بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-284-5
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩١

وإلاّ فلا معنى لما أفاده : « من أن الفقيه إذا كان متردّدا (١) ... إلى آخره » (٢) فإنّه لا معنى لتردّد الفقيه في التكليف مع جريان الأصل في حقّه ، وإن كان الحكم في مورد الدوران أولويّة القطع للفقيه وإيراده على الجواب مستقيما سواء قلنا بجريان الاستصحاب أو عدمه مع قطع النظر عما ذكرنا.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٨٢.

(٢) قال المحقق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أولويّة ما ذكره ممنوعة ، بل المتعيّن بعد البناء على عدم تماميّة شيء مما ذكر ـ من استصحاب وجوب المعنى أو الإتمام أو حرمة القطع ونحوه ـ هو وجوب الإتمام ثم الإستئناف ؛ لإمكان استصحاب نفس الكون في الصلاة الذي أثره حرمة القطع بأن يقال : إنه كان سابقا في الصلاة وشك في انه خرج منها بواسطة ما شك في مانعيّته ، فيستصحب كونه في الصّلاة ، ويتفرّع عليه : حرمة ايجاد المنافي ؛ لكونها من آثاره ، فعليه الإتيان بباقي الأجزاء حتى يعلم بخروجه من الصّلاة ولكن لا يجدي ذلك في إحراز المأمور به ، وكون الباقي إمتثالا للأمر المتعلّق به الناشيء من وجوب الكلّ ؛ فإنه انّما وجب عليه ذلك إمتثالا للأمر المقدّمي العقلي الناشيء من حرمة الترك وهذا لا يوجب القطع بفراغ الذمّة عن الواجب إلاّ على القول بالأصل المثبت كما لا يخفى.

وقد صرّح بجريان الإستصحاب المزبور سيّد مشايخنا [ المجدّد الشيرازي الكبير ] أدام الله أيّام إفاضاته في البحث » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٢٧١.

* وقال صاحب قلائد الفرائد في قلائده ( ج ١ / ٦١٠ ) :

« أقول : إن هذا ينافي ما تقدّم منه : من ان المرجع في مقام الشك في طرف المانع هو البراءة والحكم بعدم بطلان العمل ؛ فإن لازمه صحّته وعدم إعادته هذا » إنتهى.

٢٦١

ثمّ إن ما ذكره في حكم التردّد إنّما هو بالنسبة إلى الفقيه ، وأمّا العامي فحكمه إذا تردّد في صحة عمله في الأثناء مغاير لحكمه ، بل يجب عليه البناء على ما يظنّه ـ مع البناء على الفحص عن الحكم بعد العمل ـ والعمل بما يقتضيه الفحص ، فهذا نوع من الاحتياط في حقّه ولعلّنا نتكلّم في هذه المسألة بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

* * *

٢٦٢

المسألة الثالثة :

في ذكر الزيادة سهوا

(٥٩) قوله قدس‌سره : ( فأصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٨٥ )

أقول : لا يخفى عليك أن حقّ التحرير : أن يحكم بالتعارض الصّوري بين الأصلين على تقدير القول بعدم جواز الفصل الظاهري بمقتضى الأصول بين المسألتين اللتين لا فصل بينهما واقعا ؛ لانتفاء التعارض رأسا على القول بجواز الفصل والتفكيك الظاهري ، كما اختاره بعض أفاضل مقاربي عصرنا ومال إليه شيخنا قدس‌سره بعض الميل على خلاف ظاهر الأكثر في مسألة الإجماع على ما هو ببالي عند قراءتي المسألة عليه.

والوجه في كون التعارض صوريّا على القول بعدم الجواز ظاهر ؛ لعدم التّعارض الحقيقي بين الحاكم والمحكوم على ما أفاده : من تحكيم القاعدة على أصالة البراءة.

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« فإنها بضميمة عدم القول بالفصل حاكمة بعدم البأس بالنقيصة أيضا كما ان أصالة الإشتغال بضميمتها حاكمة بالبطلان فيهما فيتعارضان » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٦٤.

٢٦٣

ثمّ إن الوجه في تحكيم القاعدة على البراءة الشرعيّة وورودها على البراءة العقليّة ـ على القول بعدم جواز الفصل المبنيّ على عدم جواز المخالفة القطعيّة والعملية ولو في المسألتين ولو كان هناك حكم ظاهريّ في كلّ مسألة أو المخالفة الالتزاميّة مطلقا ـ : هو أن مرجع الشكّ في مسألة النقيصة السهويّة لمّا كان إلى الشكّ في الأمر الوضعي حقيقة وبدليّة الناقص عن التّام وقناعة الشارع به عنه فلا يصلح أصالة البراءة لإثباته ، وهذا بخلاف الشكّ في مانعيّة الزيادة ، وحكم العقل بوجوب الاحتياط يصلح بيانا لحكم الشارع بالبناء على شرطيّة عدمها في مرحلة الظاهر ، فيرتفع موضوع البراءة العقليّة حقيقة والشرعيّة حكما.

فإن شئت قلت : بعد البناء على عدم جواز التفصيل يلحق مسألة الزيادة بمسألة النقيصة فيكون الشكّ فيها أيضا شكّا يجب الاحتياط فيه كالشكّ في النقيصة فتأمل.

(٦٠) قوله قدس‌سره : ( هذا كلّه مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الأصول ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٨٥ )

بيان حكم المسائل الثلاث من الأخبار الواردة في المقام

أقول : لا يخفى عليك أن ما ورد في بيان حكم المسائل الثلاث من الأخبار التي يستفاد منها حكمها على سبيل الضابطة على أربعة وجوه :

٢٦٤

منها : ما يكون مفاده بطلان الصّلاة بزيادة شيء من الأجزاء من غير فرق بين العمد والنسيان والسّهو مثل قوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) والتعليل في الحكم بوجوب الإعادة على من أتمّ في السفر بقوله عليه‌السلام : « لأنه زاد في فرض الله عزّ وجلّ » (٢) ومثله تعليل المنع من قراءة العزائم في الصلاة : « بأن السجود زيادة في المكتوبة » (٣) إلى غير ذلك.

ومنها : ما يقتضي بطلان الصّلاة بزيادة شيء من أجزائها نسيانا من غير أن

__________________

(١) لم نجده بهذا اللفظ وأنظر الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٥٥ باب « من سها في الأربع أو الخمس ولم يدر زاد أو نقص أو استيقن انه زاد » ـ ح ٥ « من تيقن أنه زاد في الصلاة » ـ ح ٢ ، والتهذيب ج ٢ / ١٩٤ باب « أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة » ـ ح ٦٥ ، عنها الوسائل : ج ٨ / ٢٣١ باب « بطلان الفريضة بزيادة ركعة فصاعدا ولو سهوا الا أن يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهد أو يشك جلس أم لا » ـ ح ٢.

(٢) الخصال : ٦٠٤ ، عنه الوسائل : ج ٨ / ٥٠٨ باب « ان من أتم في السفر عامدا وجب عليه الإعادة في الوقت وبعده ، ومن أتم ناسيا وجب عليه الإعادة في الوقت لا بعده ، ومن أتم جهلا أو نوى الإقامة وقصّر جهلا لم يعد ، وحكم من قصّر المغرب جاهلا » ـ ح ٨.

(٣) الكافي الشريف : ج ٣ / ٣١٧ باب « عزائم السجود » ـ ح ٦ ، والتهذيب : ج ٢ / ٩٦ باب « كيفيّة الصلاة وصفتها وشرح الاحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها والتسبيح في ركوعها وسجودها والقنوت فيها والمفروض من ذلك والمسنون » ـ ح ١٢٩ ، عنهما الوسائل : ج ٦ / ١٠٥ « عدم جواز قراءة سورة من العزائم في الفريضة وجوازها في النافلة ووجوب العدول عنها لو شرع فيها في الفريضة ناسيا » ـ ح ١.

٢٦٥

يكون دالاّ على حكم العمد مطابقة مثل قوله عليه‌السلام : « إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة استقبل الصلاة » (١) فإن الظاهر من الاستقبال بالزيادة عدم الالتفات إليها في زمان الفعل كما لا يخفى.

ومنها : ما يقتضي عدم بطلان الصلاة بزيادة شيء من أجزائها ونقصانها سهوا ويشمل نقص الشرائط سهوا أيضا على تأمّل مثل قوله عليه‌السلام في المرسلة : « تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة تدخل عليك » (٢).

ومنها : ما يقتضي التفصيل في الحكم بالبطلان بالنقص السهوي والزيادة السهويّة كقوله عليه‌السلام في الصّحيحة : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة أشياء الركوع

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٥٤ باب « من سها في الأربع والخمس ولم يدر زاد أو نقص أو استيقن أنه زاد » ـ ح ٢ ، عنه الإستبصار : ج ١ / ٣٧٦ باب « من تيقن أنه زاد في الصلاة » ـ ح ١ عنه أيضا التهذيب : ج ٢ / ١٩٤ باب « أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة » ـ ح ٦٤ ، عنها الوسائل : ج ٦ / ١٠٥ باب « عدم جواز قراءة سورة من العزائم في الفريضة و ... » ـ ح ١.

(٢) الإستبصار : ج ١ / ٣٦١ باب « وجوب سجدتي السهو على من ترك سجدة واحدة ولم يذكرها إلاّ بعد الركوع » ـ ح ٢ ، والتهذيب : ج ٢ / ١٥٥ باب « تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ـ ح ٦٦ ، عنهما الوسائل : ج ٨ / ٢٥١ باب « المواضع التي يجب فيها سجدتي السهو ، وحكم نسيانهما » ـ ح ٣.

٢٦٦

والسجود والطهور والقبلة والوقت » (١) بناء على شمولها للزيادة السهويّة ؛ نظرا إلى كونها في مقام بيان عدم وجوب إعادة الصّلاة بكل إخلال فيها زيادة ونقيصة ، إلاّ إذا كان الإخلال من جانب الخمسة ؛ فإن ظاهرها بل صريحها عند التأمّل بيان حكم الإخلال بما ثبت أخذه واعتباره في الصلاة ، فيختصّ بصورة السهو لا بيان ماهيّة الصلاة وأنها ليست إلاّ خمسة أشياء من غير أن يكون له دخل بمسألة السهو كما زعمه بعض مشايخنا في « شرحه على الشرائع » (٢) ؛ ضرورة استهجان التعبير عن ماهية الصلاة بالعبارة المذكورة ؛ بل لا بدّ من التعبير بما يناسب بيان الماهيّة كما في الأخبار ؛ فإن الظاهر منها بيان حكم ما فرغ عن بيانها من حيث الأجزاء والشرائط من جهة الإخلال بشيء منها وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

ومثلها في الدلالة على التفصيل في خصوص النقص السهوي قوله عليه‌السلام فيمن نسي الفاتحة : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » (٣) فإن استظهار حكم الزيادة

__________________

(١) الفقيه : ج ١ / ٢٧٩ ـ ح ٨٥٧ باب « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس » نشر جماعة المدرسين ، وتهذيب الأحكام : ج ٢ / ١٥٢ ـ ح ٥٥ من باب « تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ، عنهما الوسائل : ج ١ / ٣٧١ باب « وجوب إعادة الصلاة على من ترك الوضوء أو بعضه ... » ـ ح ٨.

(٢) الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام.

(٣) الكافي الشريف : ج ٣ / ٣٤٨ باب « السهو في القراءة » ـ ح ٣ ، عنه الإستبصار : ج ١ / ٣٥٣

٢٦٧

السهويّة منه في غاية الغموض ، فلو جعل الحصر فيه إضافيّا وبالنسبة إلى نقص الأجزاء فلا ينافي الصحيحة ، وإلا فلا يكون منافيا لها فلا بد من الجمع بينهما بما ستعرفه ، هذه جملة ما ورد من الأخبار في هذا الباب.

ولا يخفى تعارضها بظواهرها ؛ حيث إن مقتضى الطائفة الأولى : بطلان الصلاة بزيادة كل جزء عمدا كانت أو سهوا ، ومقتضى الثانية : بطلانها بها فيدل على البطلان عمدا من باب الأولوية ، ومقتضى الثالثة : عدم البطلان بكل من الزيادة السهوية والنقص السهوي على وجه التصريح والنصوصيّة لا الظهور والعموم ، ومقتضى الرابعة : التفصيل في الحكم بالبطلان في المقتضية السهويّة والزيادة السهويّة ـ بناء على عموم الصحيحة لهما ـ فيدخل في تعارض الزائد من الدليلين ، فلا بد من أن يسلك في المقام ما يسلك فيه : من تقديم الأخصّ والأظهر ، وإن انقلبت النسبة بعده بين الباقي كما برهن عليه في باب التعارض.

فيقع الكلام في علاج تعارضها في مواضع :

الأوّل : في علاج تعارض الطائفة الأولى المقتضية لبطلان الصلاة بالزيادة

__________________

باب « من نسى القراءة » ـ ح ٢ ، وعنه أيضا التهذيب : ج ٢ / ١٤٦ باب « تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ـ ح ٢٨ ، عنها الوسائل :

ج ٦ / ٩٠ باب « عدم وجوب الإعادة على من نسي القراءة أو شيئا منها حتى ركع وأنه لا يجب قضاء ما نسي ولا سجدتا السهو وان من قرأ في غير محل القراءة ناسيا فلا شيء عليه » ـ ح ٢.

٢٦٨

مطلقا من حيث أنها زيادة من غير فرق بين العمد والسهو مع غيرها مما دلّ على عدم بطلان الصلاة بالزيادة السهويّة مطلقا ، أو في الجملة ، فنقول :

لا إشكال في كون تعارضهما في الزيادة السهوية في باديء النظر ؛ فإن ما دلّ على عدم البطلان لا يشمل العمد قطعا فلا بدّ من العمل بالطائفة الأولى في الزيادة العمديّة ؛ لسلامتها عن المعارض ، فيكون الحكم في المسألة الثانية بالنظر إلى القاعدة بطلان الصّلاة بالزيادة العمديّة مطلقا وبالنسبة إلى جميع الأجزاء.

وأمّا الزيادة السهوية التي وقع التعارض فيها فيحكم بعدم بطلان الصّلاة بها مطلقا إذا لوحظت الطائفة الأولى مع المرسلة من حيث كونها أخصّ منها ، وإن عمّت النقيصة أيضا ؛ نظرا إلى ما عرفت : من حيث كون عمومها لهما على وجه التصريح والتنصيص فلا يقبل التخصيص بأحدهما. فإن شئت قلت : إنّهما مشتملة على قضيتين :

أحدهما : عدم بطلان الصلاة بالزيادة السهويّة.

والأخرى : عدم بطلانها بالنقص السهوي ، ويحتمل كون تقديمها عليها من باب الحكومة لا التخصيص.

وأما إذا لوحظت مع الصحيحة فيحكم بتقديمها عليها أيضا ـ بناء على شمولها للزيادة السهويّة ـ وإن كانت النسبة بينهما العموم من وجه ؛ حيث إن الطائفة الأولى تفارقها في الزيادة العمديّة مطلقا وتفارقها في النقص السّهوي ؛ نظرا إلى

٢٦٩

حكومة الصحيحة عليها : من حيث إن الظاهر منها على ما عرفت بيان حكم ما ثبت إخلال الصلاة من جهته في الجملة ، وإن المقصود منه صورة العمد لا مطلقا ، فهي شارحة للطائفة الأولى ، كما أنها شارحة لمطلق ما يقتضي بطلان الصّلاة من جهة الإخلال بما يعتبر فيه إذا لم يكن من الخمسة كقوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (١) ونحوه هذا.

الثاني : في علاج تعارض الطائفة الثانية المقتضية لبطلان الصلاة بالزيادة السهويّة مطلقا مع كلّ من المرسلة والصحيحة.

أما مع المرسلة فلا إشكال في كون تعارضهما على وجه التباين ؛ حيث إن مقتضى الطائفة الثانية : بطلان الصلاة بكل زيادة سهويّة ، ومقتضى المرسلة : عدم بطلان الصّلاة بها لكن يحتمل قريبا كون المرسلة أظهر منها ؛ حيث إن المرسلة نصّ في الزيادة السهويّة وهي ظاهرة فيها ؛ لاحتمال كون التعبير بالاستيقان من جهة الاهتمام في عدم قدح احتمال الزيادة ، وإن القادح الزيادة اليقينيّة فلا ينافي اعتبار التعمّد في القدح بها ، وهذا الاحتمال لا يتطرّق في المرسلة ، فيحكم بكون المراد منها الزيادة العمديّة فينطبق على الطائفة الأولى.

وأما مع الصحيحة فلا إشكال في كون تعارضهما بالعموم من وجه ؛ فإن

__________________

(١) غوالي اللئالي : ج ١ / ١٩٦ وج ٢ / ٢١٨ وج ٣ / ٨٢ ، عنه مستدرك الوسائل : ج ٤ / ١٥٨ باب « وجوب قراءة الفاتحة في الثنائيّة ، وفي الأوليتين من غيرها » ـ ح ٥.

٢٧٠

التعارض بينهما إنّما هو بالنسبة إلى العقد السلبي من الصحيحة. وبعبارة أخرى : المستثنى منه فيها ؛ ضرورة عدم التعارض بينهما من حيث العقد الإيجابي والمستثنى فيها ، والصحيحة بناء على عمومها للزيادة السهوية يشمل النقيصة السهويّة قطعا ، وهي يشمل زيادة الخمسة فيفترقان في النقيصة وزيادة الخمسة ويجتمعان في زيادة غير الخمسة وهي أظهر من الصحيحة ؛ حيث إنها نصّ في الزيادة ، والصحيحة ظاهرة على تقدير العموم في الزيادة ونصّ في النقيصة ، وإلاّ فقد يمنع من شمولها للزيادة من حيث عدم تصوّر الزيادة بالنسبة إلى ثلاثة منها ، وإن كان لا يمنع العموم عند التحقيق هذا.

ولكن يمكن أن يقال بكونها وإن كانت نصّا في الزيادة ، إلاّ أنّها ليست نصّا في غير الخمسة ؛ لاحتمال إرادة خصوص الخمسة منها ، فكلاهما ظاهران في غير الخمسة.

الثالث : في علاج الصحيحة مع المرسلة ، ولا إشكال في كونها أخصّ من المرسلة بالنسبة إلى النقيصة ؛ فإن التعارض بينهما إنّما هو بالنسبة إلى العقد الإيجابي من الصحيحة ، وهو أخصّ منها قطعا كما هو ظاهر. وأمّا بالنسبة إلى الزيادة فكذلك بناء على شمولها لها ؛ إذ الأخذ بالعقد الإيجابي منها بالنسبة إلى النقيصة دون الزيادة فيعمل فيها بالمرسلة كما ترى.

فإن شئت قلت : إنّها وإن كانت ظاهرة في الزيادة والمرسلة نصّا فيها إلاّ أنّها

٢٧١

أظهر منها بالنسبة إلى زيادة ما يتصوّر الزيادة فيه من الخمسة.

الرّابع : في علاج الصحيحة مع قوله عليه‌السلام : « أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ » ولا إشكال في كونها أظهر ؛ حيث إنه بعمومه يقتضي عدم قدح الإخلال بغير الركوع والسجود ، وهي نصّ في قدح الإخلال بالثلاثة أيضا ، فلا بدّ من العمل بالصحيحة هذا فيما لوحظت الأخبار بعضها مع بعض.

وإن شئت سلكت ما أشرنا إليه من المسلك عند الدخول في المسألة ـ من تقديم الأظهر من بين المجموع مع ملاحظتها بهذه الملاحظة وإن انقلبت النسبة بين الباقي ـ وقلت : إن الصّحيحة أخصّ من المرسلة بما عرفت من البيان ، وبعد تخصيص المرسلة بغير الخمسة تصير أخصّ مما دلّ على إعادة الصّلاة بالزيادة السهويّة مطلقا فيخصّص بها ، كما أنّها خصّصت بالصحيحة ، فيكون المرجع الصحيحة بالنسبة إلى العقد السلبي والإيجابي ، فيكون مقتضى القاعدة الثابتة من الأخبار عدم قدح نقص غير الخمسة سهوا وزيادتها كذلك ، فيظهر حكم المسألتين بالنظر إلى القاعدة ، فيحتاج في إلحاق غير الخمسة بها إلى دليل خاصّ وارد في عنوان زيادة بعض الأجزاء والشرائط ونقصها سهوا. هذا كله مع قطع النظر عن ثبوت التلازم بين النقص السهوي والزيادة بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.

وأمّا بملاحظته فلا إشكال في كون الصحيحة أخصّ من جميع أخبار الباب

٢٧٢

حتى على القول باختصاصها بالنقص السهوي ؛ فإنها كما يكون نصّا في حكم نقص الخمسة وزيادتها بالملاحظة المذكورة ، كذلك يكون نصّا في حكم نقص غير الخمسة وزيادته سهوا ، وأنها لا توجب الإعادة فيكون أخصّ مطلقا مما دلّ على الإعادة بالزيادة السهويّة مطلقا ؛ فإنّ احتمال اختصاصها بالنقص السهوي مدفوع بالملازمة المذكورة وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا كما لا يخفى.

ومما ذكرنا يظهر : المراد مما أفاده قدس‌سره بقوله : « ثم لو دلّ دليل على قدح الإخلال بشيء سهوا كان أخصّ من الصحيحة ... إلى آخر ما أفاده » (١) وإن كان مما لا مناص عنه ؛ فإن حكومة الصحيحة على عمومات أخبار الزيادة والنقصان لا ينافي تخصيصها بما هو أخصّ منها كالوارد في تكبيرة الإحرام ، والقيام المتّصل بالركوع ، وغيرهما من الأجزاء والشرائط.

إلاّ أن ما أفاده : من أخصيّة ما دلّ على بطلان الصّلاة بمطلق الزيادة السهويّة بقوله : « والظاهر أن بعض أدلّة الزيادة مختصّة بالسهو ، مثل قوله عليه‌السلام : « إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة استقبل الصّلاة » (٢).

قد يناقش فيه : بما عرفته في بيان نسبة الصحيحة معه ، إلاّ أنه قد تقدّم ثمّة ما يوجّه به كلامه فراجع ، لكنّه لا بد من أن يحمل على ما ذكرنا أخيرا : من بيان النسبة

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٨٦.

(٢) نفس المصدر.

٢٧٣

مع قطع النظر عن الملازمة الخارجيّة ، وإلاّ فلا يستقيم بحال كما لا يخفى.

فالأولى التمثيل بما مثّلنا مما ورد في الموارد الخاصّة في حكم الإخلال بالأجزاء والشرائط المخصوصة لا بما دلّ على حكم الزيادة سهوا مطلقا فافهم هذا.

مع أن ما دل على بطلان الصلاة بالزيادة السهويّة مطلقا يدلّ على بطلانها بالزيادة العمديّة ولو بالفحوى فتأمل (١) ، هذا كلّه فيما لو حملنا الصحيحة على بيان حكم الإخلال السهوي.

وأمّا لو حملناها على بيان حكم الماهيّة كما زعمه بعض مشايخنا (٢) فلا تعلّق لها بالمقام أصلا ؛ فإنها على هذا التقدير في بيان مقام أصل الماهيّة فيعارض ما دل على ثبوت الأجزاء والشرائط والموانع المغايرة للخمسة حتى ما دلّ على بطلان الصلاة بالزيادة مطلقا ، وكونها من موانع الصّلاة ، وإن تعيّن تخصيصها بها ؛

__________________

(١) وجه التأمّل : انه وإن دلّ على بطلان الصلاة بالزيادة العمديّة بالفحوى الاّ انه لا يوجب انقلاب النسبة وكون الدّال على البطلان بالزيادة السهويّة أعمّ من الصحيحة ونحوها حيث إن دلالتها على حكم الزيادة العمديّة من جهة مفهوم الموافقة والدلالة التبعيّة الثانويّة فلا معنى للتفكيك بينهما فتدبّر. ( منه دام ظله العالي ).

(٢) صاحب الجواهر الشيخ محمّد حسن باقر النجفي أعلى الله مقامه الشريف المتوفى سنة ١٢٦٦ ه

٢٧٤

نظرا إلى كونها أخصّ منها كما لا يخفى. وأين هذا من الإخلال السهوي بما ثبت اعتباره في الصّلاة؟ فيرجع في حكم المسائل الثلاث إلى غير الصحيحة من الأخبار المتقدّمة ، وقد عرفت مفادها بعد الجمع والعلاج مما قدّمنا لك فلا نطيل بالإعادة ، كما أنك قد عرفت من مطاوي ما قدّمنا لك سابقا في تأسيس الأصل :

معنى حكم الشارع في طيّ الأخبار بعدم وجود الإعادة عند السّهو عن بعض ما يعتبر في العبادة ، وأن مرجعه إلى قناعة الشارع عن التام بالناقص لاشتماله على المصلحة لا إلى الأمر بالناقص فراجع إليها.

* * *

٢٧٥

التنبيه الثاني :

هل يسقط التكليف بالكل أو المشروط

إذا تعذّر الجزء أو الشرط؟

(٦١) قوله قدس‌سره : ( الأمر الثاني : إذا ثبت جزئيّة شيء أو شرطيّته في الجملة (١) ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٨٧ )

__________________

(١) قال السيد عبد الحسين اللاري قدس‌سره :

« أي : على وجه الإهمال لا الإطلاق ؛ لأن وجوب الجزء والكل إمّا مطلقين أو مهملين أو وجوب الجزء مطلق ووجوب الكل مهمل ، أو بالعكس.

ومحلّ النزاع في مجرى أصل البراءة أو الإستصحاب إنّما هو في الصّورة الثانية دون الصور الباقية لاقترانها بالدليل الإجتهادي وهو إطلاق وجوب الجزء والشرط القاضي بإطلاق الجزئيّة والشرطيّة في الصورة الأولى والثالثة ، وإطلاق وجوب الكل القاضي عدم إطلاق الجزئيّة والشرطيّة في الصورة الرّابعة ولا مجرى للأصل بعد تعيين إطلاق الجزئيّة أو تقييده بالدليل الإجتهادي » إنتهى. أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٤٩.

٢٧٦

دوران الأمر بين الشرطيّة المطلقة

وغيرها وكذا الجزئيّة

أقول : الكلام في المقام حسبما أفاده : قد يقع في مقتضى الأصول العمليّة وقد يقع في مقتضى الأصول اللفظيّة ، وقد يقع في مقتضى القاعدة العامّة المستفادة من الأخبار الخاصّة الواردة في مقام إعطاء القاعدة. وأمّا التكلّم فيما يقتضيه الأخبار الخاصّة في الموارد الشخصيّة فيقع في الفقه ولا تعلّق له بالمقام ، فالكلام يقع في ثلاثة مواضع :

أمّا الموضع الأول : فقد يقال ـ بل قيل بل ينسب إلى غير واحد ـ : أن مقتضى الأصل العملي عند الشكّ ودوران الأمر بين الجزئيّة المطلقة والخاصّة المقيّدة بحال التمكّن من الجزء ، وكذا عند الشك في الشرطية المطلقة والمقيّدة بعد الثبوت في الجملة في الموضعين : هو البناء على الجزئيّة والشرطيّة المطلقتين من غير فرق بين القول الصحيح والأعمّي ، كعدم الفرق بين كون المذهب : الرجوع إلى البراءة في مهيّات العبادات المردّدة ، أو الرجوع إلى أصالة الاشتغال ؛ لرجوع الشكّ في الدّوران المذكور إلى الشكّ في أصل التكليف على كل تقدير.

ضرورة استلزام تعذّر المقدّمة مع كونها مقدّمة ارتفاع التكليف عن ذي

٢٧٧

المقدّمة ؛ لوضوح اشتراطه بالقدرة على المقدّمة حسب ما بيّن في بحث وجوب المقدّمة : من أن كل واجب مطلق مشروط بالنسبة إلى القدرة على المقدّمات الوجوديّة ؛ من حيث إن امتناعها يوجب امتناع ذيها ، والمفروض احتمال المقدّميّة المطلقة في المقام.

وهذا ما ذكرنا : من رجوع الشكّ إلى الشكّ في أصل التكليف الوجوبي ، والمرجع فيه البراءة إتّفاقا ولا يجري الاستصحاب حتى يكون واردا أو حاكما عليها بالنسبة إلى العقلية والشرعيّة منها ؛ لأن الوجوب النفسي للباقي المقدور مفروض الانتفاء في السّابق ، فكيف يحكم ببقائه ووجوده الثانوي بمقتضى الاستصحاب؟ والوجوب الغيري الثابت له سابقا مقطوع الارتفاع لاحقا ؛ لكونه تابعا لوجوب الكل والمشروط المرتفع جزما والقدر المشترك بين الخصوصيّتين تابع لهما في الوجود ، فكيف يحكم به مع عدم الحكم بهما فضلا عما حكم بعدمهما؟ هذا.

وقد يقال ـ بل قيل ـ : إن مقتضى الأصل في مفروض البحث : البناء على التقيّد والاختصاص والحكم بوجوب الباقي المقدور للمكلّف ؛ لأن مقتضى الدوران المذكور وإن كان الرجوع إلى البراءة كما ذكر ، إلاّ أن الاستصحاب وارد أو حاكم عليها وتقرير جريانه بوجهين :

أحدهما : أن يجعل المستصحب الوجوب القدر المشترك المتحقّق سابقا في ضمن الوجوب الغيري المتعلّق بالباقي الذي يحتمل بقاؤه باحتمال قيام الوجوب

٢٧٨

النفسي بعد زوال الوجوب الغيري مقامه ، غاية ما هناك : عدم إمكان إثبات الوجوب النفسي به ؛ لعدم جواز التعويل على الأصول المثبتة ، كما أنه لا يمكن نفي القدر الجامع بنفي الوجوب النفسي في الزمان اللاحق بالأصل للوجه المذكور ، فيجمع بين ترتيب الآثار المترتّبة على الوجوب بقول مطلق ، ونفي أثر خصوص الوجوب النفسي كما هو الشأن في أمثال المقام.

ثانيهما : أن يجعل المستصحب الوجوب النفسي المتعلّق بالمقدور مسامحة في مدخليّة الجزء المتعذّر في معروض المستصحب ، نظير استصحاب الكرّيّة والقلّة للماء المسبوق بالكريّة مع المقدار الذي أخذ منه في الزمان اللاحق ، أو الماء المسبوق بالقلّة مع عدم خلط ما زيد عليه لاحقا ، لا الوجوب النفسي المتعلّق بالمركّب سابقا حتى يكون من قبيل استصحاب الكرّ في الماء الذي لا يفيد في إثبات الكرّيّة ، إلاّ على القول بالأصل المثبت.

فيقال في تقريب الاستصحاب : إن هذه الأجزاء المقدورة كانت واجبة بالوجوب النفسي ويشكّ في بقائها على ما كان ، ولو كان عروض الوجوب النفسي عليها في السابق ؛ من حيث اشتمالها على المفقود فيجعل اشتمالها عليه في السابق ، مع انتفائه في اللاحق من قبيل الحالات المتبدّلة.

كما يقال في تقريب استصحاب الكريّة للماء الموجود الذي نقص عن المقدار الذي يحتمل قوام الكريّة به : إن هذا الماء كان كرّا ويشك في بقاء كرّيّته ، مع أن عروض الكرّية عليه كان مع اشتماله على الجزء الذي فقد لاحقا ، ولو لا هذه

٢٧٩

المسامحة العرفيّة في موضوع المستصحب الموجبة للحكم باتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة لاختلّ أمر الاستصحاب في كثير من موارده ، سيّما في استصحاب العوارض الزمانيّة المتجددة ، وكذا استصحاب الزمان بل بطريق أولى ، مع أن استصحاب الليل والنهار من الاستصحابات المسلّمة عندهم وكذا استصحاب الكرّيّة والقلّة في المثالين.

ودعوى : الفرق بين الاستصحاب في المقام واستصحابهما ؛ حيث إن دخل المتعذر في موضوع الوجوب النفسي في السابق معلوم بخلاف المقدار المأخوذ في استصحاب الكرية ، فلعلّ معروضه في السابق هذا الماء الموجود لاحقا فاسدة.

مضافا إلى انتفاء الاحتمال المزبور في استصحاب القلة فتدبّر بما عرفت توضيحه في طي كلماتنا السابقة : من أنّ الموجود المقداري ـ بلغ ما بلغ ـ أمر واحد ، فالكرّيّة قائمة بمجموع أجزائه ولو كان زائدا على الكريّة لا بالمقدار المعيّن ، كما هو الشأن في جميع مصاديق المقادير المنقسمة إلى الزائد والناقص فتأمّل.

نعم يعبّر في هذا التقرير الثاني مساعدة العرف على الحكم باتحاد القضيّتين وعدم كون المفقود من معظم الأجزاء فتدبّر.

هذه غاية ما يقال في تقريب الاستصحاب وسيجيء تفصيل الكلام فيهما وعليهما في باب الاستصحاب في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى.

٢٨٠