بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-283-8
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٨٨

كونها أجنبيّة بالأصل الموضوعي يرفع موضوع وجوب الوطئ وإن كانا متعاضدين.

ومنه يظهر الكلام في المثال الثاني أيضا ؛ فإنه إذا كان مقتضى الأصل الموضوعي الحكم بعدم تعلق الحلف بشرب المائع الخاص المردد بين الخمر والخل والخل ، المحلوف على شربه ، فلا يلتفت إلى احتمال وجوب شربه قبل احتمال حرمته ؛ من جهة احتمال كونه خمرا ، فيرجع فيه إلى أصالة الحلّيّة والبراءة من حيث إن نفي تعلّق الحلف لشربه لا يثبت كونه خمرا من حيث كونه أصلا مثبتا ، وإن كان ملازما لحرمته في نفس الأمر.

ومنه يظهر الفرق بين المثال والمثال الأوّل ؛ حيث إن الأصل فيه اقتضى كون المرأة أجنبيّة فلا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة فافهم.

وأما المثال المذكور في « الكتاب » فهو مفروض أيضا فيما لم يكن لزيد حالة سابقة متيقنة من حيث الفسق والعدالة ، وإلاّ فيخرج عن مسألة الفرض أيضا.

ثمّ إنّ محلّ الكلام في الشبهة الموضوعيّة كالشبهة الحكميّة على ما عرفت فيما لم يوجب الإرجاع إلى أصالة الحل ، الإذن في المخالفة القطعية العمليّة ، كما إذا كان كل من الوجوب والتحريم المحتملين تعبّديا مثلا والحكم في هذه المسألة حكم الشبهة الحكميّة من غير فرق بينهما أصلا فيما فرض فيه تعدّد الواقعة بحيث يلزم من تجويز الرجوع إلى الأصل المخالفة القطعية العمليّة ولو في واقعتين ، وإن

٢٤١

كان هناك تأمّل في جريان فحوى أخبار التخيير في المقام ، إلاّ أنّك قد عرفت : أن المستند عندنا في الشبهة الحكميّة حكم العقل بالتخيير لا الأخبار وأما لو فرض وحدة الواقعة فلا إشكال في جواز الرجوع إلى أصالة البراءة من حيث عدم لزوم محذور منه أصلا هذا.

وصريح شيخنا في المقام الحكم بالتوقّف وعدم الالتزام بأحد الاحتمالين في مرحلة الظاهر ، بل صريحه كون المختار عنده في الشبهة الحكمية أيضا ذلك ، غاية ما هناك : كون الشبهة الموضوعية أولى بالتوقّف من الشبهة الحكميّة ؛ من حيث عدم لزوم اطّراح قول الإمام فيها أصلا ، وليس فيها أيضا مخالفة عمليّة معلومة ولو إجمالا ، مع أنّ مخالفة المعلوم إجمالا في العمل فوق حد الإحصاء في الشبهات الموضوعيّة. هذا ما أفاده قدس‌سره.

والمراد مما أفاده بقوله : « مع أن مخالفة المعلوم إجمالا ... الى آخره » (١) وقوع ذلك كثيرا في الشبهات الموضوعيّة في ابتداء النظر ، وإلاّ فقد وجّه ما يتراءى منه ذلك في أوّل « الكتاب » وصرّح بقبح ذلك في مواضع من كلماته ، هذا بعض الكلام فيما يتعلّق بالمقام وقد مضى شطر منه في الجزء الأوّل من التعليقة عند الكلام في فروع العلم فراجع إليه.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ١٩٤.

٢٤٢

(٥٠) قوله قدس‌سره : ( وأما دوران الأمر بين ما عدا الوجوب والحرمة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٩٤ )

أقول : قد مضى منّا تفصيل القول في ذلك في أول التعليقة ، فإن أردت الوقوف على حقيقة الأمر فراجع إليه.

نعم ، قد بقي من صور الدوران ما لم يتعرّض له في « الكتاب » ، وهو : دوران الأمر بين الحكمين الإلزاميين وغيرهما من الأحكام الثلاثة الباقية بأقسامه وصوره المتصوّرة ، وإن كان يستفاد حكمه مما أفاده في حكم دوران الأمر بين الوجوب وغير التحريم وعكسه ، فإن رجع الدوران في الفرض حقيقة إلى الإلزام وغيره فيرجع إلى البراءة في نفي الإلزام وتجويز كل من الفعل والترك ، والوجه في عدم تعرّضه له هو ظهور حكمه ممّا ذكره في القسمين. وقد ذكرنا بعض الكلام فيه عند الكلام في حصر الأصول في الأربعة فراجع.

كما أنا ذكرنا بعض الكلام فيما يتعلّق بحكم دوران الأمر بين ما عدا الحكم الإلزامي من الأحكام الثلاثة بصوره الثلاثة سواء كان في الشبهة الحكمية بأقسامها ، أو الموضوعية في أوّل هذا الجزء من التعليقة ، وذكرنا اختلاف حكمه مع دوران الأمر بين الحكم الإلزامي وغيره من حيث عدم جواز الرجوع إلى البراءة في مفروض البحث ؛ من حيث كون جواز كل من الفعل والترك قطعيّا فلا يحتمل فيهما المؤاخذة حتى يرفع بأدلّة البراءة.

٢٤٣

نعم ، لو كان مستند الدوران في المقام في صور اشتباه الحكم تعارض الأخبار ، كان متّحدا حكما لدوران الأمر بين الحكم الإلزامي غيره فيحكم فيهما بالتخيير كما يحكم به فيه على ما عرفت شرح القول فيه ، والوجه فيما ذكرنا ظاهر بعد ملاحظة عموم أخبار التخيير لجميع صور التعارض مع تعادل المتعارضين.

* * *

٢٤٤

أصالة الإشتغال

٢٤٥
٢٤٦

* الموضع الثاني من المقام الأول :

« الشك في المكلّف به »

* المطلب الأوّل : اشتباه الحرام بغير الواجب

* المسألة الأولى : الإشتباه من جهة اشتباه الموضوع

المقام الأوّل : الشبهة المحصورة ـ وفيها مقامان :

ـ المقام الأول : عدم جواز ارتكاب جميع المشتبهات

ـ المقام الثاني : وجوب اجتناب جميع المشتبهات

* تنبهات الشبهة المحصورة

* التنبيه الأول : لا فرق بين كون المشتبهين مندرجين تحت حقيقة واحدة

* التنبيه الثاني : هل تخصتص المؤاخذة بصورة الوقوع في الحرام؟

* التنبيه الثالث : وجوب الإجتناب إنّما هو مع تنجّز التكليف على كل تقدير

٢٤٧
٢٤٨

* التنبيه الرابع : الثابت في المشتبهين وجوب الإجتناب دون سائر الآثار الشرعيّة

* التنبيه الخامس : الإضطرار إلى بعض المحتملات

* التنبيه السادس : لو كانت المشتبهات مما توجد تدريجا

* التنبيه السابع : المانع من اجراء الأصل في المشتبهين هو العلم الإجمالي

* التنبيه الثامن : التسوية بين كون الأصل في كل واحد من المشتبهين هو الحل أو الحرمة* التنبه التاسع : المشتبه بأحد المشتبهين حكمه حكمها

المقام الثاني : الشبهة غير المحصورة

* الإستدلال على رأي المشهور وهو عدم وجوب الإجتناب

* هل يجوز ارتكاب جميع المشتبهات في غير المحصور

* ضابط المحصور وغير المحصور

* اذا كان المردد بين الأمور غير المحصورة أفرادا كثيرة

* أقسام الشك في الحرام مع العلم بالحرمة

٢٤٩
٢٥٠

(٥١) قوله : ( في الشك في المكلّف به ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ١٩٥ )

في الشك في المكلّف به بعد العلم بالتكليف وبيان أقسامه

أقول : مجمل القول في صور الشك المتصوّرة في المقام : هو أن الشك والدوران لا يخلو ؛ إما أن يكون بين الحرام وغير الواجب سواء كان المباح ، أو المكروه ، أو المستحبّ ، أو بين الواجب وغير الحرام كذلك ، أو يكون بين الواجب والحرام ، أو بين الحرام والواجب وغيرهما من الثلاثة ، وإن كان حكمه حكم دوران الأمر بين الواجب والحرام كما هو ظاهر.

وعلى جميع التقادير ؛ إمّا أن يكون الشبهة حكميّة ـ بأن يكون أصل متعلّق الوجوب والتحريم مردّدا في الشريعة ؛ ضرورة أنّ الحكم ليس نفس الوجوب والتحريم مجرّدا ، بل باعتبار تعلّقه بالمكلف ، فالشكّ في كلّ منهما وعدم العلم به موجب للشكّ في الحكم وهذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا ـ أو موضوعيّة.

وعلى تقادير الشبهة الحكمية ؛ إمّا أن يكون سبب الشكّ عدم الدليل على التعيين ، أو إجمال ما دل عليه وعدم بيانه ، أو تعارض الدليلين فيه.

وعلى جميع تقادير الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة ؛ إما أن يكون دوران

٢٥١

الأمر بين المتباينين أو الأقل والأكثر ، وعلى التقدير الثاني ؛ إمّا أن يكون استقلاليّا ـ بمعنى عدم توقف وجود الأقل على وجود الأكثر على تقدير ثبوته ـ أو ارتباطيّا بمعنى ضدّ الاستقلالي ، وعلى التقدير الثاني ؛ إمّا أن يكون الكثرة خارجيّة ويعبّر عنها بالشكّ في الجزئيّة ، أو ذهنية ويعبّر عنها بالشكّ في الشرطيّة. وأمّا الشك في المانعيّة فيرجع إلى الشكّ في الشرطيّة كما لا يخفى.

وعلى التقدير الأول ، أي : دوران الأمر بين غير الأقل والأكثر ؛ إمّا أن يكون الاشتباه بين أمور محصورة ، أو غيرها.

ثمّ المراد بالحرام في المقام كالتحريم في الشكّ في التكليف هو ما كان تحريمه من غير جهة التشريع ، فدوران الأمر بين الواجب والحرام التشريعي داخل في دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام وهكذا في باقي الصور.

وهذا الذي ذكرنا كله من الأقسام إنّما هو مبني على ملاحظة متعلّق التكليف الإلزامي من الوجوب والتحريم ، ولك إجراء جملة ممّا ذكرنا من الأقسام في المستحب والمكروه أيضا حسبما عرفت في الشكّ في التكليف أيضا.

لكنّ الفرق بين المقامين : هو أن أدلّة البراءة من العقل والنقل لم تكن جارية بالنسبة إلى الحكم الغير الإلزامي في المقام الأوّل ؛ لما عرفت : من أنّها تدل على نفي العقاب والضيق المنفيّين في التكليف الغير الإلزامي ، ولكن دليل الاحتياط في المقام وهو حكم العقل حسبما عليه المشهور يجري في المستحب والمكروه أيضا ، غاية الأمر أن يكون حكمه به فيهما غير إلزامي على نحو ما تعلّق بهما من

٢٥٢

الطلب بخلاف الواجب والحرام ، ولكن ما ذكرنا مبني على القول بالاحتياط في الشك في المكلف به. وأما لو قلنا بالبراءة فيه ، أو في بعض أقسامه فلا ، فتأمل.

ثمّ إن الأستاذ العلاّمة أهمل حكم بعض هذه الأقسام في المقام لرجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في التكليف مستقلاّ الذي تقدّم الكلام فيه في المقام الأول.

* * *

٢٥٣

المطلب الأوّل : اشتباه الحرام بغير الواجب

(٥٢) قوله : ( وبعبارة أخرى ). ( ج ٢ / ١٩٩ )

أقول : وبعبارة ثالثة : تأثير العلم الإجمالي في تنجّز الخطاب ـ ولو في الجملة ـ وعدمه ، فيكون حاله حال الشك في التكليف.

* المقام الأوّل : عدم جواز ارتكاب جميع المشتبهات (١)

(٥٣) قوله : ( حتى من يقول : إن الألفاظ (٢) ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٠٠ )

أقول : أراد بذلك الإشارة إلى أن ثبوت المقتضي للاحتياط يعمّ جميع المذاهب في باب الألفاظ ، ولا يختصّ بمذهب القائلين بوضع الألفاظ للأمور النفس الأمريّة كما عليه المشهور ، بل يجري على مذهب من يذهب إلى كونها موضوعة للمعاني المعلومة ، أو منصرفة إليها إذا وقعت في حيّز الطلب ، حسبما هو قضيّة مقالة بعض من تأخّر ؛ لأن الظاهر أن المراد بالقائل بالوضع للمعلوم ، أو الانصراف إليه هو الأعمّ من العلم الإجمالي أو التفصيلي ، هذا.

__________________

(١) وبعبارة أخرى : المراد بالمقام الأوّل : البحث عن حرمة المخالفة القطعيّة للتكليف المعلوم وعدمها.

(٢) كذا وفي الكتاب : « حتى من يقول بكون الألفاظ ... إلى آخره ».

٢٥٤

ولكن لا يخفى عليك أن هذا الاستظهار لا يخلو عن تأمّل على مذهب القائل بالوضع للأمور المعلومة ، بل الظاهر إرادتهم لخصوص العلم التفصيلي حسبما يعلم من الرجوع إلى كلماتهم.

نعم ، بعض القائلين بالانصراف إلى المعلوم قد رأيناه يلتزم في المقام بشمول الخطاب للحرام المعلوم بالإجمال ، فالأولى ابتناء ثبوت المقتضي على اعتراف الخصم ؛ فإنه يعترف بأن الحلّيّة في المقام ليست هي الحلّيّة الواقعيّة ، بل الحلّيّة الظاهريّة المجامعة للحرمة الواقعيّة.

(٥٤) قوله : ( وأمّا عدم المانع : فلأن العقل ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٢٠٠ )

أقول : لا يخفى عليك أن ما يتصوّر أن يكون مانعا من جانب العقل أمور ثلاثة :

__________________

(١) قال السيّد عبد الحسين اللاّري قدس‌سره :

« وجه عدم المانع :

أمّا أوّلا : فلأنّ المانع العقلي هو عدم القدرة والتمكّن من امتثال التكليف والمفروض وجود القدرة والتمكّن من امتثال التكليف بالإحتياط حتى في الشبهة البدويّة فضلا عن مورد العلم الإجمالي.

وأمّا ثانيا : فلأنّ وجود المانع العقلي كعدم المقتضي ممّا لم يحتمله الخصم ولم يعتمد عليه في تجويزه الإرتكاب ، بل الظاهر انحصار معتمدهم في المانع الشرعي » إنتهى.

أنظر التعليقة على فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٦٠.

٢٥٥

أحدها : قبح العقاب من غير بيان وعلم.

ثانيها : قبح التكليف بما لا يطاق.

ثالثها : قبح الخطاب بالمجمل.

وهذه أمور تمسّكوا بها على البراءة في الشك في التكليف ، بل في الشكّ في المكلّف به أيضا في الشّبهة الحكمية ، بل في الشبهة الموضوعيّة أيضا في الجملة ، وشيء منها لا يقتضي للمانعيّة في المقام.

أمّا الأوّل : فلأنّ البيان الذي يحكم العقل بقبح العقاب مع عدمه هو الأعمّ من البيان الإجمالي والتفصيلي ؛ يشهد بذلك حكم العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة المولى عبده الغير الآتي بما قطع إرادة المولى منه إجمالا في ضمن أمور محصورة فالعقاب على المعلوم بالإجمال كالعقاب على المعلوم بالتفصيل ، عقاب مع البيان لا بدونه.

وأمّا الثاني : فلأنّ مسألة التكليف بما لا يطاق لا دخل لها بمسألة البراءة والاشتغال حتى في الشك في التكليف أيضا ؛ لأن البحث فيها مختصّ بما إذا تمكّن المكلّف من الإطاعة والاحتياط ، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في المقام الأول فراجع إليه.

وأمّا الثالث : فلأنه لو سلّم قبح الخطاب بالمجمل حتى فيما يتمكّن المكلّف من الامتثال فلا نسلّمه في المقام ؛ لأن الاشتباه فيه لا دخل له بإجمال الخطاب

٢٥٦

الصادر من الشارع كما لا يخفى.

والأحسن أن يقال : إن العقل مضافا إلى عدم منعه من تنجّز الخطاب المعلوم بالإجمال يحكم بالاستقلال على وجوب إطاعته وقبح مخالفته ، وتجويز الشارع إيّاها كتقبيحه تجويز الشارع المخالفة في صورة العلم التفصيلي.

والوجه فيما ذكرنا من أولويّة التقرير المذكور ـ مضافا إلى كون الأمر كذلك واقعا ـ : هو ابتناء تماميّة ما يذكره في بيان عدم المانع الشرعي عليه ، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى. وهذا وإن أمكن استفادته مما ذكره « دام ظلّه » إلاّ أن ما ذكرنا من البيان أولى وأوفى كما لا يخفى.

بل قد يقال : بأن المقتضي للتحريم الواقعي والمثبت له وإن كان هو الخطاب الواقعي ، إلاّ أن الحاكم بوجوب إطاعته ليس إلاّ العقل ، فهو بالنسبة إلى وجوب الإطاعة لا اقتضاء له أصلا.

نعم ، هو موجد لموضوع حكم العقل لا أن يكون مقتضيا لوجوب الإطاعة.

وبعبارة أخرى : الخطاب الواقعي لا أثر له إلاّ بالنسبة إلى إيجاد الحرمة الواقعيّة ، وأمّا تنجزه المقتضي لحسن المؤاخذة على مخالفته فهو ممّا يحكم به العقل ليس إلاّ ، فتدبّر.

(٥٥) قوله : ( فلم يرد فيه ما يصلح للمنع ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٠٠ )

أقول : ومثل الخبرين الأخبار المطلقة الدالة على البراءة الشاملة للشبهة

٢٥٧

الحكميّة والموضوعيّة ، كقوله : « الناس في سعة ما لم يعلموا » (١) و« رفع عن أمتي تسعة » (٢) وعدّ منها « ما لا يعلمون » إلى غير ذلك ، بناء على كون الظاهر من العلم هو العلم التفصيلي ، لا الأعمّ منه ومن الإجمالي ، ومن هنا تمسّك بها بعض الأصحاب على الحلّيّة في المقام أيضا ، إلاّ أن صلاحيّة الخبرين أقوى ؛ لضعف القول بأن المراد من العلم في هذه الأخبار هو خصوص التفصيلي لا الأعمّ ، ولمكان ضعفه أعرض الأستاذ العلاّمة عن ذكرها.

ويمكن أن يقال : إن مراده « دام ظلّه » من قوله فيما سيجيء : « وغير ذلك » (٣) هي الأخبار المطلقة أو الأعمّ منها ، ومما يقرب الخبرين في المضمون فإنه كثير أيضا ، فتدبّر.

وأمّا الخبران فليس الاستدلال بهما من جهة ادعاء ظهور المعرفة في المعرفة التفصيلية بنفسها ، بل إنّما هو من جهة دعوى الظهور بملاحظة لفظه بعينه ، فتدبّر.

__________________

(١) غوالي اللئالي : ج ١ / ٤٢٤ ـ عنه مستدرك الوسائل : ج ١٨ / ٢٠ باب « ان من فعل ما يوجب الحد جاهلا بالتحريم لم يلزمه شيء من الحدّ » ـ ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ١ / ٥٩ ـ ح ١٣٢ ، عنه الوسائل : ج ٧ / ٢٩٣ باب « عدم بطلان الصلاة بالوسوسة وحديث النفس واستحباب ترك ذلك » ـ ح ٢ ـ وفي الرواية « وضع عن أمتي ... » ، وفي التوحيد : ٣٥٣ ـ ح ٢٤ ، والخصال : ٤١٧ ـ ح ٩ « رفع عن أمتي تسعة ... ».

(٣) فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٠١.

٢٥٨

(٥٦) قوله : ( ويؤيّده : إطلاق ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٠١ )

أقول : لا يخفى عليك ما في التأييد بإطلاق الأمثلة ؛ لأنك قد عرفت من كلام الأستاذ العلاّمة خروج الأمثلة عن محل البحث حتى في المقام الأول. اللهمّ إلا أن يقال : إن اعتبار العلم الإجمالي وعدم جواز الرجوع في مورده إلى الأصول لا يفرّق فيه بين الأصول الموضوعيّة والحكميّة.

إلاّ أن يقال : إن عدم منع العلم الإجمالي عن الرجوع إلى الأصول في الأمثلة لا يلزم عدم منعه في المقام ؛ لعدم حصول الابتلاء بجميع الأطراف العلم (١) فيها ، وسيجيء عدم اعتبار العلم الإجمالي إذا كان الأمر كذلك فلا يصير إطلاقها مؤيدا مع ما فيه من التأمّل. اللهم إلاّ أن يقال : إنها بإطلاقها يشمل صورة الابتلاء أيضا وإن كانت قليلة ، فتأمّل.

(٥٧) ( بل الغالب ثبوت العلم الإجمالي ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٠١ )

أقول : لا يخفى عليك أن ثبوت العلم الإجمالي غالبا مع كون الشبهة غير محصورة لا ينفع إذا لم تكن جواز ارتكاب جميع الأطراف في الشبهة الغير المحصورة مسلّما عند الكل ، حسبما هو قضيّة التحقيق الذي ستقف عليه إن شاء الله تعالى ، وإلا فلا نفع فيه أصلا ، فتدبّر.

بل أقول : إنه لا ينفع على كل تقدير ؛ لأن العلم الإجمالي الحاصل على سبيل

__________________

(١) كذا والصحيح : بجميع أطراف العلم ... إلى آخره.

٢٥٩

الغالب جميع أطرافه ليست محلاّ للابتلاء ، وهذا النّحو من العلم غير مؤثّر جزما.

(٥٨) قوله : ( لأنها كما تدلّ على حليّته ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٠١ )

أقول : لا يخفى عليك أن المراد : إن حرمة ذلك المعلوم إجمالا يكشف عن اختصاصها بغير صورة العلم الإجمالي ؛ لأنّ الدلالة على الحرمة لا يجامع الدلالة على الحليّة ؛ ضرورة أن التكليف يقتضي الامتثال. نعم ، يمكن فرض دلالتها على حلّيّة كل واحد من المشتبهين مع قطع النظر عن العلم الإجمالي ، لكنّه مجرّد اعتبار لا ينفع أبدا ؛ لأن المفروض وجود العلم الإجمالي ، والغضّ عنه لا يجعله معدوما.

(٥٩) قوله : ( وأمّا قوله عليه‌السلام فهو لك حلال ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٢٠٢ )

أقول : لا يخفى عليك الوجه في الظهور الذي ذكره « دام ظلّه » العالي (١) ؛

__________________

(١) قال السيّد عبد الحسين اللاّري قدس‌سره :

« وجه الظهور : ليس هو أولويّة التأسيس من التأكيد فإنّه مشترك بين الحديثين بل إنّما هو أمران آخران مختصّان بالحديث الثاني.

أحدهما : ظهور المعرفة في تشخيص الأمور الجزئية من جميع الجهات بخلاف العلم.

ثانيهما : ظهور قوله في الحديث الثاني : « كلّ شيء فيه حلال وحرام » على مورد العلم الإجمالي لا مجرّد الشبهة البدويّة بخلاف قوله في الحديث الأوّل : ( كل شيء لك حلال حتى تعلم ).

إلاّ انّ إبقاء الحديث الثاني على ذلك الظهور لمّا استلزم حلّيّة الحرام المردّد في الواقع دون

٢٦٠