محاضرات في أصول الفقه

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7336-14-6
الصفحات: ٥٢٠

أمّا بحسب الصغرى ، فلما ذكرناه غير مرّة من أنّ الأحكام الشرعية ـ بشتّى أنواعها وأشكالها ـ امور اعتبارية محضة ، وليس لها واقع موضوعي ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، ومن الطبيعي أنّ الامور الاعتبارية لا تتصف بالشدّة مرّة وبالضعف مرّة اخرى ، ضرورة أنّهما من الصفات العارضة على الامور الخارجية والموجودات التكوينية ، كالسواد والبياض وما شاكلهما. وأمّا الامور الاعتبارية فالمفروض أنّه ليس لها واقع خارجي ووجود إلاّفي عالم الاعتبار ، فهي لا تتصف في ذلك العالم إلاّبالوجود والعدم ، إذ أنّها عند اعتبار من له الاعتبار موجودة وعند عدم اعتباره معدومة.

وبعد ذلك نقول : إنّ النجاسة بما أنّها حكم شرعي فليس لها واقع موضوعي ما عدا اعتبار الشارع لها للأشياء بالذات ، كما في الأعيان النجسة ، أو بالعرض كما في الأعيان المتنجسة ، لحكمة دعت إلى ذلك الاعتبار ، ومن المعلوم أنّ هذا الاعتبار لا يتّصف بالشدّة والضعف ، فلا يقال إنّ اعتبار نجاسة شيء عند ملاقاته للبول شديد واعتبار نجاسته عند ملاقاته للدم مثلاً ضعيف ، ضرورة أنّه لا فرق بين الاعتبارين من هذه الناحية أصلاً ، ولا يعقل اتصافهما بالشدّة تارةً وبالضعف اخرى.

وعلى الجملة : فليس في المقام عند التحليل إلاّ اعتبار الشارع نجاسة الثوب مثلاً عند ملاقاته للبول ، واعتبار طهارته عند غسله في الماء مرّتين مطلقاً ، أو في خصوص الماء القليل على الخلاف في المسألة ، فتكون ملاقاته للبول موضوعاً لحكم الشارع بنجاسته ، وغسله في الماء مرّتين موضوعاً لحكمه بطهارته ، ومن الواضح أنّ الموضوع ما لم يتحقق في الخارج لا يترتب عليه حكمه.

وعلى ضوء ذلك فلا أثر لتحقق الغسلة الواحدة بالاضافة إلى الحكم بالطهارة ما لم تتحقق الغسلة الثانية ، لفرض أنّها جزء الموضوع ، ولا أثر له ما لم يتحقق

٣٢١

جزؤه الآخر أيضاً ، وعند تحقق الغسلة الثانية يتحقق الموضوع ، فيترتب عليه حكمه وهو الطهارة في المثال. كما أنّه ربّما اعتبر الشارع في حصول الطهارة لشيء خصوصية اخرى زائداً على غسله بالماء ، وهي المسح بالتراب أو نحوه ، ولكن من المعلوم أنّ كل ذلك لمصلحة يراها الشارع وليس أمراً جزافاً ، لاستحالة صدور الجزاف منه ، كما أنّ من الضروري أنّها لا توجب كون اعتبار النجاسة في مثل هذه الموارد أشد من اعتبارها في غيره من الموارد ، لما عرفت من أنّ الاعتبار بما هو لا يمكن أن يتّصف بالشدّة والضعف ، ضرورة أنّهما من صفات وعوارض الامور الخارجية ، لا الامور الاعتبارية التي لا واقع لها في الخارج.

نعم ، يمكن اختلاف المعتبر في الشدّة والضعف ، فيكون المعتبر نجاسة شديدة لشيء ونجاسة ضعيفة لشيء آخر ، كما ورد ذلك في الناصب أنّه أنجس من الكلب والخنزير (١) إلاّ أنّ ذلك أجنبي عن محل البحث وحصول ضعف في نجاسة المتنجس بغسله مرّة واحدة.

وإن شئت فقل : إنّ الاعتبار ـ بما هو ـ وإن كان غير قابل للاتصاف بالشدّة تارةً والضعف اخرى ، إلاّ أنّه لا مانع من اعتبار الشارع نجاسة شديدة لشيء ونجاسة ضعيفة لآخر بملاك يقتضي ذلك ، فانّ هذا بمكان من الوضوح ، ولكن هذا غير ما نحن بصدده كما لا يخفى.

وقد يتخيل في المقام أنّه لا شبهة في تفاوت الأحكام الشرعية من حيث القوّة والضعف والأهمّية وعدمها ، ضرورة أنّها ليست في رتبة واحدة وعلى نسبة فاردة كما هو ظاهر ، وعليه فكيف يمكن نفي التفاوت بينها وعدم اتصافها بالشدّة والضعف.

__________________

(١) ورد مضمونه في الوسائل ١ : ٢٢٠ / أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥

٣٢٢

ولكن هذا الخيال خاطئ وغير مطابق للواقع ، وذلك لأنّ مركز نفي الشدّة والضعف عن الأحكام الشرعية إنّما هو نفس الاعتبار الشرعي بما هو اعتبار ، ومن المعلوم أنّه غير قابل للاتصاف بهما أبداً كما مرّ. وأمّا اتّصاف الحكم بكونه أهم من آخر وأقوى منه ، فانّما هو باعتبار الملاك المقتضي له ، بمعنى أنّ ملاكه أقوى من ملاكه وأهم منه لا باعتبار نفسه ، ضرورة أنّ الأحكام الشرعية بملاحظة أنفسها في رتبة واحدة وعلى نسبة فاردة ، فليس هذا الاعتبار بما هو اعتبار أقوى وأهم من اعتبار آخر وهكذا ... فإذن يكون اتصافها بالأقوائية والأهمّية إنّما هو بالعرض والمجاز ، لا بالذات والحقيقة ، والمتصف بهما بالذات والحقيقة إنّما هو ملاكات تلك الأحكام كما لا يخفى.

وأمّا بحسب الكبرى ، فعلى تقدير تسليم الصغرى ـ وهي قبول النجاسة لوصف الشدّة تارةً ولوصف الضعف تارة اخرى ـ فلأ نّه لا دليل على وجوب تقليل النجاسة عن البدن أو الثواب بحسب الكيف ، وذلك لأنّ الأدلة ناظرة إلى مانعية الأفراد بحسب الكم ، وأنّ كل فرد من أفراد النجس إذا كان في بدن الانسان أو ثوبه مانع عن الصلاة ، ولا تكون ناظرةً إلى مانعيتها بحسب الكيف ، وأنّ شدّتها زيادة في المانع.

وبتعبير آخر : أنّ الأدلة تدل على الانحلال الكمّي ، وأنّ كل فرد من أفراد هذه الطبيعة مانع ، ولا تدل على أنّ شدّته مانع آخر زائداً على أصله ليجب رفعها عند الامكان. وعليه فلا فرق بين الفرد الشديد والضعيف في المانعية بالنظر إلى الأدلة ، ولاتكون شدّته زيادةً في المانع بعد ما كان موجوداً في الخارج بوجود واحد. وعليه فالعبرة في وحدة المانع وتعدده إنّما هي بوحدة الوجود خارجاً وتعدده ، فإن كان في الخارج موجوداً بوجود واحد فهو فرد واحد من المانع وإن كان وجوده شديداً ، وإن كان موجوداً بوجودين فهو فردان من المانع

٣٢٣

وهكذا ...

فالنتيجة : هي أنّه لا دليل على وجوب التخفيف الحكمي والكيفي.

وعلى الصورة الثالثة : وهي ما كان المطلوب مجموع تروك الطبيعة على نحو العموم المجموعي ، فلا يجب التقليل والاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه ، والوجه في ذلك واضح ، وهو أنّ المطلوب في هذه الصورة تقيد الصلاة بترك مجموع أفراد هذه الطبائع في الخارج على نحو العام المجموعي ، وليس ترك كلٍّ منها مطلوباً مستقلاً ، بل المجموع مطلوب بطلب واحد شخصي.

وعلى هذا فإذا فرض أنّ المكلف اضطرّ إلى إيجاد بعض أفراد تلك الطبائع في الصلاة ، لا يقدر على إتيان الصلاة مقيدةً بالقيد المزبور. وعليه فلا أثر لايجاد فردٍ آخر غير هذا الفرد المضطر إليه ، ضرورة أنّه سواء أوجد فرداً آخر غيره أم لم يوجد ، فلا يقدر على الصلاة مع ذلك القيد.

وإن شئت قلت : إنّ مردّ هذه الصورة إلى أنّ المانع عن الصلاة إنّما هو الوجود الأوّل ، ضرورة أنّ معه ينتفي القيد المذكور. ومن المعلوم أنّه مع انتفائه لا أثر للوجود الثاني والثالث وهكذا ... ولا يتصف شيء منهما بالمانعية ، لعدم المقتضي لهذا الاتصاف أصلاً ، كما هو ظاهر. وعلى هذا يجوز له إيجاد فرد آخر بارادته واختياره.

ويترتب على ذلك : أنّه في الأمثلة المتقدمة لا يجب عليه التقليل ، بل له أن يصلّي مع نجاسة ثوبه وبدنه مع فرض تمكنه من تطهير أحدهما وإزالة النجاسة عنه ، بل لو كان عنده ثوبان متنجسان يجوز له أن يصلّي فيهما معاً عند اضطراره إلى الصلاة في أحدهما ، ولا يجب عليه الاقتصار فيها على أحدهما ، والسر فيه : ما ذكرناه من أنّ الصلاة متقيّدة بمجموع تروك أفراد النجس أو الميتة أو ما لا يؤكل أو نحو ذلك على نحو العموم المجموعي ، ففيها تقييد واحد بالاضافة إلى

٣٢٤

مجموع التروك ، لا تقييدات متعددة.

وعليه فإذا اضطرّ المكلف إلى الصلاة في شيء من أفراد هذه الطبائع ، كأن اضطرّ إلى الصلاة في الثوب المتنجس أو فيما لا يؤكل أو غير ذلك ، فلا محالة ينتفي ذلك القيد ، لعدم القدرة على إتيانها معه. ومن الواضح جداً أنّه لا يفرق في ذلك بين أن يقتصر المكلف على خصوص الفرد المضطر إليه أو يأتي بفرد آخر أيضاً ، كأن يلبس ثوباً متنجساً آخر زائداً على الفرد المضطر إليه باختياره وإرادته ، بداهة أنّه لا دخل للفرد الثاني أصلاً ، فيكون وجوده وعدمه سيّان ، لفرض أنّ عدمه بالخصوص غير دخيل في الواجب ، والدخيل فيه إنّما هو عدم المجموع ، والمفروض أنّ المكلف لا يقدر عليه. فإذن يستحيل أن يتّصف الفرد الثاني أو الثالث بالمانعية ، ومعه لا مانع من أن يأتي به باختياره وإرادته أصلاً.كما أنّ المطلوب لو كان هو صرف الوجود يستحيل أن يتّصف الفرد الثاني أو الثالث بالمطلوبية ، وهذا من الواضحات الأوّلية.

وعلى الصورة الرابعة : وهي ما كانت الصلاة متقيدة بعنوان وجودي بسيط متحصل من مجموع تروك هذه الطبائع ، فالحال فيها هي الحال في الصورة الثالثة ، بمعنى أنّ المكلف إذا اضطرّ إلى الصلاة في شيء من أفراد هذه الطبائع في الخارج ، كأن اضطرّ إلى الصلاة في الثوب المتنجس أو الميتة أو ما لا يؤكل ، فلا محالة لا يتحقق العنوان المزبور ، ولا يقدر المكلف على الصلاة مع هذا القيد ، ضرورة أنّه مسبب عن مجموع تروك الطبيعة ومعلول لها ، ومع الاخلال بواحد منها لا محالة لا يوجد ، بداهة استحالة وجود المعلول بدون وجود علّته التامة.

وعلى الجملة : فالصلاة لم تكن متقيدةً بنفس تروك تلك الطبائع على الفرض ، بل هي متقيدة بعنوان متولد من تلك التروك في الخارج ، فلا شأن لهذه التروك إلاّ كونها محصّلة لقيد الواجب ـ وهو الصلاة في مفروض الكلام ـ ومقدّمةً

٣٢٥

لحصوله ، وإلاّ فهي أجنبية عمّا هو مراد الشارع وليست بمطلوبة له ، فإذا فرض أنّ لمجموع هذه التروك دخلاً في تحقق هذا العنوان ، بحيث يكون دخل كل منها فيه بنحو جزء السبب والمؤثر لاتمامه ، فلا محالة ينتفي ذلك القيد بانتفاء واحد منها وانقلابه إلى الوجود باضطرار أو نحوه.

وعليه فلا أثر لانقلاب ترك الفرد الثاني أو الثالث وهكذا ... إلى الوجود أصلاً ، وذلك لفرض أنّ ترك كل منها ليس مطلوباً ، والمطلوب إنّما هو تقيد الصلاة بالعنوان المذكور ، وهو منتفٍ في هذا الحال ، سواء أوجد المكلف فرداً آخر زائداً على هذا الفرد المضطر إليه أم لا ، فإذن لا يجب الاقتصار على خصوص هذا الفرد ، ويجوز له إيجاد فرد آخر باختياره.

وقد تحصّل من ذلك : أنّه لا فرق بين هذه الصورة والصورة الثالثة بحسب النتيجة ، وهي عدم وجوب الاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه.

نعم ، بينهما فرق في نقطة اخرى : وهي أنّ في الصورة الثالثة كانت الصلاة متقيدة بنفس التروك الخارجية بعنوان العموم المجموعي ، وفي هذه الصورة متقيدة بعنوان وجودي متحصل منها.

ونتيجة ما ذكرناه هي أنّ :

في الصورة الاولى : لا يجب على المكلف إلاّترك هذه الطبائع ، أعني ترك لبس النجس والميتة وما لا يؤكل ونحو ذلك في الصلاة آناً ما ، ولا يلزم تركها في جميع آنات الاشتغال بها ، وذلك لما عرفت من أنّ المطلوب في هذه الصورة هو صرف تركها وهو على الفرض يتحقق بتركها آناً ما ، كما هو واضح.

وفي الصورة الثانية : يجب عليه الاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه ، ولا يجوز له إيجاد فرد آخر زائداً عليه ، وإلاّ لبطلت صلاته لفرض أنّه مانع

٣٢٦

مستقل ولم يضطر إليه.

وفي الصورة الثالثة والرابعة : لا يجب عليه الاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه ، بل يجوز له إيجاد الفرد الثاني والثالث وهكذا ... باختياره.

الثاني : ما إذا شككنا في مانعية شيء عن الصلاة مثلاً لشبهة موضوعية ، فإن كان هناك أصل موضوعي يمكن أن تحرز به المانعية أو عدمها ، كما إذا شككنا في طهارة ثوب أو نجاسته ، وجرى فيه استصحاب النجاسة أو قاعدة الطهارة ، فلا كلام فيه ولا إشكال.

وأمّا إذا لم يكن هناك أصل موضوعي ، كما لو شككنا في مانعية ثوب عن الصلاة مثلاً من جهة الشك في أنّه متخذ من أجزاء ما لا يؤكل لحمه أو غير متخذ منه ، ففي مثل ذلك لا أصل موضوعي يحرز به أحد الأمرين مع قطع النظر عن جريان استصحاب العدم الأزلي فيه ، أو العدم النعتي المحرز لعدم كونه متخذاً من أجزاء ما لا يؤكل.

بيان ذلك : هو أنّا إذا بنينا في تلك المسألة ـ أعني مسألة اللباس المشكوك فيه ـ على جريان استصحاب العدم الأزلي أو العدم النعتي فيها بالتقريب الآتي ، كما هو مختارنا في هذه المسألة فهي خارجة عن مفروض كلامنا ، إذ بهذا الاستصحاب نحرز أنّ هذا اللباس غير متخذ من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، فلا يبقى لنا شك عندئذ في مانعيته أصلاً.

أمّا تقريب جريانه على النحو الأوّل في هذه المسألة : هو أنّ مادة هذا الثوب في زمانٍ لم تكن موجودةً يقيناً ، ضرورة أنّها ليست أزلية ، وكذا اتصافها بكونها من أجزاء ما لايؤكل ، لوضوح أنّه أمر حادث مسبوق بالعدم ، ثمّ وجدت مادته ، وبعد وجودها لا محالة نشك في اتصافها بالوصف المزبور وأنّ هذا

٣٢٧

الاتصاف تحقق في الخارج أم لا ، فعندئذ لا مانع من استصحاب عدم اتصافها به ، وبذلك نحرز أنّ مادة هذا الثوب ليست من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، فإذن لا مانع من الصلاة فيه ، إذ المفروض جواز الصلاة في ثوب لم يكن من أجزاء ما لا يؤكل ، وهذا ثوب لم يكن منها ، أمّا كونه ثوباً فبالوجدان ، وأمّا أنّه ليس من أجزاء ما لا يؤكل فبالتعبد ، فبضمّ الوجدان إلى الأصل يلتئم موضوع الأثر.

وعلى الجملة : فهنا أمران كلاهما مسبوق بالعدم ، أحدهما : مادة هذا الثوب وأجزاؤه الأصلية. ثانيهما : اتصافها بكونها من أجزاء ما لا يؤكل. أمّا الأمر الأوّل : فقد تحقق في الخارج ووجدت مادة هذا الثوب. وأمّا الأمر الثاني : فهو مشكوك فيه ، فإنّا نشك في أنّ تلك المادة والأجزاء هل وجدت متصفةً بهذه الصفة أو لم توجد كذلك ، فالذي نتيقّن به هو وجود تلك المادة في الخارج ، وأمّا اتصافها بهذه الصفة فهو مشكوك فيه ، فلا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدمه ، للشك في انتقاض هذا العدم إلى الوجود ، فنستصحب بقاءه على حاله ، وبذلك نحرز أنّ مادة هذا الثوب لم تؤخذ من أجزاء ما لا يؤكل ، فلا مانع عندئذ من إيقاع الصلاة فيه. وتمام الكلام في محلّه.

وأمّا تقريب جريانه على النحو الثاني في هذه المسألة : هو أنّ مادة هذا الثوب في زمان كانت موجودة ، ولم تكن في ذلك الزمان جزءاً لما لا يؤكل وهو زمان كونها نباتاً مثلاً ، ثمّ نعلم بانتقالها من الصورة النباتية وصيرورتها جزءاً للحيوان ، ولكن لا نعلم أنّها صارت جزءاً للحيوان غير المأكول أم لا ، وحيث إنّا نعلم بعدم كونها جزءاً له في حال كونها نباتاً ، ثمّ بعد ذلك نشك في أنّها صارت جزءاً له أم لا ، فعندئذ لا مانع من استصحاب عدم صيرورتها جزءاً له وبذلك نحرز أنّ مادة هذا الثوب ليست من أجزاء ما لا يؤكل.

٣٢٨

ودعوى أنّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم انتقالها من الصورة النباتية وصيرورتها جزءاً للحيوان المأكول خاطئة جداً ، وذلك لأنّ هذا الاستصحاب غير جارٍ في نفسه ، ليعارض الاستصحاب المزبور ، لعدم ترتب أثر شرعي عليه إلاّعلى القول بالأصل المثبت ، فانّ الأثر الشرعي ـ وهو صحة الصلاة ـ إنّما يترتب على عدم كونها جزءاً من غير المأكول ، لا على كونها جزءاً من المأكول ، كما أنّ بطلانها إنّما يترتب على كونها جزءاً من غير المأكول لا على عدم كونها جزءاً من المأكول وهذا واضح ، فإذن لا وجه لهذه الدعوى أصلاً.

فالنتيجة هي أنّه بناءً على ما حققناه في تلك المسألة (١) من جريان استصحاب العدم الأزلي فيها أو العدم النعتي بالتقريب المزبور ، لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي من أصالة البراءة أو الاشتغال ، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى : أنّه قد مرّ أنّ محل الكلام في المقام إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي ، ويترتب على ضوئهما أنّ هذه المسألة ـ بناءً على هذه النظرية ـ خارجة عن محل الكلام. نعم ، لو بنينا فيها على عدم جريان هذا الاستصحاب ـ أعني استصحاب العدم الأزلي والعدم النعتي معاً ـ فتدخل المسألة في محل الكلام ، ولا بدّ عندئذ من الرجوع إلى الأصل الحكمي من أصالة البراءة أو الاحتياط ، ومن الواضح أنّه يختلف باختلاف الصور المتقدمة ، بيان ذلك :

أمّا على الصورة الاولى : فبما أنّ المطلوب هو صِرف ترك لبس النجس والميتة وما لا يؤكل ونحو ذلك في الصلاة ، والمفروض حصوله بترك فردٍ مّا من

__________________

(١) راجع مصباح الاصول ٢ : ٣٦١ وما بعدها

٣٢٩

هذه الطبائع في الخارج آناً ما حال الصلاة ، فعندئذ إن تمكن المكلف من ترك هذه الطبائع آناً ما فيها فلا مانع بعد ذلك من إيجاد أفرادها المتيقنة فيها فضلاً عن الأفراد المشكوك فيها ، وإن لم يتمكن من تركها آناً ما فيها فلا محالة تبطل صلاته ، لما مرّ من أنّ المانع على هذه الصورة إنّما هو وجود هذه الطبائع في تمام آنات الاشتغال بها ـ أي بالصلاة ـ وعليه فإذا صلّى في هذا الثوب المشكوك فيه ، بأن لبسه في تمام آنات الاشتغال بها كما هو مفروض الكلام ، فحينئذ إن كان هذا الثوب نجساً في الواقع فهو مانع عنها لا محالة ، وإن لم يكن نجساً فلا يكون مانعاً ، وحيث إنّا لا نعلم أنّه نجس أو ليس بنجس ، فطبعاً نشك في مانعيته ، ولا مانع عندئذ من الرجوع إلى البراءة عنها الشرعية والعقلية بناءً على ما هو الصحيح من جريان البراءة في مسألة دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

وأمّا على الصورة الثانية : وهي ما كان ترك كل فرد من أفراد هذه الطبائع مطلوباً في الصلاة على نحو الاستقلال ، فالمقام داخل في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، وذلك لأنّ مردّ الشك فيها عندئذ إلى الشك في انطباق الواجب وهو الصلاة المقيدة بعدم إيقاعها فيما لا يؤكل والميتة والنجس وما شابه ذلك على الصلاة المأتي بها في هذا الثوب في الخارج ، وعدم انطباقه إلاّعلى خصوص المقيدة بعدم وقوعها في هذا الثوب المشتبه ، فعلى الأوّل يكون الواجب هو الأقل ، وهو المطلق من حيث تقيده بعدم وقوعه في هذا الثوب وعدم تقيده به. وعلى الثاني يكون هو الأكثر ، وهو المقيد بعدم وقوعه في هذا الثوب المشكوك فيه ، وبما أنّا لا نعلم أنّ الواجب في المقام هو الأقل أو الأكثر فيدخل في تلك المسألة ، ويبتني القول بالرجوع إلى البراءة أو الاحتياط فيه على القول بالرجوع إلى البراءة أو الاحتياط فيها ، وحيث إنّا قد اخترنا في تلك المسألة

٣٣٠

جريان أصالة البراءة عن وجوب الأكثر الشرعية والعقلية ، فنقول بها في المقام أيضاً.

وقد تقدّم (١) ملخصاً أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره من التفصيل بين البراءة الشرعية والعقلية لا يرجع إلى معنىً صحيح.

ويترتب على ما ذكرناه : أنّه لا مانع من الصلاة في هذا الثوب المشتبه المردد بين كونه من المأكول أو غيره. ومن هنا يظهر الحال في :

الصورة الثالثة أيضاً ، لأنّ مرجع الشك فيها أيضاً عندئذ إلى الشك في انطباق الواجب ـ وهو الصلاة في مفروض الكلام ـ على هذا الفرد المأتي به في الخارج ـ وهو الصلاة في هذا الثوب المشتبه ـ وعدم انطباقه عليه ، فعلى الأوّل يكون الواجب هو الأقل يعني الطبيعي اللاّ بشرط. وعلى الثاني يكون هو الأكثر يعني الطبيعي بشرط شيء ، وحيث إنّا لا نعلم أنّ الواجب هو الأقل أو الأكثر ، فيدخل في كبرى تلك المسألة ، وقد عرفت أنّ المختار فيها على وجهة نظرنا هو جريان أصالة البراءة عن التقييد ، لأنّه كلفة زائدة ، ولم يقم برهان عليها ، فعندئذ لا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عنه العقلية والشرعية ، وكذا الحال فيما نحن فيه.

وقد تحصّل من ذلك : أنّه لا فرق بين الصورة الثانية والصورة الثالثة من هذه الناحية أصلاً ، فانّ المقام على كلتا الصورتين داخل في كبرى تلك المسألة ويكون من صغرياتها.

نعم ، فرق بينهما من ناحية اخرى : وهي أنّ الصلاة بناءً على الصورة الثانية

__________________

(١) في ص ٣١٤

٣٣١

متقيدة بترك كل فرد من أفراد هذه الطبائع في الخارج على نحو الاستقلال ، وبناءً على الصورة الثالثة متقيدة بمجموع تروك أفراد هذه الطبائع في الخارج بنحو الارتباط ، وعليه فيكون ترك هذا الفرد المشتبه على تقدير كونه نجساً مثلاً في الواقع تركاً لمانع مستقل على الصورة الثانية ، وجزءٍ من التروك المطلوبة على الصورة الثالثة.

ومن هنا يظهر أنّه لا ثمرة بين هاتين الصورتين من هذه الناحية أصلاً.

ونتيجة ما ذكرناه : هي أنّه مع قطع النظر عما ذكرناه من الأصل الموضوعي في مسألة اللباس المشكوك فيه ، يرتكز جواز الصلاة فيه على القول بجريان البراءة في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، فإن قلنا بالبراءة فيها ـ كما هو الصحيح ـ تجوز الصلاة فيه ، سواء أكانت مانعية ما لا يؤكل لحمه انحلالية أم غير انحلالية ، وإن لم نقل بالبراءة فيها فلا تجوز الصلاة فيه كذلك ، أي سواء أكانت مانعيته انحلالية أم لم تكن.

ومن ذلك يظهر فساد ما قد يتوهّم أنّ جواز الصلاة في اللباس المشكوك كونه مما لا يؤكل يبتني على أن تكون مانعيته انحلالية ، وأمّا إذا لم تكن انحلالية فلا تجوز الصلاة فيه ، ووجه الظهور ما عرفت من أنّ مانعيته سواء أكانت انحلالية أم لم تكن ، فعلى كلا التقديرين تدخل هذه المسألة ـ أعني مسألة اللباس المشكوك ـ في كبرى تلك المسألة ، أي مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، فلا فرق بين الصورتين من هذه الناحية أصلاً. وعليه فيبتني جريان البراءة أو الاحتياط فيها على جريان البراءة أو الاحتياط في تلك المسألة ، لا على الانحلالية وعدمها ، فلا أثر لهما في المقام أصلاً.

نعم ، إنّما يكون أثر لهما ـ أي للانحلال وعدمه ـ في التكاليف الاستقلالية لا

٣٣٢

في التكاليف الضمنية كما في المقام ، فانّه لا أثر لكون تروك هذه الطبيعة ملحوظةً على نحو الانحلال في مقام جعل الحكم أو على نحو العموم المجموعي ، فانّها على كلا الفرضين داخلة في كبرى تلك المسألة كما مرّ. وهذا بخلاف التكاليف الاستقلالية فانّها على تقدير كونها مجعولة على نحو الانحلال والاستغراق بالاضافة إلى أفراد متعلقاتها ، فلا إشكال في جريان أصالة البراءة في موارد الشك في كون شيء فرداً لها أو لا. وأمّا على تقدير كونها مجعولةً على نحو الارتباط والعموم المجموعي بالاضافة إلى أفراد متعلقاتها ، فيقع جريان البراءة عن كون شيء جزءاً لها مورداً للكلام والاشكال بين الأصحاب ، وإن كان الصحيح أيضاً عدم الفرق بينهما بحسب النتيجة بناءً على ما اخترناه في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين من جريان البراءة عن وجوب الأكثر ، إلاّ أنّ هذا المقدار من الفرق ـ وهو كون جريان البراءة على التقدير الأوّل محل الوفاق بينهم ، وعلى التقدير الثاني محل الخلاف ـ كافٍ في المقام.

ومن هنا يظهر الفرق بين التروك المتعلقة للأمر الاستقلالي والتروك المتعلقة للأمر الضمني ، فانّها على التقدير الأوّل يفرق بين ما كانت مأخوذةً في متعلق الأمر على نحو الانحلال والعام الاستغراقي ، وما كانت مأخوذةً فيه على نحو الارتباط والعام المجموعي.

ويترتب على هذا الافتراق أنّ مورد الشك على الفرض الأوّل غير داخل في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، ولا يبتني القول بالرجوع إلى البراءة فيه على القول بالرجوع إلى البراءة في تلك المسألة ، بل ولو قلنا بالاحتياط فيها ، فمع ذلك نقول بالبراءة فيه ، لفرض أنّ الشك فيه شك في تكليف مستقل ، ومعه لا مانع من الرجوع إلى البراءة. وأمّا المشكوك فيه على الفرض الثاني فهو داخل في كبرى تلك المسألة ، وعليه فيبتني جواز الرجوع إلى البراءة فيه

٣٣٣

وعدمه على القول بجواز الرجوع إلى البراءة وعدمه في تلك المسألة.

وأمّا على التقدير الثاني فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً ، فانّها على كلا التقديرين داخلة في كبرى تلك المسألة وتكون من صغرياتها.

نعم ، بحسب النتيجة بناءً على ما ذكرناه ـ من أنّه لا مانع من الرجوع إلى البراءة العقلية والشرعية عن وجوب الأكثر في تلك المسألة ـ لا فرق في التروك المأخوذة في متعلق الوجوب على نحو الاستقلال بين كونها مأخوذةً على نحو العموم الاستغراقي أو العموم المجموعي ، فانّ النتيجة واحدة على كلا التقديرين وهي البراءة عن وجوب المشكوك فيه ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة ، وإن كان فرق بينهما من جهة اخرى كما تقدّم.

وعلى الصورة الرابعة : وهي ما كان المطلوب عنواناً بسيطاً متحصّلاً من التروك الخارجية ، فالمرجع فيه هو قاعدة الاشتغال دون البراءة على عكس الصورتين المتقدمتين ، والوجه في ذلك : هو أنّ الصلاة مثلاً في هذه الصورة ليست متقيدةً بنفس تروك الطبائع المزبورة في الخارج على الفرض ، بل هي متقيدة بعنوان وجودي بسيط متولد من هذه التروك في الخارج ، فتكون تلك التروك محصّلةً للمطلوب ومقدّمةً لوجوده وتحققه فيه ، وليست بنفسها مطلوبة.

وعلى هذا فإذا شكّ في ثوب أنّه من أجزاء ما لا يؤكل أو لا ، يرجع الشك فيه لا محالة إلى الشك في تحقق المطلوب وعدمه ، فيكون أمر المحصّل عندئذ دائراً بين الأقل والأكثر ، ومن المعلوم أنّ البراءة لا تجري هنا عن الأكثر ، لفرض أنّه لا أثر له شرعاً ، والأثر الشرعي إنّما يترتب على ذلك العنوان البسيط المشكوك وجوده ، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى : أنّ ذمّة المكلف قد اشتغلت بذلك العنوان يقيناً ، والمفروض أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

٣٣٤

فالنتيجة على ضوء هذين الأمرين : هي أنّه لابدّ من الاتيان بالأكثر ليحصل القطع بحصول ذلك العنوان البسيط في الخارج ، ويقطع ببراءة ذمته عن التكليف المعلوم ، وهذا بخلاف ما إذا اقتصر على إتيان خصوص الأقل في الخارج ، فانّه لا يعلم عندئذ بحصول ذلك العنوان البسيط فيه ، ولا يقطع ببراءة ذمته عنه.

ومن هنا تظهر الثمرة بين هذه الصورة والصورتين المتقدمتين بناءً على ما هو الصحيح من جريان البراءة في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين.

نعم ، لو بنينا في تلك المسألة على عدم جريان البراءة وأنّ المرجع فيها هو قاعدة الاشتغال لا غيرها ، فلا تظهر الثمرة وقتئذ بين هذه الصورة وهاتين الصورتين ، إلاّ أنّ هذا الفرض خاطئ جداً وغير مطابق للواقع قطعاً كما تقدّم ، فإذن تظهر الثمرة بينهما ، كما تظهر الثمرة بين هذه الصورة والصورة الاولى ، كما هو ظاهر ، هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

أمّا الكلام في مقام الاثبات والدلالة : فلا بدّ من ملاحظة أدلة مانعية هذه الامور وما شاكلها ، هل المستفاد منها مانعيتها على النحو الأوّل أو الثاني أو الثالث أو الرابع؟

أقول : ينبغي لنا أوّلاً ذكر جملة من الروايات الواردة في باب العبادات والمعاملات بالمعنى الأعم ثمّ نبحث عن أنّ المستفاد من تلك الروايات ما هو.

أمّا الروايات الواردة في باب العبادات فنكتفي بذكر خصوص الروايات الواردة في باب الصلاة فحسب وهي كثيرة :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : « سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال عليه‌السلام : لا ، ولو دبغ سبعين مرّة » (١).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٣ / أبواب لباس المصلي ب ١ ح ١

٣٣٥

ومنها : صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله عليه‌السلام « في الميتة ، قال عليه‌السلام : لا تصلّ في شيء منه ولا في شسع » (١).

ومنها : موثقة سماعة قال : « سألته عن لحوم السباع وجلودها ، فقال عليه‌السلام : أمّا لحومها فمن الطير والدواب فأنا أكرهه ، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه » (٢).

ومنها : موثقة ابن بكير قال : « سأل زرارة أبا عبدالله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلي في غيره مما أحلّ الله أكله. ثمّ قال : يا زرارة ، هذا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي وقد ذكّاه الذابح ، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله ، فالصلاة في كل شيء منه فاسد ، ذكّاه الذابح أو لم يذكه » (٣).

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسكان « يغسلها ويعيد صلاته » (٤).

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم « إذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصليت فيه صلاةً كثيرة فأعد ما

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٣ / أبواب لباس المصلي ب ١ ح ٢

(٢) الوسائل ٤ : ٣٥٣ / أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٣ ( مع اختلاف يسير )

(٣) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١

(٤) الوسائل ٣ : ٤٢٩ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٣ لكن في سندها ابن سنان

٣٣٦

صليت فيه » (١).

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر « وإن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتّى يغسله » (٢).

ومنها : صحيحة اسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال عليه‌السلام : لا » (٣).

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن عبدالجبار « لا تحلّ الصلاة في حرير محض » (٤).

ومنها : قوله عليه‌السلام في موثقة عمار بن موسى « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه » (٥) ونحوها من الروايات الواردة في هذه الأبواب الدالة على مانعية هذه الامور عن الصلاة ، وأنّ الصلاة المأمور بها هي الحصة الخاصة منها وهي الحصة المتقيدة بعدم إيقاعها فيها.

وأمّا الروايات الواردة في باب المعاملات فأيضاً كثيرة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه‌السلام « قال : ما كان من طعام سميت فيه كيلاً فلا يصلح بيعه مجازفة » (٦).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٣١ / أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦

(٢) الوسائل ٣ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١٠

(٣) الوسائل ٤ : ٣٦٧ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ١

(٤) الوسائل ٤ : ٣٦٧ / أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ٢

(٥) الوسائل ٤ : ٤١٣ / أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٤

(٦) الوسائل ١٧ : ٣٤١ / أبواب عقد البيع ب ٤ ح ١

٣٣٧

ومنها : توقيعه عليه‌السلام في مكاتبة الصفار « لا يجوز بيع ما ليس يملك » (١).

ومنها : قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم « لا تشترها إلاّ برضا أهلها » (٢).

ومنها : قوله عليه‌السلام في موثقة سماعة « لا يصلح إلاّ أن يشتري معه ـ العبد الآبق ـ شيئاً آخر » (٣).

وغيرها من الروايات الدالة على المنع عن بيع الخمر ، والبيع الربوي ، والبيع الغرري ، وبيع النقدين بدون التقابض في المجلس ، وبيع المجهول ، وبيع آلات القمار والغناء ، وبيع غير البالغ وما شاكل ذلك مما يعتبر عدمه في صحة المعاملة ، سواء أكان من أوصاف العوضين أم كان من أوصاف المتعاملين أم كان من غيرهما.

والحري بنا أن نقول في هذا المقام : هو أنّ هذه النواهي جميعاً نواهي إرشادية فتكون إرشاداً إلى مانعية هذه الامور عن صحة العبادات والمعاملات ومبرزةً لاعتبار عدمها فيهما ، وهذا معنى إرشادية تلك النواهي ، ضرورة أنّ إرشاديتها ليست كارشادية الأوامر والنواهي الواردتين في باب الاطاعة والمعصية ، فانّه لا أثر لهما ما عدا الارشاد إلى ما استقلّ به العقل ، وهذا بخلاف تلك النواهي فانّها إرشاد إلى حكم مولوي ومبرزة له ، وهو تقيد العبادة أو المعاملة بعدم هذا الشيء أو ذاك ، فيكون مردّ ذلك إلى أنّ المطلوب هو حصة خاصة من العبادة

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٣٩ / أبواب عقد البيع ب ٢ ح ١

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٣٤ / أبواب عقد البيع ب ١ ح ٣

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٥٣ / أبواب عقد البيع ب ١١ ح ٢

٣٣٨

أو أنّ الممضاة من المعاملة هي الحصة المتقيدة بعدم ما تعلق به النهي ، وتسمية هذه النواهي بالنواهي الارشادية إنّما هي من جهة أنّها ليست بنواهي حقيقية ، وهي اعتبار حرمان المكلف عن متعلقاتها ، باعتبار اشتمالها على مفسدة ملزمة لينتزع منها الزجر عنها ، ولتكون تلك النواهي عندئذ مصداقاً له ، لفرض أنّه لا مفسدة فيها فلا شأن لها ما عدا كونها مبرزةً لتقييد العبادة أو المعاملة بعدم شيء وإرشاداً إلى مانعيته.

كما أنّ الأوامر الواردة في هذه الأبواب سميت بأوامر إرشادية من ناحية أنّها ليست بأوامر حقيقية ، وأ نّها إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية ، ولا يترتب عليها ما عدا ذلك ، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى : أنّه لا شبهة في ظهور تلك النواهي في الانحلال ، وأنّ مانعية هذه الامور تنحل بانحلال أفرادها ومصاديقها في الخارج ، فيكون كل فرد منها مانعاً مستقلاً ، بمعنى أنّ عدم كل منها مأخوذ في عبادة أو معاملة على نحو الاستقلال ، والوجه في ذلك : هو أنّه لا إشكال في أنّ مانعية هذه الامور على النحو الأوّل ـ بأن يكون المطلوب صرف تركها في الصلاة أو نحوها ولو آناً ما ، ليكون لازمه هو كون المانع وجودها وتحققها في تمام آنات الاشتغال بها ، فلا أثر لوجودها في بعض تلك الآنات دون بعضها الآخر ـ تحتاج إلى نصب قرينة تدل على إرادة مانعيتها على هذا الشكل وعناية زائدة ، وإلاّ فاطلاقات الأدلة لا تتكفل لارادة المانعية على هذا النحو أصلاً ، بل هي لا تخرج عن مجرد الفرض.

وكذا إرادة مانعية هذه الامور على النحو الثالث تحتاج إلى عناية زائدة ، ضرورة أنّ الاطلاقات لا تتكفل لبيان تقييد الواجب بمجموع تروك هذه الطبائع على نحو العموم المجموعي ، ليكون لازم ذلك هو كون المانع صرف

٣٣٩

وجود هذه الطبائع في الخارج ، كيف فانّ مقتضى الاطلاق عدم الفرق في المانعية بين الوجود الأوّل والثاني والثالث وهكذا ...

وكذا إرادة الصورة الرابعة ، ضرورة أنّها خلاف ظواهر الأدلة ، فانّ الظاهر منها هو كون تروك هذه الطبائع بنفسها قيداً ، لا أنّها مقدّمة لحصول القيد في الخارج ، فانّ إرادة ذلك تحتاج إلى عناية اخرى وبيان من المتكلم.

ومن ناحية ثالثة : المفروض أنّ المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينةً على إرادة الصورة الاولى ، ولا على إرادة الصورة الثالثة ، ولا على إرادة الصورة الرابعة ، لما عرفت من أنّ إرادة كل واحدة من هذه الصور تحتاج إلى قرينة ومؤونة زائدة.

ومن ناحية رابعة : أنّه لم يعقل أن يراد من هذه النواهي ترك هذه الطبائع في ضمن فردٍ ما من أفرادها العرضية والطولية حال الصلاة ، ضرورة أنّه حاصل قهراً ، فلا يمكن إرادته ، لأنّها إرادة ما هو حاصل بالفعل ، وهي مستحيلة من الحكيم ، فإذن تنتج مقدّمات الحكمة الاطلاق.

ومن ناحية خامسة : قد ذكرنا سابقاً (١) أنّه لا يترتب على مقدّمات الحكمة ما عدا الاطلاق وعدم التقييد بخصوصية من الخصوصيات ، وأمّا كون الاطلاق بدلياً أو شمولياً أو غير ذلك ، فهو خارج عن مقتضى المقدّمات ، ضرورة أنّ كون المتكلم في مقام البيان وورود الحكم على المقسم ، وعدم نصب قرينة على التقييد بصنف خاص دون آخر لا يقتضي إلاّ إطلاق الحكم وعدم تقييده بحصة خاصة ، وأمّا اختلاف الاطلاق من حيث الشمول والبدل والتعيين وما شاكل ذلك ، فهو من جهة القرائن الخارجية وخصوصيات المورد فانّها تقتضي كون

__________________

(١) في ص ٢٩٦

٣٤٠