بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-284-5
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩١

الغاية وهي العلم بالتكليف ، لا الفحص عن الإلزام حتى يرجع بعد اليأس عنه إلى البراءة ، فهذا الوجه أجنبيّ عن المقام أصلا ورأسا ، بل هو قادح ومضرّ بالمدّعى كما لا يخفى.

لأنّا نقول : المعلوم بالإجمال وجود الواجبات والمحرّمات فيما بأيدينا من الأدلّة بحيث يعلم بالوقوف عليها بعد الفحص عنها فيها لا وجودهما في الواقع كيف ما اتّفق ؛ لأن العلم به إنّما حصل من ملاحظة الأدلّة ، فلا يجوز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص عن الحكم الإلزامي في مضامين الأدلّة ؛ لاحتمال الاطلاع عليه بعد الفحص فيها ، وأمّا بعد الفحص فلا مانع من الرجوع إليها كما هو واضح.

لا يقال ـ بعد تخصيص المعلوم بالإجمال بما ذكر ـ إن حصل من الفحص العلم بعدم تعلّق الحكم الإلزامي بالواقعة التي تفحص عن حكمها فلا معنى للرجوع إلى البراءة فيها ، وإن لم يحصل العلم منه بعدم تعلّقه بل كان المكلّف شاكّا في حكم الواقعة المذكورة ، فلا معنى للرجوع إلى البراءة أيضا ـ بعد كون الواقعة من أطراف العلم الإجمالي ، وإلاّ جاز الرجوع إليها قبل الفحص أيضا وهو خلف ، فيرجع الأمر إلى ما ذكرنا : من عدم كون الوجه المذكور من وجوه المدّعى بل هو قادح فيه.

لأنا نقول : الرجوع إلى البراءة بعد الفحص فيما بقي بعده شكّ ، إنّما هو من جهة الاحتمال الخارج عن أطراف العلم الإجمالي ، فالفحص إنّما يوجب خروج الواقعة عن أطراف العلم الإجمالي ، لا العلم بعدم تعلّق الحكم الإلزامي بها في

٣٦١

نفس الأمر حتى يخرج عن مورد البراءة.

هذه غاية ما يقال في تقريب الاستناد إلى الوجه المذكور في المقام ، ولكنّه كما ترى ، غير نقيّ عن المناقشة جدّا.

أمّا أوّلا : فلأن العلم بوجود الواجبات والمحرّمات في الوقائع المشتبهة كيف يقيّد بالقيد المذكور على تقدير تسليمه بعد استثناء المعلومات التفصيليّة؟ إذ لا شاهد للتقييد المذكور أصلا ، على تقدير تسليم استناد العلم إلى الأدلّة ، مع أنه لا معنى له أصلا ؛ إذ ليس مفاد كل ما دل على وجوب شيء أو حرمته إلاّ تعلق الحكم الإلزامي به بالخصوص ، فكيف يحصل العلم الإجمالي من ملاحظة الأدلّة الحاكية عن الأحكام التفصيليّة فيها علم إجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات بين الوقائع من غير مدخل للتمكّن من الوصول إليها بعد الفحص؟

ومن هنا يدّعى العلم الإجمالي بوجودهما مع القطع بانسداد باب العلم والظن الخاصّ إليهما على ما عرفت شرح القول فيه في الجزء الأول من التعليقة ، فهذا العلم حاصل لكل أحد من غير فرق بين الحالات والأزمنة والأمكنة.

وأمّا ثانيا : فلأن الوجه المذكور على تقدير الإغماض عن المناقشة السّابقة أخصّ من المدعى جدّا ؛ لأنّه إنّما يقتضي وجوب الفحص قبل الوقوف على ما يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيه من الواجبات والمحرّمات التفصيليّة ؛ لرجوع الشكّ بعد الاطّلاع عليه إلى الشكّ الغير المقرون بالعلم الإجمالي ؛ فإن المعلوم بالإجمال إذا كان مردّدا بين الأقلّ والأكثر لم يؤثّر العلم بالنسبة إلى الزائد

٣٦٢

على الأقلّ حسبما عرفت في محلّه ، فلا مقتضى للفحص بعده على تقدير الاستناد إلى الوجه المذكور.

ومن هنا أوردنا على القائل بوجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة الحكميّة ـ استنادا إلى العلم الإجمالي بوجود المحرّمات الكثيرة بين الوقائع المحتملة للتحريم ـ بعد النقض بالشبهة الوجوبيّة : إن هذا الوجه إنّما يقتضي وجوب الاحتياط على تقدير تماميّته قبل الاطلاع على ما يحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فيه من المحرّمات التفصيليّة لا بعده ، فهو أخصّ من المدّعى فلا يجوز الاستناد إليه في الموضعين.

نعم ، هنا كلام آخر قد أشرنا إليه عند الكلام في حكم الشبهة التحريميّة.

وحاصله : أن عدم جواز الاستناد إلى الوجه المذكور في الموضعين ـ لما عرفت من الوجه ولغيره مما أشرنا إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ وإن كان ممّا لا غبار فيه أصلا ، ولا ينبغي الارتياب فيه جزما ، إلاّ أنه لا بدّ من معالجة العلم الإجمالي لمن يريد الرجوع إلى الأصول في مجاريها المنطبقة على موارد العلم الإجمالي عند من يجعله مانعا من الرجوع إليها في أطرافه ، إذا فرض عدم حصول العلم التفصيلي بالمقدار المتيقّن من المعلومات الإجماليّة بعد الرجوع إلى الأدلّة العلميّة.

وقد ذكرنا العلاج على طريقة كلّ من القائلين بالظنّ الخاص والظنّ المطلق ، وأنّه بعد قيامهما على تعيين المقدار المتيقّن منها يكون في حكم العلم التفصيلي به

٣٦٣

فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في موارد فقدهما ، وذكرنا أيضا ما يتوجّه عليه من المناقشة فيما قدّمناه في الجزء الأوّل من التعليقة وفي هذا الجزء فليراجع إليه.

(٧٤) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إن في حكم أصل البراءة كل أصل عمليّ خالف الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٤١٦ )

أقول : لا ينبغي الارتياب في قيام الإجماع على اشتراط الفحص في الرجوع إلى غير الاحتياط من الأصول في الشبهات الحكميّة ، سواء خالفت الاحتياط : بأن كان مفادها نفي الحكم الإلزامي ، أو وافقته : بأن كان مفادها إثباته تعيينا أو تخييرا ، بل هو مقتضى أكثر الوجوه المتقدّمة إن لم يكن مقتضى جميعها ، فالأولى في تحرير المقام أن يذكر بدل قوله : « خالف الاحتياط » « غير الاحتياط » وإن أمكن إرجاعه إلى ما يطابقه بتمحّل بعيد.

(٧٥) قوله قدس‌سره : ( أمّا الأول : فلعدم المقتضي للمؤاخذة عدا ما يتخيّل ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٤١٦ )

في الإشارة إلى كيفيّة اعتبار العلم وحجّيّته

أقول : العلم في نفسه وإن كان خلقا كريما يستقلّ العقل بحسنه الذاتي كالشرع ، وقد تواترت به الأخبار والآثار من النبي المختار والأئمة الأطهار « صلوات الله عليهم أجمعين » إلاّ أنّ وجوب تحصيله بالنسبة إلى الأحكام الفرعيّة

٣٦٤

على كل مكلّف ـ في حكم الشارع ـ إنّما هو من باب الإرشاد والطريقيّة ، كحكم العقل بوجوبه بالنسبة إليها كيلا يفوت منه الواقع ، وإن كانت له جهة نفسيّة كفائيّة من حيث حفظ الأحكام عن الاندراس وإن كان الغرض منه التعليم وإرشاد الجاهلين.

وهذا المعنى وإن كان خلاف ظاهر جملة مما ورد فيه في باديء النظر ، إلاّ أنّه يعلم إرادته من ملاحظة مجموع ما ورد فيه سيما ما ورد في تفسير قوله تعالى :

( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (١) وقد تقدّم نقله في « الكتاب » فلا بد من صرف ما يظهر منه خلافه ، وقد تقدّم منّا شطر من الكلام في وجوه مطلوبيّة العلم وعنواناته في الجزء الأوّل من التعليقة فلا نعيد القول فيه.

كما أنه تقدّم الكلام من شيخنا الأستاذ العلامة قدس‌سره ومنّا في قبح التجرّي أيضا وأن الذمّ فيه يرجع إلى الفاعل لا إلى الفعل حتى في التجرّي على المعصية مع العلم فضلا عن الاحتمال الذي لا يعذر فيه الفاعل.

وأمّا ما ذكره الشيخ وأبو المكارم وغيرهما « قدّس الله أسرارهم » : « من أن الإقدام على ما لا يؤمن كونه مضرّة في حكم العقل كالإقدام على ما يعلم فيه المضرّة (٢) » فهو صحيح لا ريب فيه أصلا في الجملة ، إلاّ أن حكم العقل بعدم جواز

__________________

(١) الأنعام : ١٤٩.

(٢) عدّة الأصول : ج ٢ : ٧٤٢ ـ ٧٤٣ والغنية ( الجوامع الفقهيّة ) ٤٨٦.

٣٦٥

الإقدام على محتمل الضرر الأخروي ووجوب دفعه حكم إرشاديّ صرف ، لا يترتّب على مخالفته وموافقته غير الضرر المحتمل على تقدير ثبوته وعدمه على هذا التقدير ، بل الأمر كذلك في الضرر الأخروي المقطوع ، بل حكم الشارع فيهما أيضا لا يمكن إلاّ أن يكون إرشاديا.

وليس مراد الشيخ ومن وافقه من القضية المذكورة إلاّ ما ذكرنا : من إثبات أصل حكم العقل بعدم جواز الإقدام ، فينفع في الحكم بعدم المعذوريّة على تقدير ثبوت الضرر في نفس الأمر. وأين هذا من الحكم باستحقاق المؤاخذة على مجرّد مخالفة الحكم المذكور؟

نعم ، يثمر في تحقّق التجري ؛ فإن الجاهل لو كان معذورا في مخالفة الواقع لم يتحقّق في حقه التجرّي ، بخلاف ما لو لم يكن معذورا ، هذا إذا أريد من الضرر ما يتعلّق بالآخرة كما هو الظاهر.

وإن أريد منه الضّرر الدنيوي وإن لم يكن له تعلّق بالمقام على هذا التقدير : فيتوجّه عليه ـ بعد تسليم الصغرى والكبرى مع تطرق المنع إليهما في الجملة ـ : إن حكم العقل في المحتمل منه أيضا إرشاديّ لا يترتّب على مخالفته عقاب ، وهذا بخلاف حكمه في المقطوع ؛ فإنه وإن كان إرشاديّا أيضا كما هو الشأن في جميع أحكامه ، إلاّ أنه مستتبع لحكم شرعيّ مولويّ والفرق بينهما ظاهر فتأمل.

فلا بدّ أن يكون مراد الشيخ قدس‌سره وتابعيه أيضا من المقايسة إثبات أصل الحكم لا كيفيّته ، هذا مع إمكان أن يقال : إن الإقدام على الضرر المعلوم إذا فرض

٣٦٦

خطأ العلم لا يكون حراما شرعيّا إلاّ على القول بحرمة التجريّ هذا. وقد مضى شرح الكلام فيما يتعلّق بتحرير المقام في مطاوي كلماتنا السّابقة سيّما في الجزء الأوّل من التعليقة عند الكلام في الاستدلال على حجيّة مطلق الظنّ بقاعدة دفع الضرر المظنون فليراجع إليه.

وممّا ذكرنا كله يظهر لك : أن ما أفاده شيخنا قدس‌سره غير واف بالمراد فليته حرّر المقام بمثل ما حرّرناه.

(٧٦) قوله قدس‌سره : ( وأما الثاني : فلوجود المقتضي ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٤١٧ )

أقول : بعد إثبات شرطية الفحص في الرجوع إلى البراءة ، وعدم جواز الاستناد إليها قبل الفحص ، لا يبقى هنا محلّ للتكلّم في معذوريّة الجاهل التارك للفحص العامل بالبراءة مع مخالفة عمله للواقع ؛ ضرورة منافاة معذوريّته في مخالفة الواقع مع فرض تركه الفحص الواجب عليه بالمعنى المتقدّم ، فلا ينبغي تحرير الكلام في إثبات عدم المعذوريّة والفرض هذا كما لا يخفى.

بل التحقيق : الحكم باستحقاقه للمؤاخذة على مخالفة الواقع المجهول على القول بوجوب تحصيل العلم نفسا أيضا ؛ لأنه لا ينكر شرطية الفحص في العمل بالأصل في الشبهة الحكميّة ، وإن قال بوجوب تحصيل العلم نفسا أيضا ؛ لعدم التّنافي بين وجوب الشيء لنفسه وشرطيّته لشيء آخر ، كغسل الجنابة على مذهب بعض الأصحاب.

٣٦٧

نعم ، لا بدّ من قيام الدليل على الشرطيّة على مذهبه ، غير ما دلّ على وجوب تحصيل العلم المحمول عنده على الأمر النفسي ، وإن لم يجامع عندنا مع جواز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص على ما أسمعناك سابقا ، فيستحقّ على مذهبه عقابان : أحدهما : على مخالفة الواقع. ثانيهما : على ترك التعلّم ، اللهم إلاّ أن يقول باختصاص وجوب تحصيل العلم نفسا بصورة العلم بالتمكّن من تحصيل العلم بحكم الواقعة ، فيفترق مع اشتراط الفحص في العمل بالأصل ، فيقول هنا بمقالة المشهور فتأمل.

(٧٧) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أن معقد الإجماع تساوي الكفار ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٤١٨ )

أقول : قد عرفت : أن عدم معذوريّة الجاهل في مخالفة الواقع بعد البناء على اشتراط الفحص من القضايا التي قياساتها معها ، فلا يحتاج إلى الاستدلال بالإجماع المذكور وبغيره ، إلاّ أن الاستدلال به أيضا لا غبار عليه بعد تعميم كلامهم لما يشمل الجاهل البسيط ، ولو بفحوى حكمهم بالمؤاخذة في الجاهل المركّب من الكفار.

والوجه في ذلك : أن الإجماع المذكور ليس كالإجماع على مشاركة المعدومين مع الموجودين في التكليف ، أو مشاركة الغائبين مع الحاضرين فيه حتى يقال : بأن مرجعه إلى إثبات الكبرى ، فإذا شكّ في مورد فيما كان حكما في أصل الشرع وتكليفا للمخاطبين من جهة الشكّ في شرطيّة شيء للتكليف والحكم الكلّي الإلهي ، لم ينفع الإجماع المذكور ولا غيره من أدلّة الاشتراك في رفع الشكّ

٣٦٨

المزبور أصلا ، بل لا بدّ من التماس دليل آخر ؛ فإنه إجماع على المؤاخذة مع فرض جهلهم ، فينا في شرطيّة العلم في استحقاق المؤاخذة.

نعم ، لا ينافي شرطيّة أمور أخر في التكليف الإلهي على المسلم والكافر كالاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا.

(٧٨) قوله قدس‌سره : ( وقد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه المحقق الأردبيلي ). ( ج ٢ / ٤١٨ )

نقل كلمات المقدّس الأردبيلي وصاحب

المدارك قدس‌سرهما في مسألة العلم

أقول : وقد مال إلى القول بكون العلم واجبا نفسيّا بعض الميل المحقّق المحشّي في بحث مقدمة الواجب ، ولكن لم يعلم من كلامهم معذوريّة الجاهل البسيط في مخالفة الواقع على ما هو المقصود بالبحث في المقام ؛ فإن الجاهل المركّب والغافل لا يتصوّر في حقّه الرجوع إلى البراءة ، فالبحث معهم في مسألة أخرى ، كما أن بحثهم في وجوب تحصيل العلم بحكم الله تعالى.

وأمّا تحصيل العلم بإتيان المأمور به في الخارج بعد العلم به فهو خارج عن محل كلامهم ؛ فإن كون وجوبه إرشاديّا صرفا وعقليّا محضا وكذا حال مقدّمته ليس محلاّ لإنكار أحد. فهنا مسائل فالتكلم في المسألة الثانية إنّما هو من جهة جر

٣٦٩

الكلام إليها هذا. ولكن يمكن تعميم البحث بالنسبة إليها بأن يقال : إن الجاهل البسيط غير معذور في مخالفة الواقع قبل الفحص وإن عرض له الغفلة بعد الشكّ.

ودعوى : تعميم كلامهم للشاكّ من جهة إطلاق السّهو والغفلة في جملة من الأخبار وكلماتهم في باب الشكّ في الصلاة على الشكّ كما في قوله : « ألا أجمع لك السهو كله في كلمتين؟ متى شككت فابن علي الأكثر » (١).

بعيدة جدّا بل فاسدة جزما ؛ لإباء التعليل المذكور في كلماتهم عن الحمل المذكور ؛ لأن تكليف الشّاك بالواقع ليس تكليفا بما لا يطاق ، فالأولى نقل كلامهم حتى يتضح حقيقة مرامهم.

قال في « المدارك » ـ في مسألة الإخلال بإزالة النجاسة في الصلاة ذاكرا لها ـ ما هذا لفظه :

« إن إطلاق كلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في العالم بالنّجاسة بين أن يكون عالما بالحكم الشرعي أو جاهلا ، بل صرّح العلامة وغيره ، بأن جاهل الحكم عامد ؛ لأن العلم ليس شرطا في التكليف. وهو مشكل لقبح تكليف الغافل ، والحقّ : أنهم إن أرادوا ـ بكون الجاهل كالعامد ـ : أنه مثله في وجوب الإعادة في الوقت مع الإخلال بالإعادة فهو حقّ ؛ لعدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء التكليف تحت

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ / ٣٤٠ ـ ح ٩٩٢ ، عنه الوسائل : ج ٨ / ٢١٢ باب « وجوب البناء على الأكثر عند الشك في عدد الأخيرتين ... إلى آخره » ـ ح ١.

٣٧٠

العهدة. وإن أرادوا : أنه كالعامد في وجوب القضاء فهو على إطلاقه مشكل ؛ لأن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل ، فإن ثبت مطلقا أو في بعض الموارد ثبت الوجوب ، وإلاّ فلا. وإن أرادوا : أنه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل ؛ لأن تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق. نعم ، هو مكلّف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل والشرع فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول كما هو واضح » (١) (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو كما ترى وعرفت ، آب عن الحمل على المعنى الشامل للجهل البسيط ؛ لأن تكليف الجاهل البسيط بما هو جاهل به ليس تكليفا بما لا يطاق حتى لو أريد منه التكليف بامتثاله ؛ فإن الأمر بعنوان الاحتياط ـ ولو ندبا ـ متعلّق بالشاك

__________________

(١) مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام : ج ٢ / ٣٤٤.

(٢) قال في الذخيرة بعد نقل ما عرفته من المدارك :

« وبالجملة : الظاهر أن التكليف متعلّق بمقدّمات الفعل كالنظر والسعي والتعلّم ، وإلاّ لزم تكليف الغافل ، أو التكليف بما لا يطاق ، والعقاب يترتّب على ترك النّظر ، لكن لا يبعد ان يكون متضمّنا لعقاب التارك مع العلم.

ولا يخفى انه يلزم على هذا أن لا يكون الكفّار مخاطبين بالأحكام وإنّما يكونون مخاطبين بمقدمات الأحكام وهذا خلاف ما قرّره الأصحاب وتحقيق هذا المقام من المشكلات ، والغرض الفقهي متعلّق بحال الإعادة والقضاء وهما ثابتان في المسألة المذكورة بعموم الأخبار السابقة » إنتهى. ذخيرة المعاد : ١٦٧.

٣٧١

إجماعا ، مع أنه لا فرق في امتناع التكليف بما لا يطاق بين التكليف الوجوبي والندبي ، بل التحقيق ـ كما برهن عليه في محلّه مع وضوحه ـ : امتناع تعلّق الإباحة بغير المقدور.

نعم ، امتثال التكليف من الغافل به محال وإن كان ذات الفعل مقدورا وإن لم يكن الاستحالة المذكورة مفيدة في المقام.

نعم ، يمكن القول بشمول كلامه للمقام مع الالتزام بخطأه في الاستدلال ، وإن هو إلاّ نظير استدلال السيّد أبو المكارم على البراءة في الشبهة الحكميّة : بأن التكليف مع الجهل تكليف بما لا يطاق (١). وقد تقدّم مع توجيهه وتضعيفه في كلماتنا السابقة.

وأمّا كلام المحقّق الورع الأردبيلي قدس‌سره في تلك المسألة فليس له صراحة فيما نسبه شيخنا قدس‌سره إليه ، فلعلّه أخذه من موضع آخر (٢) قال في « شرح الإرشاد »

__________________

(١) غنية النّزوع إلى علمي الأصول والفروع ( الجوامع الفقهيّة ) ٤٦٤.

(٢) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« قال المقدّس الأردبيلي في شرح الإرشاد : [ مجمع الفائدة والبرهان : ج ٢ / ١١٠ ]

( واعلم أيضا أن سبب بطلان الصلاة في الدار المغصوبة مثلا هو النهي عن الصلاة فيها المستفاد من عدم جواز التصرف في مال الغير ، وأن النهي مفسد للعبادة ، فلا تبطل صلاة المضطرّ ولا الناسي ، بل ولا الجاهل ؛ لعدم النهي حين الفعل ولأن الناس في سعة ما لا

٣٧٢

في مسألة الصلاة مع النجاسة : « وإن كان جاهلا بالمسألة فقيل : حكمه حكم العامد وفيه تأمّل ؛ إذ الإجماع فيه غير ظاهر ، والأخبار ليست بصريحة في ذلك ، والنهي الوارد بعدم الصلاة مع النجاسة أو الأمر الوارد بالصلاة مع الطهارة المستلزم له غير واصل إليه ، فلا يمكن الاستدلال بالنهي المفسد للعبادة ؛ لعدم علمه به ، ولما هو المشهور من الخبر : « النّاس في سعة ما لم يعلموا » (١) وما علم شرطيّة الطهارة في الثوب والبدن مطلقا حتى ينعدم بانعدامه ، مع أن الإعادة يحتاج إلى دليل جديد.

إلاّ أن يقال : إن وصل إليه وجوب الصلاة واشتراطها بأمور ، فهو لغفلته مكلّف بالتفحّص والتحقيق والصلاة مع الطهارة. وقالوا : شرط التكليف إمكان العلم ، فهو مقصّر ومسقط عن نفسه بأنه لم يعلم ، فلو كان معذورا للزم فساد عظيم في الدين فتأمل ؛ فإن هذه من المبطلات ولا يبعد الإعادة في الوقت من غير كلام

__________________

يعلمون وإن كان في الواقع مقصرا ومعاقبا بالتقصير ولعلّ قول المصنّف ; : ( وإن جهل ) المراد به عدم علمه بالبطلان لا التحريم وان كان ظاهر كلامه غير ذلك وفهم من غير هذا المحلّ ) إنتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

وهو صريح في كون الجاهل المقصّر معاقبا من جهة ترك الفحص والسؤال » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٤٠٠.

(١) عوالي اللئالي : ج ١ / ٤٢٤ ـ ح ١٠٩ عنه مستدرك الوسائل : ج ١٨ / ٢٠ باب : « ان من فعل ما يوجب الحد جاهلا بالتحريم لم يلزمه شيء من الحد » ـ ح ٤.

٣٧٣

فتأمّل » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وتمسّكه برواية السعة وإن كان كما ترى إلاّ أنه يكشف عن كون محلّ كلامه هو الجاهل المتردّد ولا معنى للحكم بصحّة عمله كما هو ظاهر وربّما يستظهر من هذا الاستدلال كون مراده تقييد دليل الشرائط والأجزاء بالعلم وهو أيضا كما ترى.

ثمّ إنه أوضح الفريد البهبهاني عدم قبح تكليف الجاهل في المقام في هامش « المدارك » : بأنه ليس حال هذا المكلّف إلا حال عبد أعطاه سيّده طومارا وقال أمرتك فيه بأوامر لو تركتها عاقبتك على كل واحد واحد وكذلك نهيتك عن أمور ولا يفتح العبد الطومار ولا يعتني بشأنه استنادا إلى أني جاهل بما في الطومار وتكليف الجاهل قبيح (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في الردّ على ما ذكره في « المدارك » من التكليف بما لا يطاق بعد ذكر وجوه : « على أنه لو تمّ ما ذكره لزم أن لا يكون الكفار مكلفين بالفروع ، على ما ذهب إليه بعض العامة (٣) وشنّع عليه باقي العامّة وجميع الخاصّة ، والخاصة مطبقون على تكليفهم بها (٤). انتهى كلامه رفع مقامه وجزاه الله وجميع المشايخ وعلمائنا عن الإسلام خير الجزاء.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان : ج ١ / ٣٤٢.

(٢) حاشية المدارك : ج ٢ / ٢٤٠.

(٣) بدائع الصّنائع : ج ٢ / ٥ و ٦٩.

(٤) حاشية المدارك : ج ٢ / ٢٤٠.

٣٧٤

الحكومة بين رأي المشهور ومختار الأردبيلي ومن تبعه

ثمّ إن تنقيح القول في المقام وتوضيحه بحيث يرفع غواشي الأوهام عن تمام ما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس‌سره في الحكومة بين قول المشهور وقول صاحب « المدارك » وشيخه قدس‌سرهما ، أو توجيه أحدهما بحيث يرجع إلى الآخر فيرفع الخلاف من البين يتوقّف على رسم أمور ، وإن كان النّاظر الراجع إلى مجامع ما قدّمنا في هذا الجزء والجزء السابق من التعليقة يقف عليها ولو على سبيل الإجمال.

ثبوت الحكم التكليفي في نفس الأمر

غير منوط بالعلم به

الأوّل : أن ما أنشأه الشارع من الأحكام التكليفيّة الخمسة ثبوته في نفس الأمر لا يمكن أن يكون منوطا بالعلم به ، وإلاّ لزم الدور الظاهر. وكذا تنجّزه وفعليّته الذي هو من شؤونه ومراتبه بحسب حكم العقل ليس مشروطا بالعلم به ، بل نفس الالتفات إليه موجب لتنجزه.

ومن هنا حكمنا وحكموا بوجوب الفحص على الجاهل بالحكم الملتفت إليه ، وعدم كونه معذورا في مخالفة الواقع ، من غير فرق في ذلك بين القول بكون

٣٧٥

وجوب تحصيل العلم وطلبه نفسيّا كما سبق إلى بعض الأوهام (١) ، أو للوصلة إلى الواقع وحفظه عن الفوت أحيانا على تقدير عدم الأخذ به ـ على ما عرفت تحقيقه ـ فيصرف ما دلّ بظاهره على خلافه ، أو يحمل على العقائد على تقدير إبقائه على ظاهره ؛ فإن قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار : « طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة » (٢) لا يجامع بظاهره أكثر الأخبار الدالة على كونه مطلوبا للعمل في الفروع ، وما دلّ من الأدلّة القاطعة على مشروعيّة التقليد والعمل بالطرق الغير العلميّة في الأحكام الفرعيّة.

لما عرفت : من أن القول بكون العلم واجبا نفسيّا لا يستلزم معذوريّة الجاهل قبل الفحص في مخالفة الواقع ، فما أفاده العلامة وغيره « قدس‌سرهما » :

« من عدم اشتراط التكليف بالعلم » ممّا لا محيص عنه. كما أنه لا فرق في ذلك بين الشاكّ والجاهل المركّب والغافل إذا فرض عروض الجهل والغفلة بعد الالتفات والتقصير. وأما إذا فرض عروضهما قبل الالتفات أو بعده وقبل التقصير فالتكليف لا يتنجّز معه وإن كان موجودا في نفس الأمر فيهما ، كالشكّ بعد الفحص واليأس.

نعم ، يفترقان عنه في عدم إمكان تحقّق الامتثال معهما مطلقا وإمكانه معه

__________________

(١) كما مرّ من ميل صاحب الهداية اليه.

(٢) لم نجد الخبر بهذا اللفظ والموجود في المجاميع كالكافي الشريف : ج ١ / ٣٠ باب « فرض العلم ووجوب طلبه والحث عليه » ـ ح ١ هكذا : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، ألا إن الله يحب بغاة العلم ».

٣٧٦

كذلك ، هذا بالنسبة إلى نفس الأحكام الشرعية التكليفيّة ، وأما موضوعاتها الاختراعيّة فربّما يكون وجودها الخارجي في العبادة من المكلّف موقوفا على تعلّمها كالقراءة الصحيحة مثلا ؛ فإنها متوقّفة على تعلّمها فتحصيل العلم مقدّمة وجوديّة لها في العادة ، لكنّه لا تعلّق له بالمقام أصلا ، كما لا يخفى.

فقد تبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أن العلم ليس شرطا في التكليف أصلا ، لا في تحقّقه في نفس الأمر ، ولا في تنجّزه على المكلّف ، ولا في امتثاله ؛ لأن نفس الالتفات كاف في التنجز ، وإمكان الامتثال ما دام موجودا وإن لم يمكن الامتثال مع عروض الغفلة ، لكن تنجّزه لا يرتفع إذا كان عروضها من سوء اختيار المكلّف هذا بالنسبة إلى نفس التكليف.

وأمّا ما يعتبر في عبادة جزءا وشرطا أو مانعا فلا معنى لارتباط اعتباره بالعلم بالحكم ، واعتباره وفساد العبادة الخالية عنه أيضا سواء كان دليله من قبيل الجملة الخبريّة كقوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (١) و « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (٢) أو الجملة الطلبيّة الإنشائيّة ولو قيل بعدم توجّه الخطاب بالصّلاة

__________________

(١) الفقيه : ١ / ٥٨ ـ ح ١٢٩ ، والتهذيب : ١ / ٤٩ باب « آداب الأحداث الموجبة للطهارة » ـ ح ٨٣ ، وكذا الإستبصار : ١ / ٥٥ باب « وجوب الإستنجاء من الغائط والبول » ـ ح ١٥ ـ عنها الوسائل : ١ / ٣١٥ باب « وجوب الإستنجاء وإزالة النجاسات للصلاة » ـ ح ١.

(٢) غوالي اللئالي : ١ / ١٩٦ وج ٢ / ٢١٨ وج ٣ / ٨٢ ، عنه مستدرك الوسائل : ٤ / ١٥٨ « باب وجوب قراءة الفاتحة في الثنائية وفي الأوّليتين من غيرها » ـ ح ٥.

٣٧٧

المشتملة على الجزء مثلا بالجاهل به أو الغافل عنه ؛ فإنه لا يثبت الأمر بالخالية عنه.

ومن هنا التزم صاحب « المدارك » واعترف بوجوب الإعادة على من صلّى في النجاسة جاهلا بحكم الإزالة ، وأمّا الحكم بصحّة صلاة الجاهل بحكم الجهر والإخفات ، أو المتمّم في السفر جهلا بالحكم فليس من جهة كون العلم بالحكم مأخوذا في الموضوع كما قال به علم الهدى فيما سيجيء من كلامه ، بل من جهة ما ستقف عليه ممّا لا ينافيه ، وكذا الحكم بصحّة صلاة الجاهل بحكم الغصب في الجملة ليس من جهة كون حرمة الغصب تابعة للعلم بل من جهة ما سيجيء الإشارة إليه أيضا. وهذا كلّه مما لا يعتريه ريب إن شاء الله تعالى ، ومنه يظهر النظر في مواضع من كلام صاحب « المدارك ».

مانعيّة شيء للعبادة أو شرطيّة عدمه لها

الثّاني : أنا قد ذكرنا لك سابقا في طي الكلام فيما يتعلّق بالأقلّ والأكثر : أنه قد يحكم بمانعيّة شيء للعبادة ، أو شرطيّة عدمه لها : من جهة تعلّق النهي النفسي بعنوانه المتّحد مع العبادة في الخارج أحيانا كالغصب ؛ فإنه قد يتّحد مع العبادات من الصّلاة والغسل والوضوء وغيرها ، فيحكم من جهة تحريمه على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي بشرطيّة إباحة المكان واللباس والماء ونحو ذلك ، فيحكم بفسادها لكن لا مطلقا بل في الجملة.

٣٧٨

وتوضيح ذلك : أن الغاصب في ضمن العبادة المتّحدة معه في الخارج : إمّا أن يكون عالما بالموضوع والحكم معا ذاكرا لهما حال العبادة ، أو يكون جاهلا بالموضوع وإن كان عالما بالحكم ، أو يكون جاهلا بالحكم مع العلم بالموضوع ، أو يكون ناسيا للموضوع مع الالتفات إلى الحكم ، أو يكون ناسيا للحكم مع الالتفات إلى الموضوع. ثم الجاهل بالحكم : إما أن يكون بسيطا أو شاكّا ، أو يكون جاهلا مركّبا ، ويلحق به الغافل كمال يلحق بالجاهل بالموضوع الغافل عنه. وكل من الجاهل بالحكم بأقسامه والناسي له : إمّا أن يكون قاصرا أو مقصّرا فهذه صور المسألة لا تزيد عليها بحيث توجب اختلاف الحكم وإن زادت أصل الصّور على ما ذكر.

أمّا الصورة الأولى : فلا ينبغي التكلم في حكمها بعد القول بامتناع الاجتماع وتقديم النهي واقتضائه الفساد على ما فصّل في محلّه.

وأما الجاهل بالموضوع : فقد اتّفقوا على القول بصحّة عبادته مطلقا.

وأمّا ناسي الموضوع : فالمشهور على صحّة صلاته ، وخالف فيه العلامة قدس‌سره وبعض من تأخّر عنه.

وأمّا جاهل الحكم : فالذي يظهر من كلماتهم التفصيل في الحكم بالصحّة والفساد فيه بين القاصر والمقصّر سواء كان جاهلا بسيطا أو مركّبا ، وإن كان في كلام بعضهم : إطلاق القول بالفساد ولو مع القصور.

٣٧٩

وأمّا ناسي الحكم فحكمه عندهم حكم الجاهل بالحكم بقسميه. والوجه في هذا التفصيل : هو بناؤهم في مسألة امتناع الاجتماع على كون المزاحم للأمر الغير المجامع معه للتضادّ هو النهي الواقعي المنجّز على المكلّف ، فلو لم يكن هناك نهي واقعا ـ وإن كان الفعل مما يعاقب عليه ويكون مبغوضا ويوجد فيه جهة النهي ـ لا يحكم بفساد العبادة.

ومن هنا حكموا بصحّة صلاة المتوسّط في المغصوب في حال الخروج ، وبصحّة غسل المرتمس في الماء المغصوب إذا قصده حال إخراج البدن عن الماء ، إلى غير ذلك فيما إذا فرض كونه عاصيا بالغصب ؛ لانتفاء النهي واقعا : من جهة امتناع الجمع بين فعل الشيء وتركه ، فيمتنع تعلّق الخطاب بهما ، وإن كان السبب سوء اختيار المكلّف ـ على ما برهن عليه في محلّه ـ فيعاقب على تفويت التكليف الذي تمكن من امتثاله.

وإن خالف فيما ذكر فقيه عصره قدس‌سره في « كشفه » قال قدس‌سره ـ في بحث مقدمة الواجب في مقدمات الكتاب ـ ما هذا لفظه :

« ثمّ المقدمة من شرط أو رفع مانع يتعلّق بهما الوجوب قبل دخول وقت الغاية موسّعا حتى تضيق وقتها ؛ لأن خطاب المعلّق كخطاب المنجّز ما لم يقم دليل على الخلاف كما في الطهارة. وأمّا المشي إلى الحجّ وغسل الصوم الواجب فيتعلّق الوجوب بهما على وفق القاعدة قبل دخول الوقت ، وخصّ نسبة الاستطاعة وتأهّب القافلة وتخصيص الليل في شهر رمضان للدليل ، ولا يلزم تكليف بالممتنع

٣٨٠