بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

إطاعته لا مطلقا كما برهن عليه في محلّه (١). والاشتباه العارض في المقام إنّما هو من هذا القسم ، لا القسم الأول كما هو ظاهر.

الثّالث : أن ما أفاده قدس‌سره بقوله : ( ونظير ذلك مطلق التكليف بالأحكام الشرعيّة سيّما في أمثال زماننا ... إلى آخره ) (٢) الظاهر بل الصريح في عدم التكليف بأزيد من تحصيل الظن في زمان التمكّن من تحصيل العلم التفصيلي بالواقع ؛ نظرا إلى عدم الدليل على وجوب دفع الضّرر الموهوم ممّا لا محصّل له بظاهره ولم يقل به أحد فيما علم ، لتطابق الأدلة على حرمة العمل بالظنّ واستقلال العقل بتنجّز الخطابات الواقعيّة وفعليتها بالعلم الإجمالي ، وحكمه بالضرورة بوجوب دفع الضرر الموهوم الأخروي هذا. مضافا إلى قيام الأدلّة الشرعيّة القطعيّة على وجوب تحصيل العلم فكيف يبتني على حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل وبالجملة قد ذكرنا في محلّه بما لا مزيد عليه كون الأصل في الظن الحرمة من غير فرق بين الزمانين.

الرّابع : أنه لم يعلم معنى محصّل لما استدرك بقوله : ( نعم ، لو فرض حصول الإجماع أو ورود النصّ ... إلى آخره ) (٣) فإن التكليف بأمر معيّن عند الله تعالى

__________________

(١) من الأبحاث الكلاميّة.

(٢) قوانين الأصول : ج ٢ / ٣٧.

(٣) نفس المصدر : ج ٢ / ٣٧.

٦٠١

مردّد في الظاهر ما بين أمور ، إن كان ممكنا على الحكيم تعالى فلم ادّعى اتفاق أهل العدل على استحالته؟ وإن لم يكن ممكنا فكيف يمكن قيام الدليل عليه من الشارع؟ إذ القبيح لا يصير حسنا بقيام الدليل عليه من الشارع بل قيام الدليل عليه محال.

وبالجملة : ما أفاده في الاستدراك المذكور يلازم حسن توجيه التكليف بالواقع على وجه الإطلاق من دون اشتراط بالعلم وهو يناقض تصريحه قبله بقبحه فلا يمكن التوفيق بينهما.

الخامس : أن الدليل على التكليف بالواقع المعين عند الله موجود في جميع موارد وجود الدليل على التكليف بالواقع وإن كان مجملا ؛ نظرا إلى ما تقرّر في محلّه واعترف به المحقّق المذكور من وضع الألفاظ للمعاني النفس الأمريّة والأمور الواقعيّة من غير مدخل للعلم في وضعها لها ، فإذا فرض قيام الدليل عليه ممكنا كان موجودا في جميع الموارد فيلزمه القول بالاحتياط فيها ؛ نظرا إلى ما اعترف به فيكون مقتضى الأصل في موارد العلم الإجمالي وجوب الاحتياط وهو المقصود ، هذا كله. مضافا إلى ما ستقف عليه من عدم إمكان اشتراط التكليف بالعلم في الشبهة الحكميّة.

السّادس : أنه لا محصّل لما أفاده بقوله : ( المستلزم ذلك الفرض لإسقاط

٦٠٢

قصد التعيين في الطاعة ... الى آخره ) (١).

لأنه إن أريد أن به قصد التعيين من شروط صحة المأمور به مطلقا حتّى في صورة الجهل فيحكم لأجله بعدم التكليف بالواقع المجهول ؛ نظرا إلى العجز عن تحصيل شرط وجوده فلا يكون مقدورا للمكلّف بعد البناء على الشرطيّة المطلقة.

وأما إذا قام الدليل على التكليف بالواقع المجهول في مورد فيكشف عن سقوط اعتبار قصد التعيين بالنسبة إلى ذلك المورد الخاصّ لا محالة ، فيجب الاحتياط لعدم المانع منه حينئذ.

ففيه : أوّلا : أن الكلام ليس مختصّا بالتعبديّات بل يعمّها والتوصّليّات كما هو ظاهر وقصد التعيين غير معتبر فيها إجماعا.

وثانيا : أنه لا دليل على اعتبار قصد التعيين في الطاعة على وجه الإطلاق حتى في صورة إمكانه.

وثالثا : أنّه لو قيل باعتبار قصد التعيين فإنّما هو فيما إذا تمكّن المكلّف من التعيين لا مطلقا ، لعدم مساعدة دليل عليه كذلك ولم يقل أحد باعتباره كذلك ، إلاّ نادرا في ظاهر كلامه لا يعبأ بخلافه.

وإن أريد به أن نفس قيام الدليل على التكليف بالواقع المجهول مقتض

__________________

(١) قوانين الأصول : ج ٢ / ٣٧.

٦٠٣

لسقوطه وسبب له بحيث يكون سقوطه مستندا إليه من غير كشفه عمّا ذكرناه في الشق الأوّل.

ففيه : أن عدم التمكّن من قصد التعيين مستند إلى نفس تردّد المكلّف به بين أمرين وعدم العلم به تفصيلا سواء قام الدليل على التكليف بالواقع المجهول ، أو لم يقم ، وسواء قلنا في المسألة بالبراءة ، أو الاحتياط ، فلا يكون لقيام الدليل فيه مدخل أصلا ، بل هو مستند إلى العجز وعدم القدرة عليه ، لكن الظاهر أن مراده قدس‌سره هو الشقّ الأوّل ؛ لعدم محصّل للثّاني. مضافا إلى ظهور كلامه فيه عند التأمل. فما أورده عليه شيخنا ( دام ظلّه ) في « الكتاب » مما لا يتوجّه عليه ظاهرا.

فالتحقيق : أن يناقش فيما أفاده بما عرفته منّا بعد حمل كلامه على الشق الأوّل.

(١٣٨) قوله : ( وأمّا اشتراط التكليف به شرعا فهو غير معقول ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٢٨٧ )

__________________

(١) قال المحقّق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : بل وكذا إشتراطه بكونه ممّا يمكننا معرفته تفصيلا بدليل قطعي أو ظنّي ؛ إذ لا يعقل أن يتقيّد الحكم بطريقه ؛ لإستلزامه الدور الصريح وإبتناء كلام المحقّق القمّي على أنّ الأحكام النفس الأمريّة ليست بأحكام فعليّة بالنسبة إلينا كي يجب علينا الإحتياط لدى العلم بها إجمالا فهو بعد الغضّ عن فساده في حدّ ذاته غير مجد في رفع إشكال الدّور ؛ لأنّ

٦٠٤

__________________

العلم بتلك الأحكام من حيث هي غير مجد في تنجّزها ؛ إذ المفروض أنّها ليست باحكام فعليّة في حقّنا وإلاّ فلم يكن يتفاوت الحال بين أن علم بها تفصيلا أو إجمالا فتنجّزها على المكلّف موقوف على أن يعلم بكونها في حقّه أحكاما فعليّة فلو توقّف فعليّتها على العلم بكونها كذلك لدار.

نعم ، يمكن التفصّي عن إشكال الدور : بالإلتزام بأنّ الأحكام الشرعيّة في حدّ ذاتها مجعولة للأشخاص الذين علم الله تعالى بأنّهم لو تفحّصوا عنها لأدّى نظرهم إلى معرفتها فصلاة الجمعة مثلا جعلها الشارع واجبة على كلّ مكلّف له أهليّة استفادة وجوبها من الأدلّة الدّالّة عليه فهي في حدّ ذاتها واجبة على هذه الأشخاص سواء تفحّصوا عن حكمها أم قصّروا في ذلك فتكون معرفتهم للحكم من قبيل الإجازة في الفضولي على القول بالكشف.

ولكن لا يخفى ما فيه : من مخالفته للأدلّة الدالّة على مشاركة جميع المكلّفين في التكاليف الشرعيّة ، وعدم اختصاصها ببعض دون بعض ولتمام الكلام فيما يتوجّه على كلام المحقّقين المزبورين من النقض والإبرام مقام آخر.

وأمّا ما استدركه المحقّق القمّي في ذيل كلامه بقوله : « ولكن من أين هذا الفرض وأنّى يمكن إثباته؟ ».

ففيه : إن جميع الأحكام الشرعيّة بالنّظر إلى ظواهر أدلّتها خصوصا التوصّليّات منها من هذا القبيل ، فيجب الإحتياط في الجميع إلاّ أن يثبت باجماع أو ضرورة أنّ الشيء الفلاني الذي تعلّق به الأمر المطلق لم يتعلّق غرض الشارع بايجاده كيف اتّفق وإنّما تعلّق غرضه بايجاده مع العلم التفصيلي بوجهه ولو في صورة التعذّر ، المستلزم ذلك الفرض ارتفاع الوجوب واقعا

٦٠٥

عدم معقوليّة اشتراط التكليف بالعلم مطلقا

أقول : قد عرفت غير مرّة في مطاوي كلماتنا : استحالة اشتراط تعلّق التكليف واقعا بالعلم التفصيلي من حيث استلزامه الدور الظاهر ، فلا يصحّ قيام الدليل عليه من جانب الشارع من غير فرق بين الأدلة المثبتة للتكاليف الواقعيّة وغيرها من الأدلّة الخارجيّة الكاشفة عن هذا الأمر الغير المعقول ، بل قد عرفت فيما تقدّم : أن اشتراط تعلّقه بالعلم الإجمالي ، بل الظنّ ، بل وبالوهم أيضا كذلك ؛ ضرورة تأخر هذه الأمور عما تعلّقت به. فكيف يمكن توقّفه عليها؟

نعم ، توقّف فعليّة التكليف الواقعي وتنجّزه على المكلّف بتعلّق العلم التفصيلي به ، أو غيره من الأمور المذكورة ممّا لا يلزم عليه الدور ، فلا يكون محالا ذاتيّا ، فلا يكون قيام الدليل عليه من قيامه على وقوع المحال الذّاتي ، لكنّه لا يمكن أن يراد من نفس الخطابات الواقعيّة ويعتبر فيها ؛ ضرورة عدم كون فعليّة التكليف من مداليلها ومفادها ، بل لا بدّ أن يقوم عليه دليل من الخارج.

إلاّ أنا أسمعناك مرارا أيضا : كون العلم الإجمالي بالتكليف علّة تامّة لفعليّته

__________________

عند التعذّر ؛ لاشتراط التكليف بالقدرة ، فلا يجب على هذا التقدير الإحتياط ، بل لا يعقل حيث لا تكليف في الواقع بالنسبة إلى فاقد الشرط ، ولكن من أين هذا الفرض وأنّى يمكن إثباته؟! » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٢٣٥.

٦٠٦

وتنجّزه على المكلّف في حكم العقل ، ويقبح من الشارع الإذن في مخالفة القطعيّة ، ومن المكلّف الإقدام عليها ، فيكون قيام الدليل عليه من الشارع بعد قبحه عليه محالا أيضا بالملاحظة المذكورة ، وإن كان بالعرض ؛ لأن تجويز القبيح محال على الحكيم تعالى.

نعم ، لا استحالة في توقّف تعلق التكليف واقعا بالعلم بموضوعه ومتعلّقه في الموضوعات الخارجيّة كتوقّف حرمة الخمر واقعا على العلم بالخمريّة ـ كما نبّهنا عليه في مطاوي كلماتنا ـ لكنه لا تعلّق له بالمقام ؛ لأن كلامنا في الشبهة الحكميّة ، وفي إمكان توقف التكليف على العلم به ، وكونه شرطا فيه هذا كله.

مضافا إلى اقتضاء نفس ما يتوهّم منه الدلالة على الترخيص ورفع التكليف الفعلي في صورة العلم الإجمالي ، من أخبار البراءة لاعتبار العلم الإجمالي وكفايته في رفع البراءة وعدم المعذوريّة منطوقا ومفهوما على ما عرفت الإشارة إليه : من أن الحكم الثابت فيها لموضوع الجهل وعدم العلم رأسا فتدبّر.

نعم ، قد عرفت سابقا إمكان إذن الشارع في ترك بعض المشتبهين الراجع إلى الإذن في ترك الاحتياط الكلّي لكن لا يكفي مجرّد احتماله ، بل يعتبر في رفع موضوع حكم العقل بلزوم الاحتياط القطع بإذن الشارع ، وليس في المقام مما يصلح للدلالة على الإذن باعتراف الخصم ، إلاّ أخبار البراءة وقد عرفت حالها بما لا مزيد عليه ، مع أن إجمالها من جهة ما ذكرنا يمنع عن الاستدلال بها في المقام فلا حاجة إلى إثبات ظهورها في الدلالة على المرام كما لا يخفى.

٦٠٧

فقد تبين ممّا ذكرنا كلّه : أن ما يصحّ أن يرد من الشارع بعد إخفاء الحكم الشرعي والخطاب الصادر منه في المقام أمران لا ثالث لهما.

أحدهما : ما يدلّ على وجوب الاحتياط الكلّي في إحراز الواقع المجهول وامتثاله مؤكّدا لحكم العقل به.

ثانيهما : ما يدل على جواز الاكتفاء في امتثال الواقع بالموافقة الاحتماليّة وفعل بعض المشتبهين ، لكن أدلّة البراءة لا يصلح لذلك فتعيّن المصير إلى الأوّل.

وبمثل ما ذكرنا ينبغي تحرير المقام لا بمثل ما حرّره شيخنا ( دام ظلّه ) في « الكتاب » فإنه لا يخلو عن بعض المناقشات الظاهرة.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر : ما يتوجّه على ما أفاده المحقق الخوانساري قدس‌سره من المناقشات فلا حاجة إلى إطالة البحث والكلام ، ولعلّه لذلك ترك التعرض له في « الكتاب » ؛ لأن ما يتوجّه عليه المناقشة من كلامه متحدّ مع ما أفاده المحقق القمي كما هو ظاهر.

(١٣٩) قوله : ( وهذا الوجه هو الذي ينبغي أن يقصد ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٢٨٩ )

__________________

(١) قال السيّد المحقّق الفقيه اليزدي قدس‌سره :

« إن قلنا : بأنّ القربة المعتبرة في صحّة العبادة هو إتيان ما تعلّق به غرض المولى واقعا المشتمل على المصلحة الواقعيّة بقصد تحصيل ذلك الغرض وتلك المصلحة ، فلا ريب أنّ

٦٠٨

__________________

الإتيان بقصد الإحتياط لا ينطبق عليه ، بل لا يتحقّق ذلك المعنى إلاّ بعد العلم بالواجب.

وإن قلنا : بأنّ المعتبر في العبادة ليس إلاّ أن يكون داعي المأمور في عمله هو الله بأن يقصد أمرا يرجع إلى الله من موافقة أمره أو التقرّب إليه أو الطمع في ثواب العمل منه تعالى أو الخوف من عقابه ، أو لأنّه أهل للعبادة ، أو لأن العمل محبوبه إلى غير ذلك من الإعتبارات الرّاجعة اليه ، فلا ريب أنّ الإتيان بداعي الإحتياط والرّجاء بالظفر بمطلوبه من أقوى أفراد القربة ، بل القربة فيه أتمّ وأكمل من معلوم الوجوب لو فعله بقصد أمره ؛ لأنّ هذا العبد المحتاط الآتي بما يحتمل أن يكون مطلوبا للمولى أشدّ إهتماما بإطاعة المولى ممّن يأتي بما يعلم أنه مطلوب للمولى لأجله ، وهذا هو التحقيق الذي يعتمد عليه ؛ لأن مستند اعتبار القربة في العبادات منحصر في الإجماع على التحقيق والقدر المتيقّن منه لا يزيد عن أن يكون العمل بداع يرجع إلى الله بوجه من الوجوه.

وما قيل : إن الأصل في الأوامر هو التعبّديّة فالمستند في اعتبار القربة هو الأمر بنفسه ، وكذا ما استدل له من آية ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) وخبر ( إنما الاعمال بالنيّات ) و ( لا عمل إلاّ بنيّة ) وأشباه ذلك مما ذكر في محلّه ، كلّها مخدوشة في محلّها لا يخفى على من راجع ذلك المقام في الكتب الإستدلاليّة في الفقه والأصول.

وأيضا القدر المسلّم ممّا يعتبر في صحّة العبادة مجرّد قصد القربة وإن لم يعلم بحصولها ، بل علم عدم حصولها ولذا نحكم بصحّة عتق الكافر ووقفه بناء على كونهما من العبادات ومن هنا نقول بصحّة العبادة لو فعله بقصد أمر تخيّل المكلّف تعلّقه بها جهلا مركّبا وكان المتعلّق بها أمرا آخر لم يقصده بشرط أن يكون الفعل المأتي به موافقا لما تعلّق به الأمر الواقعي ، هذا

٦٠٩

إمكان قصد الوجه في مورد الإحتياط على نحو قصد القربة

أقول : الوجه فيما أفاده من تعيّن الوجه الثاني في المقام ـ وإن كان ربّما

__________________

كلّه بالنسبة إلى القربة المشروطة في صحّة العبادة.

وأمّا قصد الوجه : من الوجوب والندب الوصفيين أو الغائيّين فمع انه لا دليل عليه من أصله على ما حقّقه المتأخّرون في محلّه ، فلا يمكن اعتباره في مقام الإحتياط جزما ؛ لأنّ المكلّف غير قادر عليه ، وكيف يقدر أن يقصد : أنّى أصلّي الظهر الواجب مع الشك في وجوبه وأصلّي الجمعة الواجبة مع الشك في وجوبها؟

وبالجملة : قصد الوجه يلازم التعيين أعني تعيين الوجه.

نعم ، لا يلازم تعيين عنوان المأمور به من الظهريّة والعصريّة والأداءيّة والقضاءيّة فيمكن قصد الواجب المردّد بين الظهر والعصر أو الأداء والقضاء لوجوبه.

كما انه لا يلازم قصد تعيين العنوان قصد الوجه ، فيجوز قصد خصوص الظهر مردّدا بين كونه واجبا أو مندوبا كالمعادة مثلا.

وحينئذ نقول : ما أفاده المصنّف : من تصوير قصد الوجه على الوجه الأوّل فهو أمر معقول مقدور فيه ، وأمّا تصويره على الوجه الثاني الذي اختاره فهو أمر غير مقدور بل محال.

وما ذكره من انه ينوي لكلّ منهما حصول الواجب به أو بصاحبه ليس معنى قصد الوجه الذي أراده من يعتبره في العبادة كما لا يخفى على من راجع كلام العلاّمة وغيره حتى أنّ العلاّمة رحمه‌الله يقول بوجوب تميّز أجزاء الصلاة واجباتها عن مستحبّاتها مقدّمة لقصد الوجه وإلاّ أمكن أن يأتي بكل عبادة بقصد وجهه الواقعي عند الله الثابت في اللوح المحفوظ ومن الواضح أنّهم لا يكتفون به » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٤٨.

٦١٠

يتوهّم من هذا التعبير جواز إرادة الوجه الأوّل ـ ظاهر ؛ ضرورة أن نيّة الفعل لا يمكن أن تكون على غير الصّفة التي هو عليها ، ولأجلها صار معروضا للوجوب ، وتعلّق أمر الشارع به. ومن المعلوم أن علة الوجوب في كل منهما ليس إلا احتمال كونه واجبا واقعيّا متعبّدا به ، فلا بدّ من أن يقصد حين الإتيان به هذا العنوان لا غيره لعدم وجوده فيه.

لا يقال : إن كلاّ منهما عبادة بالفرض ، فكيف يكتفى باحتمال كونه واجبا متقرّبا به؟ مع أن قصد التقرّب من الشرائط المطلقة للعبادة ؛ حيث إن قوامها به ؛ ضرورة كونه فارقا بين العبادة والمعاملة.

لأنّا نقول : إن أريد من كون كل منهما عبادة ، تعلّق الأمر به من الشارع على وجه القطع على الوجه المذكور فهو خلاف المفروض ، وإن أريد أن كلاّ منهما بصورة العبادة ويحتمل كونه الواجب الواقعي العباديّ الذي يشترط في تحقّقه أو صحّته قصد التقرّب فهو مسلّم لا محيص عنه على ما هو قضيّة الفرض ، إلاّ أن من المعلوم عدم اقتضاء هذا المعنى قصد التقرّب في كلّ منهما بخصوصه لعدم العلم بكونه عبادة متقرّبا بها بالفرض ، بل الإتيان بكلّ منهما بهذا المعنى تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة على تقدير إمكان التشريع القصدي ، فلا بدّ من الإتيان بكلّ منهما باحتمال كونه مطلوبا وهو ما ذكرنا.

لا يقال : الإتيان بكلّ منهما باحتمال كونه متعبّدا به كيف يكون قصدا للتقرّب على وجه الجزم في الواجب الواقعي المردّد بينهما؟ ضرورة أن انطباقه في

٦١١

نفس الأمر على المقصود على وجه الاحتمال لا يوجب إلاّ القصد على وجه الاحتمال ، فلا يكون كافيا في العبادة اليقينيّة.

لأنّا نقول : الإتيان بكلّ منهما بالعنوان المذكور بداعي تحصيل الواجب الواقعي العبادي الموجود في ضمنهما عين قصد التقرب في الواجب الواقعي ؛ لأنّ الإتيان بكل منهما بالدّاعي المذكور لا ينفكّ عن قصد التقرّب فيه ؛ لأنّ المحرّك للإتيان بكلّ منهما بالفرض امتثال الأمر المتعلّق من الشارع بأحدهما في علم الله ، فكيف ينفكّ قصد الإتيان بكل منهما بالعنوان المذكور عن قصد التقرّب في الواجب؟ هذا كلّه.

مضافا إلى أن الاقتصار بفعل أحدهما فرارا عن المخالفة القطعيّة في معنى الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة ، فالداعي في فعله ليس إلاّ احتمال حصول الواجب التعبّدي في ضمنه من دون أن يكون من قصده تحصيله على وجه الجزم واليقين ، فهو أردأ حالا من الاحتياط الكلّي قطعا. ومن هنا قلنا ببطلان عبادة الجاهل فيما يجب الاحتياط والجمع عليه إذا كان من قصده الاقتصار على أحد المحتملين هذا.

مع أنه على تقدير استفادة وجوب الإتيان بأحدهما تخييرا من أخبار البراءة بما تقدم وضوح فساده في مطاوي كلماتنا لا يكون الوجوب المذكور إلاّ ظاهريّا توصّليّا لا يمكن التقرب بقصد امتثاله ولا يكون قصده قصد التقرّب في الواجب الواقعي العبادي ، هذا مع الإغماض عما ذكرنا في شرح إذن الشارع في

٦١٢

ترك الاحتياط الكلّي والموافقة القطعيّة من رجوعه إلى الإذن في مخالفة الواجب الواقعي لمصلحة على تقدير ، لا إلى جعل البدل له على ما زعمه شيخنا في مواضع من كلامه هذا كلّه.

مضافا إلى دوران الأمر على تقدير الإغماض عمّا ذكرنا من تحقّق قصد القربة في الواجب الواقعي على وجه الجزم واليقين بالقصد على الوجه الذي ذكرنا بين الإتيان بكل من المحتملين بالعنوان الذي ذكرنا وإن لم يكن موجبا لقصد التقرّب على وجه الجزم واليقين في الواجب الواقعي على ما زعمه الخصم أو المتوهّم ، وبين الإتيان بأحدهما مقتصرا عليه بزعم كون قصد الوجوب الظاهري قصدا للتقرّب في الواجب الواقعي ، ولا ريب أن ما ذكرنا هو المتعيّن من حيث كونه موجبا للعلم بحصول ذات الواجب وإن فات معه من المكلّف قصد التقرّب على وجه الجزم في العبادة الواقعية.

وهذا معنى كون المحتاط غير متمكّن من تمام الاحتياط في العبادة التي يأتي بها احتياطا وإليه يرجع ما أفاده شيخنا ( دام ظلّه ) في « الكتاب » إغماضا بقوله : ( ووجه اندفاع هذا التوهّم ، مضافا إلى أن غاية ما يلزم

من ذلك عدم التمكّن من تمام الاحتياط في العبادات حتى من حيث قصد التقرّب (١) ... الى آخره ) (٢)

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

٦١٣

وإلاّ فلم يتوهّم أحد كون اشتراط قصد التقرّب في العبادات البدنيّة مما يقبل اختصاصه بحال ، بل هو من مقوّمات العبادة اتفاقا.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر : كيفيّة قصد الوجه فيما يؤتى به احتياطا على القول باعتباره مطلقا في العبادات ؛ فإنه يجعل الداعي للإتيان بهما معا وجوب أحدهما في نفس الأمر فقد قصد الوجه الواقعي في الواجب كما أنه يقصد التقرّب بفعل أحدهما المقرّب واقعا الداعي لفعل المحتملين. وقد أوضحنا في الجزء الأول من التعليقة (٣) كفاية هذا القسم من قصد الوجه على القول باعتباره ، وإن كان ربّما يأبى عنه كلام بعض القائلين به.

(١٤٠) قوله : ( وأما الوجه الأول فيرد عليه : ... الى آخره ). ( ج ٢ / ٢٨٩ )

الأوامر الظاهريّة غيريّة لا يصح قصد التقرّب بها

أقول : حاصل ما أفاده : هو أنّه على القول باعتبار قصد الوجه في العبادة لا بدّ من أن يقصد وجه ما هو الواجب واقعا بعنوان العبادة كقصد التقرب المعتبر

__________________

« إنّ عدم التمكّن من تمام الإحتياط إنّما هو بناء على اعتبار قصد القربة وأمثاله في المأمور به شرطا أو شطرا لا إذا كان من وجوه الطاعة وكيفيّات الإطاعة كما هو التحقيق » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٤٩.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٩٠.

(٣) بحر الفوائد ج ١ / في ضمن التعليقة الواردة : ص ٤٣ فصاعدا.

٦١٤

فيها ومن المعلوم ضرورة عدم حصول القصد المزبور بقصد الوجوب المقدّمي الإرشادي العقلي في كلّ من المحتملين لتغايرهما ، إلاّ أن يلغى في قصده جهة النفسيّة والغيريّة والمولويّة والإرشاديّة فيقصد الوجوب المشترك ، فيكون قصد الوجوب في كلّ منهما حينئذ قصدا للوجوب الواقعي عند المصادفة ، إلاّ أنّه حقيقة ليس قصدا للوجوب العبادي ولا يظهر من القائل باعتباره كفايته ، بل الظاهر منه عدم كفايته لما عرفت : من رجوعه إلى إلغاء قصد الوجه في الواجب حقيقة.

ومن هنا ذكرنا الإشكال فيما يؤتى به من الواجبات العباديّة الظاهريّة بمقتضى الطرق الظاهريّة سيّما إذا كان اعتبارها من جهة دليل الانسداد والظن المطلق ؛ حيث إن مفاد أدلّة وجوب العمل بالطّرق هو الوجوب التوصّلي الغيري ، فقصد هذا الوجوب المعلوم ليس قصدا للوجوب الواقعي النفسي لتغايرهما ، والوجوب الواقعي ليس معلوما بالفرض فلا يكون قصده إلاّ بعنوان الاحتمال ، أو الظنّ النوعي ، أو الشخصي ، وكيف ما كان لا يكون مجزوما به.

ودعوى : كون مقتضى دليل حجيّة الأمارة ترتيب آثار الواقع على موردها التي منها قصد الوجه والتقرّب ، فتفارق موارد قيام الأمارات والأصول الشرعيّة على العبادات للمقام ، فاسدة.

إذ الأثر المذكور ليس ممّا يقبل تعلّق الجعل الشرعي به حتى يحكم بجعله بدليل حجيّة الأمارة ؛ ضرورة كون قصد الوجوب الواقعي على وجه الجزم متوقّفا على العلم به ، وقصد الوجوب الظاهري المعلوم ـ مضافا إلى ما عرفت من كونه

٦١٥

غير مفيد في المقام ـ متفرّع على جعل الوجوب فلا يمكن أن يكون موردا للجعل كما هو ظاهر ، هذا. وسنورد بعض الكلام فيما يتعلّق بهذا المقام عن قريب. هذا بالنسبة إلى قصد الوجه.

وأمّا قصد القربة فلا معنى لإمكانه في فعل كل منهما ولو بملاحظة الأمر الظاهري المتعلّق به ، حتى يقال بكفايته في إحراز قصد القربة في الواجب الواقعي ؛ فإنّ من المقرّر في محلّه : عدم إيجاب إطاعة الأمر المقدّمي سيما الموجود في المقام الممحّض للإرشاد التقرّب إلى الأمر ، بل الأمر كذلك بالنسبة إلى الأوامر الشرعيّة المتعلّقة بموضوع الاحتياط ؛ حيث إنّها ـ على ما أسمعناك سابقا ـ ممحّضة في الإرشاد إلى رفع المهلكة المحتملة في الفعل ، أو الترك ، كأمر العقل بالاحتياط ، فهي مؤكدة في الحقيقة لحكم العقل في باب الاحتياط.

فلو قلنا بإيجاب إطاعة الأمر الغيري بالنسبة إلى غير المقدّمة العلميّة للتقرّب لم نقل بذلك بالنسبة إليها ، لما عرفت من الوجه ؛ فإن المناط في الحكم بالوجوب بالنسبة إليهما وإن كان واحدا وهو توقّف الواجب وجودا عليهما ، إلاّ أن الواجب المتوقّف بالنسبة إلى المقدّمة العلميّة حصول العلم بتحقّق الواجب وطلبه ليس إلاّ من باب الإرشاد ، فلا يمكن أن يكون الطّلب المتعلّق بما يتوقّف عليه أعلى منه ، وهذا بخلاف المقدّمة الغير العلميّة ، بل قد يقال : إن الواجب في حكم العقل إذا كان تحصيل العلم إرشادا ، كان الإتيان بالمحتملين لإحراز الواقع المعبّر عنه بالاحتياط عين تحصيل العلم في الخارج ، وإن كانا مختلفين مفهوما فتأمل.

٦١٦

الأمر الغيري الإرشادي لا يصحّح قصد التقرّب والإمتثال

والحاصل : أن حكم العقل والشرع بوجوب الإتيان بكل من المحتملين لدفع الضّرر المحتمل في تركه حكم إرشادي لا يوجب إطاعته تقرّبا أصلا على ما هو شأن الأوامر الإرشاديّة مطلقا ، نظير حكمهما بوجوب إطاعة الأوامر الشرعيّة الحقيقيّة.

وإن كان هناك فرق بينهما من جهة أخرى ؛ حيث إنّ حكمهما بوجوب إطاعة الأوامر الشرعيّة الحقيقيّة لا يمكن إلاّ أن يكون إرشاديّا ، ولا يقبل لغير ذلك. وهذا بخلاف إيجاب الشارع للاحتياط ، فإنه يمكن أن يكون على الوجه الشرعي الظاهري المتعلّق بموضوع عدم العلم بالواقع ـ على ما أسمعناك شرح القول فيه في مطاوي كلماتنا ـ فلا مناص إذن من قصد التقرّب في المقام وغيره من موارد الاحتياط إلاّ على الوجه الذي ذكرنا. هذا محصّل ما يستفاد من كلام شيخنا دام ظله في تحقيق المقام وتوضيح المرام (١).

__________________

(١) أقول : أورد الشيخ رحمة الله الكرماني قدس‌سره حاشية من المحقّق الآشتياني هنا يظهر منها أنّها الحاشية القديمة لأنّ الموجود في البحر اليوم الحاشية المزبورة بتفصيل وزيادة آخرها ما أفاده قدس‌سره بقوله : هذا محصّل ما يستفاد من كلام شيخنا دام ظلّه في تحقيق المقام وتوضيح

٦١٧

ولكن هنا كلام آخر ووجه ثالث لقصد التقرّب قد طوى ( دام ظله العالي ) ذكره في المقام ، وإن تعرّض له في طيّ ما أفاده في تحقيق مسألة « التسامح في الشكّ في التكليف » وهو : التقرّب بفعل كل من المشتبهين من جهة نفس عنوان الاحتياط من حيث كونه راجحا وحسنا ذاتا لا من جهة الأمر المتعلق بعنوان الاحتياط ، حتى يقال بكونه إرشاديّا عقلا وشرعا على ما عرفت.

__________________

المرام.

ثم علّق الشيخ رحمة الله رحمه‌الله عليها قائلا :

« أقول : هذا بعض كلام لهذا المحقّق في هذا المقام وقد جزع عن مصطلح العلماء حيث عدّ هذا حاصل ما ذكره المصنف وكان المناسب أن يعدّه محصوله.

إذ إجمال المفصّل يقال له : الحاصل. وتفصيل المجمل : المحصول ، والأمر سهل.

وكلّ واحد من الأمرين إمّا نفس الواجب الواقعي وإمّا غيره من غير توقّف لوجوده عليه.

وأيّا ما كان : ليس مقدّمة لوجود الواجب الواقعي ، بل كلّ واحد مقدّمة لحصول العلم بوجوده والمجموع علّة تامّة له.

ومعلوم أنّ تحصيل هذا العلم ليس واجبا شرعيّا يثاب عليه ويعاقب على تركه ، بل لو كان ، كان بالزام العقل بحكمه الإرشادي دفعا للضرر المحتمل وقد كان لنا في هذا الإلزام من العقل هنا كلام تقدّم في بعض التعاليق.

ولا ريب في أنّ هذا الوجوب المقدّمي العقلي العلمي غير الوجوب الواقعي القائم بالواجب الواقعي المردّد بين الأمرين ومن يعتبر قصده لا يقتنع به عنه.

وبالجملة : قد أجاد في إيضاح المرام بحيث لم يبق لأحد مجال كلام وبالله الإعتصام » إنتهى. أنظر الفرائد المحشّى : ٢٦٦.

٦١٨

توضيح ذلك : أنه قد مضى فيما سبق أن حال الاحتياط الذي هو إطاعة حكميّة والأمر به حال الإطاعة الحقيقية والأمر بها من حيث كون نفس عنوانهما حسنا وراجحا ذاتا ، فيكون موجبا للتقرّب من غير مدخل للأمر المتعلّق بهما. وكون الأمر المتعلق به إرشاديا لا يؤثّر إطاعته في القرب أصلا ، فإذا يقصد التقرب بفعل كل من المشتبهين فإذا صادف الواقع فلا محالة يكون إتيانه بقصد التقرب فيسقط الأمر المتعلّق به بعنوان العبادة من حيث انطباق الاحتياط المتقرّب به عليه بالفرض.

لا يقال : قصد التقرّب المعتبر في صحّة العبادة إنّما هو فيما إذا تحقق حين الإتيان بها من جهة الأمر المتعلّق بها بحيث يكون امتثاله ملحوظا حين الفعل ، وقصد التقرب في عنوان الاحتياط على تقدير تسليمه والإغماض عن كون حسنه فاعليّا كقبح التجرّي ليس قصدا للتقرب على الوجه المذكور ، فلا يكون كافيا في المقام.

وهذا نظير ما إذا كان هناك فعل مطلوب للشارع بعنوانين فقصد المكلّف حين الإتيان به امتثال أحد الأمرين المتعلقين به من جهة انطباق عنوان المأمور به عليه ، فإنه لا يكون امتثالا للأمر الغير المقصود في مقام الامتثال.

لأنّا نقول : الاحتياط وإن كان عنوانا مستقلاّ وحسنا ذاتا من حيث عنوانه وإن انفكّ عن الواقع ، إلا أنه لا شبهة في كونه عنوانا للواقع ومطلوبا من حيث مراعاته ، فلا يكون في عرض الواقع ، فإذا انطبق على الواقع وصادفه كان التقرّب

٦١٩

المطلوب من الواقع حاصلا لا محالة ، وهذا بخلاف ما إذا كان هناك فعل اتفق انطباق عنوانين من المطلوب عليه قصد المكلّف بفعله امتثال أحد الأمرين ؛ فإنه لا إشكال في عدم حصول امتثال الأمر الغير المقصود وعدم سقوطه فيما إذا كان أمرا عباديّا يقصد منه التعبّد بفعل المأمور به من جهة كون كل من العنوانين في عرض الآخر ، فلا يمكن أن يجعل أحدهما عنوانا للآخر ، وهذا بخلاف المقام فلا يجوز قياس أحدهما بالآخر. ومن هنا ذكرنا في محلّه : أن مقتضى الأصل عدم التداخل في المسبّبات.

(١٤١) قوله : ( لكنه مبنيّ أيضا على لزوم ذلك من الأمر الظاهري ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٩٢ )

العمل بالإحتياط في مورد ، لا يلازم التشريع أبدا

أقول : لا إشكال في أن الإيراد بلزوم التشريع المحرّم من العمل بالاحتياط في العبادات ـ من حيث لزوم قصد التقرّب والوجوب في كلّ من المحتملين من جهة كونه عبادة فلا يمكن الاحتياط فيها وإنما يمكن في غيرها ـ لا يتوجّه على شيء من المسلكين ، بل المسالك المتقدمة.

أمّا على المسلكين الأخيرين فظاهر ؛ لأنه على الأول منهما لا يقصد التقرب والوجوب إلاّ بالنسبة إلى الأمر الواقعي الصادر من الشارع على ما عرفت. وعلى الثاني وإن كان قاصدا للتقرّب بفعل كل منهما إلاّ أنه يقصده في عنوان الاحتياط

٦٢٠