بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

وإن كان استدلاله عليه بقوله : « وإلاّ لم يكن الحلال البيّن ولا الحرام البيّن موجودا لوجود الاختفاء والاشتباه في النوعين من زمان آدم عليه‌السلام إلى الآن بحيث لا يوجد الحلال البيّن ولا الحرام البيّن ، ولا يعلم أحدهما من الآخر إلاّ علاّم الغيوب » (١).

محلّ نظر بل منع ؛ لأنّ فساد الاستدلال مع صراحة المدّعى والدّليل فيما ذكرناه ، لا يوجب قلب المراد. نعم ، الإيراد عليه بعموم الحديث للشبهتين ممّا لا محيص عنه.

والعجب أن المستفاد من قوله قدس‌سره بعد ذلك ـ في طيّ الإيراد : « ولو استشهد بما قبل النبوي من قول الصّادق عليه‌السلام إنّما الأمور ثلاثة ، كان أظهر في الاختصاص » (٢) ـ كون الشّيخ في مقام دعوى الاختصاص لا التخصيص ، ومع ذلك أورد عليه بما عرفت.

فلا بدّ من الإيراد عليه بعموم أخبار التثليث النّبوي التي منها ما استشهد به للشبهتين كما عرفت.

نعم ، التثليث الإمامي في الرواية المذكورة مختصّ بالشبهة الحكمية جدّا ؛

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر أيضا.

٨١

لأن قوله عليه‌السلام : « وأمر مشكل يردّ إلى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) كالنّصّ في الاختصاص بالشبهة الحكميّة ؛ لأن الشبهة الموضوعية لا تردّ إلى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن ردّ حكمها إليهما كما هو ظاهر ، وفساد ما استند إليه في دعوى الاختصاص : من عدم وجود البيّن من القسمين في الموضوعات الخارجيّة ، ولا يعلم بهما إلاّ علاّم الغيوب لكثرة تخصيص القسمين في الموضوعات ، بل أكثريّتهما من الأحكام ؛ لأن الحلال البيّن في الموضوع كالتصرّف في المباحات الواقعيّة من الأراضي والجبال والشطوط والأنهار وغير ذلك كثير في الغاية ، وأظهر منه أمر المحرّم من حيث الموضوع.

نعم ، الحلال البيّن في بعض الموضوعات ، كما في الطهارة والأملاك قليل مع قطع النظر عن قيام الأمارة الشرعيّة عليه ، لكنّه لا يوجب القلّة مطلقا فضلا عن الانعدام رأسا ، مع أن القلّة مطلقا مع كونها خلاف المدّعى لا تقدح في الحكم بإرادة العموم.

نعم ، لو أريد التمسّك بالإطلاق في مورد بالنسبة إلى الفرد النادر ، كان الإشكال فيه في محلّه ، لكنّه لا تعلّق له بالمقام.

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ١ / ٦٨ باب « اختلاف الحديث » ـ ح ١٠ ، ورواه الفقيه : ج ٣ / ١٠ باب « الإتفاق على العدلين في الحكومة » ـ ح ٣٢٣٣ ، والتهذيب : ج ٦ / ٣٠١ باب « من الزيادات في القضايا والأحكام » ـ ح ٥٢ ، عنهما وسائل الشيعة : ج ٢٧ / ١٥٦ ، باب « وجوب التوقف والاحتياط في ... » ـ ح ٩.

٨٢

وأمّا ما أفاده بقوله : « أقول : ما دلّ على التخيير والتوسعة ... الى آخره » (١) ردّا على قول الشيخ : « ومنها ما ورد من الأمر البليغ ... الى آخره » (٢).

قد يناقش فيه أيضا : بأن الأولى أن يجاب عما دلّ على التوقّف والاحتياط في تعارض الخبرين بما عرفته في المسألة الثالثة فراجع. وعمّا دلّ على الاحتياط والتوقّف مطلقا بما عرفته في المسألة الأولى.

نعم ، على تقدير تسليم ظهورها في وجوب الاحتياط بالوجوب الظاهريّ الشرعي يتصرّف فيها بما دلّ على الحلّيّة في خصوص الشبهة الحكميّة ، مثل قوله : « كلّ شيء مطلق » (٣) ـ الحديث ـ لكونه نصّا بالنسبة إليها على ما عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السابقة.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره في ردّ ما ذكره الشيخ رحمه‌الله : « ومنها أن الشّبهة في نفس الحكم يسأل عنها الإمام عليه‌السلام ... الى آخره » (٤) بقوله : « أقول : ما ذكره من الفرق لا مدخل له إلى آخر ما أفاده » (٥).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٣٣.

(٢) الفوائد الطوسية : ٥١٩.

(٣) الفقيه : ج ١ / ٣١٧ ـ « استحباب البكاء من خشية الله ... » ـ ح ٩٣٧ ، وسائل الشيعة : ج ٦ / ٢٨٩ باب « جواز القنوت بغير العربية » ـ ح ٣.

(٤) الفوائد الطوسية : ٥١٩.

(٥) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٣٤.

٨٣

فقد يناقش فيه : بأن غرضه من الفرق المذكور بيان اختصاص ما دلّ على الوقف والاحتياط بالشبهة الحكميّة ؛ نظرا إلى أن المذكور في غير واحد من أخباره الأمر بالوقوف حتى يسأل ، فيستظهر منها الاختصاص بالشبهة الحكميّة ؛ نظرا إلى أن وجوب البحث والسؤال إنّما هو فيها.

في ان الأئمة صلوات الله عليهم عالمون بما كان وما يكون وما هو كائن

وأمّا الشبهة الموضوعيّة فإنّما يسأل عن حكمها الظاهري لا عنها من غير فرق بين أن يكون علم النبيّ والأئمة عليهم‌السلام والصلاة بها على الوجه الذي ذكره الشيخ رحمه‌الله بزعم : أن علمهم الحضوري بجميع الموضوعات الخارجيّة من علم الغيب المختصّ بالباري تعالى ، وإن كان مقتضى « الآية » (١) كونهم عالمين بالغيب أيضا من حيث كونهم من الراسخين في العلم يقينا ، أو على غيره من الوجوه التي أشار إليها في « الكتاب » ، وإن كان الحق وفاقا لمن له إحاطة بالأخبار الواردة في باب : « كيفيّة علمهم صلوات الله عليهم أجمعين وخلقهم » كونهم عالمين بجميع ما كان وما يكون وما هو كائن ولا يعزب عنهم مثقال ذرّة ، إلاّ اسم واحد من أسمائه الحسنى تعالى شأنه ، المختص علمه به تبارك وتعالى ، سواء قلنا بأن خلقتهم من نور ربّهم أوجب ذلك لهم ، أو مشيّة إفاضة باريهم في حقّهم أودعه فيهم.

ضرورة أن علم العالمين من أولي العزم من الرسل والملائكة المقرّبين فضلا

__________________

(١) آل عمران : ٧.

٨٤

عمّن دونهم في جميع العوالم ينتهي إليهم ؛ فإنهم الصّادر الأوّل والعقل الكامل المحض والإنسان التّام التمام. فلا غرو في علمهم بجميع ما يكون في تمام العوالم ، فضلا عما كان ، أو ما هو كائن كما هو مقتضى الأخبار الكثيرة المتواترة جدّا.

ولا ينافيه بعض الأخبار المقتضية لكون علمهم على غير الوجه المذكور ؛ لأن الحكمة قد تقتضي بيان المطلب على غير وجهه من جهة قصور المخاطب ونقصه ، أو جهة أخرى من خوف ونحوه ، مع عدم كذبهم من جهة التورية. ولو لا مخافة الخروج عن وضع التعليقة بل عن الفنّ لفصّلنا لك القول في ذلك ، وأسأل الله تعالى التوفيق لوضع رسالة مفردة في هذا الباب (١).

(٢٧) قوله قدس‌سره : ( ثم قال : ومنها : أن اجتناب الشبهة في نفس الحكم ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٣٤ )

أقول : الأولى نقل عبارة الشيخ بألفاظها في هذا الوجه ، فقال :

« ومنها : أن اجتناب الشبهة في نفس الحكم الشرعي أمر ممكن مقدور ؛ لأن أنواعها قليلة لكثرة الأنواع التي ورد النصّ بإباحتها والأنواع التي ورد النصّ بتحريمها وجميع الأنواع التي يعمّ بها البلوى منصوصة ، وكلما كان في زمان الأئمّة عليهم‌السلام متداولا ولم يرد النهي عنه فتقريرهم فيه كاف.

وأمّا الشبهة في طريق الحكم فاجتنابها غير ممكن لما أشرنا إليه سابقا : من

__________________

(١) والظاهر انه لم يوفّق لوضع هذه الرسالة الشريفة.

٨٥

عدم وجود الحلال البيّن فيها ، وتكليف ما لا يطاق باطل عقلا ونقلا ، ووجوب اجتناب كل ما زاد على قدر الضرورة حرج عظيم وعسر شديد ، وهو منفي ؛ لاستلزامه وجوب الاقتصار في اليوم والليلة على لقمة واحدة وترك جميع الانتفاعات ، إلاّ ما استلزم تركه الهلاك.

والاعتذار بإمكان الحمل على الاستحباب لا يفيد شيئا ؛ لأن تكليف ما لا يطاق باطل بطريق الوجوب والاستحباب ، كما لو كان صعود الإنسان إلى السماء واجبا أو مستحبّا ؛ فإن كليهما محال من الحكيم » (١). انتهى كلامه رفع مقامه في بيان هذا الوجه.

وغرضه ممّا ذكره كما ترى ـ بعد تسليم العموم لأخبار وجوب الاجتناب بالنظر إلى اللفظ ـ صرفها عنه بالقرينة العقليّة والنقليّة ، ولا ريب في توجّه ما أفاده في « الكتاب » عليه ؛ ضرورة أن البحث في المسألة على ما عرفت الإشارة إليه فيما كان المورد خاليا عما يقتضي الحلّيّة أو الحرمة من الأمارات والأصول الموضوعيّة ، أو الحكميّة المسلّمة عند الفريقين. وبعد وضعه لا يبقى إلاّ موارد قليلة يرجع فيها إلى الأصل المذكور ولا يلزم منه حرج فضلا عن التكليف بما لا يطاق هذا.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره في ردّ ما ذكره الشيخ المحدّث رحمه‌الله أخيرا :

__________________

(١) الفوائد الطوسيّة للشيخ الحرّ العاملي قدس‌سره : ٥١٩.

٨٦

« ومنها : أنه قد ثبت وجوب اجتناب الحرام عقلا ونقلا ولا يتمّ ... إلى آخره » (١).

بقوله : « أقول : الدليل المذكور أولى بالدلالة ... إلى آخره » (٢).

فهو وإن كان مستقيما ، إلاّ أن مراده ـ على ما يقتضيه ظاهر كلامه كما لا يخفى ـ هو الاستدلال بما دلّ على وجوب إطاعة النواهي الشرعيّة من الأدلّة النقليّة والعقليّة ، لا نفس أدلّة المحرّمات ؛ لأن مفادها نفس التحريم ليس إلاّ. ويتوجّه عليه ـ مضافا إلى النقض بالشبهة الحكميّة الوجوبيّة وإلى ما أفاده في « الكتاب » ـ : ما أسمعناك مرارا : من أن دليل وجوب الإطاعة لا يثبت تكليفا على ذمّة المكلّف بحيث يعاقب على مخالفته ، ويجري قاعدة الشغل وحديث المقدّميّة بالنسبة إليه.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٣٥.

(٢) نفس المصدر.

٨٧

* التنبيه الثالث

(٢٨) قوله قدس‌سره : ( فالأولى : الحكم برجحان الاحتياط في كل مورد (١) ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٣٩ )

أقول : مراده قدس‌سره من الحرج (٢) : هو البالغ منه حدّ الاختلال ، كما هو ظاهره. وما أفاده في وجه دفع كون التحديد بذلك عسر مّا : من أنّ دليل الحرج ينفي التكليف الإلزامي بالأمر الحرجي لا التكليف الندبي ، فهو ظاهر لا سترة فيه أصلا (٣) ؛ لأن الحكمة في رفع التكليف العسري والموجب له مع تفويت المصلحة

__________________

(١) وفي نسخة الفرائد المطبوعة : في كل موضع لا يلزم منه الحرام.

(٢) الظاهر أن النسخة التي اعتمد عليها الميرزا الآشتياني كان فيها بدل « الحرام » « الحرج » وهي النسخة المشار اليها في الكتاب بنسخة « ص » لاحظ : ج ٢ / ١٣٩ من الفرائد.

(٣) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى أنّ هذا لا يكاد يتم إلاّ على تقدير عدم كون الإختلال مبغوضا تعلّق غرض الشارع بعدمه ، بل كان مثل العسر في انه إنما رفع منّه منه تعالى على العباد ، وهو كما ترى.

بداهة أنّه لا معنى للإحتياط في مورد الإختلال مع كونه مبغوضا لإمتناع تحقّق الإنقياد في العصيان » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٢٤.

* وقال الفاضل الجليل الشيخ رحمة الله معلّقا عليه :

٨٨

فيه على المكلّف هو التدارك بالتسهيل ، والتسهيل مفروض في التكليف الندبي فلا مسوّغ لرفعه هذا ، مضافا إلى ظهور الأدلّة بنفسها في نفي الإلزام.

نعم ، يكفي رعاية عدم وقوع المكلّف من غاية الاحتياط في الموضوعات في الوسواس ؛ فإن الشيطان يغتنم الفرصة ويتوسّل كثيرا ما من طريق الإطاعة إلى إلقاء المكلّف في الهلكة والله العاصم.

__________________

« أقول : معنى تحديد الإستحباب بلزوم الإختلال انه يستحب الإحتياط إلى حدّ اذا تعدّى عنه لزم الإختلال ، فلا استحباب له بعد هذا الحدّ اللازم منه الإختلال.

وبالجملة : الإستحباب مع الإختلال والتحديد بذلك عسر ، يعنى يلزم منه العسر في المحدود وهو استحباب الإحتياط لعسر ضبط ذلك الحد.

وجوابه : أنّ لزوم العسر في المستحبّات لا غائلة فيه لجواز الترك. بخلاف الواجب فإنّه محذور فيه ؛ لعدم جواز الترك ، فيلزم على المكلّف التكليف الذي فيه عسر.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره الخراساني أجنبي عن هذا المطلب كالحجر الموضوع بجنب الإنسان ؛ فإنّه لا إختلال في هذا التحديد ولا المحدود حتى يرتعد فيه بأنّ هذا يتمّ مع عدم كون الإختلال مبغوضا.

وأمّا كونه مبغوضا فلا لامتناع تحقق الإطاعة في العصيان فيقال : أيّ اختلال لزم هل هو في التحديد أو المحدود ؛ فإنّا ننفي الإستحباب معه ، لا أنّا نثبته معه فانصفوا يا أولي الأنظار واعتبروا يا أولى الأبصار » إنتهى. الفرائد المحشّي : ٢٢٦.

٨٩

التنبيه الرابع

عدم اختصاص الإباحة بالعاجز عن الإستعلام

(٢٩) قوله قدس‌سره : ( الرّابع : إباحة ما يحتمل الحرمة غير مختصّة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٤٠ )

أقول : ما أفاده قدس‌سره : من عدم اشتراط الرجوع إلى الإباحة في الشبهة الموضوعيّة بالفحص ممّا لا إشكال بل لا خلاف فيه ، بل الأمر كذلك في الرجوع إلى الأمارات والأصول مطلقا في مطلق الشبهة الموضوعيّة ، إلاّ في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة في بعض جزئيّاتها عند بعض على ما ستقف عليه في الخاتمة عند الكلام في شروط البراءة.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى إطلاق ما دلّ على الحكم فيها من العمومات والخصوصات ـ : جملة من الأخبار الظاهرة في نفي اشتراط الفحص.

منها : قوله عليه‌السلام في ذيل رواية مسعدة بن صدقة : « والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غيره ، أو تقوم به البيّنة » (١)(٢).

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٣١٣ باب « النوادر » ـ ح ٤٠ ، والتهذيب : ج ٧ / ٢٢٦ باب « من الزيادات » ـ ح ٩ ، عنهما الوسائل : ج ١٧ / ٨٩ باب « عدم جواز الانفاق من الكسب الحرام » ـ ح ٤.

٩٠

والعقل ؛ حيث إنه يجوز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص في الشبهة الموضوعيّة بخلاف الشبهة الحكميّة. هذا بعض الكلام في ذلك وستقف على تفصيله وشرح القول فيه في الخاتمة إن شاء الله.

__________________

قال المحقق الكرماني قدس‌سره :

« لا يخفى ان المنافى للمدّعى هو اشتراط حلّيّة الأشياء بعدم الإطّلاع على الحرمة بعد التحصيل لا كون الأشياء على الحلّيّة حتى يستبين الحرمة ولو بالتحصيل ، فالمدّعى يتمّ مع بقاء الإستبانة على إطلاقه من غير احتياج إلى ادّعاء ظهور الخبر في حصول الإستبانة وقيام البيّنة لا بالتحصيل.

فنقول : المدّعى عدم اشتراط إباحة الأشياء بالإستعلام ومدلول الخبر حلّيّة الأشياء حتى تظهر الحرمة مطلقا ولو بالإستعلام فهو ينطبق على المدّعى وأيّ احتياج إلى إدّعاء ظهور تقييد ممكن فيه المعارضة بالعكس ، وفرق بين جعل الشيء شرطا وجعله غاية ؛ فإنّ الثاني غير الشرطيّة بل مناف لها ، بل ناف لها ؛ فإن ما نفس تصوّره برهانه غنيّ عن البيان » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّى : ٢٢٦.

٩١
٩٢

المطلب الثاني : الشبهة الوجوبيّة

وفيه مسائل :

* المسألة الأولى : حصولها لفقدان النص

ـ تنبيهات المسألة الأولى :

١ ـ محل الكلام في المسألة الوجوب النفسي المستقل

٢ ـ رجحان الإحتياط وترتّب الثواب عليه

٣ ـ إختصاص أدلة البراءة بالشك في الوجوب التعييني

* المسألة الثانية : حصولها لإجمال النص

* المسألة الثالثة : حصولها لتعارض النّصين

* المسألة الرابعة : حصولها من جهة اشتباه الموضوع

٩٣
٩٤

المطلب الثاني : الشبهة الوجوبيّة

* المسألة الأولى : فيما إشتبه حكمه الشرعي الكلي

من جهة عدم النص المعتبر

(٣٠) قوله قدس‌سره : ( ثم ذكر الأمثلة للأقسام الثلاثة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٤٤ )

في دوران حكم العقل بين الوجوب وغير الحرمة

وذكر جملة من الأمثلة

أقول : الأولى نقل بقيّة العبارة بعينها. قال ـ بعد قوله لاستفاضة الأخبار بالنهي عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين ـ ما هذا لفظه :

« ما يحتمل تطرّق احتمال النجاسة أو الحرمة إليه كأخبار الجبّة ، وأخبار الفراء جريا على مقتضى سعة الحنفية كما أشار إليه في صحيحة البزنطي الواردة

٩٥

في السؤال عن شراء جبّة فراء لا يدرى أذكيّة هي أم غير ذكيّة يصلى فيها؟ حيث قال عليه‌السلام : ليس عليكم المسألة إن أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم لجهالتهم وإن الدين أوسع من ذلك (١).

إذا عرفت ذلك ، فاعلم : أن الاحتياط قد يكون متعلّقا بنفس الحكم الشرعي ، وقد يكون متعلّقا بجزئيات الحكم الشرعي وأفراد موضوعه ، وكيف كان : فقد يكون الاحتياط بالفعل ، وقد يكون بالترك ، وقد يكون بالجمع بين الأفراد المشكوك فيها.

ولنذكر جملة من الأمثلة ليظهر منها ما قلناه ، فمن الاحتياط الواجب في الحكم الشرعي المتعلّق بالفعل : ما إذا اشتبه الحكم من الدليل : بأن تردّد بين احتمال الوجوب والاستحباب ، فالواجب التوقّف في الحكم والاحتياط بالإتيان بذلك الفعل ، ومن يعتمد على أصالة البراءة يجعلها هنا مرجّحة للاستحباب.

وفيه : أوّلا ما عرفت : من عدم الاعتماد على البراءة الأصليّة في الأحكام الشرعيّة.

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٢ / ٤٠٥ باب « المستضعف » ـ ح ٦ ، والفقيه : ج ١ / ٢٥٨ « في أحكام لباس المصلي » ـ ح ٧٩١ ، والتهذيب : ج ٢ / ٣٦٨ باب « ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و ... » ـ ح ٦١ عنها وسائل الشيعة : ج ٣ / ٤٩١ باب « طهارة ما يشتري من مسلم و ... » ـ ح ٣.

٩٦

وثانيا : أن ما ذكروه يرجع إلى أن الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقته البراءة الأصليّة ، ومن المعلوم أن أحكام الله تعالى تابعة للحكم والمصالح المنظورة له تعالى ، وهو أعلم.

ومنه : ما إذا حصل الاشتباه في الحكم من جهة تعارض الدليلين على وجه يتعذّر فيه الترجيح بينهما بالمرجّحات المنصوصة ؛ فإن مقتضى الاحتياط التوقّف عن الحكم ووجوب الإتيان بالفعل متى كان مقتضى الاحتياط ذلك.

فإن قيل : إن الأخبار في الصورة المذكورة قد دلّ بعضها على الإرجاء ، وبعضها على العمل من باب التسليم.

قلنا : هذا أيضا من ذلك ؛ فإن التّعارض المذكور مع عدم ظهور مرجّح لأحد الطرفين ، ولا وجه يمكن الجمع به في البين ممّا يوجب دخول الحكم المذكور في المتشابهات المأمور فيها بالاحتياط. وسيأتي ما فيه مزيد بيان لذلك. ومن هذا القسم أيضا » ... إلى آخر ما حكاه عنه في « الكتاب » (١).

وهو كما ترى صريح في ذهابه إلى وجوب الاحتياط في مفروض البحث.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١١٤ عن الفوائد المدنيّة : ٢٧٩ ، والحاكي عنه هو صاحب الهداية في هداية المسترشدين : ج ٣ / ٥٥٤.

٩٧

(٣١) قول المحدّث : « ثمّ أقول : هذا الحديث المتواتر ... الى آخره » (١).

أقول : أراد بذلك الإشارة إلى أنه فرض قيام الدليل على البراءة في الشبهة الحكميّة كان مقتضاه كونها الأصل الأوّلي في الأشياء فلا ينافي الخروج عنها من جهة قيام الدليل على وجوب الاحتياط في مطلق الشبهة الشامل للمقام ، وفي المقام قد ورد بطريق التواتر وغيره ما يقتضي وجوب الاحتياط أيضا فيلزم الخروج بهما عن مقتضى الأصل الأوّلي.

ولكنك قد عرفت عند التكلّم في الأخبار ما في هذا الكلام فراجع.

(٣٢) قوله قدس‌سره : ( والأقوى فيه : جريان أصالة البراءة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٤٨ )

أقول : استظهار كون المسألة خلافيّة مع الاستدلال لها بالأدلّة الأربعة التي منها الإجماع ، لعلّه من جهة عدم الاعتناء بالخلاف ، وعدم قدحه سيّما مع دعوى المخالف في موضع آخر نفي الخلاف عن الرجوع إلى البراءة في المقام على ما عرفت.

وتمسّك مثل الشيخ والسيّد قدس‌سرهما بالاحتياط أحيانا في الشبهة الوجوبيّة مع وضوح مذهبهما من تصريحاتهم في مواضع أخر ، لا بدّ أن يحمل على مجرّد

__________________

(١) الفوائد المدنيّة : ٢٧٩.

٩٨

التأييد للدليل على الاستدلال بها. ويدلّ على الحكم في خصوص المقام مرسلة « الفقيه » : « كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (١) أو « أمر » (٢) على بعض طرقها.

وأمّا الإجماع المركب الذي استند إليه فلا إشكال في تحقّقه في المقام ؛ فإن كل من قال بالبراءة في الشبهة الحكمية التحريميّة ، قال بالبراءة في المقام وإن لم يكن الأمر كذلك من طرف العكس ، لما عرفت الإشارة إليه فإثبات البراءة في تلك المسألة يغني عن التكلّم في المقام.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ / ٣١٧ ـ ح ٩٣٧.

(٢) لم نعثر عليه والموجود ( أو منع ) أنظر الفقيه : ج ١ / ٣١٧.

٩٩

التنبيه الثاني :

رجحان الإحتياط وترتّب الثواب عليه (١)

(٣٣) قوله قدس‌سره : ( والظاهر ترتّب الثواب عليه ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٥٠ )

أقول : قد عرفت الإشكال في الفرق بين الاحتياط والتجرّي على المعصية في حكم العقل والعقلاء ، بدعوى كون المدح في الأوّل راجعا إلى الفعل ، والذم في الثاني راجعا إلى الفاعل.

(٣٤) قوله قدس‌سره : ( وفي جريان ذلك في العبادات ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٥٠ )

ان التقرّب في العبادة يتوقّف على العلم بالأمر تفصيلا

أو إجمالا ومع انتفائه تنتفي مشروعيّة الاحتياط

أقول : المشهور بين من تعرّض للمسألة هو الوجه الثاني ، وحكي عن بعض الأوّل. واستند للمنع بما أفاده شيخنا قدس‌سره في وجهه : من اعتبار قصد القربة في

__________________

(١) لم يعلّق الميرزا الآشتياني قدس‌سره على التنبيه الأول وتجاوزه إلى التنبيه الثاني فلتكن على ذكر من ذلك.

١٠٠