محاضرات في أصول الفقه - ج ٤٣

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه - ج ٤٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7336-12-8
الصفحات: ٥٦٩

المفرد مرّتين ، والجمع في قوّة تكراره مرّات ، فقولنا : رأيت عينين في قوّة قولنا :

رأيت عيناً وعيناً ، وكما يجوز أن يراد من العين الأوّل معنى ومن الثاني معنى آخر على نحو الحقيقة ، كذلك يجوز أن يراد المعنيان من التثنية.

وممّا يؤكد ذلك : صحّة التثنية في الأعلام الشخصية كقولك : زيدان ، فانّ المراد منه فردان متغايران لا محالة.

وما ذكره من أنّ الاستعمال حقيقي في التثنية والجمع لا يمكن المساعدة عليه أصلاً ، والوجه في ذلك هو أنّ للتثنية والجمع وضعين : أحدهما للمادة. والآخر للهيئة وهي الألف والنون أو الواو والنون.

أمّا المادة ، فهي موضوعة للطبيعة المهملة العارية عن جميع الخصوصيات حتّى الخصوصية اللاّ بشرطية.

وأمّا الهيئة ، فهي موضوعة للدلالة على إرادة المتعدد من مدخولها ، فحينئذ إن اريد من المدخول ككلمة العين مثلاً في قولك : رأيت عينين ، معنيان كالجارية والباكية ، أو الذهب والفضّة ، بناءً على ما حققناه من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، فالهيئة الطارئة عليها تدل على إرادة المتعدد منهما ، ويكون المراد من قولنا عينان حينئذ فردان من الجارية وفردان من الباكية ، أو فردان من الذهب وفردان من الفضّة ، فالتثنية تدل على أربعة أفراد.

وهذا وإن كان صحيحاً على ما ذكرناه ، إلاّ أنّه أجنبي عن استعمال التثنية في أكثر من المعنى الواحد ، فانّه من استعمال المفرد في ذلك ، والتثنية مستعملة في معناه الموضوع له وهو الدلالة على إرادة المتعدد من مدخولها. وهذا بعينه نظير ما إذا ثنّى ما يكون متعدداً من نفسه كالعشرة مثلاً أو الطائفة أو الجماعة أو القوم إلى غير ذلك ، كقولنا : رأيت طائفتين ، فكما أنّه لم يذهب إلى وهم أحد أنّ التثنية في أمثال هذه الموارد مستعملة في أكثر من معنى واحد ، فكذلك في

٢٤١

المقام فلا فرق في ذلك بين المقامين أصلاً ، غاية الأمر أنّ المفرد هنا استعمل في المتعدد بالعناية دون هناك.

وكيف كان ، فهذه الصورة غير مرادة لصاحب المعالم قدس‌سره يقيناً ، لأنّ التثنية فيها لم تستعمل في أكثر من معنى واحد فلا معنى حينئذ لكونها حقيقة.

وإن اريد من كلمة العين معنى واحد كالذهب مثلاً لتدل الهيئة على إرادة أكثر من طبيعة واحدة ، ففيه : أنّه غير معقول وذلك لما عرفت من أنّ للتثنية وضعين :

أحدهما : للهيئة وهي تدل على إرادة المتعدد من المدخول.

والثاني : للمادة وهي تدل على الطبيعة المهملة. إذن إن اريد بالمادة طبيعة واحدة كالذهب مثلاً ، فالهيئة تدل على إرادة المتعدد منه ويكون المراد من العينين فردين من الذهب ، وحيث إنّ المفروض في المقام إرادة طبيعة واحدة من المدخول ، فالتثنية تفيد تكرارها بارادة فردين منها ، ومع هذا كيف تدل على تعدد المدخول من حيث الطبيعة ، وليس هنا شيء آخر يكون دالاً على إرادة طبيعة اخرى كالفضّة مثلاً.

نعم ، يمكن أن يؤوّل العين بالمسمّى ويراد من تثنيتها الفردان منه كالذهب والفضّة أو نحوهما ، كما هو الحال في تثنية الأعلام الشخصية ، إلاّ أنّه أيضاً ليس من استعمال التثنية في أكثر من المعنى الواحد كما لا يخفى. مع أنّ هذا التأويل مجاز بلا كلام ولا شبهة.

وقد تحصّل من ذلك : أنّ تفصيل صاحب المعالم قدس‌سره باطل من أصله. فالصحيح هو ما ذكرناه من أنّه يجوز الاستعمال في أكثر من معنى واحد ، بلا فرق في ذلك بين التثنية والجمع وبين المفرد. نعم ، هو خلاف الظهور العرفي.

٢٤٢

ثمّ إنّ المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره بعد ما منع عن جواز الاستعمال في المعنيين قال : وهم ودفع : لعلّك تتوهم أنّ الأخبار الدالة على أنّ للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فضلاً عن جوازه. ولكنّك غفلت عن أنّه لا دلالة لها أصلاً على أنّ إرادتها كانت من باب إرادة المعنى من اللفظ ، فلعلها كانت بارادتها في أنفسها حال الاستعمال في المعنى لا من اللفظ كما إذا استعمل فيها. أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ وإن كان أفهامنا قاصرة عن إدراكها ، انتهى (١).

ويردّه : أنّه لو كان المراد من البطون ما ذكره قدس‌سره أوّلاً لم يكن ذلك موجباً لعظمة القرآن على غيره ولفضيلته على سائر المحاورات ، لامكان أن يراد المعاني بأنفسها حال التكلم بالألفاظ في غير المحاورات القرآنية ، بل يمكن إرادتها كذلك حال التكلم بالألفاظ المهملة فضلاً عن الألفاظ الموضوعة ، فمن هذه الجهة لا فرق بين الكتاب وغيره ، بل لا فرق بين اللفظ المهمل والموضوع ، فالكل سواء ولا فضل لأحدهما على الآخر. على أنّ لازم ذلك أن لا تكون البطون بطوناً للقرآن ومعاني له ، بل كانت شيئاً أجنبياً عنه ، غاية الأمر أنّها اريدت حال التكلم بألفاظه ، وكلا الأمرين مخالف لصريح الروايات المشتملة على البطون ، فهي كما نطقت باثبات الفضيلة والعظمة للقرآن على غيره من جهة اشتماله على ذلك ، كذلك نطقت باضافة تلك البطون إليه وأ نّها معانٍ للقرآن لا أنّها شيء أجنبي عنه.

منها : « ما في القرآن آية إلاّولها ظاهر ، ظهر وبطن ... » إلخ (٢).

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٨.

(٢) البحار ٩٢ : ٩٤ / ٤٧.

٢٤٣

ومنها : « وإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانّه شافع مشفّع ـ إلى أن قال ـ وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، وله تخوم وعلى تخومه تخوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه » (١) وما شاكلهما من الروايات الكثيرة.

وأمّا ما ذكره قدس‌سره ثانياً من أنّ المراد من البطون لوازم معناه وملزوماته ـ من دون أن يستعمل اللفظ فيها ـ التي لن تصل إلى إدراكها أفهامنا القاصرة إلاّبعناية من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام الذين هم أهل القرآن ، فهو الصحيح ، وتدلّنا على ذلك روايات كثيرة تبلغ حدّ التواتر إجمالاً بلا ريب :

منها : « إنّ القرآن حي لم يمت وأ نّه يجري كما يجري الليل والنهار وكما يجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا » (٢).

ومنها : « إنّ القرآن حي لا يموت والآية حيّة لا تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتت الآية لمات القرآن ، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين » (٣).

ومنها : « لو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السّماوات والأرض ولكل قومٍ آية يتلونها ، هم منها من خير أو شر » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٧١ / أبواب قراءة القرآن ب ٣ ح ٣ وفيه « نجوم » بدل « تخوم » ، تفسير البرهان ١ : ١٤.

(٢) البحار ٣٥ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

(٣) البحار ٣٥ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

(٤) البحار ٩٢ : ١١٥ / ٤ ، تفسير العياشي ١ : ١٠.

٢٤٤

ومن هنا قد ورد في عدّة من الروايات أنّ الآية من القرآن إذا فسّرت في شيء فلا تنحصر الآية به ، وهو كلام متصل ينصرف على وجوه (١) ، وأنّ القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه (٢). وهذا معنى أنّ للقرآن بطوناً لن تصل إليها أفهامنا القاصرة إلاّبتوجيه من أهل البيت عليهم‌السلام كما وجّهنا إليها في بعض الموارد ، وقد دلّت على ذلك المعنى روايات كثيرة واردة من طرق العامّة والخاصّة. ومن أراد الاطلاع على مجموع هذه الروايات في جميع هذه الأبواب فليطلبها من مصادرها.

وفي بعض الروايات إشارة إلى صغرى هذه الكبرى وهو ما ورد : إنّ القرآن ظاهره قصة وباطنه عظة (٣) ، فانّه في الظاهر بيّن قصص السابقين وقضاياهم كقصة بني إسرائيل وما شاكلها ، ولكنّها في الباطن عظة للناس وعبر ودروس لهم ، فانّ التأمّل في القضايا الصادرة عن الامم السابقة دروس وعبر لنا. وينبهنا على أنّ السير على منهاجه ينجينا عن الضلال ، وأنّ الكفر بنعم الله تعالى يوجب السخط على الكافرين والعاصين.

وعلى الجملة : أنّ قصص الكتاب في الظاهر وإن كانت حكايات وقصصاً إلاّ أنّها في الباطن دروس وعبر للناس.

فقد أصبحت نتيجة هذا البحث لحدّ الآن اموراً :

__________________

(١) البحار ٩٢ : ٩٤ / ٤٥ ، ٤٨ ، تفسير البرهان ١ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٣.

(٣) لم نعثر عليه.

٢٤٥

الأوّل : أنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد جائز على مسلك من يرى حقيقة الوضع التعهد والالتزام ، نعم هو خلاف الظهور عرفاً.

الثاني : أنّ المراد من بطون القرآن لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ وملزوماته وملازماته ، من دون استعمال اللفظ فيها على ما نطقت به الروايات من طرق الخاصّة والعامّة.

الثالث : أنّ هذه البواطن التي تضمنها القرآن لا يعرفها إلاّمن خوطب به وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام.

ومن هنا قد وقفنا على بعضها في بعض الموارد بواسطة الآثار المنقولة منهم عليهم‌السلام.

الأمر الحادي عشر في المشتق

لا ريب في صحّة إطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلاً ، وعلى المنقضي عنه المبدأ ، وعلى من لم يتلبس به بعد ، ولكنّه سيتلبس به في المستقبل ، ولا إشكال أيضاً في أنّ إطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلاً إطلاق حقيقي ، كما أنّه لا إشكال في أنّ إطلاقه على من يتلبس بالمبدأ في المستقبل إطلاق مجازي ، وإنّما الكلام والإشكال في إطلاق المشتق على من انقضى وانصرم عنه المبدأ هل هو مجاز أو حقيقة؟ وقبل تحقيق الحال في المقام ينبغي التنبيه على امور :

الأمر الأوّل : أنّ اللفظ الموضوع لمعنى على قسمين :

أحدهما : ما يسمى بالمشتق وهو ما كان لكل واحدة من مادته وهيئته وضع خاص مستقل.

والثاني : ما يسمى بالجامد وهو ما كان للمجموع من مادته وهيئته وضع واحد لا وضعان.

أمّا المشتق فهو على قسمين :

٢٤٦

أحدهما : ما يكون موضوعاً لمعنى يجري على الذات المتصفة بالمبدأ بنحو من أنحاء الاتصاف ويصدق عليها خارجاً كاسم الفاعل والمفعول والزمان والمكان وما شاكل ذلك.

وثانيهما : ما يكون موضوعاً لمعنى لا يجري على الذات ولا يصدق عليها خارجاً ، وذلك كالأفعال جميعاً والمصادر المزيدة ، بل المصادر المجردة ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ المصادر المجردة أيضاً مشتقات.

وأمّا الجامد فهو أيضاً على قسمين :

أحدهما : ما يكون موضوعاً لمعنى منتزع عن مقام الذات كالانسان والحيوان والشجر والتراب ونحو ذلك.

وثانيهما : ما يكون موضوعاً لمعنى منتزع عن أمر خارج عن مقام الذات وذلك كعنوان الزوج والرق والحر وما شابه ذلك ، فهذه أربعة أقسام ، ومحل النزاع في هذه المسألة لا يختص بالمشتقات المصطلحة فقط كما ربّما يوهم عنوان النزاع فيها ، بل يعم القسم الثاني من الجوامد أيضاً ، كما أنّه لا يعم جميع المشتقات بل يختص بخصوص القسم الأوّل منها.

فالنتيجة : أنّ محل البحث هنا في القسم الأوّل من المشتق والقسم الثاني من الجامد ، والقسمان الآخران خارجان عنه.

ومن هنا يظهر أنّ النسبة بين المشتق في حريم البحث وكل من المشتق المصطلح والجامد عموم من وجه ، فانّ الأفعال والمصادر المزيدة والمجردة جميعاً من المشتقات المصطلحة ومع ذلك هي خارجة عن محل النزاع ، والعناوين الانتزاعية كعنوان الزوج والحر والرق وما شاكل ذلك من الجوامد ، ومع ذلك هي داخلة في محل البحث ، فالنزاع يجري في كل عنوان جارٍ على الذات باعتبار

٢٤٧

تلبسها بالمبدأ بنحو من أنحائه ، سواء أكان ذلك المبدأ من إحدى المقولات التسع الواقعية كالكم والكيف والأين وأشباه ذلك ، أم كان من توابعها كالشدة والضعف والسرعة والبطء ، أم كان من الاعتبارات كالملكية والزوجية والحرية وما شابهها ، أم كان من الانتزاعيات كالفوقية والتحتية والسابقية والمسبوقية والامكان والوجوب والامتناع وما شاكلها.

وقد تحصّل من ذلك : أنّ دخول شيء في محل النزاع هنا يبتني على ركنين :

الركن الأوّل : أن يكون الشيء جارياً على الذات المتلبسة بالمبدأ ومتحداً معها خارجاً بنحو من الاتحاد ،وبذلك الركن خرجت المصادر المزيدة ، لأنّها لا تجري على الذات المتصفة بها ، فانّها مغايرة معها خارجاً وعيناً فلا يقال :

زيد إكرام إذا كان زيد متصفاً بهذا المبدأ ، بل يقال : زيد كريم. وكذا المصادر المجردة لا يشملها النزاع لعدم صحّة حملها على الذات ، فلا يقال : زيد علم إلاّ مبالغة ، وإن قلنا بأ نّها من جملة المشتقات كما هو الصحيح. وهكذا الأفعال بجميع أنواعها لا يجري فيها النزاع ، لعدم جريانها على الذوات وإن كانت من المشتقات.

فتحصّل : أنّ المصادر المزيدة والمجردة والأفعال بأجمعها خارجة عن محل النزاع لكونها فاقدة لهذا الركن.

الركن الثاني : أن تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدأ، بأن تكون لها حالتان حالة تلبسها بالمبدأ ، وحالة انقضاء المبدأ عنها ، وبذلك الركن خرج القسم الأوّل من الجوامد كالانسان والحيوان والشجر وما يضاهيها من العناوين الذاتية ، والوجه فيه : أنّ المبادئ في أمثال ذلك مقوّمة لنفس الحقيقة والذات ، وبانتفائها تنتفي الذات فلا تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدأ.

وبتعبير آخر : أنّ شيئية الشيء بصورته لا بمادته ، فإذا فرضنا تبدل الانسان

٢٤٨

بالتراب أو الكلب بالملح فما هو ملاك الإنسانية أو الكلبية ـ وهو الصورة النوعية ـ قد انعدم وزال ووجدت حقيقة اخرى وصورة نوعية ثانية وهي :

صورة النوعية الترابية أو الملحية ، ومن الواضح أنّ الانسان أو الكلب لا يصدق على التراب أو الملح بوجه من الوجوه ، لأنّ الذات غير باقية وتنعدم بانعدام الصورة النوعية ـ وهي صورة الانسانية أو الكلبية ـ ومع عدم بقاء الذات لا يشملها النزاع ، ولا معنى لأن يقال إنّ الإطلاق عليها حقيقة أو مجاز.

وأمّا المادة المشتركة بين الجميع المعبّر عنها بالهيولى وإن كانت باقية ، إلاّ أنّها قوّة صرفة لافاضة الصور عليها ، وليست ملاكاً لشيء من هذه العناوين ، ولا تتصف بالانسانية أو الكلبية أو نحوها بحال من الأحوال.

وأمّا القسم الثاني من الجوامد ، وهو ما كان منتزعاً عن أمر خارج عن مقام الذات ، فهو داخل في محل النزاع ، كعنوان الزوج والرق والحر وما شاكل ذلك ، لأنّ الذات فيه باقية بعد انقضاء المبدأ عنها ، وحينئذ يشمله النزاع في أنّ الإطلاق عليها حال الانقضاء حقيقة أو مجاز.

وممّا يشهد لما ذكرناه من عموم النزاع لهذا القسم من الجامد أيضاً : ما ذكره فخر المحققين والشهيد الثاني قدس‌سرهما في الإيضاح (١) والمسالك (٢) من ابتناء الحرمة في المرضعة الثانية على النزاع في مسألة المشتق ، في من كانت له زوجتان كبيرتان وزوجة صغيرة وقد أرضعت الكبيرتان الصغيرة فتحرم عليه المرضعة الاولى لصدق أم الزوجة عليها ، والصغيرة لصدق بنت الزوجة عليها ، وإنّما الكلام والإشكال في المرضعة الثانية ، فقد ابتني الحرمة في هذه المسألة على النزاع في مسألة المشتق ، فبناءً على أنّه موضوع للأعم يصدق عليه عنوان امّ

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.

(٢) المسالك ٧ : ٢٦٨.

٢٤٩

الزوجة ، باعتبار أنّ المرتضعة كانت زوجة فتحرم ، وبناءً على أنّه موضوع لخصوص المتلبس فعلاً لا يصدق عليها هذا العنوان بالفعل فلا تحرم (١).

______________________________________________________

(١) لمناسبة في المقام لا بأس بالتعرض لما استفدته من تحقيقات سيِّدنا الاستاذ ( دام ظلّه العالي ) في بحث الرضاع حول هذه المسألة.

فرعان

الفرع الأوّل : من كانت له زوجتان إحداهما كبيرة والاخرى صغيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة مع فرض دخوله بها ، يقع الكلام في بطلان نكاحهما معاً وحرمتهما عليه مؤبداً. المعروف بين الفقهاء بل لم نر من صرّح بالخلاف في المسألة هو بطلان نكاحهما معاً وصيرورتهما محرّمة عليه مؤبداً. أمّا الكبيرة : فلأجل أنّها صارت بارضاعها الصغيرة امّ زوجة له ، وهي محرّمة في الكتاب والسنّة. وأمّا الصغيرة :

فلأجل أنّها صارت بارتضاعها من الكبيرة بنتاً له لو كان اللبن لبناً له ، وربيبته لو كان اللبن من فحل آخر ، وكلا العنوانين قد ثبتت حرمتهما في الكتاب والسنّة ، فانّه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

وتحقيق الكلام : أنّ الصغيرة تحرم عليه بلا إشكال ، فانّ اللبن إذا كان منه فهي تكون بنتاً له ، وإذا كان من غيره فهي بنت الزوجة المدخول بها ، وقد دلّت عدّة من الروايات المعتبرة على حرمة بنت الزوجة ولو كانت من الزوجة المنفصلة عنه بطلاق أو نحوه (١).

__________________

(١) منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل كانت له جارية فاعتقت فزوجت فولدت أيصلح لمولاها الأوّل أن يتزوج ابنتها؟ قال

٢٥٠

وأما الكبيرة فقد استدل على حرمتها بوجوده:

الأول: صدوق عنوان أمّ الزوجة عليها ، وهي محرمة في الشريعة المقدسة بالكتاب والسنة. وفيه : أنّ صدق هذا العنوان عليها مبتن على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وأما بناءً على كونه موضوعاً لخصوص المتلبس بالفعل كما هو الصحيح واختاره جماعة من الخاصة والعامة فلا يصدق عليها بعنوان المزبور ، وذلك لأنّ زوجيتة الصغيرة قد انقضت وزالت بتحقق الرضاع المحرم ، فزمان تحقق الرضاع هو زمان ارتقاع الزوجية عنها ، وذلك الزمان لايصدق على الصغيرة حقيقة عنوان الزوجية ليصدق على الكبيرة عنوان أمّ الزوجة.

أو فقل: إنّ في زمان كانت الصغيرة زوجة له لم تكن الكبيرة أماً لها، وفي زمان صارت الكبيرة أماً لها ارتفعت الزوجية عنها وانقضت ، فصدق عنوان الامية للكبيرة

__________________

عليه‌السلام : لا ، هي حرام وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء ».

ومنها : صحيحة [ ابن ] أبي نصر قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة متعة أيحل له أن يتزوج ابنتها؟ قال عليه‌السلام : لا ».

ومنها : موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه « أنّ علياً عليه‌السلام قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالام ... » الحديث [ الوسائل ٢٠ : ٤٥٧ / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ١٨ ح ٢ ، ١ ، ٤ ].

فالصحيحة الاولى صريحة في حكم المقام ـ وهو حرمة بنت الزوجة التي ولدت متأخرة عن زمان الزوجية ـ بل موردها خصوص ذلك. وأمّا الصحيحة الثانية والموثقة فهما تدلاّن على حكم المقام بالاطلاق.

٢٥١

______________________________________________________

والزوجية للصغيرة في زمان واحد غير معقول. وعليه كان إطلاق عنوان الزوجة عليها في زمان تحقق الامومة إطلاقاً على المنقضي عنه المبدأ ، فيكون داخلاً في محل الكلام.

الثاني : أنّ المشتق ولو سلّمنا أنّه مجاز في المنقضي عنه المبدأ ، إلاّ أنّ الموضوع للحرمة في الآية المباركة ليس من المشتقات ، ضرورة أنّها ثابتة لعنوان امّهات نسائكم ، وهذا العنوان صادق في محل الكلام ، فانّ الاضافة يكفي فيها أدنى الملابسة ، وحيث كان المفروض أنّ الصغيرة قد تلبّست بالزوجة فيصدق على الكبيرة أنّها من امّهات النساء فتحرم.

والجواب عنه : أنّ المشتق إذا سلّم أنّه مجاز في المنقضي ، فالاضافة أيضاً بما أنّها ظاهرة في التلبّس الفعلي كان حكمها حكم المشتق ، فالحكم بالحرمة يبتني على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وعليه فعنوان امّهات نسائكم في الآية الشريفة ظاهر في الفعلية وحمله على الأعم أو على خصوص المنقضي عنه المبدأ خلاف الظاهر ، فلا يمكن المصير إليه إلاّبقرينة ، وحيث لم تقم قرينة لا من الداخل ولا من الخارج على أنّ المراد منه في الآية المعنى الأعم ، لا يمكننا أن نرفع اليد عن ظهوره.

الثالث : أنّا لو سلّمنا أنّ المشتق حقيقة في المتلبس فعلاً ، إلاّ أنّ المراد منه في الآية الكريمة هو الأعم ، وذلك بقرينة ذكر امّهات النساء في سياق قوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) (١) إذ لا إشكال في أنّه لا يعتبر في حرمة الربيبة أن تكون من الزوجة الفعلية المدخول بها ، بل يكفي في حرمتها أن تكون من الزوجة المدخول بها ولو بعد زوال زوجيتها ، وبوحدة السياق نستكشف أنّه لا يعتبر في حرمة امّهات

__________________

(١) النساء ٤ : ٢٣.

٢٥٢

______________________________________________________

النساء أيضاً أن تكون البنت زوجة فعلاً ، وعلى ذلك فتندرج المرضعة في المقام تحت عنوان امّهات نسائكم فتحرم.

وغير خفي أنّ حرمة الربيبة مطلقاً ولو لم تكن الام زوجة مدخولاً بها حال امومتها ، قد ثبتت بقرينة خارجية لا من ناحية ظهور الآية المباركة ، فلو كنّا نحن وهذه الآية ولم يكن دليل من الخارج لكنّا نقول بعدم الحرمة في الصورة المذكورة. إذن لا مجال لتوهم وحدة السياق أصلاً ، فانّ المجال لهذا التوهم لو كان فانّما يكون فيما إذا كانت الآية في نفسها ظاهرة في المعنى المزبور ، مع أنّ للمناقشة على هذا أيضاً مجالاً واسعاً كما لا يخفى.

الرابع : أنّ زمان زوجية الصغيرة وزمان انقضائها وإن كانا في الواقع زمانين ، إلاّ أنّهما كذلك بالنظر الدقي الفلسفي ، وأمّا بالنظر المسامحي العرفي فيرى الزمانان زماناً واحداً ، فان زوجية الصغيرة وانقضاءها عنها وامّية الكبيرة جميعاً متحدات في الزمان وإن كانت مترتبات في الرتبة ، فأوّل زمن الامية متصل بآخر زمن الزوجية ، وهذا المقدار كافٍ في صدق عنوان ام الزوجة والاندراج تحت الآية المباركة.

ويردّه : أنّ الأنظار العرفية إنّما تتبع في تعيين مفاهيم الألفاظ سعة وضيقاً لا في تطبيقاتها على مصاديقها ، فانّ المتبع في ذلك هو النظر الدقي ولا عبرة بالمسامحات العرفية ، والخصم بعد ما سلّم أنّ المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً دون الأعم ، لم يبق له مجال لدعوى صدق الآية وانطباقها على المقام إلاّبنظر مسامحي عرفي الذي لا اعتداد به مطلقاً.

الخامس : أنّ زوجية الصغيرة وإن كانت زائلة في زمان امّية الكبيرة ، إلاّ أنّ زوالها في مرتبة متأخرة عن تحقق الامّية ، ففي مرتبة الامّية لم تكن الزوجية زائلة ، وهذا المقدار كافٍ في صدق عنوان امّ الزوجة على الكبيرة فتحرم عليه ، بيان ذلك :

٢٥٣

______________________________________________________

أنّه لا ريب في أنّ العلّة تتقدّم على المعلول رتبة وتتحد معه زماناً ، وهكذا الحكم والموضوع ، فانّ نسبة الحكم إلى الموضوع نسبة المعلول إلى العلّة ، فيتقدّم الموضوع على الحكم رتبةً وإن كان يتحد معه زماناً ، وحيث إنّ ارتفاع الزوجية عن الصغيرة معلول لتحقق عنوان البنوّة لها ، كان متأخراً عنه رتبة وإن كان متحداً معه زماناً ، قضاءً لحقّ العلية والمعلولية. وعليه فلا محالة أنّها تكون زوجة في رتبة البنتية ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين عن تلك الرتبة. وبما أنّ عنوان امومة الكبيرة قد تحقق في رتبة تحقق عنوان بنوّة الصغيرة وملازم له ، فانّهما متضائفان والمتضائفان متكائفان في القوّة والفعل ، فلا محالة تكون امّاً للزوجة الصغيرة التي هي في رتبة بنوّتها ، لا في رتبة انتفاء الزوجية عنها المتأخرة رتبة عن عنوان البنوّة ، إذن يصدق عليها أنّها ام زوجة في رتبة البنوّة ، وهذا المقدار كافٍ في الاندراج تحت الآية المباركة وشمول أدلة التحريم.

لا يخفى أنّ ذلك مخدوش من وجهين :

الأوّل : أنّا قد ذكرنا غير مرّة أنّ الأحكام الشرعية مترتبة على الموجودات الزمانية ولا أثر للرتبة فيها أصلاً ، فانّ الأدلة المتكفلة ببيان الأحكام الشرعية من العمومات أو غيرها كلّها ناظرة إلى إثبات تلك الأحكام للموجودات الزمانية ، وتتقدر تلك الأحكام بالزمان لا بالرتبة. وعلى ذلك فلا أثر لكون امّية الكبيرة في رتبة بنوّة الصغيرة التي كانت الزوجية متحققة في تلك الرتبة ، ولا يوجب ذلك أن تشملها عمومات التحريم من الآية ونحوها ، لما عرفت من أنّها غير ناظرة إلى إثبات الأحكام للرتبة.

نعم ، لو كانت امومة الكبيرة مقارنة مع زوجية الصغيرة زماناً لشملتها العمومات لا محالة ، ولكن قد عرفت أنّها متأخرة عنها زماناً ، ومعه لا أثر لكون الامومة في رتبة سابقة على ارتفاع الزوجية أصلاً.

٢٥٤

______________________________________________________

الثاني : أنّ تقدّم شيء على شيء رتبة يحتاج إلى ملاك يوجب ذلك ولا يكون ذلك أمراً جزافياً ، فالعلّة تتقدّم على المعلول قضاءً لحقّ العلية ، والشرط يتقدّم على المشروط قضاءً لحقّ الشرطية ، والموضوع يتقدّم على الحكم قضاءً لحقّ الموضوعية وهكذا ، ولذا لا وجه لتقدّم العلّة على عدم المعلول ، والشرط على عدم المشروط وهكذا ، فانّه بلا ملاكٍ يقتضي ذلك. إذن لا وجه لتقدّم امومة الكبيرة على انتفاء الزوجية عن الصغيرة لعدم مقتضٍ لذلك ، وتقدّم عنوان بنوّتها على ارتفاع زوجيتها إنّما هو بملاك العلية وذلك الملاك منتف هنا.

وعليه فلو سلّمنا ثبوت الحكم للرتبة فأيضاً لا يصدق عليها عنوان امّ الزوجة ، لأنّ الامّية لا تقدم لها على ارتفاع زوجية الصغيرة رتبة وإنّما المتقدم عليها عنوان البنتية.

فالنتيجة من ذلك أمران :

الأوّل : أنّه لا أثر للتقدم والتأخر والتقارن الرتبي في الأحكام الشرعية أصلاً.

الثاني : أنّه على فرض تسليم أنّ لها أثراً فيها أيضاً لا يجدي في المقام كما عرفت.

السادس : برواية عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قيل له إنّ رجلاً تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثمّ أرضعتها امرأة له اخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلاً ، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه كأ نّها أرضعت ابنته » (١).

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٤٠٢ / أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٤ ح ١.

٢٥٥

______________________________________________________

فدلّت الرواية على حرمة المرضعة الاولى وإن كانت موردها في من كانت له زوجتان كبيرتان فأرضعتا زوجته الصغيرة ، إلاّ أنّها تدل على حكم المقام أيضاً كما لا يخفى.

وقد ناقش فيها في المسالك بما إليك نصّه : ولكنّها ضعيفة السند في طريقها صالح ابن أبي حماد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهي مرسلة ، لأنّ المراد بأبي جعفر عليه‌السلام حيث يطلق الباقر عليه‌السلام وقرينته قول ابن شبرمة في مقابله ، لأنّه كان في زمنه ، وابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه‌السلام ولو اريد من أبي جعفر ، الثاني وهو الجواد عليه‌السلام بقرينة أنّه أدركه وأخذ عنه ، فليس فيه أنّه سمع منه ذلك ، بل قال :

قيل له ، وجاز أن يكون سمع ذلك بواسطة ، فالارسال متحقق على التقديرين ، مع أنّ هذا الثاني بعيد ، لأنّ إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد عليه‌السلام ، انتهى (١).

يتلخص ما في المسالك في امور ثلاثة :

الأوّل : أنّ الرواية ضعيفة السند بصالح بن أبي حماد ، ودعوى انجبارها بعمل المشهور مدفوعة بعدم إحراز استنادهم إليها في مقام الافتاء ، بل عدم الاستناد إليها معلوم ، لأنّهم أفتوا بحرمة كلتا المرضعتين لا خصوص الاولى فقط ، والرواية دلّت على حرمة الاولى دون الثانية بل صرّحت فيها بعدم حرمتها.

الثاني : أنّها مرسلة من جهة أنّ الظاهر من إطلاق أبي جعفر عليه‌السلام الإمام الباقر عليه‌السلام دون الإمام الجواد عليه‌السلام وممّا يدلّ على ذلك : قول ابن شبرمة في مقابله ، فانّه كان في عصر الباقر عليه‌السلام ومن الواضح أنّ ابن مهزيار

__________________

(١) المسالك ٧ : ٢٦٩.

٢٥٦

______________________________________________________

لم يدرك الإمام الباقر عليه‌السلام لأنّ ابن مهزيار يدور بين كونه من أصحاب

الرضا عليه‌السلام كما قال بعض ، وكونه من أصحاب الجواد عليه‌السلام كما قال بعض آخر ، وكونه من أصحاب العسكري عليه‌السلام كما قال ثالث ، فعلى كل تقدير لايمكن أن يروي ابن مهزيار عن الباقر عليه‌السلام بلا واسطة ، إذن الواسطة التي يروي عنها ابن مهزيار قد سقطت عن سند الرواية يقيناً ، وحيث إنّ حال الواسطة مجهولة لنا فتصبح الرواية مرسلة.

الثالث : أنّا لو سلّمنا أنّ المراد من أبي جعفر عليه‌السلام الإمام الجواد ، إلاّ أنّه ليس في الرواية شيء يدل على أنّ ابن مهزيار سمع منه ذلك بلا واسطة ، إذ من الجائز أن يكون سمع ذلك بواسطة ، وذلك بقرينة قوله : قال قيل له.

أقول : أمّا ما ذكره قدس‌سره أوّلاً من أنّ الرواية ضعيفة سنداً بصالح بن أبي حمّاد ، فالأمر كذلك ، إذ لم يثبت توثيقه ولا حسنه ، وإن عدّه بعض من الحسان.

وأمّا ما ذكره ثانياً من أنّ أبي جعفر عليه‌السلام حيث اطلق فالظاهر منه الإمام الباقر عليه‌السلام فالأمر أيضاً كذلك ، فانّ أبا جعفر عليه‌السلام إذا اطلق فالمراد منه الإمام الباقر عليه‌السلام وإذا قيّد بالثاني فالمراد منه الجواد عليه‌السلام فالتمييز بينهما في رواياتنا بذلك. هذا الظهور في نفسه لا بأس به ، إلاّ أنّه يمكن أن يعارض ذلك الظهور بظهور الرواية في أنّ علي بن مهزيار رواها عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة ، وهذا قرينة على أنّ المراد من أبي جعفر عليه‌السلام الإمام الجواد دون الإمام الباقر عليه‌السلام حيث إنّه أدرك زمانه ورواه عنه بلا واسطة في غير مورد.

وأمّا ما ذكره ثالثاً من أنّه على تقدير تسليم أن يكون المراد من أبي جعفر عليه‌السلام الإمام الجواد كانت الرواية مرسلة ، فلا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ مجرّد

٢٥٧

______________________________________________________

عدم ذكر السائل لا يكون قرينة على الارسال ، بل لعل عدم ذكره لعدم دخله في المقصود كما هو ظاهر.

نعم ، الموجود في نسخة الكافي والتهذيب (١) علي بن مهزيار رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام وهي ظاهرة في إرسال الرواية وإلاّ لم تكن حاجة لذكر كلمة رواه كما لم تذكر في سائر الروايات المسندة.

وعلى كل حال فالمتحصّل من المجموع أنّ الرواية ساقطة عن الاعتبار فلا يمكن الاعتماد عليها في مقام الاستنباط.

فقد أصبحت النتيجة ممّا ذكرناه لحدّ الآن : أنّ شيئاً من هذه الوجوه الستة لا يدل على حرمة المرضعة.

وممّا يؤكّد ما ذكرناه : عدّة من الروايات التي تعرّضت لحكم الصغيرة وحكمت بحرمتها بلا تعرّض لها لحكم الكبيرة نفياً أو إثباتاً.

منها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه‌السلام « في رجل تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته وام ولده قال عليه‌السلام : تحرم عليه » (٢).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لو أنّ رجلاً تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح » (٣) ، والظاهر منها فساد نكاح الصغيرة دون الكبيرة ، فانّها مسكوت عنها في الصحيحة من هذه الجهة.

ثمّ إنّ هذه الرواية نقلت بثلاث طرق : أحدها طريق الشيخ إلي علي بن فضال

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٦ / ١٣ ، التهذيب ٧ : ٢٩٣ / ١٢٣٢.

(٢) ، (٣) الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ / أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ٢ ، ١.

٢٥٨

______________________________________________________

وهو ضعيف ، والطريقان الآخران أحدهما صحيح والآخر حسن بابن هاشم.

وقد تحصّل : أنّه مضافاً إلى أنّ عدم حرمة الكبيرة على طبق القاعدة من جهة عدم صدق عنوان امّ الزوجة عليها ، يؤكّده الصحيحتان المتقدّمتان ونحوهما من جهة سكوت الإمام عليه‌السلام فيها عن حكم الكبيرة.

هذا كلّه فيما إذا كانت الكبيرة مدخولاً بها. وأمّا إذا لم تكن كذلك وأرضعت الصغيرة فهل يفسد نكاحهما معاً أم لا؟ المعروف والمشهور هو الأوّل ، مستدلاًّ على ذلك بأنّ فساد نكاح إحداهما دون الاخرى ترجيح من غير مرجح.

وفيه : أنّه بناءً على ما هو المشهور بينهم في المسألة الاولى من الحكم بحرمة المرضعة من جهة صدق عنوان امّ الزوجة وامّ النساء عليها ، فالقول بحرمة المرضعة هنا وفساد نكاحها متعيّن بعين الملاك المزبور فيها. وأمّا الصغيرة فهي لا تحرم بلا إشكال ، لفرض عدم الدخول بالكبيرة ، وأمّا بطلان نكاحها فلا وجه له لعدم صدق بنت الزوجة عليها ، بناءً على ما هو الصحيح من ظهور المشتق في فعلية التلبس ، ومن هنا يظهر فساد ما ذكروه من أنّه لاترجيح لبطلان نكاح إحداهما دون الاخرى ، إذ عرفت أنّ الترجيح موجود.

الفرع الثاني : في من كانت له زوجتان كبيرتان فأرضعتا زوجته الصغيرة مع فرض دخوله بإحداهما. المعروف والمشهور بل ادّعي عدم الخلاف والإشكال في المسألة حرمة المرضعة الاولى بعين الملاك في الفرع الأوّل ، وإنّما الإشكال والخلاف هنا في حرمة المرضعة الثانية.

ولكن ممّا ذكرناه في الفرع الأوّل يستبين حال هذا الفرع ، فان حرمة المرضعة الاولى هنا مبتنية على تمامية أحد الوجوه الستّة المذكورة ، وعمدتها الوجوه الثلاثة

٢٥٩

ثمّ إنّ النزاع في هذه المسألة في وضع الهيئة وفي سعة المفهوم الاشتقاقي وضيقه ، من دون اختصاص لها بمادّة دون مادّة ، فلا ينظر إلى أنّ المادّة ذاتيّة أو عرضيّة وبزوالها تنتفي الذات أو لا تنتفي ، فانّ كل ذلك لا دخل له في محلِّ النزاع.

نعم ، المادّة إذا كانت ذاتيّة لا يعقل فيها بقاء الذات مع زوال التلبّس. لكن الهيئة غير مختصّة بها ، بل تعم ما يعقل فيه بقاء الذات مع زوال التلبّس ، مثلاً المادّة في الناطق ذاتيّة ولكن الهيئة لا يختصّ وضعها بها ، بل يعم غيرها كالقائم ونحوه ، وهكذا المادّة في الحيوان فانّها ذاتيّة ولا يعقل بقاء الذات بدونها ، إلاّ أنّ الهئية غير مختصّة بها ، بل تعم غيرها أيضاً كالعطشان ونحوه ، وهكذا.

وعلى الجملة : فالنزاع هنا يختصّ بوضع الهيئة فقط ، وأنّها موضوعة لمعنى وسيع أو لمعنى ضيِّق ، ولا ينظر إلى المادّة والمبدأ أصلاً ، فلا فرق بين أن يكون المبدأ ذاتيّاً أو عرضيّاً ، فانّ ذاتيّة المبدأ لا تضرّ بوضع الهيئة للأعم إلاّ إذا كان وضع الهيئة مختصّاً بذلك المبدأ كما في العناوين الذاتية ، حيث إنّ الوضع فيها شخصي فلا يجري النزاع فيها.

فالنتيجة : أنّ الخارج عن البحث العناوين الذاتية من الجوامد والأفعال والمصادر من المشتقّات.

__________________

الأخيرة ، وقد عرفت عدم تمامية شيء منها. وحرمة الثانية مبتنية على تمامية أحد الوجوه الثلاثة الاولى لعدم جريان الثلاثة الأخيرة عليها كما لا يخفى.

فالنتيجة أنّ مقتضى القاعدة والروايات المتقدمة عدم حرمة المرضعة الاولى فضلاً عن الثانية.

نعم ، لا إشكال في حرمة الصغيرة لأنّها بنت لزوجةٍ قد دخل بها.

٢٦٠