بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-284-5
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩١

بعد إهمال المقدّمة حتى يقصر الوقت لاستناده إلى الاختيار ، وإلاّ لكان التكليف بحفظ النفس المحترمة مثلا بعد انفصال السهم والرمح والحجر مثلا من التكليف بالمحال.

والفرق بين صريح الخطاب وحكمه واضح ، فاجتماع الوجوب والحرمة في خروج الغاصب المختار ، وفي عمل المرتد الفطري لا مانع منه ، بخلاف الداخل في مكان الغير جهلا بالموضوع أو نسيانا أو جبرا ؛ فإنه لا إثم عليه ويصحّ صلاته دون القسم الأوّل ؛ فإن الظاهر عدم قبول توبته عند الخروج ، كما لا يقبل توبة الزاني حال النّزع فيعاقب على الإدخال والاستقرار والنّزع في وجه قويّ (١) ».

انتهى كلامه رفع مقامه.

ولا يخفى مخالفته لما ذكرنا في حكم المتوسّط في الأرض المغصوبة ، وأولى منه في الصحّة ما لم يكن هناك نهي ولا عقاب ، كالمأذون عن المالك في الصلاة في مكانه الذي غصبه الغير خلافا لبعض من توهّم بطلان صلاته ، بل بطلان صلاة المالك في الفرض أيضا : من جهة توهّم كون الغصب بما هو غصب من موانع الصّلاة.

كما أنه لو كان هناك نهي واقعا ولكن لم يتنجّز على المكلّف من جهة جهله بالموضوع ، أو نسيانه له ، أو جهله بالحكم ، أو نسيانه له ، مع كونه معذورا فيها لم

__________________

(١) كشف الغطاء : ج ١ / ١٦٩ وفي ( ط ق ) ٢٦.

٣٨١

يحكم بفساد العبادة أيضا ؛ لانتفاء النهي الفعلي ، وإن لم يكن هناك إباحة وترخيص عن الشارع بالنسبة إلى الفعل كناسي الموضوع ؛ فإن المانع هو النهي الفعلي ، فإذا انتفى يحكم بالصحّة ولا يكون الإباحة شرطا حتى لا يحكم بالصحّة في ناسي الموضوع ، خلافا لمن جعل الإذن والترخيص شرطا على ما يحكى عن العلامة.

وإن كان النهي موجودا واقعا مع تنجّزه على المكلّف يحكم بفساد العبادة ، كالجاهل بالحكم مع التقصير بقسميه ، والناسي للحكم مع التقصير ؛ فإنّ النهي موجود فيهما مع تنجّزه على المكلّف ؛ فإن الجهل بالحكم ، أو نسيانه لا يوجب سلب القدرة عن الفعل على ما عرفت.

وهذا المعنى وإن كان محلّ مناقشة عندنا على ما فصّلنا القول فيه في المسألة المذكورة وأشرنا إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة : من أن التضادّ بين الحكمين إنما هو بينهما بأنفسهما من غير فرق بين تنجّزهما وعدمه ، إلاّ أنه لا إشكال في صحة الابتناء بعد الإغماض عما في المبنى كما هو ظاهر.

ومن هنا قد يؤاخذ شيخنا قدس‌سره بقوله : « نعم ، يبقى الإشكال في ناسي الحكم ... إلى آخر ما ذكره » (١) ؛ فإن الظاهر منه ذهاب المشهور إلى القول بالصحّة في الناسي مطلقا وليس الأمر كذلك ، مع أنه قد يناقش فيما أفاده من الإشكال ؛ فإن الناسي إذا كان قاصرا لم يكن إشكال في صحّة عبادته ، وإن كان مقصّرا تاركا

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٢٠.

٣٨٢

لحفظ الحكم الذي تعلّمه بحسب تكليفه لم يكن إشكال في بطلان عبادته.

والإشكال في الصحة في ناسي الموضوع من جهة توهّم : كون الترخيص والإباحة شرطا في صحّة الصّلاة على ما عرفت الإشارة إليه ؛ والمفروض وجود الترخيص في ناسي الحكم مع عدم التقصير ، بخلاف ناسي الموضوع.

وممّا ذكرنا كله يعلم : أن حكم المشهور بالصحّة فيما حكموا بصحّة العبادة المتّحدة مع الغصب ليس من جهة كون حرمة الغصب تابعة للعلم بها شرعا ، بل من جهة ما عرفت : من انتفاء النهي الفعلي في بعض أقسام الجهل والنسيان ، وإن كان حكم العقل بالقبح تابعا للعلم بعنوان الغصب ، كما هو الشأن في سائر أحكامه في مواضع التحسين والتقبيح.

العلم بالحكم الشرعي ليس مقدّمة للوجوب ولا شرطا له

الثّالث : أنك قد علمت من مطاوي كلماتنا السابقة : أن العلم بالحكم الشرعي كما لا يكون مقدمة للوجوب وشرطا له ، كذلك لا يكون مقدّمة لوجود الواجب وشرطا له بالمعنى المعروف للمقدّمة ، وإن كان وجوب تحصيله إرشاديّا وللتوصّل إلى فعل الواجب وعدم فوته عن المكلّف ، ويشترك مع الأمر المتعلّق بالمقدّمة والواجب الغيري في كونه تبعا للأمر النفسي المتعلّق بالواجب ومعلولا لأمره.

وهذا بخلاف ما لو قيل بوجوبه النفسي ؛ فإنه من جهة ذاته وإن كانت

٣٨٣

الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا لتوجّه التكليف بالمعلومات إليه ، وعدم فوت مصالحها عنه ؛ فإن هذا المعنى لا ينافي الوجوب النفسي ، كما هو الشأن في كثير من الواجبات النفسيّة ، كالأمر بالمعروف ووجوب التبليغ والإرشاد وغير ذلك ، بل تمام الواجبات السمعيّة على ما تسالموا عليه : من كون وجوبها من حيث كونها ألطافا في الواجبات العقليّة ، فملاحظة الغير لا ينافي النفسيّة.

ثمّ على القول بوجوبه النفسي لا إشكال في ترتّب استحقاق العقاب على تركه من حيث هو ، وإن كان هناك استحقاق آخر على ترك المعلومات فيما لو فرض عدم معذوريّة المكلف في تركها. وأمّا على القول بوجوبه الغيري بالمعنى الذي عرفته فيمكن أن يلتزم باستحقاق العقاب على تركه على القول باستحقاق العقاب على ترك المقدّمة زائدا على الاستحقاق المترتّب على مخالفة الأمر المتعلق بذي المقدّمة المترتّبة على تركها. ويمكن القول بعدم استحقاق عقاب على تركه على هذا القول ؛ نظرا إلى كون وجوبه إرشاديّا محضا.

ثمّ إن لهم كلاما في بحث وجوب المقدّمة على القول بعدم تحقّق العقاب فيما أفضى تركها إلى ترك ذيها بحيث لا يقدر على فعله بإتيانها ، وهو : أن العصيان للمولى متقوّم حقيقة بترك المقدّمة ، وإن كان العقاب على مخالفة الأمر بذيها الحاصلة بتركها.

ثمّ على القول : بأن المعاقب عليه هو ترك ذي المقدّمة ، اختلفوا في زمان الاستحقاق ، وأنه هل زمان ترك المقدّمة ، أو ينتظر زمان ترك ذي المقدّمة فيما كان

٣٨٤

متأخّرا عن زمان ترك المقدّمة؟

والذي عليه المحقّقون : كون العقاب على ترك ذي المقدّمة عند ترك المقدّمة وإن تأخّر زمان ترك الواجب ، كما إذا ترك السفر مع الرّفقة الأخيرة إلى الحج من البلد النّائي مع العلم بعدم التمكّن من إدراك الحج في زمانه ؛ لحكم العقلاء بالاستحقاق ، وحصول المعصية عند ترك المقدّمة وإن تأخّر زمان فعل ذي المقدّمة من زمان المقدّمة ، فكلّما ينقطع الخطاب عن الواجب بسوء اختيار المكلّف يحكم فيه بالاستحقاق من غير ترقّب لزمان الفعل.

وحمل كلام صاحب « المدارك » على هذا المعنى ، أي : على القول باستحقاق العقاب على ترك الواجبات التي غفل عنها حين ترك التعلّم ـ مع كمال بعد إرادته عن كلامه ـ مبني على ما ذكرنا سابقا : من التزامه بتنجّز الخطاب بالواجبات عند الالتفات ، وانقطاع الخطاب عنها بسوء اختيار المكلّف بترك التعلّم.

وأبعد منه ما حكى شيخنا الأستاذ العلامة قدس‌سره عن بعض المحقّقين (١) : من حمل كلامه على إرادة استحقاق العقاب دائما على ترك المقدّمة : من حيث استناد العصيان إليه ، وإن كان مبنيّا أيضا على التزامه بما ذكرنا : من تنجّز الخطاب بالواجبات بمجرّد الالتفات ، وإلاّ لم يكن معنى للعصيان فتدبّر.

__________________

(١) يريد به المحقّق آغا جمال الخوانساري في حاشيته الشريفة على الروضة البهيّة : ٣٤٥.

٣٨٥

جملة من أحكام مقدّمة الواجب

الرّابع : أنه قد برهن في بحث وجوب المقدّمة : أن الوجوب التّبعي الغيري الثابت لها عند المحقّقين لا يعقل انفكاكه عن الخطاب المتعلق بذيها بعد الحكم بثبوت التلازم بينهما ، فهو تابع لثبوته على النحو الذي ثبت بمقتضى دليله ؛ فإن كان ثبوته على كلّ تقدير حكم بثبوته كذلك. وإن كان ثبوته على بعض التقادير حكم بثبوته على ذاك التقدير أيضا.

فكما أن المقدّمات الوجوديّة للواجب المطلق واجبة على وجه الإطلاق ، فكذلك المقدّمات الوجوديّة للواجب المشروط واجبة على وجه الاشتراط على النحو الذي يحكم بوجوب الواجب ؛ ضرورة أن الطلب على تقدير نحو من الطلب متحقّق من الطالب في مرتبته في مقابل عدمه رأسا ، وإن لم يتحقّق التقدير والشرط ؛ لأن صدق الشرطيّة لا يتوقّف على صدق الشرط ولا يتفاوت حالها بين صدقه وكذبه.

ومن هنا حكمنا بكون استعمال الواجب فيه حقيقة وإن كان لفظة كل من « الأمر » و « صيغته » ظاهرا عند الإطلاق في الواجب المطلق ؛ لعدم التنافي بين الأمرين أصلا ، كما فصّل في محلّه ، وقلنا ببقائه على الاشتراط بعد وجود شرط الواجب كقبله ؛ ضرورة استحالة الانقلاب في قبال من زعم صيرورته واجبا مطلقا بعد الوجود.

٣٨٦

ولذا أوردنا على من حكم في المسألة بخروج مقدّمات الواجب المشروط عن حريم البحث : بأنه تخصيص في غير محلّه بعد حكم العقل بالتلازم بين الأمرين ؛ لأنه قضيّة عدم انفكاك وجوبها عن وجوبه.

وعلى من استدلّ على بطلان التعليق في العقود بكونه منافيا للإنشاء ـ زعما منه : أن الإنشاء لا يحصل إلا بعد وجود الشرط والمعلّق عليه ـ بعدم التنافي بينهما ؛ لفساد الزعم المذكور.

نعم ، لا إشكال في كون شرط الوجوب خارجا عن حريم البحث ؛ ضرورة عدم إمكان اقتضاء الوجوب على تقدير إيجاب التقدير. ومن هنا حكمنا بعدم وجوب تحصيل الاستطاعة ومقدار النصاب. وذكرنا وذكروا : أن قبول هبة مقدار الاستطاعة غير لازم ، وفرّقوا بينها وبين البذل وإن كان الفرق غير نقيّ عن الإشكال كما فصّل في محلّه.

وهذا كلّه لا إشكال فيما التزم به غير واحد : من إيجاب فعل المقدّمة الوجوديّة للواجب المشروط قبل وجود شرط وجوبه بعنوان التنجّز ، بحيث يترتّب على ترك الواجب المترتّب على تركها ـ بعد وجود شرط الوجوب ـ عقاب فيما علم بعدم التمكّن من فعل المقدّمة بعد وجود شرط الوجوب ، مع العلم بأنه يوجد قهرا من غير اختيار المكلّف كالوقت.

ومن هنا حكموا بحرمة إتلاف الماء على المحدث بحدث الأكبر أو الأصغر قبل الوقت فيما علم بعدم التمكّن منه بعد دخول الوقت ، إلاّ فيما توقّف عليه حفظ

٣٨٧

النفس المحترمة ، بل التزم بعض : بأن الموقّت مطلقا يقتضي إيجاب مقدّماته الوجوديّة قبل الوقت من حيث إن تنجّز الوجوب في الآن الأوّل من الوقت يقتضي ذلك ، بل ربّما يقال بالتزام الكلّ به فيما كان الوقت بقدر الواجب ، كالصّوم الواجب في أوّل جزء من النهار إلى الليل.

ومن هنا اتفقوا على وجوب الغسل على المحدث بحدث الجنابة قبل الصبح ، وبوجوب نيّة الصّوم في الليل ، وبوجوب تعلّم القراءة قبل الوقت على من لم يحسنها إذا علم بعدم التمكّن منه بعد الوقت ، وهكذا.

وقد ضاق الأمر عليهم في هذه المواضع ووقعوا في حيص وبيص من جهة أن قضيّة تبعيّة وجوب المقدّمة لوجوب ذيها على ما عرفت كون ثبوت وجوبها على نحو ثبوته ، فلا معنى لتنجّزه مع عدم تنجّزه.

ومن هنا التجأ بعض أفاضل مقاربي عصرنا وزاد في بحث المقدّمة تقسيما غير ما هو المعروف من الأقسام ، وجعل الواجب المطلق قسمين منجّزا ومعلّقا وجعل الجميع الواجبات المشروطة بالأوقات من الواجب المعلّق ، والتزم بإطلاق وجوبها بالنسبة إلى الوقت ، وجعله مقدّمة وجوديّة محضة للواجب لا وجوبية ووجوديّة (١).

وتفصّى بعض : بأن الشرط هو الأمر الانتزاعي الاعتباري وهو حاصل قبل

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٧٩.

٣٨٨

تحقّق الوقت ، كما التزم به بعض في مسألة الإجازة على القول بالكشف الحقيقي.

وزعم بعض : بأن المتأخّر شرط في هذه الموارد وهو متحقّق فعلا في مرتبته فلم يتأخّر الشرط حتى يتوجّه الإشكال ، وقد مال إليه بعض الميل شيخنا قدس‌سره في بحث وجوب المقدّمة وأطال القول فيه (١) ، وإن لم يحصل من إفاداته ـ شكر الله سعيه ـ ما يطمئنّ به نفسي.

والمستفاد ممّا أفاده في « الكتاب » بقوله : « ويمكن أن يلتزم حينئذ : باستحقاق العقاب ... إلى آخره » (٢) (٣) ـ وفصّل الكلام فيه في بحث المقدّمة ـ :

__________________

(١) أنظر مطارح الأنظار.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٢٢.

(٣) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى ان في العبارة قصورا والمراد هو الإلتزام باستحقاق العقاب على نفس التكاليف ولو كانت مشروطة بسبب ترك التعلّم حسب ما يظهر من السوق وصريح ما ذكره من استقرار بناء العقلاء دليلا فيه ، وأشار قدس‌سره بقوله قدس‌سره : ( فتأمّل ) إلى أجنبيّة مثال الطومار عن المقام.

لكنك عرفت : ان الوجه في ذلك هو كون الشرط في الواجبات المشروطة ليس بشرط التكليف ، بل المكلف به ، فيكون نسبة الواجبات مطلقا ، مطلقها ومشروطها إلى المعرفة على نهج واحد ، فافهم واغتنم » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٧٣.

* وقال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« الظاهر انّ مراده حمل كلام المشهور على الوجه الأخير من الوجوه المتقدّمة المحتملة في

٣٨٩

__________________

كلامهم من الإلتزام بترتب عقاب الواجبات المشروطة حين ترك الفحص المفضي إلى تركها وإن كان ترك الفحص قبل زمان تحقّق شرط وجوبها.

وفي كلامه نوع مسامحة ؛ إذ لا بد حينئذ أن يقول : « عند ترك تعلم » بدل : « على ترك تعلّم ».

اللهم إلاّ أن يريد بترتّب العقاب على ترك التعلّم ترتّبه عليه من حيث إفضاءه إلى ترك التكاليف لا من حيث نفسه نظير قوله في توجيه كلام الاردبيلي رحمه‌الله : « فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضاءه ... إلى آخره ».

ثم إن الوجه فيما ذكره هو قبح تفويت المكلّف للخطابات الواقعيّة بسوء إختياره وإن لم تكن منجّزه حين تفويتها بشهادة بناء العقلاء كما ذكره من مثال الطومار.

وانت خبير بإمكان منعه ؛ إذ لو صحّ ذلك لوجب تحصيل شرائط الوجوب أيضا على فاقدها كالإستطاعة والنّصاب في الحج والزكاة ؛ لوضوح عدم الفرق بينها وبين شرائط تنجّزه كالعلم والإلتفات فيما نحن فيه ؛ إذ الباعث على بناءهم أنهم على تقبيح تفويت الواقع هو تفويت مصالح الواقع وهو مشترك الورود ، فكما يقبح ترك الفحص المؤدّي إلى عدم تنجّز التكليف بالحج بعد حصول الإستطاعة لأجل عروض الغفلة عن وجوبه كذلك لو ترك تحصيل الإستطاعة ممن قدر عليه ، أن شربت المرأة دواء صارت به حائضا وهو خلاف الإجماع مع ان ثبوت بناءهم على وجه يكشف عن حقّيّة ما بنوا عليه في الواقع على سبيل القطع أو عن تقرير المعصوم عليه‌السلام كذلك قابل للمنع.

نعم لا تبعد دعوى قبح تفويت الشرط فيما كان شرطا للفعل دون الوجوب كما في الواجب المعلّق على ما ذكره صاحب الفصول ، وإلاّ لزم لغويّة توجيه الخطاب قبل زمان الفعل فتأمّل.

٣٩٠

الالتزام بتنجّز الوجوب بالنسبة إلى المقدّمة في حكم العقل ، مع عدم تحقّق شرط الوجوب في الصورة المذكورة بشهادة العقلاء على الذّمّ بترك المقدّمة فيما فرض ، كما فيما ذكره من مثال الطومار ، وكلامه في « الكتاب » إن كان مطلقا لا بدّ من حمله على ما ذكرنا من الصورة.

ثمّ إن هذا لمّا كان نظريّا قابلا للنقض والإبرام منافيا لقضيّة التبعيّة الثابتة بحكم العقل لوجوب المقدّمة ـ وإن كان لا يخلو عن الوجه بعد كون الحاكم في المسألة العقل وكشف بناء العقلاء عنه على ما فصّلنا القول فيه في بحث المقدّمة ـ أمر قدس‌سره بالتأمّل فيه (١).

__________________

وأمّا ما ذكره من مثال الطومار فيمكن أن يمنع كون الذمّ فيه لتفويت الواجبات المشروطة قبل زمان تحقّق شرط وجوبها كما يظهر ممّا ذكرناه ولعلّه إلى ما ذكرناه أشار المصنّف رحمه‌الله بالأمر بالتأمّل » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٤٠٤.

(١) أقول : قد تقدم في التعليق السابق لصاحب الأوثق الوجه في أمره قدس‌سره بالتأمل فراجع.

* وقال سيّد العروة في ضمن كلام له في المقام :

« لا يخفى ان تفويت التكليف بمعنى إدخال النفس في موضوع يسقط به التكليف لا ينبغي الإشكال في جوازه كأن يختار السفر فرارا عن الصوم أو ينفق المال فرارا عن الزكاة والخمس والحج قبل تعلّق وجوبها ونحوها.

إنّما الإشكال في تفويت التكليف بمعنى تعجيز النفس عن توجه التكليف اليها كما مثل به صاحب الجواهر رحمه‌الله [ ج ٥ / ٨٦ ـ ٩١ ] : من تفويت كلا الطهورين قبل الوقت ، ولا يبعد دعوى

٣٩١

__________________

حكم العقل بقبحه ووجوب تحصيل مقدمات التكليف الكذائي سيّما الصلاة وسيّما اذا كان غرضه من ترك المقدمة هو الإحتيال لإسقاط الواجب.

والظاهر ان هذا وجوب عقلي غيري لا يتوقّف على فعليّة الخطاب ، بل يكفي فيه ترقّبه لا وجوب نفسي كما توهّم ، ومرادنا بالوجوب الغيري هاهنا كون تركه موجبا لعدم قبح العقاب على مخالفة الواجب الواقعي عند وجوبه في وقته ، وفي الحقيقة يرجع هذا إلى حكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل.

وسرّ الفرق بينه وبين القسم الأوّل : أن مصلحة المأمور به في القسم الأوّل مقيّدة بمحل الشرط ؛ فإن وجوب الصوم لا مصلحة فيه في السفر ، بل فيه مفسدة أوجبت الحرمة ، فإدخال النفس في موضوع المسافر لم يوجب تفويت مصلحة واقعيّة ، وهذا بخلاف القسم الثاني ؛ فإنّ مصلحة الصلاة أو إنقاذ الغريق من باب حفظ النفس المحترمة مطلقة ، إلاّ ان المكلّف لو عجز عن تحصيلها يقبح تكليفه فلا يطلب منه إحرازها فتفوت المصلحة عن ضرورة وإلجاء ، وإذا كان كذلك فلو تسبب المكلّف لتعجيز نفسه عن إدراك تلك المصلحة ولو قبل حصول شرط وجوبه عن اختيار يحكم العقل بحسن عقابه على فوات الواقع منه.

والحاصل : أنّ محلّ الإشكال يحتمل وجوها :

الأوّل : ان يحكم باستحقاق العقاب على تفويت الواجب المشروط قبل شرطه مطلقا ، ووجهه ما أشرنا اليه آنفا وهو الأوجه.

الثاني : عدم الإستحقاق مطلقا ، ووجهه ما ذكره في المتن في أوّل الكلام.

الثالث : الفرق بين ما علم إهتمام الشارع بشأنه كالصلاة ونحوها وبين غيره فلا يجوز التعجيز

٣٩٢

نعم هنا كلام في ابتناء حكم الجاهل المقصّر على ما ذكر على تقدير صحّته

__________________

في الأوّل دون الثاني.

الرابع : الفرق بين ما إذا كان غرضه من تعجيز نفسه الإحتيال للفرار عن التكليف وبين غيره فيعاقب في الأوّل دون الثاني.

هذا كلّه ، إذا لم نقل برجوع الواجبات المشروطة والموقته إلى الواجب المطلق المعلّق كما احتمله الماتن على ما حكي عنه وإلاّ فالأمر أوضح ؛ فإن المكلّف بناء على هذا الإحتمال إذا بلغ يتعلّق به جميع التكاليف الإلهيّة التي يبتلي بها طول عمره بمجرّد البلوغ والعقل ، وليس الوقت شرطا للوجوب ، بل هو زمان للعمل ، فتعجيز النفس قبل الوقت حاله حال ما بعد الوقت يتحقّق به المعصية باختيار سبب الفوات ، ولعلّ قوله : « فتأمّل » في آخر كلامه إشارة إلى بعض ما ذكرنا فتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٥١٠ ـ ٥١٣.

* وقال الشيخ الفاضل الكرماني قدس‌سره :

« لعلّه للإشارة إلى ان الجمع بين القول بكون وجوب التعلّم غيريا تبعا لوجوب الغير ، والقول باستحقاق العقاب على ترك التعلّم حين الترك يعني ترك التعلّم مع عدم تنجّز وجوب ما هو واجب له كالجمع بين المتناقضين بل نفسه ؛ لإن استحقاق العقاب عليه مع عدم وجوب الغير ملزوم كونه واجبا نفسيّا ، فكيف يجمع مع كونه واجبا غيريّا ، بل لا يتصوّر ذلك فضلا عن كونه صحيحا وعدم فرق العقلاء في مثال الطومار بين التكاليف المطلقة والمشروطة في توجّه الذم الإدّعاء.

وبالجملة : لا يصح لعاقل ان يعاقب عبده على تركه نصب السلّم للصعود على السطح قبل ايجابه الصعود عليه وذلك واضح » إنتهى.

أنظر حاشية رحمة الله الكرماني على الفرائد المحشّي : ٣٠٣.

٣٩٣

على ما يستفاد من « الكتاب » ؛ حيث إنك قد عرفت : أن الجهل بالحكم لا يوجب سلب القدرة عن الفعل مطلقا ، وإنّما يوجب سلب القدرة عن الامتثال فيما إذا فرض عروض الغفلة عن الحكم ، ففي هذه الصورة الخاصة إذا كان الواجبات المشروطة من العبادات ، وعرض للجاهل الغفلة عن الحكم ، أو اعتقد عدمه قبل وجود شرط الوجوب ، كان حكمه مبنيّا على ما ذكر لا مطلقا.

ولكن يمكن أن يقال ـ علي القول بوجوب تحصيل العلم نفسا على المكلّف ـ : إنه يجب عليه تعلّم ما كان محلاّ لابتلائه وحاجته لا مطلقا ، فلا يجب على غير المستطيع تعلّم أحكام الحجّ على هذا القول أيضا ، فلا مدفع للإشكال على هذا القول أيضا فتأمل.

إذا عرفت ما ذكرنا لك من الأمور لم يبق لك إشكال في فهم المراد مما أفاده شيخنا قدس‌سره في هذا المقام ، فلا يحتاج إلى ذكر كل جزء منه والإشارة إلى المراد منه إن شاء الله تعالى.

(٧٩) قوله قدس‌سره : ( وأمّا المعاملات فالمشهور فيها ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٤٢٢ )

__________________

(١) قال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« ما ذكره من أن العبرة بمطابقة الواقع أو مخالفته حق إذا انكشف الواقع بطريق العلم سواء وقعت المعاملة عن اجتهاد أو تقلييد أو عن جهل ، وكذا لو وقعت عن جهل ثم انكشف حالها بالظن الإجتهادي او التقليد الصحيح ، وأمّا إذا وقعت المعاملة عن إجتهاد أو تقليد صحيح من

٣٩٤

__________________

حين وقوعه ثم تبدّل رأي المجتهد أو عدل المقلّد إلى مجتهد يخالف رأيه لرأي من قلّده أوّلا في تلك المعاملة ، فالحق ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب من عدم نقض آثار المعاملة السابقة نعم ، لا بد من إيقاع مثل تلك المعاملة بعد التبدّل على رأيه الثاني دون الأوّل.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى وهي انكشاف الواقع بالقطع واضح ؛ لأن الأثر إنما يترتّب على المعاملة الصحيحة الواقعيّة ، والأمارة الشرعيّة لو كانت إنّما تعتبر بدلا عن الواقع ما دام مجهولا ، على أنّ مؤدّاها الواقع ، فلمّا علم عدم مصادفتها الواقع كشف عن أنّ مؤدّاها لم يكن حكما شرعيّا بناء على كون اعتبارها من باب الطريقيّة على ما هو التحقيق.

وأمّا الفرق بينها وبين الصورة الثانية وهو ما لو وقعت المعاملة عن جهل ثم انكشف حالها بالظن الإجتهادي أو التقليد حيث قلنا فيها بترتيب أحكام تلك المعاملة على طبق الظن الإجتهادي اللاحق أو التقليد اللاحق أنه في حال الجهل لم يكن ما أوقعه من المعاملة مبنيّا على حجّة شرعيّة واجبة الإتباع من حين وقوعه ، فإذا حصلت الحجّة الشرعيّة من الظن الإجتهادي أو التقليد لوحظ كونها موافقة أو مخالفة لها وتبنى عليه ، وهذا بخلاف ما لو أوقعها مبنيّة على إجتهاد أو تقليد صحيح ، فإنه حجّة شرعيّة يجب اتّباعها ما لم يظهر خلافها.

ودعوى : انه قد ظهر خلافها حيث تبدّل رأيه وبنى على أنّ رأيه السابق كان باطلا.

مدفوعة : بأن دليل حجّيّة مذهبه اللاحق وهو الإجماع والآيات والأخبار ، كما انه يدل على حجّيّة رأيه اللاحق كذلك يدلّ على حجّيّة رأيه السابق في زمانه على نسق واحد لم يخرج رأيه السابق عن تحت عمومه بالنسبة إلى الزمان السابق وإن كان لا يجوز العمل به الآن بالنسبة إلى الوقائع الآتية بعد تبدّل الرأي ، وهذا نظير المجتهدين المختلفين في الرأي في

٣٩٥

حكم المعاملات وافتراقها عن العبادات فيما تقدّم

أقول : مراده قدس‌سره من العبادة : المعنى الظاهر منها عند الإطلاق ، وهو ما يتوقّف وجوده على مذهب الصّحيح ، أو صحّته على مذهب الأعمّي على قصد التقرّب والامتثال. وهذا هو المعنى الأخصّ عندهم ، كما أن المراد من المعاملة ما يقابله ، فيشمل الأقسام الثلاثة. أي : العقود ، والإيقاعات ، والأحكام.

__________________

عصر واحد وزمان واحد ؛ فإنّ كلاّ منهما وإن كان يخطّيء صاحبه بحسب ظنّه لكنّه يحكم بحجّيّة ظنّه في حقّه وحقّ مقلّده كما يحكم بحجّيّة ظنّ نفسه لنفسه ومقلّديه من غير فرق.

فإن قلت : قضيّة حجّيّة ظنّه اللاحق تنافي ترتيب الآثار على ظنّه السابق حتى بالنسبة إلى المعاملات السابقة على الظن اللاحق ؛ لأن مؤدى هذا الظن أنّ الحكم الواقعي كذلك أزلا وأبدا ولا معنى لحجّيّته إلاّ ترتيب آثار الواقع على هذا المظنون مطلقا سواء كان متعلّقا بالأعمال السابقة على هذا الظن أو بالأعمال اللاّحقة.

قلت : نعم ، وكذلك قضيّة حجّيّة ظنّه السابق تنافي ترتيب الآثار على ظنّه اللاحق حتى بالنسبة إلى المعاملات اللاحقة فيتعارضان ويجمع بينهما باختصاص كل منهما بزمانه دون الآخر ؛ لعدم إمكان العكس أو غير ذلك من الإحتمالات لعدم الترجيح ، وهو من قبيل المتعارضين اللذين يطرح ظاهر كلّ منهما بنص الآخر وتتمة الكلام موكولة إلى محلّها من مسألة الإجزاء وباب الإجتهاد والتقليد وكتاب القضاء من الفقه فتبصّر » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٥١٣.

٣٩٦

فالمعاملة ـ التي نتكلّم في حكمها إذا صدرت من الشاكّ من حيث الحكم الوضعي ، أعني : الصحّة والفساد ـ هي ما يقابل العبادة بالمعنى الأخصّ ، ولمّا كانت المعاملة بهذا المعنى ممّا لا تصرّف للشارع فيه أصلا ، وإنّما هو موضوع خارجيّ وفعل إنشائي للمكلّف ، أو غير إنشائي تعلّق به الحكم الشرعي ، فهو موضوع حقيقة للحكم الشرعي غاية ما هناك : أن الشارع اعتبر في ترتيب حكمه عليه شروطا ، فإن كانت موجودة ، يحكم بترتّب الآثار الشرعيّة عليه ، وهذا معنى صحّته. وإن لم يكن موجودة بل كانت المعاملة فاقدة لها يحكم بعدم ترتّب الآثار الشرعيّة عليها ، وهو معنى فساده.

وهذا هو المراد بما اشتهر في الألسنة : من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة لألفاظ المعاملات وإنّما اعتبر الشارع في ترتيب الآثار عليها شروطا ، وإن الحكم الشرعي في العقود والإيقاعات يرجع إلى الإمضاء ، أي : يتعلّق بالموضوع الإنشائي العرفيّ ؛ فإنه لا يعقل معنى للإمضاء ، إلاّ ذلك.

بل منه يعلم : أن ما ذكره المحقّقون : من عدم جريان البحث في الصحيح والأعمّ في ألفاظ المعاملات ـ وإن لم يكن النّزاع مبنيّا على ثبوت الحقيقة الشرعيّة ؛ لأن ابتناءه على استعمال اللفظ في المعنى الشرعي ـ ممّا ليس محلاّ للإنكار ، والمفروض عدم المعنى الشرعي لألفاظ المعاملات.

فعلى هذا لو كانت المعاملة الصادرة من المكلّف واجدة للشرائط الشرعيّة وموضوعا للحكم الشرعي ، لزمها تعلّق الحكم الشرعي به من غير فرق بين كون

٣٩٧

الفاعل في زمان إيجاده معتقدا بوجود الشرط ، أو معتقدا بعدمه ، أو شاكّا فيه.

وإن لم يكن واجدة لها لم يكن معنى لتعلّق الحكم الشرعي به في نفس الأمر وإن اعتقد الفاعل وجودها ، فضلا عمّا إذا كان شاكّا فيه. وهذا معنى كونها من قبيل الأسباب للأمور الشرعيّة ؛ لأنّ ترتّب المسبّب على السبب لا يعقل الفرق فيه بين كون المكلّف معتقدا بسببيّته وبين كونه معتقدا بعدمها ، ألا ترى أنّ وجود النار يؤثّر في الإحراق وإن لم يعتقد المكلّف تأثيرها ، أو اعتقد عدم تأثيرها أو اعتقد عدم وجودها؟ وهكذا الأمر في المعاملات بالنسبة إلى ما يترتّب عليها من الأحكام والآثار الشرعيّة ، فلا معنى لاعتبار قيام الطريق على كونها واجدة للشرائط في تأثيرها في نفس الأمر. ومن هنا ذكرنا سابقا : أنّ الاكتفاء بالاحتياط فيها اتّفاقي مع الخلاف الشائع في الاكتفاء به في العبادات.

ويترتّب على ما ذكرنا ما أفاده : من أن العبرة في الصحّة والفساد في المعاملات على مطابقة الواقع ومخالفته ، فلو تبيّن بعد صدور المعاملة من الشاكّ أنها كانت واجدة للشرائط لزم الحكم بصحّتها من حين وجودها من أوّل الأمر ، بل قد عرفت : أنه لو اعتقد عدم وجودها ثم تبيّن وجودها لزم ترتّب الآثار عليها من أوّل الأمر ، فإذن لا معنى لدخل الاجتهاد والتقليد فيها أصلا.

نعم ، ما دام المكلّف باقيا على شكّه في وجود الشرائط المعتبرة لا بدّ من أن يبني في مرحلة الظاهر على عدم وجود ما هو الموضوع للآثار الشرعيّة وعدم وجود الشرائط المعتبرة ، ويترتّب ما كان يترتّب قبل إيجاد هذه المعاملة ، وهذا

٣٩٨

معنى البناء على الفساد عند الشكّ في المعاملات.

فالشاك وإن كان مكلّفا في الظاهر ما دام شاكّا على البناء على الفساد من حيث عدم طريق له للحكم بصحّة المعاملة ، إلاّ أنّ الحكم بالفساد في مرحلة الواقع مراعى بعدم عثوره على ما هو طريق بنفسه ، أو بجعل الشارع من الطريق الاجتهادي أو التقليد يقتضي الصحّة ، أو عثوره على ما يقتضي الفساد.

فإذا عثر عليه يبنى على مقتضاه من حين الوقوع ؛ ضرورة كونه مفاد الطريق وإن كان ظنّا كما ستقف على شرح القول فيه من غير فرق في ذلك بين أقسام المعاملات ، فلو ترتّب معاملات على فعله مثل أن باع ما اقتصر في ذبحه على قطع الحلقوم مع الشك في كفاية ذلك في التذكية في حكم الشارع حكم بفساد بيعه في مرحلة الظاهر وكان حكمه الواقعي مراعى وهكذا.

لا يقال : كيف يحكم في حق الشاك قبل الفحص بأصالة الفساد ولزوم الرجوع إليها مع أنها أصل في الشبهة الحكميّة ـ ومن شرطه الفحص مطلقا من غير فرق بين أصالة البراءة وغيرها من الأصول الحكميّة سوى أصالة الاحتياط على ما اعترفت به سابقا ـ؟

لأنا نقول : عدم جواز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص إنّما هو من جهة رعاية الواقع المحتمل ولذا جاز الرجوع إلى الاحتياط مطلقا ، ومعنى أصالة الفساد : الحكم بعدم ترتّب الآثار لرعاية احتمال عدم وجود السّبب ، ففيه رعاية للواقع فتأمل.

٣٩٩

ولعلّه لم يتعرّض شيخنا قدس‌سره لحكم الأصل المذكور من حيث توجّه السؤال المزبور ، ويمكن أن يكون الوجه في عدم تعرّضه له عدم كونه مقصودا بالبحث ؛ فإن كلامه إنّما هو في إثبات كون الصحة الواقعيّة تابعة للواقع. وأمّا بيان حكمه الظاهري من حيث التكليف فليس مقصودا بالكلام.

وتوهّم : أن المعاملة إذا كانت من قبيل الإنشاء كما في العقود والإيقاعات لا يمكن أن يتحقّق من الشاك في الصحّة كما يوهمه كلام بعض من تأخّر.

فاسد جدّا ؛ ضرورة أن الإنشاء من فعل المنشي وهو إنّما يوجد بإنشائه المطلب الإنشائي الذي لا تعلّق له بالشرع ولا يريد بإنشائه إيجاد الحكم الشرعي حتّى يوجب الشكّ فيه منع تحقق الإنشاء منه كما أوضحناه لك سابقا. بل قد عرفت : أنه قد يتحقق الإنشاء من الفاعل مع (١) القطع بالفساد في حكم الشارع.

نعم ، لو شكّ في تحقّق ما هو المعتبر في تحقّق الإنشاء عرفا حكم بمنعه عن الإنشاء فضلا عما إذا قطع بعدم تحقّقه فلو قيل : بأن ملكيّة المنشي معتبرة في إنشاء التمليك عرفا ، كما أن أصل الملكيّة معتبرة فيه جزما لم يتحقّق إنشاء التمليك مع عدم مالكيّة المنشي ، إلاّ إذا بنى في نفسه على مالكيّته. ومن هنا قيل بفساد بيع الغاصب بحيث لا يفيده إجازة المالك كما بنى عليه الأمر في « الرّياض » (٢) ، وقلنا

__________________

(١) في نسخة الفرائد المحشى : « مع بعد القطع » والصحيح ما ذكرناه.

(٢) لم نجده في الرياض في مظانّه وانظر مستند الشيعة : ١٤ / ٢٧٩.

٤٠٠