بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

١
٢

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين

وصلّى الله على نبيّه محمّد وآله الطّيبين الطّاهرين

حجج الله على خلقه أجمعين

وعلى سائر أنبيائه وأوليائه وملائكته المقرّبين

ولعنة الله على أعدائهم من الأوّلين والآخرين إلى يوم الدين

٤

* المطلب الأول : الشبهة التحريمية (١)

ـ تنبيهات المسألة الأولى

١ ـ تفصيل المحقق قدس‌سره بين ما يعم به البلوى وغيره

٢ ـ أصالة الإباحة من الأدلة الظنّية أو من الأصول؟

٣ ـ أوامر الإحتياط للإستحباب أو للإرشاد؟

٤ ـ أقوال أربعة للأخباريين فيما لا نص فيه

٥ ـ أصل الإباحة إنّما هو مع عدم أصل موضوعيّ حاكم عليه

٦ ـ المجتهدون لا ينكرون العمل بالإحتياط

* المسألة الثانية : تحقّقها لإجمال النص

* المسألة الثالثة : تحقّقها لتعارض النصّين

* المسألة الرابعة : تحقّقها لإشتباه الموضوع

ـ تنبيهات الشبهة التحريميّة الموضوعيّة

التنبيه الأوّل : إذا لم يكن أصل موضوعي يقضي بالحرمة

__________________

(١) وقد مضى البحث فيه في المجلد السابق.

٥
٦

التنبيه الثاني : الفرق بين الشبهة في نفس الحكم وبين الشبهة في طريقه

التنبيه الثالث : الإحتياط التام موجب لإختلال النظام

التنبيه الرابع : عدم اختصاص الإباحة بالعاجز عن الإستعلام

* المطلب الثاني : الشبهة الوجوبيّة

* المطلب الثالث : دوران الأمر بين المحذورين

* الموضع الثاني :

« الشك في المكلّف به »

وفيه مطالب :

* المطلب الأوّل : اشتباه الحرام بغير الواجب

* المطلب الثاني : اشتباه الواجب بغير الحرام

* (١)

__________________

(١) يأتي المطلب الثالث وهو « اشتباه الواجب بالحرام » بالإضافة إلى خاتمة المقام الأوّل في المجلّد الخامس إن شاء الله تعالى فانتظر.

٧
٨

التنبيه الأول :

من تنبيهات الشبهة التحريمية

(١) قوله قدس‌سره : ( ولا بدّ من حكاية كلامه قدس‌سره في « المعتبر » و« المعارج » ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٩٣ )

__________________

(١) قال المحقق الخراساني رضوان الله تعالى عليه :

« أقول : ليس ما يورث تخيّل التفصيل في عبارتيه إلاّ في عبارته الأولى قوله قدس‌سره : « ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب والحظر » حيث يتخيّل منه أنّ المحقق رحمه‌الله جعل القول بالإباحة بالمعنى الذي هو محلّ الكلام من أقسام ما لا يصحّ إلاّ فيما علم انّه لو كان هناك دليل لظفرنا به ومن المعلوم انه لا يكون كذلك إلاّ ما يعمّ به البلوى كما لا يخفى.

وما في عبارته الثانية قوله رحمه‌الله : « انّه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّ عليه إحدى تلك الدلائل » حيث يتخيّل انّه لا يتمّ إلاّ فيما يعمّ به البلوى ؛ فإنّ غيره لا يلزم ثبوته نهوض دليل من الأدلة عليه ، وأنت خبير بعدم صلاحيّة واحدة منهما لذلك.

أمّا الأولى : فلأنّ الإباحة في قوله رحمه‌الله : « ومنه القول بالإباحة » ليس بالمعنى الذي هو محلّ الكلام ، بل هو الإباحة الشرعيّة الواقعيّة التي هو أحد الأحكام.

وأمّا الثانية : فلأنّ تعليله رحمه‌الله « ذلك » لقوله رحمه‌الله : « لأنه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ... إلى آخره ».

يشهد بصراحته أنّ مراده من الحكم المنفيّ بذلك هو الحكم الفعلي المنجزّ ؛ ضرورة انّه لا تكليف بنفس الواقع من حيث هو ليلزم من عدم الدّلالة عليه التكليف بما لا يطاق.

ومن المعلوم انه لا يتفاوت الحال في الحكم الفعلي بحسب الدليل بين ما يعمّ به البلوى

٩

__________________

وغيره كما حقّقه قدس‌سره فتفطّن » إنتهى. درر الفوائد : ٢١٦.

وعلّق عليه الفاضل الكرماني قدس‌سره قائلا :

أقول : الموضع الذي يستفاد من عبارته الأولى التفصيل هو قوله : « الثاني : أن يقال : عدم الدليل على كذا فيجب انتفاءه وهذا يصحّ فيما يعلم انّه لو كان هنا دليل لظفر به ... » فإنه يشمل ما نحن فيه ، فيقال فيما شك في كونه محظورا : عدم الدليل على الحظر فيجب إنتفائه.

وما زعمه الخراساني محلّ الإستفادة ليس به ، بل داخل فيه ولهذا قال : « ومنه القول بالإباحة » ولم يقل : « ذلك أن يقال بالإباحة ... إلى آخره ».

ثم ما أدري من أين علم أن الإباحة في قوله : « هو الإباحة الشرعيّة الواقعيّة التي هي أحد الأحكام » الخمسة مع أن انتفاء الدليل على ما ذكر لا يوجبه بل يرفع الحظر في محتمله والوجوب كذلك ، وأين هذا من إثبات الإباحة الخاصّة؟

ومراده من الحكم المنفي في عبارته الثانية هو الحكم الواقعي الفعلي لا الشأني فقط ولا الأعم كيما يقال : لا ينطبق التعليل عليه ، ولا الفعلي مطلقا كيما يقال : بعدم الفرق فيه بين ما يعمّ البلوى به وغيره ، وكأن المحقّق متوقّف في دلالة عدم وجدان الدليل على عدم الحكم الواقعي الفعلي إذا لم يكن ممّا تعمّ به البلوى فإن التكليف بما لا طريق اليه قبيح إذا كان هذا بيان ما يمكن أن يقال ، لا مرضيّ المقال » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّى : ٢١٤.

* وقال المحقق الأصوليّ الفقيه المؤسس الطهراني أعلى الله مقامه الشريف بعد أن نقل العبارة التالية :

١٠

__________________

« قد يتوهم : تفصيل المحقّق قدس‌سره في حجّيّة هذا الأصل بين ما يعمّ به البلوى وغيره فإنّه في المعتبر اشترط في عدم الدليل دليل العدم أن يعلم انه لو كان هنا دليل لظفرنا به ، أمّا لا مع ذلك فيجب التوقّف ولا يكون ذلك الإستدلال حجّة » إنتهى.

واستفادة هذا المعنى من هذا الكلام نشأت من عدم الخبرة بضروريّات الفنّ فإن الإستصحاب عندهم ينقسم إلى أربعة أقسام : استصحاب حال العقل واستصحاب حكم النّص المعبّر عنه بالعموم والإطلاق واستصحاب حال الشرع الذي هو التعويل على الحالة السابقة مطلقا ويعبّر عنه باستصحاب حال الإجماع واستصحاب الحال بقول مطلق ويعرّف :

بإبقاء ما كان على ما كان ؛ لأنّه كان ، وعدم الدّليل دليل العدم. وهذه أربعة أصول عندهم.

والأوّل إنّما هو أصل البراءة وأمّا الأخير فهو أصل مغاير له وهو دليل قطعي وقوامه بالملازمة بين عدم الدليل وبين عدم الواقع وقد أوضحناه في مبحث الإستصحاب بما لا مزيد عليه.

وأمّا عبارة المعارج فليست صريحة في التفصيل بل ظاهرة في بيان استصحاب حال العقل ؛ فإنّ عنوانه : أنّ الأصل خلوّ الذمّة عن الشواغل الشّرعيّة.

قال : « فإذا إدّعى مدّع حكما شرعيّا جاز لخصمه أن يتمسّك بالبراءة الأصليّة » واستدلّ على ذلك : « بأنّ طرق الإستدلال منضبطة وعدم البيان مع الثبوت تكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق ».

وهذا البيان وإن كان فاسدا في نفسه ويشبه في إعتبار الملازمة قاعدة عدم الدليل دليل العدم ولكن اعتبر الملازمة من حيث لزوم التكليف بما لا يطاق لا من جهة عموم البلوى.

١١

المحقّق لم يتعرّض لأصالة البراءة هنا فضلا

عن التفصيل المنسوب إليه

أقول : كأنه قدس‌سره أحال ظهور الحال إلى فهم الناظر في العبارتين من الكتابين ، ومن هنا لم يبيّن شرح المطلب عقيب نفس العبارتين وأشار إلى كذب الحكاية في آخر الأمر بقوله : « والحاصل ... الى آخره » (١).

وأنت خبير بأن كلامه في « المعتبر » ، نصّ في عدم التفصيل في أصل البراءة لو كان هو المقصود من استصحاب حال العقل ، كما ربّما يستظهر منه.

وأمّا لو كان المراد معناه المقابل لأصل البراءة كما هو الظاهر منه ؛ لأنه في مقام تقسيم الاستصحاب ، فقد جعل القسم الأوّل التمسّك بالبراءة لأنفسها ، فكلامه في هذا التقسيم ساكت عن حكم أصل البراءة ، لأنه خارج عن المقسم ومقابل له حقيقة ، فإن كلامه صريح في تقسيم الاستصحاب ، وإن تسامح في جعل عدم الدليل دليل العدم من أقسامه.

__________________

ومن المعلوم انّه ليس تفصيلا في المسألة وإنّما هو توضيح للقاعدة ويظهر فساده بما حقّقناه » إنتهى. أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ١٦.

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٩٨.

١٢

فإنه بعد تقسيم مستند الأحكام في الفصل الثالث إلى خمسة أقسام : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل ، والاستصحاب ، والتعرض للكلام في الأربعة ، قال : « وأما الاستصحاب فأقسامه ثلاثة : الأول : استصحاب حال العقل ... إلى آخر ما ذكره في « الكتاب » » (١) وإنّما ذكر ما ذكره من القيد الراجع إلى التفصيل في عدم الدليل دليل العدم الذي هو في مقابل القسم الأول ، وذكر في ذيله : أنّه لو استند في إثبات الإباحة إلى الأصل المذكور ، أي : عدم الدليل دليل العدم ، جرى فيه التفصيل أيضا.

وهذا كما ترى ، لا تعلّق له بالتفصيل في باب البراءة.

وأما كلامه في « المعارج » (٢) فينطبق على قوله في « المعتبر » (٣) في ذيل القسم الثاني ، ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب والحظر. فإن مراده من التمسّك بالبراءة الأصليّة ما ذكره من بيانه بقوله : « فنقول : لو كان ذلك الحكم ثابتا ... إلى آخره » (٤) ومع ذلك لا تعلق له بالتفصيل المحكيّ عنه أصلا.

وبالجملة : التأمّل في أطراف كلمات المحقق قدس‌سره سيّما قوله في آخر كلامه في

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٩٣.

(٢) المعارج : ٢٢١ ـ ٢١٣.

(٣) المعتبر : ج ١ / ٢١٣.

(٤) فرائد الأصول : ج ٢ / ٩٤.

١٣

« المعارج » المحكيّ في « الكتاب » (١) يقتضي القطع بعدم تعرّضه لأصل البراءة ، وأن محلّه في الكتابين عدم الدليل دليل العدم ، مع أن جعله عدم الدليل على الحكم دليلا على عدم الحكم من جهة لزوم التكليف بما لا يطاق على تقدير ثبوته مع عدم الدليل ، لا تعلق له بالتفصيل المذكور في عدم الدليل دليل العدم أيضا.

ثمّ إن كان مراده جعل ذلك دليلا على نفي الحكم في مرحلة الواقع كما هو الظاهر من كلامه ، فلا تعلّق له بباب البراءة أصلا ، وإن كان ما أفاده محل مناقشة ؛ من حيث إن عدم الدليل على حكم الفعل لا يجعله غير مقدور.

وإن كان مراده جعل ذلك دليلا على نفي التكليف في مرحلة الظاهر ، أي : التكليف الفعلي كما استظهره شيخنا قدس‌سره منه ، أمكن الاستدلال به في باب البراءة ، وإن لم يكن تامّا ؛ فإن الدليل العقلي على نفي التكليف الفعلي إنّما هو حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ، لا قبح التكليف بما لا يطاق على ما عرفته في محلّه.

فما زعمه المحدث الأسترآبادي (٢) في تحقيق ما أفاده المحقق قدس‌سره ـ مضافا

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) قال المحقّق المؤسس الطّهراني قدّس الله نفسه الزكيّة :

« إن ما زعمه المحدّث المزبور مرجعه إلى الخلط بين أمرين متبائنين :

أحدهما : انفتاح باب العلم في جميع المسائل من جهة شدّة الإهتمام ببيان الأحكام ونهاية

١٤

إلى عدم استقامته كما يظهر بالتأمّل فيما أفاده شيخنا قدس‌سره وعدم محصّل للعلم العادي المذكور في كلامه ـ أجنبيّ عنه ؛ إذ النفي عند المحقّق ، سواء كان المنفي الحكم الواقعي ، أو الفعلي ، مستند إلى قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق ، ولا يعقل التفصيل المذكور ولا غيره من التفاصيل بناء على الاستناد إليها كما هو ظاهر.

كما أنه لا يعقل التفصيل المذكور على تقدير الاستناد في باب البراءة إلى قاعدة قبح العقاب من غير بيان ، كما أنه لا يعقل الفرق بين قولي المخطّئة والمصوّبة على التقديرين أيضا.

نعم ، الفرق بين المذهبين : أنّ المصوّبة لا يقولون بثبوت الحكم الواقعي

__________________

الضبط والتحفّظ بالتّدوين والنّشر في كلّ زمان.

والآخر : إنفتاحه في مسئلة خاصّة لعموم البلوى بها الواجب لظهورها.

وأعجب من هذا توهّم إستناد الإنسداد إلى تخصيص النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعض الناس ببيان الأحكام عنده ووقوع الفتن الموجبة للإختفاء ، مع أن وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المدّة المديدة خفى أمره على المسلمين فمجرّد عموم البلوى أيضا لا يوجب وضوح الأمر.

وأمّا مجرّد بيان الأحكام وعدم التخصيص ، فعدم اقتضائه للوضوح بديهيّ.

وبالجملة : فتعليل تأثير عموم البلوى في الوضوح في مسألة خاصّة بتهيّأ الأسباب لوضوح جميع الأحكام غلط واضح.

وبما حقّقناه يظهر ما فيما أفاده الأستاذ قدس‌سره في هذا المقام » إنتهى.

أنظر محجّة العلماء : ج ٢ / ١٧.

١٥

المشترك بين العالم والجاهل ، والمخطّئة يقولون بذلك ، إلاّ أن الفريقين متفقون على إناطة العقاب بالبيان وأنه يقبح العقاب بدونه ، وإن كان هنا حكم واقعي في حال الجهل. وهذا معنى نفي الحكم الفعلي على المذهبين لما أسمعناك مرارا : أنّ الحكم الفعلي ليس إنشاء آخر من الشارع ، في قبال الحكم الشأني وإنّما هو يعتبر من حكم العقل بجواز المؤاخذة على المخالفة وعدمه ، فالشأنيّة والفعليّة من مراتب الإنشاء الصادر من الشارع بالنظر إلى حكم العقل.

نعم ، عنوان الخطاب والحكم والتكليف يتبع عند بعضهم تنجّز الإنشاء الصادر من الشارع ، فوجوده النفس الأمري عنده لا يتّصف بالأوصاف المذكورة ما لم يحكم العقل بثبوت العقاب على مخالفته.

وكيف ما كان فيما حكم العقل بقبح العقاب يحكم قطعا بنفي الحكم الفعلي ؛ لأنه يتبع نفي العقاب حقيقة ، وهذا ملاك البراءة العقليّة لا غيره ، كما أنه ملاك البراءة الشرعيّة أيضا وإن استفيد من أخبارها الإباحة الظاهريّة ؛ فإن الحكم بالإباحة في مرحلة الظاهر يلازم نفي التكليف الفعلي أيضا. نعم ، على القول باعتبار البراءة من باب الظنّ استنادا إلى الاستصحاب أو غيره يحكم بنفي التكليف الواقعي ظنّا ، لكنه لا تعلّق له بالمقام ؛ لأنه يدخل البراءة حينئذ في الأدلّة ويخرج من الأصول ، كما أنه على تقدير قول المحقّق المتقدّم وبعض آخر ممن وافقه في ظاهر كلامه ، يكون من الأدلّة القطعيّة على نفي الواقع إستنادا إلى ما عرفت من قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق.

١٦

فما أفاده شيخنا قدس‌سره في « الكتاب » في ردّ المحدّث المتقدّم ذكره ، في كمال الجودة.

فقد ظهر ممّا ذكرنا كلّه : أن التفصيل المنسوب إلى المحقّق في باب البراءة بل مطلقا لا أثر له في كلامه.

(٢) قوله قدس‌سره : ( نعم ، هذا القسم الثاني أعمّ موردا من الأوّل ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٩٨ )

أقول : قد عرفت الإشارة إلى ما وقع من المحقّق قدس‌سره من التسامح في تقسيم الاستصحاب ؛ بجعل عدم الدليل دليل العدم من أقسامه بإرادة مطلق الحكم على طبق الحالة السابقة من الاستصحاب وإن لم يكن مستندا إليها ، بل إلى شيء آخر.

وأمّا النّسبة بين الأصلين بحسب المورد ، فهي عموم من وجه لجريان

__________________

(١) قال الشيخ غلام رضا القمّي قدس‌سره :

« أقول : يعني أن قاعدة عدم الدليل دليل العدم أعم موردا من قاعدة البراءة الأصليّة ؛ لجريان الأولى في العقليّات وغيرها ، بخلاف الثانية ؛ فإنها مختصّة بالتكاليف فقط.

وفيه : انّ هذا إنّما يتم لو قلنا بأنّ الثابت بالأولى هو البراءة الواقعيّة ، وأمّا لو قلنا بان الثابت بها إنّما هو البراءة الفعليّة فلا ؛ لأنها حينئذ لم تكن ناظرة الى الواقع ، بل غاية مفادها : ثبوت الحكم الظاهري ، فكيف تجري في العقليّات وغيرها ممّا لا يكون فيه لغير الناظر إلى الواقع سبيل ، فتكون حينئذ مختصّة بالتكاليف أيضا هذا » إنتهى. أنظر قلائد الفرائد : ج ١ / ٣٧٧.

١٧

الأصل المذكور في المسائل الاعتقادية والعمليّة دون الموضوعات الخارجيّة ، وجريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة العملية بالمعنى الأعمّ من الأصوليّة العملية ، والفقهيّة ، والموضوعات الخارجيّة ، دون المسائل الاعتقادية.

فغرضه قدس‌سره من الحكم بتعميم مورد الثاني إنّما هو لدفع توهّم كونه أخصّ مطلقا من الاستصحاب موردا ، لا لبيان كون الاستصحاب أخصّ منه مطلقا وإن كان الأصل المذكور لا دليل عليه عندنا ، مع دعوى الإجماع عليه في كلماتهم إلاّ إذا أفاد القطع بالعدم ، فإن جرى في مورده الاستصحاب حكمنا بمقتضاه وإلاّ أعرضنا عنه ، فيرجع إلى أصل آخر ، لكنّه كلام آخر لا تعلّق له بالمقام.

(٣) قوله قدس‌سره : ( الثاني (١) : مقتضى الأدلّة المتقدّمة ، ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٩٩ )

أقول : لا يخفى عليك : أن هذا الكلام لا تعلق له بخصوص المسألة ، بل هو جار في جميع موارد البراءة ؛ فإنّك قد عرفت في أول المسألة : أن عدّ أصل البراءة في الأصول العمليّة مبني على ما هو التحقيق : من عدم إناطته بالظن بالواقع عقلا وشرعا ، شخصا ونوعا ، وأن مفاده القطع بعدم العقاب والإلزام في مرحلة الظاهر ، وإن كان صريح صاحبي « المعالم » و« الزبدة » قدس‌سرهما إناطته بالظنّ ؛ حيث أبطلا الرجوع إليه في مقابل الخبر ؛ بأنه لا يحصل منه الظن مع قيام الخبر الواحد الجامع للشروط على خلافه ، بل هو الظاهر من الأكثرين ؛ نظرا إلى تقسيمهم الاستصحاب

__________________

(١) التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة التحريميّة.

١٨

إلى حال العقل ، وإلى حال الشرع ، ومصيرهم إلى إناطة الاستصحاب بالظن.

بل صريح غير واحد منهم في باب البراءة ، جعل المستند فيها استصحاب البراءة ، بل المراد من التمسّك بالبراءة الأصليّة المدّعى عليها الإجماع في كلام المحقق هو ذلك كما هو واضح ، إلاّ أنه ستقف في الجزء الثالث على عدم إفادة الاستصحاب الظنّ بقسميه أوّلا ، وعدم دليل على حجيّته ثانيا ، وإنّما المسلّم عندنا الإجماع على البراءة في مواردها لا الإجماع على العمل بالظن الحاصل منها على تقدير تسليمه ، فانتظر.

(٤) قوله قدس‌سره : ( الثالث : لا إشكال في رجحان الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٠١ )

الكلام في حسن الاحتياط

أقول : الكلام في هذا الأمر وإن تعلّق من جهة بالمسألة الكلاميّة ، إلاّ أنه لمكان ترتّب بعض الثمرات الفقهيّة عليه عنونه في المقام. والكلام في المقام قد يقع في نفس الاحتياط ، وقد يقع في الأمر المتعلّق به.

أمّا نفس الاحتياط فلا إشكال بل لا خلاف في رجحانه وحسنه لاستقلال العقل بذلك ، ويكشف عنه الأوامر الشرعيّة المتعلّق به في الشريعة ، بل في جملة من الأخبار التصريح بما يستفاد منه رجحانه الذاتي ، إنّما الكلام في أن حسنه واستحقاق المدح عليه من حيث كشفه عن صفة السعادة في الفاعل المحتاط ، وأنه في مقام إطاعة المولى فلا يكون الفعل أو الترك المتحقق به الاحتياط حسنا ، وإنّما

١٩

هو كاشف عن صفة في الفاعل ، فالمدح فاعليّ فلا يكون هنا استحقاق للثواب ؛ فإن المدح على الفعل ملازم له لا المدح مطلقا ولو رجع إلى الفاعل على ما حقق في مسألة التحسين والتقبيح ، أو من حيث ذاته ونفسه ؛ فإذا عنون به الفعل أو الترك يعرض عليهما عنوان يوجب حسنهما فيلزمه استحقاق الأجر والثواب عليهما؟

صريح كلام شيخنا في المقام ومواضع أخر من كلماته : الثاني ، وإنّ الالتزام باستحقاق المحتاط الثواب على الاحتياط عقلا لا يلازم الالتزام باستحقاق التجرّي العقاب على المتجرّي ، وهو لا يخلو عن غموض بل تأمّل.

في بيان ان أوامر الاحتياط إرشادية أو مولويّة

وأمّا الأمر المتعلّق به وطلبه ، فلا ينبغي الإشكال في كون طلبه العقلي إرشاديّا محضا ، بل هو الشأن في جميع الأحكام العقليّة ؛ لأن حكمه أينما وجد إرشادي صرف ، غاية الأمر كونه في المقام وفي باب الإطاعة والمعصية أوضح ؛ من حيث إن المطلوب حقيقة عنوان في الغير كما هو ظاهر.

وأما الأمر والطلب المتعلّق به شرعا فهل هو إرشادي محض كالطلب العقلي ، أو له جهة مولويّة أيضا فيثاب على إطاعته كسائر الأوامر الندبيّة الشرعيّة المولوية؟ فيه وجهان ـ كما في « الكتاب » ـ : من ظاهر الأمر بعد فرض عدم إرادة الوجوب ؛ فإنه يقتضي كون الطلب مولويّا فإنه الأصل في الأوامر الصادرة من الشارع ، بل مطلق الموالي من غير فرق بين الأمر الإلزامي وغيره.

٢٠