بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

بمضمون أحد المتعارضين تخييرا.

ثالثها : ما دلّ على الترجيح بالاحتياط في مورد وجوده كالمرفوعة.

ومقتضى القاعدة هو الحكم بوجوب الاحتياط في المسألة كالمسألتين المتقدّمتين مع قطع النظر عن الأخبار بعد فرض رجوع التعارض إلى تعيين الواجب المعلوم إجمالا لعين ما عرفت من الوجه فيهما ، إلاّ أن مبناه لمّا كان على لزوم دفع الضّرر المحتمل ـ على ما عرفته ـ فلا محالة يكون أخبار التخيير واردة عليه ، كما أنها حاكمة أو واردة على ما دلّ على الاحتياط في مطلق الشبهة ؛ من حيث إن مفادها حجيّة أحد المتعارضين ، كمفاد الدليل الدال على حجيّة أصل الخبر أو غيره من الأدلّة ؛ فإنه لا يتوهّم معارضة لما دلّ على الاحتياط في الشبهة هذا. على تقدير تسليم دلالتها على وجوب الاحتياط ، وإلاّ فلا يتوهّم التعارض أصلا كما لا يخفى.

فيبقى مما دلّ على الاحتياط القسمان الأخيران ؛ فإن الأوّل منهما يعارض ما دلّ على التخيير المحمول على صورة التكافؤ من جميع الوجوه جمعا بينهما على وجه التباين في ظاهر النظر. والثاني منهما يعارضه على وجه العموم والخصوص. وشيء منهما لا يمنع من الأخذ بما دلّ على التخيير في الفرض.

أمّا الأوّل ؛ فلأنه بعد التسليم ظاهر في وجوب الإرجاء ، وما دل على التوسعة نصّ في عدم وجوبها. هذا على تقدير التلازم بين الزمانين في الحكم ، وإلاّ فربّما يقال بكون المقبولة أخصّ ، لكنّه فاسد أيضا من حيث إن إرادة خصوص الزمان الذي لا يتمكّن من عرض الواقعة على المعصوم عليه‌السلام مما لا يحتمل من

٦٤١

أخبار التخيير ، فلا يجدي عمومه لغيره من الزمان ، فيبقى ما ذكرنا من نصوصيّة أخبار التخيير. نعم ، يمكن الحكم بأعميّة أخبار التخيير من حيث شمولها لما لا يمكن فيه الاحتياط ، فيدور الأمر بين التخصيص والتصرّف في ظاهر الأمر فتأمل.

وأمّا الثاني ؛ فلخروج مفروض البحث عن مورد الأخذ بما وافق الاحتياط في المرفوعة ، ودخوله في ذيلها الدال على التخيير عند فقد المرجح المذكور وحملها على ما استظهر منها كما في « الكتاب » : من إرادة مطلوبية الاحتياط عند تصادم الأدلّة ، وهو ممكن في الفرض بالجمع بين المحتملين ، وإن لم يكن شيء منهما موافقا للاحتياط يوجب تخصيص جميع أخبار التخيير بما لا يمكن فيه الاحتياط ممّا دار أمره بين المحذورين من موارد الشك في التكليف أو المكلّف به.

وهذا كما ترى ، يأباه ما دلّ على التخيير هذا. مع أنه موجب لإلقائها رأسا من حيث إن مفادها الترجيح بالاحتياط ، لا الرجوع إليه بعد الحكم بتساقطهما ، كما زعمه الأخباريون من أصحابنا ؛ فإن ظاهرهم تعيّن الرجوع إلى الاحتياط بعد فقد المرجّحات المنصوصة لا الترجيح به ، هذا على تقدير اعتبار المرفوعة سندا من جهة الجبر بالعمل ، وإلاّ كما في « الحدائق » (١) فلا تصلح لمعارضة أخبار التخيير أصلا كما لا يخفى.

__________________

(١) الحدائق الناضرة : ج ١ / ١١١.

٦٤٢

المسألة الرابعة :

ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة إشتباه الموضوع

(١٤٧) قوله : ( ويؤيّد ما ذكرنا : ما ورد ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٠٠ )

أقول : جعل ما ورد في باب الفائتة المردّدة دليلا على المدّعى بالنظر إلى ما أشار إليه من التّعليل الجاري في جميع مصاديق المسألة أولى من جعله مؤيّدا ، فهو بملاحظة التّعليل مؤكد لحكم العقل بوجوب الاحتياط في جزئيّات المسألة ، بل التحقيق دلالته على وجوب الاحتياط في جميع موارد حكم العقل بوجوبه من غير فرق بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة.

نعم ، الحكم فيه بكفاية الثلاث لا بد من أن يكون مبنيّا على سقوط الجهر والإخفات وقصد التعيين ؛ فإن مقتضى القاعدة الإتيان بالخمس لا الثلاث ، فهو من هذه الجهة نظير ما دلّ على كفاية الصّلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ؛ فإن مقتضى القاعدة فيه أيضا عدم القناعة بالصّلاة إلى أربع جهات كما لا يخفى.

* * *

٦٤٣
٦٤٤

تنبيهات

دوران الأمر بين

المتبائنين

٦٤٥
٦٤٦

[ تنبيهات دوران الأمر بين المتبائنين ]

التنبيه الأوّل : الإشتباه الموضوعي في شرط من شروط الواجب

(١٤٨) قوله : ( بل النزاع فيما كان من هذا القبيل ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٠١ )

أقول : لا إشكال في أن قضيّة دليل وجوب الاحتياط في المسألة الرابعة عدم الفرق بين كون تردّد الواجب من جهة الشبهة الموضوعيّة من جهة ذاته ، أو شرطه ، إذا كان مقتضى دليل اعتباره في الواجب بعنوان الإطلاق من غير تقييد بالعلم التفصيلي به ، وإلاّ فيخرج عن موضوع المسألة في مفروض البحث. كما إذا قيل بكون اعتبار الترتيب بين الفوائت مشروطا بالعلم به ؛ فإنه مع عدم العلم به لا تردد في الواجب من جهة شرطه أصلا ، هذا على القول بالاحتياط في المسألة كما هو المشهور.

وأمّا على القول بعدم وجوب الاحتياط والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية فرارا عن لزوم المخالفة القطعيّة ، فالظاهر عدم الفرق بين الصورتين أيضا ؛ لعدم المقتضي فيه أصلا ؛ إذ الالتزام بكفاية الموافقة الاحتماليّة من جهة الشرط ليس أوضح فسادا من الالتزام بكفايتها في صورة تردّد الواجب بحسب ذاته.

٦٤٧

نعم ، على القول بجواز المخالفة القطعيّة في الشبهة الموضوعيّة يحكم بجواز الإتيان بالواجب على وجه يقطع معه بانتفاء الشرط لا بجواز ترك الواجب رأسا ، كما إذا تردّد الواجب ذاتا.

وممّا ذكرنا كله يظهر : أن ما أفاده لا يخلو عن مناقشة ؛ لانتفاء ما يقتضي الفرق بين القسمين من التردّد في الواجب في الشبهة الموضوعية على القولين في المسألة بعد ثبوت الشرطيّة الواقعيّة على ما يقتضيه مفروض البحث.

وأما الكلام في اقتضاء دليل الشرط فهو راجع إلى تشخيص ما يتعلّق بالمقام ، ولا إشكال في أن مقتضى الأصل العملي عند الشك وعدم قيام دليل على تشخيص حال الشرط هو الحكم باختصاص الشرط بصورة العلم به لرجوعه إلى الشك في الشرطيّة في الشبهة الحكميّة ، ولا ينافي العلم بها في الجملة كما هو ظاهر. كما أن مقتضى الأصل اللفظي فيما كان الدالّ عليها القضية اللفظيّة هو الحكم بالشرطية الواقعية ؛ نظرا إلى وضع اللفظ للأمر النفس الأمري كما هو الحق أو الأعمّ من المعلوم إجمالا. وأما دعوى الانصراف فلا يصغى إليها بالنسبة إلى جميع الشروط.

نعم ، مقتضى القاعدة المستفادة من صحيحة زرارة ( لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة ) (١) صحة الصلاة مع الإخلال بغير الخمسة من الشرائط والأجزاء ، لكنّها

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ١ / ٢٧٩ ـ ح ٨٥٧ وص ٣٣٩ وح ٩٩١ ، والتهذيب : ج ٢ / ١٥٢

٦٤٨

على تقدير تعميمها بالنسبة إلى الجهل وعدم اختصاصها بالسهو لا يشمل الجهل التفصيلي مع العلم الإجمالي بالشرط قبل الصلاة قطعا على ما حرّرناه في باب الخلل من الصّلاة هذا (١).

مع أن في تعميمها لصورة الجهل البسيط أو المركّب كلاما مذكورا في محلّه فضلا عن المقام ، والحاصل : أن الكلام في تشخيص حال الشرط الراجع إلى تشخيص الحكم الشرعي حقيقة لا تعلّق له بالمقام ومفروض البحث أصلا.

(١٤٩) قوله قدس‌سره : ( وأما الثاني : فلأن ما دل ... الى آخره ). ( ج ٢ / ٣٠٢ )

أقول : قد أسمعناك مرارا : أنه ليس هناك ما يقتضي باعتبار قصد الوجه في صحة العبادات على الوجه الذي ذكروه ، مع أنه على تقدير تسليمه يتمكّن المحتاط منه كما يتمكّن من قصد التقرّب هذا. مع أن كلمة القائلين باعتبار قصد الوجه التفصيلي متّفقة على اعتباره عند التمكّن من إحراز الوجه لا فيما لا يتمكّن منه.

والقول : بالتمكّن منه بإلقاء الشرط المردّد ـ كما هو مبنى كلام الحلّي (٢) ـ

__________________

باب « تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز » ـ ح ٥٥ ، عنهما الوسائل في عدّة مواضع منها : ج ٤ / ٣١٢ ـ باب « بطلان الصلاة الى غير القبلة عمدا ووجوب الإعادة » ـ ح ١.

(١) أقول : وهذا من التراث الفقهي ممّا خطّه الميرزا الآشتياني قدس‌سره والذي لا يزال مخطوطا.

(٢) المحقّق الجليل أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي المعروف في

٦٤٩

فاسد ؛ من جهة عدم قيام دليل على أهميّة اعتباره بالنسبة إلى سائر الشرائط مع ما عرفت : من اتفاق كلمة القائلين باعتباره على اختصاصه بغير المقام فتأمل هذا. مضافا إلى ما أفاده في « الكتاب » بقوله المتقدّم.

وإن نوقش فيه : بأنه راجع إلى الاعتبار فإن المدار على الأهميّة عند الشارع لا على تقدّم الملاحظة وتأخّرها ، بل قد يقال : إن أمر قصد الوجه عند القائل به كما مر قصد التقرّب فهو من مقوّمات العبادة مطلقا فتدبّر (١).

__________________

كلماتهم بابن إدريس الحلّي والفاضل العجلي وصاحب السرائر المتوفّى سنة ٥٩٨ ه‍.

(١) أقول : وفي حاشيته القديمة على الفرائد [ المخطوطة : ١٧٤ ] معلّقا على قول الشيخ الأعظم قدس‌سره : « والسرّ في تعيينه للسقوط هو ... إلى آخره ».

قال [ أي الآشتياني ] :

« لا يخفى أنّ ما ذكره المصنّف وجه اعتباري لا اعتبار به أصلا ، بل الموجب للتقديم والترجيح إنّما هو الأهميّة عند الشارع ولذا يحكم بتقديم جانب قصد التقرّب في العبادة على سائر ما يعتبر فيه لو فرض الدوران بينهما ، مع أنّ ما ذكره من الوجه جار بالنسبة إليه أيضا لأنّ اعتباره كاعتبار قصد الوجه كما لا يخفى » إنتهى.

* وقال الشيخ رحمة الله الكرماني رحمه‌الله معلّقا عليه :

« أقول : ما ذكره من اعتبار الأهمّيّة في نظر الشارع لا كلام فيه ، لكن الذي نقض به كلام المصنّف ـ من الدوران بين سقوط قصد التقرّب وسائر الشرائط وتقديم جانب قصد التقرّب مع أن الميزان الذي ذكره المصنّف يقتضي سقوطه عن الشرطيّة دون غيره ـ غير وارد فإنّ

٦٥٠

التنبيه الثاني :

كيفيّة النيّة في الصلوات المتعدّدة في مسألة اشتباه القبلة ونحوها

__________________

التقرّب جزء مهيّة العبادة أو شرط تحقّقها ومع عدمه ليست العبادة عبادة ، لا انه شرط صحّة العبادة مع تحقّق مهيّتها بدونه كيما يقع الدوران بينه وبين سائر شروط الصحّة.

والحاصل : أنّ قصد التقرّب شرط المهيّة والقبلة وطهارة اللباس وأمثالهما شرائط الصحّة من غير مدخليّة لها في المهيّة ، وتقديم جانب قصد القربة وعدم الحكم بسقوطه باعتبار أنّ سقوطه يوجب انتفاء العبادة وسقوط غيره يوجب انتفاء اشتراطه في تلك الحالة في صحّة العبادة وشتّان ما بينهما من الطّرق.

وممّا اعترض به بعض من لا تحصيل له هنا على المصنّف فما أفاده من تقديم سقوط شرط إنجزم بالنيّة على سقوط غيره من الشرائط ما لفظه :

« وفيه نظر ؛ فإنّ أدلّة إعتبار النيّة مطلقة ، كيف! وهي روح العبادة وبها قوامها ، والعبادة بلا نيّة جسد بلا روح.

ومنه يظهر : أن المتعيّن للسّقوط هو الشرط المجهول دون النيّة » إنتهى.

أقول : لعمري إنّ هذا اعتراض على نفسه بسوء فهمه فإنّ كلام المصنّف في سقوط الجزم بالنيّة لا سقوط نفس النّيّة ؛ فإنّ سقوطها يوجب انتفاء مهيّة العبادة لا أن سقوطها يوجب سقوط روح العبادة في العبارة فلمّا لم يبق البياض على القرطاس بنيت الإساس على الإحتباس حامدا مستغفرا » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّى : ٢٧٠.

٦٥١

(١٥٠) قوله : ( ويترتّب على هذا : أنّه لا بد من أن يكون ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٣٠٣ )

__________________

(١) قال المحقّق الآشتياني في حاشيته القديمة على الفرائد : [ المخطوطة : ١٧٤ ] :

« حاصل ما ذكره قدس‌سره : هو أن التقرّب في التعبّديّات إنّما هو بإطاعة الأمر المتعلّق بالعبادة ولا يكون العبد مطيعا في حكم العقل والعقلاء في صورة تردّد الواجب إلاّ بكونه عازما حين الإتيان ببعض المحتملات على الإتيان بالباقي وإلاّ لم يكن مطيعا في حكم الأمر المتعلّق بها ولو كان هو المأتي به من المحتملات في الواقع وهذا يرجع إلى أنّ الجزم بالتعبّد شرط في حصول الإطاعة في صورة الإمكان وهذا بخلاف ما إذا لم يتمكّن المكلّف من تحصيل الجزم بالتعبّد كما إذا احتمل وجوب شيء تعبّدا كغسل ١ الجنابة مثلا ؛ فإنّ إطاعته عند العقلاء بإتيانه الفعل باحتمال كونه مطلوبا.

وبالجملة : كيفيّة حصول الإطاعة عند العقلاء تابعة لكيفيّة ثبوت الأمر فإن كان ثبوته قطعيّا يلزم حكمهم بأن يكون المكلّف أيضا جازما بإتيان المأمور به على كلّ تقدير ، وإن كان ثبوته إحتماليّا كفى في حكمهم الإتيان باحتمال الثبوت وإلاّ فيلزم عليهم الحكم بعدم مشروعيّة الإحتياط في التعبّديّات في أمثال الفرض ويترتّب على ما ذكره أن يكون العازم على الإقتصار ببعض المحتملات مخالفا للأمر بالعبادة قطعا ؛ إذ المفروض عدم حصول التعبّد في إتيان الواجب ولو كان الإتيان به في الواقع ٢ ».

* وعلّق عليه الشيخ رحمة الله رحمه‌الله قائلا :

( أقول : على هذا المبنى والأساس من كون الجزم بوقوع المتعبّد به معتبرا في حصول الإطاعة بادّعاء حكم العقل والعقلاء به وأمّا الإقتصار على بعض المحتملات ولو كان هو الواقع وجوده وعدمه سيّان في عدم حصول الإطاعة لو تمكّن المكلّف من بعض المحتملات

٦٥٢

أقول : ترتب ما أفاده على ما ذكره ـ : من كيفيّة النيّة عند تردّد الواجب من كونه حين الإتيان ببعض المحتملات إذا لم يكن المحتمل الأخير عازما على الإتيان بباقي المحتملات ـ مما لا خفاء فيه أصلا ؛ ضرورة أن الإتيان بالشيء من

__________________

دون بعض لم يلزم عليه فعل هذا البعض لفوات الجزم المعتبر في حصول الإطاعة ولو فعل البعض عازما حين فعله بإتيان الباقي وترك الباقي بعد فعله واتّفق كون المأتي به هو الواقع كان مطيعا عند من انكشف له الأمر ولو فعل بعض المحتملات من غير قصد الباقي سواء قصد العدم أم لا ، وقصد عند فعل هذا البعض أنّي أفعل هذا لكونه أحد محتملات الواجب اليقيني رجاء أنه إن كان هو هذا أكن مطيعا لأمر المولى كان كمن ترك الكل رأسا ، وإن كان ما أتى به هو الواجب الواقعي هذا لازم الأساس والمبنى ، ونفسي عن هذا تأبى ولمّا كلّ حدّ التعليق ألقيت حبل التحقيق على غارب التعويق ) إنتهى. أنظر الفرائد المحشّى : ٢٧٠.

(١) وفي النسخة المخطوطة عندنا هنا بدل ذلك :

« كغسل الجمعة مثلاً مع قطع النظر عن كونه واجباً نفسيّاً أو الجنابة الإحتمالية أو العمل الذي تعبّد المكلّف احتياطاً إن كان من الفرض كما في بعض الصور ؛ فإن إطاعته عند العقلاء ... ».

(٢) وجاء في تكملة التعليقة في المخطوطة عندنا :

« هذا ويمكن الخدشة فيما ذكره بان مبني حكم العقل والعقلاء بوجوب الاحتياط في جميع المقامات إنّما هو وجوب دفع الضرر المحتمل ليس إلّا ، سواء كان الواجب المردد تعبديا أو توصليا ويلزم أن يكون مبناه في التعبدي بناءً على ما ذكره هو دفع الضرر المقطوع لا المحتمل ؛ إذ المفروض عدم كفاية المحتمل المأتي به على تقدير كونه واجباً واقعياً في اسقاط العقاب لعدم صحته » إنتهى.

٦٥٣

حيث كونه مقدّمة لا يمكن مع عدم قصد الإتيان بذيها ، فإذا كان وجوب كل محتمل في المقام من حيث كونه مقدّمة علميّة فلا محالة لا بدّ أن يكون عازما على تحصيل العلم بالواجب في زمان الإتيان به الذي لا يتحقّق إلاّ بإتيان جميع المحتملات.

ومن هنا ذكرنا ـ في من عليه قضاء الصّلاة ـ : أنه لا يمكن له قصد الإتيان بمقدّمات الصّلاة قبل الوقت مع عدم عزمه على القضاء ، فلا يتمكّن من قصد الوجوب في الطهارة قبل الوقت وإن وجبت عليه.

نعم ، لو لم يتمكّن من الإتيان بجميع المحتملات في مقام ولو بضيق الوقت ، أو تمكّن وكان حرجيّا ، أو تمكّن وقام الدليل على عدم تنجّز الخطاب بالواقع على كل تقدير ، كما في موارد الطرق الشرعيّة ، أو فرض عدم العلم بالتكليف كما في موارد احتمال الوجوب ، أو قلنا بعدم وجوب الاحتياط وكفاية الموافقة الاحتماليّة ، كان الامتثال في حكم العقل والعقلاء بإتيان الفعل بداعي امتثال الأمر المحتمل المتعلّق به ؛ لأنه غاية ما يمكن من الإطاعة والامتثال. فلو بني على عدم كفايته لزم ما قضى العقل والشرع ببطلانه ، وهذا بخلاف المفروض في المقام ؛ فإنه لا يتحقّق الامتثال بحكم العقل والعقلاء فيما لو عزم على الاقتصار ببعض محتملات الواجب فيحكم بفساده ولو انكشف كونه الواقع بعد العمل.

٦٥٤

في ان شرط الإحتياط قصد إتيان تمام

المحتملات من أوّل الأمر

لا يقال : ما ذكر من الوجه إنّما يتم فيما لو كان قصد الفاعل امتثال الأمر العقلي بوجوب الاحتياط وتحصيل العلم بالواقع ؛ فإنه لا يتمكّن مع عدم العزم على فعل جميع المحتملات لا فيما كان من قصده امتثال الأمر الشرعي المتعلّق بأحدهما في نفس الأمر ؛ ضرورة عدم كون الانضمام مقدّمة وجودية للواجب في مفروض البحث ، فإذا كان من قصده الاقتصار على بعض محتملات الواجب فقد قصد امتثال الأمر الواقعي على تقدير انطباق الواجب على ما أتى به ، فيكون مسقطا للأمر على تقدير المطابقة.

نعم ، على تقدير عدم المطابقة لا يكون معذورا في مفروض البحث ، بخلاف ما لو كان في تكليفه عدم وجوب الإتيان بتمام المحتملات ولو ظاهرا ؛ من جهة قيام الطريق الشرعي ، أو اقتضاء بعض الأصول ؛ فإنه يكون معذورا مطلقا ما لم ينكشف الخلاف.

ومن هنا قال شيخنا الأستاذ العلامة في « رسالته المعمولة في بحث

٦٥٥

التقليد » (١) بكفاية هذا النحو من الامتثال من الجاهل المقصّر التارك لطريقي الاجتهاد والتقليد والاحتياط المقتصر على بعض المحتملات ، ولو من جهة الاعتماد على بعض ما لا يكون طريقا في الشرع ؛ فإنه يتأتّى منه قصد التقرّب والامتثال.

لأنا نقول : الأمر العقلي المتعلّق بالاحتياط أمر إرشاديّ لا تقرب لامتثاله أصلا ، بل وكذا الأمر الشرعي المتعلّق به لا يكون عباديّا. والكلام إنّما هو في كيفيّة امتثال الأمر الشرعي الواقعي المولويّ المعلوم المتعلق بأحد الفعلين ، وليس الوجه في الحكم بعدم تحقّق قصد الامتثال والإطاعة من العازم على الاقتصار ببعض المحتملات كون الانضمام مقدّمة وجوديّة للواجب الواقعي ، وكونه مقدّمة لحصول العلم بالواجب على ما ذكر في السؤال ، بل كونه غير مطيع في حكم العقل والعقلاء ؛ من حيث إن المحرّك للإقدام والدّاعي على الفعل إذا كان امتثال الأمر المحقّق الواحد المتعلّق بأحد الفعلين ، أو الأفعال ، فلا يمكن تحقّقه إلاّ بكونه عازما على الإتيان بجميع محتملات الواجب المفروض في المقام ، فالعازم على الاقتصار بالبعض ليس ممتثلا عندهم على كل تقدير.

نعم ، لو كان هناك أمران متعلّقان بفعلين كان امتثال كل أمر بالعزم على

__________________

(١) رسالة في التقليد : ١٥ ـ المطبوعة ضمن كتاب مجموعة رسائل فقهيّة وأصوليّة منشورات مكتبة المفيد.

٦٥٦

إيجاد متعلّقه ، ولو لم يكن عازما حين العزم عليه على إيجاد متعلّق الأمر للآخر ، بل عازما على عدمه لبعض الدواعي النفسانيّة ، كما إذا كان عازما حين إرادة الصلاة على ترك الزكاة والصّيام مثلا ؛ فإنه مطيع بالنسبة إلى أمر الصلاة وإن كان التفكيك المذكور منافيا لمقام العبوديّة التي ورد فيها كونها جوهرة كنهها الربوبيّة (١) ؛ ضرورة عدم تصوّر التفكيك بالنسبة إلى المقام المذكور المختصّ بالأولياء والنفوس المطمئنّة القدسيّة.

وأمّا ما أفاده في « الرسالة » فإنّما ذكر وجها لا اختيارا. كيف؟ ومصنّفاته فقها وأصولا مشحونة من القول بعدم الكفاية كما هو المسلّم عندهم.

فإن قلت : المناط والعلّة في حكم العقل بوجوب الاحتياط في جميع موارد حكمه ـ من غير فرق بين التعبديّات والتوصّليات ـ هو لزوم دفع الضّرر المحتمل ، ومقتضى ما بنيت عليه الأمر في باب الاحتياط اعتبار القصد بإتيان جميع المحتملات في صحّة المأتي به أوّلا ؛ نظرا إلى عدم تحقق امتثال الأمر المحقّق إلاّ على وجه المذكور هو القطع بترك الواجب والعلم بالعصيان مع القصد على الاقتصار بفعل بعض المحتملات سواء كان الواجب ما قصد إتيانه ، أو غيره ؛ لأن المفروض بطلان المأتيّ به على تقدير كونه واجبا في نفس الأمر ؛ لعدم تحقّق الامتثال بالفرض ، وإن كان آتيا بذات الواجب فيلزم العلم بالتضرّر على تقدير ترك البعض ، كما يلزم على تقدير ترك الكلّ ، فيكون مناط حكم العقل بوجوب

__________________

(١) مصباح الشريعة : ٥٣٦.

٦٥٧

الاحتياط في العبادات مغايرا لمناط حكمه بوجوبه في التوصّليّات ، وهو كما ترى.

قلت : الحاصل من الإتيان بكل محتمل في مفروض البحث مع القصد المزبور ليس إلاّ رفع العقاب المحتمل في تركه من حيث احتمال كونه واجبا واقعيّا ، فإذا كان من قصده الإتيان بجميع المحتملات عند فعل البعض فلا يحصل بعد فعله بالقصد المذكور ما لم ينكشف الحال ، إلاّ دفع العقاب المحتمل على تقدير كونه واجبا ، لا القطع بعدم العقاب ؛ ضرورة منافاته مع فرض تردّد الواجب ، ففعل البعض مع القصد المزبور لا يترتّب عليه إلاّ دفع العقاب المحتمل. نعم ، فعله لا بالقصد المذكور كتركه رأسا لا يترتّب عليه إلاّ الوقوع في محتمل الضّرر إذا لوحظ مجرّدا عن ترك غيره.

نعم ، يترتّب عليه الوقوع في مقطوع الضّرر إذا لوحظ مع ترك غيره لا مع مجرّد عدم العزم على فعل غيره ، غاية ما هناك : في العبادات المردّدة بين المتباينين عدم إمكان دفع الضّرر المحتمل في ترك البعض إلاّ بإتيانه على الوجه الذي ذكرنا. وأين هذا من تغيّر عنوان حكم العقل بوجوب الاحتياط بحسب موارده وكونه دفع الضّرر المقطوع في العبادات المردّدة والضّرر المحتمل في التوصّليّات المردّدة؟

هذا ما أدّي إليه النظر عاجلا وعليك بالتأمّل التام في المقام وإن كان أمره واضحا عند الأعلام.

* * *

٦٥٨

التنبيه الثالث :

وجوب كل من المحتملات عقلي لا شرعي

(١٥١) قوله : ( الثالث : الظاهر أن وجوب كل من المحتملات عقلي ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٣٠٥ )

أقول : المراد من كون وجوب كل من المحتملات عقليّا : كونه إرشاديّا محضا لا يترتب على موافقته من حيث هي ولا على مخالفته كذلك أثر أصلا ، كما هو شأن الطلب الإرشادي في جميع موارده ، وقد تقدّم القول في ذلك مرارا ، وإن الطلب العقلي لا يكون إلاّ إرشاديّا محضا من غير فرق بين إلزاميّاته وغيرها ؛ ضرورة عدم مولويّة للعقل حتى يصحّ صدور الطلب المولويّ منه.

نعم ، المستكشف منه بقاعدة التلازم ـ في غير حكمه في باب الإطاعة والمعصية الحقيقيّين ، أو الحكميّين ـ : الطلب المولوي من الشارع ، وإن كان له جهة إرشاد إلى إدراك المصلحة والمفسدة على مذهب العدليّة ، ولو بملاحظة وجود اللطف في صدور الطلب المولوي من الشارع وإخباره استحقاق الثواب والعقاب على مخالفة الأوامر والنواهي كليّة وإطاعتهما.

ولمّا كان المستظهر ممّا ورد في الشرعيّات في باب الاحتياط كونها مؤكّدة لحكم العقل به ، بل في بعضها التصريح بما يستفاد منه ذلك ، فلا محالة يحكم بكون

٦٥٩

الطلب الشرعي الوارد في باب الاحتياط إرشاديّا محضا كالطلب العقلي وإن فرض إمكان تعلّق الطلب المولويّ به من الشارع ظاهرا ، كما يتصوّر ذلك بالنسبة إلى سائر الأحكام الظاهريّة كالطرق الشرعيّة والاستصحاب.

ومن هنا ساق قوله : ( وأمّا إثبات وجوب التكرار شرعا فيما نحن فيه بالاستصحاب ... إلى آخره ) (١) فإنه مبنيّ على كون الطلب المستفاد من أخبار الاستصحاب مولويّا يعاقب على مخالفته ، وإن كان فيه كلام منه قدس‌سره ومنا ـ ستقف عليه في خاتمة هذا الجزء من « الكتاب » ـ وأمّا عدم جريان الاستصحاب في مفروض البحث فقد أسمعناك شرح القول فيه في مطاوي كلماتنا فراجع.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠٥.

٦٦٠