بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-284-5
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٥٩١

الفرض المزبور يوجب ثبوته بلا صفة تقتضيه ، وإن أشكل الأمر حينئذ بعدم انفكاك الفرض عن التصويب ولو بعد قيام الدليل على الإجزاء ؛ اللهم إلاّ أن يقال : إن ثبوت الواقع في الجملة ـ ولو قبل العمل بالحكم الظاهري ـ يكفي في التفصّي عن لزوم إشكال التصويب ؛ فإنه لا إشكال في جواز تحصيل العلم بالواقع في حقه فيرتفع موضوع الحكم الظاهري فتأمّل.

وأولى بالإشكال : ما لو قام الدليل على الإجزاء في القسم الأول ؛ لأنه لا يحكم فيه العقل بلزوم المصلحة في تشريع الحكم الظاهري ، اللهم إلاّ أن يقال : إن عدم حكمه به فيما لم يقم هناك دليل على الإجزاء ، وأما بعد قيامه فيحكم به لا محالة فيتّحد القسمان من هذه الجهة وإن افترقا من حيث إطلاق الاعتبار وتقييده هذا فيما لو تبيّن الخطأ في أثناء الوقت.

وأما لو تبيّن بعد خروج الوقت المضروب للفعل فقد بنى شيخنا قدس‌سره لزوم تدارك الواقع وعدمه في الجزء الأول من « الكتاب » عند الكلام في كيفيّة جعل الطرق على كون المراد من الفوت في دليل القضاء مجرد ترك الواجب الواقعي في الوقت وإن تداركت مصلحته ؛ حيث إن في ترخيص الشارع لترك الواقع في الجزء الأخير من الوقت مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع في حكم العقل أو فوت الواقع ؛ من حيث إن فيه مصلحة. لكن قد عرفت الإشكال في هذا المبنى منّا فيما بيّنا لك في المقام.

وممّا ذكرنا لك كله تعرف : حكم تبدل رأي المجتهد في المسألة قبل العمل

٢٢١

وبعده ، قبل خروج الوقت وبعده ، تبدّل رأيه إلى العلم بالخلاف أو الظنّ المعتبر به ؛ فإن مقتضى القاعدة العمل بمقتضى الرأي الثاني إذا كان التبدّل قبل العمل ، بل لم يخالف فيه أحد ، ووجوب الإعادة والتدارك إذا كان بعده مطلقا ونقض الآثار السابقة حتى في المعاملات بالمعنى الأعمّ إلاّ فيما إذا قام هناك إجماع على عدم النقض أو دليل آخر كدليل نفي الحرج.

نعم فيما لو تبدّل ترجيحه إلى الشكّ والتردّد في المسألة بعد العمل بالترجيح السابق يمكن الحكم بصحّته من جهة قاعدة الشكّ بعد الفراغ وإن كانت الشبهة في الحكم في نفس المسألة ، وإن كان فيه ما فيه ، وتعيّن عليه الرجوع إلى مقتضى الأصل بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة ، وفي المسألة أقوال يطلب من محلّها سيجيء الإشارة إلى بعضها في آخر هذا الجزء من « الكتاب » إن شاء الله تعالى.

رابعها : الأمر العقلي العذري ، وفي ألسنة بعض من عاصرناه أو قارب عصرنا توصيفه بالأمر الظاهري العقلي (١) ، وإن كان الحق توصيفه بالأمر الخيالي. وقد عرفت : توهّم وجوده في زعم غير واحد في الجاهل المركّب والناسي وأضرابهما ، وقد بنى الأمر عليه المحقق القمي قدس‌سره في « القوانين » في مواضع منه.

__________________

(١) أنظر غاية المسؤول في علم الأصول ـ تقرير بحث الآخوند الأردكاني قدس‌سره بقلم العلاّمة السيّد محمّد حسين الشهرستاني المتوفى سنة ١٣١٥ ـ بحث الإجزاء ص ٢٨٢ ـ وكذا مطارح الأنظار للشيخ الأنصاري بقلم الميرزا أبي القاسم الكلانتري الطهراني ج ١ / ١٢٧ ، وتعليقة السيد علي علي القزويني على المعالم : ج ١ / ٤٠٦.

٢٢٢

ولكنك قد عرفت : أنّه لا أمر هناك أصلا بالنسبة إلى ما يأتون به لا من الشارع ولا من العقل ، وإنّما يأتي الغافل بالفعل بداعي الأمر الغير المتوجّه إليه ، فإذا انكشف الخلاف وارتفع العذر يجب عليه تدارك الواقع في الوقت وخارجه ما لم يقم عليه دليل من الشارع على الاجتزاء بما فعله ، وبعد قيامه يكشف عن وجود مصلحة متداركة في فعله وإن عوقب على مخالفة الواقع ، كالجاهل بالجهر والإخفات بناء على شمول كلامهم للجاهل المقصّر كما ستقف على تفصيل القول فيه.

فإن قلت : إذا اعتقد المكلّف مطابقة ما يأتي به للواقع وأتى به بهذا العنوان فيحكم العقل بوجوبه من حيث كونه إطاعة للشارع في زعم المكلّف وانقيادا له ، وإن أخطأ في هذا الاعتقاد ؛ لأن الخطأ في اعتقاد الحكم الشرعي لا يوجب الخطأ في حكم العقل كما هو ظاهر ، فالمراد من الأمر العقلي في كلماتهم هذا المعنى ، وإن كان توصيفه بالظاهري خطأ إلا أنه لا مشاحة في الاصطلاح.

قلت : بعد تسليم حكم العقل في الجزئيات إن حكمه بوجوب الإطاعة حكم إرشاديّ صرف ، لا يوجب تصحيح العمل المخالف للواقع وارتفاع الأمر الشرعي المتعلّق به مع عدم موافقته بالفرض من جهته وهذا أمر لا ينبغي الارتياب فيه أصلا ، فإن كان مقصود القائل هذا الأمر فلا يجديه في شيء فافهم.

نعم ، لو كان المكلف غافلا لجهله المركب في برهة من الزمان ، ثم تفطّن وشكّ في مطابقة أعماله السابقة للواقع أو الطريق الذي يرجع إليه لاحقا بني على

٢٢٣

الصحّة ؛ نظرا إلى قاعدة البناء على الصحّة بعد الفراغ ، ولعلّنا نتكلّم في هذا زيادة على هذا إن شاء الله تعالى.

فإن قلت : بعد قيام الدليل على الاكتفاء بغير الواقع عنه ما المصحّح للعبادة ؛ فإن كان الأمر الواقعي فالمفروض انتفاؤه ، وإن كان أمر آخر فقد التزمت بعدم حدوث أمر آخر بسبب طروّ الغفلة والنسيان ، وإن لم يكن هناك أمر أصلا ، فكيف يقصد التقرّب بالفعل؟

قلت : المصحّح رجحان الفعل في نفس الأمر واشتماله على جهة الأمر ، وإن كان هناك مانع في المكلّف من تأثيرها في توجيه الأمر إليه ، وهذا المقدار يكفي في صحّة العبادة.

ومن هنا نقول : بصحة الوضوء بعد دخول الوقت في الغايات المستحبّة ، وإن لم يتعلّق به الأمر الاستحبابي لأجلها لوجود المانع وهو الأمر الوجوبي ؛ حيث إن الغايات للوضوء ليست كالغايات في الغسل حتى يوجب اختلاف متعلّق الأمر الإيجابي والندبي ، غاية ما في المقام : عدم جعل المكلف الداعي رجحان الفعل واقعا ، بل جعله الأمر الواقعي الغير المتوجّه إليه ، إلاّ أنه مع هذا القصد قاصد للرجحان ضمنا ونلتزم بكفاية هذا المقدار أيضا فتدبّر.

وقد خرجنا بطول البحث في المسألة عن وضع التعليقة إلاّ أن رجاء انتفاع

٢٢٤

المشتغلين ووقوعهم على لبّ المسألة وخالصها سيّما ولدي وقرّة عيني (١) وفّقه الله تعالى لمرضاته حملني على ذلك وإن مضى بعض الكلام فيها في الجزء الأوّل من التعليقة أيضا (٢).

(٤٨) قوله قدس‌سره : ( ومن ذلك يعلم الفرق بين ما نحن فيه ... إلى آخره ) (٣). ( ج ٢ / ٣٦٦ )

__________________

(١) يريد به نجله العلاّمة الفاضل آية الله الشيخ مرتضى الآشتياني قدس‌سره ( ١٢٨١ ه‍ ـ ١٣٦٥ ه‍ ) أنظر ترجمته في آخر التعليقة رقم ٨٢.

(٢) أنظر بحر الفوائد : ج ١ / ٧٤ في أكثر من مورد.

(٣) قال المحقق السيّد عبد الحسين اللاري قدس‌سره :

« المقصود ليس إبداء الفرق بين ما نحن فيه وهو جزئيّة السورة في الصلاة وبين شرطيّة عدم لبس الحرير فيها من حيث الجزئيّة والشرطيّة ؛ لعدم الفرق من هذه الحيثيّة ، ولا إبداء الفرق بينهما من حيث اعتبار السورة فيما نحن فيه بالحكم الوضعي وهو الجزئيّة واعتبار عدم لبس الحرير بالحكم التكليفي ؛ لعدم فارقيّة الحكم للوضعي بعد فرض كونه غيريّا.

بل المقصود إبداء الفارقيّة بينهما من حيث إنّ شرطيّة عدم لبس الحرير في الصلاة مسبب عن التكليف فيختص بغير الغافل ـ عكس ما نحن فيه ـ حيث إنّ التكليف بالسورة مسبّب عن جزئيّتها.

والشاهد على ذلك الفرق قوله : « لا تلبس الحرير » تكليفى نفسي عام لغير الصّلاة أيضا بخلاف التكليف المفروض بالسورة في الصّلاة ؛ فإنه على تقديره غيريّ خاصّ بالصلاة فقط » إنتهى. أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٤٢.

* وقال المحقّق الأصولي الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

٢٢٥

أقول : قد عرفت شرح القول فيما أفاده : من الفرق بين الجزئيّة المستكشفة من التكليف الغيري التي لا يلزم من انتفاء التكليف انتفائها وإن لم يكن انتفاؤه دليلا على وجوده أيضا ، والشرطيّة المسبّبة من التكليف النفسي المعلولة له التي يلزم من انتفاء التكليف انتفاؤه ، كشرطيّة إباحة المكان واللباس المسبّبة عن

__________________

« وتحقيق المقام : هو الفرق بينما ثبتت الشرطيّة لأجل القول بعدم إجتماع الأمر والنهي فيما تعلّق الأمر بعنوان والنهي بعنوان آخر وإجتمعا في مورد مع تعدد الجهة وبينما ثبتت الشرطيّة لأجل القول بدلالة النهي على الفساد في العبادات فيما تعلّق الأمر بعنوان كلّي والنهي ببعض أفراده أو دلّ الدليل بأمر غيري على أخذ شيء في المأمور به شطرا أو شرطا بكون مقتضى الأوّل هو القول بالشرطيّة حين الإلتفات ومقتضى الثاني هو القول بالشرطيّة في الواقع ، وذلك لأنه لا ريب في اختصاص الأحكام التكليفيّة بحال الإلتفات ، فإذا قلنا باشتراط إباحة المكان في الصّلاة لأجل القول بعدم جواز إجتماع الأمر والنهي فلا بد من تخصيص الشرطيّة بحال الإلتفات إلى النهي دون الغفلة عنه ، ومرجعه إلى تقييد إطلاق وجوب الصلاة بحال الإلتفات إلى النهي بخلاف ما لو ورد الأمر بالصّلاة والنهي عن إيقاعها في مكان مغصوب لكونه من قبيل المطلق والمقيّد ، وحكمها مقيّدا لموضوع المطلق فلا يرتفع التقييد بارتفاع النهي ؛ لأنه إذا فرض كون النهي غيريّا وكاشفا عن أخذ عدم الخصوصيّة الملحوظة في المنهي عنه في موضوع الدليل المطلق فهو يستلزم كون متعلق الأمر في الأمر في المطلق هي الطبيعة المقيّدة في الواقع ، ونحوه الكلام فيما دلّ الدليل بالأمر الغيري على أخذ شيء في شيء شطرا أو شرطا ؛ إذ لا بد حينئذ أن يكون المرتفع بسبب نسيان الشرط هو الأمر المتعلّق به دون شرطيّته » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٣٧٨.

٢٢٦

تحريم الغصب ومانعيّة لبس الحرير المسبّبة عن النهي عن الصّلاة في الحرير إلى غير ذلك.

لا يقال : مقتضى ارتفاع الشرطيّة بحسب الواقع في صورة الغفلة عن التكليف النفسي ولو كان الفعل المتعلّق للخطاب التحريمي النفسي من حيث عدم تعلق الغفلة به اختياريّا متعلّقا للخطاب الواقعي يستلزم سقوط التكليف بالنسبة إلى الشرط والمشروط معا ، والمفروض عدم حدوث تكليف آخر بالفعل الفاقد للشرط فلا مصحّح له ، فيحتاج الحكم بالاجتزاء به إلى دليل كالفاقد للجزء نسيانا أو جهلا مركّبا ، فيتّحد الجزء والشرط حكما.

لأنا نقول : ما ذكر إنّما يستقيم فيما كان شرطا للمأمور به ومأخوذا في مرتبة الجزء لا فيما كان مأخوذا في الامتثال على ما هو المفروض ؛ فإن الغفلة عنه لا يوجب الغفلة عن المأمور به ، فلا يكون هناك مانع من تعلّق التكليف به كما هو ظاهر.

٢٢٧

(٤٩) قوله قدس‌سره : ( قلت : بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٦٧ )

__________________

(١) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« فإن قلت : كيف تدّعي أنّ المقدّر هو خصوص المؤاخذة والنبوي وارد في مقام بيان الإمتنان على هذه الأمّة وليس في رفع مؤاخذة الأمور التسعة منّة عليهم لكونها مرفوعة بحكم العقل عن سائر الأمم أيضا؟

قلت : ـ مع منع قبح المؤاخذة على جميع الأمور التسعة لعلّ المقصود رفع مؤاخذة الجميع باعتبار المجموع ـ : انه يحتمل ان يكون المرفوع عنهم هو وجوب المحافظة على الوقوع فيها بأن يتذكّر محفوظه مرارا لئلاّ ينساه ويحافظ على مقدّمات سائر الأمور التسعة لئلاّ يقع فيه ، ولعلّ هذه المحافظة كانت واجبة على سائر الأمم وكانوا مؤاخذين بتركها فرفع وجوبها عن هذه الأمّة امتنانا عليهم.

وهذا وإن كان خلاف الظاهر إلاّ ان الحمل على إرادة العموم أبعد منه ، وأمّا رواية المحاسن :

[ وضع عن امتي ما أكرهوا عليه ... « المحاسن ٢ : ٧٠ كتاب العلل ـ ح ١٢٤ ] فمع اختصاصها بالثلاثة من التسعة مخالفة لمذهب الإماميّة ؛ فإنّ الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك باطل عندنا مع الإختيار أيضا ، وظاهر الرّواية بطلانه من جهة الإكراه لا من حيث هو.

وغاية ما يستفاد من خبر المحاسن هو إرتفاع الآثار التي ثبتت شرعا بالتزام المكلّف بحلف أو نذر أو نحوهما لا الآثار التي أثبتها الشارع ابتداءا كالضمان المرتّب على الإتلاف أو اليد أو نحوه ، فهو إنّما يصير قرينة على الإرتكاب خلاف الظاهر في خبر الرفع بمقدار مدلوله وهو ما ذكرناه لا مطلق الآثار.

٢٢٨

أقول : لا يخفى عليك أن ظاهر ما أفاده في الجواب : كون المراد من الجزئيّة في السؤال الحكم الوضعي بالمعنى المعروف الذي وقع الكلام في كونه مجعولا شرعيّا مستقلاّ في قبال جعل الحكم التكليفي في مورده ، أو أمرا إعتباريّا منتزعا من جعل الحكم التكليفي في مورده ، فيكون جزئيّة الجزء ككليّة الكلّ ومأموريّة المأمور به مثلا.

فيتوجّه عليه : بأن المراد منها في المقام ليس هذا المعنى قطعا ، بل المراد هو مقدّميّته وتوقف المركّب عليه في نفس الأمر ، وليس هذا المعنى أمرا إعتباريّا في المقدّمات جزما ، كيف؟ والدليل على الصحة في موارد نسيان بعض الأجزاء يكشف عن هذا المعنى ، وإلاّ لما أمكن حكم الشارع بصحة عمل الفاقد للجزء مع فرض جزئيّته وتوقّف العمل عليه ، وإن لم يمكن تعلّق التكليف والأمر بالعمل الفاقد له لما عرفت : من استحالة التنويع بحسب الالتفات والغفلة.

فمراد السائل كشف النّبوي ـ بناء على تعميمه لرفع غير المؤاخذة ـ عن كون الأمر في مقدّميّة المقدّمات على هذا الوجه ، فيستدلّ به على الأصل الثانوي في نسيان الأجزاء فيحكم بمقتضاه ، إلاّ فيما قام هناك دليل خاصّ على خلافه كما

__________________

ومع التسليم فغاية ما يسلّم كون خبر المحاسن قرينة على ارتفاع الأحكام الوضعيّة خاصّة لا الأعم منها ومن التكليفيّة. اللهمّ إلاّ ان يقال : ان الظاهر ان استشهاد الإمام ٧ بالنبوي من قبيل الاستدلال بالكلي عن بعض جزئيّاته ، فالمراد هو نفي جميع الآثار من دون اختصاص ببعضها » إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٢٦١ و ٣٧٨.

٢٢٩

قام عليه في أركان الصلاة ، ولا يريد بذلك إثبات التكليف بالناقص ، ولا رفع الجزئيّة التي هي من أحكام الوضع هذا.

ولكن يمكن التفصّي عنه : بأن المراد وإن كان ما ذكر في المناقشة إلا أن الجزئية بالمعنى المذكور أيضا ليست أمرا جعليّا للشارع ، بل هو أمر ثابت في نفس الأمر كشف عنه بيان الشارع على القول بتعميم النّبويّ لا يشمل رفع الجزئيّة بالمعنى المذكور أيضا ـ بناء على اختصاصه برفع الآثار الشرعيّة على ما هو المفروض ـ فالنّبوي لا يجدي في إثبات القاعدة الواردة على أصالة الاشتغال في المسألة ، ويمكن تنزيل كلام شيخنا قدس‌سره على هذا المعنى وإن كان بعيدا عن مساق كلامه.

(٥٠) قوله قدس‌سره : ( نعم ، لو صرّح الشارع : بأن حكم نسيان الجزء الفلاني ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٦٨ )

بيان المرفوع في حديث الرفع

أقول : ما أفاده من الفرق في الحكم برفع الأثر الشرعي المترتّب على المنسيّ بواسطة أمر عقليّ أو عاديّ بين النّبوي ـ المقضي بناء على عدم اختصاصه برفع المؤاخذة لرفع جميع الآثار الشرعيّة ـ والدليل الخاصّ الوارد في نسيان بعض الأجزاء الحاكم بكونه مرفوعا ـ من حيث إن الأوّل لا يقتضي بدلالة

٢٣٠

الاقتضاء رفعه ، والثاني يقتضيه ـ مما لا ينبغي الارتياب فيه أصلا ؛ لأن رفع الأثر المذكور من حيث كونه شرعيّا أمر ممكن لا غبار فيه أصلا.

ومن هنا لا يفرّق بينه وبين الأثر الشرعي بلا واسطة في الأمارات الظنيّة المعتبرة إذا كان اعتبارها من حيث كشفها بعنوان الإطلاق ، وإنّما لم يقل بالتعميم وعدم الفرق بينهما بالنسبة إلى النّبوي وأخبار الاستصحاب ؛ من حيث عدم ظهورها في التعميم ، لا من حيث عدم قابليّة الأثر المذكور لتعلّق الجعل الشرعي به.

وأما إذا ورد دليل على تنزيل الموجود منزلة المعدوم أو العكس ولم يكن له إلاّ الأثر المزبور ، فلا بد من رجوع التنزيل إلى جعله من جانب الشارع وإن كان التنزيل ظاهريّا ؛ نظرا إلى تعيّن إرادته بحكم العقل ، بل بحكم العرف أيضا بعد الالتفات إلى ما ذكر فيحكم في المقام ـ بعد ورود دليل على رفع نسيان السورة مثلا ـ إن الأمر الشرعي المتعلق بالصّلاة يرتفع بعد الإتيان بالصلاة الخالية عنها ؛ من حيث إن بقاءه كحدوثه بجعل الشارع فلا يجب الإعادة ؛ من حيث كونه من لوازم بقاء الأمر بعد الالتفات وإن كان عقليّا.

وبمثل ما حرّرنا ينبغي تحرير المقام لا بمثل ما أفاده : من حمل الكلام فيما ورد هناك دليل خاصّ على إرادة رفع الإعادة ؛ فإن المستفاد من بعض كلماته كون وجوب الإعادة أمرا عقليّا ، اللهم إلاّ أن يكون المراد من رفعه رفع الحكم الشرعي

٢٣١

الموجب له فتدبّر.

وأمّا ما أفاده الشيخ قدس‌سره في « الفصول » في بيان معنى النّبوي ومساعدته على رفع الجزئيّة ، بخلاف أصالة عدم الجزئيّة ، فقد عرفت ، أو (١) ما أفاده في رجوعه عنه وإن كان مبنى رجوعه أيضا على كون الجزئية أمرا انتزاعيّا اعتباريّا كظاهر ما أفاده شيخنا قدس‌سره في تحرير المقام على ما عرفته.

ثمّ إن الكلام في حكم نسيان شرط المأمور به كالكلام في حكم نسيان الجزء حتى بالنسبة إلى القاعدة الثانويّة المسلّمة في باب الصلاة ؛ فإن في بعض أخبارها تصريح بحكم الشرط مثل الصحيحة ؛ لمكان استثناء الشرط فيها ، وبعضها ظاهر في حكم نسيانه كالمرسلة وما بعدها. وأما حكم نسيان شرط الامتثال فقد عرفت : من شيخنا قدس‌سره التصريح بمخالفة حكمه لحكم نسيان غيره. ومنه يظهر : أن مراده من الشرط في قوله : ( ثم إن الكلام في الشرط ... إلى آخره ) (٢) هو شرط

__________________

(١) كذا في النّسخ الموجودة عندنا.

(٢) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

« أقول : قد اشتهر في الكتب الفقهيّة تقسيم الشرط إلى واقعي وعلمي وذكري.

وقد يطلق الأوّل في مقابل الأخيرين وقد يطلق في مقابل أحدهما.

والمراد بالأوّل : أن يكون الشرط بحيث يبطل المشروط بالإخلال به مطلقا سواء كان مع العلم والتذكر أم مع الجهل والغفلة كالطهارة من الحدث بالنسبة إلى الصلاة.

٢٣٢

__________________

وبالثاني : ما لا يبطل المشروط بالإخلال به عن جهل كالطهارة من الخبث في الجملة بالنسبة إلى الصّلاة.

وبالثالث : ما لا يبطل المشروط بالإخلال به عن غفلة كإباحة المكان بالنسبة إلى الصلاة بناء على صحّة الصلاة في المكان المغصوب مع الغفلة عن كونه مغصوبا.

وتحقيق المقام يقتضي بيان صور المسألة وهي أربع :

إحداها : أن يكون كل من دليل المشروط والشرط مطلقين شاملين لصور العلم بالشرط والجهل به والتذكر له والغفلة عنه بأن قال الشارع : ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) بناء على كون الفاظ العبادات أسام للأعم ، وقال : ( لا صلاة إلاّ بطهور ) لأن إطلاق دليل الشرط يقتضي كونه شرطا مطلقا ولا يعارضه إطلاق دليل المشروط حتى يقال : بأن المتيقن منه تقييد إطلاقه بالنسبة إلى حالتي العلم والتذكّر خاصّة لحكومة إطلاق دليل الشرط على إطلاق دليل المشروط.

الثانية : أن يكون إطلاق الدليل في جانب الشرط دون المشروط ، فهي أولى من سابقتها في كون الشرط فيها واقعيّا لسلامة إطلاق دليله من معارضة إطلاق دليل المشروط.

الثالثة : عكس سابقتها : بأن كان إطلاق الدليل في جانب المشروط بأن كان الشرط ثابتا بدليل لبّي أو وقع في سياق الأمر بأن قال : ( تستّر في الصلاة ) لعدم شمول الأمر لغير حال العلم والتذكّر لعدم تعلّقه إلاّ بالمقدور ، والشرط المجهول والمغفول عنه غير مقدور للمكلّف فهو لا يثبت الشرطيّة إلاّ في حال العلم والتذكّر ، فيبقى إطلاق دليل المشروط بالنسبة إلى حالتي الجهل والغفلة على حاله ، هكذا قيل.

وفي إطلاقه نظر ؛ لأنه انّما يتمّ فيما كانت الشرطيّة ناشئة من امتناع اجتماع الأمر والنهي لا

٢٣٣

__________________

من إقتضاء الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه أو من ورود الأمر باعتبار شيء بناء على استظهار كون الوجوب في مثله غيريّا كما يوضحه ما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله في أصل المسألة وأوضحناه عند شرح قوله : ( ومن ذلك يعلم الفرق ... إلى آخره ).

وكيف كان : فمقتضى القاعدة فيما نحن فيه في الجملة ، بل ظاهر الفقهاء مطلقا ـ كما قيل ـ هو الأخذ بإطلاق دليل المشروط والحكم بعدم تقيّده بما ثبت من الشرطيّة إلاّ بالنسبة إلى حال العلم والتذكّر ؛ لأنه المتيقّن مما ثبت بدليل الشرطيّة فيحكم بصحة المشروط بدون الشرط مع الجهل به أو الغفلة عنه.

الرّابعة : ألاّ يكون لشيء من دليل المشروط والشرط إطلاق. بأن ثبت كل منهما بدليل لبّي أو لفظي مجمل وهي كسابقتها ؛ لأن المتيقّن من تقييد المراد الواقعي من دليل المشروط بدليل الشرط هو تقيّده بالنسبة إلى حالتي العلم والتذكّر خاصّة. هذا ما تقتضيه القواعد الشرعيّة في باديء النظر.

والذي يقتضيه التأمّل الصحيح خلافه وكون ما ثبتت شرطيّته في الجملة شرطا واقعيّا مطلقا.

أمّا في الصورتين الأوليين فلما تقدم ، وأمّا الصورتين الأخيرتين : فلأن الجهل بالشرط والغفلة عنه لا يتحقّقان إلاّ مع ثبوت الشرطيّة في حال الجهل والغفلة أيضا ؛ إذ مع عدم ثبوتها في الحالين لا يتحقّق جهل وغفلة أصلا.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إن متعلق الجهل والغفلة ما هو شرط في حال العلم والتذكّر مع أنّا نقول : إن الجاهل أو الغافل إنما يأتي بالفعل المجهول شرطه أو المغفول عن شرطه باعتقاد كون المأتي به هو المأمور به الثابت في حال العلم والتذكّر ، وحينئذ إن تعلّق الأمر بالمأتي به الفاقد

٢٣٤

المأمور به لا مطلقا كما هو ظاهر.

المسألة الثانية :

في زيادة الجزء عمدا

(٥١) قوله قدس‌سره : ( المسألة الثانية : في زيادة الجزء عمدا ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٧٠ )

__________________

للشرط لزم تعلّقه بما هو غير مقصود للمأمور وغير ملتفت إليه أصلا نظير ما ذكره المصنف رحمه‌الله في الجزء المنسي كما هو مقتضى إحالته الكلام في الشرط إلى ما ذكره في الجزء ولكنا ذكرنا هناك الفرق بينهما فراجع ولاحظ.

ومع تسليم عدم الفرق بينهما في الأصل الأوّلي لا فرق أيضا بينهما في الأصل الثانوي الثابت في خصوص الصلاة بعموم قوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصّلاة إلاّ من خمسة » وغيره من الأخبار فلا يحكم بفسادها مع فقد الشرط المجهول أو المغفول عنه إلاّ فيما ثبت بالدليل فتدبّر » إنتهى.

أنظر أوثق الوسائل : ٣٨٠.

(١) قال الشيخ موسى بن جعفر التبريزي قدس‌سره :

إعلم أن هنا أمورا لا بد من التنبيه عليها :

الأوّل : ما أشار المصنف رحمه‌الله : من اختصاص محلّ النزاع في الزيادة العمديّة ما بزيادة الجزء الذي لم يثبت اعتباره بشرط عدم الزيادة ولا بشرط مع كون الزيادة بقصد الجزئيّة لا بدونه ؛ لعدم الإشكال في البطلان على الأوّل وفي عدمه على الإخيرين.

٢٣٥

في كيفيّة اعتبار الأجزاء في المركّب المأمور به

__________________

الثاني : أن مرجع النزاع في إبطال الزيادة العمديّة للعبادة إلى النزاع في إبطال مشكوك المانعيّة لكونه جزئيّا من جزئيّات هذا النزاع ؛ لأن مرجعه إلى النزاع في كون الزيادة العمديّة مانعة من صحّة العبادة وعدمه.

فالأولى أن يقرّر النزاع في مطلق ما يشك في مانعيّته سواء كان على تقدير منعه من الموانع او القواطع.

الثالث : أن المراد من الإبطال حيثما قلنا بإبطال مشكوك المانعيّة للعبادة ليس على حقيقته ؛ لأن معناه إحداث البطلان في الشيء وجعل وجوده كعدمه بعد وقوعه صحيحا ، وموانع الصّلاة ليست كذلك ؛ لأنها إمّا مانعة من انعقادها صحيحة إن وقعت في ابتداءها وقاطعة لها إن وقعت في أثنائها.

نعم ، إطلاق المبطل على مثل الشرك على وجه الحقيقة ؛ لإحباطه جميع الأعمال الماضية كالعجب على قول كما سيشير إليه المصنف رحمه‌الله في معنى قوله تعالى : ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) [ محمد : ٣٣ ] إنتهى. أنظر أوثق الوسائل : ٣٨٠ ـ ٣٨١.

* وقال المؤسس الأصولي الشيخ محمد هادي الطهراني قدس‌سره :

« وفيه : ان كون العدم شرطا حيث يعبّر به مرجعه إلى كون الوجود مانعا ؛ ضرورة ان العدم لا يؤثّر ولا يتأثّر ولا يفسد العمل إلاّ على هذا التقدير ، فالبحث إنّما هو فيما يحتمل اعتبار الجزء بشرط لا.

وتوهّم : أن مرجعه إلى النّقيصة بيّن الوهن وإلاّ لم يكن للبطلان من جهة الزيادة معنى وانحصر في النقيصة وهو بديهي الفساد » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ٥٤.

٢٣٦

أقول : اعتبار فعل في المأمور به بعنوان الجزئيّة لا يخلو أمره من صور.

منها : اعتباره « بشرط شيء » بمعنى كون الجزء الموجودين المنضمّين كالسجود للصلاة في كل ركعة.

ومنها : اعتباره « بشرط لا » ، أي : بشرط عدم الزيادة.

ومنها : اعتباره بعنوان « لا بشرط » بمعنى : الطبيعة الصادقة على القليل والكثير عرفا بحيث يكون كل منهما فردا عرفا للطبيعة ، كالمشي الصادق على القليل والكثير بنسبة واحدة بمعنى كون الكثير ما دام المكلّف متشاغلا به أمرا مستمرّا واحدا في نظر العرف ، وإن كان مقتضى المداقّة العقليّة خلافه فتأمل.

ومنها : اعتباره وأخذه في المأمور به من دون ملاحظة شيء من الملاحظات ونظر إليها حتى الملاحظة الأخيرة ، فلو قام الدليل الشرعي على بطلان المأمور به بزيادته لم يكن من جهة نقص في الجزء ، بل من جهة كونها مانعة وعدمها معتبرا في المأمور به في قبال وجود الجزء.

ومحلّ الكلام في المقام إنّما هو في هذا القسم الأخير لا في غيره من الأقسام السابقة عليه ، والوجه فيه ظاهر لا يحتاج إلى البيان.

ثمّ إنه يعتبر في زيادة الجزء أمران :

أحدهما : كون المزيد من جنس المزيد عليه وسنخه.

ثانيهما : كون الإتيان به بعنوان الجزئيّة وقصدها لا لداع وغرض آخر ديني ،

٢٣٧

أو دنيويّ راجح ، أو مرجوح ، أو متساوي الطرفين.

وأمّا تسمية السجود للعزيمة بالزيادة في المكتوبة فيما نهي عن قراءة السورة المشتملة إليها الموجبة للسجود لقراءة آية السجدة معلّلا : بأن السجود زيادة في المكتوبة ، فلعل المراد بها الإلحاق الحكمي ، فالتسمية من باب المسامحة : من حيث الشباهة الصورية لأجزاء الصلاة ، ويحتمل أن يراد بالزيادة في المكتوبة غير ما هو المراد من زيادة الأجزاء ، وهو الأمر الخارجي المغيّر للهيئة المخصوصة المعتبرة في نظر الشارع للصلاة ، ولا ينافي دخوله في العنوان المذكور كونه من العبادات أيضا.

وما أفاده قدس‌سره في المقام من الوعد لتعرض معنى الزيادة في المكتوبة بعد ذلك لا يفي به.

٢٣٨

(٥٢) قوله قدس‌سره : ( كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا عن تقصير (١) ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٢ / ٣٧٠ )

أقول : المراد من الاعتقاد التشريعي المستند إلى التقصير ـ على ما أفاده قدس‌سره في مجلس المذاكرة ـ هو الاعتقاد الحاصل لأكثر العوام الذين لا يرتدعون عنه

__________________

( * ) لفظ « عن تقصير » لا يوجد في نسخة الكتاب المطبوع.

(١) قال المحقّق الكرماني قدس‌سره :

« في نسخة مقروّة عند الشيخ المصنف رحمه‌الله لمن يتفرّد في الفن في عصره خصوصا في الكتاب زيادة « عن تقصير » ملحقا بقوله : « شرعا أو تشريعا » لإخراج الجاهل القاصر.

وفيه ـ على الأوّل مع استلزامه كفاية عمل الجاهل القاصر المعتقد كون الناقص تامّا شرعا مع بقاء الوقت لو سلّمت كفايته خارج الوقت مع اني لا اظن من يقول به ـ : ان الكلام في كون المزيد عليه كاملا أو ناقصا لا في قناعة الشارع به عنه على أصله في غير مورد من النظائر ، وعمل القاصر من هذا القبيل.

وعلى الثاني ـ على تفسير التشريع : بانه ادخال ما علم المشرّع انه ليس من الدين فيه ـ لا حاجة إلى إخراج القاصر لخروجه وفرض قصوره عن العلم بكون هذا الإدخال محظورا لا ينفع في كون غير الصحيح صحيحا مع بقاء الوقت ، بل خارجه.

وعلى تفسيره : بانه إدخال ما لم يعلم كونه من الدين فيه أيضا لا يكفي القصور في صحة عمله مع بقاء الوقت ، بل خارجه.

وبالجملة : فالتقييد غير نافع ، بل مضرّ » إنتهى. أنظر حاشية رحمة الله على الفرائد : ٢٨٨.

* أقول : وللمحقّق الإصفهاني رحمه‌الله تعالى هنا تعليق لطيف ينبغي اغتنام مراجعته ، أنظر نهاية الدراية : ج ٤ / ٣٥١ ـ ٣٥٩.

٢٣٩

ولا يزيل عنهم مع نهيهم عن العمل وتنبيههم على فساد سلوك الطريق الذي يسلكونه ؛ من جهة عدم اعتنائهم بقول الناهي ، فيقلّدون سلفهم أو من يحذو حذوهم بجبلّتهم العواميّة المنحرفة عن الحقّ المائلة إلى الباطل ، كما نشاهد بالوجدان في حق أهل البوادي ، بل البلدان ، بل ربّما نشاهد في حق بعض من يدّعي كونه من الخواصّ وأهل الاجتهاد في الأحكام ؛ فإنه كثيرا لا يرتدع بردع غيره عن سلوك ما ليس أهلا له عصمنا الله وإخواننا من الأهواء الباطلة والنفس الأمّارة بالسّوء.

ثمّ إن حصر أقسام الزيادة فيما ذكره وصدقها بالنسبة إلى جميعها ممّا لا يعتريه ريب أصلا ، ولا يتوهّم كون رفع اليد بعد الفراغ عنها والإتيان بسورة أخرى من القرآن ؛ ضرورة اشتراط صدقه بعدم رفع اليد عن السّابقة فتدبّر.

نعم ، التمثيل للقسم الثالث بإتيان بعض الأجزاء رياء إنّما يستقيم على تقدير عدم إيجاب الرياء في الجزء صدق الرّياء عرفا في الكل ، وإلاّ كان خارجا عن مفروض البحث كما هو ظاهر.

وأمّا ما أفاده في حكم الأقسام فلا إشكال فيه أيضا ؛ لأن حكمه بالبطلان في القسم الأوّل بعد الفراغ عن عدم اعتبار كون الجزء « بشرط شيء » مستندا إلى قصد الإتيان بالعمل على وجه يعلم عدم الأمر به على كل تقدير ؛ لأن واقعه لا يخلو : إمّا أن يكون مأخوذا « بشرط لا » أو « لا بشرط » ، فقد قصد خلاف الأمرين فيكون فاسدا. وحكمه بالصحّة في الأخيرين مبنيّ على ما أفاده في أصل دوران الأمر في المكلّف به بين الأقلّ والأكثر : من اختيار الرجوع إلى البراءة بعد رجوع الشكّ في

٢٤٠