بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-284-5
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩١

وأمّا الرواية الثانية : فهي متكفّلة لبيان حكم العبادات المستحبّة عند تعذّر بعض أجزائها أو شرائطها على تقدير حملها على الأخبار ، وأمّا على تقدير حملها على الإنشاء كما استظهره قدس‌سره فسبيلها سبيل الروايتين كما هو ظاهر.

(٦٣) قوله قدس‌سره : ( فنقول : إن الأصل فيها ما مرّ في الأجزاء ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٩٥ )

أقول : لا يخفى عليك أن حق التحرير في المقام أن يقول : إن الأصل فيها ما مرّ : من الرجوع إلى البراءة أو الاستصحاب على الوجهين ، فيرجع إليه إذا لم يكن لدليل المشروط إطلاق يرجع إليه ، أو كان له إطلاق لا يرجع إليه من جهة إطلاق دليل الشرط ، فإنه لا يرجع إلى الأصل في الصورتين ؛ فإن ما أفاده بقوله : « من كون (١) دليل الشرط ... إلى آخره ) (٢) لا يمكن أن يجعل بيانا للأصل ، إلاّ أن يجعل المراد من الأصل الأصل الثانوي المستفاد من دليل المشروط فلا بدّ أن يعتدّ بالأصل الثانوي.

(٦٤) قوله قدس‌سره : ( وأمّا الثانية ، فلاختصاصها كما عرفت سابقا ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٩٥ )

أقول : قد عرفت : أن الثبوت في الجملة كاف في صدق الرواية بناء على حملها على الإنشاء والمشروط كان واجبا عند التمكّن من شرطه بالوجوب

__________________

(١) كذا والصحيح : ( من أن دليل الشرط ... إلى آخره ).

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٩٥.

٣٠١

الغيري أو القدر المشترك ، وإن كان واجبا بالوجوب النفسي من حيث كونه مشروطا وهذا المقدار كاف ، مع أنه لم يعلم المراد من الاختصاص الذي أفاده.

فإن كان المراد من المقتضي للثبوت : هو الدليل عليه ، فلا بدّ من أن يحمل الرواية على ما إذا كان لدليل المشروط ظهور : من عموم أو إطلاق يقتضي ثبوته مع تعذّر الشرط بشرط عدم ظهور الدليل الشرط يقتضي شرطيّته مع التعذّر أيضا.

وإن كان المراد منه : المصلحة المقتضية لإيجابه مع تعذّر الشرط ، فلا يعلم به مع قطع النظر عن إعلام الشارع حتّى في تعذّر الجزء كما هو ظاهر.

وإن كان المراد منه : ما أرادوا منه في باب الاستصحاب : من اختصاصه عند جمع من المحققين ، منهم : شيخنا قدس‌سره بما إذا كان المقتضي موجودا في الزمان اللاّحق ووقع الشكّ في بقاء المستصحب : من جهة الشكّ في رافعه.

ففيه : أن المقتضي بهذا المعنى غير متحقّق حتى في تعذّر الجزء.

وإن كان المراد : اتحاد ما حكم بثبوته سابقا ولاحقا ، فإن أريد الإتّحاد بحسب الدقّة العقليّة فهو غير متحقّق في المقامين مع ملاحظة اعتبار المتعذّر في السابق ، وإن أريد بالإتّحاد بحسب العرف ولو مسامحة فهو غير مطّرد في الموضعين ، وهذا هو المراد ظاهرا كما يكشف عنه قوله : « ولكن الإنصاف جريانها في بعض الشروط ... إلى آخر ما أفاده » (١).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٩٥ ، أقول : وللمحقق الهمداني هنا تعليقة لا تخلو من فائدة ، أنظر

٣٠٢

(٦٥) قوله قدس‌سره : ( وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام صاحب الرياض ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٩٦ )

نقل كلام صاحب الرّياض وما يرد عليه

أقول : لا بدّ من نقل كلام السيّد قدس‌سره في « الرياض » حتى يبيّن مرامه ، ويظهر توجّه ما أفاده شيخنا قدس‌سره عليه وعدمه ، قال فيه ـ ما هذا لفظه ـ :

« ولو تعذّر السدر والكافور كفت المرّة بالقراح عند المصنّف وجماعة ؛ لفقد

__________________

حاشيته على الفرائد : ٢٧٩.

(١) قال المحقق الشيخ رحمة الله الكرماني قدس‌سره :

« يعني مما ذكرنا من الفرق في المشروط ـ بين ما كان الفاقد للشرط هو الواجد له بالمسامحة العرفيّة كالصّلاة الفاقدة للساتر بالنسبة إلى الواجدة له فيجري فيه قاعدة الميسور وبين ما كان الفاقد له مباينا للواجد حتى في نظر العرف كالرّقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة ؛ فإنهما أمران متباينان ولا يكون مما يتسامح فيه العرف ، فلا يجري فيه القاعدة ـ يظهر ما في كلام صاحب الرّياض حيث بنى وجوب غسل الميّت بماء القراح بدل ماء السدر عند تعذّره على ماء السدر الذي تعلّق به الحكم هو من قبيل المركّب الخارجي فيجب الغسل بماء القراح بقاعدة الميسور ، أو من قبيل التقييد فلا يجري فيه القاعدة أيضا ، لأنه ممّا يتسامح فيه العرف ، فيكون الماء القراح ميسور ماء السدر ، ولا يذهب عليك ان هذا كلام على ما فهمه من الكلام وفيه الف كلام » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّي : ٢٩٦.

٣٠٣

المأمور به بفقد جزئه ، وهو كذلك إذا دلت الأخبار على الأمر بالمركب وليس كذلك لدلالة أكثرها وفيها الصحيح وغيره على الأمر بتغسيله بماء وسدر ، فالمأمور به شيئان متمايزان وإن امتزجا في الخارج ، وليس الاعتماد في إيجاب الخليطين على ما دل على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصّة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه ، وبعد تسليمه لا نسلّم فوات الكلّ بفوات جزئه بعد قيام المعتبرة بإتيان الميسور وعدم سقوطه بالمعسور » (١) (٢). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل ج ٢ / ١٥٣ ط جماعة المدرسين وج ١ / ٣٦٤ ط آل البيت.

(٢) قال المحقّق الخراساني قدس‌سره :

« وظاهره على ما لا يخفى انه بنى أوّلا وجوب الغسل بالماء القراح بدل ماء السدر ، على ان الواجب هاهنا أمران مستقلاّن حيث تغسيله في الأخبار بشيئين :

الماء والسدر ، وليس من قبيل ما إذا كان الواجب أمرا مركّبا بفقد جزءه ثم منع على تقدير تسليمه ذلك من فقدان المركّب بفقدان جزءه لمكان قاعدة الميسور ولا يخفى انه لا يرد عليه إلاّ ان توهّمه ان الواجب في الأمر بالتغسيل بالماء والسدر شيئان فاسد ؛ فإن الواجب ليس إلاّ شيئا واحدا وهو الغسل ، ومتعلّقه أيضا واحد مقيد أو مركّب من شيئين ممتزجين.

نعم ، لو كان مفاد قوله عليه‌السلام : « إغسله بماء وسدر » إغسله بماء واغسله بسدر كان الواجب شيئين وليس كما هو واضح ، ومن المعلوم انه لا مدخليّة في توجيه ذلك عليه ، لما حقّقه في قاعدة الميسور من جريانها في الأجزاء والشرائط وعدم اختصاصها بالواجبات المتعدّدة

٣٠٤

وأنت خبير : بأن ظاهره كون التكليف بجعل السدر في الماء أو الكافور فيه

__________________

التي جمعها خطاب واحد ، أو مع عمومها للمركّب من أجزاء خارجيّة حسب ما لا يخفى على المتأمل ، فليتأمّل » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٦٩.

* وقال السيد عبد الحسين اللاري قدس‌سره :

« وفيه : انه لا فرق بين العبارتين ، أي : بين ان يقال : « إغسله بماء السدر » وبين « إغسله بماء وسدر » أو « ليكن في الماء شيء من السدر » ؛ لأن التكليف بإدخال السدر إمّا نفسي أو مقدّمي لأجل التوصّل بحصول الغسل بماء السدر أو إرشادي إلى أنّ المراد من الأمر بالغسل المطلق هو المقيّد بماء السدر والأوّل باطل ؛ لاستلزامه إجزاء الغسل بماء القراح بدلا عن الخليط ، وإن عصى بترك الخليط عند التمكّن منه ـ كما هو الشأن في سائر التكاليف النفسيّة المستقلّة ؛ حيث انّ ترك أحدها لا يقدح في امتثال الآخر ، بل واستلزامه إجزاء القاء السدر والكافور على الميّت عند تعذّر الماء ، بل وعند التمكّن منه ـ غاية الأمر تحقّق العصيان مع الإمكان ـ واللوازم كلّها باطلة ، فالملزوم مثلها ، وعلى الأخيرين يكون المكلّف به واحدا لا متعدّدا على كلّ من عبارتي الغسل بماء السدر والغسل بماء وسدر.

ويمكن الجواب عن بطلان اللوازم المذكورة : بانه من مقتضى الدليل الخارج فلا يقتضى بطلان اللازم بطلان الملزوم ؛ ضرورة الفرق الواضح بين خواص الغسل بالماء القراح وبالقاء السدر والكافور على الميّت ، فمطلوبيّة الغسل بالماء القراح نفسا لا يستلزم مطلوبيّة السدر والكافور نفسا وعدم مطلوبيّة السدر والكافور وحده لا يستلزم عدم مطلوبيّة الماء القراح وحده » إنتهى. أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ٤٥٣.

* أقول : وللمحقق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي هنا تعليق طويل لا بد من اغتنام مراجعته أنظر أوثق الوسائل : ٣٩١ ـ ٣٩٢.

٣٠٥

تكليفا مستقلاّ لا أن يكون تكليفا غيريّا متعلّقا بجزء المركب المأمور به ، فإذا تعذّر امتثال أحد التكليفين لم يسقط التكليف الآخر.

وهو كما ترى ، لا تعلّق له بما حكاه شيخنا قدس‌سره عنه واستفاده من كلامه ؛ فإنه في مقام الردّ على المصنف وجماعة القائلين : بأن الغسل بماء السدر من التكليف بالمركّب فقد تعذّر جزؤه فينتفي أصل التكليف ، وهو كما عرفت صريح في ذلك سيّما بملاحظة قوله : « وبعد تسليمه ... إلى آخره » (١).

والالتزام في المقام بالتكليفين المستقلين وإن كان بعيدا بل خلاف إجماعهم ظاهرا. مضافا إلى عدم إمكان الأمر بالغسل بالسدر مستقلاّ ؛ لعدم إمكان تحقّق مفهوم الغسل بدون الماء ، إلاّ أن كلامه قدس‌سره كالصريح في ذلك إن أغمضنا عن صراحته فيه ، وليس في كلامه كما ترى احتمال التقييد في قبال الجزئيّة على تقدير تسليمه ، بل هو صريح في الجزئيّة كما يستفاد من قوله : ( وبعد تسليمه ... إلى آخره ) (٢).

فهو يسلّم عدم الدليل على الغسل بماء القراح بدل السدر لو لا المعتبرة ، والأمر كذلك ؛ لعدم ثبوت الجزئيّة من الدليل الخارج حتى تفرض هناك مطلق ومقيّد يعتبر تقييده بحال التمكّن ويرجع إلى المطلق عند تعذّره ، بل التقييد استفيد

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

٣٠٦

من نفس الأمر الوارد بالغسل بالماء ، فلا يفرض هناك إطلاق حتى يتوجّه عليه : أن الأمر بالمقيّد لما كان غيريّا فاختصاصه بحال التمكّن يكشف عن اختصاص الأمر بذي المقدّمة بحال التمكن أيضا ، وإن كان أمره مطلقا وفرض الأمر بالمقدّمة مفاد الدليل الخارجي فلا يبقى مطلق حتى يرجع إليه من غير فرق بين كون المقدّمة جزءا أو شرطا.

فما أفاده شيخنا قدس‌سره بقوله : « ودعوى : أنه من المقيّد (١) ... » (٢) لا تعلّق له بكلامه ؛ لأنه صريح في تسليم حصر الدليل على تقدير التركيب أو التقييد في المعتبرة. مع أن ما أفاده قدس‌سره محلّ مناقشة لما عرفت سابقا : من تعيّن الرجوع إلى الأمر بالمركّب والمشروط إذا فرض لهما إطلاق معتبر وكان دليل الجزء والشرط المتعذّرين من مقولة التكليف الغيري.

فإنه إن أريد من الأمر بذي المقدّمة ـ المختص بحال التمكّن بعد اختصاص الأمر بالمقدّمة ـ هو الأمر بالمشروط مع الشرط المتعذّر أو الأمر بالمركب من الجزء المتعذّر فلا كلام فيه أصلا.

وإن أريد منه الأمر النفسي بقول مطلق ولو كان متعلّقه المركب الخالي عن

__________________

(١) قال الشيخ المحقق الكرماني قدس‌سره :

« يعني من التركيب العقلي الإشتراطي لا الخارجي الإنضمامي » إنتهى.

الفرائد المحشى : ٢٩٦.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٩٦.

٣٠٧

الجزء المتعذّر ، أو ذات المشروط بدون شرطه المتعذّر ، فلا يكشف الأمر الغيري المختصّ بحال التمكّن عن انتفاء الأمر المذكور أصلا ؛ لعدم ارتباط بينهما ، وهو مع كمال وضوحه قد تقدّم شرح القول فيه فراجع إليه.

فظهر مما ذكرنا كله : أن كلاّ مما أفاده السيّد وشيخنا قدس‌سرهما محل مناقشة ونظر ، إلاّ أن النظر في كلام السيّد ليس ما ناقشه شيخنا في « الكتاب » والله الموفق للصّواب.

(٦٦) قوله قدس‌سره : ( لو دار الأمر بين ترك الجزء وترك الشرط ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٩٨ )

__________________

(١) قال المحقق الهمداني قدس‌سره :

« أقول : دوران الأمر بين ترك الجزء والشرط يتصوّر على صور :

منها : ما لو دار الأمر بين ترك جزء من المركّب أو ما هو شرط في جزء آخر كما لو دار الأمر بين ترك السورة في الصلاة أو ترك الطمأنينة في الرّكوع.

ومنها : ما لو دار الأمر بين ترك جزء أو ترك ما هو شرط في جميع أجزاء المركّب ، كما لو دار الأمر بين ترك السورة أو الطهارة أو الإستقبال أو الستر أو غيرها من الشرائط المعتبرة في الصّلاة واتحاد المجلس في زيارة عاشوراء على القول باعتباره من هذا القبيل.

ومنها : ما لو دار الأمر بين ترك جزء أو الشرط المعتبر في نفس هذا الجزء كما لو دار الأمر بين ترك السورة رأسا أو ايجادها بدون شرطها المعتبر في صحّتها.

ولا يخفى عليك أنّ الأولويّة التي ادّعاها ترجيحا لتقديم ترك الشرط على ترك الجزء إنّما

٣٠٨

لو دار الأمر بين ترك الجزء وترك الشرط

أقول : قد يناقش فيما أفاده قدس‌سره من وجه تقديم ترك الشرط : بأن ملاحظة الوصف في مقام الأمر والحكم وإن كانت متأخّرة عن ملاحظة الموصوف إلاّ أن ترك الجزء لا يوجب خلوّ الوصف عن الموصوف ، فلا بدّ في الحكم بالتقديم من التماس دليل على الأهميّة في نظر الشارع قرب شرط يكون أهمّ في نظره الشريف المقدّس الأعلى من الجزء كما وقع في الشرعيّات في الجملة عن الموصوف ، وفيما لم يقم دليل على الأهميّة وكان احتمالها في كلّ منهما متطرّقا على وجه التسوية يحكم بالتخيير فافهم.

(٦٧) قوله قدس‌سره : ( ويدلّ عليه : رواية عبد الأعلى المتقدّمة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٩٨ )

__________________

هي في الصورة الأخيرة لا غير ؛ لأن حكم العقل بالأولويّة فرع إحراز المصلحة في فاقد الشرط وعدم ترتّب مفسدة فائقة على ما يترتّب على ترك الجزء ، مع انه لا طريق للعقل إلى ذلك ، والأدلّة الشرعيّة لا تساعد على إثباته ، فالمتعيّن هو التخيير لو لم يعلم من الشارع أهميّة أحدهما كالطهارة في الصلاة وإلاّ فالأهم مقدّم.

وأمّا الصورة الأخيرة فهي أجنبيّة عن موضوع هذه المسألة ؛ لأن الدوران إنّما هو بين ترك الجزء رأسا وإيجاده بلا شرط فهي من جزئيّات المسألة السابقة التي عرفت حكمها » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ٢٧٩.

٣٠٩

أقول : لا يخفى عليك أن جميع ما دل على مشروعيّة الناقص والأمر به حاكم على دليل البدل ـ من غير فرق بين إطلاق دليل العبارة فيما كان له إطلاق ولم يكن لدليل المتعذّر إطلاق والأخبار الأربعة المتقدّمة ـ وهو أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

* * *

٣١٠

التنبيه الثالث :

(٦٨) قوله قدس‌سره : ( لو دار الأمر بين الشرطية والجزئية ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٩٩ )

في دوران الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة

أقول : لا إشكال فيما أفاده : من عدم وجود أصل كلي يقتضي الجزئيّة أو الشرطيّة عند الدوران حتى يكون مرجعا عند الشك ، كما أنه لا إشكال فيما أفاده : من تعيّن الرجوع إلى الأصل في الآثار المترتبة على كل واحد فيما كان على خلاف الأصل ولم يلزم من الرجوع إليه مخالفة قطعيّة عمليّة.

فلو قلنا : بأن الرياء في الجزء مبطل للعمل دون الشرط لم يحكم بإبطالها في الفرض ، وكذا إذا تحقق مجامعا لمحرّم كالنّصب مثلا لم يحكم بالبطلان بناء على ما

__________________

(١) قال المحقق الكرماني قدس‌سره :

« كما اذا شككنا مثلا في ان الإستقبال جزء للصّلاة أو شرط للشك في ان الصّلاة هل هي مركبة من أمور : أحدها تحويل الوجه نحو القبلة ، أو مركّبة من أمور يكون فعلها في حال كون الوجه نحو القبلة ، فعلى الأوّل جزء وعلى الثاني شرط.

ويظهر الثمرة في الأحكام المختصّة دون المشتركة وكذا النذر وشبهه » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّي : ٢٩٧.

٣١١

عرفت : من توصّليّة الشرط اللهم إلاّ أن يقال : إنه يجب على المكلف بعد العلم بالاعتبار والشكّ في المعتبر تحصيل العلم بإحراز ما كلّف به ، فلا بد أن يعامل معاملة الجزء حتى يحصل البراءة اليقينيّة فتأمّل.

إنّما الكلام في المقام في تصوّر الدوران مع أن الجزء من مقولة الفعل والكمّ ، والشرط من مقولة الكيف والوصف ، ولا بد في تصويره من أن يكون للأمر المعتبر في المأمور به جهتان : جهة فعل ، وجهة حالة حاصلة من الفعل المفروض ، فلا يعلم أن المعتبر الفعل المبدأ للحالة أو نفس الحالة المحصّلة منه.

ألا ترى أن الشرط في مسألة القبلة مثلا هو مواجهة المصلّي وإن كانت حاصلة من التوجيه والاستقبال؟ وكذا في الساتر يكون الستر هو تسترّ العورة وإن كان حاصلا من الستر الذي هو من مقولة الفعل؟ وهكذا الأمر في سائر الشروط ، كالطهارة الحاصلة من الغسل في الطهارة الخبثيّة ، والحاصلة من الوضوء والغسل في الطهارة الحدثيّة.

٣١٢

التنبيه الرّابع

(٦٩) قوله قدس‌سره : ( الأمر الرابع : لو دار الأمر بين كون شيء شرطا أو مانعا ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٤٠٠ )

دوران الأمر بين الشرطيّة والمانعيّة

أقول : لا يخفى عليك أن في دوران الأمر بين الشرطية والمانعيّة كما في المثالين الأولين المذكورين في « الكتاب » ، أو الجزئية والمانعيّة وجوها.

والمثال الثالث في « الكتاب » للدوران الثاني ؛ حيث إنه بعد الالتفات بالشكّ وتدارك المشكوك كما يحتمل كونه جزءا يحتمل كونه زيادة مبطلة بناء على تردّد الفقيه في جريان قاعدة حكم الشك بعد التجاوز في المثال : من حيث تردّده بين كون القراءة الشاملة للحمد والسورة فعلا واحدا ، فيكون الشكّ في الحمد بعد الدخول في السورة من الشكّ قبل التجاوز وقبل الدخول في الغير ، أو كون كلّ منهما فعلا فيكون الشكّ المزبور من الشكّ بعد التجاوز والشكّ في الشيء بعد الدخول في غيره.

وأولى منه في التمثيل ما إذا شكّ في آية من آيات الحمد أو السّورة بعد الدخول في آية أخرى ، كما أن الأظهر منهما : ما إذا شكّ في كلمة من آية بعد

٣١٣

الدخول في كلمة أخرى ؛ فإنه بناء على الاعتبار باستقلال العقل وإناطة حكم التجاوز يكون الغير المعتبر دخوله من الأفعال المستقلّة للصّلاة لا بدّ من الالتفات بالشكّ ، وهذا بخلاف الشك في الحمد بعد الدخول في السورة ؛ فإنه يمكن جعل السورة فعلا للصلاة في قبال الحمد وإن وقع التعبير عنهما بالقراءة كما ستقف على تفصيل القول فيه في الجزء الثالث من التعليقة.

وإن كان الأولى بل المتعيّن التمثيل بالجزء الذي لا يجوز الإتيان به بغير عنوان الجزئيّة في الصّلاة ، كما إذا شكّ في السجود أو السجدة بعد النهوض للقيام بناء على عدم الجزم بأحد القولين في المسألة ، وأما المثال المذكور فليس أمره دائرا بين الجزئيّة والزيادة المبطلة ؛ لأن الإتيان بالحمد بقصد الجزئيّة والأمر المتعلّق بالجزء لا يمكن مع الشكّ والتردّد بعنوان الاحتياط ، والقربة المطلقة لا يحتمل المانعية ولو على القول بعدم الالتفات بالشكّ ؛ فإن الحكم عنده ترخيص لا عزيمة في مقابل الاحتياط فتأمّل. ولعلّنا نتكلّم في تحقيق الكلام فيما يتعلّق بالمقام في الجزء الثالث من التعليقة عند البحث في حكم تعارض القاعدة مع الاستصحاب (١).

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ٣ / ١٩٥.

٣١٤

الوجوه المحتملة عند دوران الأمر

بين الشرطيّة والجزئيّة

أحدها : الرجوع إلى البراءة وعدم الالتفات إلى العلم الإجمالي باعتبار واحد من الفعل والترك في العبادة ولو قلنا بالاشتغال في مسألة الأقلّ والأكثر بالنسبة إلى الكثرة الخارجيّة فضلا عن الذهنيّة.

ثانيها : الالتزام بالاحتياط في المقام وتكرار العبادة ، وفعلها تارة : مع فعل الأمر المردّد ، وأخرى : مع تركه ولو قلنا بالبراءة في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر مطلقا حتى بالنسبة إلى الكثرة الذهنيّة بأقسامها.

ثالثها : الحكم بالتخيير والالتزام بأحد الاحتمالين في مرحلة الظاهر والبناء على أحد الحكمين المحتملين ، سواء كان الدوران بين الشرطيّة والمانعيّة ، أو الجزئيّة والمانعيّة نظير دوران الأمر بين الوجوب والتحريم.

رابعها : ابتناء حكم المسألة : من حيث الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط على المختار في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، أو من حيث الحكم بالتخيير والاحتياط على المختار في تلك المسألة.

٣١٥

ووجه الأول :

أمّا على القول بالبراءة في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر : فلأن كلاّ من الاحتمالين سبب لحكم العقل والنقل بالبراءة فيه ، بمعنى كون الشكّ في كلّ منهما موردا لدليل البراءة من غير تأثير لانضمام الآخر إليه أصلا ؛ فإن غاية ما يحصل من الانضمام هو العلم الإجمالي باعتبار واحد من الفعل والترك ، وهو غير مؤثر في وجوب الاحتياط من حيث عدم خلو المكلّف عنه قهرا ، فلا يقاس بالعلم الإجمالي الحاصل في المتباينين ، فلا يمنع من الرجوع إلى البراءة بعد عدم إمكان المخالفة القطعية العملية ، ولا يلزم منه المخالفة الالتزاميّة أيضا ؛ فإن الالتزام بالبراءة في مرحلة الظاهر لا ينافي الالتزام بأحد المحتملين في مرحلة الواقع على نحو ثبوته ، ولا دليل على وجوب الالتزام في مرحلة الظاهر بما يحتمل موافقته للواقع ، بل هو تشريع محرم فيما لم يقم هناك دليل عليه.

وأمّا على القول بالاحتياط في تلك المسألة : فلأن إيجابه في المقام موجب للحكم بتكرار العبادة ، وهو موجب لإلقاء نيّة الوجه المعتبرة في العبادة ، فلا يتحقّق موضوع الاحتياط في المقام حقيقة.

فإن شئت قلت : إن رعاية الشرط المحتمل في المقام وكذا المانع موجب لرفع اليد عن الشرط المحتمل الآخر والمحقق ، فلا بدّ من رفع اليد عن شرطيّته. ومن هنا التزم « الحلّي » في مسألة اشتباه الساتر بسقوط شرطيّة الستر والصلاة

٣١٦

عريانا (١) ، وهذا بخلاف الاحتياط في مسألة الأقلّ والأكثر ؛ فإنه لا يوجب التكرار فيقصد الوجه بما يأتي به من الأكثر ؛ فإنه فرد للواجب قطعا هذا.

ووجه الثاني : أن العلم الإجمالي باعتبار واحد من الفعل والترك وأخذه في ماهيّة المأمور به يقتضي في حكم العقل وجوب الاحتياط وتحصيل البراءة اليقينية ولو بالتكرار ، وليس هناك قدر متيقّن معلوم الوجوب حتى ينفي وجوب الزائد عليه بالفرض ، والمخالفة القطعيّة العملية التي لا يلزم من الرجوع إلى الأقلّ مع عدم اختصاص الكلام بالتوصليّين إنّما هي بالنسبة إلى الواقعة الواحدة. وأما بالنسبة إلى الواقعتين فتجويز الرجوع إليه تجويز للمخالفة القطعية العمليّة ، وقد مرّ القول مرارا في عدم الفرق في حكم العقل بقبحها بين كونها في واقعة أو واقعتين مع عدم الالتزام بالحكم الظاهري في كل واقعة فالمقام نظير المتباينين حقيقة.

ومنه يظهر : أنه لا دخل للمقام بدوران الأمر بين الوجوب والتحريم حقيقة ؛ فإن الأمر فيه دائر بين المحذورين فلا يمكن الاحتياط فيه أصلا ، فلا بدّ فيه من الالتزام بأحد الحكمين مخيّرا ؛ فرارا عن لزوم تجويز المخالفة القطعيّة العمليّة في واقعتين ولو كانا توصّليين على ما عرفت.

وهذا بخلاف المقام فإن المنع عن الصلاة الفاقدة للشرط أو المجامعة مع

__________________

(١) السرائر الحاوي للفتاوي لإبن إدريس الحلّي قدس‌سره : ج ١ / ١٨٥.

٣١٧

المانع من جهة لزوم إيجاد العمل الباطل ، فتحريمه تشريعيّ يرتفع موضوعه بالاحتياط ، كما هو الشأن في جميع موارد تكرار العبادة من جهة الاحتياط في دوران الأمر بين المتباينين في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة : من جهة تردّد ذات الواجب ، أو تردّد شرطه كالقبلة والسّاتر مثلا.

وأما إيجاب الاحتياط في المقام لسقوط قصد الوجه التفصيلي فهو مسلّم ، إلاّ أنه لا محظور فيه أصلا ، حتى على القول باعتبار قصد الوجه ؛ فإنه فيما أمكن إحراز الوجه ولو بالدليل الظنّي ، والمفروض عدم إمكانه.

فإن شئت قلت : إن قصد الوجه التفصيلي (١) العقلي الواقعي غير ممكن في جميع موارد الاحتياط حتى في الأقلّ والأكثر بل جميع موارد الأصول ، وقصد الوجه الظاهري ولو من جهة حكم العقل بالوجوب ممكن في المقام كسائر موارد وجوب الاحتياط ، وإن لم يساعد دليلهم على كفايته على ما عرفت سابقا وستعرفه إن شاء الله تعالى ، فالفرق تحكّم. ومن هنا نقول : بوجوب الاحتياط في جميع موارد تردّد شرط الواجب.

والحاصل : أن القول برعاية قصد الوجه الواقعي مع عدم التمكّن منه موجب للحكم بعدم مشروعية الاحتياط في الشرع مطلقا ، وهو خلاف الإجماع بل

__________________

(١) وفي نسخة : « العقلي » والصحيح هو ما استظهرناه.

٣١٨

الكتاب والسنة والعقل.

ووجه الثالث : هو أنه بعد لزوم المحذور عن تكرار العبادة ووجوب الاحتياط لا بد عند كل واقعة من الالتزام بأحد الحكمين ؛ من حيث إن تجويز الرجوع إلى الأصل تجويز لأمر قبيح وهو المخالفة القطعيّة العمليّة ولو في واقعتين ، كما إذا كانا توصّليّين كما عرفت تفصيل القول فيه في دوران الأمر بين الوجوب والتحريم في مسائل الشكّ في التكليف.

ووجه الرابع : إلقاء العلم الإجمالي في المقام ؛ نظرا إلى ما عرفت : من إيجاب تأثيره في الاحتياط إلقاء قصد الوجه مع دعوى : عدم لزوم المخالفة القطعيّة العمليّة ، فيلاحظ الشك في الشرطيّة والمانعيّة مستقلاّ ، فيرجع إلى الأصل فيه كل على مذهبه.

والمتعيّن من هذه الوجوه الثاني منها ويظهر وجه تعيّنه بأدنى تأمّل فيما عرفت من وجوهها. ثمّ الثالث وهو : التخيير بين الحكمين المحتملين.

ولا يكاد تعجّبي ينقضي من اختيار شيخنا قدس‌سره رابع الوجوه كما يدلّ عليه قوله : « والتحقيق ... إلى آخره (١) » (٢) مع ظهور تعيّن الوجه الثاني بالنظر إلى ما

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

٣١٩

أفاده في مطاوي كلماته في « الكتاب » بحيث لا يكاد أن يرتاب فيه أصلا ، مع أن عبارته في المقام لا تخلو عن تشويش واضطراب ؛ حيث إن ظاهرها بل صريحها في عنوان المسألة ـ كما يدلّ عليه قوله : « ففي التخيير ... إلى آخره » (١) ـ : هو التخيير بين الاحتمالين ؛ من حيث إن جعل المقام من جزئيّات دوران الأمر بين الوجوب والتحريم ، وتوجيهه له بقوله : « فقد يرجّح الأول ... إلى آخره » (٢) يدلّ على الرّجوع إلى أصالة البراءة ، وهو الوجه الأوّل كما هو ظاهر.

فلا بد من أن يكون المراد من التخيير هو التخيير بين الفعل والترك الثابت في موارد الحكم بالبراءة الذي لا يخلو المكلف عنه ، الرجوع فيكون من الأمر القهري الذي لا يكون من قبيل الحكم والإنشاء حقيقة ، فيكون هو المراد بالتخيير

__________________

« بل التحقيق هو وجوب الإحتياط مطلقا فإن المقام من قبيل المتباينين ؛ فإن الواجب إنّما هو أحد الخاصّين اللذين لا جامع بينهما بحسب الخارج وإن كان أجزاءهما مندرجة تحت حقيقة واحدة ؛ حيث إن المعتبر منها في كلّ بحسب خصوصيّاتها غير المعتبر في الآخر ؛ حيث انها في أحدهما مقيّدة بوجود ما شك في شرطيّته ومانعيّته ، وفي الآخر بعدمه فلا يتحقق في الخارج منها في واقعة واحدة إلا ما يعتبر في أحدهما كما لا يخفى ، فليتأمل » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٢٧٠.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٠٢.

(٣ و ٤) نفس المصدر : ج ٢ / ٤٠٠.

٣٢٠