بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

ولذا بنينا على جوازها في نظائر المسألة مما لم يكن هناك خطاب منجّز على ما عرفت تفصيل القول فيه.

وبعبارة ثالثة : لا إشكال في ثبوت الملازمة في حكم العقل على ما أسمعناك غير مرّة بين وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وعدم الانفكاك بينهما في حكمه ، وإن جوّز ترخيص الشارع لارتكاب بعض الأطراف على ما عرفت شرح القول فيه.

فإذا لم يحكم العقل في مورده بوجوب الاحتياط من جهة الأمن من الضّرر وعدم العلم بتنجّز الخطاب ، فلا يحكم بحرمة المخالفة القطعيّة ؛ من حيث إن قبحها في حكم العقل ؛ من حيث قبح المعصية المترتّب على حكمه بحسن الإطاعة ووجوبها ، فإذا لم يحكم بوجوب إطاعة الخطاب الواقعي في الفرض من جهة عدم العلم بالتنجّز ، فلا معنى لحكمه بقبح المخالفة والمعصية.

ومن هنا قد يناقش في تعبير شيخنا في « الكتاب » عن حكم المقام بما يظهر منه عدم جزمه بذلك ، كما أنه لا إشكال فيما أفاده : من الرجوع إلى الأصل في المسألة على القول المذكور سواء كان مقتضاه إثبات التكليف ، أو نفيه ؛ لانحصار المانع بالفرض في العلم الإجمالي الغير المؤثّر على هذا القول.

فيرجع في المثال الأوّل إلى استصحاب الطّهر إلى أن يبقى مقدار العدد العادي للحيض المفروض في المثال ؛ لعدم العلم بانتقاض الحالة السابقة الطهريّة قبل ذلك الزمان مع العلم بخروج الدّم المشكوك حاله ، فلا مانع من جريان

٤٤١

الاستصحاب على ما هو المشهور من كفاية المسامحة في إحراز الموضوع ، فلا يجوز الرجوع إلى أصالة الإباحة ؛ نظرا إلى حكومة الاستصحاب عليها وإن كانا متعاضدين.

وبالنسبة إلى المقدار المذكور يتعيّن الرجوع إلى أصالة الإباحة (١) بالنسبة

__________________

(١) قال سيّد العروة أعلى الله تعالى مقامه الشريف معلّقا على قول المصنّف ـ : ( إلى أن يبقى مقدار الحيض فيرجع فيه إلى أصالة الإباحة ) ـ :

وهل يجري استصحاب بقاء الحيض حينئذ لتيقّن وجوده والشك في انقضاءه؟ وجهان : من أنّ ميزان جريانه متحقّق من اليقين السابق والشك اللاحق وينسب هذا الوجه إلى مذاق المشهور في الإستصحاب.

ومن أنّ المستفاد من أخبار الإستصحاب ليس إلاّ أنّ حكم زمان الشك المتّصل بزمان اليقين حكم زمان اليقين ، وأمّا الشك المنفصل زمانه عن زمان اليقين فلا يستفاد حكمه من هذه الأخبار.

ففي المثال المذكور : يشك في آخر الشهر في الحيض ويتيقّن حصول حيض قبله من أوّل الشهر إلى زمان العلم بحصوله لكن زمان الشك ليس متّصلا بزمان المتيقّن ؛ إذ لعلّ الحيض كان في أوّل الشهر وانقضى زمانه ، فلم يتم ميزان جريان الإستصحاب ولذا لا نقول بجريان استصحاب الطهارة ولا الحديث في مسألة تعاقب الحدث والطهارة مع الجهل بتقدّم أيّهما ؛ لأنّ اتصال زمان الشك بكل واحد من الطهارة والحدث غير معلوم ، وعلى مذاق المشهور يجري الإستصحابان ويتعارضان فيتساقطان وهذا الوجه منسوب إلى الشيخ الجليل الشيخ راضي [ فقيه العراق م ١٢٩٠ ه‍ ] طاب ثراه هو الوجه ، ولعلّ المصنّف كان ناظرا إليه حيث

٤٤٢

إلى الأفعال المحرّمة في حقّ الحائض بالنسبة إلى الزوج ؛ للعلم بارتفاع الحالة السابقة بالنسبة إلى ذلك الزمان ، وإن لم يجز معه الرجوع إلى استصحاب الحيض أيضا ؛ نظرا إلى اعتبار سبق المتيقّن على المشكوك في جريان الاستصحاب ، وإن لم يعتبر فيه سبق اليقين على الشكّ والموجود في الفرض العلم بتحقّق الحيض المتردّد بين الدم الموجود والسّابق المعدوم فلا علم بوجود المتيقّن في السّابق.

نعم ، قد يقال : بأن لازم القول بالأخذ بالضدّ في مسألة الشكّ في تقدّم الحدث والطهارة وأشباهها فيما كانت الحالة السّابقة معلومة الحكم بجريان استصحاب الحيض في المقام ، فتدبر.

لكنّه ضعيف كما فصّل في محلّه وسننبّه عليه في باب الاستصحاب لما عرفت : من عدم تحقّق شرط الجريان.

وأمّا بالنسبة إلى الزوجة فيرجع إلى استصحاب الطهر بالنسبة إلى السابق على المقدار المزبور فيما كان الدم مردّدا بين الحيض وغير الاستحاضة من الدماء التي لا أثر لها في الشرع ، فتبني على وجوب الصّلاة عليها وإباحة ما تحرم على الحائض.

وأمّا لو كان مردّدا بين الحيض والاستحاضة ، فمقتضى القواعد الجمع بين

__________________

لم يتمسّك باستصحاب الحيض وتمسك بأصالة الإباحة فتدبّر » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٣١٣.

٤٤٣

تروك الحائض وأفعال المستحاضة للعلم الإجمالي بتوجّه أحد الخطابين إليها ، وإن كان مردّدا. والمفروض أن حرمة الصلاة في حق الحائض تشريعيّة لا ذاتيّة حتى يمنع احتمالها من الاحتياط ، واستصحاب الطّهر من حدث الحيض معارض باستصحاب الطّهر من حدث الاستحاضة وإن كان الحق على ما عرفت عدم جريانهما.

وأمّا بالنسبة إلى المقدار المزبور ففيما كان الدم مردّدا بين الحيض والاستحاضة تحتاط بما عرفت ، وفيما كان الدّم مردّدا بين الحيض وغير الاستحاضة يرجع إلى أصالة الإباحة بالنسبة إلى المحرّمات على الحائض ، ولكن لا يثبت بذلك وجوب العادة عليها فينفى بأصالة البراءة ، ولا يجوز الرجوع إلى عمومات العبادة في المسألة لكون الشبهة موضوعيّة.

نعم ، على القول باعتبار الأصول المثبتة يحكم في الفرض بكونها حائضا من حيث إن طهرها قبل ذلك الزمان ملازم لحيضها بالنسبة إلى المقدار المزبور بعد العلم الإجمالي ، فلا يجري أصالتي الإباحة والبراءة ، هذا ما يقتضيه القواعد والأصول في الدم المردّد والتفصيل يطلب من الفقه ، هذا بالنسبة إلى المثال الأوّل.

وأمّا المثال الثاني ؛ فلا إشكال فيما أفاده في حكمه من الرجوع إلى أصالتي الإباحة والفساد بالنسبة إلى حكمه التكليفي على تقدير كون إيقاع المعاملة الربويّة حراما ذاتا كسائر المحرّمات الشرعيّة ، فيرجع في مورد الشكّ في عنوان المعاملة إلى ما هو الأصل في كلّ ما شك في حليّته وحرمته ، وبالنسبة إلى حكمه

٤٤٤

الوضعي لأنها الأصل في كل عقد أو إيقاع شكّ في صحّته وفساده ، فيحكم بكون العقد المردّد في الفرض فاسدا بالنظر إلى الأصل المذكور لا كونه ربويّا.

فلا يقال : إن الشك في الحليّة والحرمة في الفرض مسبّب عن الشكّ في كونه ربويّا فإذا حكم بفساده فلا يجري أصالة الإباحة لما عرفت : من أن الحكم بالفساد غير الحكم بكونه ربويّا وإن كان ملازما له بحسب الواقع ، إلاّ أنه لا يثبته فلا يترتّب على أصالة الفساد الحكم بالحرمة حتى يمنع من جريان أصالة الإباحة ، كما لا يجوز القول بأن إباحته ملازمة لعدم كونه ربويّا فإذا حكم بالإباحة من جهة الأصل ، فيحكم بصحّته ؛ نظرا إلى ما عرفت هذا.

مضافا إلى أن فساد المعاملة الربويّة لا يلازم حرمتها ، بل يجامع إباحتها ، ولذا يحكم بفسادها في حق القاصر بالجهل ، أو النسيان ، بل يحكم بفسادها في حق الصغير أيضا على القول بصحة معاملاته في الجملة ، فلا ملازمة بين الإباحة والفساد.

نعم ، أصالة الفساد حاكمة على أصالة الإباحة بالنسبة إلى التصرّفات المترتّبة على المعاملة المذكورة ؛ حيث إن الشكّ في حليّتها وحرمتها مسبّب عن الشكّ في الصحّة والفساد ، فلا يجري أصالة الإباحة بالنسبة إليها بعد جريان أصالة الفساد.

لا يقال : جواز إيقاع العقد وإن لم يكن ملازما لصحّته كلّيّة وإلاّ لما جاز

٤٤٥

الانفكاك مع ثبوته في الجملة في الشرعيّات كما فيما ذكر من المثال ، إلاّ أنه ملازم لها في حق المكلّف الملتفت الجامع لشرائط التكليف الفعلي كما في الفرض ، فإذا حكم بجوازه فيحكم بصحّته ؛ نظرا إلى الملازمة.

لأنا نقول : نمنع من ثبوت الملازمة في الفرض أيضا ؛ فإن الصحّة من أحكام كون المعاملة غير ربويّة لا من أحكام جواز إيقاع العقد فلا يمكن إثباتها إلاّ بإثباته ، ومن المعلوم ـ كما عرفت ـ عدم إمكان إثبات كونها غير ربويّة بجواز إيقاعها في مرحلة الظاهر.

ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بكون الأحكام الوضعيّة حتى الصحّة والفساد مجعولة ، أو منتزعة من الأحكام التكليفيّة ؛ فإن الحكم التكليفي الذي ينتزع منه الفساد حرمة التصرّف في المال ، لا جواز إيقاع العقد كما هو ظاهر لا سترة فيه أصلا.

لا يقال : إن العلم الإجمالي في المشتبهين تدريجا ، كما لا يقدح في إجراء الأصول العمليّة على ما هو المفروض ، كذلك لا يقدح في إجراء الأصول اللفظيّة أيضا ، فيرجع في حكم المعاملة المردّدة إلى عمومات العقود المقتضية للصحّة بالنسبة إلى أطراف الشبهة ، فلا تعارض بعمومات الرّبا المقتضية للفساد ؛ لرجوع الشك بالنسبة إليها إلى الشكّ في أصل الموضوع ، وهذا بخلاف عمومات العقود ؛

٤٤٦

ضرورة الفراغ عن صدق العقد وتحقّق الموضوع ، وكما لا يجوز الرجوع إلى أصالة الفساد التي هي الأصل الأوّلي في المعاملات بعد الحكم بالصحّة من جهة العمومات ، كذلك لا يجوز الرجوع إلى أصالة الإباحة أيضا وإن كانت أصلا عمليّا أوّليّا في المسألة قد حكم بالجمع بينها وبين أصالة الفساد على ما عرفت ؛ نظرا إلى كون مقتضى العموم عدم كونها ربويّة فلا يجري شيء من الأصلين.

لأنّا نقول : الشكّ في الفرض ليس من جهة الشكّ في الحكم والمراد من العام من حيث إرادة تمام الأفراد وبعضها حتى يرجع إلى العموم من جهة الشكّ في حال العقد الموجود من حيث كونه ربويّا أو غيره ، وهذا الشكّ لا تعلّق له بالشكّ في المراد حتى يرجع فيه إلى اللفظ ، وإنّما هو شكّ في المصداق بعد وضوح مراد الشارع من اللفظ ، فعدم جواز الرجوع إلى العموم ليس من جهة العلم الإجمالي بكون بعض ما يتجدّد من مصاديق الخارج من العام حتى يقال بعدم قدحه ـ بناء على عدم الفرق بين الأصول العمليّة واللفظيّة ـ بل من جهة إجماله الذاتي وعدم ظهوره بالنسبة إلى الشكّ في المصداق. ومن هنا يحكم بعدم جواز الرجوع إلى العموم فيما لم يكن هناك إلاّ معاملة واحدة شكّ في كونها ربويّة أو غيرها ، فلا تعلّق للسّؤال المذكور أصلا.

نعم ، على القول بجواز الرجوع إلى العمومات في الشبهات المصداقية ـ فيما كانت من قبيل المقام ؛ من حيث إحراز صدق عنوان العام مع وقوع الشكّ من جهة

٤٤٧

الشكّ في صدق عنوان الخاصّ من جهة الشبهة الموضوعيّة الخارجيّة ـ لا بدّ من أن يستند المنع عن الرجوع في المقام إلى العلم الإجمالي المفروض ، فيتوجّه عليه السؤال المذكور ، فيجاب عنه : بدعوى ثبوت الفرق (١) في تأثير العلم في

__________________

(١) قال سيّد العروة قدس‌سره :

« وجه الفرق : ان الأصول العمليّة يعمل بها مطلقا حتى في موارد العلم الإجمالي بخلافها إلاّ اذا لزم من إجرائها طرح تكليف منجّز كمسألة الإنائين في الشبهة المحصورة إذا كان الأصل فيهما الطهارة فلمّا لزم من إعمال الأصلين طرح تكليف وهو وجوب الإجتناب عن النجس في البين لم يعمل بالأصلين بخلاف ما إذا كانا مستصحبي النجاسة فلا مانع من إجراء الأصلين ولو لزم منه مخالفة العلم الإجمالي.

وأمّا الأصول اللفظيّة كأصالة العموم فيما نحن فيه فإنها لا تجري مع العلم الإجمالي بخروج فرد مردّد بين أفراد فإنه يحصل الإجمال بالنسبة إلى جميع الأفراد المردد فيها ولو لم يكن إجراء الأصل موجبا لطرح تكليف منجّز ، ولعلّ قوله : « فتأمّل » إشارة إلى دقّة المسألة وإلاّ فالمناقشة فيما ذكر لا نعرف وجهها » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٣١٩.

* وقال السيّد عبد الحسين اللاّري في بيان وجه الأمر بالتأمّل :

« أقول : إشارة إلى أنّ الفرق مبنيّ على اعتبار العلم الإجمالي وتنجّز الواقع.

وأمّا على ما هو المفروض في المقام من عدم اعتبار شيء من العلم والواقع في المقام سوى ما ينحصر في مؤدّى الظاهر والعلم التفصيلي فلم يبق فرق بين الأصول اللفظيّة والعمليّة من حيث التعبّد وعدم الموصليّة إلى الواقع » إنتهى.

أنظر تعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٩٨.

٤٤٨

__________________

* وقال المحقق الفقيه آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : الفرق بينهما [ الأصول اللفظية والعمليّة ] : في بادي الرأي هو أن العبرة في باب الألفاظ بظهور اللفظ من حيث هو في كون مدلولة مرادا للمتكلّم وكون المدلول موردا لابتلاء المكلّف في مقام عمله مما لا مدخليّة له في ذلك فمتى علم إجمالا بورود تخصيص أو تقييد أو ارتكاب تجوّز بالنسبة إلى شيء من الظواهر عرضه الإجمال وسقط عن الإعتبار من غير فرق بين كون أطراف ما علمه بالإجمال موردا لابتلاء المكلّف وعدمه هذا.

ولكن التحقيق : أنّ العلم الإجمالي الذي يكون بعض أطرافه خارجا عن مورد الإبتلاء لا يصلح مانعا عن العمل بما يقتضيه الشك في الطرف الآخر الذي هو محل الإبتلاء من الرجوع إلى الأصول المقرّرة للشك لفظيّة كانت أم عمليّة ولكن فرّق بين ما هو مناط الإبتلاء في مجاري الأصول اللفظيّة والعمليّة ؛ فإنّ العبرة في الأوّل يكون ممّا يجري فيه الأصل مورد ابتلاء المكلف من حيث الحاجة إلى معرفة ما أراده المتكلم بهذا الكلام بحسب أغراضه الباعثة على فهمه سواء كان لمدلوله أثر عملي بالنسبة إليه أو الى شخص آخر أم لم يكن أصلا بل كان من قبيل القصص والحكايات فلو علم العبد إجمالا باشتمال الكتابة التي أرسلها مولاه إليه على فقرات لم يقصد بها ظواهرها وأشهد تلك الفقرات بغيرها لم يجز له الإعتماد على ظواهر شيء منها ؛ لمعارضة أصالة الحقيقة في كلّ فقرة منها بجريانها في ما عداها فيعرضها الإجمال.

وهذا بخلاف ما لو علم إجمالا إمّا بكون هذا الكتاب كذلك أو كتاب آخر أرسله الى شخص آخر أو كتابة أخرى مرسلة من شخص آخر اليه ممّا لا حاجة له الى معرفتها ولو كانت تلك

٤٤٩

__________________

الكتابة أيضا ككتابة مولاه ممّا لا بدّ له من معرفة مدلولها والخروج عن عهدة ما فيها من التكاليف وجب عليه الأخذ بظواهر كلّ منهما من باب الإحتياط حيث ان المورد حينئذ يصير من قبيل إشتباه الحجّة باللاّحجّة وهذا بخلاف ما لو كان العلم متعلّقا بخصوص أحد الكتابين فانه ليس من هذا القبيل.

وهكذا الكلام في الكتب المصنّفة الواصلة الينا ، فلو علم إجمالا باشتمال شيء منها على كنايات واستعارات وتجوّزات كثيرة لا تفي ببيانها القرائن المحفوفة بها أو اشتماله على اغلاط كثيرة وتحريفات مغيّرة للمعاني على وجه أحدّ من الشبهة المحصورة لا يجوز نسبة شيء ممّا يظهر من فقراتها ـ التي هي أطراف الشبهة ـ إلى مصنّف ذلك الكتاب ولو علم إجمالا بأن الرّسالة العمليّة التي للتقليد كذلك أو شيئا من كتب التواريخ التي لا حاجة له إلى معرفة مضامينها لا يقدح ذلك في جواز العمل بظواهر الرسالة.

وكيف كان : ففي مثل : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) أو ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ونحوها لا يجوز الأخذ بعمومها بعد العلم الإجمالي بطروّ تخصيص عليها من غير فرق بين أن يكون الخاصّ بالفعل مورد ابتلاء المكلّف وعدمه ؛ فإنّ هذه العمومات هي مورد ابتلاء المكلّف وقد عرضها الإجمال بعد العلم بعدم إرادة حقيقتها ولا يجدي في ذلك اشتباه المخصّص وتردّده بين أمور ليس بعضها مورد ابتلاء المكلف في مقام العمل لما أشرنا اليه : من أن العبرة في المقام بالحاجة إلى معرفة حكمها في استكشاف ما أريد بهذه العمومات فلاحظ وتدبّر » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٢١٧.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

٤٥٠

التدريجيّات بين الأصول العمليّة فلا تأثير له ، وبين الأصول اللفظية فيحكم بتأثيره بالنسبة إليها فيسقطها عن الاعتبار ؛ من حيث إن مبناها على حكم العرف التابع لظهور اللفظ المرتفع بالعلم الإجمالي ، ولو كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء فعلا ، لا على تعبّد الشارع حتى يقال بعدم قدح العلم الإجمالي المذكور على ما هو المفروض.

وإن كان الفرق محلّ تأمّل ونظر : من حيث إن بناء العرف والعقلاء فيما كان بعض الأطراف المعلوم خروجه إجمالا من العموم خارجا عن محلّ الابتلاء هو التمسّك بالعموم جدّا ، كما يكشف عن ذلك الاختبار عن حال عبدين أمرهما المولى بحكم متعلّق بعام علما بخروج فرد من أحد عامّين ؛ فإنه لا ريب في تمسّكهما بالعموم من دون تأمّل ، ولا يسمع عنهما الاعتذار في تركه عند العقلاء بالعلم الإجمالي المذكور.

__________________

« الملاك في عدم جريان الأصول اللفظيّة في صورة العلم بخروج بعض الشبهات إنّما هو طروّ الإجمال على العام فلا يبقى معه مجال لأصالة العموم ، وهذا لا يتفاوت فيه الحال بين تنجّز التكليف بينها كما في غير التدريجيّات وعدم تنجّزه كما فيها ، وهذا بخلاف الأصول العمليّة ؛ فإن الملاك في عدم جريانها في صورة العلم الإجمالي إنّما هو تنجّز التكليف فيتفاوت الحال فيها بين تنجّزه به وعدمه ، كما لا يخفى. ولعلّ أمره بالتأمّل إشارة إلى ما ذكرنا في وجه الفرق » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٤٦.

* أقول : وأنظر قلائد الفرائد : ج ١ / ٤٧٣ ـ التعليقة رقم : ٢٧٩.

٤٥١

ومن هنا أمر شيخنا في « الكتاب » بالتأمّل فيه مع استظهاره وإن أمكن جعل الوجه فيه ما ذكرناه ؛ من عدم جواز الرجوع إلى العموم في الفرض مع عدم العلم الإجمالي أيضا كما اختاره ( دام ظلّه ) في الأصول وجرى عليه في الفقه هذا.

وأمّا توهّم : رجوع الشكّ في الفرض ـ بعد إلقاء العلم الإجمالي ـ إلى الشكّ في الخروج لا إلى الشك في الخارج فلا مانع من التمسّك بالعموم ، ففاسد.

من حيث إن الشك في الخروج إنّما يجوز بعد الرجوع إلى العموم إذا لم يرجع إلى الشكّ في الموضوع الخارجي ، كفساد توهّم : كون مقتضى الأصل الموضوعي في الفرض الحكم بعدم كون المعاملة المردّدة ربويّة ؛ لأن الأصل عدم زيادة أحد العوضين على الآخر.

ومن المعلوم إجراء حكم العموم فيما كان هناك أصل موضوعيّ على طبقه ، كما إذا كان العالم المردّد بين العادل والفاسق فيما أمر بإكرام العلماء مع إخراج الفسّاق منهم مستصحب العدالة ؛ من حيث إن إثبات حال المعاملة بالأصل المذكور مبنيّ على القول باعتبار الأصل المثبت المنفيّ عندنا ، فتأمل.

وأمّا في مثال النذر والحلف المذكور في « الكتاب » فيتعيّن الرجوع إلى أصالة الإباحة على القول بعدم تأثير العلم الإجمالي فيه ؛ إذ لا أصل فيه غيرها كما هو ظاهر.

٤٥٢

* التنبيه السابع :

العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة

قد ينشأ عن اشتباه المكلف به وقد يكون من جهة اشتباه المكلّف

قوله : ( وقد يكون من جهة اشتباه المكلّف كما في الخنثى العالم ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٢٥١ )

__________________

(١) قال سيّد العروة قدس‌سره :

« ومن أمثلة المقام : ما لو رأت المرأة دما مردّدا بين كونه حيضا وغيره إذا لم يكن هناك أصل موضوعي يعيّن أحد الموضوعين.

ومن أمثلته : ما إذا كان امر المكلف مردّدا بين كونه حاضرا أو مسافرا بناء على كون كلّ من العنوانين موضوعا للحكم ، وأمّا لو قلنا بأن موضوع حكم القصر عنوان المسافر ولكن موضوع حكم التمام ليس عنوان الحاضر ، بل المستفاد من دليله : انّ المكلّف يجب عليه الصلاة تماما خرج عنه عنوان المسافر وبقي الباقي كما هو الأظهر.

فإن لم نقل بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة كما هو الإظهر فهو أيضا يصير من أمثلة المقام وإن قلنا بالتمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة لم يكن مثالا لنا ويحكم بوجوب التمام بمقتضى العموم هذا كله اذا لم يكن هناك أصل موضوعي يلحقه بالمسافر أو الحاضر.

٤٥٣

بيان حكم الخنثى وما هو وظيفتها في

المختصّات والمشتركات من الأحكام

__________________

ومن الأمثلة : الخنثى المشكل المذكورة في المتن بناء على عدم كونها طبيعة ثالثة وأما بناء على كونها طبيعة ثالثة كما هو الأظهر المحقّق في محلّه فينبغي أن يقال : إن التكاليف التي موضوعها عنوان الرجال او النساء لا تشملها فيرجع فيها إلى أصالة البراءة ما لم يكن مخالفا للإجماع ، والتكاليف التي موضوعها عنوان المكلّف أو الإنسان أو المؤمن ونحو ذلك تشملها وإن خرج منه خصوص الرجل أو المرأة.

ودعوى : انصراف الأدلّة مطلقا عنها أيضا كما قيل به ليس كلّ البعيد.

وأمّا بناء على دخولها في الرجل أو المرأة واقعا كما هو المشهور فدعوى الإنصراف غير جيّد ؛ للقطع بشمول حكم أحد العنوانين لها.

وبالجملة : حكم جميع أمثلة المقام وجوب الإحتياط بناء على وجوبه في الشبهة المحصورة ومن موارده في الخنثى حكم وجوب الجهر على الرّجل في الصلوات الجهريّة ووجوب الإخفات على المرأة فيها على القول به ، فتحتاط إمّا بتكرّر الصّلاة جهرا مرّة وإخفاتا مرّة أخرى وإمّا بتكرار القراءة مرّتين في صلاة واحدة جهرا وإخفاتا.

لا يقال : انه حينئذ يدخل في القران المحرّم.

لأنّا نقول : أوّلا : أنّ الحقّ كراهة القران لا حرمته.

وثانيا : أنّ القران المحرّم أو المكروه ما اذا كان بقصد الجزئيّة على التحقيق لا بقصد الإحتياط كما فيما نحن فيه » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٣١٩.

٤٥٤

أقول : إنّما لم يتعرّض ( دام ظله ) لحكم ما إذا كان طرفا الشبهة في المكلّف احتمالين في مخاطبين ، كما في واجدي المني في الثوب المشترك ؛ لرجوع الشك فيه إلى الشكّ في التكليف حسبما عرفت غير مرّة ، إلاّ فيما فرض توليد العلم الإجمالي بالتكليف ، أو التفصيلي منه.

ثمّ إنّه لا إشكال في كون اشتباه المكلّف في مفروض البحث موجبا للاشتباه في المكلّف به ؛ فإن الخنثى من جهة دورانها بين الرجل والأنثى ـ على القول بعدم كونها طبيعة ثالثة ـ تعلم بالنسبة إلى التكاليف المختصّة بإحدى الطائفتين بتوجّه أحد الخطابين والتكليفين إليها مع جهلها بالمكلّف به.

كما أنه لا إشكال فيما أفاده في حكم المقام بالنظر إلى الأصل والقاعدة الأوّليّة في العلم الإجمالي على ما عرفت شرح القول فيه في غير موضع : من عدم الفرق في حكم العقل بوجوب الاحتياط بين تعلّق العلم بالخطاب المفصّل مع تردّد متعلّقه ، وبين تعلّقه بالخطاب المردّد ، كما في الفرض فيحتاط بالنسبة إلى جميع ما يختصّ بالرجال والنساء ، فيجتنب عما كان محرما على كل من الطائفتين بالخصوص ، فيجب عليها ستر كل من قبيلها ؛ للعلم بأن أحدهما عورة.

بل قد يقال : بوجوب سترهما عليها وإن لم نقل بوجوب الاحتياط فيما تعلّق العلم بالخطاب المردّد ؛ حيث إن المعلوم فيه الخطاب المفصّل مع تردّد متعلّقه كما يجب عليه الاجتناب عمّا يجوز التلبّس بها للمرأة في الصّلاة وستر جميع بدنها ؛ لاحتمال كونها امرأة ، وليس المقام مورد التمسّك بأصالة عدم الشرطية كما

٤٥٥

لا يخفى هذا بالنسبة إلى الصلاة.

وأمّا في غير الصّلاة فالظاهر عدم الفرق في حكمه وإن توهّم الفرق بينهما ؛ نظرا إلى رجوع الشاكّ في ستر غير العورتين بالنسبة إليه إلى الشك في أصل التكليف. وإن كان بالترديد بين الأقل والأكثر ، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة ، البراءة ولا يلزم منه الحكم بجواز عدم الستر في الصلاة ؛ فإن وجوب السّتر عليها فيها ليس من حيث حرمة نظر النّاظر ، وإنّما هو من حيث ثبوت الشرطيّة.

وكذا يحرم عليها التزويج والتزوّج ، وإن قلنا بعدم وجوب الاحتياط عليها بالنسبة إلى التكاليف المختصّة بأحد الفريقين ؛ لوجوب إحراز الرجوليّة في الزوج ، والأنوثيّة في الزوجة ؛ من حيث كون الشبهة موضوعية ، فيتعيّن الرجوع إلى أصالة فساد العقد ، وإن قيل بجواز الرجوع إلى الأصل الموضوعي في الفرض ، أي : أصالة عدم الرجولية عند إرادة التزوج ، وأصالة عدم الأنوثيّة عند إرادة التزويج ؛ من حيث إن المقصود منهما مجرّد النفي ؛ لكون الأثر مترتّبا عليه لا إثبات الضدّ حتى يكون من الأصول المثبتة ، مضافا إلى ما يتوجّه عليه من التعارض على هذا التقدير كما هو ظاهر. ولكنّه كما ترى ، وإن كان مفاده الحكم بالفساد أيضا.

وأمّا التكلّم مع الرّجال والنساء واستماع صوتهما فيبتني وجوب الاجتناب عنهما عليها ـ لا لحاجة وضرورة ـ على حرمتهما على كلّ من الفريقين بالنسبة إلى الآخر ، كما هو صريح شيخنا في « الكتاب » وغير واحد ، وظاهر بعض الأخبار من دون ريبة ، وإلاّ لم يكن إشكال ولا خلاف في الحرمة وإن كان ظاهر بعض

٤٥٦

مشايخنا بل صريحه التأمّل في الحرمة (١) ، بل المنع عنها إلى غير ذلك من الأحكام (٢).

ثمّ إن ما ذكرنا كلّه إنّما هو بالنظر إلى قضيّة الأصل عند العلم الإجمالي مع قطع النظر عن اقتضاء الدليل على خلافه في بعض الموارد والأحكام ، وإلاّ فيحكم بمقتضاه كما في مسألة « اللّباس والنظر » ونحوهما ؛ فإنه قيل بلزوم الحرج الشديد من الاحتياط عن لبس ما يختصّ بهما عليها واختيار لباس ثالث خارج عنهما ، أو الاقتصار بما يشترك بينهما إن كان هناك لباس مشترك كما في بعض البلاد. وكذا في مسألة « النظر » لا إشكال في لزوم الحرج عليها من الغض عن الطائفتين.

ثمّ فيما اقتضى دليل نفي الحرج عدم وجوب الاحتياط لم يكن إشكال هناك في عدم جواز المخالفة القطعيّة عليها ، لما أسمعناك مرارا : من قبح تجويزها على الحكيم تعالى ، فيتخيّر في اختيار أحد الطرفين لدفع الحرج تخييرا بدويّا لا يجوز لها العدول إلى الطرف الآخر ، والوجه فيه ظاهر.

ثمّ إنّ هنا شبهتين فيما ذكرنا : من وجوب الاحتياط على الخنثى بالنسبة إلى التكاليف المختصّة بالفريقين أشار إليهما شيخنا في « الكتاب » ، مرجعهما إلى المنع عن العلم الإجمالي بتوجّه الخطاب الإلزامي إليها.

__________________

(١) أنظر جواهر الكلام : ج ٢٩ / ١٠٠ ، والمجلد ١٠ / ٣٩٩ طبعة دار المؤرخ العربي.

(٢) وأنظر أحكام الخنثى في البحث الخامس والخمسين من المقصد الأوّل من الفنّ الثاني من كشف الغطاء : ج ١ / ٢٣٣.

٤٥٧

الأولى : دعوى انصراف الخطابات المختصة (١) سيّما الواردة في باب

__________________

(١) قال السيد عبد الحسين اللاّري قدس‌سره :

« أقول : وجه هذا الإنصراف : ندور وجود الخنثى بحيث يكاد أن يلحق بالممتنعات العاديّة كالعنقاء ، إلاّ انه غير وجيه لكن لا لأنّ ندور الوجود وإن بلغ ما بلغ لا يوجب الإنصراف ما لم ينضمّ إليه ندور الإستعمال حتى يضعّف بان ندور الوجود البالغ بتلك المثابة لا ينفك عن ندور الإستعمال ، بل لأنّ الغلبة الموجبة لإنصراف الأحكام إنّما هي في الشبهات الحكميّة مثل النهي عن حلق اللّحى المنصرف إلى لحاء الرجل دون لحية النساء المتّفقة أحيانا لندورها.

وأمّا الشبهات الموضوعيّة المفروض أنّ اشتباه الحكم فيها من جهة إشتباه الموضوع لا الحكم فندور ذلك الموضوع لا يوجب انصراف الحكم المقرّر له في الواقع بالفرض قطعا وجزما ، كما في الخنثى المفروض ثبوت أحد حكمي الرجل والمرأة عليه في الواقع قطعا وأن الإشتباه في حكمه ناشيء عن اشتباه موضوعه بين معلومي الحكم في الواقع ، فندور مثل ذلك الموضوع وإن بلغ حدّ الإمتناع لا يوجب صرف الحكم المفروض ثبوته له في الواقع وإلى ذلك أشار الماتن [ الأنصاري ] : بأن دعوى الإنصراف كما ترى » إنتهى.

أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٩٨.

* وقال المحقّق آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : لا يظنّ بأحد أن يدّعي الإنصراف في مثل هذه التكاليف المشتركة المعلوم تعلّقها بكل مكلّف حتى الخنثى وإن قيل بانه طبيعة ثالثة لا رجل ولا أنثى فلا يعمّه الأدلّة السمعيّة الدالّة على أنه يجب على الرّجال والنساء حفظ فروجهم ، ولكن يفهم حكمه من إشتراك

٤٥٨

اللباس المتعلّقة بعنوان تشبيه كل من الرجل والأنثى بالآخر إلى غير الخنثى ، فعلى هذا يجوز لها لبس كلا اللّباسين المختصّين في زمان واحد ، فضلا عن زمانين ؛ لرجوع الدعوى المذكورة ـ كما ترى ـ إلى انصراف الخطاب إلى معلوم الذكورية والأنوثيّة ، فالمجهول لا يتعلّق به الخطاب وإن لم يكن في الواقع خارجا عن الفريقين كما هو المفروض.

وأنت خبير بفساد الدعوى المذكورة وإن سلّم ندرة الخنثى المشكل ؛ فإن المفروض عدم خروجها عن الفريقين. نعم ، على القول بكونها طبيعة خارجة عن الفريقين أمكن جعل ندرتها موجبة للانصراف على ما زعمه غير واحد في تعميم سببه بالنسبة إلى ندرة الوجود وإن انفكّ عن ندرة الاستعمال.

الثانية : دعوى اختصاص تنجّز الخطاب بعلم المكلّف بتوجّه خطاب إليه من الشارع بخصوصه ، وإن كان مردّدا بين الخطابين ، وهذا المناط غير متحقق بالنسبة إلى الخنثى.

__________________

الطائفتين في مثل هذه التكاليف بتنقيح المناط ، فالذي يدّعي الإنصراف بحسب الظاهر لا يدّعيه إلاّ بالنسبة إلى التكاليف المخصوصة بإحدى الطائفتين كوجوب صلاة الجمعة على الرّجال ووجوب ستر سائر الجسد عن النظر وفي الصلاة على النساء.

وهذه الدعوى غير بعيدة ولكن الظاهر انّ الإنصراف بدويّ منشأه عدم وضوح حال الفرد بحيث لو علم بإخبار معصوم ونحوه : أنّه من هذا الصنف أو ذاك لا يكاد يشكّ بأحد في استفاده حكمه من الاطلاقات فليتأمّل » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ٢١٩.

٤٥٩

وهذه أيضا كما ترى ؛ إذ بعد تعميم الخطاب بالنسبة إلى الخطاب المردّد لا وجه لمنع العلم به في المقام ، والمقام نظير المكلف المردّد بين كونه حاضرا أو مسافرا ، فهل يجوز له ترك الصلاتين؟

ثمّ إن هذا كلّه في معاملتها مع كل من الرجل الأنثى وحكمها بالنسبة إلى ما يختصّ بهما من التكاليف ، وأمّا معاملة كل من الطائفتين بالنسبة إليها في النظر والتكلّم واستماع الصوت ونحوها فقد يقال بجوازها لهما ؛ نظرا إلى رجوع الشكّ في حقّهما إلى الشبهة الموضوعيّة فيرجعان إلى البراءة ولا عبرة بعلمهما الإجمالي بتعلّق خطاب واقعيّ إلزاميّ إلى أحدهما ؛ فإنه لا يوجب العلم بالخطاب المنجّز بالمعنى الذي عرفته غير مرّة وليس مثلهما إلاّ كمثل واجدي المني في الثوب المشترك.

وتسليم العموم لآيتي الغضّ في قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )(١) وفي قوله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ )(٢) الآية ، غير مفيد ، مع كون المقام من الشبهة الموضوعية ، إلاّ على القول بجواز التمسّك بالعموم في الشبهة الموضوعيّة على ما عرفت الكلام فيه عن قريب.

نعم ، لا إشكال في جواز التمسّك بالعموم على تقدير ثبوته في المقام

__________________

(١) النور : ٣٠.

(٢) النور : ٣١.

٤٦٠