بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-284-5
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩١

توجّه الخطاب بالواقع المعلوم إجمالا المجهول تفصيلا : من استلزامه المخالفة القطعيّة ـ على تقدير القول بالمانعية في المقام ـ من الأمور الواضحة ؛ لأن لزومه كان من دوران لا يجري في المقام جزما ؛ فإنه في المتباينين : إمّا أن يلتزم بإجراء البراءة بالنسبة إلى أحد المشتبهين ، أو كلاهما. وعلى الأول : إمّا أن يجعل مورد البراءة أحدهما المعيّن عندنا ، أو المعيّن عند الله تعالى وفي الواقع والنفس الأمر ، أو أحدهما لا على التعيين ، يعني مفهوم أحدهما. لا سبيل إلى شيء من هذه الوجوه.

أما الأول : فلاستلزامه الترجيح بلا مرجّح ، ولزومه كبطلانه ظاهر لا سترة فيه.

وأمّا الثاني : فلأن موردها لا يخلو : إمّا أن يكون ما هو جائز في نفس الأمر ، أو ما هو واجب كذلك ، وشيء منهما لا يصلح موردا للبراءة مضافا إلى لزوم لغويّتها ؛ إذ إجراؤها بحيث ينتفع بها موقوف على إحراز موردها ، وبعده يرتفع موضوعها كما هو ظاهر هذا. مع أن إناطة الحكم الظاهري بالواقع لا يخفى بطلانها على الأوائل.

وأمّا الثالث : فلأنه مفهوم منتزع عن المشتبهين غير متعلّق لحكم يغاير حكمهما ، مع أنه ممّا لا معنى له مع قطع النظر عمّا ذكر على ما عرفت تفصيل القول فيه ، فيتعيّن الوجه الثاني ، وهو إجراء البراءة بالنسبة إلى كليهما. وعليه : يلزم ما ذكر من الاستلزام ، فلا بدّ من الالتزام بوجه ثالث ، وهو وجوب الاحتياط.

٦١

وهذا بخلاف المقام ؛ فإنه لو حكم بجريان البراءة بالنسبة إلى الجزء المشكوك أو الأكثر كما هو المدّعى لم يعارض بجريانها بالنسبة إلى الأقلّ ؛ فإن القطع بوجوبه واستحقاق العقوبة عند تركه مانع من الرجوع إلى البراءة بالنسبة إليه ، وليس فيه ترجيح بلا مرجّح أصلا ، للفرق بينهما بما يوجب تعيين جريانها بالنسبة إلى الأقلّ حسبما عرفت.

(١٢) قوله قدس‌سره : ( وأمّا عدم معذورية الجاهل .... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٢٢ )

أقول : حاصل ما أفاده في بيان عدم جريان الدّليل الثاني لعدم صلاحيّة مانعيّة الجهل في المتباينين في المقام : هو أن الشكّ في المتباينين لم ينحل إلى

__________________

(١) قال المحقق الشيخ غلامرضا القمي قدس‌سره :

« أقول : حاصله : أن الشك في المتبائنين لمّا كان في المكلّف به غير المنحلّ إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ، بل كان طرفا الشك فيه متساويين في احتمال تحقّق المعلوم بالإجمال فيه ، فيكون نظير الشك الحاصل للجاهل المقصّر العالم إجمالا بوجود واجبات ومحرّمات في الشريعة وأين ذلك من المقام الذي عرفت انحلال الشبهة فيه إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ) إنتهى. قلائد الفرائد : ج ١ / ٥٤٣.

* وقال السيّد عبد الحسين اللاري قدس‌سره :

« يعني الفرق والفارق كون عدم معذوريّة الجاهل في ما هو غير معذور فيه إنّما هو لأجل تقصيره في تحصيل ما يمكنه العلم التفصيلي به من التكاليف المعلومة له إجمالا الثابتة عليه يقينا بخلاف ما نحن فيه ممّا لم يتمكّن من تفصيله ولم يقصّر في تحصيله ورفع إجماله » إنتهى. انظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٢٣.

٦٢

معلوم تفصيلي ومشكوك بالشكّ البدوي ، بل كان طرفا لشبهة متساويين من حيث احتمال تحقق المعلوم بالإجمال وانطباقه على كل واحد منهما ، فيكون نظير الشكّ الحاصل للجاهل المقصّر العالم إجمالا بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة في الشريعة ، فمعذوريّة الجاهل في المتباينين مستلزمة لمعذوريّة الجاهل المقصّر بالنسبة إلى الواقع مع كونها خلاف الإجماع في الجملة ، أو مطلقا بناء على عدم قدح مخالفة من ذهب إلى كون عقاب خصوص الغافل من المقصّر على ترك تحصيل العلم عند الالتفات على ما ستسمعه بعد ذلك ، أو المشهور بينهم.

وهذا بخلاف المقام لما أسمعناك : من انحلال المعلوم بالإجمال فيه إلى معلوم ومشكوك ، فالحكم بمعذورية الجاهل فيه بالنسبة إلى المشكوك لا يلازم الحكم بمعذورية الجاهل المقصّر ولا يقاس أحدهما بالآخر.

نعم ، يشابه العلم الإجمالي في مفروض البحث العلم الإجمالي بالواجبات والمحرّمات الكثيرة في الشريعة مع تردّد المعلوم بالإجمال بين الأقلّ والأكثر.

ومن هنا بنينا على الرجوع إلى البراءة بالنسبة إلى الزائد على الأقل المتيقّن من المعلوم بالإجمال بعد تحصيل العلم به ـ في غير موضع من كلماتنا السابقة ولعله يأتي الإشارة إليه في مطاوي ما يبحث عنه بعد ذلك ـ كما أنه يشابهه في عدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص عمّا يكون حاكما أو واردا على البراءة من الأدلّة من حيث اشتراط الفحص في الشبهة الحكميّة في الرجوع إلى الأصل مطلقا بالأدلّة الأربعة ، لكنه أمر مفروغ عنه لا تعلّق له بالمقام أصلا ؛ لأن الكلام في حكم المسألة بعد إحراز ما هو شرط لجريان الأصل كما هو واضح.

٦٣

(١٣) قوله قدس‌سره : ( كما لو علم إجمالا بكون أحد من الإناءين ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٢٣ )

__________________

(١) قال السيّد عبد الحسين اللاّري قدس‌سره :

« وفي التنظير نظر ، بل منع ، لوجود الفرق والفارق الواضح بين المقيس والمقيس عليه.

أما الفرق : فلكون العلم الإجمالي بين الأقلّ والأكثر ـ المقيس فيما نحن فيه ـ إنّما هو بالإنحلال والحقيقة عين العلم التفصيلي بالأقلّ والشك البدوي بالأكثر ، وفي المقيس عليه المشبّه به علم إجمالي مستقل متطرّق على علم تفصيلي مستقل كالعلم التفصيلي المستقل المتطرّق على علم إجمالي مستقل.

وأمّا الفارق الموضّح لقوّة مجرى البراءة في المقيس دون المقيس عليه فهو انتفاء المقتضي للإحتياط وهو العلم الإجمالي في الأوّل أوّلا ، وأصالة عدم مقتضاه وهو ثبوت التكليف به ثانيا ، بخلاف الحال في المثال ؛ فإنّه بالعكس حيث إنّ نفس المقتضي للإحتياط وهو العلم الإجمالي موجود فيه أوّلا ، وأصالة بقاء مقتضاه وعدم سقوطه ثانيا حيث إنّ الشك هاهنا إنما هو في سقوط التكليف بمقتضى العلم الإجمالي بتوهّم مانعيّة العلم التفصيلي منه والأصل عدم سقوطه وعدم مانعيّة العلم التفصيلي منه وثمّة في ثبوت التكليف ، والأصل عدمه.

وحينئذ فمثال تطرّق العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين على العلم التفصيلي السابق بنجاسة المعيّن منهما حكمه حكم العكس ، وهو تطرّق العلم التفصيلي بنجاسة المعيّن منهما ، على الإجمالي السابق بنجاسة أحدهما في عدم انقلاب الإحتياط فيهما إلى البراءة وعدم مانعيّة العلم التفصيلي من تأثير العلم الإجمالي أثره وإلاّ للزم بواسطة تنجيسك طرفا معيّنا من أطراف الشبهة المحصورة والعلم الإجمالي بالتنجيس والحرمة إنفتاح باب حلّيّة

٦٤

__________________

ارتكاب ما عدا ذلك الطرف المعين بتطرّق العلم التفصيلي عليه ولم يلتزم به أحد من الإحتياطيّين في العلم الإجمالي.

نعم ، مانعيّة العلم التفصيلي بنجاسة المعيّن من تأثير العلم الإجمالي بها فيه إنّما هو من تأثير محلّ العلم التفصيلي بالعلم الإجمالي من جهة عدم قابليّة المحلّ لتحصيل الحاصل ، لا من تأثير العلم الإجمالي أثره ، وتأثّر ما عدا محلّ العلم التفصيلي الخالي من مانعيّة التأثير والتأثر به ، خصوصا اذا اختلف تأثير العلمين بالنجاسة والحرمة ، أو الحقّين بحق الله وحقّ الناس.

فتبيّن : انّ المثال غير مطابق للحال وأنّ المطابق له التمثيل بالعلم الإجمالي بوجوب أحد الشيئين المتطرّق عليه العلم التفصيلي بتعيين الواجب بدليل أو أمارة شرعيّة معيّنة » إنتهى.

أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٢٣.

* وقال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره في ( الأوثق / ٣٦٣ ) :

« قد يقال بالفرق بين المثال وما نحن فيه ؛ إذ حرمة شرب الخمر ليست من جهة نجاسته ولذا يحرم وإن لم نقل بنجاسته ويتفرّع عليه : انه إن شرب الخمر المخلوط بالبول استحق العقاب من جهتين من جهة شرب النجس ومن جهة شرب الخمر فإذا علم إجمالا بكون أحد الإناءين اللذين أحدهما المعيّن نجس خمرا يتوجّه هنا خطابان ؛ أحدهما : وجوب الإجتناب عن النجس ، والآخر : وجوب الإجتناب عن الخمر.

والأوّل قد علم مصداقه تفصيلا والآخر إجمالا ، ومقتضى امتثال كلا الخطابين وجوب الإجتناب عن كلا الإنائين بخلاف ما نحن فيه ، لاتحاد الخطاب فيه ، فهو نظير ما لو علم

٦٥

المثال المذكور في الكتاب للكليّة لا يخلو عن مناقشة

أقول : حاصل ما أفاده ـ : من عدم تأثير العلم الإجمالي في إيجاب الاحتياط فيما لو انحل المعلوم بالإجمال إلى المعلوم بالتفصيل والمشكوك بالشكّ البدوي ـ ممّا لا خفاء فيه ولا ريب يعتريه على ما عرفت توضيح القول فيه مرارا ، إلا أن ما مثّل به للكليّة المذكورة وشابه المقام به لا يخلو عن مناقشة ؛ لأن العلم الإجمالي بالخمر في المثال يوجب العلم بتوجّه خطاب إجمالي ولو بالنسبة إلى معلوم النجاسة تفصيلا ؛ ضرورة أن حرمة الخمر ليست من حيث نجاسته واستخباثه ، ولذا لا يكون إشكال في تعدّد العقاب فيما لو شرب مائعا يعلم بكونه مركّبا من الخمر والبول.

وهذا بخلاف ما لو شرب مائعا يعلم بوجود البول والغائط فيه مثلا ؛ فإنه لا إشكال في وحدة العقاب فيه لوحدة الخطاب ، فالمتعيّن التمثيل له : بما إذا علم المكلّف بوقوع قطرة من البول من أحد إناءين يعلم بنجاسة أحدهما المعيّن من

__________________

إجمالا بنجاسة أحد الإناءين علم بكون أحدهما المعيّن منهما غصبا فالمثال المطابق لما نحن فيه ما لو علم إجمالا بتنجس أحد الإناءين بالبول مع العلم بتنجس أحدهما بغيره من النجاسات لوضوح عدم كون اجتماع عناوين من النجاسات في مورد موجبا لتعدد العقاب ؛ لأن حرمتها شرعا إنما هي من جهة كونها نجسا لا بولا أو غائطا أو نحوهما » إنتهى.

٦٦

جهة كونه بولا ، أو بنجس آخر من النجاسات التي لم يثبت لها جهة تحريم من غير جهة النجاسة بناء على تداخل النجاسات حكما : من حيث وجوب الاجتناب في الأكل والشرب وإن لم يتداخل من حيث المانعيّة في الصلاة.

ثمّ إنه لا بد من أن يعلم وجود الفرق الواضح بين المقام والمثال الذي ذكرناه وأمثاله مما لم نذكره إن لم يكن فرق بينهما : من حيث الرجوع إلى البراءة بالنسبة إلى المشكوك حيث إن العلم الإجمالي في المقام يؤثّر في توجيه الخطاب وتنجيزه بالنسبة إلى المعلوم بالإجمال في الجملة ولو بالنسبة إلى الأقلّ ، ويوجب في حكم العقل لزوم إطاعته بحيث لولاه لم يكن هناك ملزم عقلي أصلا ، لعدم المقتضي له سواه ، وهذا بخلاف العلم الإجمالي في المثال ونظائره ؛ فإنّه لا يؤثّر في الخطاب المنجّز أصلا ؛ لأن الحكم بوجوب الاجتناب عن الطرف المعيّن مستندا إلى العلم التفصيلي المفروض بالنسبة إليه ولو لم يكن هنا علم إجمالي أصلا.

ومن هنا قيل : بالفرق بينهما حكما من حيث تأثير العلم الإجمالي في المقام في تنجيز الخطاب فيقتضي تحصيل القطع بالبراءة كما زعمه القائل بوجوب الاحتياط في المسألة ، وهذا بخلاف المثال وأشباهه ؛ فإنه لم يتوهم أحد وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الطرف المشكوك ، وإن كان هذا الفرق فاسدا عندنا على ما عرفت.

وبالجملة : الفرق بين العلمين لا يكاد أن يخفى ، فالغرض تشبيه المقام

٦٧

بالمثال في عدم تأثير العلم الإجمالي بالنسبة إلى الطرف المشكوك بالشكّ البدوي لا مطلقا كما هو واضح.

(١٤) قوله قدس‌سره : ( وممّا ذكرنا يظهر : أنه يمكن التمسّك في عدم ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٢٣ )

أقول : وجه ظهور ما أفاده مما ذكره في المقام : من جهة كون الأقلّ معلوم الوجوب تفصيلا ، فكما لا يعارض جريان البراءة بالنسبة إلى الجزء المشكوك ، أو الأكثر بجريانها في الأقلّ ، كذلك لا يعارض جريان أصالة العدم بالنسبة إلى وجوب الجزء ، أو الأكثر بجريانها بالنسبة إلى الأقلّ.

والقول : بأن المعلوم بالنسبة إلى الأقلّ هو مطلق الوجوب لا خصوص النفسي والغيري ـ فيعارض الأصل بالنسبة إلى كلّ من الخصوصيتن في الجزء المشكوك ، أو الأكثر بمثله بالنسبة إلى الأقلّ فيقع التعارض لا محالة ، وهذا بخلاف البراءة ؛ فإن إجراءها بالنسبة إلى الجزء ، أو الأكثر لا يعارض بإجرائها بالنسبة إلى الأقل ؛ فإن الخصوصيّات ملقاة بالنسبة إليها كما هو مبنى القول بالبراءة في المقام على ما عرفت ـ فاسد جدّا ؛ لأن نفي كل من الخصوصيّتين بالنسبة إلى الأقلّ معارض بنفي الأخرى بالنسبة إليه فيبقى الأصل في الجزء المشكوك والأكثر سليما فتأمّل (١).

__________________

(١) وجه التأمّل : ما سيجيء من المناقشة في تعارض الأصلين بالنسبة إلى الأقلّ. ( منه دام ظلّه

٦٨

نعم ، ما أفاده قدس‌سره : في تقريب عدم المعارضة وثبّته ودفع توهّمها بقوله : « وتردّد وجوبه بين النفسي والغيري ... الى آخره » (١) لا يخلو عن مناقشة ظاهرة ؛ فإن الخطابات المذكورة خطابات غيريّة مقدّميّة بالأجزاء على سبيل القطع واليقين في الخطابات المتوجّه بالنسبة إلى الأقلّ ، كما يحتمل كونه غيريا يحتمل كونه نفسيّا فلا يعقل انطباقه على الخطابات المفصّلة.

فإن شئت قلت : الخطاب بالنسبة إلى الأقلّ إجمالي والخطابات المذكورة تفصيليّة ، ولو علم الانطباق ارتفع الشكّ عن المسألة ؛ ضرورة استلزامه للعلم بوجوب الأكثر ، فالتقريب المذكور لا يتمّ بالنسبة إلى ما أفاده وإنما يتمّ فيما لو فرض إجراء أصالة عدم الوجوب بالنسبة إلى الجزء المشكوك فتدبّر.

اللهمّ إلا أن يريد بالتقريب المذكور بيان العلم التفصيلي بوجوب الأجزاء من غير نظر إلى كونها تمام الماهيّة المأمور بها أو بعضها. وبعبارة أخرى : مع قطع النظر عن انفراد كل جزء وانضمامها فتأمّل (٢). كما أن عطف قوله : « وأصالة البراءة » (٣) على قوله : « وأصالة عدم الوجوب » (٤) لا يخلو عن مناقشة أيضا ؛ إذ

__________________

العالي ).

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٢٣.

(٢) وجه التأمّل : ان تجريد النظر عن الملاحظة المذكورة لا يجامع التقريب المذكور كما هو ظاهر. ( منه دام ظلّه العالي ).

(٣) نفس المصدر : ج ٢ / ٣٢٤ وفي الكتاب : « أو أصالة البراءة ».

٦٩

الحق أن يعبّر بدل العطف « كما لم يوجب جريان أصالة البراءة » ، فإن الكلام في ظهور حال أصالة العدم مما أفاده بالنسبة إلى أصالة البراءة لا في جريان البراءة وعدمه فتدبّر.

ثمّ إن المقصود بالكلام المذكور مجرّد بيان عدم المعارضة وإن لم يحكم بجريان أصالة العدم من جهة أخرى أشار إليها بقوله : « لكن الإنصاف ... الى آخره » (١) هذا.

ولكن العبارة آبية عما ذكرنا من الحمل ، فالأولى حملها على تعدّد النظر بعيني النظر الأوّلي الثانوي. ومن هنا جعل الأصل المذكور بعض المتأخرين من وجوه المختار واستند إليه في المقام وإن كان خارجا عن عنوان أصالة البراءة.

(١٥) قوله قدس‌سره : ( لكن الإنصاف : أن التمسّك بأصالة ) (٢). ( ج ٢ / ٣٢٤ )

توضيح ضعف التمسّك بأصالة العدم

أقول : توضيح ما أفاده قدس‌سره في ضعف التمسّك بأصالة العدم في المقام : هو أنه لا يخلو الأمر : من أنه إمّا أن يقصد من أصالة عدم وجوب الأكثر : ترتّب عدم

__________________

(٤) نفس المصدر. وفي الكتاب : « أصالة عدم الوجوب » من دون واو العطف.

(٥) المصدر السابق : ج ٢ / ٣٢٤.

(٦) أقول : وأنظر التعليقة رقم ٣٤٥ من قلائد الفرائد : ج ١ / ٥٤٣.

٧٠

استحقاق العقاب عليه ونفيه بها ، وإمّا أن يقصد منها : نفي الآثار المترتّبة على خصوص الوجوب النفسي ، وإمّا أن يقصد منها : نفي الآثار المترتّبة على مطلق الوجوب القدر المشترك الجامع بين النفسي والغيري.

فإن قصد منه : الأوّل ، فيتوجّه عليه :

أوّلا : أن عدم استحقاق العقاب ليس من أحكام المستصحب وآثاره حتى يتمسّك له بأصالة عدمه. وبعبارة أخرى : عدم استحقاق العقوبة ليس من آثار عدم الوجوب الواقعي النفس الأمري بل من أحكام ما ينطبق على الشكّ في الوجوب قطعا وهو عدم المعصية التي لا يتحقّق إلاّ بتنجّز الخطاب بالواقع المنفيّ مع الشكّ فيه لاستقلال العقل ـ على ما عرفت مرارا ـ بقبح العقاب من غير بيان واصل إلى المكلّف بالطريق العلمي أو ما يقوم مقامه.

وقد عرفت من مطاوي كلماتنا السابقة وستعرف مشروحا في محله إن شاء الله تعالى : أن إجراء الاستصحاب لترتيب الآثار المترتّبة على نفس موضوع الشكّ أو ما ينطبق عليه ويوجد في ضمنه من العناوين غير معقول لا أنه ممّا لا يحتاج إليه مع جريانه حسبما ربّما يتوهّم من تعبير شيخنا قدس‌سره في « الكتاب ».

ومن هنا أوردنا وأورد شيخنا قدس‌سره في الجزء الأوّل من التعليقة و « الكتاب » على من وافقنا في الأصل الأوّلي في الظن ، ولكن تمسّك له بأصالة عدم الحجيّة والجعل ـ نظرا إلى كونهما من الحوادث المسبوقة بالعدم ـ : بأنّ الغرض من الأصل

٧١

المذكور : إن كان إثبات الحرمة التشريعيّة لما شكّ في اعتباره من الظنون فهو غلط ظاهر لثبوتها عند الشكّ في الحجيّة قطعا لكونها من آثار عدم العلم بالحجيّة لا من آثار عدمها فلا معنى للأصل المذكور. وإن كان إثبات الحرمة الذاتيّة له فهو غلط أيضا لعدم ثبوتها في الواقع ونفس الأمر حتى مع العلم بعدم الحجيّة كما في القياس وأشباهه.

نعم ، لو قيل : بأن الحرمة التشريعيّة مترتبة على عدم الجعل الواقعي لا على عدم العلم به كما لم نستبعد هناك تعيّن التمسّك بالأصل المذكور ، ويحمل عليه تمسّك من وافقنا في الأصل هذا. فإن شئت قلت : إن استحقاق العقاب وعدمه من آثار المعصية وعدمها لا من آثار الوجوب الواقعي وعدمه.

وثانيا : أنه من الآثار العقلية والأحكام التي يستقل العقل بها ولو سلّم ترتّبه على نفس الواقع وإن كان محالا عندنا كما هو الشأن في مطلق الأحكام العقليّة ، بل مطلق الأحكام بالنسبة إلى الحاكم بها ـ على ما عرفته في محلّه ـ ولا يمكن إثباته بالأصل أيضا ، ولا يجري بالنسبة إليه لما عرفته من كلماتنا السابقة إجمالا وستعرفه في الجزء الثالث من « الكتاب » والتعليقة مفصّلا : من أنه لا يترتّب على الاستصحاب ولا يثبت به إلاّ خصوص الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحبات بالترتب الأوّلي ومن غير توسيط أمر آخر عقلي أو عاديّ.

نعم ، لو فرض كون عدم الوجوب من الأحكام الشرعيّة الجعليّة ، استقام

٧٢

ترتّب عدم استحقاق العقاب عليه على الإغماض المذكور ؛ لما ستعرفه في باب الاستصحاب أيضا : من أن المستصحب إذا كان أمرا شرعيّا يترتب عليه جميع لوازمه من غير فرق بين الشرعيّ منها وغيره بشرط أن يكون الموضوع للآثار الغير الشرعية الأعمّ من الحكم الشرعي الواقعي والظاهري ، وإلاّ كان كاستصحاب غير الحكم الشرعي. ولكن دون إثباته خرط القتاد.

وإن قصد منه الثاني ، فيتوجّه عليه :

أن أصالة عدم وجوب الأكثر بالوجوب النفسي معارضة بأصالة عدم وجوب الأقلّ بالوجوب النفسي لعدم العلم بثبوت هذا النحو من الوجوب له أيضا ، وإلاّ لم يعقل دوران الواجب النفسي بينه وبين الأكثر كما لا يخفى ، فهو من باب إجراء الأصل في أحد طرفي الحادث المعارض بجريانه في الطرف الآخر هذا.

ولكن قد يناقش فيه : بما عرفت الإشارة إليه : من أن نفي الوجوب النفسي بالأصل في الأقلّ معارض بنفي الوجوب الغيري له ؛ لأن كلاّ منهما حادث يعلم بثبوت أحدهما للأقلّ فيبقى الأصل بالنسبة إلى الأكثر سليما ، وهكذا الكلام فيما لو أريد إجراء الأصول بالنسبة إلى الوجوب الغيري للجزء المشكوك ؛ فإنه سليم عن معارضة الأصل بالنسبة إلى الوجوب الغيري للأقلّ لمعارضته بأصالة عدم الوجوب النفسي له.

وإن شئت قلت : إن العلم الإجمالي بثبوت الوجوب للأقلّ بالوجوب المردّد

٧٣

بين النفسي والغيري يمنع من إجراء الأصل بالنسبة إليه في نفي كل من الوجوبين ، فيبقى كل من أصالتي عدم وجوب الأكثر بالوجوب النفسي وعدم وجوب الجزء المشكوك بالوجوب الغيري سليما.

نعم ، لا إشكال في عدم جواز إثبات الوجوب النفسي للأقلّ من نفيه بالنسبة إلى الأكثر وإن كان أصله سليما ؛ نظرا إلى عدم جواز التعويل على الأصول المثبتة هذا.

ولكن يمكن التفصّي عن المناقشة المذكورة : بأن أصالة عدم الوجوب الغيري للأقل إنما يعارض أصالة عدم الوجوب النفسي له لو أريد بها إثبات الوجوب الغيري له. وأما لو أريد بها نفي الوجوب النفسي له ليعارض الأصل في الأكثر فلا يعارضها أصلا فتأمل.

والأولى في التفصّي عن المناقشة المذكورة أن يقال : إن الوجوب الغيري للأقلّ وعدمه ، تابع للوجوب النفسي للأكثر وعدمه فنفي وجوب النفسي للأكثر في معنى نفي الوجوب الغيري للأقلّ ، فالمعارضة إنما هي بين أصالتي عدم الوجوب النفسي بالنسبة إلى الأكثر والأقلّ ليست إلاّ.

وإن شئت قلت : إن الحادث الأصلي المردّد في المقام هو الواجب الشرعي المردّد بين الأقلّ والأكثر وإن استتبع واستلزم تردّده احتمال الوجوب الغيري بالنسبة إلى الأقلّ ، فالاحتمال المذكور تابع ومعلول للتردّد المذكور ، فلا يجري

٧٤

الأصل بالنسبة إليه حتى يعارض الأصل الجاري في الشكّ المتبوع فافهم وتأمّل ؛ فإن المقام حقيق بالتأمّل التام.

وإن قصد منه الثالث ، أعني : نفي الأكثر الشرعي المترتّب على الوجوب القدر المشترك الجامع بين الخصوصيّتين فلا ضير فيه ، إلاّ أن مثل هذا الأثر نادر جدّا. ومن هنا ذكر شيخنا قدس‌سره : أنه قليل الفائدة والجدوى ، لكنه على كل تقدير لا تعلّق له بالمقام ولا يمكن جعله من وجوه محل البحث كما هو ظاهر.

لا يقال : كيف لا ضير في الأصل المذكور لترتيب الأثر المزبور ولا قادح له مع أن الوجوب الثابت للأكثر على تقدير الثبوت ليس إلاّ الوجوب النفسي على ما هو المفروض فلا معنى لنفي وجوبه بالأصل إلا نفي الوجوب النفسي له والمفروض عدم جواز نفيه بالأصل كما مرّ.

لأنا نقول : الثابت في الواقع بالنسبة إلى الأكثر على تقدير وجوبه أمران : أحدهما : الخصوصيّة والشخص المعبّر عنه بالوجوب النفسي. ثانيهما : الحصّة المتحقّقة في ضمنها المعبّر عنه بالوجوب القدر المشترك. والمفروض إجراء الأصل في الثاني مع تجريد النظر عن الخصوصيّة وإن كانا متلازمين وجودا وعدما ، وليس حال نفي الجامع بالأصل إلا كحال إثباته بالأصل مع كونه ملازم للخصوصيّة في الخارج ، بل عينه بالنظر إليه كما ستعرف تفصيل القول فيه في استصحاب القدر المشترك في بابه ، هذا.

مع ما يقال : من أن نفي الوجوب النفسي لنفي الأثر المترتّب على الوجوب

٧٥

الجامع لا غبار فيه ، وإن لم يمكن نفيه من حيث الأثر المترتّب على نفيه لسلامته عن المعارض من الجهة الأولى ومعارضته من الجهة الثانية واستلزامه للحكم بوجوده وعدمه في زمان واحد لا ضير فيه إذا كان مبنى الحكمين على الظاهر كما في نظائره ممّا وقع في الشرعيّات كثيرا ، بل فوق حدّ الإحصاء فتأمّل (١).

(١٦) قوله قدس‌سره : ( ثم مما ذكرنا في منع جريان ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٢٥ )

أقول : لا يخفى أن جعل الوجه الثاني مقابلا ومغايرا لما تقدّم ضعفه ، محلّ نظر كما يشير إليه عند الجواب عن الوجوه المذكورة ، كما أن عدّه والوجه الرابع وجهان ، محلّ نظر أيضا ؛ لأن مبنى قاعدة الاشتغال هو وجوب دفع الضرر المحتمل.

ثمّ إن المراد من قوله في بيان الاستصحاب : ( بعد الإتيان بالأقلّ ) (٢) لا بدّ من أن يحمل على فرض كون الجزء المشكوك بحسب المحل آخر الأجزاء ، أو على التقدير ، فيكون من الاستصحاب التقديري والفرضي كما هو ظاهر.

(١٧) قوله قدس‌سره : ( فإن الأوّل مندفع ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٢٥ )

أقول : قد يراد بالمستصحب في استصحاب الاشتغال حكم العقل بوجوب

__________________

(١) وجه التأمّل : ان نفي الأثر المقصود المترتّب على الجامع ، نفي الخصوصيّة بالأصل إن كان مع نفي الجامع بالإلتزام فيرجع إلى الأصل المثبت ، وإن كان لا معه فلا معنى له بعد كون الأثر للجامع كما هو واضح. ( منه دام ظلّه العالي ).

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٢٦.

٧٦

الاحتياط ، وقد يراد به الأمر المنتزع من التكليف ، وقد يراد به نفس التّكليف. أعني : الوجوب الشرعي المتعلّق بالأمر الواقعي المردّد في نظرنا بين الأقلّ والأكثر.

ومراده في المقام : هو الأخير بقرينة قوله : ( بأن بقاء وجوب الأمر المردّد ... الى آخره ) (١) (٢) وما تقدم منع جريان الاستصحاب فيه من حيث عدم إمكان عروض الشكّ عليه هو الأوّل ، كما هو الشأن في جميع الأحكام العقليّة.

__________________

(١) نفس المصدر : ج ٢ / ٣٢٥.

(٢) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« مرجع ما ذكره إلى انه إن أريد باستصحاب الشغل إثبات عدم ارتفاع وجوب الأمر المردّد بالإتيان بالأقلّ ليترتب عليه وجوب الإحتياط بالإتيان بالإكثر.

ففيه : أن وجوب الأمر المردّد قبل الإتيان بأحد المشتبهين كان يقينا فهو حينئذ إذا لم يكن مقتضيا لوجوب الإحتياط فبعد الإتيان بأحدهما وحصول الشك فيه بطريق أولى ؛ لأن غاية ما يقتضيه الإستصحاب هو بقاء الأمر المجمل الواقعي وعدم ارتفاعه بالإتيان بالأقلّ وأما دلالته على وجوب إمتثال هذا الأمر المجمل فلا ، بل هو بمقتضى العقل المستقل بامتثال أحكام الشارع فإذا لم يجب الإحتياط مع القطع بوجود هذا الأمر المجمل فمع الشك بطريق أولى.

وإن أريد به إثبات وجوب الأكثر بالخصوص.

ففيه : انه لا يتم إلاّ على القول بالأصول المثبتة مع ما فيه كما نبّه عليه المصنّف رحمه‌الله.

أقول : ومع التسليم فهو معارض باستصحاب عدم جزئيّة الشيء المشكوك فيه » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٣٦٤.

٧٧

وأما الثاني ، فليس مرادا في المقامين ، وإن كان الحق عدم جريان الاستصحاب فيه أيضا بعد فرض كونه أمرا اعتباريّا منتزعا من التكليف كما هو ظاهر.

وبالجملة : الذي تقدّم في المتباينين عدم إمكان جريان الاستصحاب فيه هو المعنى الأول ، وأما المعنى الأخير فلم يكن له قادح عند شيخنا في المتباينين إلاّ أنه أصل مثبت كما عرفت شرح القول فيه.

والفرق بينهما لا يكاد أن يخفى : فإن الأول من الأحكام العقليّة والأخير من الأحكام الشرعيّة ولا يمكن إرادة المعنى في المقام ، وإن أغمضنا عما ذكرنا من عدم تصوّر الشكّ في الأحكام العقليّة ، ويمكن إرادته في المتباينين مع الغضّ عما ذكر لثبوت حكم العقل بوجوب الاحتياط والجمع بين المشتبهين في المتباينين فيشك في بقائه بعد الإتيان بأحدهما ، وثبوته في المقام عين المدّعى وهو وجوب الإتيان بالأكثر فتأمّل.

ثمّ إن ما أفاده في المقام في الجواب عن التمسّك باستصحاب الوجوب كما ترى ، يرجع إلى وجهين :

توضيح الوجه الأوّل في الجواب عن الاستصحاب

أحدهما : أن استصحاب الوجوب المردّد لا يترتّب عليه وجوب الإتيان بالأكثر بعد فرض عدم اقتضاء وجوده العلمي اليقيني له ؛ لأن معنى استصحاب

٧٨

الشيء ترتيب ما يترتّب عليه على وجوده العلمي في السابق ، والمفروض عدم اقتضاء نفس التكليف المردّد المعلوم قبل الإتيان بالأقل وجوب الأكثر وإلاّ ارتفع النزاع. وهو كما ترى ، يرجع إلى منع جريان الاستصحاب من جهة عدم ترتيب الأثر المقصود بالإثبات على المستصحب.

نعم ، على القول بجواز التعويل على الأصول المثبتة يمكن القول بجريان الاستصحاب المذكور لكي يثبت به كون الواجب المردّد هو الأكثر في مرحلة الظاهر.

لا يقال : كيف يثبت ذلك ويزعم به على القول المذكور مع أنه ليس مما يترتّب على المستصحب بالفرض فكيف يمكن ترتّبه بالاستصحاب؟

لأنا نقول : وجود اللاّحق للمستصحب يلازم وجوب الأكثر عقلا فهو من الأحكام العقليّة لوجوده اللاحق ، وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب وإلاّ اختلّ أمره بالنسبة إلى استصحاب الأمور المستقبلة فإن مبناه على ذلك.

فإن قلت : وجوب الأكثر المترتب على الوجود اللاحق للمستصحب ، أعني :

التكليف والوجوب حكم شرعي وليس حكما عقليّا ولازما عاديّا ولا مما يترتّب على المستصحب بتوسطها ، بل ترتّبه عليه ترتب أوّلي ، فكيف تجعله من الأصول المثبتة؟

قلت : أولا : إن المترتّب على بقاء الوجوب كون الواجب هو الأكثر

٧٩

لا وجوب الأكثر ، والحكم الشرعي إنّما هو الثاني لا الأول. والفرق بين المترتّبين كوضوح ترتّب الأول لا الثاني لا يكاد أن يخفى على من له أدنى مسكة.

وثانيا : إن وجوب الأكثر وإن كان حكما شرعيّا إلاّ أن ترتّبه على المستصحب ليس شرعيّا. وبعبارة أخرى : ليس من أحكامه الشرعيّة وإن كان حكما شرعيّا في نفسه ، والمعتبر في الاستصحاب : كون الأثر الشرعي من أحكام المستصحب شرعا. ومن هنا قلنا ـ في باب الاستصحاب كما ستقف على تفصيل القول فيه ـ : بأنه لا يترتّب على استصحاب الشيء ملزوماته الشرعيّة ؛ فإنها وإن كانت أحكاما شرعيّة بالنظر إلى أنفسها ، إلاّ أنها لما لم يكن من أحكام المستصحب شرعا لم ينفع استصحابه في إثباتها.

فإن قلت : قد ذكر شيخنا العلاّمة في باب الاستصحاب : أن المستصحب إذا كان أمرا شرعيّا وحكما جعليّا إلهيّا يترتّب على استصحابه جميع لوازمه من غير فرق بين لوازمه الشرعيّة وغيرها. والمفروض أن المستصحب في المقام شرعيّ ، فكيف يبتني اعتباره على اعتبار الأصول المثبتة؟

قلت : ما أفاده في باب الاستصحاب : من عدم الفرق بين الآثار في المستصحب الشرعي وإن كان مستقيما ، إلاّ أنه مختصّ بما إذا كان الأثر الغير الشرعي ممّا يترتّب واقعا على الحكم الشرعي بالمعنى الأعمّ من الظاهري الواقعي كوجوب الإطاعة عقلا المترتّب على إلزام الشارع من غير فرق

٨٠