محاضرات في أصول الفقه

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7336-14-6
الصفحات: ٥٢٠

من ناحية. ومن ناحية اخرى : أنّ صدوره من المكلف في هذا الحال حسن على الفرض ، ومعه لا مانع من التقرب به من ناحية اشتماله على الملاك.

وغير خفي أنّ هذه الدعوى خاطئة جداً حتّى عنده قدس‌سره ، ضرورة أنّه لا طريق لنا إلى إحراز أنّ الوضوء أو الغسل في هذا الحال مشتمل على الملاك ، لما ذكرناه غير مرّة من أنّه لا طريق لنا إلى معرفة ملاكات الأحكام مع قطع النظر عن ثبوتها ، فإذن لا يمكن الحكم بصحته من هذه الناحية.

الثاني : دعوى الاجماع على الصحة في هذا الفرض كما ذكرها صاحب مفتاح الكرامة قدس‌سره (١).

ويردّها أوّلاً : أنّ الاجماع غير ثابت وإنّما هو إجماع منقول وهو ليس بحجة. وعلى تقدير ثبوته فهو إنّما يكون حجة إذا كان تعبدياً لا فيما إذا كان محتمل المدرك أو معلومه ، ضرورة أنّه في هذا الحال لا يكون كاشفاً عن قول المعصوم عليه‌السلام فلا يكون حجة والاجماع المدعى في المقام على تقدير تسليمه بما أنّه محتمل المدرك لاحتمال أنّ من يقول بصحة الوضوء أو الغسل هنا إنّما يقول به من جهة توهم اشتماله على الملاك ، أو من ناحية تخيل أنّ المؤثر في الحكم إنّما هو الجهات الواصلة دون الجهات الواقعية ، فإذن لا بدّ من النظر في هذين الأمرين :

أمّا الأمر الأوّل : فقد عرفت أنّه لا مجال له أصلاً ، ضرورة أنّه لا طريق لنا إلى إحراز أنّه مشتمل على الملاك في هذا الحال كما مرّ آنفاً.

وأمّا الأمر الثاني : فقد نشأ من الخلط بين الجهات المؤثرة في الأحكام

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١ : ٥١٢

٥٠١

الشرعية والجهات المؤثرة في الأحكام العقلية ، فانّ المؤثر في الأحكام العقلية وهي الحسن والقبح إنّما هو الجهات الواصلة ، ضرورة أنّ العقل لا يحكم بحسن شيء وقبح شيء آخر ، إلاّفيما إذا أحرز ما هو المؤثر فيهما ، لما ذكرناه من أنّه لا واقع موضوعي لهما ما عدا إدراك العقل استحقاق الفاعل المدح على فعل واستحقاقه الذم على آخر ، ومن الواضح جداً أنّ العقل لا يحكم بذلك إلاّ إذا أحرز انطباق عنوان العدل عليه في الأوّل ، وانطباق عنوان الظلم في الثاني ، حيث إنّ حكم العقل بقبح الظلم وحسن العدل ذاتي وغير قابل للانفكاك أبداً ، ولا يحتاج إلى علّة خارجة عن مقام ذاتهما ، ضرورة أنّ الذاتي غير قابل للتعليل بشيء ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الذاتي ذاتي باب البرهان ، أو ذاتي باب الكلّيات كالجنس والفصل ، وهذا واضح.

وأمّا حكمه بقبح غيرهما من الأفعال الاختيارية أو حسنها ، فهو ليس بالذات بل من ناحية انطباق عنوان الظلم عليها أو العدل ، مثلاً ضرب اليتيم إذا كان للتأديب انطبق عليه عنوان العدل ، وإذا كان للايذاء انطبق عليه عنوان الظلم ، ولذا يحكم بحسنه على الأوّل وقبحه على الثاني ، وهذا واضح.

وأمّا المؤثر في الأحكام الشرعية فهو الجهات الواقعية لا الجهات الواصلة ، ضرورة أنّ الأحكام الشرعية لو كانت تابعة لتلك الجهات ، أي الجهات الواصلة ، للزم التصويب وانقلاب الواقع ، فانّ معنى ذلك هو تبعية الأحكام لعلم المكلف وهذا معنى التصويب ، وقد تقدّم الكلام في ذلك من هذه الناحية بشكل واضح فلاحظ.

فالنتيجة : أنّه لا يمكن الحكم بصحة الوضوء أو الغسل في هذا الحال ، لا من ناحية الملاك ، ولا من ناحية الاجماع ، بل الصحيح هو ما ذكرناه من فساده في

٥٠٢

هذا الحال أيضاً ، بداهة أنّ الجهل بالحرمة أو بموضوعها لا يغيّر الواقع وإن كان عن قصور ، ولا يوجب صيرورة الحرام واجباً ، بل هو باقٍ على حرمته ، غاية الأمر أنّه معذور في ارتكابه والتصرف فيه ، ومن المعلوم أنّ الحرام لا يصلح أن يكون مقرّباً ومصداقاً للواجب ، كما هو ظاهر.

وأمّا الثاني : وهو التوضؤ أو الاغتسال من آنية الذهب أو الفضة ، فقد تقدّم الكلام فيه من ناحية صحة الوضوء أو الغسل منها أو فساده في بحث الضد (١) بصورة مفصّلة ، ونتيجته هي أنّه لا إشكال في فساد الوضوء أو الغسل منها إذا كان على نحو الارتماس ، ضرورة أنّ نفس هذا التصرف محرّم ، والمحرّم لا يصلح أن يكون مصداقاً للواجب ، هذا بناءً على أن يكون مطلق التصرف فيها محرّماً. وأمّا إذا قلنا بأنّ المحرّم فيها إنّما هو خصوص الأكل والشرب لا مطلق استعمالها والتصرف فيها ، فلا إشكال عندئذ في صحة الوضوء أو الغسل منها أصلاً.

وأمّا إذا كان على نحو الترتيب ، بأن يغترف الماء منها غرفة غرفة ليتم وضوءه أو غسله ، فبناءً على ما حققناه من إمكان الترتب من ناحية ، وكفاية القدرة التدريجية على الواجبات المركبة من الأجزاء الطولية كالصلاة والوضوء والغسل وما شاكل ذلك من ناحية اخرى ، لا مانع من الحكم بصحته أصلاً ، من دون فرق في ذلك بين صورة انحصار الماء فيها ، وصورة عدم انحصاره ، وتمكن المكلف من إفراغ الماء منها في إناء آخر بلا استلزامه التصرف فيها وعدم تمكنه منه ، على ما تقدّم الكلام في جميع هذه النواحي بشكل واضح ، فلا نعيد.

نعم ، فرق بين الوضوء أو الغسل من الآنية كذلك ، أي بأخذ الماء منها غرفة

__________________

(١) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ٤٩٥

٥٠٣

غرفة أو بأخذه في ظرف آخر ، وبين الأكل والشرب على هذا النحو ، أي بأن يأخذ الطعام أو الشراب من الآنية ويصب في المشقاب أو الفنجان ، فيأكل فيه أو يشرب ، حيث إنّ الأوّل ـ وهو الوضوء أو الغسل ـ ليس بمحرّم ، والمحرّم إنّما هو أخذ الماء منها ، الذي هو مقدّمة له ، والثاني ـ وهو الأكل والشرب ـ محرّم ، والوجه فيه : هو أنّ الملاك في حرمة الوضوء أو الغسل أو ما شابه ذلك منها كونه استعمالاً للآنية بنفسه ، وفي الفرض المزبور بما أنّه ليس استعمالاً لها كذلك ، ضرورة أنّ ما كان استعمالاً لها إنّما هو أخذ الماء منها دونه ، فلأجل ذلك لا يكون محرّماً ومصداقاً للتصرف فيها ، وهذا بخلاف الملاك في حرمة الأكل والشرب منها فانّهما محرّمان ، سواء أكان بلا واسطة أم مع واسطة ، كما إذا صبّ الطعام من القدر في الصيني أو المشقاب فأكل فيه ، فانّه وإن لم يصدق عليه أنّه أكل في الآنية ، إلاّ أنّ ذلك استعمال لها في الأكل وهذا المقدار كافٍ في حرمته ، وكذا إذا صبّ الشاي من السماور في الفنجان ، فانّه لا يجوز شربه ، لصدق أنّ هذا استعمال للآنية في الشرب.

وعلى الجملة : فالمحرّم ليس خصوص الأكل والشرب في الآنية ، بل المحرّم إنّما هو استعمالها في الأكل والشرب ولو كان استعمالها واقعاً في طريقهما كالأمثلة المزبورة ، هذا مقتضى إطلاق الروايات الواردة في المقام ، وأمّا التوضؤ أو الاغتسال فانّه إن كان في الآنية كما إذا كان على نحو الارتماس فمحرّم ، وأمّا إذا كان بأخذ الماء منها في ظرف آخر أو غرفة غرفة فهو ليس بمحرّم ، لعدم كونه عندئذ مصداقاً للتصرف فيها ، وتمام الكلام في ذلك في محلّه.

ومن هنا تظهر نقطة الفرق بين الأكل والشرب من آنية الذهب أو الفضة والأكل والشرب من الاناء المغصوب ، فانّهما على الأوّل كما عرفت محرّمان مطلقاً ، أي سواء أكان بلا واسطة أم معها ، وعلى الثاني فليسا بمحرّمين مطلقاً ،

٥٠٤

ولو كانا مع واسطة ، وذلك لأنّهما إنّما يكونان محرّمين فيما إذا صدق عليهما أنّه تصرف فيه ، فلو أخذ الطعام منه وصبّ في ظرف آخر وأكل فيه فلا يكون أكله فيه محرّماً ، والوجه في ذلك : أنّ المستفاد من الروايات هو حرمة استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب ولو كان استعمالها في طريقهما ، وهذا بخلاف الاناء المغصوب فانّ المحرّم فيه إنّما هو تصرفه ، وعليه فإذا كان الأكل أو الشرب مصداقاً له فهو محرّم وإلاّ فلا ، ومن المعلوم أنّه إنّما يكون مصداقاً له فيما إذا كان فيه ، وأمّا إذا كان في غيره ، كما إذا أخذ الطعام منه وصبه في إناء آخر فأكل فيه فهذا ليس تصرّفاً فيه كما هو واضح.

وأمّا إذا توضأ المكلف أو اغتسل منها بحيث كان وضوءه أو غسله تصرفاً فيها ، فهل يمكن القول بجواز اجتماع الأمر والنهي فيه ، بناءً على القول بالجواز في المسألة أم لا؟ قولان.

فقد ذكر شيخنا الاستاذ قدس‌سره (١) أنّ من يقول بجواز الاجتماع فيها يقول به في المقام ايضاً ، وقد أفاد في تقريب ذلك أنّ الوضوء أو الغسل باعتبار نفسه الذي هو فرد من أفراد المقولة مأمور به ، وباعتبار اضافته إلى الآنية التي يحرم التصرف فيها منهي عنه ، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى : أنّ استعمال الآنية ليس داخلاً في إحدى المقولات التسع العرضية ، بل هو متمم لمقولة من المقولات كالأكل والشرب والتوضؤ وما شاكل ذلك.

فالنتيجة على ضوئهما : هي أنّه لا مانع من القول بالجواز هنا باعتبار أنّ

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ١٤٨ ـ ١٤٩

٥٠٥

المأمور به بنفسه مقولة ، والمنهي عنه ليس بمقولة على الفرض ، بل هو من متمم المقولة ، فيكون متعلق الأمر غير متعلق النهي.

وغير خفي أنّ هذا غريب منه قدس‌سره والوجه في ذلك : هو أنّه ليس لاستعمال آنية الذهب أو الفضة واقع موضوعي في الخارج ما عدا تلك الأفعال الخاصة كالأكل والشرب والتوضؤ والاغتسال وما شاكل ذلك ، ضرورة أنّه عنوان انتزاعي منتزع من هذه الأفعال خارجاً ، ولا واقع له ما عداها ، وعليه فبما أنّه في مفروض الكلام منتزع من نفس التوضؤ أو الاغتسال منها باعتبار أنّه تصرف فيها كما إذا فرض أنّه كان على نحو الارتماس ، لا محالة يكون المنهي عنه عندئذ متحداً مع المأمور به في مورد الاجتماع ، ومعه لا يمكن القول بالجواز.

وعلى الجملة : فاستعمال الآنية قد يكون بالأكل والشرب ، وقد يكون بالتوضؤ والاغتسال وقد يكون بغيرهما ، وليس الاستعمال إلاّعنواناً انتزاعياً من هذه الأفعال ، وبما أنّه في المقام استعمالها بالتوضؤ أو الاغتسال على الفرض ، فلا يعقل أن يكون مأموراً به ، لاستحالة كون المنهي عنه مصداقاً للواجب.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره من أنّ استعمال الآنية ليس مقولة برأسها بل هو متمم المقولة ، لا نعرف له معنىً محصّلاً أبداً ، وذلك لأنّ مراده قدس‌سره من متمم المقولة كما فسّر به ما لايعرض على الجوهر في الخارج بلا واسطة ، كالشدّة في البياض والسواد والسرعة في الحركة وما شابه ذلك ، فانّها لا تعرض على الجوهر خارجاً بلاتوسط ، بل تعرض أوّلاً وبالذات على الكم والكيف ونحوهما وبواسطتها تعرض عليه ، والمفروض كما عرفت أنّ الاستعمال ـ أي استعمالها ـ عنوان انتزاعي منتزع من أمر موجود في الخارج ، وليس له ما بازاء فيه أصلاً لينظر أنّه من المقولة أو متمم لها ، وليس كالشدّة فانّها موجودة فيه.

٥٠٦

أضف إلى ذلك : أنّ الشدّة والضعف في البياض والسواد والسرعة والبطء أيضاً في الحركة ليس من متممات المقولة بالمعنى الذي ذكره قدس‌سره بل هما عين المقولة ، ضرورةً أنّ الشدّة ليست شيئاً زائداً على حقيقة البياض ، ولا السرعة شيئاً زائداً على حقيقة الحركة ، لتكون الشدّة عارضةً على البياض العارض على الجوهر والسرعة عارضة على الحركة العارضة على موضوعها ، بداهة أنّ الشدّة والسرعة موجودتان بنفس وجود البياض والحركة في الخارج لا بوجود آخر ، لتكونا عارضتين على وجودهما فيه أوّلاً وبالذات وبتوسّطه تعرضان على الجوهر.

وبكلمة اخرى : أنّه قدس‌سره قد جعل الملاك في كون شيء متمماً للمقولة دون نفسها هو ما يمتنع عروضه في الخارج على الجوهر بلا واسطة عرض من الأعراض ، وقد مثّل لذلك بالشدّة والضعف والسرعة والبطء والابتداء والانتهاء ، وقد عرفت أنّ الابتداء والانتهاء من الامور الانتزاعية التي لا واقع موضوعي لها في الخارج ما عدا منشأ انتزاعها ، فانّ الابتداء منتزع من صدور السير من البصرة مثلاً ، والانتهاء منتزع من انتهائه إلى الكوفة ... وهكذا ، ومن المعلوم أنّ الأمر الانتزاعي لا يعقل أن يكون متمماً للمقولة ، بداهة أنّ متمم المقولة لا بدّ أن يكون موجوداً في الخارج ، والأمر الانتزاعي لا يتعدى من افق النفس إلى الخارج ، وإلاّ فكل عرض موجود فيه لا محالة يكون منشأ لانتزاع أمر ، وعليه فيلزم أن يكون لكل عرض خارجاً متمم ، وهذا باطل.

وأمّا الشدّة والضعف والسرعة والبطء فالمفروض أنّها ليست بموجودة بوجود آخر غير وجود نفس البياض والحركة ، ليكون وجودها عارضاً على وجودهما في الخارج أوّلاً وبتوسطه على وجود الجوهر ، لوضوح أنّ كل مرتبة من وجود البياض والحركة مباين لمرتبة اخرى منه ، فلا يعقل أن تعرض مرتبة

٥٠٧

منه على مرتبة اخرى منه ، كأن تعرض المرتبة الشديدة على المرتبة الضعيفة ، أو فقل : إنّ البياض الموجود فيه لا يخلو من أن يكون شديداً أو ضعيفاً أو متوسطاً ولا رابع في البين ، وكذا الحركة الموجودة فيه ، فلو كانت الشدّة والضعف في الفرد الشديد والضعيف متممين لهما لكان التوسط في الفرد المتوسط أيضاً كذلك ، ضرورة عدم الفرق بينهما من هذه الناحية أبداً ، مع أنّهم لا يقولون بذلك فيه.

فالنتيجة : أنّه لا يرجع متمم المقولة إلى معنىً محصّل أصلاً ، فانّ الشدة في الخارج عين الفرد الشديد ، لا أنّها متممة له ، وكذا الضعف في الفرد الضعيف ... وهكذا.

الثالث : وهو التوضؤ أو الاغتسال من الاناء المغصوب ، قد ظهر الحال فيه مما ذكرناه في آنية الذهب والفضة ، فانّ الكلام فيه من هذه الناحية ، أي من ناحية الوضوء أو الغسل منه ، بعينه هو الكلام فيها ، بناءً على أن يكون مطلق التصرف فيها محرّماً ، كما أنّ الكلام فيه بعينه هو الكلام فيها من ناحية جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه ، وقد تقدّم أنّ الظاهر من كلامه قدس‌سره هو جواز الاجتماع في أمثال ذلك ، ببيان أنّ المأمور به هو فرد من أفراد المقولة وهو التوضؤ أو الاغتسال الموجود في الخارج ، فانّه عبارة عن إيصال الماء إلى البدن ، والمنهي عنه وهو استعماله ليس داخلاً في إحدى المقولات التسع العرضية ، بل هو متمم لمقولة من المقولات ، فمن يقول بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة يقول في المقام أيضاً.

ولكن قد عرفت أنّ هذا من غرائب كلامه قدس‌سره ، وذلك لأنّ الوضوء أو الغسل منه إذا كان تصرّفاً فيه كما هو المفروض واستعمالاً له ، فلا يعقل أن يكون مأموراً به ، ضرورة استحالة كون المنهي عنه مصداقاً له ، كما أنّه لا وجه

٥٠٨

لما أفاده قدس‌سره من صحة الوضوء أو الغسل منه في صورة الجهل عن قصور ، وقد تقدّم الكلام من هذه الناحية في آنية الذهب والفضة بشكل واضح فلا نعيد.

الرابع : وهو التوضؤ أو الاغتسال في الدار المغصوبة ، قد تقدّم الكلام فيه في بحث الضد (١) بشكل مفصّل ، وملخّصه : هو أنّ المكلف تارةً متمكن من الوضوء أو الغسل في غير المكان المغصوب ، وتارة اخرى لايتمكن منه في غيره لانحصار الماء فيه ، فعلى الثاني بما أنّ متعلق الأمر هنا غير متعلق النهي ، حيث إنّ الأوّل عبارة عن الغسلتين والمسحتين مثلاً ، والثاني عبارة عن الكون في الدار ، والمفروض أنّهما لا ينطبقان على موجود واحد في الخارج ، فلا مانع من القول بالجواز ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى : أنّ وظيفة المكلف في هذا الفرض وإن كانت هي التيمم ، لفرض أنّه لا يتمكن من الوضوء أو الغسل شرعاً وإن تمكن منه عقلاً ، وقد ذكرنا في غير مورد أنّ مشروعية الوضوء أو الغسل مشروطة بالتمكن من استعمال الماء عقلاً وشرعاً ، وفي المقام بما أنّ الوضوء أو الغسل يتوقف على ارتكاب محرّم ـ وهو التصرف في مال الغير ـ فلا يتمكن منه ، فإذن لا محالة تكون وظيفته التيمم لكونه فاقداً للماء.

فالنتيجة على ضوئهما هي : أنّ المكلف لو عصى ودخل الدار المغصوبة فتوضأ أو اغتسل فلا إشكال في صحته ، بناءً على ما حققناه من إمكان الترتب ، وهذا واضح. وعلى الأوّل فلا شبهة في صحة الوضوء أو الغسل ولو قلنا بالفساد في الفرض الأوّل ، وذلك لأنّ الصحة في هذا الفرض لا تتوقف على القول بالترتب ، بل لو قلنا باستحالته فمع ذلك يكون صحيحاً ، والوجه فيه : هو أنّ المكلف

__________________

(١) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ٥١١

٥٠٩

مأمور بالطهارة المائية فعلاً ، لتمكنه منها ، غاية الأمر أنّه بسوء اختياره فقد ارتكب المحرّم بدخوله في المكان المزبور ، ومن الظاهر أنّ ارتكاب محرّم مقدّمة للوضوء أو الغسل أو في أثنائه إذا لم يكن متحداً معه لا يوجب فساده ، هذا كلّه فيما إذا لم يكن الفضاء مغصوباً ، بل كان مباحاً أو مملوكاً للمتوضئ.

الخامس : وهو التوضؤ أو الاغتسال في الفضاء المغصوب ، أنّ الظاهر بطلان الوضوء فحسب دون الغسل.

أمّا الوضوء : فمن ناحية المسح حيث يعتبر فيه إمرار اليد وهو نحو تصرف في ملك الغير فيكون محرّماً ، ومن الواضح استحالة وقوع المحرّم مصداقاً للواجب. فإذن لا بدّ من القول بالامتناع هنا لفرض اتحاد المأمور به مع المنهي عنه في مورد الاجتماع ، ولا يفرق في ذلك بين صورتي انحصار الماء فيه ـ أي في الفضاء المغصوب ـ وعدم انحصاره فيه. نعم ، لو تمكن المكلف من إيقاع المسح في غير الفضاء المغصوب وأوقع فيه لصح وضوءه على الأقوى وإن كان الأحوط تركه.

وعلى الجملة : فوظيفة المكلف في صورة الانحصار وإن كانت هي التيمم ولكنّه لو دخل في الفضاء المغصوب وتوضأ فيه ، فإن أوقع المسح في غير الفضاء المغصوب لكان وضوءه صحيحاً ، بناءً على ما حققناه من إمكان الترتب ، وإن أوقع المسح فيه لكان فاسداً ، لاستحالة كون المنهي عنه مصداقاً للمأمور به ، لفرض أنّ المسح تصرف في ملك الغير ، ومعه لا يمكن أن يكون واجباً.

ومن هنا استشكلنا في صحة التيمم في الفضاء المغصوب من جهة أنّ المعتبر فيه إمرار اليد وهو نحو تصرف فيه ، ولا يفرق في هذا بين وجود المندوحة وعدمها.

٥١٠

وأمّا الغسل : فبما أنّه لا يعتبر فيه إمرار اليد فلا يكون تصرّفاً فيه ، لفرض أنّ الواجب فيه وصول الماء إلى البشرة ، ومن المعلوم أنّه لا يكون تصرّفاً فيه ، والتصرّف إنّما يكون في مقدّماته كما هو واضح.

فإذن لا مانع من القول بالجواز في المقام والالتزام بصحة الغسل بناءً على ما ذكرناه من إمكان الترتب ووقوعه خارجاً.

٥١١
٥١٢

فهرس الموضوعات

٥١٣
٥١٤

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

التزاحم والتعارض

الجهة الاولى : حقيقة التزاحم وواقعه الموضوعي................................... ١

أقسام التزاحم................................................................ ١

كلام المحقق النائيني في المقام .................................................... ٩

الجهة الثانية : حقيقة التعارض وواقعه الموضوعي................................. ١٤

الجهة الثالثة : الفرق بين التزاحم والتعارض...................................... ١٧

الجهة الرابعة : مرجحات المتعارضين............................................. ٢٠

مقتضى القاعدة في المتعارضين................................................. ٢٠

انحصار المرجح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ................................... ٢١

اختصاص الترجيح بهما بالخبرين المتعارضين.................................... ٢٤

الجهة الخامسة : مرجحات المتزاحمين............................................ ٢٤

مقتضى القاعدة في المتزاحمين................................................. ٢٤

٥١٥

المرجح الأوّل : كون أحد الواجبين ممّا لا يدل له............................... ٢٥

الكلام في الفروع التي ذكرها المحقق النائيني في المقام............................. ٢٧

اختصاص التزاحم بالتكاليف النفسية......................................... ٣٠

المرجح الثاني : كون أحد الواجبين مشروطا بالقدرة عقلا....................... ٤٢

القسم الأوّل : اشتراط أحد الواجبين بالقدرة شرعا............................. ٤٢

القسم الثاني : اشتراط كل من الواجبين بالقدرة شرعا.......................... ٤٥

القسم الثالث : اشتراط كلا الواجبين بالقدرة عقلا............................. ٧٦

المرجح الثالث : تقدّم الأهم على المهم........................................ ٧٦

ترجيح محتمل الأهمّية ........................................................ ٨٢

الكلام في أنّ التخيير بين المتساويين عقلي أو شرعي؟........................... ٨٨

فروع اخرى ذكرها المحقق النائيني للتزاحم................................... ١٠٣

تفصيل الكلام في المنع عن جريان التزاحم في الأوامر الضمنية .................. ١٠٦

مناقشات في الفروع التي ذكرها النائيني ...................................... ١٢٧

نتائج بحث التزاحم والتعارض.............................................. ١٥٢

أقسام التزاحم عند النائيني قدس‌سره............................................. ١٥٩

جريان الترتب بين واجبين طوليين مع أهمّية المتأخر............................ ١٦٣

جريان الترتب في موارد اجتماع الأمر والنهي................................. ١٧٥

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ............................................. ١٨١

تعلّق الأوامر بالطبائع أو بالأفراد............................................. ١٩٢

مبحث النسخ.............................................................. ٢٠٣

٥١٦

الواجب التخييري.......................................................... ٢٠٧

الآراء في حقيقة الواجب التخييري.......................................... ٢٠٧

المختار في حقيقة الوجوب التخييري......................................... ٢٢٢

التخيير بين الأقل والأكثر.................................................. ٢٢٧

الواجب الكفائي........................................................... ٢٣٦

الأقوال في تصوير الوجوب الكفائي......................................... ٢٣٧

فرع ذكره المحقق النائيني في المقام............................................ ٢٤٢

الواجب الموسّع والمضيّق..................................................... ٢٤٥

الاشكال على الواجب الموسّع وجوابه........................................ ٢٤٥

الاشكال على الواجب المضيّق وجوابه........................................ ٢٤٦

تبعيّة القضاء للأداء......................................................... ٢٤٧

جريان استصحاب عدم الاتيان لاثبات الفوت................................. ٢٥٧

الأمر بالأمر بفعل.......................................................... ٢٦١

الكلام في مشروعية عبادات الصبي........................................... ٢٦٣

الأمر بالأمر بشيء........................................................... ٢٦٧

مبحث النواهي

الجهة الاولى : الفرق بين الأمر والنهي عند المشهور............................ ٢٦٩

مناقشة المشهور في المبنى والبناء.............................................. ٢٧٢

المختار في الفرق بين الأمر والنهي............................................ ٢٧٣

٥١٧

سبب اقتضاء النهي ترك جميع الأفراد........................................ ٢٧٧

الجهة الثانية : تعلق الأمر بالفعل تارة وبالترك اخرى ........................... ٣٠٤

صور قيام المصلحة بالفعل والترك........................................... ٣٠٤

نشوء النهي عن مفسدة في المتعلق لا المصلحة في الترك......................... ٣٠٥

إرشادية النواهي الواردة في العبادات إلى المانعية............................... ٣٠٧

انقسام الأمر بالترك إلى الضمني والاستنقلالي................................. ٣٠٨

الثمرة بين صور الأمر الاستقلالي بالترك..................................... ٣١١

الثمرة بين صور الأمر الضمني بالترك........................................ ٣١٨

وجوب التقليل في أفراد المانع مهما أمكن.................................... ٣٢٠

ظهور أدلة المانعية في الانحلال............................................... ٣٣٥

الجهة الثالثة : انحلال النهي بالنسبة إلى الأفراد العرضية والطولية................. ٣٥٤

كلام المحقق النائيني ونقده................................................... ٣٥٥

اجتماع الأمر والنهي........................................................ ٣٦٠

الجهة الاولى : كون النزاع في المقام صغرويا لا كبرويا......................... ٣٦٠

الجهة الثانية : الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي عن العبادة.................. ٣٦١

الجهة الثالثة : معنى « الواحد » في عنوان النزاع............................... ٣٦٥

الجهة الرابعة : مبنى القول بالجواز والقول بالامتناع............................ ٣٦٨

دخول المسألة في التعارض على الامتناع وفي التزاحم على الجواز ................ ٣٦٨

الجهة الخامسة : اصولية مسألة الاجتماع.................................... ٣٧٣

الجهة السادسة : نقد ابتناء القول بالجواز على نظر العرف..................... ٣٧٩

٥١٨

الجهة السابعة : دخول أنواع الايجاب والتحريم في محل النزاع.................. ٣٨٣

الجهة الثامنة : اعتبار قيد المندوحة في محل النزاع.............................. ٣٨٦

الجهة التاسعة : القول بابتناء النزاع على القول بتعلق الأمر بالطبيعة............. ٣٨٩

القول بابتناء الجواز على القول بتعلق الأمر بالطبيعة وابتناء الامتناع على القول بتعلقه بالأفراد ٣٩٢

القول بابتناء المنع على القول بأصالة الوجود.................................. ٣٩٦

مناقشة الأمر الثامن في الكفاية .............................................. ٤٠٠

قول الآخوند باشتراط اشتمال المجمع على ملاك الحكمين...................... ٤٠٠

دخول المقام في التزاحم مع اشتمال المجمع على كلام الحكمين وفي التعارض مع اشتماله على ملاك واحد ٤٠٠

مناقشة الأمر التاسع في الكفاية............................................. ٤٠٧

بيان ما يمكن أن يحرز به اجتماع الملاكين في المجمع........................... ٤٠٧

ثمرة مسألة اجتماع الأمر والنهي............................................. ٤١٥

شهرة صحة الصلاة في الغصب على القول بجواز الاجتماع.................... ٤١٥

تفصيل النائيني بين العالم بالحرمة وبين الجاهل والناسي......................... ٤١٦

طريق تصحيح الصلاة في المغصوب للجاهل بالحرمة وللعالم بها.................. ٤٢٢

مناقشة الأمر العاشر من الكفاية............................................. ٤٢٥

طريق تصحيح صاحب الكفاية المجمع........................................ ٤٢٥

ابتناء قول المشهور بصحة الصلاة على الجواز ................................. ٤٤٠

الكلام في الناسي للحكم أو الموضوع ........................................ ٤٤٠

اختيار الآخوند الامتناع نتيجة مقدمات...................................... ٤٤٢

٥١٩

تخيل صاحب الفصول ابتناء القول بالجواز على أصالة الماهية.................... ٤٤٥

القول بابتناء الجواز على تعدد الجنس والفصل................................ ٤٤٧

الكلام في تعدد المعنون بتعدد العنوان........................................ ٤٥٣

تفصيل المحقق النائيني في المقام............................................... ٤٥٣

اختيار النائيني القول بالجواز................................................ ٤٦١

المختار في مسألة اجتماع الأمر والنهي ....................................... ٤٧٢

كون الترتكيب بين المادة والصورة اتحاديا.................................... ٤٨٠

الكلام في إمكان اتحاد الصلاة مع الغصب خارجا............................. ٤٨٤

هل الهوي إلى الركوع والسجود جزء أو مقدمة؟............................. ٤٨٩

اتحاد الصلاة مع الغصب في السجود........................................ ٤٩٠

اعتبار الاعتماد في مفهوم السجود........................................... ٤٩١

نتائج الأبحاث السابقة..................................................... ٤٩٤

التوضؤ أو الاغتسال بالماء المغصوب......................................... ٤٩٩

تفصيل النائيني في المقام..................................................... ٥٠٠

التوضؤ أو الاغتسال من آنية الذهب والفضة................................. ٥٠٣

كلام المحقق النائيني في المقام................................................. ٥٠٥

التوضؤ أو الاغتسال من الاناء المغصوب...................................... ٥٠٨

التوضؤ أو الاغتسال في الدار المغصوبة........................................ ٥٠٩

التوضؤ أو الاغتسال في الفضاء المغصوب..................................... ٥١٠

فهرس الموضوعات................................................ ٥١٣ ـ ٥٢٠

٥٢٠