بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

التنبيه الرابع :

لو انكشفت مطابقة المأتيّ به للواقع قبل فعل الباقي

(١٥٢) قوله : ( الرابع : لو انكشف ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٠٧ )

أقول : إذا كان المأتي به أوّلا من المحتملات في علم الله تعالى واجبا كان الإتيان به إذا كان من قصده وعزمه الإتيان بباقي المحتملات عند إتيانه موجبا للامتثال ومسقطا للأمر المتعلّق به في نفس الأمر ، سواء انكشف الحال للمكلّف بعد إتيانه أو لا ، وسواء أتى بعده على التقدير الثاني بباقي المحتملات أو لا ؛ ضرورة كون إتيان الواقع على الوجه المذكور جامعا لجميع ما يعتبر فيه ، فيكون مجزيا في حكم العقل ولا يعقل مدخليّة الإتيان بباقي المحتملات في تحقّق الامتثال.

غاية الأمر : كونه متجرّيا على تقدير تركه الإتيان بباقي المحتملات بعد فعله في صورة عدم الانكشاف ، وهذا لا دخل له بتحقّق الامتثال واقعا بالنسبة إلى الأمر الواقعي وسقوطه ؛ لأنّ تحقق التجرّي من لوازم احتمال بقاء الأمر لا من لوازم بقائه الواقعي الانكشاف في « الكتاب » إنّما اعتبر الحكم بالسقوط جزما لا لأصل السقوط النفس الأمري ، وإن كان ربّما يتوهّم في باديء النظر اعتباره في أصل السقوط ؛ نظرا إلى التعليل بقوله : ( إذ لا فرق بين أن يكون الجزم بالعمل ... الى آخره ) (١).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠٧.

٦٦١

التنبيه الخامس :

لو كانت محتملات الواجب غير محصورة

(١٥٣) قوله : ( الخامس : لو فرض محتملات الواجب غير محصورة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٠٨ )

هل يفرّق بين الشبهة غير المحصورة في المقام

وبينها في التحريمية أم لا؟

أقول : لا فرق مع عدم حصر الشبهة في مفروض البحث بين كون التردّد في الواجب من جهة شرطه ، أو ذاته ، إلاّ على تقدير القول بتجويز المخالفة القطعيّة مع عدم حصر الشبهة مطلقا حتى في المقام ؛ فإنه على هذا القول وإن كان فاسدا عندنا في الشبهة التحريميّة فضلا عن المقام ـ على ما عرفت شرح القول فيه ـ لا يجوز ترك الواجب المعلوم إجمالا رأسا فيما كان التردّد فيه من جهة شرطه جزما (١) ،

__________________

(١) قال المحقّق الخراساني قدس‌سره :

« إن كان منشأ السقوط في البين هو عدم تنجّز التكليف المعلوم بين الأطراف غير

٦٦٢

وأمّا إذا كان التردّد من جهة ذاته ، فهل يفرّق بينه وبين الشبهة التحريميّة على القول بجواز المخالفة القطعيّة فيها أم لا؟

صريح شيخنا الأستاذ العلاّمة في « الكتاب » الفرق ؛ من حيث إن الترك ليس أمرا تدريجيّا كالفعل حتى يعلم بالمخالفة بعد إتيان جميعها ، بل هو أمر دفعيّ ، فيعلم بكونه مخالفة تفصيليّة للخطاب الإجمالي ، فالعلم الإجمالي في المقام يتولّد منه العلم التفصيلي بكون القعود والسكون عن تمام الأطراف حراما تفصيلا ، لا من حيث كونه تركا للواجب على كل تقدير وإن لم يعلم التقدير تفصيلا وما يضاف إليه.

ولكن قد يناقش فيه : بأن حرمة الترك في الواجب ليس إنشاء وخطابا إلزاميّا بنفسه غير وجوب الفعل بحيث يكون هناك خطابان من الشارع ، أحدهما : تعلّق بالفعل. والثاني : تعلّق بالترك ، بل هو عين وجوب الفعل معنى وإن اختلفا

__________________

المحصورة فهو يقتضي سقوط نفس المشروط ، نعم في خصوص بعض الموارد كالصّلاة يمكن دعوى القطع بعدم سقوطها رأسا ، لكنه ليس بملاحظة هذا التكليف المعلوم بين الأطراف غير المحصورة ، بل لما علم من الشرع من ان التكليف بها لا يسقط رأسا لإنحلاله إلى تكاليف متعددة متعلّق كل منها بمرتبة منها ولا يسقط منها واحد إلاّ وقد ثبت واحد آخر ، وإن كان منشأ السقوط هو تعسّر الإتيان بجميع المحتملات غير المحصورة وهو غير مقتض لسقوط الشرط ولا المشروط رأسا وإنّما يقتضي سقوط بعض المحتملات فافهم » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٢٥١.

٦٦٣

تعبيرا. ومثله الخطاب التحريمي المتعلّق بالفعل ؛ فإنه عين الأمر بتركه بالمعنى الذي عرفت ، فإذا قلنا بعدم تأثير العلم الإجمالي في الشبهة الغير المحصورة حتى في المقام فليس في ترك الكلّ مخالفة لخطاب منجّز من الشارع فتأمل هذا.

وأما حكم المسألة وإلحاقها بالشبهة الغير المحصورة التحريميّة وعدمه فتفصيل القول فيه أنّك قد عرفت ثمّة : أنّ مقتضى القاعدة تنجّز الخطاب بالعلم الإجمالي فيما كان أطرافه محلاّ للابتلاء دفعة مطلقا من غير فرق بين الشبهة المحصورة وغيرها ، فيجب الاحتياط في كلتا الشبهتين ، لكن ظاهرهم الإجماع على عدم وجوب الاحتياط والموافقة القطعيّة في الشبهة الغير المحصورة. وقد نقل غير واحد الإجماع على ذلك ، وإن استدل له في كلمات الأكثر بما دل على نفي الحرج وغيره ممّا عرفت الإشارة إليه وإلى ضعفه ، وإن العمدة الإجماعات المنقولة المستفيضة المعتضدة بالشهرة المحقّقة الغير المانعة من الحكم بوجوب الموافقة الاحتماليّة هذا في الشبهة التحريميّة.

وأمّا المقام فالكلام فيه قد يقع فيما يلزم الحرج من الاحتياط فيه ، وقد يقع فيما لا يلزم منه ذلك.

أما الموضع الأول : فلا إشكال ، بل لا خلاف في عدم وجوب الموافقة القطعيّة والاحتياط الكلي فيه ، لورود دليل نفي الحرج على حكم العقل بوجوب الاحتياط المبني على لزوم دفع العقاب المحتمل فلو كان هناك دليل على وجوبه شرعا ظاهرا من غير ابتنائه على دفع التهلكة المحتملة فالدليل المذكور حاكم

٦٦٤

عليه قطعا. فهل يقتصر على ترك ما يندفع به الحرج من المحتملات فيأتي بالباقي ، أو يقتصر في الإتيان بواحد من المحتملات ويترك الباقي الزائد على ما يندفع به الحرج؟ وجهان :

أوجههما : الأوّل ؛ لعدم الدليل على الخروج عن مقتضى قاعدة الاحتياط اللازم في غير ما يندفع به الحرج ، بعد ظهور كلماتهم في عنوان الشبهة الغير المحصورة في التحريميّة على تقدير تسليم مساعدتها على الوجه الثاني في تلك الشبهة.

وأمّا ما أفاده في « الكتاب » وجها للثاني ، بقوله : ( من أن التكليف بإتيان الواقع ساقط ... الى آخره ) (١).

فمردود بالمنع من سقوط التكليف بالواقع رأسا ، وإنّما الساقط لزوم الاحتياط بالنسبة إلى ما يتركه دفعا للحرج. وأمّا بالنسبة إلى باقي المحتملات فالعلّة في وجوب الإتيان به من أوّل الأمر وهو لزوم دفع العقاب المحتمل في تركه موجودة ، فلا مقتضي لتجويز تركه أصلا.

ومن هنا ذكرنا في الجزء الأول من التعليقة تبعا لشيخنا الأستاذ العلاّمة : إن مقتضى دليل الانسداد ونتيجته التبعيض في الاحتياط لا حجيّة الظنّ مطلقا. وقد أسمعناك شرح القول في فساد الوجه المذكور في الجزء الأول :

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠٨.

٦٦٥

نقضا : بجميع موارد الطرق الشرعيّة ؛ حيث إن التكليف بالواقع لو كان باقيا فيها ، فكيف يكتفى في امتثاله بما يحتمل خطأه وإن لم يكن باقيا ، فكيف يكلّف بالعمل بما هو طريق إليه؟

وحلاّ : بما عرفت حاصله هنا : من أن التكليف المتعقّب باستحقاق العقاب ساقط عن الواقع على بعض التقادير لا مطلقا ، ولا يلزم السقوط في الجملة السقوط رأسا كما هو ظاهر.

وأمّا الموضع الثاني : فلا إشكال في أن مقتضى القاعدة فيه : الاحتياط الكلي والموافقة القطعيّة بعد عدم ظهور كلماتهم في الشبهة الغير المحصورة في التعميم وإن كان محتملا ؛ ضرورة عدم التفات العقل باحتمال قناعة الشارع ببعض المحتملات الباقي معه احتمال الضّرر في الترك.

٦٦٦

(١٥٤) قوله : ( وهذا الحكم مطّرد في كل مورد وجد المانع ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٠٩ )

إشارة الى حكم طروّ المانع قبل العلم الإجمالي ومعه وبعده

أقول : قد عرفت شرح القول في طروّ المانع بقسميه في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة منّا ومن شيخنا ، وأن طروّ المانع عن الاحتياط بالنسبة إلى غير المعيّن من المحتملات لا يمنع من تنجّز الخطاب مطلقا وإن كان عروضه قبل العلم الإجمالي. وعن المعيّن يمنع من تنجّز الخطاب بالنسبة إلى المعلوم الإجمالي إذا

__________________

(١) قال المحقّق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : الفرق بين ما لو وجد المانع من بعض غير معيّن أو معيّن حيث حكم في الأوّل بعدم سقوط التكليف بالواقع ووجوب مراعاته مهما أمكن دون الثاني ، يظهر بما بيّناه فارقا بين ما لو اضطرّ إلى بعض معيّن أو غير معيّن من أطراف الشبهة المحصورة فراجع » إنتهى.

حاشية فرائد الأصول : ٢٤٠.

* وقال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« هذا إشارة إلى التفصيل الذي ذكره في خامس تنبيهات الشبهة المحصورة التحريميّة : من انه لو اضطرّ إلى ارتكاب أحد الأطراف وفرّق فيما لو اضطرّ إلى واحد معيّن بين ما كان الإضطرار قبل العلم الإجمالي أو بعده وحكم بالبراءة في الأوّل والإشتغال في الثاني.

وعليه : فقوله : « ولو طرأ المانع من بعض معيّن منهما ففي الوجوب كما هو المشهور ... إلى آخره » لا يخلو عن إشكال واجمال فتدبّر » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٥٩.

٦٦٧

كان الطروّ قبل العلم أو معه ، ولا يمنع إذا كان بعده ، وحكم طروّه في الشبهة الوجوبيّة حكمه في الشبهة التحريميّة من غير فرق بينهما أصلا ، بل الأمر كذلك بالنسبة إلى الشبهة الحكميّة أيضا من غير فرق بين التحريميّة والوجوبيّة.

فما عن المشهور في « الكتاب » وإن لم نتحقّقه من إطلاق القول بوجوب الاحتياط فيما طرأ المانع عن المعين لا وجه له ، كالإشكال فيه عن شيخنا ، إلاّ أن يحمل كلامهم على طروّ المانع بعد العلم الإجمالي.

وعليه : لا إشكال فيه أصلا ، فالإشكال متوجّه على إشكال شيخنا على كل تقدير.

ومما ذكر يظهر : الإشكال فيما وجّه به الإشكال في قول المشهور بقوله : ( من عدم العلم بوجود الواجب بين الباقي والأصل البراءة ) (١) ؛ حيث إنّ عدم العلم بالوجود إذا كان المانع مسبوقا بالعلم الإجمالي لا يقدح في تنجّز الخطاب بالنسبة إلى الباقي سيّما على ما أفاده شيخنا في الشبهة التحريميّة وبنى عليه الأمر :

من رجوع إذن الشارع بعد العلم إلى جعل البدل عن المعلوم مطلقا وعدم جوازه بدون ذلك.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠٩.

٦٦٨

التنبيه السادس :

هل يشترط في الإمتثال الإجمالي عدم التمكّن

من الإمتثال التفصيلي؟

(١٥٥) قوله : ( ويتفرّع على ذلك أنه لو قدر ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣١٠ )

أقول : أمّا الكلام في أصل المسألة فقد تقدّم شرحه في الجزء الأول عند التكلّم في فروع العلم ولعلّنا نتكلم فيه بعض الكلام في خاتمة هذا الجزء اقتداء. لكن نقل القولين في « الكتاب » في المقام ونسبة عدم الجواز إلى الأكثر مع استظهاره الاتّفاق على عدم الجواز في الجزء الأوّل من « الكتاب » فيما يتوقّف الاحتياط على التكرار ربّما لا يجامعان سيّما مع تعليله عدم الجواز عندهم في المقام بوجوب اقتران الواجب بوجه الأمر. وإن قيل ـ في توجيه الكلامين ـ : أن كلامه هناك في الشبهة الحكميّة وفي المقام في الشبهة الموضوعيّة ، لكنّه كما ترى.

وأمّا التفريع المذكور فقد يناقش فيه : بأن تقديم الامتثال التفصيلي على الإجمالي إذا كان من جهة اعتبار قصد الوجه في العبادة ـ على ما علّل به في المقام ـ فلا يقتضي ذلك تقديمه عليه ، إلاّ فيما يمكن من قصد الوجه التفصيلي مع إلقاء الإجمالي ، لا فيما لا يمكن منه مع إلقائه. والمفروض : أن تحصيل العلم

٦٦٩

التفصيلي من بعض الجهات المعتبر في الواجب مع عدم التمكّن من بعضها الآخر لا يوجب التمكّن من قصد الوجه لفرض بقاء تردّد الواجب ، فلا مقتضي لإلقاء الإجمالي.

نعم ، لو استند في التقديم إلى بناء العقلاء على التقديم ، أو إلى نقل الإجماع المعتضد باستظهاره ، والشهرة المحققة ، أو غيرهما من الوجوه المتقدّمة في الجزء الأول من « الكتاب » كان للتفريع المذكور وجه.

* * *

٦٧٠

التنبيه السابع :

(١٥٦) قوله : ( السابع : لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتبين شرعا ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣١٢ )

حكم ما لو كان الواجب المردّد أمرين مترتّبين شرعا

أقول : شرح القول فيما أفاده يقتضي التكلّم في مواضع :

أحدها : في أنه هل يجوز أن يوقع المكلّف بعض محتملات أحد الواجبين المترتّبين عقيب بعض محتملات الأخر المتقدّم عليه رتبته (١) مع اتّحاد البعضين سنخا ـ كأن صلّى العصر القصري عقيب الظهر القصري فيما دار الأمر بين القصر والتمام ، أو صلّى العصر إلى الجهة التي صلّى الظهر إليها عند اشتباه القبلة وهكذا ـ؟

ثانيها : الصورة بحالها مع اختلافهما سنخا كأن صلّى الظهر قصرا وصلّى العصر تماما عقيبه في الدوران من جهة الذات ، أو صلّى العصر إلى غير الجهة التي صلّى الظهر إليها في الدوران من جهة الشرط وهكذا.

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر : ( رتبة ).

٦٧١

ثالثها : في أنه هل يجوز إيقاع جميع محتملات الواجب اللاحق المتأخر عقيب بعض محتملات الواجب المتقدّم ـ كأن صلّى العصر قصرا وتماما عقيب الظهر القصري مثلا ـ؟.

والإقدام بإتيان محتملات اللاحق قبل الفراغ عن محتملات الواجب المتقدّم لا يخلو عن الصور المذكورة ، والكلام في كل موضع وصورة قد يقع : فيما كان الإتيان بما ذكر من الوجه والعنوان في الوقت المشترك ، وقد يقع : فيما كان الإتيان به في الوقت المختصّ. فالكلام في كل موضع يقع في مقامين.

ثمّ إنّ الكلام في غير الموضع الثالث مبنيّ على تقديم الامتثال التفصيلي مطلقا مع الإمكان ولو من بعض الجهات على الامتثال الإجمالي ، وإلاّ فلا إشكال في الحكم بالصحّة فيه أصلا.

في بيان حكم المواضع الثلاث وتحقيق القول فيها

أمّا الكلام في المقام الأوّل من الموضع الأول : فتحقيق القول فيه مبنيّ على ملاحظة ما دلّ على لزوم مراعاة الامتثال التفصيلي وتقديمه على الامتثال الإجمالي ، وفهم مقدار مدلوله وعنوان لزومه ، وإن كان مفاده لزوم تقديمه ؛ من حيث إن تركه موجب للتردّد في الواجب ، فيكون المطلوب الأصلي حقيقة عند الإمكان إزالة التحيّر والتردّد في الواجب ، وإنّما وجب تحصيل العلم التفصيلي توصّلا إليه ، فلا إشكال في الجواز في المقام.

٦٧٢

ضرورة عدم تفاوت الحال في التردّد الحاصل للواجب في مفروض البحث بين أن يأتي بمحتملات الواجبين على الوجه المفروض ، أو يأتي بمحتملات اللاحق بعد الفراغ عن تمام محتملات السابق ؛ فإن كيفيّة الإتيان بمحتملات الواجبين على الوجهين لا يوجب زيادة الاحتمال والتردّد ؛ فإن الإتيان بالقصر المقصورة عقيب الظهر المقصورة مثلا لا يوجب تردّدا زائدا على التردّد الحاصل في الواجب من جهة القصر والإتمام ؛ فإن القصر المقصورة إن كانت واجبة في الواقع كانت واجدة لشرطها وهو الترتّب على الظهر ، وإن لم يكن واجبة وكانت مخالفة للواقع كان تحصيل الترتّب بينها وبين الظهر الواقعي لغوا ؛ ضرورة اعتبار الترتّب بين الواجبين بحسب الواقع لا مطلقا.

فإن قلت : مقتضى أصالة بقاء الاشتغال بالواجب الواقعي وعدم الإتيان بالظهر عدم مشروعيّة الدخول في محتملات العصر ؛ لأنه مقتضى ترتّبها على الظهر مع ثبوت عدم الإتيان بها في حكم الشارع بمقتضى الاستصحاب.

قلت : المصحّح للإتيان بمحتمل العصر في الفرض هو مجرّد احتمال تعلّق الأمر به على تقدير صحّة ما أتى به من محتمل الواجب المقدّم بحسب الرتبة مع العلم بأصل الأمر بالعصر ، كما هو المصحّح حقيقة لإتيان محتمل الظهر ؛ فإنه لا مصحّح له إلاّ ما ذكرنا مع عدم العلم بتعلّق الأمر به ، بل الأصل المذكور على تقدير جريانه جار بالنسبة إليه أيضا.

ومن هنا حكم في « الكتاب » باشتراكهما من جميع الجهات ، والمفروض حصول الشرط وهو الترتّب على الظهر الواقعي على تقدير المطابقة ، ولو لا كفايته

٦٧٣

لما صحّ الإتيان بمحتمل الظهر أيضا. واستصحاب الاشتغال وعدم الإتيان بالظهر على تقدير جريانه لا يمنع من الإتيان بمحتمل العصر في مفروض البحث ؛ لأن منعه إنّما هو من حيث عدم حصول الترتيب بين الواجبين والمفروض حصوله قطعا على تقدير الأمر.

نعم ، قد يقال : باقتضائه المنع فيما أقدم على الإتيان بمحتمل العصر على غير الوجه المبحوث عنه من الوجهين الأخيرين وإن كان فاسدا أيضا ؛ حيث إن المانع في الموضع الثاني على ما ستقف عليه العلم بعدم تعلّق الأمر بما يأتي به من محتمل العصر وفي الثالث الشك في حصول الترتيب وعدم العلم به فلا أثر للمستصحب المشكوك لما عرفت من استناد المنع إلى نفس الشكّ.

وممّا ذكرنا يظهر : تطرّق المناقشة إلى ما أفاده في « الكتاب » بقوله : ( لأن المترتّب على بقاء الاشتغال وعدم فعل الواجب ... الى آخره ) (١) فإنه ربّما يستظهر منه : تسليم الرجوع إلى الاستصحاب في غير المقام من الموضعين الأخيرين ، وإن كان مفاده لزوم تحصيل العلم من الجهة الممكنة من حيث توقّف حصول الإطاعة عليه ، من غير مدخليّة كون تركه موجبا لزيادة التردّد والإخلال بوجه العمل ونحو ذلك ، فيجب إحراز كل خصوصيّة أمكن إحرازها بالعلم التفصيلي ، فلا إشكال في الحكم بعدم الجواز في مفروض البحث ؛ حيث إنه يمكن للمكلّف تحصيل العلم التفصيلي بكون العصر مترتّبا على الظهر بإتيان تمام محتملات الظهر قبل الإقدام

__________________

(١) المصدر السابق : ج ٢ / ٣١٣.

٦٧٤

بفعل العصر. وهو الوجه عند من ذهب إلى عدم الجواز في الفرض ممن أشار إليهم في « الكتاب » ، وإن كان الأقوى وفاقا لجمع : الجواز ؛ نظرا إلى ما عرفت في وجهه. هذا بعض الكلام في الوقت المشترك.

وأمّا الوقت المختصّ الذي هو المقام الثاني ، فملخّص القول فيه : أنه قد يقال فيه بعدم الجواز ، وإن قيل به في الوقت المشترك ؛ نظرا إلى عدم العلم بأصل الأمر بالواجب اللاحق بمجرّد الإتيان ببعض محتملات الواجب السابق ، بل الأصل عدم الأمر به. فكيف يقدم على الإتيان بما يتوقّف صحّته على قصد التقرّب المتوقّف على العلم بالأمر تفصيلا أو إجمالا؟ وإن هو إلاّ مثل الإقدام بالصلاة مع احتمال دخول الوقت ؛ فإنه لا يتوهّم جوازه.

فإن شئت قلت : إن الاحتياط والإتيان بالمحتملين ، أو المحتملات في مفروض البحث وأمثاله مما يجب فيه الاحتياط إنّما هو من جهة المقدّمة العلميّة لامتثال الخطاب المعلوم بالإجمال المنجّز المتوجّه إلى المكلّف. والإتيان ببعض محتملات الواجب المقدّم في الوقت المختصّ لا يحصل معه العلم بتوجّه الخطاب بالواجب المتأخّر ، فكيف يجوز الإتيان ببعض محتملاته من باب المقدّمة العلميّة لامتثال خطابه الغير المعلوم؟ هذا.

وناقشه في « الكتاب » بما زيّف به الأصل في الوقت المشترك : من أن الإتيان ببعض محتملات المتأخّر المتّحد سنخا مع ما أتى به من محتملات المتقدّم لا يمنعه الأصل المذكور ؛ لأن مصحّحه احتمال الأمر مع اجتماع الشرائط على تقدير وجود الأمر ؛ فإن المكلّف إذا أتى بكل محتمل من محتملات اللاّحق عقيب

٦٧٥

كل محتمل من محتملات السابق في الفرض ، يعلم بأنه امتثال الأمرين. والأصل المذكور لا يمنع من ذلك ، وإلاّ كفى الشكّ في المنع عنه من دون جريان الأصل وإنّما يمنع من الإتيان بغير الوجه المبحوث عنه من الوجهين الأخيرين.

فإن شئت قلت : إن الاحتياط لإحراز الواقع على كل تقدير لا يمنع منه أصالة عدم الأمر ، وقياس المقام بالشكّ في دخول الوقت قياس مع الفارق كما هو ظاهر ، هذا حاصل ما يستفاد مما أفاده في « الكتاب » (١).

ولكن التحقيق أن يقال :

إنه إن قلنا : بأن الوقت المختصّ في حق المكلّف في مفروض البحث هو مضيّ مقدار زمان إتيانه بجميع المحتملات ـ كما ربّما يتوهّم من قولهم باختلاف الوقت المختصّ باختلاف حالات المكلف الموجبة لاختلاف المكلّف به في حقّه كالحضر ، والسفر ، والصحة ، والمرض بتوهّم : شموله للحالات الموجبة لاختلاف المكلّف به في مرحلة الظاهر كما ذهب إليه بعض الأصحاب ـ فلا إشكال في الحكم بعدم جواز شروعه في محتملات اللاحق قبل الفراغ عن محتملات السابق ، لعدم الأمر قطعا باللاّحق على هذا التقدير.

وإن قلنا : بأن المراد من الحالة الموجبة لاختلاف المكلّف به غير ما يوجبه من جهة الشكّ والتردّد في الواجب ذاتا ، أو شرطا كما هو الظاهر من كلماتهم عند التأمّل ، فلا إشكال في تحقق الأمر بعد الإتيان ببعض محتملات الواجب المقدم في

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣١٣.

٦٧٦

مفروض البحث في أكثر الصور مما كان التردّد من جهة الشرط ، أو الذات ؛ فإنه إذا صلّى الظهر إلى بعض الجهات ، أو في أحد الثوبين مثلا ، أو صلّى الظهر تماما عند الدّوران بين القصر والتمام دخل الوقت المشترك قطعا وتعلّق الأمر بالعصر يقينا ، وهكذا الأمر في الدوران بين الجمعة والظهر إذا قدّم الظهر وهكذا.

نعم ، في بعض الصور لا يعلم بدخول الوقت وتعلّق الأمر ، كما إذا قدّم العصر أو الجمعة في المثالين لاحتمال كون الواجب الأكثر كمّا. ويمكن تنزيل ما أفاده في « الكتاب » على هذا الفرض.

ويتوجّه عليه : ما ذكره مضافا إلى ما أشرنا إليه : من أن جواز الدخول في محتملات الواجب لو كان مشروطا بالعلم بالأمر كان مجرّد الشك مانعا. وإن لم يكن مشروطا ـ على ما أفاده شيخنا ـ لم يكن معنى لجريان الأصل أيضا ، فهو ساقط على كل تقدير. هذا ملخص الكلام في الموضع الأول.

وأمّا الموضع الثاني : فلا إشكال في عدم الجواز فيه حتى في الوقت المشترك للعلم بعدم تعلّق الأمر بالمأتي به وفساده تفصيلا لا من جهة الشكّ ، أو جريان الأصل. ومنه ينقدح : طروّ المناقشة إلى ما أفاده في « الكتاب » بقوله ـ في منع جريان الأصل في الموضع الأوّل ـ : ( ويمكن أن يقال : إن أصالة عدم الأمر إنّما تقتضي عدم مشروعيّة الدخول ... إلى آخره ) (١) فإنه كما ترى ، صريح في جريان الأصل في محل البحث وكون المنع مستندا إليه كما أشرنا إليه سابقا. اللهم

__________________

(١) المصدر السابق : ج ٢ / ٣١٤.

٦٧٧

إلاّ أن يحمل على التنزّل والمماشاة.

وأمّا الموضع الثالث : فلا إشكال في عدم الجواز فيه أيضا حتى في الوقت المشترك من جهة الشكّ في حصول الشرط الواجب وهو الترتيب مع الإتيان على هذا الوجه ، فيستقل العقل في الحكم بعدم الجواز من هذه الجهة ، وإن كان الأمر محتملا. وكذا حصول الترتيب ؛ إذ احتمال الأمر إنّما يجدي فيما تحقّق شرط الواجب مع مراعاته كما في الموضع الأول ، لا فيما لم يعلم مع مراعاته بتحقّق الشرط.

وممّا ذكرنا يظهر : أنه لا مجرى للأصل في محل البحث حيث إن المنع فيه مستند إلى نفس الشكّ فيتوجه المناقشة كما أشرنا إليه سابقا إلى ما أفاده بقوله : ( ولذا لا يجوز الإتيان بجميع محتملات العصر ) (١) اللهم إلاّ أن يحمل على المماشاة والتسليم. هذا ما أدّي إليه النّظر في حكم المواضع عاجلا وعليك بالتأمّل فيه وعدم المبادرة إلى ردّه والله العالم وهو العاصم (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣١٣.

(٢) والحمد لله ربّ العالمين ـ الى هنا انتهى الجزء الثالث من هذا العلق النفيس بحسب تجزئتنا للكتاب وقد وقع الفراغ من مقابلته وضبط نصوصه وتصحيحه آخر شوال المكرم من سنة ١٤٢٨ ه‍ ق ثم أعدنا النظر فيه ثانية وعلّقنا عليه ما تيسّر من كلمات أعلام الأصوليين وكان الفراغ من ذلك سحر ليلة الجمعة آخر ربيع المولود سنة ١٤٣٠ ه‍ بقم المقدّسة عش آل محمّد عليهم‌السلام ومثوى عمّتنا الطاهرة السيّدة فاطمة المعصومة « صلوات الله عليها ».

ويليه الجزء الرابع اوّله : البحث في دوران الأمر في الواجب بين الأقل والأكثر.

٦٧٨

الفهرس التفصيلي

العناوين المطروحة في هذا المجلّد.................................................. ٥

التنبيه الأول : من تنبيهات الشبهة التحريمية...................................... ٩

المحقّق لم يتعرّض لأصالة البراءة هنا فضلا عن التفصيل المنسوب إليه............... ١٢

الكلام في حسن الاحتياط.................................................... ١٩

في بيان ان أوامر الاحتياط إرشادية أو مولويّة................................... ٢٠

الحكم العقلي الإرشادي ملازم للأمر المولوي الشرعي في مورد القابل............. ٢٤

في بيان أصالة الإباحة........................................................ ٣٥

في بيان حصر المحلّلات في الطيّبات............................................. ٣٨

في دوران الأمر بين الحرمة وغير الوجوب من جهة إجمال النّص................... ٤١

أخصّيّة الرّواية من أخبار التخيير............................................... ٤٤

الكلام في توافق الأخباري مع المجتهد في الشبهة الموضوعية........................ ٤٧

٦٧٩

إشارة إلى الايرادات الواردة على كلام المعاصر.................................. ٥٢

المناقشة في النقض المذكور.................................................... ٥٨

عدم جريان مناط قاعدة الإشتغال في المقام...................................... ٦١

وجوه الجواب عن السؤال الأول............................................... ٦٤

في الزام العقل بدفع الضّرر المشكوك فيه........................................ ٦٧

* التنبيه الأوّل................................................................ ٧٣

الشبهة الموضوعيّة ومحلّ الكلام فيها............................................ ٧٣

في رد كلام صاحب المدارك.................................................. ٧٥

* التنبيه الثاني................................................................. ٧٨

في ان الأئمة صلوات الله عليهم عالمون بما كان وما يكون وما هو كائن............ ٨٤

* التنبيه الثالث................................................................ ٨٨

التنبيه الرابع : عدم اختصاص الإباحة بالعاجز عن الإستعلام...................... ٩٠

المطلب الثاني : الشبهة الوجوبيّة وفيه مسائل :................................... ٩٣

الأبحاث المطروحة في هذا الفصل............................................... ٩٣

التنبيه الثاني : رجحان الإحتياط وترتّب الثواب عليه............................ ١٠٠

في ان ما ذكر مستلزم للدور وجوابه النّقضي والحلّي........................... ١٠٥

وجوه دفع المناقشة المزبورة.................................................. ١٠٩

الكلام في قاعدة التسامح في أدلة السنن....................................... ١١٥

٦٨٠