بين المقام وبين ما إذا علم

٢٣١

بصدور كلام مطلق وشكّ في وجود كلام آخر مقيّد له ، هذا ملخّص ما أفاده ( دام ظلّه ) ممّا ذكره ثانيا في بيان مرامه في مجلس البحث.

وأنت خبير بأنّه لا يخلو عن النّظر :

أمّا أوّلا : فلأنّ من الواضح المعلوم لكلّ من راجع كلام المحقّق القميّ رحمه‌الله أنّ مقصوده من كون الإطلاق في معنى القيد إنّما هو بالنّسبة إلى خصوص عالم البيان بالنّسبة إلى خصوص المقام.

حيث إنّه بعد ما بنى جريان الاستصحاب في صريح كلامه في الأمور الشّرعيّة على كون اللّفظ الوارد لبيانها غير مقيّد بأحد القيدين من جهة اختصاص دليل اعتباره ، وهي الغلبة في الأحكام الشّرعيّة بهذا الفرض ، وردّ الاستصحاب الّذي هو محلّ الكلام ـ بأنّه لم يثبت كون الدّليل الدّال على ثبوت مستصحبه من هذا القبيل ـ ذكر ـ دفعا لتوهّم : أنّه يمكن إثبات كونه من القبيل المذكور بأصالة عدم القيد ـ : أنّ الإطلاق في المقام في معنى القيد أي : أنّه لا يمكن إثبات كون الكلام الوارد في بيان النبوّة مطلقا حتّى يجري الاستصحاب فيه ؛ لأنّ مرجعه إلى تعيين الحادث بالأصل.

فليس كلامه في صدد منع جريان مجرّد أصالة عدم القيد ولو لم يثبت به كون الكلام الوارد خاليا عن القيد ، ولا في مقام منع جريان أصالة عدم التّقييد مطلقا حتّى يورد عليه بالموارد الّتي قام الإجماع على الرّجوع إليها واتّفقت كلمتهم فيها عليه حتّى كلام المحقّق المذكور.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكره : من أنّ التّعويل على الأصل المثبت في المقام ممّا لا ضير فيه ، لم يعلم له وجه ؛ فإنّ الأصل الّذي يكون معتبرا من باب الظّن في باب

٢٣٢

الألفاظ الّذي لا يفرّق بين مثبته وغيره لا دخل له بالأصل المذكور في المقام كما لا يخفى على من له أدنى دراية.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ما ذكره مناف لما ذكره بعده في توجيه كلام المحقّق القميّ بقوله : ( إلّا أن يريد بقرينة ما ذكره بعد ذلك ... إلى آخره ) (١) ولعمري إنّه ليس توجيها لما ذكره ؛ لأنّ كلامه ينادي بأعلى صوته بذلك ولهذا أوردنا على ما ذكره ( دام ظلّه ) بما عرفت أوّلا.

نعم ، يمكن الإيراد على ما ذكره المحقّق القميّ رحمه‌الله بوجهين :

أحدهما : أنّ اعتبار ما ذكره حسب ما يفصح عنه مقالته إنّما هو من جهة حصول الظّن بالغلبة من حيث اختصاصها بما فرضه على ما ادّعاه وليس دليل اعتبار الاستصحاب عنده مختصّا بالظّن ، بل هو قائل باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار أيضا الشّامل لصورة عدم حصول الظّن ببقاء الحالة السّابقة على ما صرّح به في أوّل القانون.

ثانيهما : أنّه لا مانع من التمسك بأصالة عدم القيد لإثبات كون الكلام الوارد مطلقا وخاليا عن القيد بناء على ما عليه المحقّق : من اعتبار الاستصحاب من باب الظّن حسب ما عرفت في طيّ كلماتنا السّابقة : من أنّه لا ضير في الالتزام باعتبار الأصل المثبت بناء على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن فتأمّل (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٦٣ ناقدا لكلام المحقّق القمّي الوارد في القوانين : ج ٢ / ٧٠.

(٢) وجه التأمّل : ان القادح في تعيين الحادث بالأصل هو التعارض على تقدير اعتبار الأصل المثبت فتدبّر جدّا. « منه دام ظلّه العالي ».

٢٣٣

(٢٧٠) قوله : ( أمّا أوّلا : فلأنّ مورد النّقض ... إلى آخره ). ( ج ٣ / ٢٦٤ )

أقول : لا يخفى عليك عدم توجّه هذا الإيراد عليه ؛ لأنّ له أن يلتزم فيما ذكره ( دام ظلّه ) بعدم جريان الاستصحاب فيه وليس هذا أمرا غريبا.

نعم ، يمكن الإيراد عليه : بأنّ غالب الأحكام الشّرعيّة ليست على ما ذكره فتأمل.

(٢٧١) قوله : ( وأمّا ثانيا ؛ فلأن الشّك ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٦٤ )

__________________

(١) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : هذا إذا كان الشك متعلّقا برفعه من حيث هو ؛ فإنّه ليس في الحقيقة شكّا في الرّفع بل في الارتفاع وانتهاء الاستعداد ولم يقل المحقّق رحمه‌الله بجريان الإستصحاب في مثل الفرض بل نفى احتماله بحكم التّتبع والاستقراء وإنما قال بجريان الاستصحاب في الحكم الشّرعي بعد إحراز استعداده للبقاء وهو لا يكون إلّا فيما إذا كان الشكّ في ارتفاعه لا من حيث هو بل بالعرض بحيث لا ينافيه الالتزام ببقاء الحكم ذاتا على حسب ما يقتضيه ظاهر دليله من الإستمرار الذّاتي كمزاحمة تكليف آخر أو حدوث ما يحتمل مانعيّته عقلا أو شرعا عن بقاء التّكليف وهو في الأحكام الشّرعيّة الكلّيّة ـ فضلا عن الجزئيّة ـ فوق حدّ الإحصاء » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٤٢٢.

* وقال في القلائد : ( ٢ / ٣٥٧ ) :

« أقول : قد تقدّم من المصنّف رحمه‌الله الجواب عن هذه الشبهة : بأن هذا يتمّ لو أخذ الزمان قيدا لا ظرفا ، فراجع : [ فرائد الأصول : ٣ / ٢١٠ ـ ٢١١ ] انتهى.

* وقال السيّد المحقق اليزدي قدس سره :

« لقائل أن يقول : يكفي في إجراء الإستصحاب بمذاق المحقّق ظهور دليل الحكم في الإستمرار وإحراز الإستعداد بظاهر الدليل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الاصول : ٣ / ٣٠٧.

٢٣٤

أقول : يمكن أن يقال : إنّ مراده من الرّافع أعمّ ممّا ذكره ( دام ظلّه ) وليس المراد منه خصوص ما يقابل المعنى الموجود في النّسخ حتّى يتوجّه عليه ما ذكره ( دام ظلّه ) فتدبّر هذا.

مضافا إلى أنّ ما ذكره إنّما يستقيم في خصوص الشّك في الارتفاع بالنّسخ ، وأمّا إذا شكّ في ارتفاع الحكم الشّرعي بغير النّسخ كارتفاع الطّهارة بالمذي ، أو بالخارج من غير السّبيلين مثلا ، والنّجاسة بالغسل مرّة ، أو بالاستنجاء بالحجر ذي الجهات مثلا ، والزّوجيّة ببعض الألفاظ ، والملكيّة ببعض الأمور ، فلا فتأمل.

ثمّ إنّ تسمية النّسخ بالرّفع الصّوري إنّما هي بالنّسبة إلى الواقع ، وإلّا فبالنّسبة إلى ما يرفعه من الظّهور رافع واقعي فتأمل.

(٢٧٢) قوله : ( وأمّا ثالثا : فلأنّ ما ذكره في حصول الظّن ). ( ج ٣ / ٢٦٤ )

دفع المناقشات التي أوردها الأستاذ على أجوبة المحقّق القمّي

أقول : قد يقال على ما ذكره : بأنّه لم يدّع ظهور الكلام بنفسه ومقتضى إطلاقه في البقاء والاستمرار ، وإنّما ادّعي حصول الظّن بذلك من ملاحظة الغلبة فهو ظنّ متعلّق بالحكم الواقعي حصل من الغلبة ، كالظّن الحاصل ببقاء الموضوع الخارجيّ من جهتها.

والقول : بأنّ الإتّكال على هذا الظّن خروج عن الاعتماد على الاستصحاب والحالة السّابقة من حيث هي ـ الّذي هو المناط في باب الاستصحاب حسب ما يفصح عنه مقالتهم في تعريفه ـ كلام آخر ـ أورده ( دام ظلّه ) في طيّ الكلام على ما ذكروه في بيان منشأ الظّن الحاصل بالاستصحاب ـ غير ما ذكره هنا : من رجوع

٢٣٥

الظّن إلى الظّن اللّفظي الّذي قام الإجماع على اعتباره هذا.

ولكنّك خبير بفساد هذه المقالة ؛ لأنّ الظّن الحاصل من الغلبة الّذي لا دخل له بالظّن اللّفظي هو الظّن الحاصل ببقاء الحكم النّفس الأمري من ملاحظة غلبة بقاء الأحكام الصّادرة من الموالي أو من خصوص الشّارع ، لا الظّن الحاصل بإرادة المتكلّم من اللّفظ المطلق أو الإطلاق والدّوام : من جهة ملاحظة غلبة إرادة الإطلاق والدّوام من المطلقات الّتي علمناها من الخارج ؛ فإنّه ظنّ لفظيّ متعلّق بالإرادة أوّلا وبالذّات ، وإن تعلّق بالحكم أيضا ثانيا وبالعرض فهو كالظّن الحاصل من الشّهرة في الاستعمال بإرادة المعنى المجازي من اللّفظ.

نعم ، يمكن أن يورد على ما ذكره : بأنّه لا دليل على اعتبار هذا الظّن بناء على ما بنى عليه الأمر ( دام ظلّه ) : من أنّ كلّ ظنّ تعلّق بالمراد لا دليل على اعتباره ، وإنّما الّذي قام الدّليل عليه هو اعتبار الظّن الحاصل من نفس اللّفظ بالمراد ولو بضميمة القرينة.

نعم ، بناء على ما عليه جماعة : من اعتبار كلّ ظنّ تعلّق بالمراد من اللّفظ لم يتوجّه عليه الإشكال.

وكيف كان : لا دخل لهذا الظّن بالظّن الاستصحابي سواء قلنا باعتباره من حيث الخصوص أو لا ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذا الظّن حاصل من اللّفظ أيضا بملاحظة ما ذكره من الغلبة فهو نظير الظّن الحاصل من اللّفظ بإرادة المعنى المجازي بواسطة شهرة الاستعمال وكثرته أو بواسطة وقوعه فيما يظهر منه ذلك ، كوقوع الأمر عقيب ظنّ الحظر لو توهّمه ، إلى غير ذلك من الظّنون المتعلّقة بالمرادات الحاصلة من اللّفظ بواسطة القرائن المكتنفة بها الكلام المقرون بها ؛ فإنّ

٢٣٦

الاعتماد على هذا النّحو من الظّن أيضا ممّا لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه ؛ لاستقرار الطّريقة العرفيّة على الاتّكال عليه في تفهيم المقاصد فتدبّر.

نعم ، هنا كلام آخر على ما ذكره لا دخل له بالمقام وهو : أنّ مع قيام الدّليل الاجتهادي المعتبر لا يبقى محلّ للرّجوع إلى الأصل إلّا مع قطع النّظر عن وجوده ، فكيف حكم بإغنائه عن الاستصحاب المستظهر منه جواز الرّجوع إليه أيضا؟ لكنّه مناقشة لا ربط لها بالمقام مع أنّه يمكن دفعها بالتّأمّل.

فظهر ممّا ذكرنا كلّه : أنّ هذا الإيراد ممّا لا مدفع عنه. فالأولى أن يذكره بدل الإيراد الثّالث ولم يذكره أصلا حتّى يتوجّه عليه ما ذكرناه في الإيرادين والله العالم.

وحاصل ما ذكرناه : إمكان دفع جميع الإيرادات المذكورة في « الكتاب » عن المحقّق القميّ قدس‌سره :

أمّا الأوّل : فلما أسمعناك سابقا في طيّ الأقوال في المسألة وأدلّتها : من ذهاب المحقّق المذكور إلى التّفصيل بين أقسام الشّك في المقتضي وقوله باعتبار الاستصحاب عند الشّك في انقضاء الاستعداد بعد العلم بمقداره ، بخلاف القسمين الآخرين للشّك في المقتضي.

وأمّا الثّاني : فلأنّ ثبوت مطلق النّبوة لا يلازم اللّفظ أصلا فضلا عن كونه مطلقا لفظيّا لا يجتمع فيه شروط التّمسّك بإطلاقه ، وإلّا خرج عن التمسّك بالاستصحاب ؛ لأنّه على تقدير تسليم كون بيان النّبوة باللّفظ ليس هو مضبوطا لنا ، ٣ / ١٥٣ فكما يحتمل بيانها بقول : أنت نبيّي ، كذلك يحتمل بيانها بقول : أنت إلى زمان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّي ، ومورد التّمسك بالاستصحاب على ما أفاده المحقّق المذكور هو

٢٣٧

الأوّل بملاحظة ما علم من الخارج من حال مطلقات الشّرع بعد الإغماض عمّا يرد عليه كـ من عدم إمكان اقتباس حكم هذا المطلق الخاص من سائر المطلقات كما سيجيء الإشارة إليه. ومن هنا استدرك في الكتاب من توجّه هذا الإيراد بقوله : « إلّا أن يريد بقرينة ما ذكره ... إلى آخر » (١) ما أفاده ( دام ظلّه ).

وأمّا ما أورد عليه في دفع النّقض بالاستصحاب في الأحكام الشّرعيّة العمليّة من الإيرادات فيمكن دفعه أيضا.

أمّا الإيراد الأوّل : فبأنّ مراده ليس قصر الحكم بجريان الاستصحاب في موارد الشّك في الرّافع ؛ فإنّ الغاية في كلامه غاية للحكم بالاستمرار والبناء عليه في مرحلة الظّاهر ، أي : الاستمرار الحكمي لا لنفس الاستمرار في مرحلة الواقع ، كما أنّ المراد من الرّافع هو الدّليل الخارجي القائم على عدم إرادة الاستمرار من المطلق المردّد المحكوم بإرادة الاستمرار منه بملاحظة الخارجيّة الّتي ذكرها لا الرّافع للحكم واقعا هذا.

وأمّا الثّاني : فبأنّه مبنيّ على ما عرفت خلافه : من القصر بموارد الشّك في الرّافع بالنّسبة إلى نفس المستصحب في مرحلة الواقع ، وإلّا فليس ما أفاده محلّا لإنكاره ولا كلامه مبنيّا على خلافه على ما عرفت توضيحه ، مع أنّ ما أفاده لا يستقيم بالنّسبة إلى موارد الشّك في رافعيّة الموجود في الشّبهات الحكميّة ؛ فإنّها لا ترجع إلى الشّك في تماميّة الاستعداد قطعا.

نعم ، مرجع الشّك بالنّسبة إلى غيرها إلى الشّكّ في الاستعداد حتّى في

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٣ / ٢٦٣.

٢٣٨

موارد الشّك في النّسخ.

وأمّا الثّالث : فلابتنائه على كون مطلق الظّن بإرادة المعنى من اللّفظ ولو بمعونة الأمارة الخارجيّة الغير المعتبرة من الظّنون الخاصّة والظّواهر المعتبرة ، وهو محلّ مناقشة بل منع عند شيخنا بل عند المشهور.

(٢٧٣) قوله : ( أمّا أوّلا : فلأنّ نسخ أكثر النّبوّات ... إلى آخره ) (١). ( ج ٣ / ٢٦٥ )

__________________

(١) قال صاحب قلائد الفرائد قدس‌سره :

أقول : إن الغلبة في النبوّات :

تارة : تكون في نسخها الواصل في الخارج مع كون ظاهر الخطاب محرز الإطلاق.

وأخرى : في تحديدها بحسب أصل الخطاب.

وعلى التقديرين :

تارة : يكون الخطاب الواصل في حقّ من هو بمحلّ الكلام مجملا.

وأخرى : مطلقا.

وإيراد المصنّف رحمه‌الله على القوانين إنما يرد على الثاني.

لأن غلبة النسخ أو التحديد في سائر الخطابات لا يقدح في إطلاق هذا الخطاب ، ولذا يعمل بأصالة العموم مع غلبة التخصيص في سائر العمومات.

نعم ، لو ثبت كثرة التخصيص في خطاب واحد فهو قادح في التمسّك بأصالة العموم ، فالفرق إنّما هو من حيث إرادة خلاف الظاهر بالنسبة إلى النوع فهو غير قادح ، وبالنسبة إلى الشخص فهو قادح ، وما نحن فيه من قبيل الأوّل.

وأمّا لو كان مراد القوانين هو الأوّل ـ كما ينبيء عنه سياق كلامه ؛ فإنه فرض الخطاب الواصل في إثبات النبوّة في أوّل كلامه مجملا ـ فإيراد المصنّف رحمه‌الله غير وارد عليه ، كيف! وبعد عدم قدح النسخ أو التحديد ليس هنا إطلاق لكي يرجع إليه ، هذا » إنتهى.

٢٣٩

مناقشات في بعض أجوبة المحقّق القمّي عن استصحاب الكتابي

أقول : لمّا أجاب المحقّق القميّ عمّا أورده على نفسه بغلبة التّحديد فقد لزمه ما ذكره ( دام ظلّه ) عليه : من منع غلبة التّحديد ؛ فإنّ القدر الثّابت المسلّم هو نسخ أغلب النّبوّات وهو لا يستلزم التّحديد إن لم يستلزم عدمه هذا.

ولكن لا يخفى أنّ الأستاذ العلّامة لو اكتفى في الإيراد الأوّل على مجرّد ما ذكرنا كان سليما عن الإيراد ، ولكن الظّاهر منه ـ بملاحظة ما ذكره ـ هو إثبات ظهور أدلّتها في الاستمرار بملاحظة أدلّة النّبوات في أنفسها ، أو بملاحظة غيرها ممّا دلّ على الأحكام الشّرعيّة بقول مطلق الّذي علم إرادة الاستمرار والتّأييد منه من الخارج.

فيرد عليه : أنّ بعد العلم بنسخ أكثر النّبوات وأغلبها لا ينفع إطلاق أدلّتها وعدم تحديدها في حصول الظّن بالاستمرار في الفرد المشكوك هذا.

وقد يدّعى التّحديد في أدلّة أغلب النّبوات ؛ فإنّ كلّ نبيّ قد علم بأنّ نبوّته

__________________

أنظر القلائد : ٢ / ٣٥٨.

* وقال سيّد العروة قدس‌سره :

« وفيه : انه بعد ما علمنا بنسخ أكثر النبوّات لا يبقى الظن باستمرار النبوّة المشكوكة البقاء وإن كان ظاهر ادلّتها طرّا الإستمرار من الأوّل قبل النسخ.

وأيضا مجرّد دعوى الخصم ظهور ادلّة النبوّات في الإستمرار لا يقبل منه من دون بيّنة فلم يحرز الإستعداد حتى يجري الإستصحاب على مذاق المحقّق » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٣ / ٣٠٨.

٢٤٠