بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

عن مسامحة ومناقشة ، بل لا بدّ من أن يجعلا صارفين من أصل شمول الخطاب للجاهل ، فالجواب عنهما ممّا يتوقّف عليه إثبات المقتضي لا إثبات عدم المانع فتدبّر.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في عدم مانعيّة الجهل بهذا الاعتبار ، ولذا اعترف جمع من الأساطين منهم : المولى الأستاذ البهبهاني ، بعدم قبح التكليف بالمجمل في الجملة. وهذا كما يشهد على فساد هذا الوجه يشهد على فساد الوجه الثاني أيضا.

وأمّا الثاني ، فأشدّ ظهورا ؛ لأن الجاهل المبحوث عنه ليس أسوأ حالا من الجاهل البسيط ومن المعلوم ضرورة بالوجدان والعيان صحّة مخاطبته بل لولاه لزم الدور أيضا.

وأمّا الثالث ، فلاستقلال العقل باستحقاق الجاهل التارك للمأمور به العقاب على الترك وكفاية العلم الإجمالي في البيان الرافع لموضوع قاعدة القبح هذا كله.

مضافا إلى أنّه لو كان الجهل مانعا في المقام لزم قبح عقاب الجاهل المقصّر على الواجبات والمحرّمات الواقعيّة سواء كان من الكفار ، أو المسلمين ، بل لزم قبح عقاب الكفار على الأصول أيضا ؛ لأن الحاصل للجاهل المقصّر في المقامين الموجب لحسن عقابه ليس إلاّ العلم الإجمالي الموجود في الفرض ، بل ربّما لا يكون الحاصل له إلاّ الشكّ مع عدم الفحص ـ على ما أسمعناك عن قريب ـ مع أن

٥٨١

قضية اتفاق كلمتهم وبناء العقلاء على عدم قبح ذلك ، بل حسنه ، بل أقول : إذا كان هذا المعنى ثابتا مع الشّكّ ـ على ما يقتضيه اتفاق كلمتهم ـ كان ثبوته مع العلم الإجمالي المفروض في محل البحث أولى كما لا يخفى ، هذا بعض الكلام في عدم مانعيّة الجهل التفصيلي عقلا.

وأمّا عدم مانعيّته شرعا ؛ فلأن ما يتوهّم دلالته عليه ليس إلاّ ما دلّ على البراءة عند الجهل بالحكم ممّا تقدّم ذكره في الشكّ في التكليف ، وقد عرفت مرارا ـ عند التكلّم في حكم الشبهة المحصورة وغيره ـ عدم إمكان شموله لموارد العلم الإجمالي المنجّز للتكليف من حيث كونه إذنا في المعصية عند العقل هذا.

مضافا إلى أن الظاهر منها كون الغاية الرافعة للبراءة وترخيص الشارع العلم بالمعنى الأعمّ من الإجمالي والتفصيلي ، وإلى ما قيل من معارضتها لأخبار الاحتياط التي تكون نصّا في الشكّ في المكلّف به بالبيان الذي تقدّم تفصيل القول فيه ؛ فإن مقتضاها وإن كان وجوب الموافقة القطعيّة وليس محلّ الكلام في المقام ، إلاّ أن التمسّك بها باعتبار الفحوى فتدبر. هذا بعض الكلام في المخالفة القطعيّة.

وأما الموافقة القطعيّة ، فالذي ينبغي القطع به بحيث لا يعتريه ريب أصلا : هو وجوبها على الجاهل في المقام من حيث احتمال العقاب بعد تنجّز الخطاب بالعلم الإجمالي على ما عرفت في ترك كل مشتبه ، فيجب بحكم العقل دفعه. ونتيجة ذلك كما ترى ، وجوب الاحتياط وتحصيل الموافقة القطعيّة.

والحاصل : أنا أسمعناك غير مرّة ثبوت الملازمة بين حرمة المخالفة القطعية

٥٨٢

ووجوب الموافقة القطعيّة في حكم العقل بحيث لا انفكاك بينهما أصلا في حكمه ، وأنه كلّما تنجّز الخطاب بالواقع يلزم في حكم العقل إحرازه ولا يجوز الاكتفاء باحتمال حصوله ، إلاّ أنّ مبنى حكمه بلزوم الإحراز على ما عرفت لما كان حكمه بلزوم دفع العقاب المحتمل ، فإذا ورد حكم من الشارع بكفاية بعض المحتملات في مقام امتثال الواقع لزم رفع موضوع حكم العقل بلزوم الإحراز وتحصيل العلم بالواقع ، فلا بدّ للقول بكفاية بعض المحتملات من إقامة الدليل الشرعي عليه ، وليس في المقام على ما عرفت إلاّ ما دلّ من الأخبار على البراءة ، ولا يمكن شمولها للمقام بعد البناء على الحرمة في المقام الأوّل ، لا لأحدهما المعيّن ، ولا لأحدهما المخيّر على ما عرفت تفصيله في الشبهة المحصورة.

وممّا ذكرنا كله يعلم : أن التعبير عن حكم المقام بما أفاده في « الكتاب » من الاستظهار لا يخلو عن مناقشة ، سيّما بملاحظة تعليله للحكم بكونه معصية عند العقلاء ، لكن الأمر سهل بعد وضوح الحكم عنده بملاحظة ما أفاده في مطاوي كلماته وعلى كل تقدير ينبغي تحرير المقام بما عرفت في المقامين.

(١٣٢) قوله : ( بل في بعض الأخبار ما يدل على وجوب الاحتياط ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٨١ )

أقول : لا يخفى عليك أن الاستدلال بالصحيحة في المقام إنّما هو على تقدير كون المراد بالمتماثلة فيها هو مجرّد الشكّ في الحكم الشرعي وعدم العلم به ، أو كون مورد السؤال فيها من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيّين ، أو مطلقا من حيث إن وجوب الاحتياط فيه يستلزم وجوب الاحتياط في المقام

٥٨٣

بالأولويّة القطعيّة الواضحة.

ولكنك خبير بما يتوجّه على الاستدلال بها ، أوّلا ؛ فلما عرفت ـ تبعا لشيخنا والمشهور ـ من عدم وجوب الاحتياط عند الشك في الحكم الشرعي بقول مطلق ، وفي دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر بقسميه ـ كما ستقف على شرح القول فيه ـ فإذا لم يقل بوجوب الاحتياط في المسألة ، فكيف يتعدّى عنها إلى المقام؟ مع أنّ المفهوم بقسميه تابع للمنطوق ، فيكشف ذلك عن كون المراد من الرواية معنى لا يتوجّه عليه محذور أصلا. فلا يقال : إن المسلّم تبعيّة المفهوم للمنطوق في الوجود لا في الاعتبار.

وأمّا ثانيا ؛ فلأن المفروض في الرواية يغاير المقام وخارج عن محل البحث والكلام ، حتى لو أريد منها وجوب الاحتياط عند الشكّ في الحكم مطلقا ولو في الشّكّ في التكليف ؛ حيث إن موردها التمكّن من إزالة الشك بالرجوع إلى ما يوجب العلم بالحكم ، أو الطريق المنصوبة من الشارع للأحكام. ومن الواضح عدم جواز الرجوع إلى البراءة والحال هذه في الشكّ في التكليف ووجوب الاحتياط فيه ؛ لأنه لازم شرطية الفحص للرجوع إلى البراءة في الشبهة الحكميّة هذا.

وقد سلك شيخنا ما سلكناه : من عدم دلالة الصحيحة على حكم المقام وأشباهه في غير موضع من مطاوي كلماته ، فلعلّ التمسّك بها مبنيّ على زعم بعض الأصحاب. وعليه كان الاستدلال بما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط مطلقا ـ من حيث تيقّن إرادة المقام منه ـ أولى ، فتأمل.

٥٨٤

(١٣٣) قوله : ( فإن قلت : إن تجويز الشارع لترك أحد المحتملين ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٨٢ )

إمكان قناعة الشارع بإمتثال بعض محتملات الواقع

أقول : ما أفاده من السؤال مبنيّ على أمر مسلّم من الخارج مفروغ عنه قد اعترف به مرارا في مطاوي كلماته : من جواز إذن الشارع في موارد الاحتياط بالاكتفاء ببعض محتملات الواقع ، وهو كما ترى ، متوجّه على ما أفاده في حكم المقام الثاني.

وحاصله : أن العلم الإجمالي لو كان علّة تامة في نظر العقل لوجوب الاحتياط وتحصيل الموافق القطعيّة لم يعقل ورود الشرع على خلافه ، كما في العلم التفصيلي ؛ حيث إنه لا يمكن أن يرد من الشرع الإذن في مخالفته في مورد من الموارد ؛ حيث إن القضايا العقلية غير قابلة للتخصيص ، فلو كان حال العلم الإجمالي حال العلم التفصيلي لجرى فيه ما يجري فيه ، ولو لم يكن علّة تامّة لم يعقل حكم العقل بوجوب الاحتياط في موارده ، وتجويز إذن الشارع بالاكتفاء ببعض المحتملات كاشف عن عدم كونه علّة تامّة فيلزمه على ما عرفت انتفاء حكم العقل بوجوب الاحتياط.

٥٨٥

ولا يتوجّه عليه : كون لازم ذلك الحكم بجواز المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي في المقام عند العقل ، فلا يحكم بحرمتها ؛ حيث إن الإذن فيها كالإذن في مخالفة العلم التفصيلي إذن في المعصية في حكم العقل ، فلا يجوز مطلقا ، فلا تدلّ حرمة المخالفة القطعيّة على وجوب الموافقة القطعيّة بحكم العقل ، فيحتاج إثباته على إقامة الدليل الشرعي عليه ، هذا تقرير السؤال.

ولكنّك خبير بوضوح فساده ؛ حيث إن العلم الإجمالي علة تامّة في حكم العقل لوجوب الاحتياط وإحراز الواقع المعلوم فيما تعلّق بالخطاب المنجّز في موضوع عدم العلم باكتفاء الشارع ببعض محتملات الواقع عنه ، لما أسمعناك مرارا : من كون حكمه بوجوب الاحتياط في جميع موارده مترتّبا على حكمه بلزوم دفع العقاب المحتمل المرتفع بقناعة الشارع ببعض المحتملات ، فما دام الموضوع في حكم العقل يكون متحقّقا وموجودا لا ينفكّ عنه الحكم العقلي وإن ارتفع موضوعه في صورة العلم بإذن الشارع.

فالعلم الإجمالي علّة تامّة في حكم العقل لوجوب الاحتياط من حيث عنوانه الأولي ، بل من حيث كونه منشأ للعقاب المحتمل في أطرافه ، فالعلة الأوّليّة والموضوع الأصلي هو العنوان المذكور ، فلمّا كان منطبقا على العلم الإجمالي بالشرط المتقدّم فيما لم يعلم الإذن من الشارع ، قلنا بكونه علّة تامّة لوجوب الاحتياط فيما لم يعلم الإذن من الشارع ، تجويز اكتفاء الشارع ببعض المحتملات الواقع لا يكشف عن عدم حكم العقل بوجوب الاحتياط أصلا حتى في مورد عدم

٥٨٦

العلم بالإذن كما توهّم في السؤال.

فإن شئت قلت : إن حكم العقل بقبح المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي ـ على ما أسمعناك مرارا ـ إنّما هو من حيث حكمه بوجوب إطاعة الخطاب المنجّز بالعلم الإجمالي ، وإلاّ فليست المخالفة للعلم الإجمالي من حيث هي هي قبيحة مع قطع النظر عن تنجّز الخطاب ووجوب إطاعته في حكم العقل.

وقد عرفت عدم الانفكاك في حكمه بين المخالفة القطعيّة ، والموافقة القطعيّة فلو فرض عدم حكمه بوجوب الثانية في مورد لم يحكم بحرمة الأولى أيضا ، كما هو الشأن في موارد عدم تعلّق العلم الإجمالي بالخطاب المنجّز ، فالالتزام بحرمة الأولى وعدم وجوب الثانية لا يجوز في حكم العقل أصلا.

ولا ينافي ذلك تجويز قناعة الشارع عن الواقع ببعض محتملاته ؛ لأن مقتضاه إثبات إذن الشارع وترخيصه في القناعة ، فما لم يثبت حكم بوجوب الاحتياط كما يقول به القائل به ؛ إذ ليس مراده إلاّ ذلك ، فيكون مقتضى الأصل والقاعدة هو وجوب الاحتياط في مورد العلم الإجمالي بالخطاب المنجّز ، فلا يتوقّف الحكم به على قيام دليل عليه من جانب الشارع كما توهّم في السؤال.

فقد علم مما ذكرنا من البيان في الجواب عن السؤال : إنه ليس هنا مناقضة بين حكم العقل والشرع فيما ورد على الاكتفاء ببعض محتملات الواقع أصلا ، لعدم تواردهما على الموضوع الواحد حقيقة ؛ حيث إن حكم الشارع يتعلّق بترك بعض أطراف الشبهة ويلزمه ارتفاع احتمال العقاب عنه على تقدير كونه الواجب

٥٨٧

الواقعي ، وحكم العقل يتعلّق بفعله فيما كان تركه موجبا لاحتمال الضّرر والعقاب ، فلم يرخّص الشارع الإقدام على محتمل العقاب حتى ينافي حكم العقل ، كما أنه لم يوجب العقل فعل كل مشتبه من أطراف الشبهة من حيث هو ، حتى ينافي حكم الشارع بجواز تركه ، فلا تنافي بينهما أصلا كما لا يخفى هذا.

وقد تقدّم نظير هذه الشبهة ودفعها فيما أسمعناك في هذا الجزء وفي الجزء الأول من التعليقة عند الكلام في دليل الانسداد فراجع إليه.

ثمّ إن ما أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه العالي ) في الجواب (١) راجع

__________________

(١) قال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« التحقيق في الجواب أن يقال : إن العلم الإجمالي لمّا كان مشوبا بالجهل أمكن أن يجعل الشارع ذلك الجهل عذرا للمكلّف كما في الشبهة البدويّة وغير المحصورة ويكون حكمه الظاهري هو البراءة ولا يحتاج إلى جعل البدل أيضا وهذا بخلاف العلم التفصيلي فإنّ حكمه الظاهري أيضا مطابق للمعلوم البتة » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٤٣.

* وقال الفقيه السيّد عبد الله الشيرازي قدس‌سره :

« لا يخفى ان ما أفاده المصنف في الجواب تصريح منه بكون العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجّز حتى بالنّسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة ، فكلّ ما يرى في كلماته قدس‌سره على خلافه لا بد أن يجمع بينه وبين العلّيّة ولو بتأويل : لعلوّ مقامه وجلالة شانه وإن لم يكن قابلا للتأويل ـ ولو بالإلتزام لكونه في مقام التنزّل عنها ـ لكان ورود الإشكال عليه أولى من إسناد الإقتضاء

٥٨٨

إلى ما ذكرنا ، وإن كان ظاهره الالتزام بلزوم جعل بعض المحتملات بدلا عن الواقع فيما جوّز ترك غيره كما هو ظاهره في غير موضع من هذا الجزء من « الكتاب » ، على خلاف ما استظهرناه منه في الجزء الأوّل من « الكتاب » ، واخترناه في هذا الجزء والجزء الأوّل من التعليقة ؛ من حيث إن المجوّز لإذن الشارع هو ملاحظة المصلحة فيه من غير توقّف على جعل غير المأذون بدلا عن

__________________

عليه.

وبالجملة : لما كان العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي علّة تامّة للتنجّز بكلتي المرتبتين فلا بد من الإحتياط في المقام بإتيان الطرفين ولا يكتفي بإتيان أحدهما إلاّ إذا قلنا بأنّ أحد الطرفين بدل جعلي من طرف الشارع ، فحينئذ يكتفي به ولا يلتزم الإتيان بالآخر.

وهذا لا ينافي علّيّته التّامّة من حيث ان جعل البدل ليس في مقام إثبات التكليف أي : مقام شغل الذمّة واللزوم على العهدة ، وإنّما يكون في مقام إسقاط التكليف أي : مقام فراغ الذمّة والخروج عن العهدة ، والعقل في هذا المقام لا يلزم بإتيان عين الواقع ، بل يلزم بإتيان ما يرضى به المولى منه أو من بدله.

بل قد عرفت إمكان جعل البدل في العلم التفصيلي أيضا في مقام الفراغ بل وقوعه ، كما في مطلق الأصول الجارية بعد العمل أو حينه ، مثل قاعدة الفراغ أو أدلّة الشكوك الصحيحة في الصلاة.

وربما كان نظر المصنّف قدس‌سره في اختصاص جعل البدل بالعلم الإجمالي إلى حال قبل الإشتغال بالإمتثال حيث لا يكون في العلم التفصيلي إحتمال ومحتمل حتى يجعل بدلا عن الواقع » إنتهى. أنظر عمدة الوسائل : ج ٢ / ١٧٥.

٥٨٩

الواقع حتى يلزمه ترتيب آثار الواقع عليه في مرحلة الظاهر ، بل إنّما يحكم العقل بوجوب إتيانه من حيث كونه من أطراف الشبهة كما كان يحكم به قبل إذن الشارع في ترك غيره.

لكنّه كما ترى كلام آخر لا تعلّق له بالجواب عن السؤال ؛ فإنه كلام في أصل عنوان إذن الشارع لا في عدم منافاته لحكم العقل بوجوب الاحتياط في مورد ثبوته ووقوعه بأيّ عنوان كان ، كما لا يخفى.

(١٣٤) قوله : ( ومما ذكرنا يظهر عدم جواز التمسّك في المقام بأدلّة البراءة ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٢٨٣ )

__________________

(١) قال صاحب قلائد الفرائد في قلائده ( ج ١ / ٤٩٩ ) :

أقول : وملخّص وجه عدم جواز التمسّك :

أوّلا : ان ما نحن فيه له جهتان : جهة علم وهو العلم بأصل الحكم ، وجهة جهل وهو الجهل بمتعلّقه ، فمن طرف العلم مندرج تحت مفهوم « ما حجب » ومن طرف الجهل مندرج تحت منطوقه ، ولمّا كان هذا مستلزما للتناقض في مفاده فلا بد فرارا منه من الإلتزام بخروجه عن تحته وحينئذ لا يكون المرجع فيه إلاّ الأصل ، وهو في المقام لوجود العلم الإجمالي إنّما هو الإحتياط.

وثانيا : أنّ أمثال هذه الأخبار إنّما هي مسوقة لبيان حكم المشتبه من حيث عروض عنوان الإشتباه مع قطع النظر عن طريان العناوين الخارجيّة كوجود العلم الإجمالي ، وحكم العقل بوجوب الإمتثال من باب المقدّمة العلميّة ، فلا ينافي ثبوت الإحتياط بلحاظ هذه العناوين من الدليل الخارجي نظير عروض عنوان أمر الوالدين ومن يحذوهما » إنتهى.

٥٩٠

أقول : لمّا أثبتنا ـ في طيّ ما قدّمناه لك ـ كون قضيّة الأصل بعد تنجّز الخطاب بالواقع وجوب الاحتياط وتحصيل الموافقة القطعيّة بإتيان تمام محتملات الواقع في المقام ، وأن القائل بخلافه لا بدّ له من إقامة الدليل عليه من جانب الشارع الدّال على اكتفائه عن الواقع في مرحلة الظاهر ببعض محتملاته ، وأنه ليس ممّا يتوهّم دلالته عليه إلاّ ما دلّ على البراءة عموما عند عدم العلم بالحكم الشرعي تعرّض لبيان عدم صلاحيّته للدلالة عليه متفرّعا ذلك على ما فرغ عن ثبوته من حرمة المخالفة القطعيّة ؛ من حيث إن إجراءه بالنسبة إلى كل مشتبه بخصوصه موجب لطرح العلم الإجمالي رأسا.

وهو مع منافاته لما بنى عليه في المقام الأوّل ولحكم العقل ، مناف لنفس الأخبار ؛ من حيث إيجابه لطرح المعلوم وإجرائه بالنسبة إلى أحدهما المعيّن مع عدم المعيّن ، موجب للترجيح من غير مرجح وهو محال ، وإجراؤه بالنسبة إلى أحدهما لا على التعيين لا يتحمّله الأخبار بعد خروج المشتبهين منها ـ على ما عرفت شرحه في مطاوي ما قدّمناه لك ـ فليس هنا ما يرفع موضوع حكم العقل بوجوب الاحتياط ، وهذا كما ترى ، لا سترة فيه أصلا وقد نبّهنا عليه في غير موضع من كلماتنا السابقة ونبّه عليه شيخنا ( دام ظلّه ) أيضا في مطاوي كلماته السابقة.

إنما الكلام فيما أفاده في المقام : ( من دلالة الأخبار مفهوما على وجوب

٥٩١

الاحتياط في مورد العلم الإجمالي بضميمة حكم العقل (١) وكون كل من

__________________

(١) أقول : هاهنا حاشية للمحقق الآشتياني قدس‌سره [ وردت في المخطوطة ] :

« لا يخفى عليك أن ظاهر هذا الكلام يعطي كون عدم شمول أخبار البراءة مثل رواية الحجب وغيرها من جهة حصول العلم لحكمه الظاهري وارتفاع الحجب بذلك.

ولكنك خبير بأن حكم العقل بوجوب الإحتياط من جهة وجوب دفع الضرر ليس رافعا وقد تقدّم نظير هذا الكلام منه في القسم الأوّل من الشك في المكلّف به.

ثم إن ما ذكره بقوله : « فلا منافاة بين عدم وجوب الشيء ... إلى آخره » فرائد : [ ج ٢ / ٢٨٤ ] ممّا لا شبهة فيه لأنّ المقدّمة العلميّة مقدّمة للعلم ، فلا ينافي كونه واجبا واقعيّا نفسيّا ؛ إذ لا يلزم على تقديره إتّحاد المقدّمة وذيها ، وهذا بخلاف سائر المقدّمات ؛ فإن الواجب الغيري فيها لا يجامع الوجوب النفسي لها إلاّ إذا فرض كونها واجبا نفسيّا من جهة وغيريّا من جهة أخرى فيصير نظير المقدّمة العلميّة إلاّ أنّ الفرق : أن الوجوب الظاهري فيها لا يجامع الوجوب العلم بكونها واجبا واقعيّا كما لا يخفى ، بخلاف الوجوب الغيري في سائر المقدّمات فإنّه يجامع العلم بكونها واجبا نفسيّا بالمعنى الذي عرفته كما قيل في الغسل » إنتهى. أنظر حاشية الآشتياني القديمة المخطوطة : ١٦٥.

* وقال المحقق الكرماني بعد نقل ذلك معلّقا عليه :

« أقول : لمّا أجاب المصنّف عن التمسك بأدلّة البراءة على عدم وجوب المحتملين في الوجه الأخير ـ بأن وجوب كلّ واحد منهما بالخصوص معلوم باعتبار حكم العقل بوجوب المقدّمة العلميّة فلا تشمله رواية الحجب والتوسعة ونظائرهما ؛ لإنه ليس مما حجب الله علمه ولا ممّا لا يعلمون ـ اعترض المحقّق بأنّ هذا الوجوب الجائي بحكم العقل من باب دفع الضرر

٥٩٢

المشتبهين معلوم الوجوب ظاهرا ومن باب المقدّمة العلميّة وإن لم يكن معلوم الوجوب واقعا وفي مرحلة ذاته لعدم التنافي بين الأمرين فيخرج عن منطوق الأخبار من حيث إن مقتضاه إثبات البراءة في غير المعلوم مطلقا ولو في مرحلة الظاهر ، وأمّا من الحكم بأنّ شمولها للواحد المعيّن المعلوم وجوبه ... إلى آخر ما أفاده ) (١).

فإنه قد يناقش فيه أوّلا : بأن حكم الشارع بوجوب الاجتناب في معلوم الحرمة والارتكاب في معلوم الوجوب كترخيص الارتكاب في معلوم الحلّيّة ليس حكما تأسيسيّا من الشارع وراء جعل الحرمة والوجوب للواقع ، وإنّما هو إرشاد إلى حكم العقل تأكيد له فيرجع الأمر إليه لا محالة ، وإنّما الغرض من أخبار

__________________

المحتمل اللازم منه الإحتياط ليس ولا يكون رفعا للحجب.

إذ هذا الوجوب من قبل العقل جار من جهة الحجب وكون وجوب كل واحد محجوبا بالخصوص فكيف يكون ما موضوعه الحجاب رفعا للحجاب وايجاب العقل فعل كل واحد مع عدم إطّلاعه على المؤمّن وهو كون المحجوب موضوعا عن العباد ، وبعد إطّلاعه عليه لم يحكم.

نعم ، إذا ختم إلى هذا الوضع للمحجوب عدم كون الواحد المردّد محجوبا أنتج أن طرح الأمرين معا غير موضوع عنهم فاستقام ما إخترناه من حرمة المخالفة القطعيّة دون وجوب الموافقة القطعيّة فلمّا تمّ المرام عدلنا عن الإبرام وختمنا على الكلام بالسلام » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّى : ٢٦٤.

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

٥٩٣

البراءة هو تأسيس ما أثبت فيها في جانب المنطوق على تقدير دلالتها على الحكم الظاهري الشرعي ، فليس الغرض منها بيان تعيين هذا على تقدير تسليم دلالة التعليق بالقيد والوصف في نفسه على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء وإن نفي السعة في جانب المفهوم عين الضيق ، وإلاّ فللنظر فيما أفاده وجه آخر غير ما ذكرنا.

وثانيا : بأن ما أفاده : من عدم التنافي بين عدم وجوب الشيء في مرحلة الظاهر لنفسه ووجوبه ظاهرا لغيره ومن باب المقدّمة العلميّة كعدم التنافي بين عدم وجوبه واقعا لنفسه ووجوبه واقعا لغيره كما في المقدّمات الوجوديّة للواجبات الشرعيّة وإن كان ممّا لا يعتريه ريب وشكّ ـ وإن كان هناك كلام فيما هو خارج عمّا أفاده من اجتماع الوجوب النفسي والغيري في شيء واحد من جهتين : بأن يجعل الشارع بعض الواجبات النفسيّة مقدّمة لغيره ، كالإسلام الذي هو واجب لنفسه شرط في صحّة العبادات فيصير مطلوبا من حيث ذاته ومن حيث المقدّميّة على وجه يرجع إلى التأكيد ، كاجتماع عنوانين من الوجوب النفسي في شيء واحد لا إلى اجتماع المثلين أو الضدّين والتحقيق في محلّه ـ إلا أنّ ما أفاده من ورود المفهوم بضميمة حكم العقل على المنطوق ممّا لا محصّل له ؛ حيث إن المنطوق على تقدير دلالته على الإذن في نفسه ـ كما هو المفروض في بيان هذا الوجه ـ يرفع موضوع حكم العقل في باب المقدّمة العلميّة هذا.

مع ما في معارضة مفهوم الحديث لمنطوقه مع تفرّعه عليه ما لا يخفى على الفطن ، فلا بدّ من التمسّك بذيل الوجه الأول في كلامه الراجع إلى عدم دلالة أخبار

٥٩٤

البراءة على حكم صورة وجود العلم الإجمالي بالخطاب المنجّز. اللهم إلاّ أن يكون مراده من الوجه الثاني استكشاف ذلك أيضا من حيث إن شمولها للمقام لما كان موجبا للتعارض ومنافيا لثبوت المفهوم ، فلا بدّ من الحكم بعدم الشمول فتأمل.

(١٣٥) قوله : ( فإنّ التحقيق : أن الذي ثبت علينا بالدليل ... الى آخره ). ( ج ٢ / ٢٨٤ )

كلام المحقّق القمي قدس‌سره لا يبتني على التصويب

أقول : لا يخفى عليك أن مراد المحقق القمّي قدس‌سره مما أفاده في المقام من حصر التكليف فيما ادّعى إليه الطرق الظنيّة ، فيجب تحصيله من باب المقدّمة ، فلا تكليف بالواقع النفس الأمري حتى يجب تحصيله بالعلم إن أمكن ، أو بالاحتياط إن لم يمكن ، ليس ما ربّما يتوهّمه الغير المتأمل في أطراف كلامه : من كون التكليف الواقعي الواقع في الشرعيات تابعا لما أدّي إليه الطرق الظنيّة ، فيورد عليه : بأنه كيف يجامع القول بالتخطئة مع أنه جعل هذا المعنى أولى بالثبوت على مذهب أهل الحق من التخطئة في الكلام المتعقب بالكلام المزبور.

بل ما يقتضيه النظر الأولى في كلامه من حصر التكليف الفعلي الذي هو مناط الإطاعة والعصيان والثواب والعقاب عند العقل فيما أدّي إليه الطرق الظنيّة ، فالتكليف الشأني الواقعي الصادر من الشارع في نفس الأمر متعلّق بنفس الواقع ، إلاّ أنّه ليس منجّزا على المكلّف بمجرّد ثبوته النفس الأمري ما لم يساعد عليه الأمارات الظنيّة ، فهو أشبه كلام بكلام القائل بحجّيّة الظّن بالطريق.

٥٩٥

نعم ، فيما أفاده من أولويّة ثبوت هذا المعنى على القول بالتخطئة تأمل ظاهر ، بل الظاهر في النظر تعيّن ذلك على القول بالتصويب ؛ إذ لا واقع عليه إلاّ ما أدّي إليه الطرق الظنّية. نعم ، على تقدير إرادة الحكم الظاهري من التكليف لا بدّ من ابتنائه على القول بالتخطئة ، فلا يناسب أولويّة الثبوت أيضا.

ثمّ إن الوجه فيما أفاده قدس‌سره والحامل له على ذلك : هو ما يستفاد من مطاوي كلماته وبني عليه في غير موضع منها ؛ من أن الذي يحكم به العقل وعليه بناء العقلاء في أمورهم هو وجوب دفع الضّرر المظنون لا المحتمل والموهوم ، فلا يجب دفعه حتّى يلزم تحصيل العلم بالواقع ، أو الاحتياط في تحصيله.

ومن هنا بني على كون مقتضى الأصل الأوّلي عند انسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة العمل بالظنّ دون الاحتياط ، بل ظاهر قوله في المقام بعد الكلام المذكور على وجه التفريع : ( ولذا لم نقل بوجوب الاحتياط وترك العمل بالظنّ الاجتهادي من أوّل الأمر ) (١) وعن « المعالم » سلوك هذا المسلك عند انفتاح باب العلم أيضا.

وهذا كما ترى ، وإن كان ضعيفا من وجوه أشرنا إليها في الجزء الأول من التعليقة عند الكلام في حجيّة الظن المطلق ، إلاّ أن الغرض من التعرّض له في المقام وعنوانه مجرّد بيان مرامه ، وأنه لا يقول بتبعيّة الأحكام الواقعيّة لما ساعد عليه

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٨٤ ، عن قوانين الأصول : ج ٢ / ٣٧.

٥٩٦

الطرق الظنّيّة حتى يلزمه التصويب الباطل عند أهل الصواب.

(١٣٦) قوله : ( والحاصل : إذا ورد نصّ أو إجماع ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٨٥ )

أقول : لا يخفى عليك أن ما ذكره من الفرض أوّلا من تعلّق الوجوب بما هو معيّن معلوم عندنا شكّ في حصوله والإتيان به في الخارج لا تعلّق له بالمقام أصلا ؛ إذ المفروض الشبهة الموضوعيّة ، وإنّما المتعلّق به ما ذكره بعده من الفرض الثاني والثالث ، ولمّا كان غرضه استيفاء الأقسام تعرّض للفرض الأوّل الخارج من الشبهة الحكميّة.

ثمّ إن مراده من الظنّ بوجود ذلك الأمر المعلوم الذي جعله أحد الطريقين للكفاية لا بد أن يكون هو الظن المعتبر من جانب الشارع بالخصوص ؛ إذ لم يقل أحد بكفاية مطلق الظن في حصول المكلف به المعيّن المعلوم بالتفصيل ، أو في انطباق الحاصل عليه كما هو ظاهر.

٥٩٧

(١٣٧) قوله : ( وأمّا ما ذكره الفاضل القمّي ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٨٦ )

حاصل الإشكال المتوجّه على كلام المحقق القمي

يرجع إلى وجوه

أقول : حاصل ما يتوجّه على ما أفاده المحقق القمّي قدس‌سره يرجع إلى وجوه :

الأوّل : أنه لا دليل على قبح الخطاب بالمجمل ذاتا ومن حيث هو هو مع الإغماض عن عدم تعلّقه بالمقام ، بل عدم تعلّقه بالمقام الثاني وهو إجمال النصّ أيضا لما ذكره شيخنا ونذكره من عدم الإجمال أصلا في الخطاب الصادر من الشارع. كيف! وقد يكون اللطف والمصلحة في تأخير البيان ، وإنّما المسلّم قبحه فيما أوجب نقض الغرض وفوت المصلحة ، إمّا من جهة زعم المكلّف ؛ نظرا إلى أن ظاهر الخطاب كون المكلّف به ما يقتضيه ظاهره فيأتي به ، مع أن المقصود غيره الذي هو خارج عن محلّ البحث ، أو من جهة عدم قدرته على الجمع بين محتملات الخطاب المجمل.

توضيح ذلك : أن الخطاب الصادر من الشارع ، إمّا أن يكون ظاهرا في معنى لا يكون مرادا في نفس الأمر وفي الواقع ، بل يكون المراد غيره. وإمّا أن لا يكون ظاهرا في معنى ، بل يكون مجملا ومحتملا لمعاني متعدّدة.

والأول وإن كان خارجا عن مفروض البحث ؛ إلاّ أنّ صريح المشهور فيه :

٥٩٨

عدم قبح تأخير البيان فيه عن وقت الخطاب ، وظاهر إطلاق الأكثر قبحه عن وقت الحاجة فيه ، والذي يقتضيه التحقيق فيه عدم قبحه عن وقت الحاجة أيضا وفاقا لشيخنا وجمع من المحققين إذا اقتضت المصلحة تأخيره وإخفاء الواقع في برهة من الزمان ، فيكون المخاطبون بالظاهر الذي لا يكون مرادا في الواقع مكلّفين في الظاهر بما يقتضيه ظاهر الخطاب ؛ من حيث إن وجود المصلحة المجوّزة للتأخير على خلاف الأصل ، فلا ينافي الاحتمال المذكور في الظواهر حجيّتها في حقّهم هذا. وستقف على شرح القول فيه في الجزء الرابع من التعليقة.

وأما الثاني ، فهو متعلق بالمقام ، وظاهرهم وإن كان إطلاق القول فيه بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة أيضا كما صرّح به المحقق القمّي قدس‌سره ، إلاّ أن الذي يقتضيه التحقيق فيه أيضا وفاقا لجمع من المحقّقين منهم : الفريد البهبهاني قدس‌سره في « الفوائد » (١) كون قبحه دائرا مدار فوت الواقع لأجله ، فإذا كان متعلّق الخطاب مردّدا بين أمرين يمكن للمكلف الجمع بينهما بالاحتياط ، فلا دليل على قبحه فيما إذا اقتضت المصلحة تأخير البيان.

نعم ، هو بلا مصلحة مقتضية له خلاف وضع الشارع المبيّن للأحكام وللحلال والحرام ، لكنّه لا تعلّق له بالمقصود أيضا ؛ إذ وجوب إزالة الاشتباه على الشارع من حيث إنه شارع إذا لم يكن هناك مصلحة مقتضية لترك البيان لا تعلّق له

__________________

(١) أنظر الفوائد الحائريّة : ٣٥٩.

٥٩٩

بسقوط الامتثال عن المكلّف فيما تمكّن منه ولو بالجمع ، فلو فرض المتكلّم ممن يخاطب بالمجمل ويتعمّد في ترك البيان لا لمصلحة كما في المولى العرفي مع قدرة العبد على امتثاله بإتيان الأمرين لم يكن إشكال في وجوبه عليه عند العقلاء ، أو عدم سقوطه عنه.

الثاني : أنه على فرض تسليم قبح الخطاب بالمجمل ذاتا من حيث هو هو مع تأخير البيان عن وقت الحاجة مطلقا وإن كان هناك طريق للمكلّف لامتثاله ولو بالاحتياط نمنع كون المقام من جزئيّاته ، إمّا من جهة ما ذكرنا وأشرنا إليه ، وإمّا من جهة ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة ( دام ظلّه العالي ) في « الكتاب » : من أن الذي يجب على الحكيم تعالى على تقدير تسليمه إنّما هو إزالة الاشتباه عن المخاطبين بالخطابات ورفع التردّد والإجمال عنهم.

وأمّا إزالة الإشتباه والإجمال العارض من جهة اختفاء القرائن ، أو التقصير في ضبطها وحفظها وتبليغها إلى الغائبين عن مجلس الخطاب ، أو المعدومين في زمان الخطاب ، فلا تجب على الحكيم تعالى على وجه القصر ، وإنّما يجب عليه ـ لمكان بقاء الشريعة إلى يوم القيامة ـ نصب الوليّ والإمام الحافظ للقرائن والأحكام على وجه يبلّغها إلى الجميع على تقدير كونه مأمونا (١) يتمكّنون من

__________________

(١) أي : من شرّ الظلمة والطّواغيت الجبابرة ـ مأمونا في نفسه وأهله وشيعته.

٦٠٠